loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1ـ من المقرر أن التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد، إلا أن المشرع المصري ميز القتل بالسم عن الصور العادية الأخرى للقتل بجعل الوسيلة التي تستخدم فيها لأحداث الموت ظرفا مشددا للجريمة لما ينم عن غدر وخيانة لا مثيل لهما فى صور القتل الأخرى ولذلك أفرد التسمم بالذكر فى المادة 233 من قانون العقوبات وعاقبت عليها بالإعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق الإصرار إذ لا يشترط فى جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن تحضير السم فى جريمة القتل فى ذاته دال على الإصرار .

( الطعن رقم 17310 لسنة 71 ق - جلسة 2002/03/07 - س 53 ص 436 ق 72 )

2ـ قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكل إلى قاضي الموضوع فى حدود سلطته التقديرية، وكان فيما أورده الحكم - على نحو ما سلف - ما يكفي لاستظهار توافر نية القتل لدى المحكوم عليه وفي التدليل على استعماله السم فى قتل المجني عليه مما يتحقق به الظرف المشدد لجريمة القتل حسبما عرفته المادة 233 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار فى حق الطاعن فى قوله: وحيث إنه عن الإصرار السابق فإنه قائم فى حق المتهم من توافر الباعث على القتل الذي انتواه وإعداده السم من اليوم السابق على الواقعة، بعد أن هداه شيطانه إلى طريقة استخدامه، واحتفاظ المتهم بهذا السم معه حال اصطحابه المجني عليه بسيارته يراوغه متظاهرا بمحاولة الحصول على كمية من الأرز من محافظة البحيرة ونقلها إلى الإسكندرية، وكان ذلك فى هدوء وروية وتدبر لما يقترفه ولا يؤثر فى ثبوت هذا القصد اتجاهه إلى المجني عليه بذاته أو اتجاهه إلى من يجده أو يصادفه وهو أمر تستشف منه المحكمة إصراراً سابقاً وقصداً مبيتاً .

( الطعن رقم 32586 لسنة 68 ق - جلسة 2000/01/04 - س 51 ص 38 ق 4 )

3ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر توافر نية القتل فى حق المحكوم عليها فى قولة : "وحيث إنه عن توافر نية القتل فإن المحكمة تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ومن الخلافات الشديدة الدائمة بين المتهمة والمجنى عليه وتعدد إهانة المجنى عليه للمتهمة وتعديه عليها بالضرب وسبها فى كرامتها وشرفها وبسبب كشفه عن علاقاتها الجنسية الآثمة وافتضاح أمرها بين أولادها وأهلها وجيرانها فقد ضاق بالمتهمة وانتوت التخلص من المجنى عليه فأعدت لذلك بأن اشترت مبيداً حشرياً شديد السمية لوضعه فى طعامه أوشرابه مستخدمة فى ذلك ابنتها ......... مستغلة صغر سنها وأن المتهمة تعلم أن المبيد الحشرى الذى اشترته من الصيدلية_ سم الفئران تيميك _ من الجواهر السامة التى تؤدى إلى إزهاق الروح فى الحال وكان لها ما أرادت وتحقق مأربها من إزهاق روح المجنى عليه" . وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لايدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجاني وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم _على السياق المتقدم _ وما جاء بصورة الواقعة التى اقتنعت بها المحكمة كافياً وسائغاً فى استظهار نية القتل ، فإن ما تنعاه الطاعنة فى هذا الشأن يكون غير سديد .

( الطعن رقم 2353 لسنة 68 ق - جلسة 1998/06/03 - س 49 ص 813 ق 106 )

4- لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنة القائم على عدم وجودها على مسرح الجريمة وطرحه فى قوله : "وحيث إنه عن قالة الدفاع بأن المتهمة لم تكن على مسرح الجريمة مردود عليه بأنه لايشترط فى جريمة القتل بالسم وجود المتهمة على مسرح الجريمة وقت تناول المجنى عليه السم بعد وضعه فى مشروب الشاى، وتعتبر المتهمة فاعلة أصلية فى الجريمة لأنها اشترت المادة السامة من إحدى صيدليات القرية حسبما اعترفت بالتحقيقات وأعطتها لابنتها .......... مستغلة صغر سنها فهى لم تتجاوز الخامسة عشر عاماً وقت الواقعة طالبة منها وضع محتوى الكيس البلاستيك الأبيض فى أى شىء يتناوله المجنى عليه بعد إفهامها بأن محتوى الكيس يؤدى إلى ربط المودة والمحبة بينها وبين والدها المجنى عليه فالمتهمة فاعلة أصلية ". وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً لإطراح دفاع الطاعنة حيث بين دورها كفاعلة أصلية للجريمة خططت ودبرت لها ونفذت ما استقرت عليه بأن أعدت المادة السامة وجعلتها فى متناول المجنى عليه فتمت الجريمة على نحو ما أرادت ، ومن ثم فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون .

 ( الطعن رقم 2353 لسنة 68 ق - جلسة 1998/06/03 - س 49 ص 813 ق 106 )

5ـ لما كان التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد إلا أن الشارع المصرى قد ميزها عن الصورة العادية الأخرى بجعل الوسيلة التى تستخدم فيها لأحداث الموت ظرفا مشددا للجريمة لما ينم عن غدر وخيابة لا مثيل لهما فى صور القتل الاخرى . ولذلك أفرد التسمم بالذكر فى المادة 233 من قانون العقوبات وعاقب عليها بالاعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق إصرار إذ لا يشترط فى جريمة القتل بالسم وجود سبق الأصرار لأن تحضير السم بقصد القتل فى ذاته دال على الإصرار .

( الطعن رقم 171 لسنة 63 ق - جلسة 1994/12/20 - س 45 ص 1201 ق 188 )

6ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل ودلل على توافرها فى حق المحكوم عليهما فى قوله : - " وحيث إن نية القتل ثابتة فى حق المتهمين من اعترافهما الذى تضمن أنه عقب عودة المجنى عليه من الخارج وخشيت زوجته المتهمة الأولى افتضاح أمر حملها سفاحاً من عشيقها المتهم الثانى كما تضايق هذا الأخير من وجود المجنى عليه مما يحول دون تردده عى عشيقته فقد وجد أنه لا بديل عن التخلص من المجنى عليه واشترت المتهمة الأولى مركبا ساما اعترض عليه عشيقها المتهم الثانى فاستبدلاه بسم آخر أكثر فاعلية وقدمته المتهمة الأولى لزوجها المجنى عليه فى شراب الليمون تحت رقابة وتشجيع المتهم الثانى قاصدين من ذلك قتل المجنى عليه الذى تناول السم وتوفى بعد ذلك " . وكان قصد القتل أمرا خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجاني وتنم عما يضمره فى نفسه ، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكل إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية ، وكان فيما أورده الحكم - على نحو ما سلف - ما يكفى لاستظهار توافر نية القتل لدى المحكوم عليهما وفى التدليل على استعمالهما السم فى قتل المجنى عليه ما يتحقق به الظرف المشدد لجريمة القتل حسبما عرفته المادة 233 من قانون العقوبات .

( الطعن رقم 2805 لسنة 59 ق - جلسة 1989/11/23- س 40 ص 1038 ق 168 )

شرح خبراء القانون

الركن المادي للقتل :

يقوم الركن المادي للقتل على عناصر ثلاثة : فعل الاعتداء على الحياة ، والنتيجة التي تتمثل في وفاة المجنى عليه ، وعلاقة السببية التي تربط بينهما .

فعل الاعتداء على الحياة :

ماهية فعل الاعتداء على الحياة : فعل الاعتداء على الحياة هو سلوك من شأنه إحداث وفاة المجني عليه ، أي أنه فعل صالح بطبيعته لتحقيق هذه النتيجة : فإن حققها كانت جريمة القتل تامة ، وإن لم يحققها الأسباب لا ترجع إلى إرادة المتهم الذي توافر لديه قصد القتل اقتصرت مسئوليته على الشروع .

وهذا التحديد لماهية فعل الاعتداء على الحياة يثير التساؤل عن الضابط في صلاحية الفعل لإحداث الوفاة : أهو ضابط موضوعي بحيث يتعين أن يكون الفعل صالحاً بطبيعته وفي ذاته لتحقيق هذه النتيجة ، أم هو ضابط شخصي بحيث يكفي أن يكون الفعل صالحاً في تقدير المتهم واعتقاده لإحداث الوفاة .

يتطلب الضابط الموضوعي أن يمثل الفعل لحظة ارتكابه خطراً على حياة المجنى عليه بحيث لو سارت الأمور سيرها المعتاد لحدثت وفاته بناء عليه ، وهذا الخطر يقاس بالنظر إلى الآثار المحتملة للفعل ، ومدى ما يكمن فيه من میل واتجاه نحو إحداث الوفاة أما الضابط الشخصي فيجعل العبرة بنية الجاني التي يحددها في ضوء علمه بخصائص فعله ، وهو علم قد لا يتفق مع حقائق الأمور نعتقد أن الضابط الموضوعي هو الأجدر بالترجيح : ذلك أن خطورة الفعل على الحق الذي يحميه القانون هي علة تجريمه ، فصيانة الحق في الاعتبار الذي يوجه سياسة الشارع إلى تجريم الفعل الذي من شأنه الاعتداء ، وعلى هذا النحو كان تجريم الفعل مفترضاً صلة موضوعية مجردة بينه وبين النتيجة الإجرامية ، وجوهر هذه الصلة هو الخطورة الكامنة في طائفة معينة من الأفعال على نوع معين من الحقوق، وتطبيق ذلك على القتل يقتضى القول بأن الفعل لا يوصف بأنه اعتداء على الحياة ولا يصطبغ بالصفة غير المشروعة وفق النصوص التي تجرم القتل إلا إذا قامت هذه الصلة الموضوعية المجردة بينه وبين وفاة المجنى عليه ، فكان في ذاته خطراً على حياة المجني عليه ولا يعني الأخذ بهذا الضابط اشتراط أن يكون الفعل قاتلاً بطبيعته ، وإنما يعني تقدير صلاحيته لإحداث الوفاة في ضوء الظروف التي عاصرت ارتكابه : فهذه الظروف تتمثل فيها عوامل ذات آثار محتملة ، وإضافة هذه الآثار إلى الفعل هي التي تحدد صلاحيته لتكوين الركن المادي للقتل ، وبناءً على ذلك فإن فعلاً معيناً قد لا تكون له هذه الصلاحية بالنظر إلى ظروف معينة ، وتكون له بالنظر إلى ظروف مختلفة : فضرب شخص بعصا رفيعة أو لطمه لطمة يسيرة أو إيذاؤه نفسياً هي أفعال لا تصلح في الظروف العادية لإحداث الوفاة ، ولكن تتوافر لها هذه الصلاحية إذا كان المجني عليه طفلاً أو مريضاً أو طاعناً في السن ولا يشترط أن يكون المتهم عالماً بالظروف التي تؤخذ في الاعتبار التقدير خطورة فعله ، بل يكفي أن يكون في استطاعته العلم بها وقاضي الموضوع هو المنوط باستظهار هذه الظروف وإضافتها إلى الفعل وتحديد  مدى خطورته .

وتميل محكمة النقض في صدد مشكلة الجريمة المستحيلة - وهی مشكلة يثيرها البحث في خطورة الفعل ومدى صلاحيته ليقوم به الشروع في القتل - إلى الآراء التي تقول بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية فقد قضت المحكمة أنه متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة ، لأن مقتضى القول بهذه النظرية ألا يكون في الإمكان تحقيق النتيجة مطلقاً لإنعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت لإرتكابها ، ويعني ذلك أنها تقر نظرية الجريمة المستحيلة إذا لم يكن في الإمكان تحقق الجريمة مطلقاً ، سواء أرجع ذلك إلى إنعدام الغاية أو عدم صلاحية الوسيلة ، وفي غير حالات  عدم إمكان تحقق الجريمة مطلقاً ، أي حيث يكون عدم الإمكان نسبياً ، كما لو كانت المادة المستعملة في القتل  تؤدي في بعض الصور إلى النتيجة المقصودة منها، فإن العقاب على الشروع يكون متعيناً .

سواء وسائل الاعتداء على الحياة : يخضع القتل للقاعدة العامة في التجريم التي توضع بمقتضاها جميع الوسائل على قدم المساواة ، طالما كان من شأنها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون : فلا تفرقة بين وسائل الاعتداء على الحياة ، فهي سواء من حيث الصلاحية التكوين الركن المادي للقتل أو من حيث مقدار العقاب، ولا استثناء لذلك إلا إذ كانت الوسيلة هي السم ، فيعد استعمالها ظرفاً مشدداً للقتل (المادة 233 من قانون العقوبات)، وتطبيقاً لهذه القاعدة ، فإنه لا تفرقة بين قتل عن طريق أداة كسلاح ، وذلك هو الغالب في جرائم القتل ، وقتل دون استعانة بأداة كما لو خنقه بيديه، وهو ما يتصور إذا كان طفلاً أو محتضراً ولا تفرقة بين أدوات القتل : فسواء إطلاق الرصاص أو الطعن بآلة حادة أو الضرب بآلة راضية أو الإحراق أو الإغراق أو الصعق بتيار كهربائي وغير ذلك مما يمكن للعقل أن يتصوره من وسائل الاعتداء على الحياة وليس بشرط أن يصيب الجاني جسم المجني عليه مباشرة ، بل يكفي أن يهيئ الوسائل بحيث تفضی حسب المجرى العادي للأمور إلى حدوث الوفاة : فيعد قاتلاً من يضع في طريق المجني عليه مواد مفرقعة أو يحطم جسراً يعلم أنه سيمر عليه أو يحبسه في غرفة ويمنع الطعام عنه ولا يتطلب القانون أن يؤدي الفعل إلى إحداث الموت فوراً : فالفعل اعتداء على الحياة على الرغم من أن الموت لم يترتب عليه إلا بعد فترة من الوقت ، طالما أن الشك لا يثور حول توافر علاقة السببية بينهما ، فإعطاء شخص بطيء المفعول يصلح ليقوم به الركن المادي للقتل وسواء أن يحدث الموت بفعل واحد أو أن يحدث بجملة أفعال كل منها على حدة لا يكفي لإحداث الموت ، ولكن تعاقبها واجتماع آثارها جعلها في مجموعها كافياً لإحداثه ، ومثال ذلك توجيه عدد من الضربات إلى المجنى عليه أو اعطاؤه جملة جرعات من مادة سامة .

القتل بالامتناع : الامتناع هو إحجام الجاني عن إتيان فعل إيجابي معين كان الشارع ينتظره منه في ظروف معينة بشرط أن يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل وأن يكون في استطاعة الممتنع عنه إرادته .

وقد يعقب امتناع الجاني وفاة المجنى عليه ، فهل نستطيع القول بتوافر عناصر الركن المادي لجريمة القتل بهذا الامتناع ؟ فالأم مثلاً امتنعت عن إرضاع طفلها أو عن قطع حبل السري فمات ، ومن عهد إليه برعاية مريض عاجز عن الحركة امتنع عن تقديم الطعام والدواء إليه فمات ، ومعلم السباحة امتنع عن إنقاذ تلميذة فغرق ، فهل يعد الامتناع في هذه الأمثلة اعتداء على الحياة فيسأل الممتنع عن قتل .

لبيان الرأي الصحيح في هذا الموضوع يتعين تحديد نطاقه باستبعاد الحالات التي لا تدخل فيه : يتعين في المقام الأول استبعاد الحالات التي لا يكون الممتنع فيها محملاً بواجب قانونی ، إذ أحجم عنه ، ذلك أن الواجب القانونی عنصر في فكرة الممتنع ، إذ الإمتناع في دلالته القانونية لا يتصور به إلا بالنسبة لعمل إيجابي كان الممتنع ملزماً قانوناً بإتيانه وتطبيقاً لذلك ، فإنه لا يعد قاتلاً من يشهد شخصاً لا تربطه به صلة - وتبعا لذلك لا يحمل واجباً قانونياً قبله - يوشك أن يموت غرقاً أو حرقاً فلا ينقذه ، على الرغم من استطاعته ذلك ، ولو توافرت لديه الرغبة في أن تحدث وفاته وتستبعد كذلك الحالات التي لا يكون في استطاعة الممتنع فيها إتيان العمل الإيجابي الذي من شأنه إنقاذ الحياة ، فلا تكليف بما لا يستطاع ، ولا يغير من هذا الحكم أن يحمل واجباً قانونياً بإتيانه وتطبيقاً لذلك لا يعد قاتلاً الأب الذي يشهد ابنه يصارع الموت غرقاً فلا ينقذه لأنه لا يستطيع السباحة ، وليس في وسعه أن يستعين بمن ينقذه بدلاً منه وتستبعد الحالات التي يكون الامتناع فيها مسبوقاً بعمل إيجابي من شأنه إحداث الوفاة ، فهذا الامتناع لا ينسب إليه أنه سبب الموت ، وإنما تنسب هذه النتيجة إلى العمل الإيجابي ، ولا تثور عندئذ الصعوبات التي تثيرها سببية الامتناع ، إذ تعد علاقة السببية متوافرة بين الوفاة والعمل الإيجابي ، ويقتصر دور الامتناع على كونه تدعيما لآثار ذلك العمل ومحافظة عليها وتمكيناً لها من أن تتابع حلقاتها حتى تفضي في النهاية إلى الموت ،وتستبعد من نطاق البحث في النهاية الحالات التي تنفي فيها قاعدة قانونية عن الامتناع الصفة الإجرامية ، إذ هي بذلك تنفي عنه صلاحيته ليقوم به الركن المادي للقتل : فمن يمتنع عن الحيلولة بين شخص وبين انتحاره لا يعتبر قاتلاً له ، وإن كانت بينهما صلة تفرض عليه رعايته ، كزوج أو أب لا يحول بين زوجته أو ابنه وبين الانتحار ، ذلك أن الانتحار غير ذي صفة إجرامية ، ومن ثم كانت المساعدة عليه في جميع صورها متجردة بدورها من الصفة الإجرامية .

وتطبيقاً لذلك فإن من يحبس شخصاً ثم يحرمه الغذاء بنية إزهاق روحه فيموت يسأل عن قتل عمد، ومن يقود عربة ويتعمد قتل أحد المارة فيوجه عربته نحوه حتى إذا أصبحت قريبة منه امتنع عن إيقاف الحيوانات التي تجرها مما أدى إلى موته يسأل عن قتل عمد وعلى هذا النحو ، فإن الحكم الذي أصدرته محكمة النقض وقضت فيه بأن تعجيز شخص عن الحركة بضربه ضرباً مبرحاً ثم تركه في مكان منعزل محروماً من وسائل الحياة يعد قتلاً عمداً متی اقترن ذلك بنية القتل وكانت الوفاة بنتيجة مباشرة لهذه الأفعال 28 ديسمبر سنة 1936 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 28 ص 27، هذا الحكم لا يعني الاعتراف بصلاحية الامتناع لتكوين الركن المادي للقتل ، ولا يقرر الاعتراف بعلاقة السببية بينه وبين الوفاة ، ذلك أن سلوك المتهم لم يمكن امتناعاً فحسب ، وإنما سبقه عمل إيجابي تمثل في الضرب المبرح والتعجيز عن الحركة والنقل إلى مكان منعزل ، وهذا العمل الإيجابي هو الذي يحمل وزر النتيجة وتتوافر بينهما علاقة السببية ، ويقتصر دور الامتناع على مجرد تدعيم آثار هذا العمل .

