1- لما كان ذلك ، وكان نص المادة 237 من قانون العقوبات قد جرى على أنه " من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة فى المادتين 234 ، 236 " وكان مفاد هذا النص أن القتل على هذه الصورة يكون مقترناً بعذر قانوني يوجب تخفيف العقوبة ، ويشترط لانطباق هذه المادة - إضافة إلى توافر الأركان العامة للقتل العمدى – توافر شروط ثلاثة : الأول : صفة الجاني ، إذ يتعين أن يكون زوجاً للمرأة الزانية . الثاني : مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا . الثالث : ارتكاب القتل فى الحال ، ولما كانت علة التخفيف مرتبطة بالشرط الثاني وهو مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ، إذ إن هذه المفاجأة هي التي تثير نفسه وتولد لديه الاستفزاز الذى يفقده السيطرة على كيانه وبجعله يندفع إلى فعله ، لذا فإنه لا بد من تحققها واقعاً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً وهى تتحقق كلما كان الزوج واثقاً من إخلاص زوجته ثم شاهدها متلبسة بالزنا ، كما يتحقق كذلك كلما كان الزوج يشك فى خيانة الزوجة له أو أن يخبره أحد بذلك ثم يشاهدها متلبسة بالزنا سواء كانت المشاهدة عرضية أو كانت الظروف هي التي أتاحت له ذلك ، وتنتفى المفاجأة متى علم الزوج علم اليقين بخيانة زوجته ، فثمة اختلاف بين الشك أو الاعتقاد أو الظن أو التخمين والمشاهدة التي هي عين اليقين بالخيانة ، وبهذا الاختلاف تتحقق المفاجأة ، وإنه ولئن كان تقدير قيام هذه المفاجأة لدى الزوج - بهذه المثابة - مسألة موضوعية ينفرد بها قاضى الموضوع ثبوتاً أو نفياً ولا رقابة لمحكمة النقض عليه ، إلَّا أن حد ذلك أن يكون قد أقام قضاءه فى ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه ، وكان من المقرر أنه لا يشترط لتوافر التلبس بجريمة الزنا أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه الزنا بالفعل بل يكفى أن يكون قد شوهد فى ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك فى أن جريمة الزنا قد ارتكبت بالفعل ، وكانت الوقائع التي استخلصت منها محكمة الموضوع - على نحو ما سلف إيراده - انتفاء عنصر المفاجأة لدى الزوج وفعل الزنا لدى مطلقته المعتدة غير كافية وغير صالحة لأن يفهم منها هذا المعنى وليس من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها ، فإن الحكم المطعون فيه فوق فساد استدلاله يكون مشوباً بالقصور فى التسبيب بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن .
( الطعن رقم 10783 لسنة 79 ق - جلسة 2012/03/24 )
2ـ لما كان الحكم قد رد على دفاع الطاعن بشأن أن قتل زوجته قد توافرت له شروط انطباق المادة 237 من قانون العقوبات نظراً لوجود القرائن التي يتطلبها فى حالة مفاجأة الزوج لزوجته وهى فى حالة زنا بقوله: "وحيث إنه بخصوص ما أثاره الدفاع من أن التكييف القانوني لواقعة الدعوى هو تطبيق المادة 237 من قانون العقوبات فى حق الزوج بالنسبة لقتل زوجته .......... فمردود عليه بأن نص المادة 237 من قانون العقوبات قد جرى على أن "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هي ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة فى المادتين 234، 236"، ومن ثم فإن المشرع لا يعتبر الغضب عذراً مخففاً إلا فى حالة خاصة هي حالة الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فقتلها هي ومن يزنى بها أما الغضب فى سائر أحوال القتل والجرح والضرب فلم يعتبر عذراً وإن كان يتنافى مع توافر ظرف سبق الإصرار، وبتطبيق نص المادة 237 من قانون العقوبات على واقعات الدعوى ومادياتها فإن المحكمة تخلص إلى عدم توافر شروط تطبيقها ذلك أنه لم يثبت من التحقيقات أن شخصاً أجنبياً كان مع المجني عليها الأولى زوجة المتهم فى غياب من زوجها - كما أن المتهم نفسه لم يتعقب ذلك الشخص ويتأكد من صدق ظنونه التي وسوس له بها الشيطان فضلاً عن أن المتهم لم يجد زوجته فى حالة تدعو إلى القول أنه فاجأها وهو يزنى بها، كما أنها لم تقر له بذلك، ولم يثبت ذلك بأي دليل أو قرينة فى أوراق الدعوى وأن قتله للمجني عليها كان وليدة مشادة بينهما انتهت بأن المذكورة طعنته فى رجولته والتي أقر بها المتهم أنه منذ أن تزوج بالمذكورة وأنه يعانى من ضعف جنسي - فقام بصفعها بالقلم أولاً ثم قام بلف قطعة القماش والمازورة على رقبتها على النحو الثابت تفصيلاً فى وصف الجثة والإصابات التي أوردها الطبيب الشرعي سبباً للوفاة، ومن ثم يكون قتل المتهم لزوجته لم يكن حال تلبسها بالجريمة المنصوص عليها فى المادة 237 عقوبات ناهيك عن أن هذا الظرف يكون غير متوافر أيضاً فى حالة الزوج الذي يقتل زوجته هي ومن يزنى بها بعد ترصده لهما إذ لا يعد معذوراً فى حالة حصول الترصد، بعد تيقن الزوج من خيانة زوجته تيقناً لا ريب فيه لأن الدافع للفعل فى هذه الحالة هو التشفي. ولما كان ذلك، فإن ما أثاره الدفاع فى هذا الخصوص بشأن توافر عذر الاستفزاز عملاً بنص المادة 237 من قانون العقوبات فى حق الزوج يكون على غير سند من القانون جرى برفضه". لما كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الحكم فيما سلف أن الطاعن لم يكن قد فاجأ زوجته متلبسة بجريمة الزنا ولم يكن قتله لها حال تلبسها بالجريمة المذكورة فإذا ما كان الحكم قد أطرح ما دفع به الطاعن من تمسكه بإعمال المادة 237 من قانون العقوباتفإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه فى هذا الخصوص غير قويم لما هو مقرر من أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه وعذر الزوج فى قتل زوجته مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا .
( الطعن رقم 24855 لسنة 64 ق - جلسة 1997/03/10 - س 48 ع 1 ص 320 ق 46 )
3ـ لما كان مفاد ما أورده الحكم فيما سلف أن الطاعن لم يكن قد فاجأ زوجته متلبسة بجريمة الزنا و لم يكن قتله لها حال تلبسها بالجريمة المذكورة فإذا ما كان الحكم قد أطرح ما دفع به الطاعن من تمسكه بأعمال المادة 237 من قانون العقوبات ، فإنه يكون قد إلتزم صحيح القانون و يكون النعى عليه فى هذا الخصوص غير قويم لما هو مقرر من أن الأعذار القانونية إستثناء لا يقاس عليه و عذر الزوج فى قتل زوجته خاص بحالة مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ، لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
( الطعن رقم 460 لسنة 54 ق - جلسة 1984/10/15 - س 35 ص 670 ق 146 )
4ـ لما كان من المقرر أنه لا يشترط لتوافر التلبس بجريمة الزنا أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه الزنا بالفعل بل يكفى أن يكون قد شوهد فى ظروف تنبئ بذاتها و بطريقة لا تدع مجالا للشك فى أن جريمة الزنا قد أرتكبت فعلا ، وكانت الوقائع التى أوردها الحكم تتوافر بها العناصر القانونية لجريمة القتل العمدى المقترن بالعذر المخفف المنصوص عليه فى المادة 237 من قانون العقوبات بما فى ذلك حالة التلبس بالزنا ، فإن ما تنعاه الطاعنة من خطأ الحكم فى القانون يكون على غير أساس .
( الطعن رقم 1357 لسنة 53 ق - جلسة 1983/10/12 - س 34 ص 822 ق 162 )
5ـ لما كان مفاد ما أورده الحكم أن الطاعن لم يكن قد فاجأ زوجته متلبسة بجريمة الزنا ولم يكن قتله لها حال تلبسها بالجريمة المذكورة فإذا ما كان الحكم قد أطرح ما دفع به الطاعن من تمسكه بإعمال المادة 237 من قانون العقوبات فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه فى هذا الخصوص غير سديد لما هو مقرر من أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه وعذر الزوج فى قتل زوجته خاص بحالة مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا فلا يكفي ثبوت الزنا بعد وقوعه بمدة .
( الطعن رقم 615 لسنة 46 ق - جلسة 1976/11/01 - س 27 ع 1 ص 817 ق 187 )
القتل العمدي في صورته المخففة
قتل الزوج زوجته إذا فاجأها متلبسة بالزنا :
تمهيد : نصت على القتل العمدي في صورته المخففة المادة 237 من قانون العقوبات في قولها ، من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا فقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236 .
والقتل الذي تنص عليه هذه المادة هو قتل مقترن بعذر قانوني ، ومن ثم كان التخفيف وجوبياً ونطاق هذا العذر لا يقتصر على القتل ، وإنما يمتد كذلك إلى الجرح أو الضرب المفضي إلى الموت (وذلك واضح من إشارة النص إلى المادة 236 الخاصة بهذه الجريمة) ، ويمتد قياساً من باب أولى إلى الضرب المفضي إلى العاهة المستديمة .
وسواء في تطبيق العذر أن يقتل الزوج زوجته وعشيقها معاً – وهي الحالة التي افترضها النص - أو أن يقتل أحدهما فقط .
علة التخفيف :
علة تخفيف العقاب هي الاستفزاز الذي يعاني منه الزوج حينما يفاجأ بمشاهدة زوجته متلبسة بالزنا، وهو استفزاز يرجع إلى شعوره بفداحة المساس الذي نال شرفه وشرف أسرته ، فيكون مؤدي ذلك أن تنتابه ثورة نفسية تفقده السيطرة على نفسه ، فيندفع إلى فعله غير مقدر مخاطره على النحو الذي كان يقدرها به لو كان في حالته العادية .
