loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1-  الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تُسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه على واقعة الدعوى ، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة - الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد – هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به وكان مرد التعديل هو عدم توافر الدليل على ثبوت نية القتل لدى المحكوم عليهما دون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى فإن الوصف الذي نزلت إليه المحكمة في هذا النطاق حين اعتبرت الطاعن مرتكب لجريمة الضرب المفضي إلى العاهة المستديمة لا يُجافي التطبيق القانوني السليم في شيء ولا محل لما يثيره من دعوى الإخلال بحق الدفاع إذ المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو دفاعه إلى ما أجرته من تعديلٍ في الوصف نتيجة استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رُفعت بها الدعوى ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير قويم .

( الطعن رقم 19145 لسنة 92 ق - جلسة 21 / 2 / 2024 )

2ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف الترصد بقوله : " .... أن الترصد ظرف عيني مشدد للعقوبة كظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أيهما يغني عن ضرورة إثبات الآخر ، بيد أنه ومع ذلك وكان يكفي لتحقق ظرف الترصد مجرد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء وكان الثابت أن المتهم قد ادعى النوم بجوار والده فى مخدعه الذي يبيت فيه حتى اطمأن إلى أنه قد غط فى نومه وكان المجني عليه قد هجع تماماً وما إن ظفر به وهو على هذه الحالة حتى والى الاعتداء عليه ولم يتركه إلا بعد أن أدرك أنه جثة هامدة بما يتعين رفض الدفع " . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على توافر ظرف الترصد غير سائغ ذلك أن الطاعن وقت الحادث كان متواجداً أصلاً بغرفة نوم والده وبجواره فى مخدعه وما إن غط الأخير فى نومه حتى تسلل المتهم من جواره فى خفة واعتدى بعصاه على رأس والده ثلاث ضربات حتى فارق الحياة ومن ثم فإن ما بدر منه من أفعال تغاير فعل الانتظار والمكوث والتربص اللازم لقيام ظرف الترصد فإن هذا الظرف - والحال كذلك - يضحى غير متوافر فى حق المتهم ، هذا فضلاً عن أن حكم ظرف سبق الإصرار فى تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر ، ومن ثم فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من فساد استدلال الحكم فى استظهار ظرف الترصد .

( الطعن رقم 28565 لسنة 86 ق - جلسة 2017/05/06 )

3ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الإصرار وكشف عن توافره فى قوله : " فهو ثابت فى الدعوى فى حق المتهمين بإيقافهما وعقدهما العزم على سرقة أي شخص يتصادف مروره بالطريق العام وإعدادهما السكين بحوزة الأول والمطواة قرن الغزال بحوزة الثاني لقتل المجني عليه عند مقاومته لهما للاستيلاء على ما بحوزته ، وهو ما يدل بيقين على توافر ظرف سبق الإصرار فى حقهما ، كما هو معرف قانوناً ودلت عليه ظروف وملابسات الحادث وتصرفات المتهمين . " وكان من المقرر أن البحث فى توافر ظرف سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج ، فإن ما أورده الحكم - فيما سلف - يتحقق به سبق الإصرار على النحو المعرف قانوناً ، ويكون النعي على الحكم فى هذا الشأن غير سديد .

( الطعن رقم 3223 لسنة 82 ق - جلسة 2014/05/08 س 65 )

4ـ لما كان الحكم قد استخلص قيام ظرف الترصد مما ثبت لديه من تربص الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم للمجنى عليه فى طريق عودته لمسكنه وأنه لا سبيل لعودة المجنى عليه إلى مسكنه سوى المرور من هذا المكان وقيامهم فجأة بالاعتداء وهو استخلاص له مأخذه الصحيح من الأوراق ، ويتوافر به قيام هذا الظرف الذى يكفى لتحققه مجرد تربص الجاني للمجنى عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد باستخفاء أو بغير استخفاء . هذا إلى أن حكم ظرفالترصد فى تشديد العقوبة لحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر ومن ثم فلا يكون للطاعن مصلحة فيما أثاره من قصور الحكم فى استظهار ظرف الترصد .

( الطعن رقم 10226 لسنة 71 ق - جلسة 2009/01/22 )

5ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص قيام ظرف الترصد مما ثبت لديه من أن الطاعن والمحكوم عليه الآخر بعد أن أعملا فكرهما وبيتا النية وعقدا العزم على قتل المجني عليه وصمما على إنفاذ قصدهما بقتله وأعدا سلاحا ناريا وذخيرة وبلطة توجها إلى المكان الذي أيقنا تواجد المجني عليه فيه حتى إذا ما ظفرا به أطلق عليه الطاعن عياراً نارياً وضربه المحكوم عليه الآخر بالبلطة فى أماكن متفرقة من جسده ثم عاود الطاعن إطلاق النار عليه مرة ثانية وهو استخلاص سائغ ويتوافر به قيام هذا الظرف الذي يكفي لتحققه مجرد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء ، ومن ثم فإن منعى الطاعن فى هذا الشأن يكون لا محل له .

( الطعن رقم 53603 لسنة 75 ق - جلسة 2006/06/11 - س 57 ص 726 ق 74 )

6ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف الترصد بقوله : " وحيث إنه عن ظرف الترصد والذي يتمثل فى تربص الإنسان لشخص فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه والترصد ظرف عينى مشدد وصفته لاصقة بذات الفعل المادي المكون للجريمة ويكفي توافره فى حق المتهم تربصه للمجني عليه وترقبه فترة من الزمن طالت أم قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى الاعتداء عليه ودون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد فى مكان خاص بالجاني نفسه ، ولما كان الثابت من الأوراق أن المتهمة تربصت لزوجها المجني عليه داخل مسكنها وترقبته فترة من الزمن لحين عودته إلى منزل الزوجية وحددت يوم أجازته الذي سيقضيه معها لتنفيذ جريمتها التي عقدت العزم وبيتت النية على ارتكابها بعد أن تدبرت أمر ذلك فى هدوء وروية وذلك عندما طلب منها المجني عليه أن تعد له طعام الغذاء والذي تصنعت بأنها تقوم بتجهيزه داخل المطبخ وقامت بمكر ودهاء بدس السم فيه خلسة وقدمته له فالتهمه لحبه الشديد لهذا النوع من الطعام ولشدة جوعه مما نجم عنه إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته ومن ثم يضحى ظرف الترصد بعنصريه الزمني والمكاني متوافراً فى حق المتهمة " . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على توافر ظرف الترصدغير سائغ ذلك أن المتهمة متواجدة أصلاً بالمسكن محل الواقعة وبالاشتراك مع زوجها المجني عليه والذي يقيم فيه معها أيضاً وأن ما بدر منها من أفعال تغاير فعل الانتظار والمكث والتربص اللازم لقيام ظرف الترصد ، فإن هذا الظرف والحال كذلك يضحى غير متوافر فى حق المتهمة .

( الطعن رقم 42103 لسنة 75 ق - جلسة 2006/04/04 - س 57 ص 470 ق 55 ) 

7ـ لما كان من المقرر أن البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتناف عقلاً مع ذلك الاستنتاج , وكان الحكم قد بين توافر ظرف سبق الإصرار بقوله " وحيث إنه عن توافر ظرف سبق الإصرار لدى المتهمين فإن الثابت من الأوراق أن المتهم الأول قد دفعته شهوة الحاجة إلى المال إلى إعمال فكره فى هدوء وترو ووقع اختياره على المجنى عليه ليكون فريسته لما عرف عنه أن يدير شادر الفاكهة المملوك لوالده ويعود فى وقت متآخر من الليل حاملاً معه إيراد وحصيلة البيع وقد كشف المتهم له أيضاً عن شخص المجنى عليه وأبلغ المتهم الثانى الثالث بما انتواه المتهم الأول وكشف له أيضاً عن شخص المجنى عليه الذى وقع عليه الاختيار ووزعوا جميعاً أدوارهم على مسرح الجريمة وظلوا وقتاً ليس بالقليل فى انتظار قدوم المجنى عليه إلى أن ظفروا به فقام كل منهم بدوره المتفق عليه فضلاً عن أن الترصد فى ذاته على النحو الذى كشفت عنه التحقيقات يقطع بتوافر ظرف سبق الإصرار " ودلل على ثبوت ظرف الترصد فى قوله " وحيث إنه عن توافر ظرف سبق الترصد فقد كشفت التحقيقات وأقوال المتهمين فيها عن أن المتهم الأول كمن للمجنى عليه أسفل سلم العقار الذى يقيم فيه بينما انتظره المتهمان الثانى والثالث فى الطريق لمراقبة حضوره وإبلاغ المتهم الأول فور رؤيته بإشارة صوتية وهو ما يقطع بتوافر ظرف الترصد فى الأوراق " فإن ما أورده الحكم - فيما سلف - يتحقق به ظرفا سبق الإصرار والترصد على النحو المعروف قانوناً , وهو ما يكفى للرد على ما أثاره الدفاع عن المحكوم عليه بشأن انتفاء ظرفى سبق الإصرار والترصد .

( الطعن رقم 40661 لسنة 73 ق - جلسة 2004/04/05 س 55 ع 1 ص 360 ق 46)

8ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرفي سبق الإصرار والترصد وكشف عن توافرهما فى قوله : " … وعن ظرف سبق الإصرار فإنه من المقرر أن البحث فى توافره من إطلاقات المحكمة تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج . لما كان ذلك، وكان هناك خصومة ثأرية بين عائلة المتهمين ( بيت .....) وبين عائلة المجني عليهم (.... ومن ينتمون إليهم ) كان آخرها مقتل ..... والشروع فى قتل ابنه ..... فى 1/4/2002 وكان المتهمون قد خططوا ودبروا وأعملوا الفكر فى هدوء وروية وأعدوا الأسلحة الآلية الفتاكة وذخائرها التي تطلق منها، وإمعاناً فى التدبير والتخطيط لجأوا للخديعة والغدر بأن تظاهروا بقبول الصلح الذي انعقد على المستوى الرسمي والشعبي فى 6/5/2002 فكان لهم من الوقت ما أرادوا منتظرين أن تتهيأ لهم الفرصة المناسبة لاقتراف جرمهم، وما أن لاحت هذه الفرصة حتى انقضوا على المجني عليهم بأسلحتهم الفتاكة قاصدين قتلهم مصرين على ذلك، فبلغوا مقصدهم حيث أحالوا اثنين وعشرين راكباً من ركاب السيارتين إلى جثث وأشلاء، ولم يظفر بالنجاة سوى ثلاثة أراد الله سبحانه وتعالى أن يكونوا هم شهود تلك الواقعة والتي لم يقع فى تاريخ مصر الحديث مثلها بشاعة من حيث فظاعة الجرم وكثرة عدد المجني عليهم فيها وعن ظرف الترصد فإنه لما كان هذا الظرف من الظروف العينية التي تعنى بتربص الجناة للمجني عليهم فى المكان أو الأماكن التي اعتاد هؤلاء التواجد فيها أو المرور منها للظفر بهم والنيل منهم . لما كان ذلك، وكان المتهمون قد رصدوا تحركات المجني عليهم بعد أن علموا بتوجههم فى توقيت الحادث إلى محكمة جنايات سوهاج مجاملة لقريبيهم المتهمين فى جناية مقتل قريب هؤلاء المتهمين وانتظروهم فى الطريق الذي أيقنوا سلفاً مرورهم فيه، وعند مرورهم باغتوهم وخرجوا عليهم من مكمنهم مسلحين بأسلحتهم الفتاكة حيث أمطروهم بوابل من النيران وأجهزوا على اثنين وعشرين منهم وأصابوا ثلاثة آخرين، فإنه فى هذه الأفعال يتجلى ظرف الترصد على النحو الذي أراده القانون وعرفه " . وكان من المقرر أن البحث فى توافر ظرف سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج "، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يتحقق به ظرفا سبق الإصرار والترصد على النحو المعرف قانوناً فإن النعي على الحكم فى هذا الشأن يكون غير سديد .

(الطعن رقم 38328 لسنة 73 ق - جلسة 2004/04/01 س 55 ع 1 ص 287 ق 42 )

9ـ لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف الترصد فى حق المحكوم عليهما ورد على قول الدفاع بانتفاء هذا الظرف بقوله "الثابت فى الأوراق وما قرر به شهود الإثبات الذين تطمئن إليهم المحكمة واعتراف المتهمان بإرادتهما الحرة الواعية بتحقيقات النيابة العامة أنهما وبعد أن اتفقا على قتل المجني عليه وأعدا سلاح تنفيذ جريمتهما كمنا له فى الطريق العام الذي أيقنا مروره فيه حال عودته إلى مسكنه مترقبين لحظة قدومه متعطشين لوفاته وما أن شاهداه حتى ناول الابن العاق المتهم الأول السكين للمتهم الثاني فباغته بطعنة قاتلة استقرت أعلى يسار مقدم البطن فأحدثت إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ومن ثم فإن ظرف الترصد بعنصرية الزمني والمكاني يضحى متوافرا فى حق المتهمين ويضحى الدفاع بانتفاء هذا الظرف لا يسانده واقع أو قانون مما يتعين رفضه" وهو قول سديد من الحكم لما هو مقرر من أنه يكفي لتحقق ظرفالترصد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه، والبحث فى توافر هذا الظرف من أطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج - وهو الحال فى الدعوى المطروحة .

( الطعن رقم 14318 لسنة 71 ق - جلسة 2002/03/07 - س 53 ص 397 ق 71 )

10ـ من المقرر أن تقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانوناً مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع بغير أن تكون ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها إلى توقيع العقوبات بالقدر الذي ارتأته وكانت المادة 230 من قانون العقوبات تقضي بأن عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد هي الإعدام فإن ما يثار فى هذا الخصوص لا يكون سديداً .