ونعتقد أن الامتناع يصلح - بعد استبعاد الحالات السابقة - لتكوين الركن المادي للقتل ، ولا عقبة من المنطق القانوني تحول دون الإعتراف يتوافر علاقة السببية بينه وبين الوفاة : فالامتناع صورة للسلوك الإنساني ، ويضم عنصرا إيجابيا هو الإرادة المتجهة على نحو معين ، والامتناع بالإضافة إلى ذلك تعبير عن هذه الإرادة ، وهو من الناحية المادية وسيلة لبلوغ غاية في العالم الخارجي ، وكل ذلك يحول دون أن يوصف الامتناع بأنه ظاهرة سلبية ، إذ يصدم المنطق أن تضم ظاهرة سلبية من بين عناصرها ظاهرة إيجابية وليس الامتناع مجرداً من الكيان المادي ، وباعتباره سلوكاً فهو يصدر إزاء ظروف مادية معينة ، ويمثل تصرف صاحبه في مواجهتها ولما كان السلوك السلبي في كل صوره واعياً مدركاً ، فهو بفضل هذه الصفة يكتسب سيطرة على الظروف المادية المحيطة به ويوجهها إلى غايته ، فيكون مؤدى ذلك القول بأن هذه الظروف تنسب إليه باعتبارها بعض وسائله لإدراك هذه الغاية ، ويصل ذلك إلى حد إندماج هذه الظروف فيه واكتسابه منها طابعاً مادياً ، فالأم تمتنع عن إرضاع طفلها في ظروف معينة ، منها على سبيل المثال : عدم وجود شخص يستطيع في الوقت الملائم إطعام الطفل وعجز الطفل عن إطعام نفسه وبلوغ جوعه الحد الذي يهدد حياته ، والأم تعلم بهذه الظروف أو على الأقل تستطيع هذا العلم ، فإذا ما صدر عنها الامتناع فهي تسيطر به على هذه الظروف وتوجهها إلى غايتها ، ويصبح هذا المجموع من العوامل منسوباً إليها ولا صعوبة في الإعتراف للامتناع بسببيته القانونية ، فهو سبب للعدوان الذي نال مصلحة أو حقاً جديراً بحماية القانون ، وبيان ذلك أن الشارع ينتظر من الممتنع إتيان فعل إيجابي ويوجب ذلك عليه ، ويفترض أن من شأن هذا الفعل صيانة الحق ، فإذا خالف سلوك الممتنع ما توقعه الشارع فنال العدوان الحق ، فلا شك في أن سبب هذا العدوان هو ذلك السلوك، والسببية القانونية تحمل الدليل على السببية المادية ، وهذه نستظهرها إذا ما وضعنا في اعتبارنا الفعل الإيجابي الذي ينتظره الشارع ، وثبتت لنا علاقته بالنتيجة الإجرامية ، إذ يعد ذلك في الوقت نفسه إثباتاً للعلاقة بين الامتناع وهذه النتيجة فإذا تحقق لدينا أنه لو أتى المتهم ذلك الفعل ما حدثت النتيجة الإجرامية ، فمعنى ذلك أن هذا الفعل سبب لعدم حدوث النتيجة ، ويقتضي ذلك بطريق اللزوم العقلى أن نقرر أن الامتناع سبب لحدوث النتيجة : فإذا كان من شأن إرضاع الأم طفلها ألا تحدث وفاته ، فمعنى ذلك أن عدم إرضاعه هو سبب وفاته، وغنى عن البيان أن مسئولية الممتنع عن القتل منوطة بتوافر جميع أركانه : فبالإضافة إلى ما تقتضيه فكرة الامتناع من وجود واجب قانوني يلزم بالعمل الإيجابي الذي كان من شأنه إنقاذ حياة المجني عليه ومن كون إتيان هذا العمل ممكناً، فإنه يتعين أن تتوافر علاقة السببية بين الامتناع والوفاة ، ويجب أن يثبت توافر القصد الجنائي أو الخطأ لدى الممتنع .

القتل بالوسائل ذات الأثر النفسي : هل تصلح الوسائل ذات الأثر النفسي ليقوم بها الركن المادي للقتل ؟ مثال ذلك توجيه الإهانات الشديدة أو التهديدات المتكررة أو سرد الأخبار السيئة إذا ترتب عليها انزعاج أو ألم نفسى قاس أساء إلى الصحة فحدثت الوفاة ، أو إطلاق عيار ناري في مكان به جمع من الناس بحيث أفزع واحداً منهم فمات من الفزع وغنى عن البيان أن هذا التساؤل لا يثور إلا إذا ثبت توافر قصد القتل لدي من صدرت عنه هذه الوسائل ، أو ثبت توافر الخطأ المنصرف إلى الوفاة .

يذهب الرأي الراجح في الفقه إلى نفي قيام القتل بالوسائل النفسية ، وحجته في ذلك أن عبارات القانون يفهم منها تطلب فعل ذي أثر مادی يمس جسم المجني عليه ؛ وبالإضافة إلى ذلك ، فإن من العسير إثبات علاقة السببية بين الأفعال ذات الأثر النفسي والوفاة ، إذ كيف يمكن القطع - عن طريق الخبرة الطبية - بأن ما ترتب على الفعل من أثر نفسي هو الذي أحدث في أجهزة الجسم الاضطراب الذي أفضى إلى الوفاة ولكننا نعتقد أن هذا الرأي يتضمن تعميماً مجافياً للصواب ، إذ من الأصوب أن تبحث ظروف كل حالة على حدة ، فإن تبين من ظروف حالة معينة أن الموت لم يحدث إلا بسبب هذه الأفعال التي اكتسبت خطورة خاصة بإنضمام آثار الظروف السابقة إليها، فإن الاعتراف بعلاقة السببية لا تعترضه عقبة من القانون وهذه الظروف عديدة ، واستخلاص دلالتها وتحديد آثارها ، والقول بما إذا كان إنضمامها إلى الأفعال السابقة قد جعل من شأنها إحداث الوفاة وأدى إلى توافر علاقة السببية ، كل ذلك من اختصاص قاضي الموضوع ومثال هذه الظروف مرض المجني وحساسيته ومقدار ثقته في أقوال الجاني والتكرار الملح لهذه الأفعال وبالإضافة إلى ذلك ، فإن هذه الوسائل ليست ذات أثر نفسي فحسب ، إذ أن التأثير السيئ على الحالة النفسية للمجني عليه يفضي إلى آثار ضارة تنال الجهاز العصبي ، وقد تنعكس على غيره من أجهزة الجسم ، فتسيء إلى الصحة على نحو لا يختلف عن الوسائل ذات الأثر المادي .

 هل يعتبر الانتحار فعل اعتداء على الحياة : التعريف القانوني للقتل أنه إعتداء على حياة الغير وهو ما يفترض أن من يصدر عنه فعل الاعتداء هو شخص مختلف عمن يقع عليه هذا الفعل ، أما إذا اتحد الشخصان - وهو ما يتحقق في الانتحار - فقد انتفى معنى القتل ويعني ذلك أن الانتحار لا يخضع للأنموذج القانوني للقتل ولم يضع الشارع نص تجريم خاص به ، فيكون مؤدى ذلك تجرده من الصفة غير المشروعة وعدم قيام جريمة به ويترتب على نفي الصفة الإجرامية عن الإنتحار نفي هذه الصفة كذلك عن الشروع فيه ، إذ الشروع يفترض انصراف البدء في التنفيذ إلى فعل ذي صفة إجرامية ويترتب على ذلك أيضا نفي الصفة الإجرامية عن الإشتراك في الانتحار .

ولكن قاعدة عدم العقاب على الإشتراك في الانتحار لا يجوز أن يساء فهمها ، فتشمل صوراً من القتل يتعين العقاب عليها : فلهذه القاعدة حدودها التي تقف عندها .

فمن ناحية يتعين رسم الحدود الفاصلة بين الإشتراك في الانتحار وبين القتل بالرضاء : فمن قتل غيره برضائه يعاقب ، ولا يستطيع أن يلتمس في رضاء المجني عليه ما ينفى مسئوليته  والتفرقة بين القتل بالرضاء والإشتراك في الإنتحار تعتمد على ذات الضوابط التي تميز بين نشاط الفاعل الأصلي ونشاط الشريك ؛ ففي الحالة الأولى يوجد قتل بالرضاء ، وفي الحالة الثانية يتحقق الإشتراك في الانتحار ، ولنا أن نقارن بين حالة شخص يسمح لغيره بأن يطلق الرصاص عليه وحالة آخر يمسك بيده المسدس فيطلقه على نفسه .

ومن ناحية ثانية ، فإن قاعدة العقاب على الإشتراك في الانتحار لا تطبق حيث تنتفي الفكرة الأساسية في الانتحار ، وهي تفترض أن شخصاً قد أقبل على الموت عن رغبة ، وأن انتحاره كان صورة لاستعماله حريته فإذا كان من شأن نشاط المتهم أن صار المجنى عليه مجرد أداة في يديه يوجهه إلى الموت وهو على غير بينة من أمره أو غير محتفظ بحريته ، فإن هذا المتهم يعد فاعلاً معنوياً للقتل  وتطبيقاً لذلك ، فإن من يكره شخصاً على قتل نفسه ، ومن يحرض مجنوناً أو صغيراً غير مميز على الموت ، ومن يوقع ضحيته في غلط يتعلق بطبيعة الفعل الذي يحمله عليه فيوهمه أن المادة السامة التي يحمله على تناولها هي دواء ، أو أن السلك الذي يحمل التيار الصاعق لا خطر منه ويحمله بذلك على لمسة ، كل أولئك فاعلون لقتل .

ومن ناحية ثالثة ، فإن الحامل التي تشرع في الانتحار فتفشل ، ولكن يترتب على محاولتها إجهاضها ، تسأل عن إجهاضها نفسها ، ولا يستبعد قصد الانتحار قصد الإجهاض ، بل أنه يتضمنه على الأقل في صورته الاحتمالية : فإذا توقعت الحامل حدوث الإجهاض - وهو ما يتحقق غالباً فرضيت بهذا الاحتمال كان قصد الإجهاض متوافراً لديها .

وفاة المجنى عليه :

الأهمية القانونية لوفاة المجني عليه : تعد وفاة المجني عليه النتيجة الإجرامية في القتل ، وهي على هذا النحو أحد عناصر ركنه المادي ، وفيها يتمثل الاعتداء على الحق في الحياة ، وحرص الشارع على توقيتها هو علة تجريمه القتل وحدوث الوفاة شرط لاستكمال الركن المادي كيانه : فإذا لم تحدث على الرغم من ارتكاب فعل الاعتداء على الحياة وتوافر القصد .

اقتصرت المسئولية على الشروع في القتل ؛ أما إذا كان الفعل مقترناً بالخطأ فإن حلول الموت بالمجنى عليه شرط لتوافر جريمة القتل غير العمدي ، فإن لم يحدث الموت ولكن أدى الفعل إلى مساس بسلامة جسم المجني عليه اقتصرت المسئولية على الإصابة غير العمدية .

وتتحقق الوفاة بإنتهاء النفس الأخير الذي يلفظه المجنى عليه  وغير ذي أهمية أن تحدث الوفاة فور ارتكاب الفعل ، أو أن تتراخى زمناً طالما أن الشك لا يثور حول توافر علاقة السببية بينها وبين الفعل .

إثبات الوفاة : تثبت الوفاة بجميع الطرق ، بما في ذلك القرائن البسيطة . وليس من شروط المحاكمة من أجل القتل العثور على جثة المجني عليه أو تقديم شهادة بموته؛ بل إنه لا يشترط أن تعين شخصيته  ولكن مجرد اختفاء شخص ليس دليلاً على موته والنيابة العامة هي المكلفة بإقامة الدليل على وفاة المجنى عليه ، فلا يجوز تكليف المتهم بإثبات حياة المجني عليه ولو كان هو المكلف برعايته ولا يصلح دليلاً على ارتكاب شخص قتلاً أنه كان آخر من اجتمع بالمجنى عليه قبل اختفائه .

علاقة السببية بين فعل الاعتداء على الحياة ووفاة المجنى عليه

الأهمية القانونية لعلاقة السببية في جرائم القتل : العلاقة السببية أهميتها في كل جريمة يتطلب ركنها المادي نتيجة إجرامية ، إذ تسند هذه النتيجة إلى الفعل الذي ارتكبه المتهم وتقيم بذلك وحدة الركن المادي ، وتقرر توافر شرط المسئولية مرتكب الفعل عن النتيجة وتطبيق ذلك على القتل أنه إذا انتفت علاقة السببية اقتصرت مسئولية مرتكب الفعل على الشروع في القتل إذا كانت جريمته عمدية ، أما إذا كانت غير عمدية ، فلا مسئولية عن القتل ، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية ، وإنما تقتصر المسئولية على الإصابات التي نالت المجنى عليه ، وثبت توافر علاقة السببية بينها وبين الفعل .

معيار علاقة السببية : السبب في الرأي الراجح من وجهة المنطق المجرد هو « مجموعة العوامل الإيجابية والسلبية التي يستتبع تحققها حدوث النتيجة على نحو لازم » ويؤدي تطبيق هذا الرأي على المشكلة القانونية العلاقة السببية إلى القول بأن سبب النتيجة الإجرامية ليس عاملاً بمفرده ، ولكنه مجموعة عديدة من العوامل تتضامن فيها بينها فتحدث النتيجة وعلى سبيل المثال ، فإنه إذا أعطى شخص آخر مادة سامة فمات ، فليس سبب الوفاة هو فعل الإعطاء وحده ، ولكنه كذلك الظروف الصحية للمجني عليه التي جعلت السم ينتج أثره على نحو معين وعدم إسعافه بالعلاج الطبي في الوقت الملائم ، وقد يكون من عوامل الوفاة تقصير المجني عليه في علاج نفسه أو خطأ الطبيب المعالج .

ولكن تطبيق هذه النظرية المنطقية المجردة لا يؤدي إلى معيار قانونی مقبول : ذلك أن اعتبار السبب مجموعة من العوامل لا يمثل فعل المتهم إلا أحدها يعنى إنكار علاقة السببية بين هذا الفعل والنتيجة الإجرامية واستحالة قيام المسئولية تبعاً لذلك من أجل ذلك تنحصر الأهمية القانونية لهذه النظرية في تحديد أساس البحث القانوني في علاقة السببية : فإذا كان فعل المتهم واحداً من العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ، فالمشكلة القانونية تدور حول معرفة ما إذا كان من السائغ القول بتوافر علاقة السببية - في المعنى القانوني - بين الفعل والنتيجة لمجرد كونه عاملاً أياً كانت أهميته من بين عواملها أم أنه يتعين التحقق من أنه بالقياس إلى سائرها يمثل أهمية خاصة .

تصنيف النظريات القانونية في معيار علاقة السببية : يمكن تأصيل هذه النظريات بردها إلى قسمين : قسم يرى الإعتراف بعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة لمجرد كونه عاملاً أياً كانت أهميته بين العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ، وقسم يتطلب أن يمثل هذا الفعل - بالقياس إلى سائر العوامل - أهمية أو فاعلية خاصة ، أو أن يتصف بخصائص معينة تجعله متميزاً عن العوامل الأخرى فالقسم الأول تمثله نظرية التعادل بين الأسباب ، والقسم الثاني تمثله نظريات عديدة تختلف فيما بينها من حيث الضابط الذي تأخذ به للتمييز بين العوامل والمفاضلة بينها والقول بأن الفعل ترجح أهميته عليها على نحو تقوم معه علاقة السببية بينه وبين النتيجة ، وأهم هذه النظريات هي نظرية السببية الملائمة .

نظريات التعادل بين الأسباب : تقرر هذه النظرية المساواة بين جميع العوامل التي أسهمت في إحداث النتيجة ، فكل منها تقوم بينه وبين النتيجة علاقة السببية  وتطبيق ذلك على جريمة القتل يقتضى القول بأن علاقة السببية تقوم بين فعل الجاني ووفاة المجني عليه إذا ثبت أنه عامل ساهم في إحداثها ، ولو كان نصيبه من المساهمة محدوداً ، وشاركت معه في ذلك عوامل تفوقه في الأهمية على نحو ملحوظ  وتقود هذه النظرية إلى النتائج الآتية : إذا ساهمت مع فعل الجاني عوامل طبيعية كضعف صحي أو مرض سابق كان المجني عليه يعاني فعلاقة السببية تظل قائمة بين هذا الفعل والوفاة ؛ وإذا ساهمت في إحداث الوفاة أفعال أخرى فعلاقة السببية لا تنتفي بذلك : فخطأ المجني عليه وإن كان جسيماً ونشاط مجرم ثان اتجه إلى ذات النتيجة لا ينفيان علاقة السببية ؛ بل إن العوامل التي تتدخل في التسلسل السببي بعد ارتكاب الجاني فعله فتزيد من جسامته وتقود إلى إحداث الوفاة لا تحول دون القول بتوافر هذه العلاقة : فخطأ الطبيب المعالج وإن كان فاحشاً أو إصابة المجنى عليه بمرض لاحق أو احتراقه في المستشفى الذي نقل إليه لعلاجه ، كل ذلك لا ينفي علاقة السببية .

نظرية السببية الملائمة وتذهب هذه النظرية إلى التفرقة بين عوامل النتيجة الإجرامية والاعتداد ببعضها دون بعض ؛ فإن كانت جميعاً اللازمة لإحداث النتيجة على النحو الذي حدثت به ، فإن بعضها فقط يتضمن إتجاها إليها ويعبر عن ميل نحوها ويمثل خطورة في اتجاهها ، وتكمن فيه تبعاً لذلك « الإمكانيات الموضوعية » التي من شأنها إحداثها وترى هذه النظرية أن علاقة السببية تقوم بين النتيجة وهذه العوامل دون سواها ويقتضي تطبيق هذه النظرية تجريد التسلسل السببي من ملابساته الواقعية غير ذات الأهمية : وللتجريد مرحلتان : استبعاد بعض عوامل النتيجة، وهي العوامل الشاذة غير المألوفة ، والاقتصار على الاعتداد بالعوامل الطبيعية المألوفة ، وهذه العوامل وحدها يضاف تأثيرها إلى آثار الفعل التحديد ما ينطوي عليه من إمكانيات ؛ أما المرحلة الثانية من التجريد فتقتضي أن تستبعد من النتيجة ظروفها الواقعية لكي تحدد باعتبارها نوعاً معيناً من النتائج الإجرامية ، ولكن هذا التجريد لا يستتبع إغفال الوسيلة التي حدثت بها النتيجة الإجرامية وللتحقق من توافر علاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة ينبغي التساؤل عما إذا كان الفعل - مقترناً بالعوامل العادية المألوفة - يتضمن القدرة على تحريك القوانين الطبيعية التي من شأنها إحداث النتيجة عن طريق الوسيلة التي حدثت بها ، فإن كانت الإجابة إثباتاً فعلاقة السببية متوافرة ، وإن كانت نفيا فهي غير متوافرة : فإذا أصاب شخص آخر بجروح قاصداً قتله ولكن المجني عليه لم يمت بجروحه، وإنما مات في حريق المستشفى الذي نقل إليه ، فإن تحديد ما إذا كانت علاقة السببية متوافرة أم غير متوافرة يختلف باختلاف ما إذا أخذنا بنظرية تعادل الأسباب أم قلنا بنظرية السببية الملائمة فطبقاً للأولى تعد هذه العلاقة متوافرة ، إذ لولا الجروح ما نقل المجني عليه إلى المستشفى وما هلك في حريقها ، ويعني ذلك أن هذه النظرية تضيف إلى فعل الجاني جميع العوامل التي ساهمت في إحداث الوفاة ومن بينها الحريق فتتضخم بذلك آثاره ويغدو منطقياً القول بأنه سبب الوفاة أما إذا أخذنا بنظرية السببية الملائمة ، فيتعين أن يستبعد حريق المستشفى من التسلسل السببي ، وأن تستبعد من النتيجة ظروفها ، فتحدد باعتبارها « وفاة إنسان عن طريق الحريق » ، وبعد ذلك نضع السؤال الآتي : هل إحداث جروح بشخص فعل ينطوي على الإمكانيات الموضوعية التي تجعل من شأنه إحداث الوفاة عن طريق الحريق ؟ من البديهي أن الإجابة هي بالنفي ، فيكون مقتضى ذلك اعتبار علاقة السببية غير متوافرة .