طبيعة القتل العمدي المخفف :
القتل العمدي المخفف هو نوع من القتل العمدي خفف الشارع عقوبته ، والنتيجة التي تترتب على ذلك هي وجوب أن تتوافر له ابتداء أركان القتل العمدي وقد قرر الشارع للقتل العمدي المخفف عقوبة الحبس وجوباً فيكون مؤدى ذلك أن يعتبر جنحة ويترتب على اعتباره جنحة نتائج عديدة هي النتائج التي تترتب على التمييز بين الجنح والجنايات ، وأهمها نتيجتان : الأولى ، أن الاختصاص بالنظر في هذا القتل هو لمحكمة الجنح ؛ والثانية ، أن الشروع فيه لا عقاب عليه ، إذ العقاب على الشروع في جنحة رهن بوجود نص خاص يقرر مبدأ العقاب ويحدد مقداره ، ولا وجود لهذا النص في هذه الحالة وإذا ترتب على الشروع في القتل مساس بسلامة جسم المجنى عليه في صورة جروح أو ضربات عوقب الزوج على الجرح أو الضرب دون أن تجاوز عقوبته الحبس باعتباره عقوبة القتل .
شروط التخفيف : يتطلب القتل في هذه الصورة – بالإضافة إلى الأركان العامة للقتل العمدي - توافر شروط ثلاثة : الأول ، صفة الجاني ، إذ يتعين أن يكون زوجاً للمرأة الزانية المجني عليها ؛ والثانی ، مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ؛ والثالث ، ارتكاب القتل في الحال .
صفة الجاني : لا يستفيد من تخفيف العقاب إلا الزوج : فأقارب الزوجة لا يستفيدون منه ، وإن كانت صلتهم بها وثيقة كأبيها أو أخيها أو ابنها ويتعين الرجوع إلى القواعد التي تقررها قوانين الأحوال الشخصية لتحديد صفة الجاني ؛ ونشير - بصفة خاصة - إلى أن الطلاق الرجعي لا ينهي وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية صلة الزوجية ، في حين أن الطلاق البائن ينهيها .
ولا تستفيد الزوجة من سبب التخفيف إذا فاجأت زوجها متلبساً بالزنا فقتلته ، إذ جاءت عبارة القانون مقتصرة على « من فاجأ زوجته » ودلالة هذا التعبير لا تنصرف لغير الزوج .
المساهمون مع الزوج في قتل الزوجة : عذر الزوج حين يقتل زوجته متلبسة بالزنا نوع من الظروف التي تغير من وصف الجريمة ، فيسرى عليها حكم هذا النوع من الظروف من حيث تأثيرها على غير من توافرت لديه من المساهمين ( المادتان 39، الفقرة الثانية ، 41 من قانون العقوبات ) وتطبيقاً لذلك فإنه إذا ارتكب الزوج القتل وساهم معه شريك كان يعلم بعوامل استفزاز الزوج فإنه يستفيد بدوره من تخفيف العقاب ؛ أما إذا كان يجهل ذلك ويعتقد أنه يساهم في قتل عادي فهو لا يستفيد من التخفيف ويؤكد هذا الحكم أنه إذا كان الشارع قد اعتبر إجرام الزوج أقل خطورة من إجرام القاتل العادي ، وكان الشريك - طبقاً لقواعد المساهمة الجنائية - يستمد إجرامه من إجرام الفاعل ، فإنه لا يتصور أن يكون أكثر منه إجراماً؛ وطبيعي أن نعلق استفادة الشريك من عذر الزوج على علمه بعوامل الاستفزاز : فبالإضافة إلى كون ذلك تطبيقاً لنص القانون ( المادة 41 من قانون العقوبات ) ، فإن لعذر الزوج طبيعة نفسية مما يقتضي أن يعلم الشريك بعوامله حتى يستحق - بالنظر إلى تضاؤل خطورة شخصيته - تخفيف العقاب، أما إذا ارتكب القتل غير الزوج فهو بداهة لا يستفيد من تخفيف العقاب ، إذ لم تتوافر الشروط التي يتطلبها القانون کی تكون جريمته أقل خطورة على المجتمع ، فإذا ساهم معه فيها الزوج فهو لا يستفيد من تخفيف العقاب كذلك ، لأنه ساهم في جريمة قتل عادية واستمد إجرامه من إجرام فاعلها .
وإذا ساهم مع الزوج شخص آخر باعتباره فاعلاً معه كان لكل منهما وضعه الخاص : فالزوج يستفيد من تخفيف العقاب وزميله يسأل عن قتل عادی ، إذ للقتل الذي يرتكبه كل منهما قدر من الخطورة على المجتمع يتحدد تبعاً لما إذا كانت شروط التخفيف متوافرة أم غير متوافرة وهي غير متوافرة بالنسبة للفاعل معه ؛ وبالإضافة إلى ذلك فالقاعدة هي الاستقلال بين الفاعلين من حيث الظروف التي تتوافر لدى أحدهم (المادة 39 من قانون العقوبات) .
مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا :
هذا الشرط مرتبط بعلة التخفيف ، فمفاجأة الزوج زوجته متلبسة بالزنا هي التي تثير نفسه وتولد لديه الإستفزاز الذي يفقده السيطرة على نفسه ، ويجعله يندفع إلى فعله أما إذا كان الزوج عالماً بمسلك زوجته ، أو كان من باب أولى راضياً عنه ، فلا يقبل منه الاعتذار بثورة نفسه حينما يشاهدها متلبسة بالزنا فيقتلها وهذا الشرط ينطوي في الحقيقة على شرطين : المفاجأة ؛ وكونها لحظة التلبس بالزنا .
المفاجأة :
تعني المفاجأة اختلافاً بين ما كان الزوج يعتقده في شأن سلوك زوجته وما تحقق له حينما شاهدها متلبسة بالزنا، فالمفاجأة اختلاف بين العقيدة والواقع .
وتتحقق المفاجأة في صورتها الكاملة إذا كان الزوج واثقاً من إخلاص زوجته ثم شاهدها متلبسة بالزنا وتتحقق المفاجأة كذلك إذا كان الزوج يشك في سلوك زوجته ثم شاهدها متلبسة بالزنا، سواء شاهدها عرضاً ، أي كانت الظروف هي التي أتاحت له ذلك ، أم راقبها واجتهد - ولو بالحيلة - في التحقق من سلوكها فتيقن من خيانتها ، فثمة اختلاف بين ما كان الزوج يعتقده (وهو الشك في سلوك الزوجة) وما شاهده (وهو اليقين من الخيانة) ، وبهذا الإختلاف تتحقق المفاجأة .
أما إذا كان الزوج متيقناً من خيانة زوجته ، فكان مدفوعاً بالرغبة في الانتقام منها ، ولكنه يريد قتلها في ظروف تثبت فيها خيانتها ، فاحتال حتى ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها ، فهو لا يستفيد من سبب التخفيف ، إذ لم يفاجأ بالزنا ، فما كان يعتقده هو ما قد تحقق .
التلبس بالزنا : لا يعني التلبس بالزنا مشاهدة الزوج زوجته أثناء اتصالها الجنسي بعشيقها ، إذ لو فهم التلبس في هذا المعنى لضاق نطاق التلبس على نحو غير مقبول ، بالإضافة إلى أن ثورة الزوج ليست مقتصرة على هذه الحالة ولا يفهم التلبس كذلك في المدلول الذي تحدده ( المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ) ، إذ قد حدد الشارع هذا المدلول مستهدفاً اعتبارات إجرائية لا شأن لها بسبب التخفيف وإنما يفهم التلبس في المدلول الذي تعنيه المادة 276 قانون العقوبات وتعتبره من بين الأدلة على الزنا وتعلل وحدة المدلول في النصين بأن كون الوضع دليلاً على الزنا يجعل من الطبيعي أن تثور نفس الزوج لدى مشاهدته له وأن يستفز إلى فعله ويعني التلبس في هذا المدلول - بالإضافة إلى مشاهدة الزوجة أثناء الإتصال الجنسي - كل وضع لا يدع مجالاً لشك في أن الزنا قد ارتكب .
ويجب أن يشاهد الزوج حالة التلبس بنفسه ، فلا يكفي أن يخبره الغير بأنه عاين الزوجة في هذا الوضع ، ذلك أن الاستفزاز الذي يبرر قيام العذر لا يتوافر إلا بهذا الشرط .
القتل في الحال :
يعني هذا الشرط التعاصر بين المفاجأة بالزنا وما ينبعث عنها من استفزاز وبين ارتكاب القتل وهذا الشرط ذو صلة وثيقة بعلة التخفيف ، وهي ارتكاب القتل تحت تأثير الثورة النفسية أما إذا لم يرتكب الزوج فعله إلا بعد مضي فترة على مشاهدة زوجته متلبسة بالزنا هدأت خلالها نفسه فلا محل للتخفيف ، إذ أن فعل المتهم هو انتقام هادئ ، وليس اندفاعاً تحت تأثير الثورة النفسية .
وهذا الشرط ذو طابع زمني مرده إلى تقدير الوقت الذي فصل بين المفاجأة والفعل ، وتقديره متروك لقاضي الموضوع ولا يعني هذا الشرط أن يرتكب القتل في ذات لحظة مشاهدة الزوجة متلبسة بالزنا ، إذ القول بذلك يضيق من نطاق العذر ، ويؤدي إلى نفيه على الرغم من توافر علته : فإذا ارتكب القتل بعد وقت قصير من مفاجأة الزوجة ، ولكن نفس الزوج لم تكن قد هدأت بعد ، كما لو قتلها بعد وقت استغرقه في البحث عن سلاح في غرفة مجاورة فهو يستفيد من تخفيف العقاب أما إذا مضى بين المفاجأة والقتل وقت طويل نسبياً تردد خلاله وقلب الأمور على أوجهها أو عدل عن القتل ثم صمم عليه فإنه لا يستفيد من العذر .