( الطعن رقم 14318 لسنة 71 ق -  جلسة 2002/03/07 - س 53 ص 397 ق 71 )

11ـ لما كان الحكم قد استظهر قيام ظرف الترصد فى قوله "وحيث إنه عن ظرف الترصد فهو متوافر فى حق المتهم من ترصده المجني عليها صباح كل يوم على مدى حوالي شهرين حاملا سلاحه الناري المعمر بالطلقات مترقبا لها فى مكان إقامتها وما أن واتته الفرصة حتى صعد إلى حيث غرفة نومها وظل قابعا خلف عشة دواجن أمامها غسيل منشور مترصدا لها حتى تيقن أنها بمفردها وظفر بها مستلقية على سريرها وانقض عليها وأطلق رصاصاته القاتلة وتوصل بذلك إلى مفاجأتها بالاعتداء عليها ومن ثم يكون ظرف الترصد قد تحقق وتوافر فى حق المتهم". وكان نصا المادة 196 من قانونه العقوبات الأهلي قد جرى على أن "الترصد هو تربص الإنسان لشخص فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو بإيذائه بالضرب ونحوه" وقد أبقى على ذات النص بذات الصياغة فى المادة 232 من قانون العقوبات الحالي, وكانت هذه الصياغة نقلت نصا من التشريع العقابي الفرنسي الذي استخدم مصطلح "CUET APENS" الذي عبر عنه المشرع المصري بكلمة ترصد, واستخدم النص الفرنسي فى تعريفه فعل "Attander" ومعناه الانتظار والذي عبر عنه النص المصري بالتربص, وإذ كان الترصد لغة يعني تربص المتهم للمجني عليه على نحو يفاجئه فيه بفعله, كي يقتله أو يؤذيه فى بدنه, ويقال ربص بفلان ربصا أي انتظر خيرا أو شرا يحل به, والتربص بالشيء أي المكث والانتظار, ويقال فى التنزيل العزيز "قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين". وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الترصد هو تربص الجاني للمجني عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه, وكان جماع ذلك كله إنما ينصرف إلى اعتبار جوهر ظرف الترصد هو انتظار الجاني للمجني عليه لمباغتته والغدر به ولدى وصوله أو مروره بمكان الانتظار, ولا يتحقق بالسعي إلى المجني عليه فى مأمنه على حين غفلة منه مهما توصل الجاني إلى ذلك بوسائل التسلل أو التخفي. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد أقام عماد استخلاصه لتوافر ظرف الترصد فى حق الطاعن عن سعيه إلى منزل المجني عليها وصعوده إلى أعلاه وتخفيه خلف حظيرة للدواجن ثم اقتحامه غرفة نومها ومفاجأته لها حال استلقائها بسريرها وإطلاق النار عليها, وجميعها أفعال تغاير فعل الانتظار والمكث والتربص اللازم لقيام ظرفالترصد, ومن ثم يكون الحكم - وقد استدل بتلك الأفعال التي لا تنتج ذلك الظرف أو تثبته - معيباً بالفساد فى استدلاله على ظرف الترصد أيضاً .

( الطعن رقم 24740 لسنة 70 ق - جلسة 2001/12/24 - س 52 ص 1027 ق 191 )

12 ـ من المقرر أن الترصد - بفرض ثبوته - لا يصلح بدءا فى تنفيذ جريمة القتل إذ يكون المجال أمام الجاني مازال فيه متسع للعدول - ومن ثم فلا يعد بذاته شروعا فيه لأنه لا يؤدي إلى وقوع القتل حالا ولا مباشرة, ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلا مما يفيد توفر البدء فى التنفيذ, وقصد القتل وهما من الأركان التي لا تقوم جريمة الشروع فى القتل إلا بها, فإنه يكون قاصر البيان بما يبطله .

( الطعن رقم 8858 لسنة 67 ق - جلسة 1999/05/09 - س 50 ص 282 ق 66 )

13 ـ لما كان ما أورده الحكم تدليلاً على توافر ظروف الترصد كافياً وسائغاً ولا ينفيه أن يكون الترصد فى مكان خاص بالجناة ولا يعيب الحكم من بعد خطؤه - فى موضع منه - فى بيان المكان الذى كمن فيه المتهمان الثالث والرابع طالما أنه غير مؤثر فى منطقه أو النتيجة التى إنتهى إليها .

( الطعن رقم 292 لسنة 60 ق - جلسة 1991/05/02 - س 42 ع 1 ص 702 ق 102 )

14 ـ الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانونى السليم الذى ترى إنطباقه عليها ، كما أن مرد التعديل الذى أجرته المحكمة هو عدم قيام الدليل على توافر ظرف الترصد وإستبعاده بإعتباره ظرفاً مشدداً للعقوبة ، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فى الطعن على الحكم فى هذا الشأن ، إذ لم يضار بهذا التعديل ، وإنما قد إنتفع منه بمحاكمته عن وصف أخف من الوصف الذى رفعت به الدعوى .

( الطعن رقم 61333 لسنة 59 ق - جلسة 1991/01/17 - س 42 ع 1 ص 104 ق 14 )

15ـ لما كانت العقوبة المقضى بها على الطاعن - وهى الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل فى الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجردة من أى ظروف مشددة فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من فساد إستدلال الحكم فى إستظهار ظرف سبق الإصرار أو إضافته ظرف الترصد إلى وصف التهمة دون لفت نظر الدفاع ، هذا إلى أن حكم ظرف سبق الإصرار فى تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر . 

( الطعن رقم 597 لسنة 51 ق - جلسة 1981/11/12 - س 32 ص 893 ق 154 )

شرح خبراء القانون

الترصد :

تعريف : عرف الشارع الترصد في المادة 232 من قانون العقوبات في قوله « الترصد هو تربص الإنسان الشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذاءه بالضرب ونحوه »، ويعني ذلك أن جوهر الترصدهو التربص ومفاجأة المجنى عليه ، أو انتظار الجاني ضحيته في مكان اعتقد ملاءمته لتنفيذ الجريمة تنفيذاً مفاجئاً ، وسواء في ذلك أن ينتظره متخفياً حتى تتحقق المفاجأة في صورتها الكاملة أو غير متخف، فقد يكون الطريق العام وليس من عناصره كذلك أن تطول مدة الانتظار ؛ وليس من عناصره في النهاية التخفي .

علة التشديد : شدد الشارع العقاب في حالة الترصد لاعتبارين : أولهما أنه يسهل للجاني تنفيذ جريمته ، إذ يفاجئ المجنى عليه فيغتاله بغتة دون أن يتاح له أن يدافع عن نفسه الدفاع الذي كان يستطيعه لو واجهه فكانت لديه فرصة المقاومة، أما الاعتبار الثاني فهو دلالته على خطورة شخصية الجاني : إذ هو يتخير الظروف الملائمة لتنفيذ جريمته ، ثم هو يجبن عن مواجهة غريمه ويطعنه من الخلف في نذالة .

العلاقة بين الترصد وسبق الإصرار : الترصد ظرف عيني يتعلق بكيفية تنفيذ الجريمة ولا شأن له بقصد الجانی ، وعلى نقيض ذلك فإن سبق الإصرار ظرف شخصي يتعلق بقصد الجاني ولا شأن له بكيفية تنفيذ الجريمة ويعني ذلك أن ثمة اختلافاً بينهما من حيث الطبيعة القانونية ، ومن حيث ركن الجريمة الذي يتعلق به كل منهما ، وتنبني على هذا الاختلاف نتائج قانونية، وأهم هذه النتائج إمكان تصور أحدهما دون الآخر: فيتصور أن يتوافر الترصد دون سبق الإصرار ، كما لو تربص شخص لآخر بمجرد أن خطرت له فكرة قتله أو بعد أن فكر خلال وقت في قتله ، ولكن كانت نفسه هائجة بحيث لم يتوافر له الهدوء في التفكير الذي يقتضيه سبق الإصرار  ويتصور توافر سبق الإصرار دون الترصد، كما لو أصر شخص على قتل آخر وواجهه بفعله دون أن يتربص له وقد ذهب رأى إلى أن الترصد يفترض سبق الإصرار ، باعتبار أن الجاني الذي انتظر ضحيته في مكان أعتقد أنه أفضل من غيره لتنفيذ الجريمة هو شخص فكر فيها وصمم عليها في هدوء أتاح له أن يفاضل بين أماكن تنفيذها وأن يختار أكثرها ملائمة  وهذا الرأي غير صحيح : فهو يقوم على تشويه لفكرة سبق الإصرار ، ويقيمها على أساس من سبق التصميم على التنفيذ العنصر الزمني ويغفل الهدوء في التفكير العنصر النفسي الذي يعد أهم عنصری سبق الإصرار ، فالمترصد قد سبق تصميمه الإجرامي تربصه لضحيته ، ولكن من الجائز أن يكون ترصده متجرداً من ذلك الهدوء ، فلا يتوافر لديه سبق الإصرار وتقر محكمة النقض الاستقلال بين الطرفين : ويترتب على ذلك أنه يجب على المحكمة تشديد العقاب عند توافر الترصد دون أن تكون ملزمة بإثبات سبق الإصرار كذلك .

الترصد مستقل عن الأوصاف التي تلحق القصد الجنائي : قدمنا أن الترصد يتعلق بكيفية تنفيذ الجريمة ، ومن ثم فلا شأن له بالقصد الجنائي ، والنتيجة المنطقية لذلك أنه لا يتأثر بما يعرض له من أوصاف : فيتوافر الترصد ولو كان القصد غير محدود ، كما لو تربص شخص ليطلق النار على جماعة من أشياع خصمه کي يصيب منهم من يصيب دون تحديد لأشخاصهم ، أو كفوضوي يتربص لقتل أي شخص تسوقه الظروف أمامه .

ويتوافر الترصد ولو كان تنفيذ القتل معلقاً على شرط ، وقد يكون الشرط تصرفاً يصدر عن المجنى عليه  ولا يحول دون توافر الترصد أن يقع غلط في شخصية المجني عليه أو خطأ في توجيه الفعل : فمن تربص ليطلق النار على عدوه فأصاب شخصاً آخر معتقداً أنه عدوه ؛ أو أصابت النار شخصاً كان يسير إلى جانب عدوه يسأل عن قتل مصحوب بالترصد .

إثبات الترصد : الترصد واقعة مادية ، ومن ثم يرد عليها الدليل المباشر ، وكل الأدلة مقبولة قضاء في إثباتها . والقول بتوافر الترصد من شأن قاضي الموضوع ، فلا تعقيب عليه من قبل محكمة النقض  ولا يستتبع نفي الترصد نفي نية القتل ، وإنما يبقى القتل غير مشدد ، وقد يقترن بسبب تشدید آخر.

عقوبة القتل المصحوب بالترصد : إذا ثبت اصطحاب القتل بالترصد كانت العقوبة الإعدام (المادة 230 من قانون العقوبات) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة : 420 )

يقع القتل اعتداء على حق الإنسان في الحياة، ولذلك فإن محل الاعتداء في جريمة القتل هو الإنسان الحي فالمشرع يتطلب أن تتوافر في محل الاعتداء صفة الإنسانية وشرط الحياة فإن تخلف أحدهما لا تقع جريمة القتل وإن أمكن أن تقع بالفعل جريمة أخرى .

ولا تثير لحظة انتهاء الحياة صعوبة ما ، إذ هي اللحظة التي يلفظ فيها الإنسان نفسه الأخير ، حيث تتوقف كل وظائف الجسم توقفاً تاماً وإنما يثور التساؤل حول تحديد اللحظة التي تبدأ فيها الحياة ؟ وترجع أهمية التحديد إلى اختلاف نطاق الحماية القانونية التي يسبغها المشرع على الإنسان قبل هذه اللحظة عنه بعدها فقبل هذه اللحظة يعتبر الإنسان جنيناً فتحميه النصوص التي تعاقب على الإجهاض ، بينما تحميه منذ أن تبدأ الحياة النصوص التي تعاقب على القتل ، وكذلك النصوص المتعلقة بالجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة والحماية التي تقررها نصوص الإجهاض أضيق نطاقاً من تلك التي تتضمنها نصوص القتل ، فالمشرع لا يعاقب على الإجهاض إلا إذا كان عمدياً ، بينما يعاقب عن القتل سواء كان عمدياً أو غير عمدي كذلك لا عقاب على الشروع في الإجهاض بينما يوقع العقاب على الشروع في القتل وبالإضافة إلى ذلك فإن المشرع لا يجرم إيذاء الجنين بينما يجرم الإيذاء البدني الواقع على الإنسان الحي .

ولا يثير هذا التحديد صعوبة إذا وقع إعدام الجنين قبل بدء عملية الولادة، إذ يخضع عندئذ لنصوص الإجهاض ، أو بعد انتهاء عملية الولادة ، إذ تطبق عندئذ نصوص القتل ؛ ولكن الصعوبة تثور حول ما إذا كانت صفة الإنسان الحي تتحقق في الفترة التي تنحصر بين بدء عملية الولادة ونهايتها أم أنه يعتبر جنيناً ؟ استقر الفقه الجنائي على أن الحياة التي يعنيها المشرع في نصوص جريمة القتل تبدأ منذ اللحظة التي تبدأ فيها عملية الولادة ، وهي اللحظة التي يصبح عندها الجنين صالحاً للحياة خارج جسم أمه ، وقابلاً للتأثر تأثراً مباشراً بالعالم الخارجي ويترتب على هذا التحديد أنه إذا أخطأ الطبيب أثناء إجراء عملية الولادة خطأ أدى إلى وفاة المولود فإنه يسأل عن جريمة القتل غير العمدي ، بينما لا يسأل الطبيب إطلاقاً إذا اعتبرنا أن المولود لا يزال جنيناً في هذه الفترة حيث أن جريمة الإجهاض لا تكون إلا عمدية .

وإذا تحقق في محل الاعتداء أنه إنسان حي فإن ذلك يكفى لقيام هذا الركن فيستوي بعد ذلك سن المجني عليه أو جنسه أو مستواه الاجتماعي ، فالمجتمع يحمي حق المجنى عليه في الحياة سواء كان غنياً أو فقيراً متعلماً أو جاهلاً مفيداً للمجتمع أو ضاراً به فتقع جريمة القتل ولو كان المجني عليه مجرماً خطيراً بل ولو كان محكوماً عليه بالإعدام ذلك أن حق هذا الشخص في الحياة يظل محلاً لحماية القانون إلى أن ينفذ فيه الإعدام بالطريق القانونی .

كذلك يستوي في نظر المشرع أن يكون المجني عليه معافي أو معانياً من مرض خطير ، بل ولو كان هذا المرض يسبب له آلاماً مبرحة فيسأل الطبيب عن جريمة القتل إذا أنهي حياة المريض إشفاقاً عليه من الآلام التي يعانيها ولو كان ذلك بناءً على رجاء المريض أو أهله بل ولو كان هذا المرض يؤدي به حتماً إلى الموت .