معيار علاقة السببية لدى القضاء : اجتهدت محكمة النقض في صياغة معيار لعلاقة السببية ، فقالت إن « العلاقة السببية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما كان يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً ، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير » ويعني هذا القضاء أن المحكمة تقرر قيام معیار علاقة السببية على عنصرين :عنصر مادي وعنصر معنوي فالعنصر المادي قوامه العلاقة المادية التي تصل ما بين الفعل والنتيجة ، وهي علاقة تقرر - في تطبيقها على القتل - أن فعل الجاني كان أحد العوامل التي أسهمت في إحداث الوفاة أما العنصر المعنوي فترى المحكمة اختلافه باختلاف ما إذا كانت الجريمة عمدية أو غير عمدية : فإن كانت عمدية فإن علاقة السببية تقف عند النتائج المألوفة للفعل التي يجب على الجاني أن يتوقعها ؛ أما إذا كانت غير عمدية فإن هذا العنصر يقتضي « خروج الجاني فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير »، وأهمية العنصر المعنوي أنه يحدد من تلك العلاقة المادية الجزء الذي تكون له أهمية قانونية ، ونرى تفصيلاً للمعيار الذي تأخذ به محكمة النقض التمييز بين القتل العمدي والقتل غير العمدی .

معيار علاقة السببية في القتل العمدي : تتطلب علاقة السببية في القتل العمدى توافر عنصرها المادي الذي سلفت الإشارة إليه ، وهو عنصر تشترك فيه مع علاقة السببية في القتل غير العمدي وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن يتوافر عنصرها المعنوي الذي يفترض أن كيفية حدوث الوفاة مألوفة وأنه كان يجب على الجاني توقعها ، والأمران غير منفصلين : إذ أن وجوب التوقع يفترض استطاعته ، لأنه لا تكليف بما لا يستطاع ، واستطاعة التوقع لا محل لها إلا بالنسبة للنتائج المألوفة المعتادة ، أما النتائج الشاذة غير العادية فليس في استطاعة الجاني توقعها وليس ذلك واجباً عليه ، ونستطيع التعبير عن هذا العنصر بقولنا : إنه يقوم « باستطاعة الجاني توقع وفاة المجني عليه ووجوب ذلك عليه » ، ومن السائغ اعتبار الصفة المألوفة للنتيجة قرينة على استطاعة توقعها ووجوبه وتطبيقاً لهذا المعيار قضت المحكمة بأن المتهم بالقتل العمد مسئول عن وفاة المجني عليه التي لم تحدث إلا بعد علاج دام ثمانية وخمسين يوما طالما أنه كان في استطاعته ومن واجبه أن يتوقع هذه النتيجة وقضت بمسئولية الضارب عن الفعل ولو ساهم في إحداث الوفاة تسمم معوي نتج عن الحمرة ، إذ هي من الأمراض التي تنشأ عادة عن الجروح وقضت بأن إهمال العلاج أو حدوث مضاعفات تؤدي إلى الوفاة لا يقطع علاقة السببية بين الإصابة والوفاة .

وتطبيقاً لهذا المعيار فإن علاقة السببية في القتل العمدى تنتفي في حالتين : إذا لم يكن فعل الجاني أحد العوامل التي أسهمت في إحداث الوفاة ؛ وإذا ثبت أنه أحد هذه العوامل ، ولكن لم يكن في استطاعة المتهم أن يتوقع بعض العوامل الأخرى التي أسهمت كذلك في إحداث الوفاة ، لأنها شاذة غير مألوف تدخلها في التسلسل السببي ، وبناءً على ذلك لم يكن في استطاعته : توقع الوفاة ، لأن كيفية حدوثها هي على هذا النحو غير مألوفة .

سلطة القضاء في إثبات علاقة السببية : تلتزم محكمة الموضوع بأن تثبت في حكمها بالإدانة توافر هذه العلاقة ، فإن لم تفعل كان حكمها قاصر التسبيب وإذا كان البحث في علاقة السببية مقتضياً خبرة فنية ، فإن المحكمة تلتزم بأن تسند قولها بتوافرها إلى واقع التقرير الفني ، وغالباً ما يكون في جرائم القتل تقريراً طبياً وعلاقة السببية مسألة موضوعية يستخلصها قاضي الموضوع من وقائع الدعوى ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ولكن لمحكمة النقض أن تراقب قاضي الموضوع من حيث فصله في أن أمراً معيناً يصلح قانوناً لأن يكون سبباً لنتيجة معينة أو لا يصلح ويعني ذلك أن لها الرقابة على المعيار الذي يأخذ به القاضي ، فإن أخذ بمعيار غير صحيح ، فلها أن ترده إلى المعيار القانوني في تقديرها .

القتل العمدى فى صورته البسيطة .

القصد الجنائي في القتل :

عناصر القصد الجنائي في القتل : يقوم القصد الجنائي على عنصرين : العلم والإرادة ، فالعلم يتعين أن يحيط بأركان الجريمة وعناصر كل ركن ، ولا يشذ عنصر على هذه القاعدة إلا استثناء والإرادة يتعين أن تتجه إلى الفعل الذي تقوم به الجريمة وإلى النتيجة التي تترتب عليه ، ونتكلم في كل من عنصري القصد في القتل ، ثم نعقب ذلك بعرض لأهم الأحكام العامة التي يخضع لها .

العلم بأركان القتل : يتعين أن يعلم المتهم أنه يوجه فعله إلى جسد حي ، ويتعين أن يعلم بخطورة فعله على حياة المجني عليه ، ويتعين أن يتوقع وفاته ويثير البحث في علاقة السببية بعض الصعوبات .

فيتعين أن يعلم بوجود جسد حي يتجه إليه فعله ، فإن اعتقد أن فعله ينصب على جثة فارقتها الحياة ، فالقصد لا يعد متوافراً لديه : فالطبيب الذي يعتقد أنه يشرح جثة فإذا بصاحبها لا يزال حياً ، وإذا بالوفاة تحدث نتيجة الفعله ، لا يعد القصد متوافراً لديه ، وأن أمكن نسبة الخطأ إليه .

ويتعين أن يعلم المتهم بخطورة فعله على حياة المجنى عليه ، أي أن يعلم أن من شأن فعله إحداث وفاته ، فإن ثبت جهله ذلك انتفى القصد لديه  فمن ينظف سلاحاً وهو يجهل وجود عیار به لا يعد قاتلاً عمداً إذا ترتب على فعله انطلاق العيار وموت من أصيب به ؛ ومن يطلق النار للإرهاب أو فض مشاجرة فيكون معتقداً أنه ليس من شأن فعله إصابة أحد ، لا يعد القصد متوافراً لديه إذا أصيب بالرصاص شخص ومات .

ويتعين أن يتوقع المتهم وفاة المجنى عليه كأثر لفعله : فمن أعطى آخر مادة سامة متوقعاً أن يستعملها في إبادة الحشرات ، فإذا به قد تناولها ظناً منه أنها مادة شافية لا يعد القصد متوافراً لديه .

والأصل أن يتوقع المتهم علاقة السببية التي تربط ما بين فعله والوفاة ولكن الغلط في علاقة السببية لا ينفي القصد : فإذا توقع الجانی أن تحدث وفاة المجنى عليه بوسيلة معينة ، فإذا بها تحدث بوسيلة مختلفة فإن القصد يظل متوافراً لديه ، وتفسير ذلك أن القانون يضع على قدم المساواة كل الوسائل التي تفضي إلى حدوث الوفاة  : فإذا أراد شخص أن يقتل آخر بضربه على رأسه لإفقاده الوعي ثم ذبحه ولكن حدثت الوفاة نتيجة لضربة الرأس وحدها ، أو أطلق شخص النار على غريمه الذي يقف على سطح بناء متوقعا أن يصيبه الرصاص إصابة مميتة تقضى عليه ولكنه أصيب إصابة بسيطة أدت مع ذلك إلى اختلال توازنه وسقوطه من السطح وارتطامه بالأرض ووفاته ، فالقصد الجنائي متوافر لديه .

إرادة الفعل والنتيجة : اتجاه الإرادة إلى فعل الاعتداء على حياة المجني عليه و إلى إحداث وفاته هو جوهر القصد الجاني في القتل ، ولا يتطلب القانون العلم بأركان القتل إلا باعتبار ذلك شرطاً لتصور هذا الاتجاه الإرادي .

تفترض فكرة القصد الجنائي أن إرادة المتهم قد اتجهت إلى ارتكاب فعل الاعتداء على حياة المجنى عليه ، وهو على بينة من خطورة هذا الفعل على حياته ، وأن من شأنه إحداث وفاته واتجاه الإرادة إلى الفعل قدر يشترك فيه القصد والخطأ ، وهما يفترقان بعد ذلك باتجاه الإرادة إلى النتيجة في أولهما دون ثانيهما .

ويتطلب القصد الجنائي كذلك اتجاه إرادة المتهم إلى إحداث وفاة المجني عليه : فلا يغني عن ذلك أنه توقع وفاته وأن إرادته اتجهت إلی الفعل الذي من شأنه إحداث الوفاة وتطبيقاً لذلك فإن الطبيب إذا أجرى عملية جراحية خطيرة لشخص اشتد عليه مرضه وتوقع أن تحدث وفاته نتيجة لها ، ولكنه لم يرد هذه النتيجة ، بل كان راغباً عنها محاولاً تفاديها وإنقاذ حياة المريض فحدثت على الرغم من ذلك ، لا يتوافر لديه القصد .

وإذا ثبت توافر  إرادة إحداث الوفاة ، أي نية إزهاق الروح  في تعبير آخر توافر القصد الجنائي المتطلب في القتل وسواء أن تتوافر هذه النية لحظة الإقدام على الفعل أو قبل ذلك بقليل، أو أن تسبق هذه اللحظة بوقت طويل نسبياً ، وسواء أن يتاح للجاني خلال هذا الوقت التفكير الهادئ أو ألا يتاح له ذلك ، فسبق التصميم على التنفيذ ، والهدوء في التفكير خلال الفترة الفاصلة بينهما عناصر في سبق الإصرار ، وليست من عناصر نية القتل .

وتثير إرادة الوفاة مشكلة التمييز بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي ، ومدى كفاية كل منهما ليقوم به قصد القتل .

القصد المباشر في القتل :

العنصر الجوهرى للقصد المباشر هو الإرادة التي اتجهت على نحو يقيني إلى الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون ، فهي إرادة اتجهت مباشرة إلى مخالفة القانون ، ومن ثم كان القصد مباشراً ، ولا يتاح للإرادة هذا الاتجاه إلا إذا استندت إلى علم يقيني ثابت يتوافر عناصر الجريمة ؛ وأهم عناصر الجريمة التي يتجه إليها تفكير الجاني هو النتيجة الإجرامية ، إذ يتوقعها كأثر لفعله ، ومجال القصد المباشر مقتصر على الحالات التي يتوقع فيها الجاني النتيجة الإجرامية كأثر حتمی لازم لفعله وتطبيق ذلك على القتل يقتضي أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجني عليه كأثر حتمي لازم لفعله وللقصد المباشر صورتان : صورة تكون الوفاة فيها هي الغرض الذي يستهدف الجاني تحقيقه بفعله ، فهو قد ارتكبه من أجل إحداث الوفاة ، مثال ذلك من يطلق النار على عدوه في مقتل ويكون غرضه من ذلك إزهاق روحه أما الصورة الثانية للقصد المباشر فتفترض أن الوفاة ترتبط على نحو لازم بالغرض الذي استهدف الجاني تحقيقه بفعله ، فالجاني يسعى إلى تحقيق واقعة معينة ولكن هذه الواقعة ترتبط بها الوفاة ارتباطاً لازماً بحيث لا يتصور بلوغ الجاني غرضه دون أن تتحقق الوفاة : مثال ذلك أن يريد مالك سفينة أن يحصل على مبلغ التأمين عليها ، فيضع فيها قبيل أن تغادر الميناء قنبلة زمنية تنفجر إذا أصبحت في عرض البحر ، فإذا حدث الإنفجار كما توقعة وترتب عليه غرق السفينة وهلاك بحارتها والمسافرين عليها فإن القصد المباشر يعد متوافراً لديه ولم يثر شك في كفاية القصد المباشر في صورتيه ليقوم به قصد القتل .

القصد الاحتمالي في القتل :

يفترض القصد الاحتمالى أن الجاني قد توقع الوفاة كأثر ممكن لفعله يحتمل في تقديره أن تحدث أو ألا تحدث ، ولكنه رحب باحتمال حدوثها ، وأبصر فيه غرضاً آخر - إلى جانب الغرض الذي ارتكب الفعل من أجل تحقيقه - يستهدفه بفعله : مثال ذلك من يشوه جسد آخر لكي يعده الاحتراف التسول فيتوقع وفاته ثم يمضي في فعله راضياً بهذا الاحتمال العداوة يحملها له ، أو أن يسرع شخص بسيارته في مكان مزدحم بأشخاص يؤلفون مظاهرة سياسية فيتوقع أن يؤدي ذلك إلى إصابة أحد المتظاهرين ووفاته ، فيقبل هذا الاحتمال ليتخلص من بعض خصومه الذي يؤلفون هذه المظاهرة  .

والقصد الاحتمالي - محدداً على هذا النحو - يعادل القصد المباشر في القيمة القانونية ، ويكفي مثله ليقوم به القتل العمد ، ذلك أنه قد توافر له عنصرا القصد ، وهما : العلم والإرادة، فالعلم قد توافر بتوقع الوفاة كأثر ممكن للفعل ، والإرادة قد توافرت بقبول هذه النتيجة ، ذلك أن القبول هو إرادة متجهة إلى النتيجة ، فمن ارتكب الفعل کی يحقق به غرضاً معيناً ، ثم تبين له أنه من المحتمل أن يؤدي إلى نتيجة أخرى ، فقبل هذه النتيجة واكتشف فيها غرضاً يمكن أن يتجه إليه بفعله ، فارتكب الفعل من أجل تحقيق أي من الغرضين ، فإن القصد الجنائي يعد متوافراً لديه بالنسبة لكل منهما .

هل القصد الجنائي في القتل قصد عام أم قصد خاص و القصد العام هو ما توافر بالعلم المحيط بأركان الجريمة والإرادة المتجهة إلى الفعل والنتيجة ، أما القصد الخاص فيتميز بأن العلم والإرادة لا يقتصران على أركان الجريمة وعناصرها ، وإنما يمتدان – بالإضافة إلى ذلك - إلى وقائع ليست في ذاتها من أركان الجريمة ، ولتوضيح ذلك نقرر أنه إذا تطلب القانون في جريمة توافر القصد الخاص ، فمعنى ذلك أنه يتطلب أولاً انصراف العلم والإرادة إلى أركان الجريمة ، وبذلك يتوافر القصد العام ، ثم يتطلب بعد ذلك انصراف العلم والإرادة إلى وقائع لا تعد طبقاً للقانون من أركان الجريمة ، وبهذا الإتجاه الخاص للعلم والإرادة يقوم القصد الخاص .

وتذهب محكمة النقض إلى القول بأن القصد الجنائي في القتل هو قصد خاص ، فتقول : تتميز جرائم القتل العمد والشروع فيه قانوناً بنية خاصة هي انتواء القتل وإزهاق الروح وهذه تختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم العمدية .

وهذا القول محل نظر : ذلك أن « نية إزهاق الروح » التي تقيم عليها محكمة النقض القصد الخاص لا تعدو أن تكون الإرادة المتجهة إلى إحداث الوفاة ، أى إحداث النتيجة التي تعد أحد عناصر الركن المادي في القتل ، وإرادة النتيجة عنصر يقوم به القصد العام ، وهي لا تكفي کی تجعل منه قصداً خاصاً .

الأحكام العامة التي يخضع لها القصد الجنائي في القتل : يخضع القصد الجنائي في القتل للأحكام العامة التي تقررها النظرية العامة للقصد الجنائي وفيما يلي بيان أهم هذه الأحكام .

الغلط في شخصية المجنى عليه ، وهو ما يفترض أن المتهم قد خلط بين شخصين ، فقتل أحدهما أو شرع في قتله معتقدا أنه الآخر لا ينفي القصد الجنائي ، ولا ينفي القصد الجنائي كذلك  الخطأ في توجيه الفعل أو الحيدة في الهدف ، وهو ما يفترض أن المتهم لم يحسن توجيه فعله العدم دقته في إصابة هدفه ، كما لو انتوي إزهاق روح شخص معين فوجه إليه فعله أطلق عليه الرصاص مثلاً ولكنه لم يصبه و إنما أصاب شخصاً يمر إلى جواره .

ويستوي أن يكون القصد محدوداً أو غير محدود ويفترض القصد المحدود أن إرادة المتهم اتجهت إلى إزهاق روح شخص أو أكثر معينين بذواتهم ؛ أما القصد غير المحدود ، فيفترض أن إرادة المتهم اتجهت إلى إزهاق روح شخص أو أشخاص أياً كانوا ، أي اتجهت إلى مجرد إزهاق الروح دون أن تعنيه شخصيات من يكونون ضحايا لفعله ، كما لو أطلق شخص الرصاص على جمع من الناس أو ألقي عليهم قنبلة مريداً أن يصيب أي عدد منهم دون أن تكون شخصياتهم معينة لديه .

ويتعين أن يعاصر القصد الفعل ، وسواء بعد ذلك توافر وقت تحقق النتيجة أم لم يكن متوافراً وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا توافر القصد وقت الفعل ثم انتفى وقت تحقق النتيجة فلا جدال في مسئولية المتهم عمداً : فمن وضع السم عمداً في طعام آخر ثم ندم على فعله فهو مسئول عن جريمة التسميم ، ولا يجديه غير سعيه لتخييب آثار فعله ، أي عدوله اختياراً ، فلا تحدث النتيجة ، وينتفي بذلك أحد أركان الشروع أما إذا لم يتوافر القصد وقت الفعل ، ولكن توافر وقت تحقق النتيجة ، أي كان قصدا لاحقا على الفعل ، فلا اعتداد به : فمن أصاب دون عمد شخصاً بجراح خطيرة ثم اكتشفت أنه عدو له ، فرحب باحتمال وفاته ، بحيث ثبت توافر القصد لديه وقت تحققها ، فهو لا يسأل إلا مسئولية غير عمدية .