العذر القانوني وسبق الإصرار :
قد يتبادر إلى الذهن أن ثمة تناقضاً بین توافر هذا العذر والقول بسبق إصرار الزوج على قتل زوجته : ذلك أن سبق الإصرار يعني ارتكاب الفعل بعد تفكير هادي استغرق وقتاً في حين يفترض هذا العذر أن القتل قد ارتكب في ثورة الاستفزاز وأنه كان في الحال ولكن يبدو أن هذا الرأي المطلق يجانبه الصواب ، وأن الأدني إلى المنطق البحث فيما إذا كان من شأن سبق الإصرار نفي المفاجأة في مدلولها السابق ، فينتفي بذلك أحد شروط العذر ؛ أما إذا لم يكن من شأنه ذلك بقي العذر متوافراً وتطبيقاً لذلك فإنه يتعين التفرقة بين وضعين : إذا ساورت الزوج شكوك حول سلوك زوجته ففكر في هدوء ثم أصر على قتلها إذا تحققت له خيانتها، فلما شاهدها متلبسة بالزنا قتلها ، فإنه يستفيد من العذر ، فقد تحققت المفاجأة حينما استبان له الاختلاف بين ما كان يعتقده وما تحقق له أما إذا كان متأكداً من خيانتها له ، فأصر على قتلها حينما يشاهدها متلبسة بالزنا وفعل ذلك فهو لا يستفيد من العذر ، إذ لم يفاجأ بشيء ، فما كان يعتقده هو ما تحقق له .
عقوبة القتل المقترن بالعذر :
إذا توافرت شروط العذر كانت العقوبة الحبس وتوقع هذه العقوبة سواء قتل الزوج زوجته وحدها أو عشيقها وحده أو قتلهما معاً .
وقد صرح القانون باستفادة الجاني من تخفيف العقاب سواء ارتكب قتلاً أو جرحاً أو ضرباً أفضى إلى الموت ، وقياساً من باب أولى فإنه يستفيد من العذر إذا ارتكب ضرباً أفضى إلى عاهة مستديمة . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة : 452 )
القتل العمد المخفف :
مضمون التخفيف وعلته :
نصت المادة 237 من قانون العقوبات على أن « من فاجأ زوجته حال تلبُسها بالزنا وقَتلها في الحال هي ومن يزني بها يُعَاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المُقرَرَة في المادتين 234 و 236 » .
ومقتضى هذا النص اعتبار الظرف الذي يرتكب فيه الزوج القتل عذراً قانونياً يلتزم القاضي - إذا تحقق من توافره - بتخفيف عقوبة القتل العمد ، مقدراً مدى ما في مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا من استفزاز له بما يطعن شرفه ، فتثور ثائرته وتضعف قدرته على السيطرة على نفسه فيندفع إلى ارتكاب القتل ، ويمد المشرع نطاق العذر المخفف ليشمل – فضلاً عن القتل العمد - الضرب المفضي إلى الموت حيث أشار إليه المشرع في المادتين 234 الخاصة بالقتل العمد و 236 الخاصة بالضرب المفضي إلى الموت ، ولكن العذر يمتد – قياساً ومن باب أولى - إلى الضرب المفضي إلى العاهة المستديمة .
ويمتد نطاق العذر ليشمل كل صور القتل العمد سواء منه البسيط أو المشدد طالما أن شروط العذر المخفف قد تحققت ، وذلك على الرغم من أن نص المادة 237 قد أشار إلى المادة 234 الخاصة بالقتل العمدي البسيط .
ولما كان المشرع قد قرر للقتل العمدي المخفف عقوبة الحبس وجوباً ، فإن القتل المخفف يعتبر جنحة فتختص بنظره المحكمة الجزئية ، ولا يعاقب على الشروع فيه إذ لا عقاب على الشروع في الجنح إلا بنص ولا وجود لهذا النص في قانون العقوبات .
شروط التخفيف :
ينبغي لتحقق هذا العذر أن يتوافر - إلى جانب أركان القتل العمد - عدة شروط :
صفة الجاني :
يجب أن يقع القتل من زوج المرأة الزانية فلا يخفف العقاب على من يرتكب القتل غيره أيا كانت درجة قرابته من الزوجة . كالأب أو الأخ أو الابن .
كان حرياً بالمشرع أن يمد نطاق التخفيف إلى الأب والأخ والإبن فعلته متوافرة بالنسبة إلى كل منهم كما هي متوافرة بالنسبة للزوج لما في فعل المرأة الزانية من مساس بشرفهم وإثارة لنفوسهم، وقد انتهج هذه الخطة بعض التشريعات العربية مثل قانون العقوبات الليبي (م 375 ) الذي قرر تخفيف العقاب بالنسبة للزوج أو الأب أو الأخ أو الابن ، وقانون العقوبات العراقي (م 409 ) الذي مد نطاق العذر - فضلا عن الزوج - إلى المحارم .
كذلك لا تستفيد من التخفيف الزوجة التي تقتل زوجها وشريكته أو أحدهما إذا فوجئت بزوجها متلبساً بالزنا ، لأن المشرع ذكر في المادة 237 « من فاجأ زوجته» ولا يصدق هذا الوصف إلا على الزوج دون الزوجة .
واشتراط صفة الزوج تعني قيام رابطة الزوجية بين الجاني والزانية وقت ارتكابه القتل ، ويرجع في تحديد قيام هذه الرابطة إلى قانون الأحوال الشخصية . وعلاقة الزوجية لا تنتهي وفقاً للشريعة الإسلامية إلا بالطلاق البائن ، وعلى ذلك فإذا فاجأ الزوج زوجته المعتدة من طلاق رجعي متلبسة بالزنا فقتلها في الحال هي وشريكها أو قتل أحدهما فإنه يستفيد من العذر المخفف .
مفاجاة الزوجة متلبسة بالزنا :
يتضمن هذا الشرط عنصرين : الأول : عنصر المفاجأة ، والثاني : التلبس بالزنا .
المفاجأة :
عبر المشرع عن هذا العنصر بقوله «من فاجأ زوجته» والمشرع قد جانبه الصواب في استعمال لفظ «فاجأ» لأنه يفيد أن المفاجأة كانت للزوجة وليس للزوج ، وكان ينبغي أن يستعمل المشرع عبارة «من فوجئ بزوجته» إذ هو الذي يتفق مع غرضه ويقصد بهذا العنصر أن يكون الزوج قد فوجيء بفعل زوجته ، بمعنى أن ما شاهده في الواقع جاء مخالفاً لما كان يعتقده ، إذ تتحقق عندئذ علة التخفيف وهي الانفعال النفسي الذي تثيره هذه المفاجأة وليس هناك تناقض حتمي بين عنصر المفاجأة وسبق الإصرار ، فهذا التناقض وإن كان هو الغالب ، وذلك حين يكون الزوج متيقناً من خيانة زوجته فيبيت النية على قتلها هي وعشيقها ويتحين فرصة ضبطها متلبسة بالزنا ليرتكب جريمته ، إلا أنه قد يحدث أحياناً أن يتوافر سبق الإصرار ومع ذلك يتحقق عنصر المفاجأة وذلك حين يثور الشك لدى الزوج في إخلاص زوجته دون أن يصل إلى مرحلة اليقين فينوي قتلها مع تعليق هذه النية على شرط التيقن من خيانتها وعندما يفاجئها متلبسة بالزنا يقتلها فإنه حينئذ يستفيد من العذر .
التلبس بالزنا :
لا يقصد المشرع بالتلبس بالزنا أن يضبط الزوج زوجته في إحدى حالات التلبس التي نصت عليها المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ، إذ يؤدي ذلك إلى التضييق من نطاق العذر ، لا سيما وأن حالات التلبس التي ذكرت في المادة المشار إليها إنما قصد بها المشرع تحقيق اعتبارات إجرائية لا صلة لها بأسباب تخفيف العقاب وإنما يقصد بالتلبس هنا مشاهدة الزوجة وعشيقها في ظروف لا تجعل مجالاً للشك عقلاً في أن الجريمة قد ارتكبت فعلاً ، أو على وشك الوقوع ، ويدخل تحديد توافر حالة التلبس في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع .
فإذا بين الحكم الوقائع التي استظهر منها حالة التلبس ، وكانت هذه الوقائع كافية بالفعل وصالحة لأن يفهم منها هذا المعنى ، فلا وجه للاعتراض عليه بأن الأمر لا يعدو أن يكون شروعاً في جريمة الزنا ، لأن تقدير هذا أو ذاك مما يملكه قاضى الموضوع ، ولا وجه للطعن عليه فيه ، خصوصاً إذا لوحظ أن القانون يجعل مجرد وجود رجل في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم دليلاً على الزنا أي على الجريمة التامة لا مجرد الشروع (م 276 عقوبات) .
ومقتضى نص القانون أن يكون الزوج قد شاهد حالة التلبس بنفسه ، فلا يغني عن ذلك أن يكون غيره هو الذي شاهدها وأخبره بذلك أياً كانت درجة ثقة الزوج في صدق قوله .
ارتكاب القتل في الحال :
اشترط المشرع لتوافر عذر التخفيف أن يقع القتل في الحال ، أي في نفس الوقت الذي شاهد فيه الزوج زوجته متلبسة بالزنا ، فهذا التعاصر الزمني هو الذي يتفق مع حكمة التخفيف ، حيث يعتبر القتل حينئذ رد فعل للثورة التي اجتاحت نفسية الزوج من هول المفاجأة على أن اشتراط ارتكاب القتل في الحال لا يعني حتماً أن يتم القتل في نفس لحظة المفاجأة ، وإنما يظل الشرط متوافراً ولو مضى بين المفاجأة والقتل بعض الوقت الذي استغرقه حصول الزوج على سلاح أو أداة ينفذ بها فعله ، أما إذا مضى بين المفاجأة والقتل وقت طويل نسبياً هدأت فيه ثائرة الزوج ، وفكر في الأمر ثم انتهى إلى القتل على سبيل الانتقام فإنه لا يستفيد من العذر المخفف والقول بما إذا كان القتل في الحال أم ليس كذلك متروك لتقدير قاضي الموضوع .