ويستوي في نظر المشرع أيضاً أن يكون المجني عليه عادياً أو مشوهاً فتقع جريمة القتل إذا كان المجني عليه قد ولد في صورة غير طبيعية ، ولو كان تشويهه ينذر بموت عاجل كذلك يستوي أن يكون المجني عليه متخلفاً من الناحية الذهنية أو كان أحد العباقرة .

الترصد وسبق الإصرار :

يختلف الترصد عن سبق الإصرار من حيث طبيعة كل منها، فبينما رأينا أن سبق الإصرار ظرف شخصی، نجد الترصد ظرفاً عينياً يتعلق بماديات الجريمة ولا شأن له بقصد الجاني ، ويعني ذلك أنه بينما يقتصر أثر سبق الإصرار على من توافر لديه ، فإن أثر الترصد يمتد إلى كل المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء .

وإذا كان الغالب أن يتحقق سبق الإصرار إلى جانب الترصد ، فإنه قد يتوافر أحدهما دون الآخر ؛ فقد يتوافر الترصد وحده كما إذا تشاجر الجاني مع المجنى عليه ، أو سمع عنه أخباراً أثارت ثائرته ، فتربص له حتى فاجأه بالاعتداء دون أن يكون قد أتيح له التفكير الهادئ المطمئن المتروى في مشروعه الإجرامي كذلك قد يتحقق سبق الإصرار دون الترصد كما لو عزم الجاني على قتل ضحيته وفكر في ذلك تفكيراً هادئاً متروياً ثم واجهة بتنفيذ القتل دون أن يتربص له .

والترصد - شأنه شأن سبق الإصرار - لا يؤثر في قيامه أن يكون مقصد الجاني محدوداً أو غير محدود ، معلقاً على شرط أو موقوفاً علی حدوث أمر ، كذلك لا ينفى تحقق الترصد أن يكون الجاني قد أصاب شخصاً غير من أراد إزهاق روحه سواء كان ذلك الخطأ في توجيه الفعل أو لغلط في شخصية المجني عليه ويعتبر ذلك تطبيقاً للقواعد العامة في القصد الجنائي ، فلا يجوز الاعتراض عليه بكون المادة 232 ع الخاصة بالترصد لم تنص عليه كما فعلت المادة 231 ع الخاصة بسبق الإصرار .

بيان الترصد في الحكم :

إذا تحقق الترصد وجب أن تقيم المحكمة الدليل على قيامه ، وإن كان لا يشترط أن تستعمل لفظ الترصد، وإثبات الترصد يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون تعقيب عليها من محكمة النقض طالما كان الاستدلال على توافره صحيحاً . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة : 362 )

يتحقق الترصد بانتظار الجاني للمجني عليه في المكان الذي يعرف أنه سوف يأتي إليه سواء كان ذلك بالتربص له في مكان ثابت أو في طريق عام أو بالسير في بعض الطريق انتظاراً لقدوم المجني عليه من مكان ما لمفاجأته بالاعتداء عليه ، حتى إذا ما قدم ظفر به وقتله، مهما طالت أو قصرت مدة الزمن الذي استغرقه التربص .

ولا يشترط لتوافر الترصد أن يكون الجاني متخفياً أو أن ينتظر المجني عليه مدة طويلة، فالترصد يسهل للجاني اقتناص المجني عليه بالمباغتة والغدر، مما تتوافر به حكمة التشديد .

ويعاقب على القتل العمد مع الترصد بعقوبة الإعدام (المادة 230 عقوبات) .

ولا جدوى لتمسك الطاعن بعدم توافر الترصد في جريمة القتل العمد المنسوبة إليه ما دامت العقوبة المحكوم بها مقررة لجريمة القتل العمد بغير ترصد . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة : 83 )

الترصد هو من الظروف الموضوعية التي تتعلق بكيفية تنفيذ الجريمة وليس من الظروف الشخصية المتصلة بالجاني، كما هو الشأن في سبق الإصرار .

وعلة التشديد للترصد إنما تتصل بفكرة نقصان للدفاع أو المقاومة من قبل المجني عليه الذي يباغت بالنتيجة .

فالجاني الذي يضع المجني عليه في ظروف لا تمكنه من الدفاع أو المقاومة إنما يعبر عن درجة كبيرة من الإجرام لسهولة ارتكابه لجريمة دون تمكين المجني عليه من أية مقاومة، والترصد في ذلك يتشابه مع القتل بالسم .

سبق الإصرار والترصد :

إذا كان الغالب الأعم في حالات القتل مع الترصد هو توافر سبق الإصرار فيها، فإن الترصد لا يفترض توافر سبق الإصرار، ولذلك فقد رفض القضاء استخلاص سبق الإصرار بالضرورة من توافر الترصد. فإذا كان الجاني قد كمن للمجني عليه وترصد له انتظاراً لمروره، فإن هذا الفعل وإن كان قرينة على سبق الإصرار إلا أنها قرينة غير كافية مادامت لم تكمل بعناصر أخرى .

وإذا كان الترصد يفيد الإعداد السابق للجريمة منذ لحظة القرار الإرادي إلى لحظة التنفيذ، فإنه لا يعكس الحالة النفسية المحيطة بفكرة الجريمة لدى الجاني، وما إذا كانت امتدت في الزمن تحت سيطرة الانفعال من عدمه .

فالترصد بالنسبة لسبق الإصرار يعتبر مجرد قرينة على وجوده، إلا أنها قرينة يجب أن تكمل بعناصر الإثبات الأخرى شأنها في ذلك شأن باقي القرائن التي يستفاد منها سبق الإصرار .

العقوبة :

العقوبة المقررة للقتل العمد مع الترصد هي الإعداد مع ملاحظة أن الشركاء في جريمة القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام يعاقبون بالإعدام أو السجن المؤبد (م 235 ) . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني ، الصفحة :  68 )

تعريف الترصد :

عرفته المادة التي نحن بصددها بأنه " تربص الإنسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إيذائه بالضرب ونحوه " والظاهر أن المشرع وجد أن الترصد وسيلة للقاتل يضمن بها تنفيذ جريمته غدراً في غفلة من المجني عليه وعلى غير استعداد منه للدفاع عن نفسه بإعتبار تلك الوسيلة بذاتها من موجبات التشديد، لما تدل عليه من وقاحة الجاني وإمعانه في ضمان نجاح فعلته ولما تثيره من الإضطراب في الأنفس يأتيها الهلاك من حيث لا تشعر . والغالب أن الجاني يتخفى ليضمن إنجاح خطته، ولكن الإختفاء ليس شرطاً لقيام الترصد فالمهم فيه هو عنصر المفاجأة، فيعتبر متربصاً من ينتظر المجني عليه على مرأى من الناس ويفاجئه بالإعتداء .

 الترصد وسبق الإصرار :

يتفق الترصد مع سبق الإصرار في أن كل منهما يعد ظرفاً مشدداً لعقوبة القتل العمد والضرب والجرح العمد، وكذلك يتفقان في أن كل منهما يؤتي أثره منی توافرت نية إزهاق الروح أو الإيذاء، ولو كانت هذه النية لم تنصرف إلى شخص معين أو كانت معلقة على أمر أو موقوفة على شرط أو حصل عند التنفيذ غلط في شخص أو شخصية المجني عليه ويختلف الظرفان في أن سبق الإصرار ظرف شخصي متعلق بالركن المعنوي، بينما الترصد ظرف عيني يتعلق بالركن المادي للجريمة، ولذلك لا يقتصر أثره على الفاعل وإنما يسري على غيره من الفاعلين أو الشركاء في جريمة واحدة .

بيان الترصد في الحكم :

إذا رأت محكمة الموضوع أخذ المتهم بهذا الظرف فعليها أن تقيم الدليل على وجوده، وفي هذا ما يكفي فلا يصح النعي عليها بأنها لم تذكر الظرف بلفظه .  ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 303 )

عنى الشارع بالنص على الترصد وجعله متكافئاً لظرف سبق الإصرار في تشديد العقاب وسبب التشديد أن الترصد هو عمل خارجي يقوم به الجاني فيكتشف به عن معنى الغدر فی إجرامه على أن الترصد يتضمن معنى سبق الإصرار غالباً وأن كان يجوز أحياناً أن يوجد ظرف الإصرار منفرداً وكل من الطرفين له كيان مستقل ومعنى خاص فسبق الإصرار هو التفكير الهادئ من قبل ارتكاب الجريمة والترصد هو تربص الجاني في مكان أو عدة أمكنة للغدر بالمجني عليه .

والترصد مكون من عنصرين أولهما زمني يتطلب ضرورة مرور فترة من الوقت قد تطول أو تقصر ثانيهما مكاني ويتطلب انتظار الجاني للمجني عليه في مكان ما .

ويلاحظ أن تحقق أحد الظرفين المشددين سبق الإصرار أو الترصد دون الآخر يكفي لتشديد العقاب والمادة 230 صريحة في ذلك إذ تتحدث عن سبق الإصرار أو الترصد كما وأن الترصد يخضع في إثباته للقواعد العامة فهو واقعة مادية ومن ثم يثبت عادة بالاعتراف أو بشهادة الشهود وتقدير أدلته مسألة موضوعية . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث ، الصفحة : 232 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة : 251

( مادة 511 ) : 

سبق الإصرار هو التصميم على إرتكاب الفعل قبل تنفيذه بوقت كاف يتاح فيه للجاني التفكير في هدوء وروية . 

والترصد هو تربص الجاني للمجني عليه في مكان يقدر ملاءمته لتنفيذ الفعل مباغتة ، طالت مدة التربص أو قصرت .

 

ويتوافر كل من ظرفي سبق الإصرار والترصد ولو كان تنفيذ الفعل معلقاً على حدوث أمر ، أو موقوفاً على شرط . 

الجرائم الواقعة على الأشخاص 

الفصل الأول 

المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه 

المواد من (510) - (529) : 

أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي : 

١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب،  أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) . 

وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة . 

2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة . 

3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح . 

4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع . 

والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل . 

5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .

6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .

7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر . 

واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .

8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع . 

9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم . 

 

10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع . 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 308

الْقَتْلُ الْعَمْدُ مُحَرَّمٌ بِالإْجْمَاعِ مُسْتَوْجِبٌ لِلْقِصَاصِ وَالنَّارِ كَمَا جَاءَ فِي قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) .

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ تَوْبَةِ قَاتِلِ الْعَمْدِ :

فَذَهَبَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ إِلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ، لقوله تعالى :وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) وقوله تعالى  : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)؛ وَلأِنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ فَإِذَا قُبِلَتِ التَّوْبَةُ مِنْهُ فَقَبُولُ التَّوْبَةِ مِنَ الْقَتْلِ أَوْلَى .

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِقَاتِلِ الْعَمْدِ تَوْبَةٌ، لقوله تعالى :(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) .

عَمْد

التَّعْرِيفُ :

1 - الْعَمْدُ فِي اللُّغَةِ : قَصْدُ الشَّيْءِ وَالاِسْتِنَادُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّيَّةِ يُقَالُ: تَعَمَّدَ وَتَعَمَّدَ لَهُ وَعَمَدَ إِلَيْهِ وَلَهُ، أَيْ قَصَدَهُ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْقَصْدُ :

2 - يُقَالُ: قَصَدْتُ الشَّيْءَ وَلَهُ وَإِلَيْهِ قَصْدًا: إِذَا طَلَبْتَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَصَدَ الأَْمْرَ: تَوَجَّهَ إِلَيْهِ عَامِدًا، وَالْمَقْصِدُ: مَوْضُوعُ الْقَصْدِ، وَقَصَدَ فِي الأَْمْرِ: تَوَسَّطَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الْحَدَّ فِيهِ، وَقَصَدَ الطَّرِيقَ: أَيِ: اسْتَقَامَ.

وَالْقَصْدُ أَعَمُّ مِنَ الْعَمْدِ.

ب - الْعَزْمُ :

3 - الْعَزْمُ فِي اللُّغَةِ : عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الأَْمْرِ، يُقَالُ: عَزَمَ فُلاَنٌ عَزْمًا أَيْ: جَدَّ وَصَبَرَ، وَعَزَمَ الأَْمْرَ أَيْ: عَقَدَ نِيَّتَهُ وَضَمِيرَهُ عَلَى فِعْلِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة /182

الْقَتْلُ بِالإْغْرَاق :

يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مِنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَا إِذَا أَلْقَى الْجَانِي شَخْصًا فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ لِمِثْلِهِ لاَ يَخْلُصُ مِنْهُ عَادَةً كَلُجَّةٍ وَقْتَ هَيَجَانِهَا، وَكَانَ لاَ يَخْلُصُ بِسِبَاحَةٍ لِعَجْزِهِ عَنْهَا، أَوْ لاَ يُحْسِنُهَا، أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا، أَوْ زَمِنًا فَغَرِقَ فَهُوَ عَمْدٌ، وَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، أَمَّا إِذَا كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ وَمَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ بَعْدَ إِلْقَائِهِ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ إِلْقَاؤُهُ وَقْتَ هَيَجَانِ الْبَحْرِ؛ لأِنَّهُ مُهْلِكٌ غَالِبًا لاَ يُمْكِنُهُ الْخَلاَصُ مِنْهُ، وَأَمَّا إِذَا أَلْقَى مُمَيِّزًا قَادِرًا عَلَى الْحَرَكَةِ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ رَاكِدٍ لاَ يُعَدُّ مُغْرِقًا عُرْفًا بِقَصْدِ الإْغْرَاقِ، فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا، فَمَاتَ غَرَقًا فَلاَ ضَمَانَ وَلاَ كَفَّارَةَ؛ لأَنَّهُ الْمُهْلِكُ لِنَفْسِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 321

قَتْلٌ

التَّعْرِيفُ :

الْقَتْلُ فِي اللُّغَةِ : فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ يُقَالُ: قَتَلَهُ قَتْلاً: أَزْهَقَ رُوحَهُ، وَالرَّجُلُ قَتِيلٌ وَالْمَرْأَةُ قَتِيلٌ إذَا كَانَ وَصْفًا، فَإِذَا حُذِفَ الْمَوْصُوفُ جُعِلَ اسْمًا وَدَخَلَتِ الْهَاءُ نَحْوُ: رَأَيْتُ قَتِيلَةَ بَنِي فُلاَنٍ .

وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ نَقْلاً عَنِ التَّهْذِيبِ يُقَالُ: قَتَلَهُ بِضَرْبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ سُمٍّ: أَمَاتَهُ .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْبَابَرْتِيُّ: إنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مِنَ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْجَرْحُ :

- الْجَرْحُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ جَرَحَ يَجْرَحُ جَرْحًا: أَثَرٌ بِالسِّلاَحِ وَنَحْوِهِ .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

وَالْجَرْحُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ .

ب - الضَّرْبُ :

- مِنْ مَعَانِي الضَّرْبِ: الإْصَابَةُ بِالْيَدِ أَوِ السَّوْطِ أَوِ السَّيْفِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ .

وَالضَّرْبُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ .

قَتْلٌ بِسَبَبٍ

التَّعْرِيفُ :

الْقَتْلُ بِسَبَبٍ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، هُمَا: الْقَتْلُ وَالسَّبَبُ .

وَيُنْظَرُ تَعْرِيفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُصْطَلَحِهِ .

وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الْقَتْلُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ لاَ يُؤَدِّي مُبَاشَرَةً إلَى قَتْلٍ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ، أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَأَمْثَالِهِمَا، فَيَعْطَبُ بِهِ إنْسَانٌ وَيُقْتَلُ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْقَتْلُ الْعَمْدُ :

الْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا .

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ يَكُونُ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ يَكُونُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ .

ب- الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ :

الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا .

وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ الْقَتْلَ شِبْهَ الْعَمْدِ يَكُونُ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا .

وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ يَكُونُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ .

ج - الْقَتْلُ الْخَطَأُ :

هُوَ مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ، أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا .

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ يَقَعُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ مُبَاشِرٍ، بِخِلاَفِ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ .

حَالاَتُ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ :

قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْقَتْلَ أَقْسَامًا اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ، فَاعْتَبَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا مِنْ أَقْسَامِ الْقَتْلِ الْخَمْسَةِ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَجْعَلُوهُ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا أَوْرَدُوا أَحْكَامَهُ فِي الأْقْسَامِ الأْخْرَى وَمِنْ ذَلِكَ الْحَالاَتُ التَّالِيَةُ :

أ - الإْكْرَاهُ :

 الْقَتْلُ بِسَبَبِ الإْكْرَاهِ أَنْ يُكْرِهَ رَجُلاً عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَيَقْتُلَهُ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إكْرَاهٌ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا) .

ب- الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ :

إذَا شَهِدَ رَجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا، وَاعْتَرَفَا بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَبِعِلْمِهِمَا بِأَنَّ مَا شَهِدَا بِهِ يُقْتَلُ بِهِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَا فِي شَهَادَتِهِمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا، وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ يَدِهِ، وَلأِنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الرَّجُلِ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ تَوَصَّلاَ إلَى قَتْلِهِ بِسَبَبٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ كَالْمُكْرَهِ .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ أَشْهَبَ لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِمَا بَلْ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ، لأِنَّهُ تَسَبُّبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ، فَلاَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ .

ج - حُكْمُ الْحَاكِمِ بِقَتْلِ رَجُلٍ :

إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى شَخْصٍ بِالْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَاعْتَرَفَ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا حِينَ الْحُكْمِ أَوِ الْقَتْلِ دُونَ الْوَلِيِّ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْحَاكِمِ .

وَلَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ أَقَرَّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ وَتَعَمُّدِ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ) .

د - حَفْرُ الْبِئْرِ وَوَضْعُ الْحَجَرِ :

مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ حَفْرُ الْبِئْرِ وَنَصْبُ حَجَرٍ أَوْ سِكِّينٍ تَعَدِّيًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلاَ إذْنٍ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْجِنَايَةَ وَأَدَّى إلَى قَتْلِ إنْسَانٍ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ وَمُوجَبَهُ الدِّيَةُ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ قَتْلٌ بِسَبَبٍ وَمُوجَبَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لأِنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ، لأِنَّ الْقَتْلَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً، فَأُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الأَْصْلِ، وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لاَ يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ .

أَمَّا إذَا قَصَدَ الْجِنَايَةَ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ إذَا قَصَدَ هَلاَكَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَهَلَكَ فِعْلاً، فَعَلَى الْفَاعِلِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ هَلَكَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَفِيهِ الدِّيَةُ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَمُوجَبُهُ الدِّيَةُ، وَقَدْ يَقْوَى فَيَلْحَقُ بِالْعَمْدِ، كَمَا فِي الإْكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى اعْتِبَارِ حَفْرِ الْبِئْرِ شَرْطًا، لأِنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْهَلاَكِ وَلاَ يُحَصِّلُهُ، بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ، وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَفْرَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ، وَلاَ يُحَصِّلُهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ، وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا، لَكِنْ لَوْلاَ الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ .

قَتْلٌ عَمْدٌ

التَّعْرِيفُ :

الْقَتْلُ الْعَمْدُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا: «الْقَتْلُ» «وَالْعَمْدُ»، وَسَبَقَ تَعْرِيفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُصْطَلَحِهِ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ: هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ: هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الأْجْزَاءَ كَالسَّيْفِ، وَاللِّيطَةِ، وَالْمَرْوَةِ وَالنَّارِ، لأِنَّ الْعَمْدَ فِعْلُ الْقَلْبِ، لأِنَّهُ الْقَصْدُ، وَلاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ إلاَّ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الآْلَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْلِ عَادَةً .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْجِنَايَةُ :

الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَالْحرْمُ .

وَشَرْعًا : اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ، وَقِيلَ: كُلُّ فِعْلٍ مَحْظُورٍ يَتَضَمَّنُ ضَرَرًا عَلَى النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا، إلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصَّصُوا لَفْظَ الْجِنَايَةِ بِمَا حَلَّ بِنَفْسٍ أَوْ أَطْرَافٍ، وَالْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ بِمَا حَلَّ بِمَالٍ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ، أَنَّ الْقَتْلَ تَتَحَقَّقُ بِهِ الْحِنَايَةُ لأِنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ يَحِلُّ بِالنَّفْسِ، وَأَنَّ كُلَّ قَتْلٍ جِنَايَةٌ وَلاَ عَكْسَ .

ب - الْجِرَاحُ :

الْجِرَاحُ لُغَةً جَمْعُ جُرْحٍ، وَهُوَ مِنَ الْجَرْحِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، يُقَال: جَرَحَهُ إذَا أَثَّرَ فِيهِ بِالسِّلاَحِ .

وَالْجُرْحُ - بِضَمِّ الْجِيمِ - الاِسْمُ .

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءُ لِلْجِرَاحِ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْجِرَاحِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ .

ح - الْقَتْلُ الْخَطَأُ :

الْقَتْلُ الْخَطَأُ : مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا .

وَالْعَلاَقَةُ الضِّدْيَةُ فِي الْقَصْدِ.

د - الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ :

الْقَتْلُ شِبْهُ الْعَمْدِ: قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لاَ يُفَرِّقُ الأْجْزَاءَ كَالْحَجَرِ، وَالْعَصَا، وَالْيَدِ .

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِأَدَاةِ الْقَتْلِ .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :

أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:  (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ)،  وقوله تعالي : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ)، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :  «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» .

صُوَرُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ :

الصُّورَةُ الأْولَى : الضَّرْبُ بِمُحَدَّدٍ :

- إذَا ضَرَبَ شَخْصٌ آخَرَ بِمُحَدَّدٍ وَهُوَ مَا يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ فِي الْبَدَنِ، كَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ، وَالسِّنَانِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُحَدِّدُ فَيَجْرَحُ مِنَ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْحَجَرِ، وَالْقَصَبِ، وَالْخَشَبِ، وَأَمْثَالِهَا، فَجَرَحَ بِهِ جُرْحًا كَبِيرًا فَمَاتَ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ .

وَأَمَّا إذَا جَرَحَهُ جُرْحًا صَغِيرًا كَشَرْطَةِ الْحَجَّامِ، أَوْ غَرَزَهُ بِإِبْرَةٍ: فَإِنْ كَانَ فِي مَقْتَلٍ كَالْعَيْنِ، وَالْفُؤَادِ، وَأَصْلِ الأْذُنِ، فَمَاتَ فَهُوَ عَمْدٌ أَيْضًا، لأِنَّ الإْصَابَةَ بِذَلِكَ فِي الْمَقْتَلِ كَالْجَرْحِ بِالسِّكِّينِ فِي غَيْرِ الْمَقْتَلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .

وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبُ: إنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ غَرَزَ إبْرَةً فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَتَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ فَعَمْدٌ، لِحُصُولِ الْهَلاَكِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ فَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ فِي الأْصَحِّ، لأِنَّهُ لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ الْخَفِيفِ، وَقِيلَ: هُوَ عَمْدٌ، لأِنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلُ خَفِيَّةً وَمَوْتُهُ حَالاً يُشْعِرُ بِإِصَابَةِ بَعْضِهَا، وَقِيلَ: لاَ شَيْءَ، إحَالَةً لِلْمَوْتِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ .

أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنِ الْغَرْزِ فَلاَ ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .

وَهَذَا كُلُّهُ فِي بَدَنِ الْمُعْتَدِلِ، أَمَّا الشَّيْخُ وَالصَّغِيرُ وَنِضْوُ الْخِلْقَةِ، فَفِيهِ الْقِصَاصُ .

وَلَوْ غَرَزَهَا فِيمَا لاَ يُؤْلِمُ، كَجِلْدَةِ عَقِبٍ وَلَمْ يُبَالِغْ فِي إدْخَالِهَا فَمَاتَ، فَلاَ شَيْءَ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، أَمَّا إذَا بَالَغَ فَيَجِبُ الْقَوَدُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إنْ كَانَ قَدْ بَالَغَ فِي إدْخَالِهَا فِي الْبَدَنِ فَهُوَ كَالْجُرْحِ الْكَبِيرِ، لأِنَّ هَذَا يَشْتَدُّ أَلَمُهُ، وَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ كَالْكَبِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْغَوْرُ يَسِيرًا، أَوْ جَرَحَهُ بِالْكَبِيرِ جُرْحًا لَطِيفًا كَشَرْطَةِ الْحَجَّامِ فَمَا دُونَهَا فَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ زَمَنًا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ، لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ :

أَحَدُهُمَا : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ، لأِنَّ الْمُحَدَّدَ لاَ يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُولِ الْقَتْلِ بِهِ، وَلأِنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً وَهَذَا لَهُ سِرَايَةٌ، فَأَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ .

وَالثَّانِي : لاَ قِصَاصَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ .

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : الْقَتْلُ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ الزُّهُوقِ بِهِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ :

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ .

وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَحَمَّادٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقُ .

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه : «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بَيْنَ حَجَرَيْنِ» .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ قَوَدَ فِي ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ بِالنَّارِ، وَحُجَّتُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :  «أَلاَ إنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا شِبْهِ الْعَمْدِ فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الإْبِلِ» فَسَمَّاهُ عَمْدَ الْخَطَأِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ، وَلأِنَّ الْعَمْدَ لاَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِنَفْسِهِ، فَيَجِبُ ضَبْطُهُ بِمَظِنَّتِهِ، وَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا لِحُصُولِ الْعَمْدِ بِدُونِهِ فِي الْجُرْحِ الصَّغِيرِ، فَوَجَبَ ضَبْطُهُ بِالْجُرْحِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا .

وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوسٌ: الْعَمْدُ مَا كَانَ بِالسِّلاَحِ .

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُثَقَّلِ الْحَدِيدِ رِوَايَتَانِ: الْمَذْهَبُ أَنَّ فِيهِ الْقَوَدَ . 

 وَمِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ: الضَّرْبُ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ يَقْتُل مِثْلُهُ غَالِبًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ كَالسِّنْدَانِ وَالْمِطْرَقَةِ، أَوْ حَجَرٍ ثَقِيلٍ، أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ، وَحَدَّ الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ الْخَشَبَةَ الْكَبِيرَةَ بِمَا فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ: يَعْنِي الْعُمُدَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا الأْعْرَابُ لِبُيُوتِهِمْ، وَفِيهَا دِقَّةٌ، وَأَمَّا عُمُدُ الْخِيَامِ فَكَبِيرَةٌ تَقْتُلُ غَالِبًا فَلَمْ يُرِدْهَا الْخِرَقِيُّ .

وَإِنَّمَا حَدَّ الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ بِمَا فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  لَمَّا «سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا، قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ، وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا»، وَالْعَاقِلَةُ لاَ تَحْمِلُ الْعَمْدَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ فَهُوَ عَمْدٌ، لأِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا .

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا أَنْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً، أَوْ خَشَبَةً عَظِيمَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُهْلِكُهُ غَالِبًا، فَفِيهِ الْقَوَدُ، لأِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا .

- وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثَقَّلٍ صَغِيرٍ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ، أَوْ لَكَزَهُ بِيَدِهِ فِي مَقْتَلٍ، أَوْ فِي حَالِ ضَعْفٍ مِنَ الْمَضْرُوبِ لِمَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ فِي زَمَنٍ مُفْرِطِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ بِحَيْثُ تَقْتُلُهُ تِلْكَ الضَّرْبَةُ، أَوْ كَرَّرَ الضَّرْبَ حَتَّى قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَفِيهِ الْقَوَدُ، لأِنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ : الْقَتْلُ بِالْخَنْقِ :

أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ خُرَاطَةً، ثُمَّ يُعَلِّقَهُ فِي خَشَبَةٍ أَوْ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ عَنِ الأْرْضِ فَيَخْتَنِقَ وَيَمُوتَ، فَهَذَا عَمْدٌ سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَوْ بَقِيَ زَمَنًا، لأِنَّ هَذَا أَوْحَى أَنْوَاعِ الْخَنْقِ، وَكَذَا أَنْ يَخْنُقَهُ وَهُوَ عَلَى الأْرْضِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِمِنْدِيلٍ أَوْ بِحَبْلٍ، أَوْ شَيْءٍ يَضَعُهُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْفِهِ، أَوْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمَا فَيَمُوتَ، فَهَذَا إنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ مُدَّةً يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَمَاتَ فَهُوَ عَمْدٌ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيُّ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (خَنْقٌ ف 3)

الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَهْلَكَةٍ :

وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ :

الضَّرْبُ الأْوَّلُ :

- أَنْ يُلْقِيَهُ مِنْ شَاهِقٍ كَرَأْسِ جَبَلٍ، أَوْ حَائِطٍ عَالٍ يَهْلِكُ بِهِ غَالِبًا فَيَمُوتَ، فَهُوَ عَمْدٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ .

الضَّرْبُ الثَّانِي :

- أَنْ يُلْقِيَهُ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُ، وَلاَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، إمَّا لِكَثْرَةِ الْمَاءِ أَوِ النَّارِ، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنِ التَّخَلُّصِ لِمَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كَوْنِهِ مَرْبُوطًا، أَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْخُرُوجِ، أَوْ كَوْنِهِ فِي حَفِيرَةٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ مِنْهَا، وَنَحْوِ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ، لأِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ بِأَدْنَى حَرَكَةٍ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، لأِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مَوْتُهُ بِلُبْثِهِ فِيهِ وَهُوَ فِعْلُ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ النَّارُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا لِقِلَّتِهَا .

الضَّرْبُ الثَّالِثُ :

أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَسَدٍ أَوْ نَمِرٍ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ كَذُبْيَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَقْتُلَهُ، فَهَذَا أَيْضًا عَمْدٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إذَا فَعَلَ السَّبُعُ بِهِ فِعْلاً يَقْتُلُ مِثْلُهُ، وَإِنْ فَعَلَ بِهِ فِعْلاً لَوْ فَعَلَهُ الآْدَمِيُّ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ بِهِ، لأِنَّ السَّبُعَ صَارَ آلَةً لِلآْدَمِيِّ فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ. وَإِنْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الأْسَدِ أَوِ النَّمِرِ فِي فَضَاءٍ فَأَكَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ إنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيَّةٍ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَنَهَشَتْهُ، فَقَتَلَتْهُ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لأِنَّ هَذَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَكَانَ عَمْدًا مَحْضًا كَسَائِرِ الصُّوَرِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ .

الضَّرْبُ الرَّابِعُ :

أَنْ يَحْبِسَهُ فِي مَكَانٍ وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مُدَّةً لاَ يَبْقَى فِيهَا حَتَّى يَمُوتَ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لأِنَّ هَذَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالأْحْوَالِ، فَإِذَا كَانَ عَطْشَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مَاتَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ، وَإِنْ كَانَ رَيَّانَ، وَالزَّمَنُ بَارِدٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ لَمْ يَمُتْ إلاَّ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَفِيهِ الْقَوَدُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَرْكٌ ف 13).

الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ : الْقَتْلُ بِالسُّمِّ :

إذَا قَدَّمَ طَعَامًا مَسْمُومًا لِصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ مَجْنُونٍ فَمَاتَ، فَفِيهِ الْقَوَدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

فَإِنْ قَدَّمَهُ لِبَالِغٍ عَاقِلٍ فَفِيهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (سُمٌّ ف 7) .

الصُّورَةُ السَّادِسَةُ : الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، لأِنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِسِكِّينٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (سِحْرٌ ف 16). 

الصُّورَةُ السَّابِعَةُ : الْقَتْلُ بِسَبَبٍ :

الْقَتْلُ بِسَبَبٍ قَدْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَيَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ، كَأَنْ يُكْرِهَ رَجُلاً عَلَى قَتْلِ آخَرَ إكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَوْ يَشْهَدَ رَجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ وَيَعْتَرِفَا بِكَذِبِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ .

أَوْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ بِالشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَكَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ مُتَعَمِّدًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قَتْلٌ بِسَبَبٍ ف 6 وَ 7) . 

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ :

إذَا تَحَقَّقَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَلِي :

أ - الْقِصَاصُ :

إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا، مُسْلِمًا، مُكَافِئًا لِلْقَاتِلِ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ خِلاَفًا، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الآْيَاتُ وَالأْخْبَارُ بِعُمُومِهَا قَالَ تَعَالَى:  (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأْنْثَى بِالأْنْثَى) .

إلاَّ أَنَّهُ يُقَيَّدُ الْقَتْلُ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «الْعَمْدُ قَوَدٌ، إلاَّ أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ» وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ» .

وَلأِنَّ الْجِنَايَةَ بِالْعَمْدِيَّةِ تَتَكَامَلُ، وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لاَ شَرْعَ لَهَا بِدُونِ الْعَمْدِيَّةِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ) .

ب - الدِّيَةُ :

- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عُقُوبَةً أَصْلِيَّةً لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالصُّلْحِ بِرِضَا الْجَانِي، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنِ الْقِصَاصِ وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَتِ الدِّيَةُ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ عُقُوبَةٌ أَصْلِيَّةٌ بِجَانِبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ، فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ ف 17) .

ج - الْكَفَّارَةُ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَمْ يَجِبْ، لأِنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، فَلاَ يُنَاطُ بِهَا .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لأِنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّكْفِيرِ فِي الْعَمْدِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْخَطَأِ، فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا .

د - الْحِرْمَانُ مِنَ الْوَصِيَّةِ :

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا عَلَى أَقْوَالٍ :

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى جَوَازِ الْوَصِيَّة لِلْقَاتِلِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لأِنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا، لأِنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلأِنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ).

هـ - الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ يَمْنَعُ الْقَاتِلَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ مِنَ الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ مُبَاشِرًا .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (إرْثٌ ف 17).

و - الإْثْمُ فِي الآْخِرَةِ :

نْعَقَدَ الإْجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ .

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:  (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» وَمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» .

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَلأِنَّ حُرْمَتَهُ أَشَدُّ مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِجَوَازِهِ لِمُكْرَهٍ بِخِلاَفِ الْقَتْلِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الأول  ، الصفحة / 109

آلَةُ الْعُدْوَانِ وَأَثَرُهَا فِي تَحْدِيدِ نَوْعِ الْجِنَايَةِ :

جِنَايَةُ الْقَتْلِ لاَ يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ إِلاَّ إِنْ كَانَتْ مُتَعَمَّدَةً، وَلَمَّا كَانَ تَعَمُّدُ الْقَتْلِ أَمْرًا خَفِيًّا يُنْظَرُ إِلَى الآْلَةِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمُحَدَّدٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ، بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ إِذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِهِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ .

وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُوَافِقُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَثْبُتُ الْعَمْدُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْلِ بِمَا عَدَا الْمُحَدَّدِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي الضَّوَابِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ، يُذْكَرُ فِي مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة / 24 

الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ :

يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ وَلاَ مُنَجَّمَةٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ  مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ كَانَ حَالًّا، كَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الدِّيَةِ الَّتِي تَجِبُ بِالصُّلْحِ، فَيَجْعَلُونَهَا حَالَّةً فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَبَيْنَ الَّتِي تَجِبُ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةٍ، كَمَا إِذَا قَتَلَ الأْبُ ابْنَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع  ، الصفحة / 135

الْجِنَايَةُ عَلَى الْجَنِينِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ اسْتِهْلاَلِهِ :

الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُسْتَهِلِّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الاِنْفِصَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَاَلَّتِي قَبْلَهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ بَعْدَهُ .

حُكْمُهَا قَبْلَ الظُّهُورِ :

إِنْ تَعَمَّدَ الْجَانِي ضَرْبَ الأْمِّ فَخَرَجَ الْجَنِينُ مُسْتَهِلًّا، ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الأْمِّ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْمُّ حَيَّةً أَمْ مَيِّتَةً. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا قَسَامَةَ أَوْلِيَائِهِ حَتَّى يَأْخُذُوا الدِّيَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ فِي الْجَنِينِ يَسْقُطُ حَيًّا مِنَ الضَّرْبِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ الْجَنِينِ بِضَرْبِ أُمِّهِ عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ رَأْسِهَا عِنْدَ الأْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ .

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، فَأَشْهَبُ قَالَ: لاَ قَوَدَ فِيهِ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي بِقَسَامَةٍ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَسَامَةٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .

حُكْمُهَا بَعْدَ الظُّهُورِ :

إِنْ ظَهَرَ الْجَنِينُ ثُمَّ صَاحَ، ثُمَّ جَنَى جَانٍ عَلَيْهِ عَمْدًا فَالأْصَحُّ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ ظَهَرَ أَغْلَبُهُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: فَإِنْ كَانَ ذَبَحَهُ رَجُلٌ حَالِمًا يُخْرِجُ رَأْسَهُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ لأِنَّهُ جَنِينٌ، وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَهُ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ .

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الاِعْتِبَارُ بِالاِنْفِصَالِ التَّامِّ .

الْجِنَايَةُ بَعْدَ الاِنْفِصَالِ :

قَتْلُ الْمُسْتَهِلِّ بَعْدَ الاِنْفِصَالِ كَقَتْلِ الْكَبِيرِ، فِيهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ. وَكَذَلِكَ إِنْ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَتَلَهُ جَانٍ آخَرُ .

أَمَّا إِنْ نَزَلَ فِي حَالَةٍ لاَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعِيشَ مَعَهَا، وَقَتَلَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَإِنَّ الضَّامِنَ هُوَ الأْوَّلُ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 87 

مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ عَمْدًا بِالصَّلْبِ حَتَّى مَاتَ :

مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يُطَالِبَ بِقَتْلِ الْجَانِي قِصَاصًا بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ. قَالُوا: وَهَذَا مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالسَّيْفِ. فَإِنْ  قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ الْجَانِي قَدْ قَتَلَ بِأَشَدَّ مِنْهُ كَانَ الْوَلِيُّ قَدْ تَرَكَ الْمُمَاثَلَةَ، وَهِيَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ. وَمُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ صَلْبُ الْقَاتِلِ حَتَّى الْمَوْتِ، إِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ بِالصَّلْبِ .

وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، فَعَلَى هَذَا لاَ يَتَأَتَّى عُقُوبَةُ الصَّلْبِ قِصَاصًا. وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْوَلِيَّ  إِذَا اقْتَصَّ بِغَيْرِ السَّيْفِ عُزِّرَ، وَوَقَعَ الْقِصَاصُ مَوْقِعَهُ .

الْقَتْلُ الْعَمْدُ :

- الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ مُوجِبُهُ الْقِصَاصُ، وَيَجِبُ لِذَلِكَ تَوَافُرُ شُرُوطٍ، أَهَمُّهَا: كَوْنُ الْقَاتِلِ قَدْ تَعَمَّدَ تَعَمُّدًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَكَوْنُهُ مُخْتَارًا، وَمُبَاشِرًا لِلْقَتْلِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْصُومَ الدَّمِ مُطْلَقًا. وَفَضْلاً عَنْ ذَلِكَ يَجِبُ لِلْقِصَاصِ: أَنْ يُطْلَبَ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ .

فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ .

وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قَتْلٌ - قِصَاصٌ) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون ، الصفحة / 21

الْقَتْلُ بِالدَّفْنِ :

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَالِكِيَّةِ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى أَنَّ مَنْ دُفِنَ حَيًّا فَمَاتَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ. وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ مَا عَدَا مُحَمَّدًا أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ .

الْقَتْلُ الْعَمْدُ :

الأْصْلُ أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ بِدَلِيلِ قوله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأْنْثَى بِالأْنْثَى) الآْيَةَ .

فَمَنْ قَتَلَ شَخْصًا عَمْدًا عُدْوَانًا يُقْتَلُ قِصَاصًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عُقُوبَةً أَصْلِيَّةً لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالصُّلْحِ (بِرِضَا الْجَانِي)، كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَوْ بَدَلاً عَنِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي، كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِسَبَبٍ مَا وَجَبَتِ الدِّيَةُ عِنْدَهُمْ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ عُقُوبَةٌ أَصْلِيَّةٌ بِجَانِبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ. فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ، وَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي .

تَغْلِيظُ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ :

الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ، سَوَاءٌ أُوجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَسَقَطَ بِالْعَفْوِ، أَوْ لِشُبْهَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمْ لَمْ يَجِبْ أَصْلاً، كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ .

وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ :

فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تَجِبُ أَرْبَاعًا، خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَتَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً، وَذَلِكَ تَغْلِيظًا عَلَى الْقَاتِلِ .

لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: تُثَلَّثُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الأْبِ وَلَدَهُ عَمْدًا إِذَا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ .

فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ التَّثْلِيثُ بِثَلاَثِينَ حِقَّةً، وَثَلاَثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً أَيْ حَامِلاً .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: دِيَةُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنِهَا عَلَى الْجَانِي، وَحَالَّةً، وَمِنْ جِهَةِ السِّنِّ .

وَلاَ تُؤَجَّلُ الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ الأْصْلَ وُجُوبُ الدِّيَةِ حَالَّةً بِسَبَبِ الْقَتْلِ، وَالتَّأْجِيلُ فِي الْخَطَأِ ثَبَتَ مَعْدُولاً بِهِ عَنِ الأْصْلِ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، أَوْ مَعْلُولاً بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْقَاتِلِ، حَتَّى تَحْمِلَ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ، وَالْعَامِدُ يَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي مَالِهِ لاَ عَلَى الْعَاقِلَةِ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: التَّغْلِيظُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ كَالتَّغْلِيظِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مِنْ نَاحِيَةِ أَسْنَانِ الإِْبِلِ، فَتَجِبُ أَرْبَاعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَثْلاَثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. إِلاَّ أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي وَحْدَهُ وَلاَ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لأِنَّهَا جَزَاءُ فِعْلٍ ارْتَكَبَهُ قَصْدًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:  ( وَلاَ تَزِرُوَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). وَقَالَ صلى الله عليه وسلم :  «وَلاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ.»

وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ مُؤَجَّلَةً أَيْضًا فِي ثَلاَثِ سِنِينَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ)؛ لأِنَّ الأْجَلَ وَصْفٌ لِكُلِّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ، فَدِيَةُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَقَطْ: أَحَدُهُمَا مِنْ نَاحِيَةِ الأْسْنَانِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي .

حَالاَتُ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ :

أ - الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ :

- رَغَّبَ الشَّارِعُ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) ثُمَّ قَالَ:  ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَلاَ عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا» .

قَتْلُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَلاَ قِصَاصَ لِحَدِيثِ: «لاَ يُقَادُ الأْبُ مِنِ ابْنِهِ.» وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْوَالِدِ لِشُبْهَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ .

وَفِي حُكْمِ الْوَالِدِ الْجَدُّ وَالْوَالِدَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تُقْتَلُ الأُمُّ بِقَتْلِ وَلَدِهَا .

وَهَذَا بِخِلاَفِ قَتْلِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ الْجَمِيعِ. وَعَلَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِتَحْقِيقِ حِكْمَةِ الْحَيَاةِ بِالزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الزَّجْرِ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لاَ فِي جَانِبِ الْوَالِدِ؛ وَلأِنَّ الْوَالِدَ كَانَ سَبَبًا فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ فَلاَ يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مُتَعَمِّدًا، وَاعْتَرَفَ بِقَصْدِ قَتْلِهِ، أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلاً مِنْ شَأْنِهِ الْقَتْلُ مِثْلَ أَنْ يَذْبَحَهُ أَوْ يَشُقَّ بَطْنَهُ، وَلاَ شُبْهَةَ لَهُ فِي ادِّعَاءِ الْخَطَأِ يُقْتَلُ بِهِ قِصَاصًا .

مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ :

الأْصْلُ أَنَّ الدِّيَةَ إِذَا كَانَ مُوجِبُهَا الْفِعْلَ الْخَطَأَ أَوْ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَلَمْ تَكُنْ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، إِلاَّ دِيَةَ الْعَبْدِ أَوْ مَا وَجَبَ بِإِقْرَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوِ الصُّلْحِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم :  « لاَ تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا» .

وَيَشْتَرِكُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي تَحَمُّلِ دِيَةِ الْخَطَأِ الْجَانِي نَفْسُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ، حَيْثُ قَالُوا: لَيْسَ عَلَى الْجَانِي الْمُخْطِئِ شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ وَحِكْمَةُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ دِيَةَ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (عَاقِلَة) .

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، أَوْ ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي أَوِ الصُّلْحِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي نَفْسِهِ؛ لأِنَّهَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، وَمِنْ وُجُوهِ التَّغْلِيظِ فِي الْعَمْدِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي نَفْسِهِ كَمَا سَبَقَ .

وَاخْتَلَفُوا فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا كَمَالُ الْقَصْدِ، فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا كَشِبْهِ الْعَمْدِ. وَلأِنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفِ فَضَرَبَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ .

وَلأِنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَالْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَهَؤُلاَءِ - وَهُمْ أَغْرَارٌ - أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ: إِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَمْدٌ إِذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ؛ لأِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُوجَبُهُ الآْخَرُ وَهُوَ الدِّيَةُ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والعشرون ، الصفحة /  148

الْقَوَدُ عَلَى مَنْ قَتَلَ شَخْصًا فِي الرَّمَقِ الأْخِيرِ :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَتْ جِنَايَةٌ مِنْ شَخْصٍ، فَأَوْصَلَ إِنْسَانًا إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِبْصَارٌ وَنُطْقٌ وَحَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ آخَرُ بِفِعْلٍ مُزْهِقٍ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الأْوَّلُ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي لأِنَّهُ اعْتَدَى عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْلَ وُصُولِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بِفِعْلٍ مُزْهِقٍ كَحَزِّ رَقَبَةٍ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَعَلَى الأْوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ دِيَتُهُ .

وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَرْحُ الأْوَّلِ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ لاَ مَحَالَةَ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الرَّمَقِ الأَْخِيرِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، فَضَرَبَ الثَّانِي عُنُقَهُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي أَيْضًا لأَِنَّهُ فَوَّتَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، بِدَلِيلِ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه  لَمَّا جُرِحَ دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ صَلْدًا أَبْيَضَ (أَيْ يَنْصَبُّ) فَعَلِمَ الطَّبِيبُ أَنَّهُ مَيِّتٌ فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَى النَّاسِ، فَعَهِدَ إِلَيْهِمْ وَأَوْصَى وَجَعَلَ الْخِلاَفَةَ إِلَى أَهْلِ الشُّورَى، فَقَبِلَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَهْدَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ وَصَايَاهُ .

أَمَّا لَوْ كَانَ وُصُولُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى الرَّمَقِ الأْخِيرِ بِسَبَبِ مَرَضٍ لاَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ، بِأَنْ كَانَ فِي حَالَةِ النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ، أَوْ بَدَتْ عَلَيْهِ مَخَايِلُ الْمَوْتِ، أَوْ قُتِلَ مَرِيضًا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ لأِنَّ هَذِهِ الأْمُورَ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا، وَقَدْ يُظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُشْفَى. وَلأِنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ فِعْلٌ يُحَالُ الْقَتْلُ وَأَحْكَامُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُهْدَرَ الْفِعْلُ الثَّانِي .

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، دِيَة، وَقَتْل) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 267

حُكْمُ السَّاحِرِ إِذَا قَتَلَ بِسِحْرِهِ :

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا، وَفِيهِ الْقِصَاصُ. وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الإْقْرَارِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّاحِرَ إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ مَنْ هُوَ مُكَافِئٌ لَهُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ السَّاحِرِ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَقَوْلِهِ: قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي، أَوْ قَوْلِهِ: قَتَلْتُهُ بِنَوْعِ كَذَا، وَيَشْهَدُ عَدْلاَنِ يَعْرِفَانِ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَا تَابَا، بِأَنَّ ذَلِكَ النَّوْعَ يَقْتُلُ غَالِبًا. فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْتُلُ غَالِبًا فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. فَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْتُ مِنَ اسْمِ غَيْرِهِ إِلَى اسْمِهِ فَخَطَأٌ .

وَلاَ يَثْبُتُ الْقَتْلُ الْعَمْدُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِتَعَذُّرِ مُشَاهَدَةِ الشُّهُودِ قَصْدَ السَّاحِرِ وَتَأْثِيرَ سِحْرِهِ .

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِمَّنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ بِالسَّيْفِ وَلاَ يُسْتَوْفَى بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، أَيْ لأِنَّ  السِّحْرَ مُحَرَّمٌ؛ وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع والعشرون ، الصفحة / 174

أَثَرُ الْقَتْلِ ظُلْمًا فِي إِيجَابِ الْقِصَاصِ :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ ظُلْمًا مِنَ الْكَبَائِرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ ظُلْمًا عُدْوَانًا مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الظُّلْمِ: الْقَتْلُ بِحَقٍّ أَوْ بِشُبْهَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ .

وَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا مَحْقُونَ الدَّمِ لِيَتَحَقَّقَ الظُّلْمُ، لقوله تعالى : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا) أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ الْقَتْلَ، وَلأِنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا شُرِعَ حِفْظًا لِلدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ وَزَجْرًا عَنْ إِتْلاَفِ الْبُنْيَةِ الْمَطْلُوبِ بَقَاؤُهَا، فَلاَ يَجِبُ قِصَاصٌ وَلاَ دِيَةٌ وَلاَ كَفَّارَةٌ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ، وَلاَ مُرْتَدٍّ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَلاَ بِقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ، وَلاَ مُحَارِبٍ قَاطِعِ طَرِيقٍ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَلاَ تَارِكِ الصَّلاَةِ بَعْدَ أَمْرِ الإْمَامِ لَهُ بِهَا .

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (قِصَاص) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 261

أَسْبَابُ الْقِصَاصِ :

 أَسْبَابُ الْقِصَاصِ هِيَ : الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالْجُرْحُ وَالشِّجَاجُ وَإِزَالَةُ مَعَانِي الأْعْضَاءِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي : 

الْقِصَاصُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ :

الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ سَبَبُهُ الْقَتْلُ الْعَمْدُ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ سَوْفَ يَأْتِي تَفْصِيلُهَا.

شُرُوطُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :

- لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ، وَالْمَقْتُولِ، وَفِعْلِ الْقَتْلِ لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ إِلاَّ بِتَوَفُّرِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، كَمَا يَلِي:

أ - التَّكْلِيفُ :

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، أَيْ عَاقِلاً بَالِغًا عِنْدَ الْقَتْلِ، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا جُنُونًا مُطْبِقًا عِنْدَ الْقَتْلِ .

فَإِذَا قَتَلَهُ عَاقِلاً ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ دَفَعَهُ الْقَاضِي لِلْوَلِيِّ عَاقِلاً ثُمَّ جُنَّ اقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ جُنَّ قَبْلَ دَفْعِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ بَدَلاً مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لأِنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَالَةَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْوُجُوبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ .

فَإِنْ كَانَ يَجِنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ قَتَلَ فِي إِفَاقَتِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُطْبِقًا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ قِصَاصًا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ إِلَى حِينِ إِفَاقَتِهِ ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ .

فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا جُنُونًا مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ قَتَلَهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبِقًا فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ .

وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ قَتَلَهُ حَالَ الْجُنُونِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ قَتَلَهُ حَالَ الْجُنُونِ وَهُوَ فِيهَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ حَالَ الإْفَاقَةِ، أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ حَالَ جُنُونِهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ عَنْهُ، ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْحُوَ؛ لاِحْتِمَالِ رُجُوعِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ .

وَمِثْلُ الْجُنُونِ: النَّوْمُ وَالإْغْمَاءُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . 

أَمَّا السَّكْرَانُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمَا إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِمُحَرَّمٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ لِعُذْرٍ كَالإْكْرَاهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ .

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُقُوعِ طَلاَقِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ .

ب - عِصْمَةُ الْقَتِيلِ :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، أَوْ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ .

فَإِذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ - كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ - لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ مُطْلَقًا .

فَإِذَا كَانَ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ سَائِرِهِمْ، كَالْقَاتِلِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ قُتِلَ بِهِ قِصَاصًا؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُهْدَرِ الدَّمِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ؛ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّهِ .

إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمُسْلِمِ، فَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُ مُؤَقَّتَةً كَالْمُسْتَأْمَنِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قَاتِلُهُ؛ لأِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مَصُونُ الدَّمِ فِي حَالِ أَمَانِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الأْصْلِ، لأِنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَلاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُسْتَأْمَنًا أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيُقْتَلُ بِهِ لِلْمُسَاوَاةِ لاَ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ: لاَ يُقْتَلُ عَلَى الاِسْتِحْسَانِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَقْتَ الْقَتْلِ . 

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْعِصْمَةِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُقْتَلُ قَاتِلُ الْمُسْتَأْمَنِ، لقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) .

ج - الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي أَوْصَافٍ اعْتَبَرُوهَا، فَلاَ يُقْتَلُ الأْعْلَى بِالأْدْنَى، وَلَكِنْ يُقْتَلُ الأْدْنَى بِالأْعْلَى وَبِالْمُسَاوِي .

وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ عِنْدَهُمُ الْمُسْلِمُ وَلاَ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيِّ، لاَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَلْ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ .

إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِي الأْوْصَافِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا لِلْمُكَافَأَةِ .

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي الإْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ أَزْيَدَ مِنَ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَزْيَدَ مِنَ الْقَتِيلِ فِيهِمَا فَلاَ قِصَاصَ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْقَصَ مِنَ الآْخَرِ فِي أَحَدِهِمَا، كَانَ نَقْصُ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِ الرِّقِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ وَلَوْ حُرًّا، وَلاَ حُرٌّ بِرَقِيقٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ زَائِدَ إِسْلاَمٍ، فَيُقْتَلُ حُرٌّ كِتَابِيٌّ بِرَقِيقٍ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الإْسْلاَمِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُقْتَلُ الْكَافِرُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ؛ لأِنَّ الْحُرَّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا عِنْدَهُمْ، كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِالْحُرِّ الْكَافِرِ؛ لأِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا، فَإِذَا قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ عَبْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ حُرٌّ مَنْ نِصْفُهُ عَبْدٌ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ .

وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ الْقِنُّ بِالْمُكَاتَبِ، وَيُقْتَلُ الْمُكَاتَبُ بِهِ، وَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ - وَالْعَكْسُ - لأِنَّ الْكُلَّ عَبِيدٌ .

وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا .

وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لاَ بُدَّ فِي الْقَوَدِ مِنَ الْمُكَافَأَةِ فِي الْحَالاَتِ الثَّلاَثِ: حَالَةُ الرَّمْيِ وَحَالَةُ الإْصَابَةِ وَحَالَةُ الْمَوْتِ، وَمَتَى فُقِدَ التَّكَافُؤُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ الَّذِي فِيهِ مَالٌ إِذَا زَالَتِ الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، أَوْ عُدِمَتْ قَبْلَ السَّبَبِ وَحَدَثَتْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمُسَبَّبِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ، كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِهَا وَقْتَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ وَقْتُ الإِْصَابَةِ فِي الْجُرْحِ وَوَقْتُ التَّلَفِ فِي الْمَوْتِ، وَلاَ يُرَاعَى فِيهِ وَقْتُ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّمْيُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ سَحْنُونٌ خِلاَفًا لأَشْهَبَ .

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنِ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي الإْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ هُنَا الْقَتْلَ غِيلَةً، وَقَالُوا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: إِلاَّ الْغِيلَةَ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الْقَتْلُ لأِخْذِ الْمَالِ - فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ، بَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ .

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَوَقْتُ الْمُسَاوَاةِ الْمُشْتَرَطِ عِنْدَهُمْ هُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ.. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْتَصُّ مِنْهُ.. لأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ فَكَانَ الاِعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ وُجُوبِهَا دُونَ حَالِ اسْتِيفَائِهَا كَالْحُدُودِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُقْتَلَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الأْوْزَاعِيِّ .

وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْقَتْلُ غِيلَةً وَغَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ، وَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ دُونَ السُّلْطَانِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي الإْسْلاَمِ وَالأْمَانِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالأْصْلِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ، فَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا بِذِمِّيٍّ لِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» .