البواعث على القتل : يخضع القتل للقاعدة العامة التي تقرر أن البواعث التي حركت إرادة المتهم إلى ارتكاب جريمته لا تعتبر من عناصر القصد الجنائي ، فسواء أن يبعث على الجريمة باعث سئ أو باعث نبیل : فالقصد الجنائي يعد متوافراً لدى من أقدم على القتل لتخليص المجني عليه من آلام مرض لا أمل في شفائه أو من عار محاكمة جنائية ، ولدى من استهدف بالقتل تأييد مبدأ سياسي ، أو دفعه إلى القتل استفزاز ونتيجة لذلك فإن عدم معرفة الباعث لا يحول دون اعتبار القصد متوافراً ، وسكوت الحكم عن بيان الباعث على ارتكاب الجريمة لا يعيبه ولكن للباعث غیر السيء اعتبار يحق للقاضي أن يراعيه في حدود سلطته التقديرية عند تحديده العقوبة التي يقضي بها على المتهم : فله أن يعتبره مبرراً للحكم بالحد الأدنى للعقوبة ، ولا أن يعتبره من قبيل الظروف المخففة .

إثبات القصد الجنائي : أهم عناصر القصد الجنائي التي يثور البحث في إثباتها هو « نية إزهاق الروح » أى « نية القتل »، والقاعدة أن القول بتوافر نية القتل أو انتفائها من شأن قاضي الموضوع ، فهي مسألة موضوعية؛ وعلة ذلك أنها - باعتبارها ظاهرة نفسية - لا يستدل عليها  إلا بالمظاهر الخارجية التي تفترضها ، ويعني ذلك أنها تستخلص من الوقائع التي يختص بتقديرها والبت فيها نهائياً قاضى الموضوع ومتى قال قاضی الموضوع كلمته في شأن نية القتل إثباتاً أو نفياً فلا تعقيب لمحكمة النقض عليه إلا إذا كان ثمة تناقض بين ما قرره وبين الوقائع التي استنتجه منها ، أو كان العقل لا يتصور إمكان دلالة هذه الوقائع على الخلاصة التي انتهى إليها .

ولما كانت نية القتل عنصراً جوهرياً في القتل العمد ، فإنه يجب على المحكمة أن تثبت توافرها صراحة واستقلالاً، وإلا كان حكمها قاصر التسبيب .

ونية القتل يستدل عليها بالمظاهر الخارجية ، وهي عديدة : فقد تكون استعمال آلة  أو إصابة المجني عليه في موضع من جسمه يعد مقتلاً، وقد تكون شدة الطعن وتعدد مراته ، أو وجود ضغينة مشهورة بين الجاني والمجنى عليه أو سبق تهديده له بالقتل ولكن هذه المظاهر مجرد قرائن بسيطة : فلا يكفي أن تثبت المحكمة أحدها لكى تستخلص منه على نحو ضرورة توافر نية القتل ، فقد تستعمل آلة قاتلة أو تكون الإصابة في مقتل دون أن يعني ذلك توافر نية القتل ، إذ قد يكون قصد الجاني مقتصراً على مجرد إحداث إصابات بالمجنى عليه  وتحديد ما إذا كانت الآلة قاتلة أو الإصابة في مقتل من شأن قاضي الموضوع ، وقد قضى بأن الفخذ والعضد وراحة اليد لا تعد مقاتل .

القتل العمد استعمالاً لسلطة : أهم صورة لقتل يرتكب استعمالاً للسلطة تتمثل في القتل الذي يأتيه الجلاد تنفيذاً لحكم صادر بالإعدام ، ويمتد نطاق الإباحة إلى كل من أصدروا الأمر بتنفيذ الإعدام ولكن شرط الإباحة به أن تتبع بدقة جميع القواعد والإجراءات التي يعلق عليها القانون صلاحية في الحكم بالإعدام للتنفيذ، ويصدر الأمر بالتنفيذ ممن خولهم القانون هذا الاختصاص : فإن خولفت بعض هذه القواعد انتفت الإباحة ، وكان فعل الجلاد قتلاً معاقباً عليها ، وسئل عنه كذلك من أصدروا إليه الأمر كشركاء .

ويثير البحث في القتل استعمالاً للسلطة التساؤل عن مدى مشروعية أفعال رجال الشرطة التي تصدر عنهم أثناء مطاردة المجرمين أو من أجل الحيلولة بينهم وبين ارتكاب الجرائم، والقاعدة أن القانون لا يعترف بفعل يصدر عن رجل الشرطة « بنية القتل » ، وإنما يتعين أن يصدر من أجل التعجيز عن الهرب أو عن الاعتداء ، وهو ما تكفي فيه « نية الإصابة »، ولذلك يتعين أن يوجه الفعل إلى غير مقتل  ومن ثم يكون التكييف الحقيقي للفعل إذا أفضى إلى موت المجرم أنه جرح مفض إلى موت ، ويشمله على هذا النحو نطاق الإباحة وشرط هذه الإباحة أن تتبع بدقة القواعد التي يقررها القانون لجواز استعمال رجال الشرطة الأسلحة النارية ، وخاصة أن يسبق ذلك الإنذار ثم إطلاق الرصاص للإرهاب ثم توجيهه إلى غير مقتل .

ولكننا نضيف إلى ذلك أنه إذا سمح القانون لرجل الشرطة بتعريض حياة بعض المجرمين للخطر ، كالوضع إذا حدث تمرد في سجن ولم يعد ممكناً السيطرة عليه بغير هذا الفعل ، وورد إلى توقع رجل الشرطة احتمال أن يفضي الفعل إلى الوفاة ، فقبل هذا الاحتمال - أى توافر لديه القصد الاحتمالي في القتل - فإنه لا مناص من إباحة هذا القتل .

القتل العمد استعمالاً لحق الدفاع الشرعي : يعتبر القتل من أهم الصور التي يتخذها فعل الدفاع عن النفس أو المال ، ولذلك يعد الدفاع الشرعي مجالاً هاماً لإباحة القتل العمد ولكن الشارع - تقديراً منه لخطورة القتل العمد - قد حد من الحالات التي يجوز الالتجاء فيها إليه دفاعاً عن النفس أو المال : فلا يجيزه دفاعاً عن النفس إلا في حالات ثلاث : فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة ؛ و إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة ؛ واختطاف إنسان (المادة 249 من قانون العقوبات)، ولا يجيزه دفاعاً عن المال إلا في حالات أربع : الحريق العمد ؛ وسرقة من السرقات المعدودة من الجنايات ؛ والدخول ليلاً في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته ؛ وفعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة (المادة 250 من قانون العقوبات)، فالشارع يحظر الالتجاء إلى القتل العمد استعمالا لحق الدفاع الشرعي في غير الحالات السابقة التي حددها على سبيل الحصر ، ولو ثبت أن القتل لازم لرد الخطر ومتناسب معه، ولكن ذلك لا يعني أن الشارع يسمح بالقتل لمجرد توافر إحدى الحالات السابقة ، وإنما يتعين أن تتوافر بالإضافة إلى ذلك جميع شروط الدفاع الشرعي ، ومن بينها تناسب القتل مع الخطر .

القتل العمد أثناء الحرب : الحرب كفاح مسلح بين دولتين ، وهي من ثم صورة للعلاقة بين دولتين ، والقتل العمد من مستلزماتها، وعلى الرغم من الجهود التي بذلت للحد من الحروب ، بل وتحريمها ، فإن القانون الدولي ما زال يعترف بها ، ويتضح ذلك من وضعه القواعد لتنظيمها ، وتقوم خطة هذا القانون على تحريم بعض الأساليب الحربية لبشاعتها أو تجاوزها الحدود التي تمثل فيها الحرب صورة للعلاقات الدولية ، ويلزم من ذلك أن ما عدا الأساليب المحرمة يكون مباحاً والإباحة التي يقررها القانون الدولي القتل العمد أثناء الحرب (ومن باب أولى يقررها للإصابة والإتلاف) تمتد بالضرورة إلى القانون الداخلي استناداً إلى واجب الدولة في أن تحقق الإتساق بين تشريعها والقواعد الدولية : فما يبيحه القانون الدولى يبيحه القانون الداخلي ، ولا يجوز مساءلة قاتل عمداً ولو كان من الأعداء طالما أباح القانون الدولي فعله .

والقاعدة هي وجوب التمييز بين القواعد التي تحدد مشروعية الحرب في ذاتها والقواعد التي تحدد مشروعية الأعمال الحربية : فمخالفة الأولى لا تحول دون الإباحة في حين تحول مخالفة الثانية دون ذلك : فشن حرب عدوانية - أي مخالفة للقواعد الدولية التي تحظر الحرب - تثير مسؤولية الدولة التي شنتها ، بل والمسئولية الجنائية الدولية لمن أمروا بشنها (على مثال ما جرى في محاكمات نورمبرج وطوكيو) ، ولكن ذلك لا يحول دون أن تباح الأفعال التي تمارس بها هذه الحرب أما إذا خولفت القواعد التي تحدد كيفية ممارسة الحرب ، فتحظر بعض الأسلحة أو تحرم الاعتداء على بعض الأشخاص أو الأموال كانت الأفعال المخالفة لهذه القواعد غير مشروعة ، وساغ محاكمة مرتكبيها أمام محاكم دولتهم أو محاكم الدولة المعادية وأهم القواعد المنظمة لممارسة الحرب تتضمنها اتفاقية لاهاي في شأن الحرب البرية المبرمة في 18 أكتوبر سنة 1907 واتفاقيات جنيف الأربع المنعقدة في 21 أغسطس سنة 1949 ، وتتضمن هذه الأخيرة معاملة الجرحى والمرضى في ميدان المعركة ، وتحسين معاملة الأسرى ، ومعاملة الجرحى والمرضى في الحرب البحرية ، وحماية المدنيين في زمن الحرب .

وتبيح قواعد الحرب قتل العدو المسلح في ميدان المعركة ، وتبيح إرسال فرق فدائية لتعمل خلف خطوط العدو قتلاً وتخريباً بشرط أن يرتدي أفرادها زيهم العسكري الوطني ، ويجوز تكليفهم بقتل قائد الجيش المعادي ولكن هذه القواعد تحظر قتل العدو غير المسلح أو الذي ألقى سلاحه ، وتحظر قتل العدو الذي استسلم أو أسر ولا يجوز أن يقتل الأسرى ولو كان نقلهم إلى ما خلف الخطوط الحربية يهدد سلامة الجيش بالخطر ، ولا يجوز قتلهم على سبيل المعاملة بالمثل ويتمتع بالحماية المقررة للأسرى رعايا العدو الذين يكلفون بالعمل الجبري، وتحمي القواعد الدولية المدنيين الذين لا يشاركون في العمليات الحربية حماية شاملة : فلا يجوز الاعتداء عليهم بقتل أو إيذاء ولو وقع الإقليم الذي يقيمون فيه تحت احتلال قوات الأعداء ، ولكن يستثنى من ذلك حالة تنظيمهم فرقاً عسكرية تحارب قوات الاحتلال ، إذ يعاملون معاملة العسكريين .

القتل العمدي في صوره المشددة :

أسباب التشديد في القتل العمدي : نص الشارع على أسباب تشديد عقاب القتل العمدي ، وهذه الأسباب ترد إلى الأنواع التالية : أولاً : التشديد الذي يرجع إلى نفسية الجاني وقصده ، ونعني به « سبق الإصرار » ( المادة 230 من قانون العقوبات )، ثانياً : التشديد الذي يتعلق بكيفية تنفيذ القتل ، ويندرج في هذا النوع الترصد (المادة 230 من قانون العقوبات) ، واستعمال السم في القتل (المادة 233 من قانون العقوبات)، ثالثاً : التشديد الذي يرجع إلى اقتران القتل بجناية (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الثانية) .

رابعاً : التشديد الذي يقوم على ارتباط القتل بجناية أو جنحة (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الثانية) .

خامساً : التشديد الذي يرجع إلى تنفيذ القتل لغرض إرهابي (المادة 234 من قانون العقوبات ، الفقرة الثالثة) .

سادساً : التشديد الذي يرجع إلى صفة المجنى عليه ، ونعني به القتل الذي يقع على جريح حرب (المادة 251 مکرراً من قانون العقوبات) .

وجميع أسباب التشديد تفترض ابتداء توافر أركان القتل العمدی فی صورته البسيطة ، فجرائم القتل المشدد ليست جرائم خاصة ، وإنما هي جرائم قتل اقترنت بظروف مشددة من شأنها تغيير وصف الجريمة .

وجميع أسباب التشديد وجوبية ، فليست للقاضي السلطة التقديرية في أن يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمدي البسيط على الرغم من توافر الظروف المشددة ، إلا إذا قرر تطبيق الظروف المخففة وأسباب التشديد ترتفع بعقوبة القتل العمدي إلى الإعدام ، عدا حالة ارتباط القتل بجناية أو جنحة التي ترتفع فيها العقوبة إلى الإعدام أو السجن المؤبد .

 

وغالبية أسباب التشديد لها طابع مادي أو عيني ، ومن ثم تسری على كل المساهمين في القتل ، ويستثنى من ذلك ظروف سبق الإصرار وارتباط القتل بجناية أو جنحة ، وتنفيذ القتل لغرض إرهابي إذ تتميز بطابع شخصی ، فلا يتأثر بها من المساهمين غير من ثبت توافرها لديه .

القتل بالسم أو التسميم :

القتل بالسم جريمة قتل تتميز عن سائر صوره بالوسيلة التي استعملت في تنفيذها ، وفيما عدا ذلك تخضع لسائر أحكام القتل ، والنتيجة التي تترتب على ذلك هو وجوب أن تتوافر جميع أركان القتل مضافاً إليها العنصر الذي يتميز به ركنه المادي ، وهو اتخاذ فعل الاعتداء على الحياة صورة وسيلة معينة وقد نص الشارع على القتل بالسم في المادة 233 التي قررت أن « من قتل أحداً عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً يعد قاتلاً بالسم أياً كانت كيفية استعمال تلك الجواهر ويعاقب بالإعدام .

علة التشديد : شدد الشارع عقاب القتل بالسم لأنه ينطوي على الخيانة ، إذ لا يتبين المجني عليه وجود السم في طعامه أو شرابه ، فلا يتاح له أن يواجه الخطر الذي يهدد حياته ويدرأ ومن ناحية ثانية يصدر الفعل عن أشخاص يثق فيهم المجنى عليه فلا يتخذ إزاءهم احتياطات ، لأنه لا يتصور أن يصدر عنهم شر، ومن ناحية ثالثة فإن اكتشاف السم قبل أن ينتج أثره وإيقاف مفعوله وإنقاذ حياة المجنى عليه عسير في الغالب ، ثم أن معرفة مرتكب الجريمة في أغلب الحالات صعب ، وإقامة الدليل ضد من تحوم حوله الشبهات عسير ، خاصة وأن من السموم أنواعاً لا تترك في الجسم آثاراً وفي النهاية فإن القتل بالسم يغلب أن يصطحب بسبق الإصرار ، إذا أن إعداد السم وتحين الفرصة الملائمة لوضعه في طعام المجنى عليه أو شرابه يتطلب وقتاً يتاح خلاله للجاني التفكير الهادئ في مشروعه الإجرامي .

ولما كان القتل بالسم صورة من القتل تتميز بوسيلة الاعتداء على الحياة ، فإن أغلب ما يتميز به من أحكام يتعلق بركنه المادي ، أما ركنه المعنوي فيخضع للأحكام العامة التي يخضع لها القصد الجنائي في القتل ونعرض بصفة أساسية للركن المادي للتسميم ، ثم نوضح في إيجاز ما يثيره ركنه المعنوي من صعوبات .

الركن المادي للتسميم : يقوم الركن المادي للتسميم على العناصر الثلاثة التي يتطلبها الركن المادي للقتل عامة : فعل الاعتداء على الحياة ووفاة المجني عليه وعلاقة السببية بينهما وأهم ما تثيره دراسة الركن المادي هو تحديد مدلول الفعل باعتباره المميز للتسميم عما عداه من صور القتل ، ويقتضي ذلك بيان معنى السم ، ودلالة « فعل الإستعمال »، ونشير بعد ذلك إلى الشروع في التسميم والتمييز بينه وبين الأعمال التحضيرية من ناحية والتسميم التام من ناحية ثانية .

دلالة السم : على الرغم من أن الشارع لم يتطلب صراحة أن تكون المادة المعطاة «سماً» مكتفياً بقوله «من قتل أحداً عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً»، إلا أن اشتراط أن تكون سماً مستخلص من وصفه بعد ذلك معطى هذه « الجواهر » – أي المواد - بأنه « يعد قاتلاً بالسم» .

ونحدد على الوجه التالي الضابط في اعتبار المادة سامة : المواد القاتلة تمارس تأثيرها على الجسم في أحد أسلوبين : أسلوب كيميائي يتخذ صورة التفاعل ، وذلك بإتلاف نوايا بعض الخلايا الحيوية في الجسم أو شل بعض الأعصاب ؛ وأسلوب حرکی أو ميكانيكي يتخذ صورة تمزيق الأنسجة وتحطيم الوحدة الطبيعية لجهاز حيوي في الجسم والمواد السامة هي التي تؤدي إلى الموت عن طريق التفاعل الكيميائي أما إذا ارتكب القتل عن طريق إعطاء مواد تمزق أنسجة الجسم ، كما لو وضع الجاني في طعام المجني عليه مسماراً صغيراً أحدث بالمعدة أو الأمعاء جروحاً أدت إلى الوفاة فلا يعد ذلك تسميماً وتطبيقاً لذلك قضى بأن إعطاء المجني عليه مسحوق الزجاج مخلوطاً بالخبز ، وإعطاء شخص مخمور كمية من مياه معدنية من نوع خاص فترتب على ذلك وفاة المجني عليه في الحالتين ، يعد قتلاً عادياً .

وكل أنواع السم سواء : فلا عبرة بالصورة التي تتخذها ، أكانت صلبة أم سائلة أم غازاً ، ولا أهمية لمصدرها : أكانت حيوانية أم نباتية أم معدنية  وسواء أن يكون السم سريع الأثر أو بطيئه وسواء كذلك أن يترك آثاراً في الجثة أو ألا يترك .

ولكن يشترط أن تعطي المادة في ظروف تبقى لها طبيعتها السامة فإذا مزجت المادة السامة بمادة أخرى أزالت آثارها الضارة بحيث كان المزيج مادة غير سامة فلا تقوم جريمة التسميم بإعطاء هذا المزيج وتطبيقاً لذات المبدأ ، فإنه إذا مزجت مادتان كل منهما على حدة غير سامة ، ولكنهما كونتا بتفاعلهما مادة سامة ، فإن إعطاء هذا المزيج تقوم به جريمة التسميم .

دلالة فعل الاستعمال : عبر الشارع عن الفعل الذي يقوم به الركن المادي لجريمة التسميم بأنه « استعمال تلك الجواهر »، ويعنى استعمال السم في مواجهة المجنى عليه إعطاءه له والإعطاء نشاط أياً كان يمكن به الجاني المواد السامة من أن تباشر تأثيرها القاتل على وظائف الحياة في جسم المجنى عليه ، فهو فعل يقيم به الصلة بين هذه المواد وجسم المجنى عليه  ويستوي أن يفعل الجاني ذلك بوسائله الخاصة أو أن يستعين بشخص آخر ، وقد يكون هذا الشخص هو المجنى عليه نفسه .

