loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

 1- إن جريمة الضرب المفضي إلى موت التي دين الطاعن بها لا يستلزم القانون فيها قصداً خاصاً ، كما لا يجديه ما يثيره أيضاً عن الإهمال فى علاج المجني عليه ، لأن - بفرض صحته - لا يقطع رابطة السببية لأن المتهم فى جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي فى العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية ، وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له من الأوراق  .

( الطعن رقم 10077 لسنة 88 ق - جلسة 6 / 2 / 2021 )

2- علاقة السببية فى المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه فى ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اثبت فى حق الطاعنين أنهما تعديا على المجني عليه بالضرب بالأيدي وبالسب وإنه قد توفى أثر ذلك ، ودلل على توافر رابطة السبية بين الفعل المسند للطاعنين ووفاة المجني عليه بما أثبته تقرير الصفة التشريحية وما قرره الطبيب الشرعي بالتحقيقات من أن ما صاحب واقعة الاعتداء على المجني عليه من انفعال شديد أدى إلى توقف عضلة القلب ووفاة المجني عليه ورد الحكم على دفع الطاعنين بانتفاء رابطة السببية فاطرحه فى منطق مقبول وتدليل سائغ ، فإن فى ذلك جميعه ما يحقق مسئوليتهما فى صحيح القانون عن هذه النتيجة التي كان من واجبهما أن يتوقعا حصولها لما هو مقرر من أن الجاني فى جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتدخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة ، ومن أن مرض المجني عليه إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة ومن ثم فإن النعي على الحكم فى هذا الوجه يضحى غير قويم .

( الطعن رقم 6475 لسنة 82 ق - جلسة 2014/01/01 س 65 )

3- التأديب حق للزوج ولكن لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف فإذا تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته كان معاقباً عليه قانوناً ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد اعتدى بالضرب على زوجته وأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ، وكان البين من هذا التقرير أن بالمجنى عليها آثاراً إصابية حيوة ذات طبيعة رضيه احتكاكية وأثار متكدمة بمقدمة الرأس ونزيف معظمه دموى متجلط واقع تحت الأم الجافية وضاغط على سطح المخ نتيجة إصابتها بالرأس والوجه والتى انتهت بالوفاة من النزيف الضاغط على المراكز الحيوية بالمخ ، فإن هذا كاف لاعتبار ما وقع منه خارجاً عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجباً للعقاب عملاً بالفقرتين الأولى والثانية من المادة 236 من قانون العقوبات ، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .

( الطعن رقم 18555 لسنة 73 ق - جلسة 2008/11/27 - س 59 ص 539 ق 97 )

4- من المقرر أنه وإن كان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذى تعطيه النيابة العامة للواقعة كما وردت بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور بل أن من واجبها أن تطبق على الواقعة المطروحة عليها وصفها الصحيح طبقاً للقانون لأن وصف النيابة العامة ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تغييره متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى أنه الوصف القانونى السليم، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة هى بذاتها الواقعة التى إتخذتها المحكمة أساساً للوصف الجديد، فإذا تعدى الأمر مجرد تغيير الوصف إلى تعديل التهمة بإضافة عناصر أخرى إلى تلك التى أقيمت بها الدعوى. فإن هذا التعديل يقتضى من المحكمة تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك إعمالاً لنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد خلصت - بعد إستبعاد نية القتل - إلى أن الواقعة الثابتة فى حق الطاعن هى الضرب المفضى إلى الموت غير أنها أضافت ظرفى سبق الإصرار والترصد المشددين لهذه الجريمة وأنزلت به عقوبة الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات المقررة بنص الفقرة الثانية من المادة 236 من قانون العقوبات، فقد كان لزاماً عليها أن تنبهه إلى هذا التعديل لإبداء دفاعه فيه، أما وقد خلت مدونات الحكم المطعون فيه ومحاضر جلسات المحاكمة مما يدل على قيام المحكمة بتنبيه الطاعن إلى تعديل التهمة بإضافة ظرفى سبق الإصرار والترصد اللذين لم يردا فى أمر الإحالة فإن إجراءات المحاكمة تكون معيبة لإخلالها بحق الدفاع .

( الطعن رقم 3952 لسنة 65 ق - جلسة 1997/04/02 - س 48 ع 1 ص 416 ق 60 )

5- من حيث أن واقعة الدعوى كما إستقرت فى يقين المحكمة وإطمأن إليها وجدانها مستخلصة من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل فى أنه بتاريخ الثانى عشر من سبتمبر سنة 1986 وأثناء تواجد المجنى عليه ........... برفقة والده بحقلهما لجمع ثمار الطماطم ، قاما بغمر الطريق الملاصق للحقل بالمياه لإعاقة مرور الجرارات المحملة بالأتربة بالطريق لتلافى تطاير الغبار المتصاعد منها وإلحاق الضرر بالمزروعات ، وعلى إثر ذلك حضر المتهمان ........... و ............... ودارت مشادة كلامية بينهما وبين المجنى عليه ووالده ما لبثت أن إنتهت بقيام المتهمين بالإعتداء على المجنى عليه ضرباً وركلاً فى بطنه ومواضع أخرى من جسمه مما ألحق به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته . ومن حيث إن الواقعة على النحو السالف بيانه قد قام الدليل على صحتها وثبوتها فى حق المتهمين من شهادة كل من ............... والد المجنى عليه و ................ قائد جرار المتهم الثانى والنقيب .................. وما أورده تقرير الصفة التشريحية فقد شهد ............. بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة أمام محكمة الإعادة أنه حال تواجده وإبنه المجنى عليه بحقلهما يوم الحادث لجمع ثمار الطماطم ، وأنه لتصاعد الغبار من الجرارات المحملة بالأتربة والمارة بالطريق الملاصق للحقل مما يلحق الضرر بالزراعة فقد قام وإبنه المجنى عليه .............. برش الطريق بالمياه ، وأنه وعلى إثر ذلك حضر المتهمان وقاما بطرح المجنى عليه أرضاً والاعتداء عليه وركله فى بطنه بالأقدام إلى أن فقد وعيه متأثراً بإصاباته ، ثم قام بنقله إلى المستشفى حيث فاضت روحه إلى بارئها . كما شهد ................. بأن المتهم .............. كان يوجه ضرباته إلى المجنى عليه ................ فى حين أن المتهم ................ كان يوجه ضرباته إلى والده . كما شهد النقيب ................ بأن التحريات السرية التى أجراها عن الحادث قد أسفرت عن قيام المجنى عليه ................ و والده بغمر الطريق الملاصق لحقلهما بالمياه لمنع الجرارات المحملة بالأتربة من المرور لكى لا يلحق الغبار المتصاعد منها ضرراً بالمزروعات ، وإثر ذلك قام المتهمان ............. و ........... بالإعتداء على المجنى عليه ضرباً بالأيدى وركلاً بالأقدام مما أدى إلى وقوع إصاباته التى أودت بحياته . كما أورى تقرير الصفة التشريحية أن إصابات المجنى عليه راضية حيوية حديثة حدثت من المصادمات بأجسام صلبة راضة ويجوز حدوثها بمثل التعدى بالضرب والركل وفق ما جاء بمذكرة النيابة . والوفاة تعزى للإصابات الراضة بالبطن بالجانب الأيسر والتى أحدثت تهتكاً بالطحال والمساريقا وأنزفة غزيرة بالتجويف البطنى وباقى الإصابات سطحية غير مؤثرة ولا دخل لها فى إحداث الوفاة . ومن حيث إن المتهمين ............... و ................ مثلاً بجلسة المحاكمة وأنكرا التهمة المسندة إليهما وحضر وكيل المدعى بالحقوق المدنية وشرح ظروف الدعوى وطلب القضاء على المتهمين بالعقوبة المقررة قانوناً وبالتعويض المدنى المؤقت المطالب به ، كما حضر محام مع المتهمين وشرح ظروف الدعوى وقرر أن هناك إختلافاً واضحاً فى أقوال شاهدى الواقعة التى تتناقض بدورها مع تحريات المباحث وأن التقرير الطبى لا يعد بذاته كافياً لإثبات التهمة وخلص إلى طلب الحكم ببراءة المتهمين من التهمة المسندة إليهما ورفض الدعوى المدنية . ومن حيث إن المحكمة لا تعول على أنكار المتهمين بجلسة المحاكمة بعد أن إطمأنت إلى أدلة الثبوت التى أوردتها كما تلتفت عما أثاره دفاع المتهمين بجلسة المحاكمة بعد أن إطمأنت إلى أدلة الثبوت التى أوردتها كما تلتفت عما أثاره دفاع المتهمين من وجود تناقض فى أقوال شاهدى الاثبات وبينها وبين ما ورد بتحريات المباحث ذلك أنه من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع ، وأن تناقض الشهود بفرض حصوله لا يعيب الحكم ما دام قد إستخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه ، وكانت هذه المحكمة قد إستخلصت واقعة الدعوى والأدلة على مقارفة المتهمين فيه ، وكانت هذه المحكمة قد إستخلصت واقعة الدعوى والأدلة على مقارفة المتهمين للجريمة المسندة إليهما من أقوال شاهدى الإثبات معززة بتحريات الشرطة ومؤيدة بتقرير الصفة التشريحية بما له أصل ثابت بالأوراق وبما لا تناقض فيه ، فإنه لا يكون ثمة محلاً لما يثيره دفاع المتهمين فى هذا الشأن . ومن حيث إنه لما كان ما تقدم ، فإنه يكون قد ثبت يقيناً لدى المحكمة أن المتهمين ............ و ................ فى يوم .......... بدائرة مركز ...... محافظة كفر الشيخ : ضربا المجنى عليه ............... وأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ، ولم يقصدا من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته الأمر المعاقب عليه بالمادة 236/1 من قانون العقوبات وعملاً بالمادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية . ومن حيث إن عن المصاريف الجنائية فتلزم المحكمة المتهمين بها عملاً بالمادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية . ومن حيث إنه عن الدعوى المدنية المقامة من والد المجنى عليه قبل المتهمين بطلب الحكم بإلزامهما بآداء تعويض مدنى مؤقت قدره مائة و واحد جنيه . فإنه وإذ إنتهت المحكمة إلى إدانة المتهمين بجريمة الضرب المفضى إلى الموت ، فإنه يكون قد ثبت توافر ركن الخطأ فى حق المتهمين الذى ترتب عليه ضرر للمدعى بالحقوق المدنية مع توافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، ومن ثم فإن تلك الدعوى تكون قد أقيمت على أساس صحيح من القانون الأمر الذى يتعين معه إجابة المدعى فيها بالتعويض المؤقت المطالب به ، مع إلزام المتهمين بالمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة عملاً بالمادتين 309 ، 320 من قانون الإجراءات الجنائية .

( الطعن رقم 2296 لسنة 61 ق - جلسة 1995/04/17 - س 46 ص 742 ق 109 )

6- التأديب حق للزوج ولكن لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف فإذا تجاوز الزوج هذا الحد ، فاحدث أذى بجسم زوجته ، كان معاقبا عليه قانوناً ، حتى ولو كان الأثر بجسم الزوجة لم يزد عن سجحات بسيطة . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد اعتدى بالضرب على زوجته وأحدث بها الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ، وكان البين من هذا التقرير أن بالمجنى عليها كدمة رضيه بأقصى الجزء الأسفل ليسار الصدر وأعلى مقدم يسار البطن تحدث من المصادمة بجسم صلب راض ثقيل نوعا من مثل قالب طوب احدثت تهتكا اصابيا بجوهر ونسيج الطحال نجم عنه نزيف دموى داخلى غزير بداخل التجويف البطنى أدى إلى الوفاة ، فإن هذا كاف لاعتبار ما وقع منه خارجا عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجبا للعقاب عملاً بالفقرة الاولى من المادة 236 من قانون العقوبات ، ولا جناح على المحكمة إن هى التفتت عن هذا الدفاع القانونى الظاهر البطلان .

( الطعن رقم 6848 لسنة 63 ق - جلسة 1994/12/22 - س 45 ص 1230 ق 192 )

7- لا تلازم بين قيام القصد الجنائي فى القتل أو إنتفائه وسبق الإصرار فلكل مقوماته وكانت عقيدة المحكمة تقوم على المقاصد والمعانى لا على الألفاظ والمبانى وكان ما قصد إليه الحكم من عبارة " أن المحكمة لا تساير النيابة العامة فيما ذهبت إليه من أن المتهم قتل المجنى عليه عمداً مع سبق الإصرار ذلك أن الأوراق جاءت خلواً من دليل على توافر نية القتل العمد مع سبق الإصرار " إنما قصد به القول بإنتفاء نية القتل دون القول بإنتفاء سبق الإصرار ذلك أن ما أورده الحكم من أن الطاعن ضرب المجنى عليه عمداً مع سبق الإصرار ومعاقبته بالمادة 236 من قانون العقوبات بفقرتيها الأولى والثانية واضح الدلالة - دون ما تناقض - على مؤاخذة الطاعن على أساس توافر هذا الظرف .

( الطعن رقم 10023 لسنة 60 ق - جلسة 1991/11/21 - س 42 ص 1228 ق 169 )

8- لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه إنتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة الضرب المفضى إلى الموت طبقاً لنص المادة 236 من قانون العقوبات وأعمل فى حقه المادة 17 من ذات القانون ثم قضى بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات . لما كان ذلك ، وكانت العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضى إلى الموت التى دين الطاعن بها هى الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع و كانت المادة 17 من قانون العقوبات التى أعملها الحكم فى حق الطاعن تبيح النزول بعقوبة السجن التى عقوبة الحبس التى لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التى أباح النزول إليها جوازياً ، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم ومعاملته طبقاً لنص المادة 17 المذكورة ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد فى هذه المادة بإعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة الضرب المفضى إلى الموت وذكرت فى حكمها أنها رأت معاملته طبقاً لنص المادة 17 من قانون العقوبات ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة السجن وهى إحدى العقوبتين التخييريتين المقررة لهذه الجريمة طبقاً لنص المادة 1/236 من قانون العقوبات فإن حكمها يكون مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون إذ كان عليها أن تنزل بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس ، ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه و أن يكون مع النقض الإعادة لما هو مقرر من أن تطبيق العقوبة فى حدود النص المنطبق هو من إختصاص محكمة الموضوع .