عذر التخفيف وتعدد الجناة :
يثور التساؤل في حالة تعدد الجناة في جريمة القتل عن مدى إفادة كل منهم من العذر المخفف . ولما كان هذا العذر يعتبر نوعاً من الظروف التي تغير من وصف الجريمة فإنه يسري على الأحكام الخاصة بهذه الظروف من حيث تأثيرها في باقي المساهمين في الجريمة ( م 30 / 2 ، 41 ع ) .
وعلى ذلك فإذا ساهم مع الزوج المستفز فاعل آخر في ارتكاب القتل فإن الزوج وحده هو الذي يستفيد من العذر ، أما الفاعل معه فيسأل عن قتل عمدي عادی ، إذ لم تتوافر لديه شروط التخفيف .
وإذا ارتكب الزوج القتل وساهم معه شريك فإن إفادة الشريك من عذر الفاعل تتوقف على مدى علمه بتوافر شروط العذر ، فإذا كان يعلم بها فإنه يستفيد من التخفيف ، أما إذا كان يجهلها فإنه يسأل عن اشتراك في قتل عادی .
أما إذا ارتكب القتل شخص غير الزوج ، واقتصر دور الزوج على المساهمة في الجريمة كشريك ، فإن الفاعل لا يستفيد من العذر باعتباره لیس زوجاً للمرأة الزانية فيسأل عن قتل عادي ، ولا يستفيد من كون الزوج شريكاً له ، لأن القاعدة أن الفاعل لا يتاثر بظروف الشريك ولو كان عالماً بها كذلك لا يستفيد الزوج من التخفيف لأن نص المادة 237 الذي يقرر التخفيف يفترض أن الزوج هو الفاعل، ولأن الشريك يستمد إجرامه من إجرام الفاعل الأصلي، والفاعل الأصلي في هذا الفرض قد ارتكب جريمة قتل عادية ويترتب على هذا التطبيق للقواعد العامة نتيجة شاذة وغير عادلة وهي أن الزوج توقع عليه عقوبة الحبس إذا كان فاعلاً للقتل بينما توقع عليه عقوبة السجن المؤبد أو المشدد إذا كان مجرد شريك ولا سبيل إلى تعديل هذا الوضع الصارخ إلا بنص تشريعي يقرر للزوج الشريك استثناء من القواعد العامة . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 435 )
شروط التخفيف :
فضلاً عن الأركان العامة لجريمة القتل العمد، يتطلب القانون شروطاً ثلاثة هي :
1- صفة الجاني، وهي أن يكون زوج المرأة الزانية .
2- استفزاز الزوج بمفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا .
3- القتل في الحال .
1- صفة الجاني :
لا يستفيد من هذا العذر القانوني المخفف سوى الزوج، أما غيره مهما بلغت صلته بالمرأة الزانية فإنه يسأل عن جناية قتل عمد بدون هذا العذر ولما كان العذر - كما سنبين - من شأنه أن يغير طبيعة الجناية فيؤدي إلى أن تصير جنحة ، فإن الشريك مع الزوج يستفيد من هذا العذر ويلاحظ أن مناط هذا العذر يتوقف على أن يكون الزوج فاعلاً أصلياً في القتل، وبالتالي فإنه إذا وقع القتل من الغير تعين مساءلته عن جناية قتل عمد وفي هذه الحالة يسأل الزوج عن هذه الجناية بوصفه شريكاً لهذا الغير في قتل زوجته الزانية إذا ساهم في ارتكابه بأية وسيلة من وسائل الاشتراك ، وذلك بحسب أن إجرامه كشريك مستمد من طبيعة الفعل الذي قارفه الفاعل الأصلي وهو الغير .
ومرد تحديد صفة الزوجية هو قواعد الأحوال الشخصية .
ويلاحظ أن الزوجة لا تستفيد من هذا العذر القانوني الوارد في هذه المادة لاقتصار حكم القانون على من فاجأ زوجته والتي لا تنصرف لغير الزوج هذا دون إخلال بتطبيق حكم القانون بشأن الظروف القضائية المخففة عند الاقتضاء. ورغم أن الزوجة لا تستفيد من هذا العذر القانوني إذا فاجأت زوجها حال تلبسه بالزنا مع أخرى، لكنها لا تتجرد من حق الدفاع الشرعي عن النفس إذا هم زوجها بقتلها حال تلبسها بالزنا مع عشيقها. فالعذر الذي يتمتع به الزوج لا ينفي عن فعله صفة الاعتداء .
2- استفزاز الزوج مفاجأة الزوجة متلبسة بالخيانة :
يشترط لتوافر هذا الشرط عنصران :
التلبس بالزنا. - الاستفزاز بالمفاجأة
التلبس بالزنا :
لا يشترط لتقدير حالة التلبس الرجوع إلى ما رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المادة 30 في هذا الصدد، إذ يكفي مشاهدة الزوجة وشريكها في ظروف لا تدع مجالاً للشك عقلاً في أن الزنا قد تم، كما إذا شاهدها عارية أو لا يسترها غير جلباب النوم والشريك مختفياً تحت السرير .
الاستفزاز بالمفاجأة : لا يعتبر القانون المصري الاستفزاز عنصراً مخففاً إلا في حالة الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فيقتلها هي ومن يزني بها .
ويلزم لتوافر هذا العذر المخفف أن يفاجأ الزوج بما شاهده بما يتوافر به معنی الاستفزاز، فلا يتوافر هذا العذر إذا كان الزوج قد تأكد من خيانة زوجته فصمم على قتلها لدى أول مرة يضبطها فيها متلبساً بالزنا، إذ لا يتحقق في هذه الحالة عنصر الاستفزاز بالمفاجأة ويختلف الأمر إذا كان الزوج غير متحقق من الخيانة ولكنه يشك في إخلاص زوجته، فأراد أن يقف على حقيقة الأمر وكمن في المنزل حتى إذا ما حضر العشيق واختلى بزوجته وراودها وداعبها ثم اختلا بها برز له من مكمنه وقتله، ففي هذه الحالة يستفيد الزوج من العذر لتوافر عنصر الاستفزاز .
ولا يتوافر العذر إذا كان الدافع إلى القتل هو مجرد الشك في سلوك الزوجة .
3- القتل في الحال :
يتعين أن يرتكب الزوج جريمته حال المفاجأة، الأمر الذي يعذر من أجله نظراً إلى حالة الاستفزاز التي مر بها الثورة النفسية التي اجتاحته أما إذا تريث حتى وقت آخر ثم ارتكب جريمته فإن فعله يتجرد من مبررات التخفيف ويصبح مجرد انتقام يخضع لحكم القواعد العامة في القتل العمد .
أثر التخفيف :
يترتب على توافر هذا الظرف تخفيف عقوبة القتل العمد إلى الحبس (أي لمدة تتراوح بين 24 ساعة وثلاث سنوات) وجوباً .
وإن كان القانون قد نص على استفادة الزوج من التخفيف إذا ارتكب قتلاً عمداً أو ضرباً أفضى إلى موت (المادتين 234 و 236 عقوبات) فإنه يستفيد من باب أولى إذا ارتكب جناية ضرب أفضى إلى عاهة مستديمة .
والتخفيف المذكور وجوبي على القاضي، مما مؤداه أن القانون قد أمر بإنقاص العقوبة المقررة للجريمة إلى الحبس لما كان ذلك، وكان مناط تقسيم الجرائم يتوقف على نوع العقوبة المقررة لها، فإنه إذا نص القانون على عقوبة الحبس في هذه الحالة يكون قد رأى اعتبار هذه الجريمة جنحة لا جناية ويترتب على ذلك أنه إذا شرع الجاني في قتل زوجته الزانية أو شريكها فلا محل لمعاقبته مادام أنه لا عقاب على الشروع في جنحة إلا بنص، إلا إذا ترتب على هذا الشروع إصابة أحدهما، فعندئذ يعاقب على جنحة ضرب . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة : 103 )
جنحة القتل العمد والقتل المتعدى :
نصت المادة 237 عقوبات على نموذج تشريعى خاص للقتل العمد إذا ما توافرت ظروف خاصة ، فقد نص المشرع بالمادة سالفة الذكر على أن « من فاجأ زوجته حال تلبُسها بالزنا وقَتلها في الحال هي ومن يزني بها يُعَاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المُقرَرَة في المادتين 234 و 236 » .
وقد اعتد المشرع فى هذا النص بالاستفزاز كسبب من أسباب تخفيف العقوبة فى جرائم القتل العمدى والقتل المتعدى .
ومع ذلك يذهب الراجح من الفقه إلى إعمال حكم المادة 237 على جناية الضرب المفضى إلى عاهة .
وقد اختلف الرأي حول طبيعة الجريمة وهل تبقى جناية رغم توافر الظروف المنصوص عليها في المادة 237 أم أنها تنقلب إلى جنحة .
الراجح فقهاً وقضاءً هو أن توافر الظروف السابقة يجعل الواقعة جنحة باعتبار أن الأعذار المخففة الوجوبية المتعلقة بدرجة جسامة الواقعة المرتكبة تؤثر على طبيعة الجريمة وتقبلها إلى جنحة، كما هو الشأن في الجريمة التي نحن بصددها، وقد طبقت محكمة النقض على الجريمة المنصوص عليها في المادة 237 الأحكام المقررة للجنح من حيث الاختصاص والشروع .
والحقيقة هي أن جريمة القتل في الظروف المنصوص عليها في المادة 237 تشكل نموذجاً مستقلاً عن جرائم القتل العمدي والمتعدي، لها عناصرها المميزة .
ومن أجل ذلك فإن الغلط المنصب على أحد تلك العناصر له تأثيره، على الركن المعنوي للقتل .
فمن يفاجئ امرأة متلبسة بالزنا في فراش الزوجية ويعتقد خطأ أنها زوجته فيقتلها ثم أنها ليست تبين أنها ليست زوجته وإنما شقيقتها، فإنه يطبق في شأنه المادة 237 وليست المادة 234 .