وأول صورة للإعطاء تتبادر إلى الذهن هي وضع المادة السامة في متناول يد المجنى عليه ، أي جعلها في موضع يرجح فيه أن السير العادي للأمور هو أن يتناولها ، كأن تمزج بدوائه أو شرابه أو طعامه أو توضع قرب فراشه كي يتناولها عند نهوضه من نومه أثناء الليل دون أن يتاح له التحقق من طبيعتها ويلحق بذلك أن تسلم المادة السامة إلى المجني عليه کی يتناولها بنفسه ، والفرض في هذه الحالة أنه قد جهلت له صفاتها فتناولها مخدوعاً معتقداً أنها ذات نفع أو على الأقل غير ذات ضرر ويعد إعطاء أن يكره الجاني ضحيته على تناول المادة السامة ، سواء أعرفه بضررها أم أخفي عليه ذلك ؛ كما يعد إعطاء أن يتولى الأمر بنفسه فيحقن المجني عليه بالمادة السامة ، أو يقرب الغاز السام من أنفه بغتة أو يضع المادة السامة على جلده ، سواء أكان ذلك كرها أم بعد أن أوهمه بفائدتها وكل صور الإعطاء سواء : فيستوي لدى القانون أن يتناول المجني عليه المادة السامة عن طريق الفم أو الأنف كما لو كانت غازاً ساماً فاستنشقه أو أن يحقن بها أو أن توضع على جلده فتتسرب خلال مسامه أو على جرح فتنفذ خلاله إلى الدم .

وفاة المجني عليه : تعد وفاة المجنى عليه النتيجة الإجرامية في التسميم شأنه شأن سائر صور القتل ، فإذا لم تتحقق النتيجة اقتصرت مسئولية الجاني على الشروع في التسميم ، أياً كان المدى الذي بلغه في نشاطه الإجرامى ولا تثير دراسة الوفاة صعوبات غير ما كان متعلقاً بتحديد نطاق الشروع في التسميم وما يلحق به من دراسة الجريمة المستحيلة في التسميم .

الشروع في التسميم : تقتضي دراسة الشروع في التسميم رسم الحدود الفاصلة بينه وبين الأعمال التحضيرية للتسميم والحدود الفاصلة بينه وبين التسميم التام .

من المجمع عليه أن شراء السم أو تجهيزه أو اختزانه انتظاراً لفرصة تقديمه ، كل هذه أعمال تحضيرية ويعد الفعل شروعاً إذا وضعت المادة السامة في متناول المجني عليه بحيث أصبح تعاطيه لها أمراً محتملاً كما لو قدم إليه الطعام أو الشراب أو الدواء المسموم أو وضع قرب فراشه کی يتناوله إذا ما استيقظ ليلاً دون أن يتاح له تبين طبيعته ولكن ما حكم وضع السم في طعام المجني عليه أو شرابه أو دوائه قبل أن يقدم إليه ؟ فريق من الفقهاء يرون ذلك عملاً تحضيرياً شبيهاً بتعبئة السلاح بالطلقات النارية الذي لا شك في أنه مجرد عمل تحضيري للقتل  ولكننا نعتقد - تطبيقاً للمذهب الشخصي الراجح في الشروع – أن ذلك يعد بدءاً في التنفيذ : فالسير الطبيعي للأمور أن مزج السم بالطعام أو الشراب أو الدواء يعقبه تقديمه إلى المجني عليه وتناوله ، ومن ثم كان فعلاً مكوناً خطراً واضحاً على حياة المجني عليه ومؤدياً مباشرة إلى تنفيذ الجريمة .

وتثور بعض الصعوبات في حالة ما إذا سلم الجاني المادة السامة إلى وسيط عهد إليه باعطائها إلى المجنى عليه : هل يعد التسليم إلى الوسيط عملاً تحضيرياً أم شروعاً  نرى التفرقة بين حالتين : إذا كان الوسيط جاهلاً طبيعة المادة فهو أداة بريئة في يد من أعطاه المادة الذي يعد فاعلاً ، وقد بذل كل ما في وسعه من نشاط إجرامي ، ومن ثم يعد تسليمه السم شروعاً في الجريمة ، ونتيجة لذلك فإذا عدل الوسيط عن تقديم المادة بعد أن تبين له أنها سامة ، فلا يستفيد معطيه من هذا العدول ، إذ هو بالنسبة له عدول غير اختیاری أما إذا كان الوسيط عالماً بطبيعة المادة فهو يتخذ لنفسه - باعتباره المكلف بتقديمها - صفة الفاعل ، أما معطي المادة فهو شريك بالمساعدة ، ومن ثم يتحدد وضعه القانوني کشريك على أساس نشاط الفاعل : فإذا لم يصدر عن الأخير نشاط يوصف بأنه شروع فلا وجود لفعل أصلى ينصرف إليه الإشتراك ، ويعني ذلك من باب أولى أن مجرد تسليم السم إلى ذلك الوسيط هو عمل تحضيري ، ونتيجة لذلك فإذا عدل الوسيط عن تقديم السم ، فلا محل لمساءلة معطى السم عن شروع ، وإنما يعد نشاطه شروعاً في اشتراك ، ولا عقاب عليه وفقاً للقواعد العامة .

ويسأل المتهم عن شروع إذا أعطى السم للمجني عليه فتناوله ، ولكن لم تحدث وفاته لإسعافه بالعلاج مثلاً أو وجود مقاومة ذاتية إزاء تأثير المادة السامة ، وسواء في المسئولية عن الشروع أن تنال المجني عليه أضرار صحية أو ألا يصيبه شر، ويسأل المتهم عن شروع كذلك إذا حدثت وفاة المجني عليه ، ولكن ثبت انتفاء علاقة السببية بين إعطاء السم ووفاته ، وهو ما يتحقق - وفقاً لقضاء محكمة النقض - إذا ساهم في إحداث الوفاة عامل غير مألوف ، فلم يكن في استطاعة الجاني توقعه ، كإصابته بعدوى في المستشفى الذي نقل إليه ليعالج فيه ، أو تعرضه لاعتداء إجرامي لاحق .

وإذا أعطى الجاني ضحيته المادة السامة ثم خيب اختياراً آثار فعله فلم تحدث وفاة المجنى عليه ، كما لو أعطاه ترياقاً أو أجرى له غسيل المعدة انتفت مسئوليته عن الشروع ، إذ لم يعد متوافراً له ركن « الخيبة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الفاعل » وسواء في ذلك أن يكون تخييب الجاني آثار فعله بمجهوده الخاص ، وأن يستعين على ذلك بطبيب يكلفه بإنقاذ ضحيته ولكن عدم مساءلة المتهم عن الشروع في التسميم لا يحول دون مساءلته عن جريمة اعطاء المواد الضارة ، إذا قد توافرت أركانها .

الجريمة المستحيلة : إذا كانت المادة غير سامة ، ولكن المتهم أعتقد أنها سامة كانت الجريمة مستحيلة استحالة مطلقة أو استحالة قانونية ، ولا عقاب عليها وقد أقرت محكمة النقض مبدأ عدم العقاب في هذه الحالة . فقالت في صدد اتهام بالشروع في التسميم أن محل الأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة وما ينبني عليه من عدم العقاب « ألا يكون في الإمكان تحقق الجريمة مطلقاً لإنعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت لإرتكابها » وسواء في ذلك أن تكون المادة بطبيعتها غير سامة أو أن تكون مزيجاً من مادتين كل منهما أو أحداهما على حدة سامة ولكن مزجهما أنتج مادة غير سامة .

أما إذا كانت المادة سامة ولكنها أعطيت في ظروف جعلتها لا تحدث الوفاة ، كما لو أعطيت بكمية أقل مما يقتضيه إحداث الموت أو كان طعمها السيء حائلاً دون تناول كمية كبيرة منها أو كانت لا تحدث الموت إلا إذا كانت بالعضو الذي وضعت عليه من الجسم جروح ، فإن الاستحالة في هذه الصورة تكون نسبية أو مادية وتعد نوعاً من الشروع ويعاقب عليها بهذه الصفة .

الركن المعنوي للتسميم : التسميم صورة من القتل العمدي يميزها عن صورته البسيطة اقترانها بسبب للتشديد ، ومقتضى ذلك أن يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي الذي يخضع لكل ما يخضع له في القتل من أحكام ؛ ومن أهم عناصره « نية إزهاق الروح »  فإذا انتفى القصد انتفت جريمة التسميم ، وقد يعني ذلك أن تقتصر المسئولية على جريمة إعطاء المواد الضارة أو على جريمة القتل الخطأ .

التسميم وإعطاء المواد الضارة : ضابط التمييز بين الجريمتين هو عناصر القصد المتطلب في كل منهما : فالقصد في التسميم يتطلب « إرادة إحداث الوفاة » ، ولكنه يكتفي في جريمة إعطاء المواد الضارة « بإرادة الإيذاء البدني »  ويرجع هذا الفارق إلى اختلاف النتيجة الإجرامية في كل من الجريمتين : فعلى حين تكون هذه النتيجة هي الوفاة في التسميم تكون المساس بالصحة في إعطاء المواد الضارة ، والقصد يفترض كقاعدة عامة إرادة متجهة إلى إحداث النتيجة الإجرامية ويعني ذلك أن التمييز بين الجريمتين لا يعتمد على نوع المادة المعطاة للمجني عليه ، فمن أعطي ضحيته سماً دون أن يكون ذلك مقترناً بنية قتله ، وإنما اصطحب بنية إيذائه ، لا يسأل عن تسميم لتخلف أحد أركانه ، وإنما يسأل عن إعطاء مواد ضارة : ذلك أن السم يصدق عليه أنه مادة ضارة وتظل الجريمة  إعطاء مواد ضارة  ولو مات المجنى عليه ، وتوقع على المتهم في هذه الحالة العقوبة التي تنص عليها المادة 236 من قانون العقوبات .

التسميم والقتل الخطأ والقتل العرضي : إذا انتفى القصد لدى معطی السم ولم يتوفر لديه سوی الخطأ ، اقتصرت مسئوليته على القتل الخطأ ، ويعد اعطاء السم الفعل الذي يقوم به الركن المادي لهذا القتل مثال ذلك الصيدلي الذي يخطىء في تجهيز الدواء فيضع فيه مادة سامة بدلاً من المادة الشافية خالطاً بينهما ، أو الطبيب الذي يخطىء فى كتابة التذكرة الطبية فيجعل سهواً أو جهلاً من عناصر الدواء مادة سامة ويتوافر القتل الخطأ كذلك إذا أراد الجاني أن يخلط المادة السامة قبل إعطائها إلى المجني عليه بمادة تزيل آثارها الضارة ، ولكن بقيت لها هذه الآثار فترتب على إعطائها إلى المجني عليه وفاته .

وإذا انتفى القصد والخطأ لدى معطى السم فلا قيام الجريمة لانتفاء ركنها المعنوي ، مثال ذلك الممرضة التي بذلت كل ما في وسعها من احتياط للمحافظة على دواء المريض ، ولكن شخصاً وضع فيه - دون أن يكون في وسعها أن تعلم بذلك سماً ، فترتب على إعطائها الدواء للمريض وفاته .

خضوع القصد الجنائي في التسميم للقواعد العامة : يخضع القصد الجنائي في التسميم لكل ما تقرره النظرية العامة للقصد من قواعد : فالقصد غير المحدود يستوي بالقصد المحدود ، فمن وضع السم في مورد عام للمياه أو في طعام معد لعائلة أو لمرضى مستشفى أو تلاميذ مدرسة كان مسئولاً عن جريمة التسميم ، ولا ينتفي القصد بالغلط في شخصية المجنى عليه أو الخطأ في توجيه الفعل ، فمن وضع السم تحت تصرف شخص کی يقتله ولكن تناوله شخص آخر فمات سئل عن جريمة تسميم كاملة .

بيانات حكم الإدانة : يجب على المحكمة إذا أدانت المتهم بجريمة التسميم أن تثبت تحققها من طبيعة المادة المعطاة وكونها سامة ، وأن تثبت توافر قصد القتل ، وإلا كان الحكم قاصراً وإذا نازع المتهم في طبيعة المادة أو في توافر القصد لديه تعين على المحكمة أن ترد على دفعه قبولاً أو رفضاً رداً مؤيداً بالدليل ولكنها لا تلتزم بأن تذكر مقدار المادة أو كفايتها لإحداث الموت ، إذ ليس ذلك من عناصر القتل أو الظرف المشدد .

 

عقوبة القتل بالسم : إذا ثبت استعمال السم في القتل العمد كانت العقوبة الإعدام (المادة 233 من قانون العقوبات) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة : 371 )

يعتبر استعمال السم ظرفاً مشدداً لعقوبة القتل العمد حيث تصبح الإعدام ، ويختلف هذا الوضع عما ذهب إليه التشريع الفرنسي إذ اعتبر استعمال السم في ذاته جريمة يعاقب عليها لذاتها ولو لم تتحقق النتيجة - المتمثلة في إزهاق الروح .

 فوفقاً للقانون المصري نجد أن إعطاء السم للمجني عليه يعتبر بدءاً في تنفيذ جريمة القتل ، وعلى ذلك فإنه إذا حال الجاني دون حدوث النتيجة بأن أعطى المجنى عليه دواء يقضي على تأثير السم فلم تتحقق الوفاة ، يعتبر ذلك عدولاً اختيارياً من الجاني يحول دون مسئوليته عن الشروع في القتل .

ويقتضي البحث في هذا الظرف تحديد أمرين : الأول : معنى المادة المستعملة في التسميم ، ثم المقصود بالاستعمال .

 المادة المستعملة في التسميم :

يذهب جمهور الفقهاء إلى أن المشرع يتطلب في المادة المستعملة في القتل أن تكون «سماً» وذلك على الرغم من أن المشرع لم يتطلب ذلك صراحة وإنما ذكر عبارة «من قتل أحداً عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً» ، وذلك استناداً إلى أنه وصف الجاني في هذه الحالة بأنه « يعد قاتلاً بالسم » .

ويقصد بالسم لديهم كل مادة تؤثر في الجسم تأثيراً كيميائياً يؤدي إلى الوفاة ، وذلك أياً كان شكل هذه المادة ، صلبة أو سائلة أو غازية ، وأياً كان مصدرها ، نباتياً أو حيوانياً أو معدنياً، وأياً كانت سرعة تأثيرها ، بطيئة الأثر أو سريعة المفعول ، وسواء كانت سامة بطبيعتها أو أعطيت في ظروف تجعل لها أثراً ساماً ، مثال ذلك ألا تكون المادة سامة بطبيعتها ولكنها تصبح كذلك إذا خلطت بمادة أخرى ، فيعتبر الخليط عندئذ مادة سامة . وإن كان ذلك لا يمنع من مساءلته عن جريمة إعطاء مواد ضارة .

 ويقابل ذلك أن جريمة التسميم لا تقوم إذا كانت المادة المستعملة سامة بطبيعتها ولكنها مزجت قبل إعطائها بمادة أخرى أزالت عنها صفة الرسمية .

كذلك تعتبر المادة سامة ولو كانت لا تؤدى إلى الوفاة إلا إذا أعطيت للمجني عليه بكميات كبيرة ، وتطبيقاً لذلك قضى بأنه يعتبر شروعاً في جريمة التسميم أن يضع الجانى للمجنى عليه في شرابه بنية قتله كمية قليلة من مادة سلفات النحاس ، فلا يموت لأن هذه المادة لا تؤدي إلى الوفاة إلا إذا استعملت بكمية كبيرة .

( نقض 23 مايو سنة 1932 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 354 ص 569 ) .

وعلى أي حال فإن تحديد ما إذا كانت المادة سامة أو غير سامة يعتبر بحثاً في مسألة فنية يجوز للمحكمة أن تلجأ فيه إلى أهل الخبرة ، أو أن تستعين بجدول المواد السامة الملحق بقانون تنظيم مزاولة مهنة الصيدلة .  

ويبدو لنا أن رأي جمهور الفقهاء محل نظر من حيث اشتراطه أن تكون المادة المستعملة في القتل بالسم مادة سامة ، ففي تقديرنا أن القتل يعد قتلاً بالسم سواء كانت المادة المستعملة سماً في حقيقتها أو كانت مادة أخرى من شأنها أن تسبب الموت ، وذلك استناداً إلى الأسباب الآتية :

الأول : أن المشرع ذكر عبارة : «من قتل أحداً عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً يعد قاتلاً بالسم» وهي تفيد أن أي جوهر (أي مادة) يتسبب عنها الموت تعتبر في حكم السم «فيعتبر» مستعملها قاتلاً بالسم وإلا فما كان أيسر على المشرع أن يجعل عبارة النص «من قتل أحداً عمداً بالسم يعاقب بالإعدام». فاستعمال المشرع لفظ «جواهر» يفيد أنه أراد أن يتوسع في تحديد نطاق المواد المستعملة لتشمل أي مادة من شأنها أن يتسبب عنها الموت ، لا سيما وأن حكمة التشديد واحدة في الحالتين ، وهي الغدر بالمجنى عليه من شخص يثق فيه ، وبأسلوب خفي يعجزه عن الدفاع عن نفسه .

الثاني : أن قول المشرع «يعد قاتلاً بالسم» لا تعد حجة لرأي الجمهور وإنما حجة للرأي الذي نقول به ، ذلك أن المشرع إذا كان يقصد «بالجواهر» المواد السامة فحسب فإنه لم يكن به حاجة إلى وصف مستعملها بأنه يعد «قاتلاً بالسم» فهذه بديهية يعد ذكرها تزيداً يجب أن ينزه المشرع عنه وتنزيه المشرع عن التزيد يقتضى القول بأنه أراد بهذه العبارة أن يقول إن من يستعمل الجواهر ... إلخ يعد كما لو كان قاتلاً بالسم أي أن استعمال هذه الجواهر يعد في حكم استعمال السم .

الثالث : أن رأى الجمهور يؤدي إلى التضييق من نطاق الظرف المشدد دون مبرر ، كما يؤدي إلى تقييد معنى الجواهر المستعملة دون مقتض ، حيث يميز هذه الجواهر عن غيرها من المواد التي تحدث الموت بكونها تؤثر في الجسم تأثيراً كيميائياً ، بإتلاف بعض الخلايا أو شل بعض الأعصاب ، ويستبعد من نطاقها المواد التي تؤثر على الجسم تأثيراً حركياً أو ميكانيكياً يتخذ صورة تمزيق الأنسجة .

ونحن لا نجد ما يبرر التفرقة بين النوعين ، فكلاهما يصدق عليه أنه جواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً ، وليست هناك أية حكمة تشريعية أو فائدة عملية من التمييز بينهما وتشديد العقاب على استعمال أحدهما دون الآخر .

نخلص من ذلك إلى القول بأنه يدخل في نطاق «الجواهر» التي يشدد العقاب من أجل استعمالها في القتل ، فضلاً عن المواد التي يصدق عليها أنها سموم ، كل مادة يتسبب عنها الموت ، ولذلك يسأل عن تسميم من يعط المجنى عليه خبزاً بعد خلطه بمسحوق الزجاج ، أو بأجزاء صغيرة من الشفرات ، أو ببعض المسامير الصغيرة ، أو يحقن المجني عليه بجراثيم مرض فتاك يترتب عليه الموت .

فعل الاستعمال :

يقصد بالإستعمال تمكين المادة السامة من مباشرة تأثيرها على جسم المجنى عليه ، ويتخذ ذلك عدة صور ، فقد يتمثل الإستعمال في وضع المادة السامة في متناول يد المجنى عليه ، كأن تخلط طعامه أو بشرابه أو بدوائه ، أو أن تسلم إليه لتناولها ، أو أن يكره على ذلك ، ويستوي أن يقوم الجاني بذلك أو أن يستعين بشخص آخر ، وعندئذ إذا كان هذا الشخص يعلم بحقيقة المادة فسلمها للمجنى عليه ، فإنه يعتبر فاعلاً الجريمة لأنه هو الذي قام بتنفيذها ، أما من أعطاه المادة السامة فيعتبر شريكاً بالمساعدة في تسميم أما إذا كان الوسيط غير عالم بحقيقة هذه المادة ، فإنه يكون أداة بشرية بريئة في يد الجاني الذي يعتبر فاعلاً أصلياً معنوياً للجريمة ، بينما لا يسأل الوسيط لانتفاء القصد الجنائي لديه .