( الطعن رقم 4416 لسنة 57 ق - جلسة 1988/03/09 - س 39 ع 1 ص 388 ق 57 )

 9- لما كانت عقوبة جريمة الضرب المفضي إلى الموت بغير سبق إصرار أو ترصد - كنص الفقرة الأولى من المادة 236 من قانون العقوباتهي الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وهي عقوبة تزيد عن الحد الأقصى المقرر قانوناً فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون، ومن ثم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه وذلك بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات فضلاً عن التعويض المدني والمصاريف المدنية والجنائية وأتعاب المحاماة المقضي بها، عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من القانون رقم 57 سنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، من نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه فى أسباب الطعن .

( الطعن رقم 1468 لسنة 57 ق - جلسة 1987/11/19 - س 38 ع 2 ص 1015 ق 184 )

10- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت على لسان الطاعنين وأحد الشهود أن الطاعنين والمجنى عليه أحتسوا بعض المشروبات الروحية " بيرة و كينا " وقت إرتكاب الجريمة دون أن يبين ماهية حالة السكر التى أثارها الطاعنان ودرجة السكر - إن كان - ومبلغ تأثيره فى إدراك الطاعنين وشعورهما مع أنه غير قائم - سواء فى بيانه لواقعة الدعوى أو فى حديثه عن نية القتل و ظروف سبق الإصرار الذى جمع فى بيان واحد - على أن الطاعنين إرتكبا القتل ثم تناولا المسكر للعمل على فقدان الشعور وقت القتل فإنه يكون قاصر البيان ، ولا يقدح فى هذا أن تكون العقوبة المقضى بها على الطاعنين وهى الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة تدخل فى نطاق عقوبة الضرب المفضى إلى الموت مع سبق الإصرار ذلك بأن الواضح من مدونات الحكم أنه أوقع تلك العقوبة على أساس ثبوت مقارفة الطاعنين جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار ونزل بالعقوبة إلى القدر لإعتبارات الرأفة التى أرتأها فوصل بذلك إلى الحد لعقوبة الضرب المفضى إلى الموت مع سبق الإصرار المبينة بالمادة 236 من قانون العقوبات .

( الطعن رقم 5925 لسنة 54 ق - جلسة 1985/05/02 - س 36 ص 601 ق 106 )

شرح خبراء القانون

جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة في صورها المشددة

تقسيم : الظروف المشددة في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة ؛ نص الشارع على ظروف عديدة تشدد العقاب في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم وهذه الظروف على تعددها ترد إلى فئتين : فئة يقوم التشديد فيها على درجة جسامة الأذى الذي نال جسم المجني عليه ، ويفترض أن الأذى الذي ترتب على الفعل لم يقف عند الأذى البسيط ، بل جاوز ذلك إلى المساس الجسيم بسلامة الجسم ، وهذه الفئة هي أهم الفئتين والفئة الثانية لا يقوم التشديد فيها على درجة جسامة الأذى ، وإنما يتوقف على اعتبارات أخرى .

الظروف المشددة التى تتوقف على درجة جسامة الأذى :

بيان هذه الظروف: حصر الشارع هذه الظروف في ثلاثة هي : حدوث مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً (المادة 241 من قانون العقوبات)، وحدوث العاهة المستديمة (المادة 240 من قانون العقوبات) ، وحدوث الموت (المادة 236 من قانون العقوبات) .

والعلة العامة للتشديد عند توافر أحد الظروف السابقة هي أن جسامة الأذى الذي أصاب المجني عليه تعنی جسامة الضرر الذي أصاب المجتمع ممثلاً في أحد أفراده ومن ناحية ثانية ، فإن النتيجة الجسيمة قرينة على خطورة الفعل ، إذ الوضع الطبيعي أن النتيجة الخطيرة لا يحدثها إلا فعل خطير ، وخطورة الفعل بدورها قرينة على خطورة مرتكبه ، ويعني ذلك ازدياد خطورة شخصية الجاني على المجتمع .

الأحكام المشتركة في هذه الظروف المشددة : هذه الأحكام هی : اشتراط توافر أركان الجريمة في صورتها البسيطة ، واشتراط تحقق النتيجة الجسيمة ، واشتراط توافر علاقة السببية بين الفعل وبين الأذى الجسيم ، واشتراط استطاعة المتهم توقع هذا الأذى الجسيم .

توافر أركان الجريمة في صورتها البسيطة : لا محل للبحث في توافر الظرف المشدد إلا إذا ثبت ابتداء توافر الأركان التي يقوم عليها الاعتداء على سلامة الجسم في صورته البسيطة ، وهي كما قدمنا : محل الاعتداء والركن المادي والقصد الجنائي ، فالظرف المشدد يفترض جريمة بسيطة مكتملة الأركان يضاف إليها ويعني ذلك أنه إذا ثبت انتفاء أحد هذه الأركان ، فلا محل بداهة للتساؤل عن الظرف المشدد .

تحقق الأذى الجسيم : لا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا تحققت بالفعل النتيجة الجسيمة التي يفترضها ، ومن ثم فلا يكفي احتمال تحققها مهما كان هذا الإحتمال كبيراً وتطبيقاً لذلك فإذا كان فعل الجاني بالغ الجسامة شديد الخطورة وكان من شأنه حسب المجرى العادي للأمور أن يفضي إلى العاهة أو الموت ، ولكن هذه النتيجة لم تحدث لعوامل استثنائية ، فإن الظرف المشدد لا يتوافر ، وإنما يسأل الجاني عن النتيجة التي حدثت فعلاً ويرتبط بذلك أن العبرة ليست بما يقرره الطبيب ويستظهره من احتمالات ، ولكن العبرة بما يتحقق فعلاً .

ويقتضى اشتراط تحقق الأذى للمساءلة عنه وجوب أن تتريث سلطات الإتهام في إقامة الدعوى الجنائية حتى تستقر حالة المجني عليه وتتبلور في صورة نهائية آثار الفعل ، فيتحدد بذلك الوصف الذي يخلع على الجريمة وغني عن البيان أنه إذا صدر حكم بات في شأن الجريمة على أساس وصف معين ثم ازدادت جسامة الأذى على نحو يقتضى تعديل الوصف ، فإن قوة الشيء المحكوم فيه تحول دون إقامة الدعوى من أجل ذات الوقائع : فإذا أدين المتهم بحكم بات من أجل الواقعة باعتبارها ضرباً مفضياً إلى عاهة ثم مات المجني عليه وثبت أن علاقة السببية متوافرة بين الفعل والموت ، فلا يجوز أن تقام عليه الدعوى من أجل الواقعة باعتبارها ضرباً مفضياً إلى الموت .

علاقة السببية بين فعل الاعتداء على سلامة الجسم والأذى البدني الجسيم : لا يسأل المتهم عن الأذى الجسيم إلا إذا ثبت توافر علاقة السببية بين فعله وهذا الأذى ، وتعد علاقة السببية عنصراً في الركن المادي لجريمة الاعتداء على سلامة الجسم ذات النتيجة الجسيمة  فإذا كانت هذه العلاقة منتفية فلا يسأل الجاني عن النتيجة التي لم يكن فعله سببها ، وإنما تقتصر مسئوليته على الأذى الذي ثبت توافر علاقة السببية بينه وبين الفعل : فإذا ترتب على فعل الجرح أو الضرب إصابة المجنى عليه بإيذاء بدني يسير ، ولكن ازدادت خطورة هذه النتيجة بتأثير عوامل مستقلة عن فعل الجاني حتى أفضت إلى العاهة المستديمة أو الموت فلا يسأل الجاني عن نتيجة لا تربطها بفعله علاقة السببية ، ولكن تقتصر مسئوليته على الإيذاء اليسير الذي ثبت توافر علاقة السببية بينه وبين فعله استطاعة توقع الأذى الجسدي: استطاعة المتهم توقع درجة جسامة الأذى ووجوب ذلك عليه عنصر في معيار علاقة السببية كما حددته محكمة النقض ، وثبوتهما لا غنى عنه للمساءلة عن ذلك الأذى ، أما إذا تخلفا فلا يسأل المتهم عن الظرف المشدد ، إذ تنتفي علاقة السببية ولكن الرأي السائد في الفقه يقيم على أساس منهما القصد الاحتمالي ويعتبر أنه الركن المعنوي للمسئولية عن الأذى الجسيم .

حدوث الموت :

تمهيد : نصت على هذا الظرف المشدد المادة 236 من قانون العقوبات في قولها «كل من جرح أو ضرب أحداً عمداً أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالسجن المشدد من ثلاث سنوات إلى سبع وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن» . وتقوم جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى الموت على ذات الأركان العامة التي تقوم عليها جرائم الاعتداء على سلامة الجسم ، مضافاً إليها اتخاذ الأذى البدني أبلغ صور الجسامة ، وهي « وفاة المجني عليه »، وعلى الرغم من أن هذه الجريمة تشترك مع جريمتي القتل العمد والقتل غير العمد في النتيجة الإجرامية ، فهي تتميز عنهما من حيث ركنها المعنوي على ما نفصله فيما يلي :

الركن المادي :

يقوم الركن المادي على عناصره الثلاثة ، وهي : الفعل والنتيجة وعلاقة السببية بينهما .

فالفعل يتخذ صورة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة ، ولا فرق بين هذه الصور من حيث المسئولية والعقوبة ويتخذ الفعل مدلولاً متسعاً يجعله شاملاً كل اعتداء على سلامة الجسم ، ولو لم يكن جرحاً أو ضرباً ، ويؤكد ذلك ما سبق أن قررناه من اتخاذ هذين اللفظين مدلولاً قانونياً مختلفاً عن دلالتهما اللغوية وتطبيقاً لذلك قضى بأن كتم نفس شخص بنية هتك عرضه وموته نتيجة لذلك هو هتك عرض بالقوة مرتبط ارتباطاً غير قابل للتجزئة مع ضرب أفضى إلى موت؛ وقد سبق أن قضى بأنه يسأل عن ضرب مفض إلى موت من يضغط على عنق المجنى عليه إلى أن يموت مختنقاً ، وأنه يسأل عن هذه الجريمة من اعتدى على آخر بالضرب أثناء مشاجرة بينهما وهما في سفينة على النيل فسقط المجني عليه في الماء وغرق  .

أما النتيجة في هذه الجريمة فهي وفاة المجني عليه، وهي ذات النتيجة التي تفرضها جرائم القتل ويتعين أن تتحقق هذه النتيجة فعلاً ، فلا يكفي أن تحققها كان شديد الاحتمال : فإذا اعتدى المتهم بالضرب الشديد على المجني عليه وأحدث به إصابات جسيمة يحتمل - حسب تقدير الطبيب - أن تؤدي به إلى الموت ، ولكنه أسعف بالعلاج فلم يمت فإن المتهم لا يسأل عن هذه الجريمة  ، وإنما يسأل عن النتيجة الفعلية التي أفضى إليها فعله .

وتعد علاقة السببية بين الفعل المسند إلى المتهم ووفاة المجنى عليه عنصراً أساسياً في هذه الجريمة ، فإن انتفت فلا مسئولية من أجلها ، خاصة وأنه لا شروع فيها وتخضع علاقة السببية للمعيار العام الذي أقرته محكمة النقض في شأن جريمة الاعتداء على سلامة الجسم : فيتعين أن يكون فعل المتهم أحد العوامل التي أسهمت في إحداث الوفاة ، ويتعين أن يكون في استطاعة المتهم - ومن واجبه - توقع الوفاة والعوامل الأخرى التي أسهمت في إحداثها وتنتفي علاقة السببية إذا ثبت أن فعل المتهم لم يكن أحد العوامل التي أسهمت في إحداث الوفاة ، أو ثبت أنه على الرغم من إسهامه في إحداثها لم يكن مستطاعاً وواجباً توقعها وتوقع عواملها الأخری  وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا اقتصر الفعل على مجرد التعجيل بالوفاة التي كان مؤكداً حدوثها بناء على عوامل أخرى كان ذلك كافياً لاعتبار علاقة السببية متوافرة  وقد قضت محكمة النقض بأنه «متى ثبت أن الضرب الذي وقع من المتهم هو السبب الأول المحرك لعوامل أخرى تعاونت - بطريق مباشر أو غير مباشر - على إحداث وفاة المجني عليه كالضعف الشيخوخي أو إهمال العلاج فالمتهم مسئول عن كافة النتائج التي ترتبت على فعله ومأخوذ في ذلك بقصده الاحتمالی ولو لم يتوقع هذه النتائج ، لأنه كان يجب عليه قانوناً أن يتوقعها» وقضت بأنه لا ينفي علاقة السببية أن المجني عليه كان به من الأمراض ما ساعد على الوفاة ، أو كان ثمة تراخ في العلاج أو إهمال فيه وقضت كذلك بأنه لا ينفي علاقة السببية أن تحصل عقب الفعل مضاعفات ، أو تطرأ على المجنى عليه أمراض مما يسهم مع الجروح في إحداث الوفاة ، كما لو تقيح الجرح ووصلت عداوه إلى المخ ، أو أصيب المجني عليه أثناء علاجه بتسوس في عظام الجدارية والصداغية اليمني فاستؤصل بعضها ثم حصل له تجمع صديدى بأعلى الرأس فعملت فيه فتحة ثم توفي نتيجة الامتصاص العفن الناشىء عن الجروح بالإضافة إلى الحالة السيئة للقلب والرئتين والكبد والطحال ، أو أصيب المجنى عليه بالتهاب رئوى بسبب رقاده على ظهره أثناء مدة العلاج ولا تنتفي علاقة السببية إذا صدرت إلى جانب فعل الضرب المسند إلى المتهم – أفعال ضرب أخرى أرتكبها متهمون آخرون طالما أن هذه الأفعال متوقعة في ذاتها ولا تنفي مساهمة فعل المتهم في حدوث الوفاة ولا يحول دون اعتبار علاقة السببية متوافرة أن الوفاة قد تراخت ، وأن زمنا طويلاً قد فصل بينها وبين الفعل ، فالفصل الزمني لا ينفي الإسهام السببی .