وَلأِنَّهُ لاَ يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالإْجْمَاعِ، فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى.. وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ أَيِ الْمُسْلِمِ لِشَرَفِهِ عَلَيْهِ، وَيُقْتَلُ أَيْضًا بِذِمِّيٍّ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمَجُوسِيٍّ وَعَكْسُهُ؛ لأِنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ .

وَالأْظْهَرُ: قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمُعَاهَدٍ سَوَاءٌ عَادَ الْمُرْتَدُّ إِلَى الإْسْلاَمِ أَمْ لاَ؛ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ، بَلِ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ. وَالثَّانِي: لاَ يُقْتَلُ بِهِ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الإْسْلاَمِ فِي الْمُرْتَدِّ، وَالأْظْهَرُ أَيْضًا: قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِمُرْتَدٍّ لِتَسَاوِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، وَالثَّانِي: لاَ؛ لأِنَّ الْمَقْتُولَ مُبَاحُ الدَّمِ، لاَ ذِمِّيٌّ بِمُرْتَدٍّ فِي الأْظْهَرِ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ بِهِ أَيْضًا، وَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالزَّانِي الْمُسْلِمِ الْمُحْصَنِ كَمَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَلاَ يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِهِ لاِخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الإْسْلاَمِ، وَلِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، وَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ، لقوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَعَبْدُهُ وَعَبْدُ غَيْرِهِ .

وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِكَافِرٍ وَالْقَاتِلُ لِمُسْلِمٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ، وَاسْتُثْنِيَ الْمُكَاتَبُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ .

وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ أَيْ مُبَعَّضًا، سَوَاءٌ ازْدَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لاَ، لاَ قِصَاصَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ أَتَسَاوَيَا أَمْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ فَلاَ قِصَاصَ قَطْعًا؛ لاِنْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ .

وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لاَ تُجْبِرُ النَّقْصَ فِيهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَاقِعٌ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ؛ لأِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلاَ تُجْبَرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيصَتَهُ .

وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ فِي وَصْفَيِ الأْصْلِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ .

وَالشَّافِعِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ الْمُسَاوَاةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَقْتَ الْقَتْلِ، وَهُوَ وَقْتُ انْعِقَادِ سَبَبِ الْقِصَاصِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ، الَّذِي قَتَلَ كَافِرًا مُكَافِئًا لَهُ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ؛ لأِنَّ الاِعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَلاَ نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ أَوْ نَحْوُهُ ذِمِّيًّا أَوْ نَحْوَهُ وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لاَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فِي الأْصَحِّ، لِلتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْجَرْحِ .

د - أَنْ لاَ يَكُونَ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا، حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم  وَالصَّحَابَةِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ بِمَا هُدِرَ بِهِ دَمُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قِصَاصًا، وَيُقْتَلُ لإِهْدَارِ دَمِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ الْقَتْلُ وَالْقِصَاصُ . 

هـ - أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُتَعَمِّدًا الْقَتْلَ :

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَجِبُ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْعَمْدُ قَوَدٌ»، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ فَلاَ تَجِبُ إِلاَّ فِي جِنَايَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالْجِنَايَةُ لاَ تَتَنَاهَى إِلاَّ بِالْعَمْدِ، وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قَتْلُ عَمْدٍ ف 1).

و- أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا :

 ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي إِسْقَاطِ الْقِصَاصِ عَنِ الْمُكْرَهِ، فَإِذَا قَتَلَ غَيْرَهُ مُكْرَهًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَلَزِمَ الْقِصَاصُ الْمُكْرَهَ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا اخْتِيَارَ الإْيثَارِ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى مُكْرَهٍ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ الأْخْرَى وَهَلْ يَجِبُ  الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ؟

فِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاه ف 19) .

أَمَّا الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ فَلاَ أَثَرَ لَهُ وَيُقْتَصُّ مَعَهُ مِنَ الْقَاتِلِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاه ف 19 - 24).

ز - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ أَوْ مِنْ فُرُوعِهِ :

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ مُطْلَقًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ»؛ وَلأِنَّهُ كَانَ سَبَبَ حَيَاتِهِ فَلاَ يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ، وَفِي حُكْمِ الْوَالِدِ هُنَا كُلُّ الأْصُولِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإْنَاثِ مَهْمَا بَعُدُوا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الأْمُّ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنَ الأْبِ كُنَّ أَمْ مِنَ الأْمِّ، كَمَا يَدْخُلُ الأْجْدَادُ وَإِنْ عَلَوْا مِنَ الأْبِ كَانُوا أَوْ مِنَ الأْمِّ؛ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَالِدِ لَهُمْ جَمِيعًا .

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الأْمَّ تُقْتَلُ بِالاِبْنِ خِلاَفًا لِلأْبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالأْبِ فَلاَ تُقْتَلُ بِالاِبْنِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْبَ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ قُتِلَ بِهِ إِذَا كَانَ قَصَدَ إِزْهَاقَ رُوحِهِ وَاضِحًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاضِحًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَضَابِطُهُ أَنْ لاَ يَقْصِدَ إِزْهَاقَ رُوحِهِ، فَإِنْ قَصَدَهُ كَأَنْ يَرْمِيَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، أَوْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْقِصَاصُ .

وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَالِدِ النَّسَبِيِّ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَمَّا الْوَالِدُ مِنَ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ مِنَ الرَّضَاعِ لِعَدَمِ الْجُزْئِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ .

ح- أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَمْلُوكًا لِلْقَاتِلِ :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ قُتِلَ بِهِ، أَمَّا السَّيِّدُ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً مَمْلُوكَيْنِ لَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِمَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدِهِ» .

وَمِثْلُ الْمَمْلُوكِ هُنَا مَنْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ، أَوْ كَانَ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ قِصَاصَ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْقِصَاصِ دُونَ بَعْضٍ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ .

كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْمَوْلَى بِمُدَبَّرِهِ، وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَمُكَاتَبِهِ؛ لأِنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ حَقِيقَةً .

ط - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشِرًا :

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ عَلَى سَوَاءٍ، إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ الْقِصَاصِ الأْخْرَى .

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً، فَلَوْ قَتَلَهُ بِالسَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَمَاتَ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْحَافِرِ، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا شَهِدَ بِالْقَتْلِ فَاقْتُصَّ مِنَ الْقَاتِلِ بِشَهَادَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الشَّهَادَةِ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا لِثُبُوتِ حَيَاةِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَهُمْ .

ي - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ قَدْ حَدَثَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ :

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لإِطْلاَقِ الآْيَاتِ الْكَرِيمَةِ وَالأْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْنَا فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مَكَانًا، فَكَانَ كَالْمُحَارِبِ لاَ عِصْمَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ تَاجِرَانِ مُسْلِمَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ فَإِنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهِ أَيْضًا .

ك - الْعُدْوَانُ :

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَجِبُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُدْوَانٌ، وَالْعُدْوَانُ يَعْنِي تَجَاوُزَ الْحَدِّ وَالْحَقِّ، فَإِذَا قَتَلَهُ بِحَقٍّ أَوْ بِإِذْنِ الْقَتِيلِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُخَرَّجُ الْقَتْلُ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا، أَوْ دِفَاعًا عَنِ النَّفْسِ، أَوْ دِفَاعًا عَنِ الْمَالِ كَقَتْلِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ، أَوْ تَأْدِيبًا، أَوْ تَطْبِيبًا فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ فِي هَذِهِ الأْحْوَالِ كُلِّهَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي (إِذْن ف 39 وَ 58 وَ 60، وَتَأْدِيب ف 11، وَتَطْبِيب ف 7، وَصِيَال ف 6) .

ل - أَنْ لاَ يَكُونَ وَلِيُّ الدَّمِ فَرْعًا لِلْقَاتِلِ :

لَوْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ فَرْعًا لِلْقَاتِلِ، كَأَنْ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ، سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلْجُزْئِيَّةِ، لأِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْفَرْعُ أَحَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ كُلُّهُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَجَزَّأُ .

م - أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الدَّمِ فِي الْقِصَاصِ مَعْلُومًا :

 وَهَذَا شَرْطٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ مَجْهُولاً لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وُجُوبٌ لِلاِسْتِيفَاءِ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَذَّرَ الإْيجَابُ .

ن - أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْقَاتِلِ شَرِيكٌ فِي الْقَتْلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ :

- إِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ أَحَدِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْقَتْلِ لأِيِّ سَبَبٍ كَانَ غَيْرِ الْعَفْوِ عَنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الْقَتْلَ وَاحِدٌ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ مُوجِبُهُ بِتَغَيُّرِ الْمُشَارِكِينَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْقَاتِلِينَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَبًا أَوْ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ.. سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْجَمِيعِ .

أَمَّا إِذَا قَتَلَ اثْنَانِ رَجُلاً، فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنِ الثَّانِي بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ كَالأْوَّلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الثَّانِي .

هَذَا مَا دَامَ الْوَلِيُّ الْعَافِي وَاحِدًا، فَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ أَوْلِيَاءٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ، سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلْبَاقِينَ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا قَتَلَ إِنْسَانٌ رَجُلَيْنِ، فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، سَقَطَ حَقُّ الأْوَّلِ وَبَقِيَ حَقُّ الثَّانِي فِي الْقِصَاصِ عَلَى حَالِهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ إِنْ تَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ وَتَعَمَّدَا قَتْلَهُ، أَوِ الْكَبِيرُ فَقَطْ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْكَبِيرِ؛ لاِحْتِمَالِ أَنَّ ضَرْبَ الصَّغِيرِ هُوَ الْقَاتِلُ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ أَنَّهُ مَاتَ بِضَرْبِ الْكَبِيرِ، وَيُقْسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَيُقْتَلُ الْكَبِيرُ .

وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ أَوْ مَجْنُونٍ، وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ سَبْعٍ، أَوْ جَارِحٍ نَفْسَهُ جُرْحًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا، أَوْ شَرِيكِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَتَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِلاَّ اقْتُصَّ مِنَ الشَّرِيكِ. أَوْ شَرِيكِ مَرَضٍ، بِأَنْ جَرَحَهُ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُدْرَ أَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ أَمْ مِنَ الْمَرَضِ؟ قَوْلاَنِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ فِي شَرِيكِ الْمَرَضِ الْقِصَاصُ، وَفِي غَيْرِهِ لاَ يُوجَدُ تَرْجِيحٌ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالرَّاجِحُ فِي شَرِيكِ الْمَرَضِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْقَسَامَةُ وَيَثْبُتُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، وَكُلُّ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَرَضُ قَبْلَ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الْجَارِحِ اتِّفَاقًا، وَقَالَ: وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الثَّلاَثُ الأْوَلُ فَالْقَوْلاَنِ فِيهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكٍ مُخْطِئٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مَنِ امْتَنَعَ قَوَدُهُ لِمَعْنًى فِيهِ إِذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا، فَلاَ يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ؛ لأِنَّ الزُّهُوقَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُهُ وَالآْخَرُ يَنْفِيهِ، فَغَلَبَ الْمُسْقِطُ . 

وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الأْبِ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، وَعَلَى الأْبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، وَفَارَقَ شَرِيكُ الأْبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ فِي فِعْلِ الْخَاطِئِ وَالْفِعْلاَنِ مُضَافَانِ إِلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ وَاحِدٍ، وَشُبْهَةُ الأْبُوَّةِ فِي ذَاتِ الأْبِ لاَ فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَذَاتُ الأْبِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ الأْجْنَبِيِّ، فَلاَ تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا، وَكَانَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ أَبًا لِلْقَتِيلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الأْبِ وَحْدَهُ، وَوَجَبَ عَلَى الآْخَرِينَ، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاتِلٌ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مُنْفَرِدًا، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ قِصَاصَ عَلَى الأْبِ وَلاَ عَلَى شُرَكَائِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ جَمِيعًا، فَلاَ يَخْتَلِفُ وَصْفُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الآْخَرِ، وَمَا دَامَ قَدْ سَقَطَ عَنْ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الْبَاقِينَ .

وَمِثْلُ الأَبِ هُنَا كُلُّ مَنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ فِي السَّبَبِ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، كَالذِّمِّيِّ مَعَ الْمُسْلِمِ، وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، فَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَعَاقِلٌ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمْ جَمِيعًا فِي الأْصَحِّ؛ لأِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَقَطْ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ .

قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَوَاطَأَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ مَعْصُومِ الدَّمِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ يُقْتَلُونَ بِالْفَرْدِ الَّذِي تَمَّ التَّوَاطُؤُ عَلَى قَتْلِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلاً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوَاطُؤ ف 7).

وَلِيُّ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلاً؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حَقَّهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ، انْتَقَلَ الْقِصَاصُ إِلَى الْوَرَثَةِ عَلَى سَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ بَيْنَهُمْ، كُلٌّ مِنْهُمْ حَسَبَ حِصَّتِهِ فِي التَّرِكَةِ، يَسْتَوِي فِيهِمُ الْعَاصِبُ وَصَاحِبُ الْفَرْضِ، وَالذَّكَرُ وَالأْنْثَى، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَإِذَا مَاتَ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، أَوْ مَاتَ لاَ عَنْ تَرِكَةٍ فَالْقِصَاصُ لِوَرَثَتِهِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَرِثُوا شَيْئًا؛ لأِنَّ فِيهِمْ قُوَّةَ الإْرْثِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ زَائِدٌ عَنِ الدَّيْنِ لَوَرِثُوهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِصَاصِ هُوَ التَّشَفِّي، وَأَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ، وَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ، فَكَانَ حَقًّا لَهُمُ ابْتِدَاءً، وَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ لاَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِيهِ حَقًّا حَتَّى يَسْقُطَ بِعَفْوِهِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لِعَصَبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الذُّكُورِ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَةً بِالنَّسَبِ كَالاِبْنِ، أَوْ بِالسَّبَبِ كَالْوَلاَءِ، فَلاَ دَخْلَ فِيهِ لِزَوْجٍ وَلاَ أَخٍ لأِمٍّ أَوْ جَدٍّ لأِمٍّ، يُقَدَّمُ فِيهِ الاِبْنُ ثُمَّ ابْنُ الاِبْنِ، وَيُقَدَّمُ الأْقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى الأْبْعَدِ، إِلاَّ الْجَدُّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَعَ الإْخْوَةِ بِخِلاَفِ الأْبِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَصَبَةِ هُنَا الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لاِشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِيهِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّهُ عَصَبَتُهُ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ .

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ :

الأْوَّلُ : أَنْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، كَالْبِنْتِ وَالأْخْتِ .

وَالثَّانِي : أَنْ لاَ يُسَاوِيَهُنَّ عَاصِبٌ، فَإِنْ سَاوَاهُنَّ فَلاَ قِصَاصَ لَهُنَّ، كَالْبِنْتِ مَعَ الاِبْنِ، وَالأْخْتِ مَعَ الأْخِ، فَإِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُمَا فِي الْقِصَاصِ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِلاِبْنِ وَحْدَهُ، وَلِلأْخِ وَحْدَهُ .

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْوَارِثَةُ مِمَّنْ لَوْ ذُكِّرَتْ عُصِّبَتْ، كَالْبِنْتِ وَالأْخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لأِبٍ، فَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْجَدَّةُ لأِمٍّ وَالأْخْتُ لأِمٍّ.. فَلاَ قِصَاصَ لَهُنَّ مُطْلَقًا .

فَإِذَا كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَارِثٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَعَصَبَتُهُ مِنَ الرِّجَالِ أَبْعَدُ مِنْهُنَّ، كَانَ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَهُنَّ وَلِلْعَصَبَةِ الأْبْعَدِ مِنْهُنَّ .

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الأْوْلِيَاءِ الْمُنْفَرِدِينَ وَالْمُتَعَدِّدِينَ تَوْكِيلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (وَكَالَةٌ).

وَلِلأْبِ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَنِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِوِلاَيَتِهِ عَلَيْهِ، أَمَّا غَيْرُ الأْبِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّفْسِ كَالأْخِ وَالْعَمِّ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. أَمَّا الْوَصِيُّ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عَنِ الْقَاصِرِ الْمَشْمُولِ بِوِصَايَتِهِ؛ لأِنَّ الْوِصَايَةَ عَلَى الْمَالِ فَقَطْ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ مِنْهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لاَ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ عَمَّنْ يَلِي عَلَيْهِ، أَبًا أَوْ غَيْرَهُ .

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ وَلاَ عَصَبَةٌ، كَانَ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِوِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:  لاَ وِلاَيَةَ لِلسُّلْطَانِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: حَقُّ الْقِصَاصِ لِلسُّلْطَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ .

طَرِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِ الطَّرِيقَةِ وَالآْلَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا، لقوله تعالى : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقَةُ مُحَرَّمَةً، كَأَنْ يَثْبُتَ الْقَتْلُ بِخَمْرٍ فَيُقْتَصَّ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِلِوَاطٍ أَوْ بِسِحْرٍ فَيُقْتَصَّ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَكَذَا فِي الأْصَحِّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ .

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَمْرِ بِإِيجَارِهِ مَائِعًا كَخَلٍّ أَوْ مَاءٍ، وَفِي اللِّوَاطِ بِدَسِّ خَشَبَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ آلَتِهِ وَيُقْتَلُ بِهَا .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْعُنُقِ مَهْمَا كَانَتِ الآْلَةُ وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي قَتَلَ بِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  «لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ»، وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ هُنَا السِّلاَحُ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ السِّكِّينُ وَالْخَنْجَرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ .

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إِلاَّ بِإِذْنِ الإْمَامِ فِيهِ لِخَطَرِهِ؛ وَلأِنَّ وُجُوبَهُ يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ لاِخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَالاِسْتِيفَاءِ، لَكِنْ يُسَنُّ حُضُورُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ لاَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ بِدُونِ إِذْنِ السُّلْطَانِ جَازَ، وَيُعَزَّرُ لاِفْتِئَاتِهِ عَلَى الإْمَامِ .

اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :

يُشْتَرَطُ لاِسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ لَهُ طَلَبَ الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءَهُ، فَإِنْ طَلَبَهُ أُجِيبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ وَاحِدًا أُجِيبَ إِلَيْهِ إِذَا طَلَبَهُ مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ أُجِيبُوا إِلَيْهِ إِذَا طَلَبُوهُ جَمِيعًا، فَإِذَا أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ قَاصِرًا، أَوْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ بَعْضُهُمْ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ نَاقِصَ الأْهْلِيَّةِ .

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي الظَّاهِرِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ حَتَّى يَكْبَرَ، وَالْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا يَعْفُو فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ الْقِصَاصَ عِنْدَهُمْ يَثْبُتُ لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عَلَى سَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ؛ وَلأِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إِلَى خِيرَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلاَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى الْبُلُوغِ وَالإْفَاقَةِ، وَلاَ يُخَلَّى بِكَفِيلٍ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَهْرُبُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ لِكَامِلِي الأْهْلِيَّةِ وَحْدَهُمْ حَقُّ طَلَبِ الْقِصَاصِ، لأِنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَامِلاً - عِنْدَهُ - عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِقْلاَلِ، فَإِذَا طَلَبُوهُ أُجِيبُوا إِلَيْهِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالآْخَرِينَ نَاقِصِي الأْهْلِيَّةِ؛ لأِنَّ عَفْوَهُمْ لاَ يَصِحُّ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْتَظَرُ صَغِيرٌ لَمْ يَتَوَقَّفِ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُنْتَظَرُ مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ لاَ تُعْلَمُ إِفَاقَتُهُ بِخِلاَفِ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَتُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ .

فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الأْوْلِيَاءِ كَامِلِي الأْهْلِيَّةِ غَائِبًا انْتُظِرَتْ عَوْدَتُهُ بِالاِتِّفَاقِ؛ لأِنَّ لَهُ الْعَفْوَ فَيَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ؛ وَلأِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي كَمَا سَبَقَ .

زَمَانُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :

- إِذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ بِشُرُوطِهِ جَازَ لِلْوَلِيِّ اسْتِيفَاؤُهُ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لأِنَّهُ حَقُّهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعَدُّ مُسْتَحِقًّا لَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَرَحَهُ جُرْحًا نَافِذًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا شُفِيَ مِنْ جُرْحِهِ فَلاَ قِصَاصَ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإِذَا مَاتَ ثَبَتَ الْقِصَاصُ فَيُسْتَوْفَى فَوْرًا .

وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُعَافًى أَوْ مَرِيضًا، وَسَوَاءٌ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ بَارِدًا أَوْ حَارًّا؛ لأِنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْمَوْتُ، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَوْتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .

إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا كَانَ امْرَأَةً حَامِلاً يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ حَتَّى تَلِدَ، حِفَاظًا عَلَى سَلاَمَةِ الْجَنِينِ وَحَقِّهِ فِي الْحَيَاةِ، بَلْ إِنَّهَا تُنْظَرُ إِلَى الْفِطَامِ أَيْضًا إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا لإِرْضَاعِهِ، فَإِذَا ادَّعَتِ الْحَمْلُ وَشَكَّ فِي دَعْوَاهَا أُرِيَتِ النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ حَامِلٌ أُجِّلَتْ، ثُمَّ إِنْ ثَبَتَ حَمْلُهَا حُبِسَتْ حَتَّى تَلِدَ وَإِنْ قُلْنَ: غَيْرُ حَامِلٍ اقْتُصَّ مِنْهَا فَوْرًا .

مَكَانُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ :

لَيْسَ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا الْتَجَأَ الْجَانِي إِلَى الْحَرَمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ :

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، إِذَا لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ، فَإِنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَقُتِلَ خَارِجَهُ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُخْرَجُ مِنْهُ وَلاَ يُقْتَلُ فِيهِ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ عَنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ .

هَذَا مَا دَامَتِ الْجِنَايَةُ وَقَعَتْ خَارِجَ الْحَرَمِ فِي الأْصْلِ، فَإِذَا كَانَتْ وَقَعَتْ فِي الْحَرَمِ أَصْلاً، جَازَ الاِقْتِصَاصُ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ وَخَارِجَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . 

مَا يَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ :

يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِأُمُورٍ، هِيَ :

فَوَاتُ مَحَلِّ الْقِصَاصِ :

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ لاَ يَرِدُ عَلَى مَيِّتٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ قَدْ حَصَلَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِقَتْلِ آخَرَ لَهُ بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

أَمَّا إِذَا قَتَلَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عُدْوَانًا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ مَعَ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الأْوَّلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي لأِوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الأْوَّلِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَتَجِبُ الدِّيَةُ لأِوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الأْوَّلِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الثَّانِي .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 51

الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ :

الْقَوْلُ الأْوَّلُ : عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) .

وَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الآْيَتَيْنِ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ فِي الآْيَةِ الأْولَى كَفَّارَةَ الْقَتْلِ الْخَطَأِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الآْيَةِ الثَّانِيَةِ الْقَتْلَ الْعَمْدَ، وَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ كَفَّارَةً، جَعَلَ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ، فَلَوْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ فِيهِ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا وَذَكَرَهَا، فَكَانَ عَدَمُ ذِكْرِهَا دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ فِيهِ .

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ رضي الله عنه قَتَلَ رَجُلاً، فَأَوْجَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً .

وَقَالُوا: إِنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ فِعْلٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ فَلاَ يُوجِبُ كَفَّارَةً، كَزِنَا الْمُحْصَنِ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالإْبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ، وَقَتْلُ الْعَمْدِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، فَلاَ تُنَاطُ بِهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ، مِثْلُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا، وَلِعَدَمِ جَوَازِ قِيَاسِهِ عَلَى الْخَطَأِ، لأِنَّهُ دُونَهُ فِي الإْثْمِ، فَشَرْعُهُ لِدَفْعِ الأْدْنَى لاَ يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الأْعْلَى، وَلأِنَّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَعِيدًا مُحْكَمًا، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ الإْثْمُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ وُجُودِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ، وَمَنِ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا مِنْهُ بِلاَ دَلِيلٍ، وَلأِنَّ الْكَفَّارَةَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ فَلاَ يَجُوزُ إِثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلأِنَّ قوله تعالى : (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) هُوَ كُلُّ مُوجِبِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا، وَلاَ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ .

الْقَوْلُ الثَّانِي : وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ .

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الأْسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً، يَعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» فَقَدْ أَوْجَبَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم  الْكَفَّارَةَ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ، وَلاَ تُسْتَوْجَبُ النَّارُ إِلاَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ .

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِذَا وَجَبَتْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مَعَ عَدَمِ الْمَأْثَمِ، فَلأِنْ تَجِبَ فِي الْعَمْدِ وَقَدْ تُغَلَّظُ بِالإْثْمِ أَوْلَى، لأِنَّهُ أَعْظَمُ إِثْمًا وَأَكْبَرُ جُرْمًا وَحَاجَةُ الْقَاتِلِ إِلَى تَكْفِيرِ ذَنْبِهِ أَعْظَمُ .

الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ :

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ .

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ قَدْ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ .

وَلأِنَّهُ قَتَلَ آدَمِيًّا مَمْنُوعًا مِنْ قَتْلِهِ لِحُرْمَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُبَاشَرَةِ.وَلأِنَّ السَّبَبَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إِيجَابِ الضَّمَانِ، فَكَانَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ .

وَلأِنَّ فِعْلَ الْقَاتِلِ سَبَبٌ لإِتْلاَفِ الآْدَمِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهُ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَأَوْطَأَ دَابَّتَهُ إِنْسَانًا .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ، أَمَّا الْقَتْلُ بِالتَّسَبُّبِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ، فَلَمْ يَسْتَنِدِ الْفِعْلُ إِلَيْهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع والثلاثون ، الصفحة / 330

الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ وَجِنَايَتُهُ :

إِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ قِنًّا وَكَانَ قَتْلُهُ عَمْدًا فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَفْوٌ مَجَّانًا وَلاَ قَوَدٌ، لأِنَّهُ لاَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، فَيُشْتَرَى بِقِيمَتِهِ بَدَلُهُ: أَيْ مِثْلُهُ .

وَاعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ فِي الْبَدَلِ الْمُشْتَرَى مَعْنَاهُ: وُجُوبُ الذَّكَرِ فِي الذَّكَرِ، وَالأْنْثَى فِي الأْنْثَى، وَالْكَبِيرِ فِي الْكَبِيرِ، وَسَائِرِ الأْوْصَافِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ الأْعْيَانُ بِتَفَاوُتِهَا، وَلاَ سِيَّمَا الصِّنَاعِيَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الْوَقْفِ، لأِنَّ الْغَرَضَ جُبْرَانُ مَا فَاتَ وَلاَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ .

وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ قَطْعَ بَعْضِ أَطْرَافِهِ عَمْدًا فَلِلْقِنِّ الْمَوْقُوفِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لأِنَّهُ حَقُّهُ لاَ يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ .

وَإِنْ عَفَا الْقِنُّ الْمَوْقُوفُ عَنِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ لاَ تُوجِبُ الْقِصَاصَ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ أَوْ لِكَوْنِهَا خَطَأً وَجَبَ نِصْفُ قِيمَتِهِ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ قَطْعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ مِمَّا فِيهِ نِصْفُ دِيَةٍ فِي الْحُرِّ وَإِلاَّ فَبِحِسَابِهِ وَيُشْتَرَى بِالأْرْشِ مِثْلُهُ أَوْ شِقْصُ بَدَلِهِ .

وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ خَطَأً فَالأْرْشُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ .

وَلَمْ يَلْزَمِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَجِبُ أَقَلُّ الأْمْرَيْنِ مِنَ الْقِيمَةِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ .

وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَجَنَى فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي كَسْبِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إِيجَابُ الأْرْشِ عَلَيْهِ، وَلاَ يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَتِهِ فَتَعَيَّنَ فِي كَسْبِهِ .

وَإِنْ جَنَى الْمَوْقُوفُ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِعُمُومِ قوله تعالى: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) .

فَإِنْ قُتِلَ قِصَاصًا بَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَإِنْ قُطِعَ كَانَ بَاقِيهِ وَقْفًا .