كذلك يستوي أن يتناول المجني عليه المادة السامة عن طريق الفم كالطعام والشراب أو عن طريق الأنف کاستنشاق غاز سام ، أو عن طريق الحقن داخل الجسم ، أو عن طريق جرح تتسرب منه إلى الجسم ، وقد قضى تطبيقاً لذلك بأن وضع الزئبق في أذن شخص بنية قتله ، هو من الأعمال التنفيذية لجريمة القتل بالسم مادامت تلك المادة المستعملة تؤدي في بعض الصور - إذا وجدت جروح - إلى النتيجة المقصودة فإذا لم تحدث الوفاة عد الفعل شروعاً في قتل لم يتم بسبب خارج عن إرادة الفاعل ووجب العقاب ذلك أن وجود الجروح في الأذن أو عدم وجودها هو ظرف عارض لا دخل للجاني فيه ، ولا محل للقول باستحالة الجريمة طالما أن المادة المستعملة تصلح في بعض الحالات لتحقيق الغرض المقصود منها .

وإذا قام الجاني باستعمال السم فمات المجنى عليه سئل عن جريمة تسميم تامة ولكن مسئولية الجاني تقف عند حد الشروع إذا قام بالفعل وتحققت النتيجة ولكن انتفت علاقة السببية بين فعل الجاني والوفاة أو إذا لم تتحقق النتيجة لسبب خارج عن إرادة الجاني كإسعاف المجني عليه .

وقد يكون عدم حدوث النتيجة بسبب استحالة حدوثها وهذه الاستحالة قد تكون مطلقة وقد تكون نسبية ، ولا يعاقب الجاني في الحالة الأولى بينما يعاقب في حالة الاستحالة النسبية . من أمثلة الاستحالة المطلقة أن يستعمل المتهم مادة غير سامة وهو يعتقد أنها سامة . ومن أمثلة الاستحالة النسبية أن يستعمل الجاني مادة سامة ولكن بكمية أقل مما يلزم لإحداث الموت .

التسميم وسبق الإصرار :

يعتبر استعمال السم ظرفا مشدداً عينياً يتعلق بالركن المادي لجريمة القتل العمد بينما سبق الإصرار ظرف شخصی ويعني ذلك أن التسميم يتأثر به جميع المساهمين في الجريمة فاعلين أو شركاء علموا به أو لم يعلموا بينما لا يتأثر بسبق الإصرار إلا من تحقق لديه .

والغالب أن يكون استعمال السم مصحوباً بسبق الإصرار ، إذ يقتضي إعداد السم وقتاً يتاح فيه للجاني التفكير الهاديء ومع ذلك فإنه يتصور أن يتوافر ظرف استعمال السم دون أن يكون مصحوباً بالإصرار السابق ، إذا تشاجر شخصان فثارت ثائرة أحدهما فدس للأخر سماً كان يحمله مصادفة أو كان معداً من قبل ولذلك فإن جريمة القتل العمد بالسم لا تشترط وجود سبق الإصرار .

واستعمال السم - شأنه شأن سبق الإصرار - يترتب عليه التشديد ولو كان قصد القتل غير محدود ، فيشدد العقاب على من يضع السم في بئر بنية قتل أي شخص يشرب منها وفي طعام يقدم في إحدى المدارس كذلك يتحقق الظرف المشدد ولو وقع خطأ في توجيه الفعل ، بأن وضع الجاني السم في طعام شخص فتناوله آخر ومات. أو خطأ في شخصية المجنى عليه ، إذا وضع الجاني السم في طعام شخص اعتقد خطأ أنه الشخص الذي يريد قتله ومن أحكام القضاء المصري في هذا الصدد واقعة تتلخص في أن المتهم أراد قتل أخته «هانم» لشكه في سلوكها ، فأعطاها - وهي في الحقل - قطعة من الحلوى بها مادة الزرنيخ السامة بنية قتلها ، ولكنها استبقتها معها وعادت بها إلى المنزل ، وفي الصباح عثرت إبنة عمها «ندا» على تلك الحلوى ، فسألت «هانم» عنها فأخبرتها بأن أخاها أعطاها لها وعرضت عليها أن تأخذها لتأكلها هي وأختها الطفلة «فهيمة» ، وبعد أن أكلت منها فهيمة أيضاً ظهرت على الأختين أعراض التسمم ثم ماتت «فهيمة» وأنقذت «ندا» . قضت محكمة النقض بمسئولية المتهم عن شروع في تسميم أخته وعدم مسئوليته عن تسميم فهيمة والشروع في تسميم «ندا» استناداً إلى عدم توافر القصد الاحتمالي الذي ارتأت توافره بالنسبة للشروع في قتل أخته وانتفاءه بالنسبة لابنة عمه .

وهذا القضاء محل نظر ، لأن تحقق قصد إزهاق الروح لدى الجاني يكفي لمسئوليته عن الوفاة التي حدثت نتيجة لفعله ، سواء تحققت في الشخص الذي أراد تحقيقها فيه أو في شخص آخر ، ولذلك فإن الجاني يسأل هنا عن قتل فهيمة والشروع في قتل «ندا» إلى جانب مسئوليته عن الشروع في قتل أخته ولا تعدو هذه الواقعة أن تكون خطأ في توجيه الفعل، إذ تحققت النتيجة التي أرادها الجاني في شخص غير الشخص المقصود .

بيان استعمال السم في الحكم :

إذا أدانت المحكمة المتهم بالتسميم وجب أن تقيم الدليل على كون المادة المستعملة في القتل مادة سامة ، وإن كانت غير ملزمة بأن تذكر فى حكمها مقدار المادة أو كفايتها لإحداث الموت ، لأن ذلك ليس من عناصر القتل أو الظرف المشدد، فإذا دفع المتهم بعدم سمية المادة المستعملة وجب على المحكمة أن ترد على هذا الدفع رداً مؤيداً بالدليل . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة : 411 )

یراد بالسم، أو «الجواهر التي يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً» كما عبرت عنه المادة 233 عقوبات - المواد التي تؤثر في أجهزة الجسم فتؤدي إلى الوفاة وقد تكون هذه المواد سامة بطبيعتها، وعندئذ يستوي أن تكون من السموم الحيوانية أو العضوية أو المعدنية والبحث فيما يعد سماً وما لا يعد كذلك هو أمر علمي يحدده أهل الفن طبقاً لسلطة محكمة الموضوع في التقدير، دون أن يتوقف على ما يحدده قانون مزاولة مهنة الصيدلة  على أنه لا يشترط لتوافر الظرف المشدد أن تكون المادة المعطاة سماً بطبيعتها، إذ العبرة بما يترتب على إعطاء المادة في ظروف معينة لا بالطبيعة السامة التي تكمن فيها، مثل مزج مادتين غير سامتين يترتب على تفاعلهما إحداث مادة سامة، على أنه في هذه الحالة يجب أن يثبت أن هذه المادة غير السامة قد أدت إلى الوفاة بالتسمم نظراً إلى الظروف التي أعطيت فیها، إذ لا يكفي لتوافر الظرف المشدد أن تكون المواد قاتلة بغير طريق التسمم .

وتبقى بعد ذلك مشكلة القصد الجنائي، إذ يجب أن يثبت علم الجاني بأن خلط المادتين غير السامتين يخلق منهما مادة سامة وأية ذلك أن المشرع قد وصف الجاني في هذه الجريمة بأنه «قاتل بالسم»، وعلى ذلك فإن من يدس لآخر مسماراً في طعامه فيموت بسبب ما أحدثه هذا المسمار من تمزق في أحشائه لا يعد قاتلاً بالسم .

التسبب في الوفاة :

تقع هذه الجريمة إذا تسبب الجاني في وفاة المجني عليه بواسطة السم الذي قدمه إليه وتستوي في نظر القانون وسيلة تقديم السم، وقد يتحقق ذلك بالوضع في الطعام أو بالمناولة أو بالحقن أو بغير ذلك من الوسائل ويلاحظ أنه إذا كانت المادة سامة - سواء بطبيعتها أو بالاستعمال في ظروف معينة - ثم خاب أثر الجريمة لإعطائها بكمية قليلة فإن الجريمة تعد شروعاً ويتعين العقاب عليها بخلاف ما إذا كانت المادة غير سامة إلا أن الجاني توهمها كذلك، فإنها تعد جريمة مستحيلة لإنهيار عنصر جوهري في ركنها المادي .

عقوبة القتل بالسم : هي الإعدام (المادة 233 عقوبات)، هذا دون إخلال بسلطة المحكمة في تخفيف العقوبة طبقاً للمادة 17 عقوبات . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة : 86 )

 القتل بالسم وسبق الإصرار :

غالباً ما ترتكب جريمة القتل بالسم مع سبق الإصرار، وقد ذهب البعض إلى القول بتوافر سبق الإصرار في جميع حالات القتل بالسم باعتبار أنه يدخل ضمنياً في استخدام السم ذاته والذي يحتاج إلى إعداد سابق وترو من قبل الجاني .

وإذا كان الرأي السابق يجد صدارة واضحة في جرائم القتل بالسم التدريجية والتي تتحقق عن طريق جرائم متعددة على فترات، فإنه من الصعب الأخذ به على إطلاقه بالنسبة لتبعية الفروض الأخرى والتي يتحقق فيها القتل بجريمة واحدة إذ في تلك الفروض الأخيرة يمكن أن يتحقق القتل الإنفعالي بطريق السم إذا ما كانت تلك الوسيلة متيسرة تحت يد الجاني والتجأ إليها لتنفيذ القتل .

وقد لوحظ بالنسبة للقتل الإنفعالي بطريق السم أنه كثيراً ما يتعدد المجني عليهم والذين قد لا يتوافر بالنسبة لهم دوافع متناسبة مع القتل .

ومع ذلك فهناك حالات من القتل المتتابع بالسم والذي يرتكب لغاية نفعية ويتوافر بالنسبة لها سبق الإصرار فضلاً عن حالة التتابع الإجرامي كما في حالات قتل الورثة الذين يحجبون الجاني عن الإرث .

القتل بالسم والقتل بالمواد الضارة :

يجب عدم الخلط بين القتل بالسم والمكون لظروف مشددة في القتل وبين القتل باستخدام مواد ضارة تؤدي إلى الوفاة نتيجة لما تباشره بداخل جسم المجني عليه .

والمواد الضارة لا تشكل ظرفاً مشدداً في القتل على خلاف المواد السامة، وقد يرجع ذلك إلى أن المجني عليه يسهل عليه اكتشاف تلك المواد فيما يقدم إليه، على عكس الحال بالنسبة للمواد السامة ومع ذلك ينبغي أن يوضع في الحسبان أن هناك مواد ضارة يمكن أن تعطى على جرعات متعددة ومتتابعة وتؤدي إلى الوفاة دون أن يفطن إليها المجني عليه .

وإذا كانت علة التشديد تتمثل في سهولة ارتكاب الجريمة دون أن يتمكن المجني عليه من الدفاع عن نفسه والمقاومة فيلزم أن يراعي ذلك أيضاً بالنسبة للمواد الضارة التي تتفق والمواد السامة في الأثر وهو الوفاة، وتظهر في الوقت نفسه خطورة الجاني الإجرامية .

العقوبة :

العقوبة المقررة للقتل بالسم هي الإعدام، مع ملاحظة نص المادة 235 بالنسبة للشركاء فقد نصت تلك المادة على أن المشاركين في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام يعاقبون بالإعدام أو بالسجن المؤبد . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة : 70 )

يشترط لتطبيق المادة التي نحن بصددها أن تتوافر أركان القتل المنصوص عليه في المادة (230) وتتمثل في الركن المادي والركن المعنوي مضاف إليها أن يكون تنفيذ القتل باستعمال مادة سامة على التفصيل الآتي :

 وسيلة القتل :

يتميز القتل بالسم عن صور القتل الأخرى بالوسيلة المستعملة، فيجب أن يكون القتل قد حصل "بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً أياً كانت كيفية إستعمال تلك الجواهر"، والمقصود " بالجوهر" المواد السامة بدليل قول المشرع بعد ذلك "يعد قاتلاً بالسم"، وليس في عبارة القانون وصف للجواهر السامة، فللقاضي أن يستعين في ذلك بالخبراء .

وقد يستعمل الجاني مادة سامة بطبيعتها ولكنها لا تؤدي إلى تحقيق الغرض المقصود، لإعطائها بكمية قليلة لا تكفي للقتل أو لظروف تمنع تحققه وقد جرى قضاء النقض على أن الجريمة تعتبر في هذه الحالة جريمة خائبة لا مستحيلة، فيعاقب الجاني على شروع في قتل بالتسميم .

ويعد الجاني قاتلاً بالسم أيا كانت طريقة إستعماله للجواهر السامة، فيستوي أن يضعها في طعام أو في شراب أو يتناولها للمجني عليه بطريق الحقن أو الاستنشاق، دفعة واحدة أو على جرعات متعاقبة .

علاقة السببية :

ويلزم توافر علاقة السببية بين إعطاء المادة السامة والنتيجة التي حصلت، فإذا انتفت هذه العلاقة لا يعاقب الفاعل على قتل بالتسميم .

 نية القتل :

ويلزم أن تتوافر نية القتل، فالصيدلي الذي يخطيء في تركيب دواء فيزيد كمية المادة السامة أو يستبدل بمادة غير سامة أخرى سامة لا يرتكب قتلاً عمداً وإنما قتلاً بإهمال .

ولكن إذا توافرت نية القتل فإن الجاني يسأل عن التسميم ولو كانت نيته غير محددة، أي ولو لم يقصد قتل شخص معين، فمن يضع سماً في بئر يستقي منه عامة الناس يعد شارعاً في قتل بالسم فإذا ترتب على فعله موت شخص أو أكثر عد قاتلاً بالسم. ولا عبرة كذلك بالخطأ في شخص المجني عليه، فيعد قاتلاً بالسم من وضع الطعام أو الشراب المسموم تحت تصرف شخص معين فتناوله آخر ومات بسببه .

بيان الواقعة والظرف المشدد :

يجب على محكمة الموضوع أن تبين في حكمها القاضي بالإدانة تطبيقاً للمادة التي نحن بصددها أركان القتل والوسيلة المستعملة فيه . ويكفي في بيان الوسيلة أن تذكر المحكمة أن القاتل قد إستعمل مادة سامة وليس بلازم أن تذكر مقدار المادة أو كفايتها لإحداث الموت لأن ذلك لا يعد من عناصر القتل أو الظرف المشدد؟

 العقوبة :

الإعدام . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 375 )

علة اعتبار التسميم ظرفاً مشدد :

نظر الشارع إلى جريمة التسمیم باهتمام خاص فالتسميم فضلاً عن ختطورته وما فيه من معنى الخيانة والغدر فإن المجني عليه يباغت ولا يستطيع تفادي خطرة في أغلب الأحوال إذ يؤدي به على أيدي أقرب الناس إلى المجني عليه من قرباه أو من خدمة أو أصدقائه يضاف إلى ذلك أن التسميم من الجرائم التي لا تقتضي من الجاني مشقة في سبيل ارتكابها وتتم في كتمان فهي ليست كغيرها من الجرائم التي تقع على أعين الناس ولذلك كانت وسائل إثباتها متعذرة صعبة وفضلاً عن ذلك ففي أغلب صور التسميم يكون الجاني مصراً من قبل على فعلته ومن أجل ذلك كله نص الشارع على جناية القتل بالسم نصاً خاصاً وفرض لها عقوبة مغلظة حتى ولو ارتكبت بغير إصرار .

الوسيلة :

يجب أن يكون القتل قد حصل بجواهر سامة يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً وليس في عبارة القانون وصف الجواهر بأنها سامة ولكن هذا مستفاد من قوله بعد ذلك (يعد قاتلاً بالسم) وعلى ذلك فالذي يعطي لآخر كمية كبيرة من الخمر قاصداً قتله فيموت لا يعد قاتلاً بالسم والذي يضع زجاجاً مسحوقاً في طعام آخر فيتناوله ويموت بفعل الزجاج في أحشائه لا يعد قاتلاً بالسم والسموم على أنواع فمنها الحيوانية ومنها النباتية ومنها المعدنية وكلها داخلة في حكم المادة وعلى القاضي أن يتبين ما إذا كانت المادة سامة أو غير سامة وله أن يستعين على معرفة ذلك بأهل الخبرة فإذا كانت المادة غير سامة أصلاً وقدمها المتهم للمجني عليه على أنها سامة فلا عقاب لاستحالة الجريمة لكن لايقاس بهذا إعطاء كمية صغيرة من السم لاتكفي للقتل لأن هذه الحالة تعتبر جريمة خائبة وحكمها حكم الشروع مادامت نية القتل متوافرة عند الجاني ويعد الجاني قاتلاً بالسم أياً كانت طريقة استعماله للجواهر السامة فيستوي في ذلك أن يضعها في طعام أو شراب أو أن يتناولها للمجني عليه بطريق الاستنشاق أو أن يعطيه إياها جرعات متعاقبة .

ضرورة توافر الأركان العامة للقتل :

لايتميز القتل بالتسميم في عناصره عن القتل العمد في صورته البسيطة إلا من حيث الوسيلة حيث ينبغي أن تكون مادة سامة أما نتيجة النشاط ورابطة السببية والقصد الجنائي فهي بعينها ما سبق الكلام عليه في الأركان العامة للقتل .

فالنتيجة التي تتم بوقوعها هي "إزهاق الروح " دون ما قبل ذلك من المراحل بمعنى أنه إذا تناول المجني عليه المادة السامة ولم تحدث الوفاة لسبب خارج عن إرادة الجاني فإن الواقعة تعد شروعاً في تسميم ولا يقتصر الشروع في القانون المصري على صورة تناول السم وخيبة أثره وإنما يعد أيضاً من قبل الشروع تقديم الشراب أو الطعام المسموم إلى المجنى عليه أو وضعه تحت تصرفه ولو امتنع عن تناوله .

وبالنسبة لعلاقة السببية في جريمة القتل بالسم فإنها تخضع للقواعد التي تخضع لها في جرائم القتل عامة فيتعين وفقاً للضابط الذي أقرته محكمة النقض أن يثبت إعطاء المادة السامة كان أحد العوامل التي ساهمت في إحداث الوفاة التي كانت نتيجة مألوفة لذلك ومن ثم كان يجب على الجاني أن يتوقعها بمعنی أن الجاني يسأل عن جميع النتائج التي يسفر عنها نشاطه مادامت مما يؤدي إليه سير الأمور العادي في الحياة أما إذا توسط بين السبب والنتيجة حلقة غريبة تشذ عن المتعارف المعتاد والمألوف كما إذا وضع الطعام المسموم في مكان أغلقه الجاني حتى يحضر المجني عليه ويتناوله فاختلسها لص وأكل منه فمات أو إذا سقط الطعام المسموم من مكانه فالتقطه أحد الناس وأكله أو سلمه لغيره فاستعمله في غذائه أو اشتبه المجنى عليه فألقاه حيث تلقى المهملات فامتدت إليه يد عابثة استعملته غذاء فكل حلقة من هذه الحلقات تعتبر قاطعة لسلسلة السببية وتقف مسئولية الجاني عند حد النتائج التي سبقتها أن ساغ العقاب عليها .

ويجب أن يتوافر القصد الجنائي على التسميم كما في جناية القتل عمداً ويتوفر القصد متى كان الجاني قد استخدم مادة سامة وهو عالم بذلك مريداً إحداث الموت ولايشترط في جريمة التسميم أن يكون الجاني أراد تسميم شخص معين بل تقع الجريمة ولو كانت بنية غير محدودة فمن يضع سماً يستقى منها عامة الناس يعد قاتلاً بالتسميم إذا ترتب على فعله موت شخص أو أكثر وكما تقع جريمة القتل بالسم بقصد مباشر فإنها تقع أيضاً بقصد غير مباشر (احتمالی) كما لو دس السم في طعام لزوجته وهو يعلم أن طفليها يشاركانها الأكل ولم يمنعه هذا الخاطر من المضي في تنفيذ الجريمة فإنه يكون مرتكباً لجريمة القتل بالسم إذا حدث أن أكل الطفلان وتوفيا على الأثر .

وإذا كانت الوسيلة (السم) هي علة التشديد في جريمة القتل بالسم فإنه لا علاقة بينها وبين سبق الإصرار ومع ذلك فقد تنطوى هذه الجريمة على سبق صرار وهو الغالب في العمل .

 العدول الاختياري :

قد يعدل الجاني عن جريمته بعد بدء تنفيذها كما إذا أتلف الجاني بإرادته ما أعده من الطعام المسموم قبل أن يصل ليد المجنى عليه أو حال بينه وبين تعاطى ما أعده له من طعام مسموم أو استعاد الشئ مما كلفه بحمله إلى حيث يوجد المجنى عليه فلا جريمة عليه ولاعقاب ويدخل في نطاق العدول عدول الجاني عن إتمام الجريمة بإرادته اختياراً فلم تحدث وفاة المجني عليه كما لو أعطاه ترياقا أو أجرى له غسيل المعدة فتنتفى عنه مسئولية الشروع إذا لم يعد متوافر له ركن "الخيبة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الفاعل" وسواء في ذلك أن يكون عدم تحقق الوفاة راجعاً إلى مجهود الجاني الشخصي أو الاستعانة بأخر كطبيب يكلفه بإنقاذ ضحيته وذلك لأن السياسة الجنائية يجب أن تفسح للجاني مجال العدول عن جريمته للمحافظة على حياة الناس وحرصاً على مصلحة المجتمع فيقبل منه حتى بعد أن يبدأ في الجريمة غدره بعدوله عنها بإرادته ففي نجاة خصمه نجاة له من المسئولية ويلاحظ أن عدم مساءلة المتهم عن الشروع في القتل بالسم في حالة العدول الاختياري لا يحول دون مساءلته عن جريمة إعطاء المواد الضارة (المادتين 236، 265 من قانون العقوبات) إذا ما توافرت جميع أركانها .

 إثبات القتل بالسم :

يتعين على محكمة الموضوع أن تتأكد من حدوث القتل بمادة سامة وللقاضي بل عليه أن يستعين بأهل الخبرة في هذه المسألة الفنية المحضة ويلاحظ أنه يكفي في بيان الوسيلة أن تذكر المحكمة أن الجاني قد استعمل مادة سامة ولكن لا يلزم أن تذكر مقدار تلك المادة أو كفايتها لإحداث الموت لأن ذلك ليس بعنصر في القتل أو الظرف المشدد . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،  الصفحة : 259 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة : .  31      

(مادة 19 ) 

يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك .

 ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني لتيجة لسلوكه، فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها . 

 

أما بالنسبة إلى الفصل الثالث الخاص بأركان الجريمة المواد (17) - (20)) : فقد عالج المشروع الركن المادي للجريمة والعمد والخطأ غير العمدي، بوصفها جوهر الركن المعنوي للجريمة الذي يفترض بالإضافة إلى ذلك توافر الأهلية الجنائية للشخص . 

وبالنسبة إلى الركن المادي للجريمة فقد عبر عنه المشروع في المادة (17) التي نصت على أنه: «لا تسند الجريمة إلى شخص ما لم تكن قد وقعت نتيجة لسلوكه فعلاً وامتناعاً» . 

وهذا النص يوضح عناصر الركن المادي للجريمة، وهي السلوك الإجرامي ممثلاً في الفعل أو الامتناع، والنتيجة، وعلاقة السببية . 

ويساند القرآن الكريم في مواضع عدة شرط توافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة، مثل قوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) [النجم: 39]، وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [المدثر: 38]، والسبب في الشريعة الإسلامية هو نشاط الجاني الذي تترتب عليه النتائج الجنائية التي تتضمن انتهاكاً للمصالح والمقاصد الشرعية، وذلك أن الشرع الإسلامي يحرص على الضروريات لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، كما يحمي الحاجات التي تيسر للناس سبل حياتهم، فالفعل الإجرامي يعد إضراراً بالمقاصد الشرعية مع حفظ الضروريات أو الحاجيات، كإزهاق الروح المسبب عن حز الرقبة، والسكر الناشئ عن الشرب عند أبي حنيفة، وقد أشار فقهاء المسلمين إلى توفر علاقة السبية وضرورتها، فإذا جرح رجل آخر عمدا وصار ذا فراش ومات يقتص منه؛ لأن الجرح سبب ظاهر لموته، فيحمل الموت عليه ما لم يوجد ما يقطعه. (تبيين الحقائق للزيلعي، جـ (6) ص (109)، ويراجع المغني لابن قدامة، ج (7) ص (683)، (684)) . 

وتتوافر علاقة السببية سواء باشر الجاني الفعل والنتيجة بنفسه دون توافر عوامل أخرى، أو إذا قام بالفعل إلا أن النتيجة اشتركت في إحداثها عوامل أخرى غير فعل الجاني، ويطلق الشرعيون على الحالة الأولى تعبير المباشرة، ويسمون الحالة الثانية التسبب .

 ومثال المباشرة: أن يقتل شخص آخر بسكين فيموت على الفور أما التسبب، فمثاله: أن يطلق شخص ناراً على شخص آخر فينقل إلى المستشفى، ويخطى الطبيب في علاجه، ويموت متأثراً بجراحه وإهمال الطبيب . 

إلا أنه في الشريعة الإسلامية لا تجب عقوبة الحد أو القصاص إلا في حالة المباشرة دون التسبب فلا يعاقب المتسبب بعقوبة الحد، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية، فتدخل عوامل وسيطة مؤثرة في إحداث النتيجة يعد شبهة يدرأ معها الحد أو القصاص . 

وقد حاول الفقهاء المسلمون الاحتياط ما أمكن في توقيع عقوبات الحدود فجعلوها على المباشر وحده، وقد جاء في الفتاوى الكبرى: إذا اشترك جماعة في قتل معصوم عمداً ، يجب عليهم القصاص إذا باشروا جميعاً قتله، وإن كان بعضهم باشر والبعض كان قائماً يحرس، ففي ذلك قولان يرى مالك أن القصاص على الجميع، ويرى أبو حنيفة والشافعي وأحمد أن القصاص على المباشر (الفتاوى الكبرى، ج (4)، ص (222)). كما ورد في السرقة أنه إذا دخل جماعة من اللصوص منزلاً وأخذوا متاعاً ، وحملوه على ظهر واحد، وأخرجوه من المنزل، فألقياه، فالقول ألا تقطع يد الحامل وهو قول زفر، وقيل: يقطعون جميعاً استحساناً. (البدائع جـ (7) ص (65)، (66)). غير أن الفقهاء قد راعو طبيعة بعض الجرائم التي تحتاج إلى تعاون عدد من الناس، مثل جريمة الحرابة، فنجد أن الحد يطبق على المباشر وعلى المعين كمن يحرس الطريق أثناء ارتكاب جريمة الحرابة. (المبسوط جـ (9) ص (146)) . 

ومعنى ذلك أن المساهمة في الجريمة بطريق التسبب هو نشاط إجرامي مؤثم شرعاً وغاية الفرق هو القول بامتناع توقيع عقوبة الحد أو القصاص إلا على المباشر، والمباشر من يرتكب فعلاً أو أفعالاً تؤدي إلى النتيجة الإجرامية دون تدخل عوامل أخرى أو وساطة كمن يقتل شخصاً بطلق ناري أو بضربات متلاحقة من عصا غليظة على رأسه، أما المتسبب فهو من يأتي فعلاً أو أفعالاً تؤدي مع غيرها من العوامل أو الوسائط إلى حصول النتيجة على نقيض جري العادة (المسئولية المدنية والجنائية للشيخ شلتوت، ص (19)، وما بعدها) ومثال ذلك من يحفر بئراً في الطريق قاصداً أن يتردى فيه إنسان فيموت، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض الفقهاء في خصوص الحدود قد يسوون في العقوبة بين المباشر والمتسبب، كما في جريمة الحرابة، وذلك كما يبدو في التعليل لأسباب عملية تتعلق بهذه الجريمة بالذات، واعتمادها في الغالب على التضافر بين مرتكبيها (بدائع الصنائع، ج (9) ص (4226)) . 

وتأكيداً لأهمية توافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة نصت المادة (18) من المشروع على أن تنتفي رابطة السببية بين السلوك والنتيجة، إذا توافر سبب كافي بذاته لإحداث النتيجة، وفي هذه الحالة تقتصر مسئولية الشخص على سلوكه إذا كان معاقباً عليه مستقلاً عن النتيجة ومثال انقطاع علاقة السببية ما لم لو كان فعل أحد الجناة قد وقع مع استحالة الجريمة ذاتها، كما لو جنى رجل على آخر جناية أخرجته عن حكم الحياة مثل ذبحه ثم ضرب آخر عنقه، فالأول هو القاتل، أما إذا كان جرح الأول للمجني عليه يؤدي إلى الموت لا محالة، ولكنه مع ذلك لم يخرجه عن حكم الحياة، ثم ضربه الجاني فيكون قاتلاً ؛ لأنه فوت حياة مستقرة. (المغني لابن قدامة، جـ (7) ص (684)) .

 

ويتفق هذا النص مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تشترط أن يكون سلوك الجاني هو السبب الوحيد المحدث للنتيجة، بل يكفي أن يكون سلوك الجاني سبباً فعالاً في إحداث النتيجة وقد اختلفت في هذا الشأن نظريات القانون الوضعي، فمنها ما يأخذ بتعادل الأسباب سواء أكانت فعالة في إحداث النتيجة أو غير فعالة، ومنها ما يأخذ بنظرية السبب الأقوى، ومنها ما يأخذ بنظرية السبب الملائم أما الشريعة الإسلامية فإنها تشترط أن يفضي السلوك الإجرامي إلى النتيجة، ولو تدخلت عوامل أخرى، طالما كان العرف يعتبر السلوك - رغم هذه العوامل - مؤدياً إلى النتيجة، وبناء على ذلك فإن كفاية السبب وفقاً المجريات الأمور أو مقتضى العادة، هو معیار توافر رابطة السببية في الشريعة الإسلامية مهما توافرت عوامل أخرى ساهمت في إحداث النتيجة وقد عبرت المادة (18) من المشروع عن ذلك حين نصت على انتقاء رابطة السببية إذا توافر سبب کافي بذاته لإحداث النتيجة . 

فالكفاية صفة موضوعية في السبب تقدر وفقاً للمجرى العادي للأمور بحسب ما تعارف عليه الناس . 

وقد عني المشروع بعد ذلك ببحث جوهر الركن المعنوي للجريمة، وهو العمد أو الخطأ غير العمدي فلا يكفي إسناد الفعل مادياً إلى الشخص، وإنها يجب أن يقترن بالإثم الجنائي هذا الإثم الذي يأخذ إما صورة العمد أو صورة الخطأ غير العمدي فبدون توافر هذا الإثم لا يكون الشخص مسئولاً وقد فرق القرآن الكريم بين العمد وبين الخطأ غير العمدي، فقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . 

والمقصود هو عدم تسوية المخطئ بالعامد، وقد ثبت هذا في القرآن الكريم بالتفرقة الواضحة بين القتل العمد وبين القتل الخطأ في العقوبة الدنيوية والأخروية، ذلك أن القاتل عمداً جزاؤه عدا القصاص جهنم خالدا فيها أبداً ، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً   أليهما وأما القتل الخطأ فإن العقوبة هي الكفارة والدية، ومن الأصول المستقرة في الشرع الإسلامي بوجه عام أن النية أو القصد لها أثرها في الجزاء على العمل سواء كان دنيوياً أو أخروياً وذلك طبقاً للحديث الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»، وهو متفق عليه . 

وبالنسبة للعمد فقد نصت المادة (19) من المشروع على أن يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك . 

ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني النتيجة لسلوكه فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها . 

وقد فرقت الشريعة الإسلامية بين العمد والباعث، أي بين قصد العدوان (العمد)، وبين الدوافع التي دفعت الجاني للعدوان، ولم تجعل الشريعة للباعث على ارتكابه الجريمة أي تأثير على تكوين الجريمة أو على العقوبة المقررة لها، على أن للباعث من الوجهة العملية أثراً على عقوبات التعازير دون غيرها من العقوبات الحدية أو عقوبة القصاص، وذلك أن عقوبة الحدود أو القصاص قدرها الشارع، ولا مجال لزيادة عنها، أو التخفيض من قدرها عند ثبوت الجريمة أياً كان الباعث على ارتكابها، ويلاحظ أن جرائم الحدود والقصاص التي لا أثر للباعث عليها في تقدير العقوبة، تشمل الجرائم العادية أي التي تحدث في كل مجتمع، والتي تنتهك أهم مقاصد الشارع، وهي حفظ الدين والنفس والمال كما يستند ذلك إلى مبدأ أصيل في الشرع الإسلامي، وهو تساوي النفوس في حرمتها، ووجوب حفظها من العدوان الذي لا يبرره سوى الحق وحده، لا ما يتصوره بعض الناس مبرراً لارتكاب العدوان على النفس أو المال . 

وقد عني المشروع في تعريف العمد بأن يتسع للعمد الاحتمالي، حيث يتوقع الجاني النتيجة لسلوكه فيقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها وهذا العمد الاحتمالي يختلف عن شبه العمد، ومعناه: إتيان السلوك دون أن تتجه نية الجاني إلى إحداث النتيجة (دون أن يقبل حدوثها)، مثال ذلك: إلى الضرب المفضي إلى الموت، تعريض الأطفال للخطر المفضي إلى الموت وفي صورة شبه العمد لا تكون حيال عمد محض ولا خطأ محض، وإنما يوجد جمع بين العمد والخطا، إذ يكون فيه الضرب متعمداً والوفاة غير متعمدة وقد أوضح بعض فقهاء المسلمين ذلك، كما ورد في المغني لابن قدامة في جريمة القتل شبه العمد: کا لو ضربه بها يقتل غالباً ، إما بقصد العدوان عليه، أو بقصد التأديب كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير والوكز باليد، ولكنه مات - فإنه شبه عمد ؛ لأنه قصد الضرب دون القتل (ج (7) ص (650))، ويراجع تبيين الحقائق (جـ (6) ص (100)، (101)، والمجموع جـ (17) ص (331)) . 

الجناية على النفس : 

يعرف الشرع الإسلامي للنفس الإنسانية منزلتها؛ تحقيقا لقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء، آية: 70]، ولذلك كان من مقاصد الشريعة حفظ النفس كإحدى الضروريات الخمس إلى جانب حفظ الدين والعقل والنسل والمال، ومن ثم كان التشريع الجنائي الإسلامي في مجال جرائم الاعتداء على النفس بالقتل أو بها دونه - صادرا عن الاحتفال بالنفس الإنسانية ومعرفة قدرها، وعن العدل المطلق في تحديد عقوبات هذه الجرائم والاحتياط في إنزالها على من يستحقها، كما يصدر عن إدراك كامل الأحوال الناس وحاجاتهم ومدى اختلافهم بحسب تنوع المجتمعات وتغير المكان أو الزمان . 

ولقد شدد الشرع الإسلامي النكير على من يقتل النفس الإنسانية بغير حق، يقول تعالى: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء، آية: 93]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم بغير حق». حتى لقد رأى بعض علماء المسلمين أن قاتل النفس بغير حق لا تقبل له توبة، وكل ذلك بسبب استعظام الشرع الإسلامي لهذا الجرم حتى لا يستهين به الناس، ولا يكون ثمة مجال لشيوعه في مجتمع مسلم . 

وجوب شريعة القصاص : 

ومن أجل حفظ النفس الإنسانية وصيانتها كانت شريعة القصاص في جرائم الاعتداء على النفس، ولقد كانت شريعة لبني إسرائيل في التوراة، يقول تعالى: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ [المائدة، آية: 45]، وظلت باقية حتى فرضها الله على المسلمين، بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ. [البقرة، آية: 178]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتله. ولا خلاف بين علماء المسلمين في وجوب تطبيق شريعة القصاص في جرائم القتل العمد العدوان .  

معنى القصاص وحكمته : 

القصاص معناه : المساواة بين الجريمة وبين العقوبة، فالقتل العمد يعاقب عليه بالقتل أصلا، إلا أن يعفو ولي الدم عن القاتل نظير الدية أو بلا مقابل، وهذه التسوية بين الجريمة والعقوبة تجعل قدر العقاب بعيداً عن التحكم ويظهر فيه العدل، ولا يغلق باب الفضل مع مراعاة مصالح الناس وحاجاتهم . 

والقصاص في جرائم القتل العمد يقضي على فكرة الانتقام الشخصي من الجاني، ويعاون في القضاء على ظاهرة الثأر المنتشرة في بعض المجتمعات، ذلك أن الشرع الإسلامي قد راعى اعتباراً عملياً لا يمكن إنكاره أو حتى التقليل من شأنه، وهو أن جريمة القتل تقع على إنسان بعينه وتصيب أقرب الناس إليه بالأذى، سواء أكان معنوياً أم مادياً، ولا ريب أن المجتمع كله يتأذى من قتل النفس بغير حق، ولكن مساس الجريمة بأولياء دم المجني عليه أبلغ من مساسها بالمجتمع، ومن ثم فإن لأولئك في الشرع سلطان يستطيعون به أن يشفوا أنفسهم من الجاني عن طريق القضاء، ويستطيعون أن يدركوا به مصلحتهم إن رضيت نفوسهم بالدية أو بالعفو مطلقا، ولا ترد فكرة الانتقام أو الثأر البتة؛ لأن شريعة القصاص تقضي على جذورها التي ترجع إلى أن أقرب الناس إلى القتيل لا يجدون في عقوبة السجن التي توقع على الجاني شفاء للنفوس، فضلا عن إدراكهم أن السلطان الذي أولاهم إياه الشرع في طلب القصاص من القاتل قد انتزع منهم بلا حق، وهو السلطان الذي نصت عليه الآية الكريمة: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33) [الإسراء، آية: 33). وينبغي التنويه في هذا المقام إلى أن المجني عليه أو ولي دمه مخير بين طلب القصاص أو العفو المجاني، والدية، أو الصلح على مال، وإن كلا من هذه الخيارات رهينة بمشيئته ورضائه الحر، يتخير من بينها ما يرى فيه شفاء لنفسه، وفي ذلك ما يقطع دابر التفكير في أي ثأر من بعد هذا التخيير الرضائي المحض . 

وقد يظن البعض ممن لم يعرفوا الشريعة حق المعرفة أن القصاص متروك أمره لأولياء الدم، فيكون فيه أثر من فكرة الانتقام الشخصي، وذلك وهم باطل؛ لأن القصاص من القاتل بإعدامه يصدر به حكم من القضاء بعد أن يقوم الدليل الشرعي على ثبوت جريمة القتل على الجاني، وأولياء الدم يقف سلطانهم عند اختيار ما يشفي نفوسهم، أو تتحقق به مصلحتهم من طلب القصاص من القاتل أو الرضاء بالدية أو العفو، فشريعة القصاص تصون حياة الجاني حتى يصدر الحكم عليه بقتله قصاصاً بناء على طلب ولي الدم، بينما لا يعرف الانتقام سوى حكم النفس وشهوة الثأر بلا دلیل قائم، وإذا كانت شريعة القصاص أصلها وعمادها المساواة، فإن الانتقام لا يعرف تسوية ولا يرضى العدل في العقاب، ويكفي أن الله تعالى قد قرن السلطان الذي أولاه لولي الدم بالنهي عن الإسراف في القتل؛ لأن شريعة القصاص أصلها كما ذكرنا التسوية والعدل في الجزاء، بينما الانتقام يقوم على الظلم والإسراف في العقاب . 

وجدير بالذكر أن مسلك التشريعات الجنائية الوضعية قد شابه التردد في شأن عقوبة الإعدام كجزاء لجريمة قتل النفس عمداً، وارتفعت دعوات تنادي بأنه ليس من حق المجتمع أن يوقع هذه العقوبة بأحد أفراده وأن يسلبه حياته، بينما بقي جانب كبير من العلماء والمفكرين على وجوب إبقاء عقوبة الإعدام لما يظهر فيها من عدل كجزاء على جرائم القتل العمد، ولما يتحقق بها من ردع للقتلة وزجر لغيرهم في أخطر جريمة تقع على الإنسان، ووسط هذا التردد يقف الشرع الإسلامي - الشريعة القصاص - موقفاً لا تردد فيه ولا يمكن أن يتوجه إليه نقد من كلا الطرفين؛ لأنه أبقى على العقوبة - وهي القصاص من القاتل - حين يكون إعدامه محققاً للجزاء العادل وللمصلحة من إبعاد فكرة الانتقام والنار، وفتح الطريق لعدم إعمال هذه العقوبة حين يكون أقرب الناس إلى المجني عليه وأولاهم بطلب العدل في مقتله - قد شفیت نفوسهم، وتحققت مصلحتهم بعد أن مارسوا الحق الذي أعطاه الشارع لهم، وأبقى الشرع الإسلامي بعد ذلك للحاكم حق تعزير القاتل الذي عفا عنه أولياء الدم، أو رضیت نفوسهم بالدية منعا للفساد في الأرض، وقياماً بحق المجتمع في الأمن وحفظ النفس وصيانتها، وبذلك تنأى شريعة القصاص عن الإفراط أو التفريط في حق الفرد أو المجتمع، وليس أدل على تردد التشريعات الوضعية في الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها من أن عقوبة الإعدام بعد أن ألغيت في بعض الدول كإيطاليا ورومانيا والبرتغال - أعيدت إلى توقيعها . 

وفي عام 1955 رفض مجلس العموم البريطاني اقتراحاً بإلغاء عقوبة الإعدام لفترة معينة على سبيل التجربة، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن المحكمة الدستورية العليا قد اتخذت قرارا بتاريخ (29) من يونية سنة 1972 بأغلبية خمسة أصوات ضد أربعة باعتبار عقوبة الإعدام غير دستورية . 

وذلك فإن الشرع الإسلامي يبدو وسط هذه التشريعات الوضعية وقد أدرك العدل بتقريره القصاص أصلا عقوبة لجريمة القتل العمد، ويفتح باب العدول فيها إلى الدية، الإدراك مصلحة محققة لأقرب الناس إلى المجني عليه أو للمجتمع، وصدق الله العظيم إذ يقول: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ  [البقرة، الآية: 179] 

قال ابن القيم : 

لولا القصاص لفسد العالم، وأهلك الناس بعضهم بعضاً ابتداءً واستيفاءً، فكان في القصاص دفقا لمفسدة التحري على الدماء بالجناية وبالاستيفاء، وقد قالت العرب في جاهليتها: القتل أنفي للقتل، وبسفك الدماء تحقن الدماء. فلم تغسل النجاسة بالنجاسة بل الجناية نجاسة، والقصاص طهره، وإذا لم يكن بد من موت القاتل ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته، والموت به أسرع الموتات وأرجاها وأقلها ألم، فموته به مصلحة له ولأولياء القتيل ولعموم الناس، وجرى ذلك مجرى إتلاف الحيوان بذبحه لمصلحة الآدمي، فإنه حسن وإن كان في ذبحه إضرار بالحيوان، فالمصالح المرتبة على ذبحه أضعاف أضعاف مفسدة إتلافه . 

وخلاصة القول : أن شريعة القصاص في جريمة القتل العمد يتمثل فيها العدل بالتسوية بين الجريمة وعقوبتها، كما تتلاقى هذه الشريعة مع النفس الإنسانية التي تعتبر جريمة القتل واقعة بها أو بأقرب الناس إليها أولا ثم بالمجتمع - وهي النظرة العملية السليمة، وفضلا عن ذلك تقضي شريعة القصاص على كل نزعة للانتقام الشخصي أو الثأر من الجاني، ما دام حكم الشرع هو القصاص أصلاً - ما لم يرض أولياء الدم بالدية أو بغيرها، وأخيرا فإن إنزال القصاص بالجاني قد أحاطه الشارع بضمانات لا يعرفها القانون الوضعي في مجال الإثبات وفي مجال التنفيذ؛ إذ إن إثبات الجريمة التي تستوجب الإعدام قصاصاً لا يكون إلا بالدليل الشرعي، وتنفيذ العقوبة فعلاً يكون بعد القضاء بها وبعد انتفاء العفو من أولياء الدم . 

المبادئ العامة في تقنين شريعة القصاص : 

راعى مشروع القانون أن شريعة القصاص في أحكامها تستند إلى قواعد أصلية في التشريع الجنائي الإسلامي الذي يعرف كل ما أوردته القوانين الوضعية من قواعد التجريم والعقاب، وقد ارتأت اللجنة أن المبادئ العامة التي وردت في قانون العقوبات تستند إلى أساس شرعي فأبقت عليها، فقد بحث الفقهاء المسلمون على هدي ما ورد من نصوص في القرآن الكريم أو السنة النبوية حكم المساهمة الجنائية، وعرفوا تعدد الفاعلين وطرق الاشتراك من التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، وكذلك تعدد الجرائم والعقوبات، وبحثوا كذلك أساس المسئولية الجنائية، وأسباب انتفائها، وأوردوا حكم الضرورة التي تلجئ وأثره في المسئولية، وتناولوا أسباب الإباحة بحالاتها الواردة في القانون الوضعي من استعمال الحق، أو أداء الواجب، أو الدفاع الشرعي - وهو ما يطلق عليه في الشريعة دفع الصائل -، وصغر السن، ومن الجنون أو العاهة في العقل، ولا نكاد نجد في المبادئ العامة في هذا القانون موضوعا إلا ونجده في الشرع الإسلامي، ولذلك وبعد أن تبين أن ما نص عليه هذا القانون من هذه المبادئ لا يعدم سنداً من الفقه الإسلامي؛ لتعدد مذاهبه وغناها بالبحث والتأصيل - فإنه يتعين الرجوع إلى هذه المبادئ . 

واختارت اللجنة من مذاهب الفقه الإسلامي في أحكام المشروع - أقرب المذاهب والآراء إلى حياة الناس في هذا العصر، سواء أقوال المتقدمين أو المتأخرين من فقهاء المذاهب الإسلامية، كما استعانت بها كتبه المحدثون من الفقهاء في هذه الموضوعات دون التقيد بمذهب معين يجري على كل الأحكام، وهي خطة سليمة سبق أن أتبعها المشروع المصري من قديم في نصوص قوانين الأحوال الشخصية . 

وقد رأت اللجنة أن تعالج في هذا المشروع أحكام القتل شبه العمد، وهو ما يسمى في القانون الوضعي الضرب المفضي إلى الموت، وتجب فيه الدية أصلاً في الشرع الإسلامي، كما تناول المشروع أحكام جريمة القتل الخطأ، وتجب فيه الدية، وأحكام إسقاط الجنين وما يستحق لذويه من غرة مقدرة (الغرة نصف عشر الدية). ولا شك أن هذه الجرائم يجمعها أنها قتل نفس عمداً أو شبه عمد أو خطأ، ويجمعها كذلك أن الدية قد تجب في القتل العمد إذا لم يكن مستوجباً لعقوبة القتل قصاصاً، وأن الدية تستحق لأولياء الدم في حالتي القتل شبه العمد والقتل الخطأ في كل حال . 

وتعزيزاً لحق المجتمع في العقاب، وتمكيناً للدولة من مقاومة الإجرام - وهما من المقررات الإسلامية - فرق المشروع بين القتل العمد الذي يستوجب بحسب الشرع عقوبة الإعدام قصاصا، وبين الجرائم التي لا تستوجب هذا القصاص، فأبقى على أحكام القانون الوضعي في شأنها، كما أحال إليه في شأن عقوبة القتل شبه العمد والقتل الخطأ، وقد راعی المشروع في الجملة أن يضيف - ما أوجبته الشريعة الإسلامية من ميزات تتعلق بحقوق أولياء الدم في الدية، أو بحقوق الجاني في الضمانات التي تتاح له قبل الحكم عليه أو قبل تنفيذ العقوبة - إلى ما ورد بصفة عامة في القانون الوضعي، وجمعا بين ما جرى عليه العمل وما ينتظره الناس من أمل عند العمل بهذا التشريع . 

وأضاف المشروع أحكاما مستحدثة أصلها تجريم القتل بالترك، سواء أكان قتلاً عمداً أم قتلاً شبه عمد، وهو تقدم في سياسة التجريم يجد سنده في أحكام الشرع الإسلامي، كما جرم واقعة تستوي مع الشهادة الزور التي تؤدي إلى الحكم بالإعدام وينفذ الحكم، وهي إكراه متهم على الإقرار على نفسه بجريمة استوجبت الحكم عليه بالإعدام ونفذ عليه الحكم، وأضاف المشروع في حكم العذر المخفف عند قتل الزوج زوجته المتلبسة بالزنا بأن مد حكم العذر إلى الأب والابن والأخت، ولذلك سنده من الشرع وأخذت به بعض التشريعات الوضعية كالقانون الإيطالي والقانون الليبي، مما يجعل هذه الأحكام وغيرها مما أضافه المشروع استكمالا لنقص واتجاها إلى الأفضل في السياسة الجنائية . 

ونظراً لأن أحكام المشروع كلها روعي فيها أن تدخل في التطبيق في ظل أحكام قانون الإجراءات الجنائية، فقد أحيل إليه عمداً ما نص عليه من أحكام مستحدثة لا نظير لها في ذلك القانون، وفيما يلي التعليق على أحكام المشروع . 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 255

سُمّ

التَّعْرِيفُ :

السُّمُّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ فِي اللُّغَةِ : الْمَادَّةُ الْقَاتِلَةُ، وَجَمْعُهَا سُمُومٌ وَسِمَامٌ، وَيُقَالُ: هَذَا شَيْءٌ مَسْمُومٌ؛ أَيْ: فِيهِ سُمٌّ، وَسَمَّ الطَّعَامَ: جَعَلَ فِيهِ السُّمَّ.

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - التِّرْيَاقُ :

هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا دِرْيَاقٌ: دَوَاءُ السُّمُومِ - فَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ، أَوَّلَ الْبُكْرَةِ»، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ  لِدَفْعِ السُّمِّ فِي الأْدْوِيَةِ وَالْمَعَاجِينِ.

ب - الدَّوَاءُ :

الدَّوَاءُ مِنْ دَاوَيْتُ الْعَلِيلَ دَوَاءً وَمُدَاوَاةً: إِذَا عَالَجْتَهُ بِالأْشْفِيَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسُّمِّ :

تَنَاوُلُ السُّمِّ :

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَا يَقْتُلُ مِنَ السُّمِّ بِلاَ حَاجَةٍ إِلَيْهِ لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).

طَهَارَةُ السُّمِّ أَوْ نَجَاسَتُهُ :

اخْتَلَفُوا فِي نَجَاسَةِ السُّمِّ، أَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْقَوْلَ بِأَنَّ السُّمَّ نَجَسٌ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْجَامِدِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ النَّبَاتَاتِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي لَمْ تَحْرُمْ إِلاَّ لأِضْرَارِهَا، وَمَا كَانَ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَسَائِرِ الْهَوَامِّ ذَوَاتِ السُّمُومِ. وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ الأْشْجَارِ  وَالنَّبَاتَاتِ مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُضِرًّا بِالصِّحَّةِ، وَبَيْنَ مَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ مِنْ نَجَسٍ، كَأَنْ يُخَالِطَهُ لُحُومُ الْحَيَّاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ لُحُومِ الْهَوَامِّ ذَوَاتِ السَّمُومِ أَوْ كَانَ لُعَابًا لِمَا ذُكِرَ، كَسُمِّ الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ، قَالُوا: تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِلَسْعَةِ الْحَيَّةِ؛ لأِنَّ سُمَّهَا تَظْهَرُ عَلَى مَحَلِّ اللَّسْعَةِ. أَمَّا لُعَابُ الْعَقْرَبِ فَلاَ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ عَلَى الأْوْجَهِ عِنْدَهُمْ لأِنَّ إِبْرَتَهَا تَغُوصُ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ وَيَمُجُّ السُّمَّ فِيهِ، وَهُوَ لاَ يَجِبُ غَسْلُهُ. وَسَبَبُ نَجَاسَتِهِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ فِي السُّمَيَّةِ بَلْ لِكَوْنِهِ فَضْلَةَ غَيْرِ مَأْكُولٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ لُعَابَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَغَيْرِهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ طَاهِرٌ كَلُعَابِ كُلِّ حَيٍّ إِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلِ النَّجَاسَةَ، جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ: «نَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنِ ابْنِ هَارُونَ: أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: اللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ مِنَ الْحَيِّ طَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْحَشَرَاتِ إِذَا أُمِنَ مِنْ سُمِّهَا: مُبَاحَةٌ»، وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ سُمِّهَا.

وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ لُعَابَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ نَجَسٌ عِنْدَهُمْ؛ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا، وَلُعَابُهَا مِنْ جِسْمِهَا كَكُلِّ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ.

الْقَتْلُ بِالسُّمِّ :

قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِذَا قُدِّمَ لِصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ مَجْنُونٍ طَعَامٌ مَسْمُومٌ فَمَاتَ مِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مُقَدِّمِ الطَّعَامِ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ السُّمَّ يَقْتُلُ غَالِبًا، سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ أَنَّ الطَّعَامَ مَسْمُومٌ أَمْ لاَ.

وَإِنْ أَكْرَهَ بَالِغًا عَاقِلاً عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ مَسْمُومٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُكْرِهُ أَنَّهُ مَسْمُومٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْمُكْرِهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْمُومٌ فَلاَ قِصَاصَ كَمَا إِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى قَتَلَ نَفْسِهِ.

وَإِنْ أَوْجَرَهُ السُّمَّ فِي حَلْقِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا؛ لأِنَّهُ أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ وَلاَ اخْتِيَارَ لَهُ حَتَّى يُقَالَ عَنْهُ: إِنَّهُ تَنَاوَلَ السُّمَّ بِاخْتِيَارِهِ، فَحَدُّ الْعَمْدِ صَادِقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَدَّمَ طَعَامًا مَسْمُومًا لِبَالِغٍ عَاقِلٍ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الْحَالَ فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحَالِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ لِتَنَاوُلِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَغْرِيرُهُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: يَجِبُ الْقِصَاصُ لِتَغْرِيرِهِ كَالإْكْرَاهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَيُتَّخَذُ طَرِيقًا إِلَى الْقَتْلِ كَثِيرًا فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ. 

وَالتَّفْصِيلُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ.

وَإِنْ دَسَّ فِي طَعَامِ شَخْصٍ مُمَيِّزٍ أَوْ بَالِغٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلاً، فَعَلَيْهِ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَإِنْ دَسَّ السُّمَّ فِي طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ آخَرُ عَادَتُهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ هَدَرًا؛ لأِنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ فَإِنَّمَا الدَّاخِلُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا فَدَخَلَ فِيهِ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِيهِ.

وَإِنْ دَاوَى جُرْحًا فِي جِسْمِهِ مِنْ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ بِسُمٍّ قَاتِلٍ، فَمَاتَ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْجَارِحِ فِي النَّفْسِ وَلاَ دِيَةِ النَّفْسِ؛ إِذْ هُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ السُّمَّ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ أَنَّهُ سُمٌّ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ ضَمَانُ الْجُرْحِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِالأَْرْشِ، حَسَبَ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ قِصَاصَ فِي الْقَتْلِ بِالسُّمِّ مُطْلَقًا، فَإِنْ قَدَّمَ إِلَى إِنْسَانٍ طَعَامًا مَسْمُومًا فَأَكَلَ مِنْهُ - وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْمُومٌ - فَمَاتَ مِنْهُ فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، فَيُعَزَّرُ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي لأِنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِمَا لاَ يَجْرَحُ فَكَانَ مِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الأول  ، الصفحة / 109

آلَةُ الْعُدْوَانِ وَأَثَرُهَا فِي تَحْدِيدِ نَوْعِ الْجِنَايَةِ :

جِنَايَةُ الْقَتْلِ لاَ يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ إِلاَّ إِنْ كَانَتْ مُتَعَمَّدَةً، وَلَمَّا كَانَ تَعَمُّدُ الْقَتْلِ أَمْرًا خَفِيًّا يُنْظَرُ إِلَى الآْلَةِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمُحَدَّدٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ، بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ إِذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِهِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ.

وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُوَافِقُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَثْبُتُ الْعَمْدُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْلِ بِمَا عَدَا الْمُحَدَّدِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي الضَّوَابِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ، يُذْكَرُ فِي مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة / 24 

الدِّيَةُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ :

يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ وَلاَ مُنَجَّمَةٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ  مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ كَانَ حَالًّا، كَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الدِّيَةِ الَّتِي تَجِبُ بِالصُّلْحِ، فَيَجْعَلُونَهَا حَالَّةً فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَبَيْنَ الَّتِي تَجِبُ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةٍ، كَمَا إِذَا قَتَلَ الأْبُ ابْنَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة /  276

الْقَتْلُ الْعَمْدُ  :

الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ مُوجِبُهُ الْقِصَاصُ، وَيَجِبُ لِذَلِكَ تَوَافُرُ شُرُوطٍ، أَهَمُّهَا: كَوْنُ الْقَاتِلِ قَدْ تَعَمَّدَ تَعَمُّدًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَكَوْنُهُ مُخْتَارًا، وَمُبَاشِرًا لِلْقَتْلِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْصُومَ الدَّمِ مُطْلَقًا. وَفَضْلاً عَنْ ذَلِكَ يَجِبُ لِلْقِصَاصِ: أَنْ يُطْلَبَ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ .

فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ.

وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قَتْلٌ - قِصَاصٌ).