ولكن علاقة السببية تنتفي إذا ثبت أنه لم يكن في استطاعة المتهم - ولم يكن واجباً عليه - توقع العوامل التي أسهمت مع فعله في إحداث الوفاة ، وتوقع الوفاة تبعاً لذلك ، ومحل ذلك أن تكون هذه العوامل غیر مألوف تدخلها في الظروف التي ارتكب فيها فعله : فإذا حدثت الوفاة لخطأ فاحش صدر عن الطبيب المعالج ، أو لتعرض المجنى عليه لاعتداء إجرامی لاحق ، أو لا نتحاره فإن علاقة السببية تعد منتفية . وقد قضت محكمة النقض تطبيقاً لذلك بأنه إذا كان التراخي من جانب المجنى عليه في العلاج أو الإهمال فيه متعمداً لتجسيم مسئولية المتهم فإنه ينفي علاقة السببية وتنتفي علاقة السببية إذا رفض المجني عليه تحمل المداواة المعتادة لأن رفضه لا يكون له ما يسوغه فهو سلوك شاذ ليس في استطاعة المتهم ومن واجبه توقعه وتوقع الوفاة التي تترتب عليه ؛ ولكن هذه العلاقة لا تنتفي إذا رفض المجنى عليه أن تجرى له جراحة من شأنها أن تعرض حياته للخطر أو أن تحدث له آلاماً ، فهذا الرفض سلوك مألوف ويستطيع المتهم توقعه ويجب عليه ذلك ، إذ من الطبيعي أن يظن المجني عليه بحياته وأن يضن بنفسه عن تحمل الآلام المبرحة .

القصد الجنائي :

جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى الموت جريمة عمدية ، ويخضع القصد الجنائي المتطلب فيها لذات القواعد التي يخضع لها القصد في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم عامة : فيكفي أن يكون المتهم قد توقع مطلق الأذى البدني وأراده ، وسواء أن يكون أذي يسيراً أو جسيماً ؛ ويعني ذلك اشتراط ألا تكون إرادته قد اتجهت إلى إحداث وفاة المجني عليه وهذا العنصر السلبي هام ، إذ يضع الحدود بين هذه الجريمة وبين القتل العمدی ، لأنه إذا ثبت أن إرادة المتهم قد اتجهت إلى إحداث الوفاة صارت الجريمة قتلاً عمدياً وقد خلصت محكمة النقض من ذلك إلى أن القانون لا يتطلب في هذه الجريمة قصداً خاصاً وإنما يكتفي بالقصد العام ، واستخلصت من ذلك جواز مساءلة السكران باختياره عنها .

تعدد الجناة :

إذا تعدد الجناة تعين التفرقة بين وضعين  : إذا ربطت بينهم رابطة المساهمة الجنائية كانوا جميعاً مسئولين عن الضرب المفضي إلى الموت ، دون تفرقة بين من ارتكب الضربة التي أفضت إلى هذه النتيجة ومن ارتكب ضرباً لم يفض إليها ومن لم يرتكب ضرباً على الإطلاق ، ذلك أن جريمتهم واحدة ومن أبرز صور المساهمة أن يثبت الاتفاق بين الجناة على الاعتداء على سلامة جسم المجنى عليه وإذا ثبت سبق إصرار المتهمين على الجريمة كان ذلك قرينة على توافر الاتفاق بينهم ، أما إذا انتفت رابطة المساهمة الجنائية بينهم فقد تعددت جرائمهم ، فلا يسأل المتهم عن الوفاة «إلا إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك»، أما غيره فلا يسأل إلا عن ضرب بسيط ، فذلك هو القدر المتيقن في حقه .

العقوبة :

يقرر القانون للجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة الذي أفضى إلى الموت عقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى سبع، فإذا توافر سبق الإصرار أو الترصد كانت العقوبة السجن المشدد أو السجن بين حديها الأدنى والأقصى العامين وتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي ، فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد (المادة 236 من قانون العقوبات) .

ويلاحظ أن إعطاء المادة الضارة لا يعتبر اعتداء إلا إذا ترتب عليه فعلاً حدوث مرض أو عجز عن العمل ، وقد صرحت بذلك المادة 265 من قانون العقوبات.

ويؤخذ على خطة المشرع - من حيث تحديد أفعال الاعتداء على سلامة الجسم بالجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة – أنها تؤدي إلى انحسار الحماية الجنائية عن الحق في سلامة الجسم إذا اتخذ المساس به صورة لا يصدق عليها أحد هذه الأفعال ، من أمثلة ذلك أن يطلق شخص رصاصة بجوار عدوه قاصداً إزعاجه فيترتب على ذلك اضطرابه عصبياً ، أو أن يسعل مريض بمرض تنتقل عدواه عن طريق الاستنشاق فی وجه شخص يبغضه قاصداً نقل عدوى المرض إليه ، ويحدث ذلك فعلاً كأثر للسعال ، أو أن يضع خادم ملابس مريض بمرض جلدي مع ملابس سيدة قاصداً نقل العدوى إليه فتنتقل كنتيجة لهذا الفعل ، أو أن يمسح مريض ، بمرض معد في عينيه ، وجهه بمنشفة شخص يريد أن ينقل إليه عدوى هذا المرض ، أو أن يبعث شخص أصواتاً غريبة في أوقات معينة بجوار غرفة نوم شخص آخر بقصد إيذائه فيختل جهازه العصبي ، كذلك يدخل في هذا النطاق تسليط أشعة على أحد أجهزة الجسم يترتب عليها الإخلال بالسير الوظيفي لهذا الجهاز .

ويبدو لنا - إزاء هذا القصور التشريعي - أنه كان من الأفضل ألا يحدد المشرع أفعالاً معينة لتحقيق الاعتداء على الحق في سلامة الجسم ، وإنما يقتصر على تعبير عام يمكن أن يندرج تحته أي فعل يمس بالحق في سلامة الجسم ، مثل لفظ الإيذاء ، وحينئذ تقع جريمة الإيذاء البدني أياً كانت الصورة التي يتخذها فعل الاعتداء ، أو على الأقل إضافة الإيذاء إلى صورتي الضرب والجرح حتى تندرج تحت هذا اللفظ كل الأفعال التي لا يصدق عليها وصف الضرب أو الجرح . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة : 531 )

محل الاعتداء

تحديد محل الاعتداء :

يقع الاعتداء في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة على الحق في سلامة الجسم ، ويفترض هذا الحق أن المجني عليه إنسان فلا تقع الجريمة على حيوان ، كذلك يفترض أن يكون الإنسان حياً .

وعلى النحو الذي تقدم بيانه فيما يتعلق بمحل الاعتداء في جريمة القتل، وعلى ذلك لا تقع جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة على جنين ، وإنما تحمى الجنين نصوص الإجهاض ، كذلك لا تقع هذه الجرائم على الجسم الذي فارقته الحياة .

ويقصد بالجسم الكيان الذي يؤدي الوظائف الحيوية وهو بهذا التحديد يشمل الجانبين : المادي والنفسي ، وعلى ذلك يستوي في الاعتداء على سلامة الجسم أن ينال مادته كعضو من أعضائه أو أن ينال الجانب العقلي أو النفسي ، فيعتبر اعتداء على سلامة الجسم إطلاق رصاصة بجوار المجني عليه ، أو وضع فوهة مسدس على صدره لتحدث له صدمة عصبية ، أو إعطاؤه مادة ضارة تسبب له الجنون أو الاكتئاب النفسي .

وحق الإنسان في سلامة جسمه له عناصر ثلاثة : أولاً : الحق في المحافظة على الوضع الصحي الذي عليه الجسم ، وعلى ذلك يعتبر اعتداء على هذا الحق كل فعل يهبط بالمستوى الصحى - البدني أو العقلي أو النفسي - للمجني عليه ، سواء ترتب عليه حدوث مرض لم يكن موجوداً من قبل أو تفاقم مرض كان يعاني منه، ثانياً : الحق في الاحتفاظ بكل أجزاء مادة الجسم سليمة ، فيعتبر اعتداء كل فعل ينقص منها أو يخل بتماسكها ، كبتر عضو من أعضائه ، أو إخراج جزء من دمه أو وخزه بإبرة أو إحداث فتحة فيه أو قص الشعر، ثالثاً : الحق في التمتع بإنعدام الإحساس بالألم ، وعلى ذلك يتحقق الاعتداء بكل فعل يؤدي إلى إشعار المجنى عليه بألم لم يكن موجوداً ، أو إلى زيادة قدر الألم الذي كان يعانيه ولو لم يترتب على ذلك الهبوط بمستواه الصحي أو المساس بمادة جسمه ، مثال ذلك صفعه على وجهه أو جذب شعره .

الركن المادي :

يقوم الركن المادي لجرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة على عناصر ثلاثة : الفعل والنتيجة وعلاقة السببية التي تربط بينهما. والفعل في هذه الجرائم هو كل سلوك من شأنه المساس بسلامة الجسم ، والنتيجة لا تثير صعوبة ، إذ تتمثل فيما يترتب على الفعل من مساس بحق المجني عليه في سلامة جسمه في عنصر أو أكثر من عناصره التي تقدم بيانها، كذلك لا صعوبة في علاقة السببية ، إذ يخضع تحديدها لذات الضابط الذي حددناه فيما يتعلق بجرائم القتل، فهى - على حد تعبير محكمة النقض - علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً ، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير .

( نقض 14 يونيو سنة 1966 مجموعة أحكام محكمة النقض س17 رقم 152 ص 806 ؛ ونقض 26 نوفمبر سنة 1973 س 24  رقم 220 ص 1072 ؛ ونقض 8 أبريل سنة 1974 - س 25 رقم 85 ص 395 ؛ ونقض 8 يناير سنة 1976 س 27 رقم 194 ص 858 ) .

على ذلك تتوافر علاقة السببية بين الفعل والنتيجة ولو ساهمت معه بعض العوامل المألوفة التي كان في إمكان الجاني ومن واجبه توقعها ، مثل إهمال العلاج والتراخي فيه، أو مرض المجني عليه السابق  أو حالته الصحية العامة .

ولكن هذه العلاقة تنقطع إذا تدخلت عوامل شاذة غير مألوفة ، تكون - لشذوذها - من غير الممكن وبالتالي من غير الواجب توقعها ، ومثالها اصطدام سيارة المجنى عليه أثناء نقله إلى المستشفى ، أو الخطأ الجسيم من الطبيب الذي تولى علاج المجنى عليه .

وقد حدد المشرع للفعل صوراً ثلاثة ، ويقتضى هذا التحديد أن نتناول بشيء من التفصيل دراسة كل صورة من هذه الصور .

 الصور التي يتخذها فعل الاعتداء :

يتخذ الفعل المكون للركن المادي في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة - وفقاً للتحديد التشریعی - إحدى صور ثلاث هي الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة .

الجرح :

هو تمزيق جزء من أنسجة الجسم ، سواء أكان التمزيق سطحياً بالجلد ، أو عميقا ينال الأنسجة التي يغطيها الجلد ، أو الأعضاء أو الأجهزة الداخلية كالمعدة أو الكبد أو الرئة ، أو أحد الشرايين أو الأوردة أو الأعصاب أو العظام ، وسواء أن يكون التمزيق كبيراً كقطع بسكين أو أن يكون ضئيلاً کوخز بإبرة ، وسواء أن ينبثق منه الدم خارج الجلد ، أو ينتشر تحت الجلد فيبدو الجلد أزرق اللون ، أو أن يتوفق في عمق الجسم كتمزق في المعدة أو الأمعاء ، وسواء أن يكون التمزيق كلياً ببتر عضو من أعضاء المجني عليه كقطع يده أو أذنه أو ساقه ، أو أن يكون جزئياً يقتصر على جزء من أنسجة الجسم دون فصلها عنه ، ويدخل في هذا النطاق التسلخات والحروق كذلك يستوي أن يكون التمزيق مؤلماً للمجني عليه أو لا يكون كذلك ، فيتحقق الفعل ولو لم يشعر المجنى عليه بألم ، كما إذا كان مغمى عليه أو مخدراً ولا أهمية لكيفية تحقق الفعل ، فيستوي أن يقع التمزيق بدفع وسيلة الاعتداء نحو المجنى عليه ، أو بدفعه هو نحوها ، كذلك تستوى الوسائل التي تستعمل في التمزيق ، فقد يستعمل الجاني أحد أعضاء جسمه ، كركل المجني عليه بالقدم أو دفعه بقبضة اليد أو عضه ، وقد يستعمل أداة كسلاح أو آلة قاطعة أو راضة أو واخزة ، كالسكين والعصا والحجارة والإبرة وقد يستخدم حيواناً كان يحرش كلباً على عقر المجني عليه كما قد يستعين بقوة طبيعية كتسليط أشعة حارقة أو تيار كهربائي على المجنى عليه ویستوی أخيراً أن يكون الاعتداء مباشرة أو غير مباشر ، فيقع الفعل إذا كلف المجنى عليه بالمرور في طريق به حفرة فوقع فيها .