عناصر الجريمة :
أولاً : صفة الجاني :
تطلب المشرع في الجاني صفة خاصة وهي الزوج فلا ينطبق حكم المادة 237 على الزوجة أو الأقارب الآخرين كالأب أو الابن أو الأم أو الأخ أو غيرهم .
ويجب أن تثبت صفة الزوج في الجاني وقت ارتكاب الفعل ولو زالت بعد ذلك، وتظل تلك الصفة ثابتة حتى رغم عدم قيام المعاشرة الزوجية أما إذا وقعت الجريمة أثناء فترة العدة من الطلاق الرجعي فلا تتوافر الصفة المطلوبة في الجاني ما دام لم يراجع زوجته قبل وقوع الفعل .
ويجب أن تتوافر صفة الفاعل الأصلي في الزوج حتى يستفيد من حكم المادة 237 فإذا كان الزوج مجرد مساهم تبعي فإنه يسأل عن الجريمة التي ارتكبها الفاعل ولا يستفيد من التخفيف .
ويذهب البعض إلى أن سبب التخفيف المنصوص عليه في المادة 237 لا يسري بالنسبة لغير الزوج من المساهمين معه سواء الأصلية أو التبعية .
ولا شك أن قواعد المساهمة الأصلية والتي بمقتضاها يكتسب المساهم صفة الفاعل تحول دون استفادة المساهم الأصلي من سبب التخفيف إلا إذا توافرت في حقه الصفة المطلوبة وهي صفة الزوج، وذلك تأسيساً على أن الفاعل مع غيره يحقق سلوكاً يستمد عدم مشروعيته مباشرة من النص التجريمي، ولذلك إذا ارتقى سلوك المساهم إلى سلوك الفاعل الأصلي فإنه يحاسب على الفعل الذي حققه وفقاً لظروفه الخاصة .
وعليه فإذا قتل الزوج زوجته بالمساهمة مع آخر الذي أمسك بها إلى أن تمكن الزوج من قتلها فإن الزوج يستفيد من حكم المادة 237 ، بينما المساهم الآخر يطبق في شأنه النصوص الخاصة بجناية القتل العمد .
أما بالنسبة للمساهمة التبعية، أي الاشتراك بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة في جريمة الزوج فنظراً لأن الجريمة التي نحن بصددها ليست مجرد جريمة قتل صاحبها ظرف شخصي مخفف إنما هي نموذج تجريمي للقتل روعي فيه بعض الظروف الشخصية والموضوعية بالنسبة للفاعل الأصلي الذي ثبتت له صفة الزوجية، وبالنسبة للظروف الموضوعية لارتكابها، ومن ثم فإن الشريك أو المساهم التبعي يطبق بالنسبة للفاعل الأصلي الذي ثبتت له صفة الزوجية، وبالنسبة للظروف، ولذلك لا نرى كما يذهب البعض إلى معاقبة المحرض أو المساعد في جريمة الزوج بالعقوبة المقررة للقتل العمد في المادة 234 عقوبات .
ثانياً : مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا :
يشترط لإعمال المادة 237 عقوبات أن يكون الزوج قد فاجأ زوجته وهي متلبسة بالزنا، وقد حدد المشرع في المادة 30، إجراءات حالات التلبس بالجريمة .
ولذلك ثار التساؤل: هل يلزم أن تتوافر إحدى تلك الحالات حتى يمكن إعمال المادة 237 يذهب الراجح فقهاً إلى أن التلبس المقصود في المادة 237 يختلف في مفهومه عن التلبس المحدد بالمادة 30 إجراءات ويكفي في هذا الصدد أن تشاهد الزوجة أو شريكها في ظروف لا تترك مجالاً للشك في أن الزنا قد وقع غير أننا نرى أن التلبس يجب أن يحمل على مفهومه المحدد بالمادة 30 إجراءات ذلك أن التلبس مفهوم قانوني إجرائي ومن ثم لزم الإلتجاء إلى قانون الإجراءات الجنائية لتحديده باعتبار أن التخفيف في العقوبة إنما هو أثر قانوني مترتب على توافر إحدى حالاته .
وإذا كان قضاء النقض قد استقر على أنه يكفي لإعمال حكم المادة 237 أن تشاهد الزوجة أو شريكها في ظروف لا تترك مجالاً للشك في أن الزنا قد وقع، فإن ذلك تطبيق للحالة الأولى من حالات التلبس وهي مشاهدة الجريمة حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة .
وقد استقر قضاء النقض أيضاً على أنه يكفي وجود مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، ويكفي أن تقتنع المحكمة بقيام العكس بالجريمة لإعمال حكم المادة 237 .
ويلزم أن يكون التلبس بالزنا مفاجأة للزوج وهذا يتحقق سواء في الفروض التي لم يكن فيها لدى الزوج أدنى شك في سلوك زوجته أو في تلك الفروض التي يساور فيها الزوج من الشكوك حول مسلك زوجته، فيكمن لها للتثبت من شكوكه .
أما إذا كان الزوج على علم يقيني بأن زوجته تخونه وأنه أراد الانتقام منها فمكن لها في مرة من مرات نزواتها وقتلها فلا يتوافر بالنسبة له التخفيف المنصوص عليها في المادة 237 إنما يخضع لأحكام جناية القتل العمدي .
ثالثاً : القتل أثر المفاجأة :
إذا كان الاستفزاز هو أساس التخفيف في العقوبة فمن المنطقي والطبيعي أن يشترط وقوع القتل أثر المفاجأة، ومعنى ذلك ألا يكون قد انقضى وقت بين المفاجأة بواقعة الزنا وبين القتل من شأنه أن يخفف أو يزيل من حدة الانفعال للموقف، وبعبارة أخرى يلزم أن يقع القتل في الحال، ولا يمنع توافر هذا الشرط أن يكون الزوج الجاني قد استغرق بعض اللحظات في البحث عن السلاح المستخدم .
ويقصد بوقوع القتل ارتكاب الفعل المادي الذي من شأنه إحداث الوفاة ولو تراخت النتيجة .
ويستوي أن يقع الاعتداء على الزوجة وحدها أو على شريكها وحده أو عليهما معاً .
فالتخفيف يستفيد منه الزوج إذا قتل الاثنين معاً أو قتل أحدهما، كما يستوي أن يكون الزوج قد قصد من الاعتداء القتل أو قصد الإيذاء الذي أدى بعد ذلك إلى الوفاة .
فالمشرع يسوي في التخفيف بين القتل العمدي والقتل المتعدي، ويذهب الراجح من الفقه إلى إعمال التخفيف أيضاً إذا اقتصر أثره الاعتداء على إحداث عاهة مستديمة، وذلك من باب أولى .
وقد أثار البعض تساؤلاً حول ما إذا كان من الممكن أن يتوافر سبق الإصرار في القتل أثر المفاجأة أم أن سبق الإصرار لا يتلاءم مع الاستفزاز فذهب البعض إلى أن سبق الإصرار لا يمكن أن يتلاءم وما يحدثه الاستفزاز في الجانب الانفعالي .
فلا يتصور أن يرتكب الجاني واقعة واحدة وفي وقت واحد بقصد جنائي في أقصى درجات جسامته، والمتمثل في سبق الإصرار وبقصد جنائي أقل جسامة نتيجة لتوافر ظرف الاستفزاز .
غير أن الراجح فقهاً هو أن سبق الإصرار يمكن أن يتلاءم ظروف الاستفزاز فحالة الانفعال المستمرة والناشئة عن الاستفزاز تساعد على استقرار فكرة الجريمة وتدفع بالجاني إلى الإعداد والتخطيط والإصرار على ارتكابها، فمن يشك في سلوك زوجته ويصمم على قتلها عند تأكده من خيانتها ثم يفاجأ بها متلبسة بالزنا فيقتلها يتوافر بالنسبة له سبق الإصرار .
وعموماً فإن توافر سبق الإصرار أو عدم توافره لا قيمة له قانوناً في إعمال حكم المادة 237 اللهم إلا إذا كان من شأنه توفره نفي عنصر المفاجأة المتطلب للتخفيف .
أثر توافر العناصر السابقة :
إذا توافرت العناصر السابقة وجب استبعاد أحكام مواد القتل العمدي أو القتل المتعدي أو الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، وإعمال نص المادة 237 ولا يلزم إثبات توافر حالة الإنفعال حتى يمكن الاستفادة من التخفيف باعتبار أن توافر العناصر القانونية المتطلبة لإعمال التخفيف من شأنه إحداث الأثر القانوني، بغض النظر عن الحكمة من التخفيف، فحكم المادة 237 يدور مع العلة وهي مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا وليس مع الحكمة وهي الاستفزاز .
العقوبة :
العقوبة المقررة للجريمة هي الحبس سواء تمثلت الجريمة في قتل عمدي أو قتل متعدي القصد أو ضرب أو جرح أفضى إلى عاهة مستديمة، ولا تتعدد العقوبة بتعدد الاعتداء على الزوجة وشريكها، فالحبس هو العقوبة المقررة سواء قتل الزوج الزوجة أو شريكها أو الاثنين معاً .
ولا عقاب على الشروع في القتل أو في الاعتداء باعتبار أن الواقعة المنصوص عليها في المادة 237 عقوبات هي جنحة، وفقاً للراجح فقهاً وقضاءً، والقاعدة هي أنه لا عقاب على الشروع في الجنح إلا بنص ولم ينص المشرع في المادة 237 على ذلك . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني، الصفحة : 86 )
(1) الصفة الخاصة في فاعل الجريمة :
اشترط المشرع للإستفادة من العذر المخفف المنصوص عليه في المادة التي نحن بصددها أن يكون الفاعل رجلاً، ولعله قد راعى في هذا العرف الذي يقضي بأن الدفاع عن العرض والشرف لا يقع إلا على عاتق الرجال، وإن كانت الحياة العملية لا تمنع من أن تندفع إلى القتل في هذه الحالة إمرأة، وهذه من الصور التي يحابي فيها القانون الرجال دون النساء .