الضرب :

الضرب هو كل ضغط يقع على جسم المجنى عليه دون أن يمزقه ولو لم يترتب على الضغط آثار کاحمرار الجلد أو ينشأ عنه مرض أو عجز .

ويتحقق الضغط بأي وسيلة ، فقد يستخدم الجاني أحد أعضائه كالركل بالقدم أو الدفع بقبضة اليد أو الصفع باليد أو صدم رأس المجني عليه بالأرض أو بالحائط ، وقد يستخدم أداة كعصا أو حذاء ويستوي في الضرب أن يسبب ألماً للمجني عليه أو لا يسبب له ذلك ، فتقع الجريمة إذا مس الاعتداء جسم مغمى عليه أو مخدر دون أن يمزق أنسجته .

ويكفي لوقوع الاعتداء أن تقع ضربة واحدة ، وإن كان النص قد استعمل صيغة الجمع فذكر في المادتين 241 ، 242 من قانون العقوبات لفظی ضربات ، وجروح .

ولما كانت الضربة الواحدة تكفي ، وكانت أي وسيلة اعتداء تقع بها الجريمة ، كما أن الضرب يخضع للعقاب ولو لم يترك أثرا ، فإن محكمة الموضوع لا تلزم بأن تبين عدد الضربات ، ولا أن تذكر نوع الأداة - إذا استعملت ولا أن تبين موضع الإصابة أو درجة جسامتها .

واعتبر المشرع إعطاء المواد الضارة صورة من صور الاعتداء على سلامة الجسم إذا نشأ عن ذلك مرض أو عجز وقتی عن العمل وقد عبر المشرع عن هذه المواد في المادة 265 من قانون العقوبات بقوله «كل من أعطى عمداً لشخص جواهر غير قاتلة .. إلخ»، ويدل ظاهر النص على أن المشرع يخرج من نطاق المواد القاتلة أي السامة ، والواقع أن المواد الضارة يدخل في نطاقها المواد السامة ، إذ تعتبر المادة السامة مادة ضارة ، وتتوقف مسئولية معطى المادة السامة على القصد الجنائي الذي توافر لديه، فإذا توافر لديه قصد إزهاق روح المجنى عليه فإنه يسأل عن جريمة تسميم أو شروع فيه ، وفقاً لتحقق الوفاة أو عدم تحققها كنتيجة لتناول المادة السامة ، وتقتصر مسئوليته على جريمة إعطاء المواد الضارة إذا لم يقصد سوی المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، سواء كان يعتقد أن المادة ضارة فحسب ، أم كان على علم بأنها سامة ولكنه كان معتقداً أن الكمية المستعملة لا تحدث سوى الإيذاء ، دون الموت .

وتعتبر المادة ضارة إذا كانت تؤدي إلى الإخلال بالوضع الصحي - البدني أو النفسي أو العقلي – للمجني عليه والعبرة في ذلك ليس بالأثر الوقتي للمادة وإنما بالأثر النهائي المترتب على تناولها  فلا تقع الجريمة إذا ترتب على إعطاء المادة اضطراب وقتي في الوظائف الحيوية لجسم المجنى عليه ثم انتهى ذلك بتحسن في صحته أو ببقائها على ما كانت عليه ويجب أن يراعى في تحديد طبيعة المادة الظروف المختلفة التي أعطيت فيها ، کسن المجني عليه أو جنسه أو حالته الصحية وكمية المادة المستعملة ويستوي في المادة المستعملة أن تكون ذات طبيعة سائلة أو صلبة أو غازية .

ويقصد بفعل «الإعطاء» في جريمة إعطاء المواد الضارة كل سلوك يقيم به الجاني الصلة بين المادة وجسم المجنى عليه ، سواء تم ذلك عن طريق الجاني نفسه ، كأن يضع المادة الضارة في طعام المجنى عليه أو شرابه ، أو عن طريق المجنى عليه ، كما لو سلمها له الجاني ليتناولها بنفسه ، أو عن طريق شخص ثالث ، سواء كان حسن النية أو سيء النية كذلك يستوي أن يكون المجني عليه عالما بكون المادة ضارة فتناولها ابتغاء التخلص من التزام أو للحصول على إعانة ، أو كان يجهل ذلك ، كما يستوي أن يتناولها المجني عليه مكرها أو بمحض اختياره وأخيراً تستوي وسيلة إعطاء المادة الضارة ، فقد يكون ذلك عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق أو امتصاص مسام الجلد ، أو الحقن أو التقطير في الأذن أو العين .

القصد الجنائي

عناصر القصد :

القصد المتطلب لقيام جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة هو قصد عام يقوم على عنصري الإرادة والعلم : إرادة ارتكاب الفعل وإرادة تحقيق نتيجته ، والعلم المحيط بعناصر الجريمة وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض بقولها : « جريمة إحداث الجروح عمداً لا تتطلب غير القصد الجنائي العام ، وهو يتوفر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ».

العلم :

يجب أن يكون الجاني عالماً وقت ارتكاب الفعل بأن فعله يقع على جسم إنسان حي ، فلا يتوافر القصد إذا اعتقد الفاعل أنه يوجه فعله إلى جثة ثم تبين أن المجني عليه كان مغمى عليه ولا يزال على قيد الحياة ، وإذا أطلق النار على شيء اعتقد أنه حيوان يريد أن يصطاده فإذا به إنسان يصيبه الرصاص بجراح .

كذلك يجب أن يكون الجاني عالماً بأن من شأن فعله المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فينتفى القصد إذا أعطى الجاني المجنى عليه مادة يعتقد أنها الدواء الذي يتناوله فإذا بها مادة ضارة .

وينبغي أخيراً أن يتوقع الفاعل أن يترتب على فعله مساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فإذا انتفى هذا التوقع تخلف القصد الجنائي ، فمن أعد لآخر کوباً به دواء کی يستعمله كمضمضة، فإذا به يبتلعه لا يتوافر لديه القصد ، وإن أمكن أن ينسب إليه الخطأ إذا كان في استطاعته توقع النتيجة .

الإرادة :

يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الفعل الذي قام به ، وإلى المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فإذا لم تتجه الإرادة إلى الفعل ، كما لو كان قد أكره على ضرب المجنى عليه أو جرحه أو إعطائه مادة ضارة انتفى القصد ، كذلك ينتفي القصد ولو اتجهت الإرادة إلى الفعل إذا كانت لم تتجه إلى تحقيق النتيجة وهي المساس بسلامة جسم المجني عليه ، سواء لأن الفاعل لم يتوقع هذه النتيجة إطلاقاً ، أو لأنه مع توقعه حدوث النتيجة كان يأمل ألا تقع ، وعلى ذلك لا يتوافر القصد لدى من يطلق الرصاص ابتهاجاً أو اصطياداً فيصيب شخصاً بجراح ، أو من يقذف كلبا بحجر فيصيب أحد الأطفال ، أو من يمرر مروداً بعين شخص للتطهير فيترتب على ذلك إحداث جرح له بالعين وإذا كان القصد الجنائي يتخلف في هذه الحالات فإن ذلك لا يمنع من مساءلة المتهم عن جريمة غير عمدية إذا ثبت في حقه الخطأ .

أما إذا كان الجاني قد توقع النتيجة كأثر لفعله فقبل احتمال وقوعها ، فإنه يتوافر في حقه القصد الاحتمالي ، وهو يعدل القصد المباشر من حيث قيام المسئولية العمدية .

وإذا توافر للقصد الجنائي عنصراه : العلم والإرادة ، فإن ذلك يكفي لتحققه ، فلا يشترط بعد ذلك أن تتوافر نية الإضرار بالمجني عليه ، فالجاني يسأل عن جريمة عمدية ولو كانت نيته قد اتجهت إلى إنقاذ المجنى عليه من عدوه ، أو إلى شفائه من مرض ، إذ أن هذه النوايا لا تعدو أن تكون مجرد بواعث على ارتكاب الجريمة لا شأن لها بالقصد الجنائي .

لما كان القصد ركناً من أركان جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة العمدية ، فإنه يجب أن يبينه الحكم القاضي بالإدانة ، وإن كان لا يلزم أن يتحدث عنه صراحة ، بل يكفي أن يكون مفهوماً من عباراته أو من وقائع الدعوى التي أثبتها ولذلك قضت محكمة النقض بأن تعبير المحكمة بأن المتهم ضرب المجنى عليه يفيد حتماً أن الفعل الإيجابي الذي وقع منه قد صدر عن عمد .

وفاة المجنى عليه :

لا ترقي جريمة الضرب إلى درجة الجناية إلا إذا ترتب على فعل الجاني وفاة المجنى عليه ويجب أن تقع الوفاة فعلاً ، فلا يكفي لاعتبار الجريمة جناية أن يكون من شأن الفعل إحداث الوفاة إذا كان المجني عليه قد أسعف وأنقذت حياته ولكن إذا حدثت الوفاة فإنه يستوي أن تكون قد أعقبت الفعل مباشرة أو أن تكون قد تراخت فترة طويلة أو قصيرة ، طالما أنها كانت نتيجة للفعل ، أى توافرت صلة السببية بين الفعل والوفاة .

 القصد الجنائي :

القصد الجنائي هو صورة الركن المعنوي المتطلب لقيام جريمة الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى الموت ، وهو يخضع في تحديد عناصره للقواعد التي تقدم بيانها بصدد القصد الجنائي في  جرائم الضرب العمدية  فيجب أن يكون الجاني عالماً بأن من شأن فعله المساس بسلامة جسم إنسان حي ، ومتوقعاً هذا المساس ، وأن تتجه إرادته إلى الفعل وإلى نتيجته المتمثلة في المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، ويعني ذلك ألا تتجه إرادة الجاني إلى ما يجاوز هذه النتيجة ، وهو موت المجني عليه فالقصد الجنائي في جريمة الضرب المفضي إلى الموت يتضمن عنصراً سلبياً مقتضاه عدم اتجاه إرادة الجاني إلى إحداث الموت وفي ضوء هذا التحديد يمكن التمييز بين جرائم ثلاث يجمع بينها وحدة الأثر المترتب على الفعل وهو وفاة المجنى عليه ، ومع ذلك تختلف الجريمة وبالتالي المسئولية عنها وفقاً لاختلاف اتجاه إرادة الجاني .

فإذا اتجهت إرادة الجاني إلى إحداث وفاة المجنى عليه ، كنا بصدد جريمة قتل عمدية .

وإذا اتجهت إلى مجرد المساس بسلامة جسم المجنى عليه دون وفاته ، قامت جريمة الضرب المفضي إلى الموت .

وإذا لم تتجه الإرادة لا إلى إحداث الوفاة ولا إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه وإنما إلى نتيجة مشروعة ، ومع ذلك حدثت الوفاة كأثر التوجيه الجاني إرادته إلى هذه النتيجة توجيهاً خاطئاً ، قامت جريمة القتل غير العمدي .

العقوبة :

يقرر المشرع لجريمة الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة الذي يفضي إلى الموت عقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع . ويشدد العقاب إذا ارتكبت الجريمة المذكورة مع سبق الإصرار أو الترصد ليصبح السجن المشدد أو السجن ، أي السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة .

والشروع غير متصور في هذه الجريمة إذ يتطلب إتجاه قصد الجاني إلى النتيجة الإجرامية وهي في الجريمة محل البحث وفاة المجنى عليه ، وهو أمر لا يتطلب في هذه الجريمة وإلا كنا بصدد جريمة أخرى هي القتل العمدي . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة : 469 )

جريمة الضرب المفضي إلى الموت :

عاقبت المادة 236 عقوبات كل من جرح أو ضرب أحداً عمداً أو أعطى مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أدى إلى الموت، وتتميز هذه الجريمة بأمرين : الوفاة، واتجاه قصد الجاني إلى الضرب وما في حكمه دون الموت .

الوفاة :

لكل ركن مادي للجريمة نتيجة، ولكن الركن المادي في هذه الجريمة له نتيجتان : نتيجة بسيطة مباشرة ونتيجة جسيمة غير مباشرة وتعد الوفاة هي النتيجة الجسيمة غير المباشرة الواجب توافرها لوقوع هذه الجريمة، أما النتيجة البسيطة المباشرة فهي الجرح أو الضرب أو الأذى المترتب على إعطاء المواد الضارة .

وإذ يتعين وفاة المجني عليه كنتيجة للجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة ، فلا عبرة بتاريخ حدوث الوفاة، ويستوي حصولها عقب الفعل مباشرة أو بعد مدة من الزمن طالت أو قصرت وكل ما يشترط هو توافر علاقة السببية بين الضرب والوفاة.

ووفقاً لما استقر عليه قضاء محكمة النقض ، يكون المتهم مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله والنتيجة .

القصد الجنائي :

هذه الجريمة عمدية، ويتوافر القصد الجنائي بتعمد الجاني فعل الضرب وهو يعلم أنه يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته (النتيجة البسيطة)، ويجب ألا يتجه القصد الجنائي فيها إلى إحداث النتيجة الجسيمة، وهي الوفاة، وإلا أصبحت الجريمة قتلاً عمداً، وكل ما يشترط هو أن يتجه قصد الجاني إلى إحداث الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة، سواء في صورته البسيطة أو المشددة (ومنها العاهة المستديمة)، وتحديد القصد على هذا النحو من الأهمية بمكان لما ينطوي عليه من وضع معيار فاصل بين هذه الجناية وجناية القتل العمد .

ويتعين أيضاً عدم الخلط بين هذه الجناية وجنحة القتل الخطأ، فبينما لابد من توافر القصد نحو ارتكاب الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة لوقوع جناية الضرب المفضي إلى الموت، فإنه إذا لم توافر هذا القصد كما إذا أطلق الجاني عياراً نارياً للإرهاب فأصاب المجني عليه وأودى بحياته، أو أطلق عياراً نارياً ابتهاجاً بالإحتفال بمناسبة سعيدة - يقع خطأ غير عمدي تتوافر به جنحة القتل الخطأ .

والواقع من الأمر أن هذه الجريمة هي من الجرائم المتعدية القصد، بمعنى أنها تقع بحصول نتيجة جسيمة (الموت) لم يتجه إليها قصد الجاني ولكن اتحه قصده إلى إحداث نتيجة بسيطة سابقة عليها .

ويتميز القصد الجنائي في هذه الجريمة بما يأتي :

1- يتجه إلى وقوع النتيجة البسيطة (الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة) .

2- لا يتجه إلى وقوع النتيجة الجسيمة (الموت) .

العقوبة :

يعاقب على هذه الجريمة بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث إلى سبع سنوات. فإذا سبق ذلك إصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن .

وتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي، فإذا كانت مقترنة بسبق إصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد .

ولا يتصور الشروع في هذه الجريمة لأن الشروع يقتضي قصد إحداث النتيجة الجسيمة (الموت)، وهو ما لا يجوز في هذه الجريمة، لأنه إذا اتجه قصد الجاني إلى إحداث الموت أصبحت الجريمة شروعاً في قتل عمد، هذا بخلاف الحال في الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، لأنه يستوي في نظر القانون توافر القصد المباشر لإحداث العاهة أو مجرد القصد المتعدي هذا إلى جانب أنه لا يتحقق الشروع في هذه الجريمة إذا شرع الجاني في الضرب فأدى ذلك إلى الوفاة، كما لو هم شخص بضرب آخر في تقهقر إلى الوراء ليتفادى الضرب فسقط في حفرة ومات، وذلك لأن القانون لم ينص على عقاب الشروع في جنحة الضرب .

ونرى أنه في هذه الحالة يعاقب الجاني عن قتل خطأ، لأن شروعه في ضرب المجني عليه وإن لم يعاقب عليه في حد ذاته يعد سلوكاً خاطئاً وقد أدى إلى الوفاة . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة : 169 )

القتل المتعدى القصد :

والركن المادي لهذه الجريمة يقوم على سلوك الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة الذي يؤدي إلى الوفاة، كما يقوم الركن المعنوي على إرادة السلوك دون النتيجة المتمثلة في الوفاة، ولذلك فقد درج معظم الفقه على معالجة هذه الجريمة في باب جنايات الضرب والجرح .

والحقيقية هي أن هذه الجريمة تشكل نموذجاً مستقلاً عن جناية القتل العمد وعن جرائم الضرب والجرح وإن اشتركت مع كل منهما في جزء من أركانها، فالركن المادي فيها يتفق مع الركن المادي لجريمة القتل ويختلف الركن المعنوي فيها عن ذلك المتطلب للقتل العمد .

وبالنسبة لجرائم الضرب والجرح فإن الركن المعنوي يتفق والركن المعنوي المقرر للقتل المتعدي يتفق في جزء منه والركن المعنوي المتطلب للضرب والجرح، ويختلف في جزء آخر، كما سنرى، ومن أجل ذلك أفرد المشرع للقتل المتعدي نموذجاً تشريعياً مستقلاً عاقب عليه بعقوبة أقل جسامة من تلك المقررة للقتل العمد وأشد جسامة من تلك المقررة للضرب والجرح العمدي وأيضاً للقتل الخطأ .

 الركن المادي :

السلوك الإجرامي في جريمة القتل المتعدي القصد يقوم على أي فعل أو امتناع يتمثل في المساس بسلامة جسم إنسان حي، ويستوي أن يأخذ المساس شكل الضرب أو الجرح أو إعطاء مواد ضارة، ويدخل تحت المواد الضارة المواد السامة أيضاً مادمت لم يقصد بإعطائها تحقيق الوفاة .

ويلزم لاكتمال الركن المادي في الجريمة أن تتحقق وفاة المجني عليه نتيجة لسلوك الإيذاء المبدئي المتمثل في الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة .

فإذا لم تتحقق الوفاة فإننا نكون بصدد جريمة ضرب أو جرح أو إعطاء مواد ضارة ولا نكون بصدد شروع في القتل لانتفاء قصد الوفاة ولا بصدد شروع في جريمة القتل المتعدي إذ لا يتصور فيها الشروع لأن المشرع يفترض فيها انتفاء قصد القتل، حتى ولو كان الفعل من شأنه وفقاً لمجريات الأمور أن يؤدي إلى الوفاة .

ومتى حدثت الوفاة، فإنه يلزم توافر السببية بين الإيذاء البدني وبين الوفاة وتتوافر تلك الرابطة متى كانت الوفاة نتيجة محتملة للسلوك وفقاً للمجرى العادي للأمور، أي متى كان السلوك في الظروف التي بوشر فيها سواء السابقة والمعاصرة واللاحقة ويعتبر ملائماً لإحداث النتيجة، ولذلك تنقطع رابطة السببية بتدخل عوامل شاذة وغير مألوفة متى كانت كافية وحدها لإحداث النتيجة، ومثال ذلك من يضرب آخر فيحاول المجني عليه الهرب فيصطدم بسيارة صدمة تؤدي بحياته، كذلك تنقطع رابطة السببية إذا كانت الوفاة حدثت نتيجة محاولة المجني عليه تجسيم إصابته لتسوئ مركز المتهم، أما مجرد إهمال المجني عليه في العلاج ولو كان جسيماً فلا يقطع علاقة السببية، وجريمة القتل المتعدي في ذلك لا تفترق عن جريمة القتل العمدي، ومتى توافرت رابطة السببية فإن الركن المادي يتوافر مهما طال الزمن بين الإيذاء وبين الوفاة .

 الركن المعنوي :

إن الركن المعنوي في جريمة القتل المتعدي القصد له شكل خاص يختلف عن الركن المعنوي للقتل العمد، ويخضع لقواعد مختلفة عن الأحكام العامة للقصد الجنائي .

 ذلك أن جريمة القتل المتعدي القصد تتميز عن غيرها من الجرائم بأنها تشمل نتيجتين :

الأول : بسيطة وهي الإيذاء والمساس بسلامة الجسم .

والثانية : هي الوفاة ولكي يتوافر الركن المعنوي يلزم أن تتجه إرادة الجاني إلى النتيجة الأولى، أي يكون الإيذاء عمدياً، وألا تتجه إرادته إلى النتيجة الثانية وهي الوفاة، ولكن بصدد قتل عمدي .

ولذلك يطلق الفقه على الركن المعنوي في هذه الجريمة القصد المتعدي باعتبار أن النتيجة الثانية تتعدى قصد الجاني .

ولو طبقنا القواعد العامة للمسئولية الأدبية فإن الجاني ما كان ليسأل عن الوفاة إلا إذا توافر في حقه الخطأ غير العمدي وبالتالي يسأل عن قتل خطأ إلى جانب الإيذاء العمدي .

ولكن نظراً لأن الإيذاء العمدي هو الذي أدى إلى الوفاة فإن المشرع أراد أن يميز هذه الجريمة عن الإيذاء العمدي وعن القتل الخطأ وأفرد لها نموذجاً مستقلاً وهو القتل المتعدي القصد ومیزه أيضاً في العقوبة .

وقد ذهب بعض الفقه إلى أن يكون الركن المعنوي لجريمة القتل المتعدي القصد هو خليط من العمد والخطأ غير العمدي، ذلك أن الجاني يتوافر لديه القصد الجنائي بالنسبة للإيذاء ويتوافر لديه الخطأ غير العمدي بالنسبة للوفاة .

والواقع أن هذا الرأي وإن كان له وجاهته إلا أننا نرى خلافاً ذلك أن الجاني يسأل عن الوفاة استناداً إلى توافر رابطة السببية بين سلوكه وبين الوفاة دون أن يتطلب المشرع ثبوت وقوع خطأ من جانبه ولذلك فإن مسئولية الجاني عن الوفاة إنما تستند إلى المسئولية الموضوعية أو المادية والتي تقوم على علاقة السببية دون تطلب الخطأ غير العمدي .

وعلى ذلك فإنه يكفي لتوافر الركن المعنوي أن تتجه إرادة الجاني إلى المساس بسلامة الجسم مساساً يشكل إيذاءً بدنياً في صورة ضرب أو جرح أو بإعطاء مواد ضارة .

فإذا حدثت الوفاة نتيجة لذلك فإنه يحمل بها وفقاً لقواعد المسئولية الموضوعية والتي لا تكون إلا بنص صريح .

ومن أجل ذلك فإن جريمة القتل المتعدي هي من الجرائم المشددة بالنتيجة، والتي يشدد فيها المشرع عقوبة الجريمة الأولى التي اتجهت إليها الإرادة لتحقيق نتيجة أخرى لم تتجه إليها الإرادة .

 تعدد الجناة :

إذا تعدد الجناة في واقعة الضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي ترتب عليه الوفاة فإن مسئوليتهم الجنائية عن القتل المتعدي تتحدد وفقاً لقواعد المساهمة الجنائية .

فإذا توافرت المساهمة الجنائية الأصلية أو التبعية في حق الجناة جميعهم، فإنهم يسألون جميعاً عن القتل المتعدي سواء منهم من أحدث الإصابة التي أودت بحياة المجني عليه ومن ساهم في واقعة الاعتداء بأي سلوك ولو لم تحدث الوفاة بسببه .

كل ذلك وفقاً لقواعد المساهمة الجنائية التي تحمل المساهم بالنتائج المحتملة التي تقع من غيره من الفاعلين متى كانت متوقعة وفقاً للمجرى العادي للأمور .

أما إذا لم تتوافر المساهمة الجنائية بين الجناة وإنما توافقوا على الاعتداء دون أن يتفقوا عليه، فإن كلاً منهم يسأل في حدود ما حققته من سلوك وما نتج عنه من نتائج .

ولذلك يسأل عن القتل المتعدي من أحدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة، فإذا حدثت الوفاة بسبب راجع إلى مجموع الإصابات فإن كلاً منهم يسأل عن القتل المتعدي باعتبار أن سلوكه ساهم في إحداث الوفاة .

أما إذا لم يكن تحديد محدث الإصابة التي أودت بحياة المجني عليه، فإن القدر المتيقن في حق كل منهم هو الإيذاء العمدي .

العقوبة :

العقوبة المقررة للقتل المتعدي البسيط هي السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع .

وقد شدد المشرع العقوبة إذا كان الإيذاء العمدي المتمثل في الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة قد وقع مع سبق الإصرار أو الترصد، فإذا توافر سبق الإصرار أو الترصد بالنسبة للإيذاء العمدي وترتب عليه الوفاة فإن العقوبة تكون هي السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة :  82 )

الجرائم متعدية القصد :

وهذا النوع من الجرائم اعتد به المشرع فقط في نطاق جرائم الضرب والجرح دون غيرها فقد نصت المادة 236 عقوبات علي  أن «كل من جرح أو ضرب  أحدا عمداً أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك  قتلاً ولكنه أفضي إلى الموت يعاقب» كما تنص المادة 240  عقوبات على أن «كل من أحدث بغيره جرحاً أو ضرباً نشأ عنه قطع أو انفصال عضو أو فقد منفعته أو نشأ عنه كف البصر أو فقدان إحدى العينين أو نشأت عنه عاهة مستديمة يستحيل برؤها يعاقب....» فالضرب والجرح المفضي إلى موت أو عاهة هو صورة الجريمة متعدية القصد التي اعتد بها المشرع المصري في قانون العقوبات .

ومن النصين السابقين يستفاد أن الجريمة متعدية القصد تفترض تحقق أكثر من نتيجة للسلوك الإجرامي، الأولى هي تلك التي اتجهت إليها إرادة الجاني، أما الثانية فلم تتجه إليها إرادته وإنما يحمل بها اكتفاء برابطة السببية المادية وبين سلوكه .

وقد اختلف الفقه في أساس المسئولية عن النتيجة متعدية القصد والتي لم تتجه إليها الإرادة .

فالفقه السائد في مصر أن المسئولية تستند إلى القصد الاحتمالي باعتبار أن الشخص الذي يرتكب ضرباً أو جرحاً يجب عليه توقع جميع النتائج المحتملة بسبب المساس بسلامة الجسم. وهذا الرأي محل نظر فالمسئولية عن النتيجة المتجاوزة القصد يستحيل تأسيسها على القصد الاحتمالي الذي يتطلب التوقع الفعلي للنتيجة، بينما هنا لا يشترط توقع الجاني للعاهة أو الوفاة كما أن الجاني يسأل عن النتيجة المتجاوزة حتى لو توقعها بغض النظر عن قبوله أو عدم قبوله لها كذلك يلاحظ أن القصد الاحتمالي هو شكل من أشكال القصد الجنائي وبالتالي فالمسئولية في نطاقه هي عمدية، على حين أن المسئولية عن النتيجة المتجاوزة ليست عمدية وإلا لقرر المشرع للضرب المفضي إلى موت ذات العقوبة المعتمدة للقتل العمد، وهو ما لم ينص عليه وإنما نص على عقوبة مخففة في تلك الحالة .

بينما اتجه فريق آخر إلى اعتبار المسئولية عن النتيجة المتجاوزة مؤسسة على صورة خاصة من صور الموقف النفسي هي مختلطة بين العمد والخطأ غير العمدي .

وهذا الرأي بدوره محل جدل فالجريمة متعدية القصد تستلزم العمد بالنسبة للنتيجة الأولى ولا تستلزم توافر الخطأ غير العمدي بالنسبة للثانية متجاوزة القصد فالجاني يسأل عن النتيجة الثانية المتمثلة في العاهة أو الوفاة متى أثبت عدم وجود إهمال أو عدم احتياط أو أية صورة أخرى للخطأ وإنما تنتفي مسئوليته عن تلك النتيجة فقط إذا أثبت انقطاع رابطة السببية بين سلوكه وبينها ولعل الذي حدا بأنصار هذا الرأي إلى اعتناقه هو تفريد جوهر الخطأ في مكنة التوقع . وقد رأينا أن مكنة التوقع ليست هي جوهر الخطأ وإنما دليل لإثباته ولذلك فليس مقبولاً اعتبار النتيجة المتعدية للقصد غير عمدية حتى في صورة مخالفة القوانين واللوائح، لأن تلك المخالفة لا تشكل خطأ غير عمدي إلا بالنسبة للقوانين واللوائح التي تفرض احتياطات معينة منعاً لتحقق النتيجة الضارة .