ومن الناحية الأخرى لم يفتح المشرع باب العذر لكل رجل في الأسرة يندفع إلى الجريمة بدافع المحافظة على الشرف الذي مست به الجريمة، وإنما تخير أقرب الناس إلى الزوجة الزانية تمشياً مع الحكمة من العذر القانوني وعلى هذا إشتراط أن يكون الفاعل زوجاً، وهذه الصورة لا تتوافر إلا إذا كان الزنا واقعاً من الزوجة .
ووفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية قد يقع الطلاق بين الزوجين ويكون رجعياً أو بائناً، فإن كان رجعياً كان الزوج أن يراجع زوجته أثناء العدة دون حاجة إلى عقد ومهر جديدين، ومن ثم يعتبر الزواج قائماً حكماً، أما في الطلاق البائن فإن رابطة الزوجة تنفصم ولا تحل الزوجة لزوجها إلا بعقد ومهر جديدين فلا يكون هناك زواج قبل هذا فإن وقعت جريمة الزنا من المرأة أثناء الطلاق الرجعي وقتلها الرجل إنطبق العذر المخفف لأنها ما زالت زوجته .
وعلى أساس ما تقدم أيضاً لا ينطبق النص إذا كان الفاعل أباً أو أماً، وكانت مرتكبة الزنا هي الأبنة، أو كان القاتل أخاً للقتيلة، وتنطبق في حق أي منهم النصوص العامة .
(2) المفاجأة في حالة التلبس :
أوجب المشرع لتوافر العذر المنصوص عليه في المادة التي نحن بصددها أن تكون جريمة الزنا في حالة التلبس وأن يتوافر عنصر المفاجأة للزوج .
إن أول ما يلفت النظر في نص المادة التي نحن بصددها أن تستعمل عبارة التلبس بالزنا، ويلاحظ عليها أمران، الأول فيهما أن التلبس حالة لا تلازم مرتکب الفعل وإنما هو وصف يلحق بالجريمة ذاتها، ذلك أن المسلم به أن الجريمة قد تكون في حالة تلبس دون أن يعرف الفاعل لها بعد وهذا هو ما دعا المشرع إلى إستعمال عبارة تكون الجريمة متلبساً بها في المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن كان يستعمل عبارة تلبس الجاني بالجناية في المادة الثامنة من قانون الجنايات الأهلي، والأمر الآخر، أن المشرع إستعمل لفظ التلبس في المادة التي نحن بصددها تاركاً تعريفه إلى قانون الإجراءات الجنائية وهذه مسألة منطقية .
وتنص المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية على أن تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها أو عقب إرتكابها ببرهة يسيرة وتعتبر الجريمة متلبساً بها إذا اتبع المجني عليه مرتكبها، أو تبعته العامة مع الصياح أثر وقوعها، أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراق أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك .
وإذا أردنا تطبيق نص المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية بصدد جريمة الزنا لوجدنا أنه من النادر تحقق إحدى أموره، ولذلك فالتلبس في تلك الجريمة يتوافر متى وجد المتهم في ظروف تقطع بحصول فعل الزنا منه وتؤخذ من واقع الحال من ذلك مفاجأة الجاني خالعاً ملابسه الخارجية ولباسه ومختفياً تحت مقعد في غرفة مظلمة بينما كانت الزوجة في حالة إضطراب وكانت تتظاهر بادئ الأمر بالنوم عند دخول زوجها ومفاجأته .
ولقد اشترط المشرع في صورة التلبس عنصر المفاجأة وعبر عن هذا بقوله " من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا "، وهذا ما يستدعي التساؤل عما إذا كانت المفاجأة توجب مشاهدة الواقعة بغير توقع سابق أم من الممكن أن تحصل المفاجأة رغم هذا التوقع، بمعنى هل ينطبق النص بالنسبة إلى الزوج الذي يجد نفسه دون مقدمات سابقة إزاء حالة تلبس بالزنا من زوجته، وكذلك في حالة من تشكك في أخلاق زوجته فأخذ يتحين الفرص لمراقبتها ثم يتيقن من مشاهدة الواقعة أمامه؟ في رأينا أن النص ينطبق في الصورتين لأن هذا أمر ظاهر في الحالة الأولى، وعنصر المفاجأة متوافر في الحالة الثانية بمشاهدة الواقعة التي كان مشكوكاً في إمكان حدوثها .
(3) القتل في الحال :
إن الحكمة التي من أجلها خفف الشارع العقاب على جريمة القتل ونزل بنوع الجريمة إلى درجة الجنحة هي أن الفاعل وقد فوجئ بمشاهدة حالة التلبس بالزنا يفقد في غالب الأحيان السيطرة على أعصابه ويندفع إلى إرتكاب الجريمة دفاعاً عن شرفه ومن ثم كان من المنطقي اشتراط المشرع أن تقع جريمة القتل في الحال، لأنه لو انقضى وقت بعد مشاهدة الواقعة لأمكن للزوج أن يتروى ويعمل فكره فإن أقدم على الجريمة لكان دافعه إليها الإنتقام .
العقوبة :
إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة التي نحن بصددها تعين على القاضي أن ينزل بالعقوبة إلى الحبس الذي لا تجاوز مدته ثلاث سنوات، ومن حق القاضي أيضاً أن يوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات إعمالاً لحكم المادة (55) من قانون العقوبات . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 440 )
سبب تخفيف العقوبة في النص هو عذر الاستفزاز وإن لم ينص على ذلك صراحة وهذا العذر كما يفهم من المادة خاص بالزوج دون الزوجة فالزوجة التي تقتل زوجها حال تلبسه بالزنا لا تنطبق عليها المادة المذكورة ولا عذر لها في نظر القانون كما أن هذا العذر قاصر على الزوج فلا يشمل أقارب الزوجة ولو كانوا الصق بها وهذه التفرقة غير مفهومة في بلد كمصر ولا يعذر الزوج إلا إذا ارتكب القتل في الحال فإذا انقضى زمن كاف لزوال أثر التهييج والغضب سقط العذر وعوقب الزوج طبقاً للأحكام العامة وتقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة الزوج مسألة تقدير يترك أمرها للقاضي ويعاقب الزوج في هذه الحالة بالحبس فقط وإذن تعتبر جريمته جنحة ولا عقاب على الشروع فيها .
شروط تطبيق المادة 237 عقوبات :
يجب لتطبيق هذا العذر أن تتوافر شروط ثلاثة أولاً - صفة في الجاني بأن يكون زوجاً للزانية والثاني أن يفاجأ بزوجته في حالة تلبس والثالث أن يقتلها في الحال هي ومن يزني بها أو أحدهما وفيما يلي تفصيل لازم لكل شرط :
الشرط الأول : صفة الجاني :
يجب أن يكون الجاني زوجاً للمجني عليها وتحدد صفة الزوجية طبقاً للقوانين الخاصة بالأحوال الشخصية وعلى ذلك فإنه يشترط لقيام جريمة الزنا أن تكون الزوجية قائمة بين الزوج وزوجته الزانية سواء كانت قائمة فعلاً أم حكماً فقيد الزواج هو الذي يلزم المرأة بالأمانة والإخلاص لزوجها فلا ترتكب المرأة جريمة الزنا إذا وقع منها الوطء قبل عقد الزواج ولو حصل أثناء الخطبة وحملت منه المرأة ولم تضع إلا بعد زواجها إذ أن حقوق الزوجية لا تكتسب إلا بعقد الزواج .
ويجب أن تكون الزوجية صحيحة فعل أو حكماً أي أن يكون أحد طرفی الجريمة مرتبطاً بعقد زواج صحيح معترف به مستوف الشرائط لانعقاده وصحته فإذا كان النكاح فاسداً أو باطلاً فلا عقاب على ما يقع خلاله من زنا كما لايشترط لقيام صفة الزوجية أن يكون الزوج قد دخل بزوجته بل تتوافر علاقة الزوجية قانوناً متى تم العقد صحيحاً كذلك لا ضرورة لتحققه أن يكون زواجاً ثابتاً بوثيقة رسمية أو منعقداً على يد مأذون بل يكفي في هذا الصدد الزواج العرفي فمتى ثبت وجوده فهو عقد صحيح تقوم به الزوجية شرعاً وتترتب عليه آثاره ويعتبر الزواج قائماً في حالة الطلاق الرجعي إذا زنت المرأة في فترة العدة إذ أن الطلاق الرجعي وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية لا ينهى صلة الزوجية .
ومادام العقد صحيحاً فلا عبرة بكون الفعل قد ارتكب قبل الدخول بالزوجة أو بعد ذلك .
ولا عقاب على الزنا الذي يقع بعد انحلال الرابطة الزوجية بوفاة أو بطلاق بائن بينونة صغرى أو بينونة كبرى وذلك لانتهاء صلة الزوجية فإذا زنت المرأة بعد طلاق بائن أياً كان نوعه فلا سبيل للزوج عليها ولو حصل الزنا خلال أيام العدة .
ولايسقط حق الزوج في الإفادة من العذر المخفف لو سبق زناه والمسألة مختلف عليها في الفقه وعلة ما نراه أن حرمان الزوج هذه الميزة إسقاط لحقه والإسقاط لايفترض ولا يعمل فيه بالقياس ولو شاء المشرع إسقاط حق الزوج من الاستفادة من العذر المخفف لسبق زناه لقيد مطلق نصه وقرر صراحة حرمانه من هذه الميزة كما نص على حرمانه من تقديم الشكوى ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق زناه .
ولأن الجنحة لاتقع إلا من الزوج دون سواه فإنه إذا كان معه فاعل آخر يؤاخذ هذا الفاعل عن جناية قتل عمد عادية بينما يسأل الزوج عن الجنحة ويعاقب هذا الفاعل الآخر بعقوبة الجناية من باب أولى حين يرتكب القتل وحده دون الزوج أما إذا كان مع الزوج مساهم ساعده في القتل دون أن يأتي معه عملاً تنفيذياً فيه فإن هذا المساهم يعد شريكاً في جنحة لا جناية لأنه يستمد إجرامه من فعل الفاعل وهو هنا جنحة ولكن يتغير الحكم حين يكون الشريك في القتل هو الزوج بينما يكون الفاعل شخصاً آخر فعندئذ يعتبر الفاعل مرتكباً لجناية قتل عمد ويعد الزوج شريكاً له في هذه الجناية دون أن يستفيد بتوقيع عقوبة الجنحة إذ يستمد إجرامه من الفعل الأصلي وهو في ذلك الفرض جناية .