ولذلك كله نرى أن أساس المسئولية في الجرائم متعدية القصد هو الارتباط السببي بين السلوك والنتيجة وتنتفي المسئولية بانتفاء رابطة السببية متى كانت النتيجة لا يمكن توقعها وفقاً للمجرى العادي للأمور . ( قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة : 399 )

أولاً : الركن المادي : إحداث الضرب أو الجرح أو إعطاء مادة ضارة :

تعريف الجروح  :

 لم يقصد بالجروح كل قطع في الجلد، أياً كان سببه، وأيا كانت جسامته، إذا حدث - من جسم خارجي، أي من أداة قاطعة كالسكين، أو راضة كعصا أو حجر، أو واخزة كإبرة أو أي سلاح مدبب .

ويعتبر جرحاً كذلك السحجات والجروح العضية، والسلخات والحروق، والكسور، لأنها كلها تمزقات في الجلد أو أنسجة الجسم الخارجية، كما يعتبر جرحاً الجروح الداخلية كتمزق الكلى والطحال .

 تعريف الضرب :

أما الضرب فيراد به كل تأثير يقع على جسم الإنسان ولا يشترط للعقاب عليه أن يحدث جرحاً أو يتخلف عنه أثر أو يستوجب علاجاً، كما لا يشترط أن يكون على درجة ما من الجسامة، فيعاقب على الضرب مهما كان بسيطاً .

وقد يقع الضرب على جسم المجني عليه بقبضة اليد أو بالركل بالقدم أو باللطم بالكف ويدخل في ذلك أيضاً الضغط على الأعضاء والصدم والجذب العنيف وقد يقع الضرب أيضاً بأداة راضة كعصا أو حجر، وما إلى ذلك .

أما إذا لم ينتج عن الفعل ما يعد ضرباً أو جرحاً فإن الفاعل لا يرتكب جريمة الضرب أو الجرح .

 إعطاء مادة ضارة :

جعل القانون إعطاء مادة ضارة في حكم الضرب والجروح ويتوافر الركن المادي في هذه الجريمة بتناول المجني عليه مادة ضارة .

وتعتبر المادة ضارة إذا كانت تحدث اضطراباً في وظائف أعضاء الجسم، والعبرة في ذلك بالنتيجة الأخيرة لتعاطي المادة لا بالأثر الوقتي الذي قد ينشأ عن تعاطيها، فقد ينشأ عن تعاطي المادة اضطراب وقتي في وظائف الأعضاء ثم ينتهي بنتيجة صحية مفيدة ويدل ظاهر النصوص على أن المادة المستعملة يجب أن تكون ضارة فقط فلا تكون من المواد السامة أو القاتلة، ولكن الواقع غير ذلك، فالضرب أو الجرح قد يحصل بألة أو أدلة قاتلة، والذي يميزه عن القتل العمد هو اتجاه قصد الجاني إلى مجرد المساس بسلامة جسم المجني عليه دون حياته، فكذلك الشأن في استعمال المواد الضارة، فإنه يعتبر في حكم الضرب أو الجرح ولو كانت المادة قاتلة أو سامة متى كان الجاني لا يقصد بها إزهاق الروح، وسواء كان الجاني يجهل حقيقة المادة معتقداً أنها ضارة فقط أو كان يعرف حقيقتها ولكنه اعتقد أن كمية السم التي قدمها تؤذي ولا تميت .

الركن المعنوي :

 عناصر القصد :

يتوافر القصد الجنائي في الضرب أو الجرح متى ارتكب الجاني فعل الضرب أو الجرح عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو بصحته أو إيلامه آلاماً خفيفة أو شديدة .

وطبقاً للقواعد العامة لا تنصرف إرادة الجاني إلى الفعل فقط وإنما إلى نتيجته أيضاً وهي الجرح أو الضرب، فإذا كان الجاني لم يتعمد إحداث الجرح فأتي فعلاً لا يترتب عليه عادة حصول الجرح ثم نشأ عن هذا الفعل جرح بسبب سوء العلاج أو بسبب آخر فلا يعتبر محدثاً لهذا الجرح عمداً، وكل ما يصح نسبته إليه في هذه الحالة هو أنه تسبب بخطئه في إحداث هذا الجرح .

ويتوافر القصد الجنائي في صورة إعطاء مادة ضارة إذا قصد الجاني المساس بصحة المجني عليه. وهذا يقتضي أولاً أن يكون الجاني عالماً بأن المادة التي يتناولها للمجني عليه أو يضعها تحت تصرفه من المواد الضارة، وثانياً أن يرمي بفعله إلى المساس بصحة المجني عليه، فإذا كان يجهل أن المادة ضارة أو مع علمه بحقيقتها لم يقصد المساس بصحة المجني عليه، بل علاجه مثلاً، فإن القصد الجنائي يكون منتفياً لديه .

ويتوافر القصد الجنائي أيضاً سواء كانت نية الفاعل محدودة بشخص معين أو لا، فمن يلقي حجزاً على جمع من الناس ويصيب أحدهم يعد مرتكب جريمة الضرب أو الجرح عمداً .

ولا يغير الغلط في شخص المجني عليه أو في شخصيته من قصد الجاني ولا من ماهية الفعل الجنائي الذي ارتكبه تحقيقاً لهذا القصد، فإذا رمی زید عمرو بحجر قاصداً إصابته فأخطأته الرمية وأصابت بكراً الذي كان يسير مصادفة بجواره، فإن مسئولية زيد عن إصابة بكر هي مسئوليته عن فعله الذي تعمد ارتكابه .

 بيان القصد :

القصد عنصر في الجريمة فيلزم بيانه في الحكم القاضي بالإدانة، ولكن لا يلزم التحدث عنه صراحة في الحكم، بل يكفي أن يكون مفهوماً من عباراته، فإذا كانت المحكمة قد أثبتت أن المتهم ضرب المجني عليه فذلك يفيد حتماً أن الفعل الإيجابي الذي وقع منه قد صدر عن عمد .

والذي يميز هذه الجريمة عن القتل عمداً هو إنعدام نية القتل، أما ما يميزها عن القتل خطأ فهو أنها تنشأ عن فعل جنائي متعمد موجه إلى المجني عليه، يتجه فيه قصد الجاني إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه، أما في جريمة القتل خطأ فإن الجاني لا تنصرف إرادته إلى المساس بحياة المجني عليه أو سلامة جسمه، وإنما تترتب الوفاة على توجيه إرادته توجيهاً خاطئاً .

ثالثاً : أن يفضي الضرب إلى موت :

نتيجة هذه الجريمة هو الموت، فلا بد من حصوله وإلا فلا محل لتطبيق المادة التي نحن بصددها ولو كان الفعل من شأنه إحداث الموت ولا يشترط لتطبيق المادة المذكورة أن يحصل الموت عقب الإصابة مباشرة بل تكون الجريمة ضرباً أفضى إلى موت ولو حدثت الوفاة بعد الإصابة بزمن طال أو قصر متى توافر شرط السببية .

وقد يحكم نهائياً على المتهم حال حياة المجني عليه بمقتضى مادة من مواد الجرح والضرب غير المادة التي نحن بصددها ثم يموت المجني عليه بسب الإصابة، وعندئذ تحول قوة الشيء المحكوم فيه دون تحديد محاكمته بمقتضى المادة التي نحن بصددها ولهذا يتعين التمهل في رفع الدعوى أو الحكم فيها حتى تتحدد نتيجة الضرب أو الجرح .

 رابطة السببية :

لا يشترط القانون في هذه الجريمة سوى القصد العادي في جنح الضرب والجروح، ولكن الفاعل يكون مسئولاً عن الموت متى كان نتيجة محتملة لفعله، فيجب أن يبين في الحكم الصادر بعقوبة في جريمة ضرب أفضى إلى موت إرتباط الوفاة بالضرب ارتباط المسبب بالسبب والمعلول بالعلة .

ولكن المتهم لا يمكن أن يسأل عن كل النتائج التي ترتبت على عمله مهما كانت بعيدة عنه وغير مباشرة، فهو لا يتحمل نتيجة الإهمال الجسيم أو المتعمد الذي يقع من المجني عليه أو نتيجة جهل الطبيب المعالج أو عدم كفاءته أو إتباعه طرق غير عادية في العلاج، إذ لا يمكن القول في هذه الأحوال أن الإصابة كانت هي سبب النتيجة، لأن العوامل الأخرى أقوى أثر، وأظهر فعلاً .

 تعدد الجناة :

 أولاً : في حالة إذا لم يكن هناك إشتراك في ارتكاب الجريمة :

 (أ) إذا تعدد الجناة دون إتفاق بينهم، وثبت أن الوفاة راجعة إلى ضربة واحدة عرف محدثها، سئل هذا وحده عن ضرب أفضى إلى موت، وسئل الباقون كل عما أحدثه من جروح أو ضربات حسب جسامتها .

 (ب) في الفرض السابق إذا لم يعرف محدث الضربة التي نشأت عنها الوفاة قيدت الجناية ضد مجهول، وقيدت الحادثة جنحة فقط من يثبت أنه أحدث جروحاً أو ضربات بالمجني عليه .

(ج) إذا ثبت أن الوفاة راجعة إلى مجموع الضربات التي أحدثها المتهمون، لا إلى ضربة واحدة دون باقي الضربات، سئل جميع المتهمين بالمادة التي نحن بصددها، بدون حاجة إلى تحديد محدث كل ضربة، لأن كلاً قد ارتكب جزءاً من الأفعال المكونة للجريمة .

 ثانياً : حالة وجود اشتراك بين المتهمين :

 (أ) إذا وجد اتفاق بين عدة فاعلين أصليين سئلوا جميعاً بداهة عن ضرب أفضى إلى موت إذا كانت الوفاة راجعة لمجموع ضرباتهم، وسئلوا كذلك بالمادة التي نحن بصددها ولو كانت الوفاة راجعة لضربة واحدة لا لمجموع الضربات، سواء عرف محدث تلك الضربة أم لم يعرف .

 (ب) وإذا كان الجناة فاعلين وشركاء، سئل الشركاء عن نتائج الضرب أياً كانت طريقة الإشتراك، وسواء أكانوا حاضرين في محل الحادثة أم غائبين عنها .

العقوبة :

الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات في غير حالة سبق الإصرار أو الترصد، وترفع العقوبة في هاتين الحالتين إلى السجن المشدد أو السجن . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث،  الصفحة : 411 )

المقصود بالجرح :

الجرح هو تمزيق مادة الجسم وشق أنسجته فالجسم مجموعة من الخلايا متجاورة ومتلاحقة بدقة بالغة والجرح يفصم هذا التلاحم ويباعد ما بين الخلايا والجروح أنواعها منها السطحي والعميق ومنها الضيق والعريض وقد يكتفي الجاني بشق نسيج الجسم کوخزة بإبرة أو طعنة بسكين وقد يتجاوز ذلك إلى نزع جزء منه كما في التسلخات أو إلى إتلافه كما في الحروق وقد يستأصل عضواً بأكمله كما في البتر وقد يكون الجرح خارجياً وذلك هو المألوف وقد يكون داخلياً كالكدمات وتهتك بعض الأعضاء الداخلية كالحجاب الحاجز والكبد والمعدة والأمعاء .

وليس من شروط الجرح أن ينزف دماً فكسور العظام جراح لأنها تنطوى على فصم وحدتها وفض تلاحمها والأسنان عظام ولذلك يدخل کسرها في باب الجروح .

وغني عن البيان أن تستوي وسيلة التمزيق فقد تستعمل آلة أو مادة وقد يقتصر الجاني على استعمال أعضاء جسمه كالجرح عن طريق العض أو نشب الأظافر أو مجرد الجذب وقد تكون الآلة قاطعة أو راضه أو واخزة بل أنها قد تكون تياراً كهربائياً يوصله إلى جسم المجني عليه فيصعقه أو يصيبه بأذى أو حيواناً يسخره الجاني لذلك .

 المقصود بالضرب :

المقصود بالضرب كل اعتداء لاينشأ عنه جرح وفيه مساس بسلامة الجسم وقد يترك أثراً كاحمرار الجلد أو الكدمات أو لا يترك أثراً مطلقاً كل ذلك يسمى في اصطلاح القانون ضرباً وعلى ذلك فالضرب يدخل فيه كل أثر يحدث بجسم الإنسان ناشئ عن استعمال أداء غير قاطعة كعصا ويوجد الضرب، ولو لم يترك وراءه أثراً ظاهراً من كدم أو احتقان أو غيرهما وهو بمعناه الواسع يدخل فيه كل صور الصدم والجذب العنيف والضغط على الأعضاء والحنق وضربة واحدة كافية وقد يكون الضرب بغیر استعمال أداة خاصة كاللطم بالكفوف أو بجمع اليد أو الضرب بالقدم .

إعطاء مواد ضارة :

المادة الضارة هي كل مادة من شأنها إلحاق الضرر بالإنسان في ظروف معينة وهذه الصفة أمر نسبي فليست هناك مادة ضارة وأخرى نافعة بصفة مجردة وإنما الضرر والنفع من خصائص المواد جميعاً ويتوقف الحكم على المادة بأنها ضارة أو نافعة على ظروف اتصالها بالإنسان ويدخل في ذلك مقدار المادة وطريقة تناولها واختلاطها بغيرها من المواد وسن من قدمت إليه وحالته الصحيحة وقد قيل بأن المادة تعتبر ضارة إذا كانت تحدث اضطراباً في حالة الجسم الصحيحة والعبرة في ذلك بالنتيجة الأخيرة لتعاطي المادة لا بالأثر الوقتي الذي قد ينشأ عن تعاطيها فقد يتسبب عن تعاطي الجواهر أعراض سيئة في مبدأ الأمر ولكنها تنتهي بفائدة صحيحة على غير إرادة الجاني فلا يعاقب في هذه الحالة ولو كان سيئ القصد .

ويدل ظاهر النصوص على أن المادة المستعملة يجب أن تكون ضارة فقط فلا تكون من المواد السامة أو القاتلة ولكن الواقع غير ذلك فالضرب أو الجرح قد يحصل بألة أو أداة قاتلة والذي يميزه عن القتل العمد هو اتجاه قصد الجاني إلى مجرد المساس بسلامة جسم المجني عليه دون حياته وكذا الشأن في استعمال المواد الضارة فإنه يعتبر في حكم الضرب ولو كانت المادة قاتلة أو سامة متى كان الجاني لايقصد بها إزهاق الروح وسواء كان الجاني يجهل حقيقة المادة معتقداً أنها ضارة فقط أو كان يعرف حقيقتها ولكنه اعتقد أن كمية السم التي قدمها تؤذي ولا تميت ويشترط لتمام الجريمة أن تكون المادة التي أعطيت قد ينشأ عنها فعلاً مرض أو عجز وقتی عن العمل وهو النتيجة التي يعاقب عليها القانون في هذه الجريمة .

أركان الجريمة :

أولاً : الركن المادي :

 أ) - السلوك :

الفعل المادي المكون لهذا الجناية هو إما ضرب وإما جرح وإما إعطاء المادة ضارة ينشأ عنه موت المجنى عليه فلا يتحقق الركن المادي للجناية إلا بوفاة المجني عليه من أثر أحد تلك الأفعال الثلاثة وإلا اقتصرت الجريمة على جنحة الضرب أو الجرح أو إعطاء المادة الضارة ومن أجل ذلك يتعين قبل تقديم الفاعل لجنحة من هذه الجنح إلى المحاكمة انتظار النتيجة النهائية لعلاج المجنى عليه من الإصابة التي لحقت به حتى يعدل وصف التهمة من جنحة إلى جناية إذا انتهت هذه الإصابة بالوفاة .

 ب) - رابطة السببية :

يجب أن توجد علاقة السببية بين الفعل المادي وبين الوفاة فإذا كان الضرب هو الذي ساعد مع عوامل أخرى مادية مألوفة على إحداث الموت كان سبباً كافياً لمسئولية المتهم عن الضرب المفضي إلى الموت سواء في ذلك حصل الموت على أثر الإصابة بوقت قصيرة أو تراخي الزمن بين الإصابة والوفاة مادام الثابت أن الوفاة نتيجة مباشرة من الجرح أو الضرب أو من إعطاء المادة الضارة أو تسببت عن المضاعفات التي أعقبته ومتی استقامت رابطة السببية بين الفعل والنتيجة فيسأل الجاني عن وفاة المصاب ولا يسمع دفاعه بأنه لم يرد موت المجنى عليه فهو مسئول عما سببه بفعله وإذا لم يكن يتوقع الحدث الذي حدث فقد كان من الواجب أن يتوقع أن تفضي الإصابة إليه .

ولكن المتهم لا يمكن أن يسأل عن كل النتائج التي ترتبت على عمله مهما كانت بعيدة عنه وغيرها مباشرة فلا يصح مطلقاً أن يتحمل المتهم نتيجة الإهمال الجسيم أو المتعمد الذي يقع من المجني عليه عقب الإصابة ولاسيما إذا كانت الإصابة في أول الأمر خفيفة ولم يؤد إلى اشتدادها سوى تفريط المجنى عليه الظاهر أو تقصيره الفاحش كذلك لايصح أن يتحمل المتهم نتائج جهل الطبيب المعالج أو عدم كفاءته أو إتباعه طرقاً غير قانونية في العلاج إذ لا يمكن في هذه الأحوال القول بأن الإصابة كانت هي سبب النتيجة لأن العوامل الأخرى أقوى أثراً وأظهر فعلاً وبمقدار جسامة إهمال المجني عليه أو جهل الطبيب المعالج تتضاءل قيمة الإصابة في ذاتها وتضعف رابطة السببية التي تربطها بالنتيجة ومما تنبغي ملاحظته أن السببية في القانون الجنائي هي مسألة موضوعية بحتة لقاضي الموضوع تقديرها بما يقوم لديه من الدلائل ومتی فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه اللهم إلا من حيث الفصل في أن أمراً معيناً يصح قانوناً لأن يكون سبباً لنتيجة أو لا يصح .

 ثانياً : القصد الجنائي :

ليس القصد الجنائي أو الركن المعنوي في جناية الضرب أو الجرح المفضي إلى موت هو قصد إحداث الوفاة وإلا كانت الجريمة جناية قتل عمداً فهذا الركن هو قصد الضرب أو الجرح أو إعطاء المادة الضارة أي قصد المساس بسلامة جسم المجني عليه وحيث لايكون هذا القصد متوافراً وينشأ عن سلوك الفاعل ضرب أو جرح أو موت يعد الفاعل مرتكباً على التوالي لضرب أو جرح خطأ لا لضرب أو جرح أفضى إلى موت .

جناية الضرب أو الجرح المفضي إلى الموت يلزم لتوافرها إذن أن يقوم لدى الفاعل قصد إيذاء المجنى عليه بالضرب أو الجرح أو إعطاء المادة الضارة فيترتب على ذلك الإيذاء موت المجنى عليه بغير أن يكون هذا الموت مقصوداً ومفاد ذلك أن الوفاة التي يسأل عنها الفاعل رغم أنه لم يقصدها مفروض فيها أن سلوكه كان هو السبب القانوني لها لأنه كان يتضمن خطرها .

ولا ينفي " الغلط في الشخصية " أو " الحيدة عن الهدف " قيام القصد الجنائي فالقانون يحمي الحق في سلامة الجسم وصحته لكافة الناس مادام الجاني يعلم بأنه يعتدي على سلامة " إنسان" وقد وقع الاعتداء فعلاً على "إنسان" فلا أهمية بعد ذلك للغلط الواقع منه في الأوصاف التي تميز هذا الشخص عن ذاك لأنه غلط يتعلق بأمور زائدة عن القدر الذي يرعاه القانون ولنفس السبب فإن القصد لايعتبر" غير محدود " كما يقول جانب من الفقه إذا كان الشخص يعلم أن نشاطه يصيب الأذي حق أناس في سلامة أجسامهم أو صحتهم ولكنه لا يعلم مقدماً بأشخاص ضحاياه كمن يضع مادة ضارة بالصحة في مياه بئر يردها أهل قرية فمثل هذا الشخص لديه العلم بأن نشاطه سيؤدي إلى الإضرار بسلامة إنسان أو عدد من الناس وهذا كل ما يلزم لقيام القصد وتحديده ومتى توفر القصد فلا تؤثر فيه البواعث الدافعة إلى الفعل ولا الغايات التي يهدف إليها الجاني فيستوي أن يكون مدفوعاً بباعث الانتقام أو بباعث الشفقة وأن تكون غايته إيذاء المعتدى عليه أو الرغبة في علاجه إذا لا شأن لكل ذلك في جود القصد أو انتفائه .

لاعقاب على الشروع في جرائم الجرح والضرب المفضي إلى الموت :

لا يوجد نص خاص في القانون يعاقب على الشروع في جرائم الجرح والضرب وهذا الحكم ينطبق أيضاً على جرائم الجرح والضرب المقترنة بظروف مشددة تجعلها في عداد الجنايات " وهي الجرائم المنصوص عليها في المادتين 236، 240 عقوبات " لأن هذه الجرائم لاتوجد إلا إذا نشأ عنها الموت أو عاهة مستديمة أي أن صفتها الجنائية تتوقف على شرط يستلزم حتماً تمام الجريمة .

 تعدد الجناة :

قد يتعدد الفاعلون في الضرب أو الجرح الذي أفضى إلى موت وعندئذ تبدو الصعوبة في تحديد مسئولية كل منهم عن هذا الموت ولتذليل هذه الصعوبة يتعين التمييز بين ما إذا كان بينهم اتفاق سابق على الضرب أو الجرح وبين ما إذا لم يكن بينهم هذا الاتفاق فالاتفاق السابق بين الفاعلين يجعل كل منهم مسئولاً عن الوفاة الحادثة أيا كان الضرب أو الجرح الواقع منه ولو تعذر تعيين من منهم الفاعل الذي نشأت الوفاة من ضربته .

أما إذا لم يكن بين الفاعلين اتفاق سابق فلا يعد مرتكباً لضرب أو جرح أفضى إلى موت إلا من تسبب في الوفاة بالضرب أو بالجرح الواقع منه فيتعين تحديد من كان صاحب الضربة التي أحدثت الوفاة أو التي ساهمت على الأقل في إحداثها حتى يسأل دون سواه عن هذه الوفاة فإذا تعذر تعيينه عد جميع الفاعلين مسئولين عن ضرب أو جرح عادي أخذاً بالقدر المتيقن في حق كل منهم . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،  الصفحة : 303 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 252 ، 253

( مادة 514 ) :

يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من إعتدى عمداً على سلامة جسم إنسان بإعطائه مادة ضارة أو مخدرة ، أو بضربه ، أو بإحداث جرح به ، أو بأية وسيلة أخرى ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الفعل أفضى إلى موته . 

 

وتكون العقوبة السجن المؤقت ، إذا توافر أي من ظرفي سبق الإصرار أو الترصد ، أو أحد الظروف المشار إليها في البنود الثلاثة الأولى من المادة (512) من هذا القانون . 

( مادة 515 ) :

يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات ، إذا ترتب على الإعتداء المشار إليه في المادة السابقة عاهة مستديمة . 

وتكون العقوبة السجن المؤقت إذا تعمد الجاني إحداث العاهة ، أو توافر أي من الظروف المشار إليها في البنود الثلاثة الأولى من المادة (512) من هذا القانون . 

وتتوافر العاهة المستديمة إذا ترتب على الإصابة قطع أو إنفصال أو بتر جزء منه ، أو فقد منفعته أو نقصانها ، أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائمة . 

 

ويعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله . 

(مادة 516) :

 يعاقب بالحبس على الإعتداء المشار إليه في المادتين السابقتين في الحالات التالية :

 1- إذا ترتب على الإعتداء مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوماً . 

2- إذا كان الإعتداء على حبلى ، وترتب عليه إجهاضها . 

3- إذا كانت وسيلة الإعتداء آلة أو أداة أو مادة مفرقعة أو حارقة أو مخدرة أو ضارة بالصحة . 

 

4- إذا وقع الإعتداء من خمسة أشخاص على الأقل توافقوا عليه وتضاعف العقوبة إذا توافر أي من ظرفي سبق الإصرار والترصد . 

الجرائم الواقعة على الأشخاص 

الفصل الأول 

المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه 

المواد من (510) - (529) : 

أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي : 

١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب،  أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) . 

وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة . 

2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة . 

3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح . 

4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع . 

والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل . 

5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .

6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .

7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر . 

واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .

8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع . 

9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم . 

 

10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع . 

                                          الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 175

ضَرْبٌ

التَّعْرِيفُ :

1 - يُطْلَقُ الضَّرْبُ لُغَةً عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الإْصَابَةُ بِالْيَدِ أَوِ السَّوْطِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا، يُقَالُ: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِالسَّوْطِ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا: عَلاَهُ بِهِ، وَالسَّيْرُ فِي الأْرْضِ ابْتِغَاءَ الرِّزْقِ أَوِ الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَصِيَاغَةُ النُّقُودِ، وَطَبْعُهَا، وَتَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِالآْخَرِ  وَمَعَانٍ أُخْرَى، مِنْهَا ضَرْبُ الدُّفِّ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلضَّرْبِ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.

 الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - التَّأْدِيبُ :

2 - التَّأْدِيبُ مَصْدَرُ أَدَّبَهُ تَأْدِيبًا: إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ بِالضَّرْبِ، أَوْ بِغَيْرِهِ.

ب - التَّعْزِيرُ :

3 التَّعْزِيرُ : عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ أَوْ لآِدَمِيٍّ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ وَلاَ كَفَّارَةٌ غَالِبًا 

ج - الْقَتْلُ :

4 - الْقَتْلُ إِزْهَاقُ الرُّوحِ بِالضَّرْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

5 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الضَّرْبِ بِاخْتِلاَفِ الْمَعَانِي الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا :

فَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْيَدِ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ سَبَبِهِ، وَتَعْتَرِيهِ الأْحْكَامُ التَّالِيَةُ: فَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا، كَضَرْبِ الْبَرِيءِ، وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، كَضَرْبِ شَارِبِ الْمُسْكِرِ، وَالزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ لإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، وَضَرْبِ الْقَاذِفِ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ، بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَبِدُونِ طَلَبِهِ - أَيْضًا - عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَضَرْبِ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ، وَنَحْوِهَا.

وَتَارَةً يَكُونُ جَائِزًا كَضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ لِحَقِّهِ، كَالنُّشُوزِ وَغَيْرِهِ، وَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ لِلتَّعْلِيمِ، وَضَرْبِ السُّلْطَانَ مَنِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لاَ حَدَّ فِيهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (حُدُود ف 31، تَأْدِيب ف 8 تَعْزِير ف 14)

أَدَاةُ الضَّرْبِ :

6 لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الضَّرْبَ فِي الْحُدُودِ يَكُونُ بِالسَّوْطِ إِلاَّ حَدَّ الشُّرْبِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ بِالسَّوْطِ، كَمَا يُضْرَبُ أَيْضًا بِالنِّعَالِ وَالأْيْدِي وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ» .