الشرط الثاني : مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا :
لايعذر الزوج إلا إذا ارتكب القتل لدى مفاجأته لزوجته حال تلبسها بالزنا ويراد بالتلبس بالزنا نفس المعنى المقصود من هذه العبارة في المادة 276 ع فلا يشترط في حالة التلبس أن تشاهد الزوجة وشريكها حال ارتكاب الزنا بالفعل أو عقب ارتكابه ببرهة يسيرة بل يكفي أن تكون الزوجة وشريكها قد شوهدا في ظروف لاتترك مجالاً للشك عقلاً في أنهما ارتكبا الفعل المكون للزنا .
وقد قيل بأن التلبس في مفهوم المادة 237 عقوبات يراد به ضبط الزنی وقت ارتكابه أو عقب ارتكابه ببرهة يسيرة يصح اعتباره امتداداً لزمنه والدليل على ذلك أن المشرع يتحدث في هذه المادة عن قتل الزوجة وشريكها فهو يتصور لانطباق الحكم أن يتكشف الزنى لحظة وقوعه أو بعده ببرهة وجيزة لا يتاح فيها للزانية ولا للزاني مغادرة مسرح الخطيئة وهذا يقطع بلزوم التقارب الشديد بين زمن ارتكاب الزني وزمن اكتشافه وهذا أكثر اتفاقاً مع مفهوم التلبس في الأذهان فالتلبس لغة واصطلاحاً ليس جوهره الدليل القاطع وإنما جوهره التعاصر أو التقارب الزمني الشديد بين وقوع الأمر واكتشافه .
واشترط المشرع في صورة التلبس عنصر المفاجأة وعبر عن هذا بقوله " من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا " وهذا ما يستدعي التساؤل عما إذا كانت المفاجأة توجب مشاهدة الواقعة بغير توقع سابق أم الممكن أن تحصل المفاجأة رغم هذا التوقع بمعنى هل ينطبق النص بالنسبة إلى الزوج الذي يجد نفسه دون مقدمات سابقة إزاء حالة تلبس بالزنا من زوجته وكذلك في حالة من تشكك في أخلاق زوجته فأخذ يتحين الفرص لمراقبتها ثم يتيقن من مشاهدة الواقعة أمامه ؟ قيل بأن النص ينطبق في الصورتين لأن هذا أمر ظاهر في الحالة الأولى وعنصر المفاجأة متوافر في الحالة الثانية بمشاهدة الواقعة التي كان مشكوكاً في إمكان حدوثها . وفي ذلك فقد طرحت أمام محكمة النقض والإبرام قضية نسب فيها للمتهم أنه أحس بوجود صلة غير شريفة بين المقتول وزوجته فأراد أن يقف على جلية الأمر بعد أن سأل زوجته في هذا الشأن وأنكرت فتظاهر أنه ذاهب إلى السوق وكمن لها في المنزل حتى إذا ما حضر المقتول واختلى بالزوجة وأخذ يراودها ويداعبها إلى أن اعتلاها فعلاً برز لها من مكمنه وانهال على المقتول طعناً بالسكين حتى قتله أما الزوجة فقد ولت هاربة واختفت في منزل الجار فبعد أن بينت المحكمة آراء الشراح على الوجه المتقدم قالت أن الفعل المسند إلى المتهم ينطبق على الحالة الثانية السابق ذكرها وعاملته طبقاً للمادة 237 عقوبات .
وهذه الصورة تختلف عن صورة أخرى يتأكد فيها الجاني من وقوع الجريمة ولكنه يتحين الفرص لضبط المرأة والاعتداء عليها وفي هذه الصورة ينتفي سبب العذر بمعنى أنه إذا كان الزوج متيقناً من خيانة زوجته فكان مدفوعاً بالرغبة في الانتقام منها ولكنه يريد قتلها في ظروف تثبت فيها خيانتها فاحتال حتى ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها لا يستفيد من سبب التخفيف إذ لم يفاجأ بالزنا فما كان يعتقده هو ما قد تحقق .
والخلاصة هي أنه يجب أن يفاجأ الزوج بحالة التلبس وعبارة النص توحي أن المفاجأة تكون للزوجة وهو ما يعتقده البعض ولكن الأدق هو أن المفاجأة يجب تكون للزوج نفسه إذ بغير ذلك لا تتحقق حكمة التخفيف والواقع أن مشاهدة الزوج للزوجة متلبسة " بالجريمة " هي مفاجأة لها في جميع الأحوال أما الزوج فقد يكون في الأمر مفاجأة له وقد لا يكون إذ لا يستبعد سبق علمه على وجه اليقين بالاتصال الجنسي بين الزوجة وشريكها ولا يستبعد مع ذلك أن يتظاهر بالغفلة استدراجاً لعشيق الزوجة لكي يتم له القضاء عليه وفي هذه الحالة أي عند انتفاء مفاجأة الزوج بالخيانة وقت القتل لا يستفيد من العذر وبالتالي فإنه يسأل عما يقع منه أن قتلاً أو شروعاً فيه أو إحداث عاهة مستديمة مع ما يمكن أن يقترن بالفعل من ظروف مشددة في هذه الأحوال مثل سبق الإصرار أو الترصد .
ويعتبر الفعل زني يقوم به العذر ولو كان شريك الزوجة صبياً لم يبلغ الحلم أو شيخاً طاعناً في السن أو شخصاً لا يقدر على الإنجاب أو كانت الزوجة نفسها قد بلغت سن اليأس ذلك أن تجريم الزنا لا يقصد به إلى منع اختلاط الأنساب فحسب بل يقصد به أساساً إلى صيانة حرمة الزواج .
ولما كان ما دون الوطء من الفاحشة لا يعد زني فإن التلبس به لا يكفي لانطباق حكم المادة 237 فلا يعذر الزوج إذا ثارت ثائرته لمرأى هذه الأفعال فقتل زوجته وشريكها على أن ذلك لا يمنع بطبيعة الحال من تطبيق المادة 17 عقوبات إذا اقتنع القاضي بدواعي تطبيقها ومن قبيل أعمال الفحش التي لاتعد وطئاً العناق والتقبيل والمساحقة والمضاجعة التي لا ينضو العاشقان فيها ما عليهما من ثياب وأخيراً فإنه يلاحظ افتراض رضاء الزوجة بفعل الزنى فإن أكرهت على تحمل الوطء كان الفعل اغتصاباً في القانون لا زنی ولا عذر للزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي ضحية اغتصاب من جانب الغير فيقتلها وهو يعلم أنها مغلوبة على أمرها فإن قتلها عوقب طبقاً للقواعد العامة .
ولايتطلب النص أن يكون تلبس الزوجة بالزنا حاصلاً في منزل الزوجية فينطبق النص ولو كان الزوج قد ضبطها كذلك خارج بيتها .
الشروط الثالث : حدوث القتل في الحال :
يشترط النص أن يكون القتل في الحال لأن سبب العذر هو الغضب الوقتي الناتج عن الإهانة الحاضرة فإذا انقضى زمن كاف لزوال أثر الغضب سقط العذر وعوقب الزوج طبقاً لأحكام العامة وتقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة الزوج مسألة موضوعية يترك أمرها للقاضي .
وقد قيل في ذلك بأنه ولو أن المادة 238 عقوبات يستلزم القتل "في الحال" أي فور مشاهدة الزنا إلا أن المقصود بذلك أن يقع القتل ولو بعد تلك المشاهدة بزمن يسير مادام الزوج قد ارتكبه وهو لا يزال واقعاً تحت تأثير الثورة النفسية الفجائية فلا ينفي هذا الشرط مضى زمن قضاه الزوج في البحث عن سلاح يرتكب به القتل فالمهم ألا يمضى من الزمن ما يستفاد منه عدول الزوج ولو مؤقتاً عن تنفيذ القتل تبعاً لزوال حالة الهياج الفجائي من نفسه والرأي في تقدير ذلك لقاضي الموضوع .
الجرائم التي ينطبق فيها هذا العذر :
تنص المادة 237 عقوبات صراحة على استبدال عقوبة الحبس بالعقوبات المقررة في المادتين 234، 236 فيترتب إذن على العذر تخفيف العقوبات المقررة لقتل العمد وللضرب المفضي إلى الموت والرأي الراجح أنه يترتب عليه من باب أولى تخفيف العقوبة المقررة لجناية الضرب أو الجرح الذي نشأت عنه عاهة مستديمة .
المحكمة المختصة :
ذهب رأى في الفقه إلى أنه تختص بنظر الدعوى في هذه الحالة محكمة الجنايات وإن كانت ملزمة قانوناً متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 237 من قانون العقوبات بأن تطبق عقوبة الجنحة ذلك لأن وصف الواقعة أصلاً جناية ولا يعمل حكم المادة المشار إليها إلا بعد التحقق من توافر شروطها والقول بتوافر هذه الشروط أو عدم توافرها يكون لمحكمة الجنايات فإن رأت قيامها أوقعت عقوبة الجنحة وإلا فإنها توقع عقوبة الجناية إلا أن الرأي الراجح يذهب إلى اختصاص المحكمة الجزئية بها كجنحة ومن ثم فلا اختصاص لمحكمة الجنايات بها .