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ السَّوْطُ، وَقَالُوا: يُفْهَمُ مِنْ إِطْلاَقِ الْجَلْدِ الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، «وَلأِنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَلْدٌ فِي الْخَمْرِ» . كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِجَلْدِ الزَّانِي، فَكَانَ بِالسَّوْطِ مِثْلَهُ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ضَرَبُوا بِالسَّوْطِ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.

أَمَّا الضَّرْبُ لِلتَّعْزِيرِ، أَوِ التَّأْدِيبِ فَيَكُونُ بِالسَّوْطِ وَالْيَدِ، وَأَمَّا ضَرْبُ الصَّبِيِّ فِي التَّأْدِيبِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِيَدٍ، وَلاَ يُجَاوِزُ ثَلاَثًا، وَكَذَا: الْمُعَلِّمُ وَالْوَصِيُّ  «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّكَ إِنْ ضَرَبْتَ فَوْقَ  ثَلاَثٍ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ» .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شُرْب، وَحُدُود ف 31، وَتَعْزِير ف 14 وَتَأْدِيب ف 8).

صِفَةُ سَوْطِ الضَّرْبِ :

7 - يَكُونُ سَوْطُ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَسَطًا بَيْنَ قَضِيبٍ، وَعَصًا، وَرَطْبٍ، وَيَابِسٍ، لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رَكِبَ بِهِ وَلاَنَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ».

وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ يَكُونُ وَسَطًا، لاَ شَدِيدًا فَيَقْتُلُ، وَلاَ ضَعِيفًا فَلاَ يَرْدَعُ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ تَأْدِيبُهُ، لاَ قَتْلُهُ .

كَيْفِيَّةُ الضَّرْبِ :

8 يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى الأْعْضَاءِ، فَلاَ يُجْمَعُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ، كَالْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ، وَالنَّحْرِ، وَالْفَرْجِ.

وَأَشَدُّ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ: ضَرْبُ الزَّانِي، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَشَدُّ الضَّرْبِ: ضَرْبُ التَّعْزِيرِ؛ لأِنَّهُ خُفِّفَ عَدَدًا فَلاَ يُخَفَّفُ وَصْفًا، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الزِّنَا لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ لِثُبُوتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ لِضَعْفِ سَبَبِهِ لاِحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ  وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّهَا وَاحِدٌ؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَأْنُهُ أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ أَمْرًا وَاحِدًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الزَّجْرُ فَيَجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الصِّفَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُود ف 31، وَتَعْزِير ف 14).

ضَرْبُ الزَّوْجَةِ :

9 - يَجِبُ فِي ضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِلنُّشُوزِ أَوْ لِغَيْرِهِ: أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلاَ مُدْمٍ، وَأَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ، وَالأْمَاكِنَ الْمُخِيفَةَ، وَلاَ يَضْرِبَهَا إِلاَّ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ كَالنُّشُوزِ، فَلاَ يَضْرِبُهَا لِحَقِّ اللَّهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَتَرْكِ الصَّلاَةِ.

(ر: نُشُوز ) .

ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ :

10 ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْمَنُوطَةِ بِالإْمَامِ فَلَيْسَ لِلأْفْرَادِ ضَرْبُهَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَخَاطِرِ الْغِشِّ، وَمَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَرَاهِم ف 7).

ضَرْبُ الدُّفِّ :

11 يَجُوزُ ضَرْبُ الدُّفِّ لِعُرْسٍ وَخِتَانٍ وَعِيدٍ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لإِِظْهَارِ الْفَرَحِ  لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ الدُّفُوفَ» .

وَعَنْ «عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأْنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟، فَإِنَّ الأْنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ»  وَحَدِيثُ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ»  «وَعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى: تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» .

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (لَهْو، وَلِيمَة، عُرْس). 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس عشر ، الصفحة /  122

قَتْلُ الْجَدَّةِ بِحَفِيدِهَا :

 يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ عَلَى وَالِدٍ يَقْتُلُ وَلَدَهُ، وَكَذَا الأْمُّ وَالأْجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ جِهَةِ الأْبِ أَمْ مِنْ جِهَةِ الأْمِّ، قَرُبُوا أَمْ بَعُدُوا.

 وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «لاَ يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ» وَالْجَدَّةُ وَالِدَةٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَاتَّفَقُوا مَعَ الْجُمْهُورِ فِيمَا لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ. أَمَّا إِنْ قَصَدَ قَتْلَ الاِبْنِ وَإِزْهَاقَ رُوحِهِ بِأَنْ أَضْجَعَهُ فَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيَجْرِي مَجْرَاهُ الأْجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والعشرون، الصفحة / 86

تَدَاخُلُ الدِّيَاتِ وَتَعَدُّدُهَا :

الأَصْلُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ وَإِتْلاَفِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَوْتِ. فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مَعًا وَلَمْ يَمُتِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ تَجِبُ دِيَتَانِ.

وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعَقْلَهُ وَجَبَ ثَلاَثُ دِيَاتٍ، وَهَكَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بِحَجَرٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ وَكَلاَمُهُ فَقَضَى فِيهِ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَهُوَ حَيٌّ؛ لأِنَّهُ أَذْهَبَ مَنَافِعَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دِيَةٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا كَمَا لَوْ أَذْهَبَهَا بِجِنَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.

أَمَّا إِذَا أَفَضَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْمَوْتِ فَتَتَدَاخَلُ دِيَاتُ الأْطْرَافِ وَالْمَعَانِي فِي دِيَةِ النَّفْسِ فَلاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الأْصْلِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَالُ وَكَانَتْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.

فَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْلَ الْبُرْءِ لاَ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَطَعَ سَائِرَ أَعْضَائِهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى الأْطْرَافِ إِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ مِنْهَا.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَتَدَاخَلُ الأْعْضَاءُ فِي مَنَافِعِهَا، وَالْمَنَافِعُ فِي الأْعْضَاءِ إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الْمَحَلِّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ بِدَفَعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَأَذْهَبَ شَمَّهُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا أَذْهَبَ بَصَرَهُ ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَيْهِ لاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَكَذَا. وَسَوَاءٌ أَحَصَلَتِ الْجِنَايَتَانِ مَعًا أَمْ بِالتَّرَاخِي بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ.

وَهَذَا إِذَا اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالأْطْرَافِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي الأْطْرَافِ بِالْقَطْعِ وَإِتْلاَفِ الْمَعَانِي فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْجِنَايَتَيْنِ انْدِمَالٌ.

وَإِذَا طَرَأَ الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَالُ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الأْطْرَافِ، أَوْ عَلَى طَرَفٍ وَمَعْنًى مِنْ نَفْسِ الطَّرَفِ تَتَعَدَّدُ الدِّيَاتُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَانْدَمَلَ ثُمَّ أَتْلَفَ شَمَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ. وَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ إِلَى النَّفْسِ وَانْدَمَلَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَهَكَذَا.

أَمَّا إِنِ اخْتَلَفَتِ الْجِنَايَةُ صِفَةً، بِأَنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَمْدًا وَالأْخْرَى خَطَأً، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْجِنَايَتَيْنِ وَاحِدًا، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى لَكِنَّهَا سَرَتْ إِلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفُرُوعٍ أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ، بَيَانُ ضَوَابِطِهِ فِيمَا يَلِي:

 يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً فَبَرِئَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالأْمْرَيْنِ جَمِيعًا.

جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ: الأْصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلأْوَّلِ لأِنَّ الْقَتْلَ فِي الأْعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الأْوَّلَيْنِ لاِخْتِلاَفِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَفِي الآْخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالإْجْمَاعِ لإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَقَالَ الْمُوصِلِيُّ الْحَنَفِيُّ: مَنْ شَجَّ رَجُلاً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ؛ لأِنَّ الْعَقْلَ إِذَا فَاتَ فَاتَتْ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الأْعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا شَجَّهُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَلأِنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ سَقَطَ الأْرْشُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ بِفَوَاتِ جَمِيعِ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ .

وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلاَمُهُ لَمْ تَدْخُلْ، وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ ذَلِكَ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ؛ وَلأِنَّ مَنْفَعَةَ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الأْعْضَاءِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لاَ تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأْعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلاَفِ الْعَقْلِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى جَمِيعِ الأْعْضَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلاَمِ دُونَ الْبَصَرِ؛ لأِنَّ السَّمْعَ وَالْكَلاَمَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَقْلِ، أَمَّا الْبَصَرُ فَأَمْرٌ ظَاهِرٌ فَلاَ يُلْتَحِقُ بِهِ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْجِنَايَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ، وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، دَخَلَ الأْقَلُّ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لاَ يَدْخُلُ، وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلأْوَّلِ الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الاِسْتِيفَاءُ، وَإِلاَّ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ لاَ يَدْخُلُ أَرْشُ الأْعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلاَ يَتَدَاخَلاَنِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ.

يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: تَتَعَدَّدُ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إِلاَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا، فَلَوْ ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَلَ قِيَامُهُ وَقُوَّةُ ذَكَرِهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ لَمْ يَنْدَرِجْ، وَوَجَبَتْ دِيَتَانِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَجَّ رَجُلاً مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَانِ بِجَانِبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.

أَمَّا إِذَا ذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِمَحَلِّهَا فَتَنْدَرِجُ الْجِنَايَتَانِ، فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَمَحَلِّهَا مَعًا.

وَكَذَا إِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِهِ فَأَذْهَبَ ذَوْقَهُ وَنُطْقَهُ أَوْ فَعَلَ بِهِ مَا مَنَعَ بِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَوْ هُمَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ إِذَا ذَهَبَ كُلُّهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ. وَأَمَّا بِضَرَبَاتٍ بِغَيْرِ فَوْرٍ فَتَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا الَّذِي لاَ تُوجَدُ إِلاَّ بِهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ بِغَيْرِهِ وَبِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهَا، كَأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَقْعَدَهُ وَذَهَبَتْ قُوَّةُ الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِمَنْعِ قِيَامِهِ، وَدِيَةٌ لِعَدَمِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الصُّلْبِ.

وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الأْذُنِ وَالأْنْفِ، فَقَدْ نَقَلَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِي الشَّمِّ دِيَةً وَيَنْدَرِجُ فِي الأْنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الأْذُنِ. وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَاعِدَةِ: إِنَّ الْمَنْفَعَةَ لاَ تَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا، كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ خَلِيلٍ: (وَتَعَدَّدَتِ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إِلاَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا)، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، كَمَا قَالَ الْبُنَانِيِّ.

وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَلاَ يَشْمَلُ قَوْلُهُ (بِمَحَلِّهَا) الأْذُنَ وَالأْنْفَ، وَإِنِ اقْتَضَاهُ كَلاَمُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، بَلْ فِي قَطْعِ الأْذُنِ أَوِ الأْنْفِ غَيْرِ الْمَارِنِ حُكُومَةٌ، وَالدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالشَّمِّ؛ لأِنَّ السَّمْعَ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأْذُنَ، وَالشَّمَّ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأْنْفَ بِدَلِيلِ تَعْرِيفَيْهِمَا.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ: إِذَا أَزَالَ الْجَانِي أَطْرَافًا تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ، وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ، وَلَطَائِفَ (مَعَانِي) تَقْتَضِي دِيَاتٍ، كَإِبْطَالِ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ وَشَمٍّ، فَمَاتَ سِرَايَةً مِنْهَا، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِلِ الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إِذَا كَانَ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَقَطَ بَدَلُ مَا ذَكَرَهُ؛ لأِنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا، أَمَّا إِذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُلْ مَا انْدَمَلَ فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لاَ مَدْخَلَ لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ (أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ) فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلاَ يَدْخُلُ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَمَّا مَا لاَ يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُلُ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالأْوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ انْدِمَالِهِ مِنَ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الأْصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لأِنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ. وَالثَّانِي تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا؛ لأِنَّ السِّرَايَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالاِنْدِمَالِ. وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَجْنِيِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتِلَفًا كَأَنْ حَزَّ الرَّقَبَةَ عَمْدًا وَالْجِنَايَةُ الْحَاصِلَةُ قَبْلَ الْحَزِّ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَكْسَهُ كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلاَ تَدَاخُلَ لِشَيْءٍ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ فِيهَا فِي الأْصَحِّ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الطَّرَفَ وَالنَّفْسَ لاِخْتِلاَفِهِمَا وَاخْتِلاَفِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ عَمْدًا، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الأْطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الأْوَّلُ فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الأْولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا، وَلَوْ حَزَّ الرَّقَبَةَ غَيْرُهُ أَيِ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ تَعَدَّدَتْ، أَيِ الدِّيَاتُ؛ لأِنَّ فِعْلَ الإْنْسَانِ لاَ يَدْخُلُ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمِلَ جِرَاحُهُ، وَصَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ أَوْ كَوْنِ الْفِعْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لأِنَّهُ قَاتِلٌ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْجُرْحِ، فَدَخَلَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ فِي أَرْشِ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ دِيَةُ الأْطْرَافِ الْمَقْطُوعَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا قَطَعَ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ بِقَتْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَقِرِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ.

وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتِ الْجِرَاحُ، مِثْلُ إِنْ قَطَعَ الْجَانِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرِئَتْ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَقَدِ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ بِالْبُرْءِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ عَفَا وَأَخَذَ ثَلاَثَ دِيَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ، دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ؛ لأِنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا، كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لاَ تَدَاخُلَ بَعْدَ الاِنْدِمَالِ عِنْدَهُمْ لاَ فِي النَّفْسِ وَلاَ فِي الأْعْضَاءِ.