وقد أخذت محكمة النقض باختصاص محكمة الجنح بها دون محكمة الجنايات فقضت بأن القانون إذ نص في المادة 237 عقوبات على أن من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236 قد أفاد أنه أراد أن يجعل من القتل في هذه الحالة جريمة خاصة أقل جسامة ثم أنه لما كان قد عرف في المادة 10 عقوبات الجنايات بأنها هي المعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو السجن وفي المادة 11 عقوبات الجنح بأنها هي المعاقب عليها بالحبس الذي يزيد أقصى مقدارها على جنيه مصرى فإن الجريمة المنصوص عليها في تلك المادة تكون بحكم القانون جنحة لأن عقوبتها الأصلية هي الحبس وجوباً لا جوازاً كما هو الشأن في الجنايات التي تلبسها الظروف القضائية المخففة أو الأعذار القانونية وإذن فإن الحكم فيها من اختصاص محكمة الجنح لا محكمة الجنايات ولايصح القول بأن تقدير العذر يجب أن يترك إلى محاكم الجنايات فإن القانون لا يوجد فيه نص يقضي بذلك أو بإخراج الوقائع التي تعتبر جنحاً لما لابستها من عذر قانونی مخفف من اختصاص محكمة الجنح . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 331 )
في التعزير في القتل
المواد من (203) إلى (205) :
مادة (203) : إذا لم يتوافر موجب الحكم بالقصاص وفق أحكام المواد (189) و(190) و(191) و (200)، أو إذا حكم بالدية أو سقط القصاص - يحكم بالعقوبة التعزيرية المقررة للفعل في هذا القانون أو أي قانون آخر .
الإيضاح :
يتضمن هذا الفصل أحكام التعزير على القتل إذا لم يقتص من الجاني .
والمعاصي بالنسبة للتعزير ثلاثة أنواع :
(أ) نوع فيه حد ولا كفارة فيه، كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، فهذا يكفي فيه الحد عن التعزير .
صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا إلى ما يقول سید کم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني». وفي رواية: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن». (صحيح البخاري بهامش فتح الباري ج (12) ص (142)) .
قال النووي في شرح مسلم: «وقال الماوردي وغيره: ليس قوله، هو لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفة سعد بن عبادة لأمره صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه الإخبار عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل عند امرأته، واستيلاء الغضب عليه، فإنه حينئذ يعاجله بالسيف، وإن كان عاصياً» .
3- قال الإمام المطلبي في مختصر المزني: «لو قتل رجل رجلاً، فقال: وجدته على امرأتي. فقد أقر بالقود وادعى». أي: أقر بالقصاص، وادعى وجود الرجل على امرأته «فإن لم يقم البينة قتل». ومعنى هذا أنه إذا أقام القاتل البينة على الزنا لم يقتل .
4- وقد اختلف الفقهاء في البينة التي يعفى القاتل بموجبها من القتل قصاصاً .
5- فمذهب الجمهور: أنها أربعة شهداء، كما في الزنا.
6- ومذهب الحنابلة: أنه إذا وجد رجلاً يزني بامرأته فلا قصاص عليه ولا دية، إلا أن تكون المرأة مكرهة فعليه القصاص، هذا إذا كانت بينة أو صدقه الولي، وإلا فعليه الضيان في الظاهر، والبينة عندهم شاهدان، وهو ما اختاره أبو بكر (الإقناع ج (4) ص (291)).
7- ومذهب المالكية: أن قاتل الزاني غير المحصن يقتل به إلا أن يقول: وجدته مع زوجتي. وثبت ذلك بأربعة يرونه، كالمرود في المكحلة، فقتله، فإنه لا يقتل بذلك سواء كان الزاني محصناً أو بكراً؛ لعذره بالغيرة التي صيرته كالمجنون.
وقيل: عليه الدية في ماله، إن كان بكراً. وقيل: هدر. فإن لم يكن إلا مجرد قوله: وجدته مع زوجتي. قتل به، إلا أن يأتي بلطخ - أي بشاهد واحد - أو لفيف من الناس يشهدون رؤية المرود في المكحلة، فلا يقتل به لدرئه بالشبهة.
وذهب بعض الحنابلة والمالكية إلى أن شهادة العدلين كافية لإسقاط القصاص.
ونقل عن بعض العلماء قبول الأمارات الدالة على الصدق. وظاهر ذلك ما روي من أن رجلاً غيوراً قيل له حين نزلت الحدود: أرأيت لو أنك رأيت مع امرأتك رجلاً، أي شيء كنت تصنع؟ قال: كنت ضاربها بالسيف، أأنتظر حتى أجيء بأربعة إلى ما ذاك، وقد قضى حاجته وذهب، أو أقول: رأيت كذا وكذا فتضربوني الحد، ولا تقبلوا لي شهادة أبدا. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كفى بالسيف شاهدا». ثم قال: «إني أخاف أن يتابع في ذلك السكران والغيران».
8- قال السبكي في تكملة المجموع: «اختلف العلماء من السلف في من وجد مع امرأته رجلا فقتله، هل يقتل به أو لا؟ فقال بعضهم: يقتل به؛ لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الحاكم. وقال بعضهم: لا يقتل، ويعزر في فعله إذا ظهرت أمارات صدقه.
9- وروي أنه يكفي شاهدان؛ لأن البينة تشهد على وجوده على المرأة، وهذا يثبت بشاهدين، وإنما الذي يحتاج إلى الأربعة الزنا، وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنا، فإن قيل: فحديث عمر في الذي وجد مع امرأته رجلاً ليس فيه بينة، وكذلك روي أن رجلا من المسلمين خرج غازيا وأوصى بأهله رجلا، فبلغ الرجل أن يهودياً يختلي إلى امرأته، فكمن له حتى جاء فقتله، فرفع ذلك إلى عمر فأهدر دمه. فالجواب: أن ذلك ثبت عنده بإقرار الولي، وإن لم تكن بينة، فادعى علم الولي بذلك، فالقول قول الولي مع يمينه).
10- وقد روي عن عمر رضي الله عنه: «أنه كان يوماً يتغذى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سیف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني ضربت فخذي امرأتي، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر: ما يقول؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة. فأخذ عمر سيفه فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد». رواه سعيد في سننه.
(تبصرة الحكام ج (2) ص (185) الطبعة الثانية، تكملة المجموع ج (14) من ص (34) حتى ص(36)، والمغني لابن قدامة ج (9) ص (165) و(166)، وصحيح البخاري بهامش فتح الباري ج (2) ص (142)، والمهذب ج (2) ص (225)، والإقناع ج (4) ص(291)).
11- فالحاصل أن ثمة أمارات ودلائل في الفقه لا توجب القصاص على قاتل زوجته، أو من يزني بها، أو هما معاً، إذا رآهما في حالة تلبس بالزنا، وقد اختار المشروع الأخذ بهذا النظر؛ لأنه يتفق مع طبائع الأمور ذلك بأن الزوج الذي يفاجأ بمشاهدة زوجته في حالة تلبس بالزنا لا يستساغ معاقبته معاقبة القاتل المعتدي بغير عذر، كما أنه من غير المستساغ أيضا مطالبته في هذه الحالة بإقامة الدليل الشرعي على ثبوت الزنا، وهو أربعة شهداء، فضلا عن أن الزوج الذي يتدبر أمره حتى يأتي بأربعة شهداء تنحسر عنه تلك الحالة التي تسببها المفاجأة، وما يترتب عليها من ثورة نفسية عارمة، هي المناط في اعتباره معذوراً وتخفيف العقوبة أو رفعها كلية. ولما كان المجال هنا مجال إسقاط للقصاص، وليس مجال إثبات للزنا الذي يشترط فيه شهادة أربعة شهداء - فقد رأى المشروع أن يكون الإثبات - في حالة من يفاجأ بمشاهدة زوجته حال تلبسها بالزنا فقتلها في الحال هي أو من يزني بها - بكافة الطرق المقررة في قانون الإجراءات الجنائية، هذا ولا يشترط في حالة التلبس بالزنا مشاهدة الفعل ذاته، وإنما يكفي في ذلك وجود ما ينبئ بما لا يدع مجالاً للشك بحصول الزنا فعلاً، ومرد تقدير ذلك متروك لقاضي الموضوع، وقد شمل نص هذه المادة من المشروع أيضاً البنت والأم والأخت بجامع حصول الغيرة على كل، وهو ما يتفق وطبيعة النفس البشرية التي تحرص على طهارة العرض، بل إن الزوج قد يتخلص من عار زوجته بطلاقها، في حين أنه لا سبيل إليه للخلاص من عار زنا ابنته أو أمه أو أخته.
هذا ورفع القصاص في هذه الحالة لا يؤدي إلى الإفلات من أية عقوبة، وإنما توقع عقوبة تعزيرية؛ لأن بالك النفس مأمور به على أنه حال.
ويشترط النص فيها يشترط أن يفاجأ القاتل بحالة التلبس بالزنا، وأن يرتكب القتل في الحال.
فإذا كان على علم مسبق بالزنا أو سهل حصوله أو ساهم في إتمامه أو تباطأ ففات أثر المفاجأة، فإنه لا يتمتع بحكم هذه المادة.
وقد أخذ المشروع بالتدرج في العقوبة فجعلها الحبس في حالة القتل، وأما في حالة ما إذا نشأ عن الفعل عاهة مستديمة فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، ولا عقاب في غير هاتين الحالتين، وفي جميع الأحوال فإنه لا يجوز المطالبة بدية أو تعويض أمام أية محكمة عن القتل أو العاهة أو ما دونها. وغني عن البيان أن بقاء أي ممن شوهد في حالة التلبس بالزنا على قيد الحياة لا يمنع من إقامة حد الزنا عليه، إذا ما توافرت شروط إقامة هذا الحد شرعاً .
مادة (205) : مع عدم الإخلال بالدية أو الغرة تطبق على القتل أو إسقاط الجنين الذي يقع من غير البالغ بالأمارات الطبيعية أحكام هذا القانون والقانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث.
ومع ذلك يجوز الحكم بالضرب بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين، بدلاً من التدبير المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه .
الإيضاح :
تعالج هذه المادة جريمة القتل أو جريمة إسقاط الجنين إذا ارتكبها غير البالغ بالأمارات الطبيعية، ونصت على أنه - مع عدم الإخلال بالدية أو الغرة -: تطبق على القتل وإسقاط الجنين أحكام هذا القانون وقانون الأحداث.
وجوزت هذه المادة الحكم بضربه بعصاً رفيعة من عشر إلى خمسين، بدلاً من التدبير المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه.