1 ـ لما كان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه حين دان الطاعن طبقاً للمادة 241 من قانون العقوبات قد إستند فى قضائه - ضمن ما إستند إليه من أدلة إلى التقرير الطبى، وإكتفى بالاشارة إلى أن إصابة المجنى عليه بكسر بالساعد الأيمن. دون أن يبين المدة اللازمة لعلاجها من واقع التقرير الفنى. وكان شرط تطبيق المادة 241 من قانون العقوبات أن يكون المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية الذى نشأ عن الضرب أو الجرح قد زاد على عشرين يوماً، وأنه وإن كانت المحكمة ليست ملزمة عند تطبيق المادة 242 من القانون المشار إليه أن تبين الإصابات أو درجة جسامتها على إعتبار أنه يكفى لتطبيق أحكام تلك المادة أن يثبت حصول ضرب ولو لم يتخلف عنه آثار أصلاً، إلا أنه يجب عليها فى مجال تطبيق المادة 241 سالفة البيان أن تبين أثر الجروح والضربات ودرجة جسامتها، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يبين مدى أثر الإصابة التى أحدثها الطاعن بالمجنى عليه على جسمه من مرض أو عجز عن أشغاله الشخصية، فإنه يكون مشوباً بالقصور
(الطعن رقم 47242 لسنة 59 جلسة 1997/05/26 س 48 ع 1 ص 656 ق 97)
2 ـ من المقرر أن شرط تطبيق المادة 241 من قانون العقوبات أن يكون المرض أو العجز عن الاشغال الشخصية التى نشأ عن الضرب أو الجرح قد زاد على عشرين يوما مما يتعين معه على المحكمة عند تطبيق تلك المادة أن تبين أثر الضربات والجروح ومدى جسامتها، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بالمادة 241 من قانون العقوبات قد استند فى قضائه بذلك الى ما جاء بمحضر الضبط دون إيراد مضمونه وبيان وجه استدلاله به على ثبوت التهمة بعناصرها عليه ومبلغ جسامتها، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
(الطعن رقم 5683 لسنة 62 جلسة 1995/02/13 س 46 ص 367 ق 54)
3 ـ لما كان من المقرر أن الحكم الصادر بالادانة يجب أن يبين مضمون كل دليل من أدلة الثبوت التى استند إليها و أن يذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به لكى يتسنى لمحكمة النقض مراقبة تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم و كان من المقرر كذلك أن شرط تطبيق المادة 241 من قانون العقوبات أن يكون المرض أو العجز عن الاشغال الشخصية الذى نشأ عن الضرب أو الجرح قد زاد على عشرين يوماً مما يتعين معه على المحكمة عند تطبيق تلك المادة أن تبين أثر الضربات و الجروح و مدى جسامتها ، و كان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بالمادة 1/241 من قانون العقوبات قد استند فى قضائه بذلك إلى أقوال المجنى عليهم و التقارير الطبية دون أن يورد مؤدى تلك الأقوال و التقارير و يبين وجه استدلاله بها على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية و دون أن يبين أثر الإصابات التى أحدثها الطاعنان بالمجنى عليهما و مبلغ جسامتها .
(الطعن رقم 2631 لسنة 50 جلسة 1981/04/26 س 32 ص 399 ق 71)
4 ـ متى كان الثابت بالأوراق أن النيابة العامة كانت قد نسبت أيضاً إلى المجني عليه وشقيقه أنهما فى تاريخ الحادث ضربا الطاعن فأحدثا به إصابات أعجزته عن أشغاله الشخصية لمدة تزيد عن عشرين يوماً، وطلبت من المحكمة عقابهما بالمادة 241 من قانون العقوبات، وقد قررت المحكمة فصل هذه الجنحة من جناية إسناد العاهة المسندة للطاعن وإحالتها إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها - وكان ما قاله الحكم لا يصلح رداً لنفي ما آثاره الطاعن من أنه كان فى حالة دفاع شرعي عن نفسه وماله، ذلك أن الحكم حين أفصح عن اقتناعه بعدم صحة هذا الدفاع بمقولة إنه لم يتأيد بأي دليل قد أغفل كلية الإشارة إلى الإصابات التي حدثت بالطاعن والتي اتهم بإحداثها المجني عليه وشقيقه ولم يرد بشيء على ما ذكره محامي الطاعن فى مرافعته من أن هذين الأخيرين كانا يحاولان اقتلاع شجرة قائمة فى ملكه وحين تصدى لمنعهما اعتديا عليه بالضرب فأحدثا به إصابات أعجزته عن أشغاله الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوماً مما أدى إلى وقوع الحادث، كما لم يتعرض الحكم لاستظهار الصلة بين هذا الاعتداء الذي وقع على الطاعن والاعتداء الذي وقع منه وأي الاعتداءين كان الأسبق وأثر ذلك فى قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي لديه - فإن الحكم يكون قاصر البيان.
(الطعن رقم 1449 لسنة 48 جلسة 1978/12/28 س 29 ع 1 ص 976 ق 202)
5 ـ من المقرر أن الحكم الصادر بالإدانة يجب أن يبين مضمون كل دليل من أدلة الثبوت التي استند إليها وأن يذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به لكي يتسنى لمحكمة النقض مراقبة تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم - لما كان ذلك - وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حين دان الطاعن طبقاً للمادة 241 من قانون العقوبات، واستند فى قضائه ضمن ما استند إليه من أدلة إلى التقرير الطبي قد اكتفى بالإشارة إلى أن إصابات المجني عليه هي جرح طعني نافذ بالجهة اليسرى من البطن وجرح قطعي بالأذن اليسرى من ضربة سكين دون أن يبين المدة اللازمة لعلاجها من واقع التقرير الفني، وكان شرط تطبيق المادة 241 من قانون العقوبات أن يكون المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية الذي نشأ عن الضرب أو الجرح قد زاد على عشرين يوماً، وأنه إن كانت المحكمة ليست ملزمة عند تطبيق المادة 242 من القانون المشار إليه أن تبين أثر الإصابات أو درجة جسامتها على اعتبار أنه يكفي لتطبيق أحكام تلك المادة أن يثبت حصول ضرب ولو لم يتخلف عنه آثار أصلاً، إلا أنه يجب عليها فى مجال تطبيق المادة 241 سالفة البيان أن تبين أثر الجروح والضربات ودرجة جسامتها، فإن الحكم المطعون فيه إذا لم يبين مدى أثر الإصابات التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه على جسمه من مرض أو عجز عن أشغاله الشخصية يكون مشوباً بالقصور بما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة.
(الطعن رقم 250 لسنة 45 جلسة 1975/04/06 س 26 ص 304 ق 71)
6 ـ لا يجدى للطاعن أن يجادل فى إنطباق المادة 241 من قانون العقوبات التى آخذه بها الحكم ، ما دام قد أثبت فى حقه أنه ضرب المجنى عليه ضرباً أحدث أذى بجسمه ، و كانت العقوبة التى أوقعها عليه داخلة فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة الضرب المنصوص عليها فى المادة 242 من قانون العقوبات .
(الطعن رقم 1324 لسنة 40 جلسة 1970/11/01 س 21 ع 3 ص 1037 ق 248
7 ـ شرط تطبيق المادة 241 من قانون العقوبات أن يكون المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية الذى نشأ عن الضرب أو الجرح قد زاد على عشرين يوما.و أنه وإن كانت المحكمة ليست ملزمه عند تطبيق المادة 242 من القانون المشار إليه أن تبين أثر الإصابات أو درجة جسامتها عاى إعتبار أنه يكفى لتطبيق أحكام تلك المادة أن يثبت حصول ضرب و لو لم يتخلف عنه آثار أصلا، إلا أنه يجب عليهب فى مجال تطبيق المادة 241 سالفة البيان أنتبين أثر الجروح و الضربات و درجة جسامتها.ولما كان الحكم المطعون فيه لم يبين مدى أثرالإصابةالتى أحدثها الطاعن بالمجنى عليه على جسمه من مرض أو عجز عن أشغاله الشخصية ، فإنه يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 1853 لسنة 36 جلسة 1967/01/30 س 18 ع 1 ص 114 ق 20)
8 ـ لا يجدى الطاعن أن يجادل فى إنطباق المادة 241 من قانون العقوبات التى أخذ بها الحكم ، ما دام الحكم قد أثبت فى حقه أنه ضرب المجنى عليه ضرباً أحدث أذى بجسمه ، و كانت العقوبة التى أوقعها عليه داخلة فى نطاق العقوبة المقررة للضرب المنصوص عليها فى المادة 242 عقوبات .
(الطعن رقم 977 لسنة 36 جلسة 1966/06/14 س 17 ع 2 ص 823 ق 155)
9 ـ إذا كان الحكم المطعون فيه لم يورد فى أسبابه ما يفيد تحقيق النتيجة التى يستقيم بها إنزال حكم المادة 241 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، فإنه يكون قاصراً عن بيان شرط تطبيق حكم المادة المذكورة .
(الطعن رقم 1553 لسنة 29 جلسة 1960/03/01 س 11 ع 1 ص 199 ق 38)
10 ـ إذا كان الثابت من التقرير الطبى الشرعى أن برأس المجنى عليه إصابتين و أن الوفاة نشأت عن إحداهما دون الأخرى ، و كان الحكم قد أقام قضاءه على أساس أن كلا المتهمين ضرب المجنى عليه و أنه لم يعرف أيهما أحدث الإصابة التى نشأت عنها الوفاة فآخذهما بالقدر المتيقن فى حقهما و دانهما بجنحة الضرب العمد المنطبقة على المادة 241 من قانون العقوبات و كانت العقوبة المقضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لهذه الجريمة ، فإن الحكم يكون سليماً و لا مخالفة فيه للقانون .
(الطعن رقم 1189 لسنة 25 جلسة 1956/02/06 س 7 ع 1 ص 136 ق 46)
الضرب الجسيم :
الذي ينشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما
مدلوله :
يتعين تتوافر هذه الجريمة أن ينشأ عن الضرب وما إليه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما، وهو ما يعد ظرفاً مشدداً لجريمة الضرب البسيط ويقصد بالمرض كل ما يصيب الصحة من ضرر عن طريق الإخلال بالوظائف الطبيعية للجسم البدنية منها والنفسية أما العجز عن الأشغال الشخصية فيراد به عدم قدرة المجني عليه على أداء أعماله البدنية العادية التي تتصل بحياته كإنسان، كتحريك اليد والسير على القدمين فلا عبرة بأعماله المهنية التي تتعلق بطبيعة المهنة التي يشتغل بها، ولا يحول دون توافر هذه النتيجة الحسيمة أن يثبت أن المجني عليه قد تمكن من أداء أعمال وظيفته رغم إصابته التي أعجزته عن أداء أعماله البدنية العادية كما لا يجوز احتساب العجز بالنظر إلى الأعمال غير العادية التي اعتاد المجني عليه أداءها قبل إصابته، كحمل الأثقال وممارسة رياضة عنيفة.
ولما كان العجز عن الأشغال الشخصية يعد مرضا بالمعنى الواسع، فإن ما عبر عنه القانون بالمرض كمرادف لهذا العجز يجب أن يكون على قدر من الجسامة بحيث يتساوى معه في الدرجة، والقول بغير ذلك يؤدي إلى أن القانون قد ميز بين نوعين من المرض دون موجب من القانون.
ويشترط أن يستمر المرض أو العجز لمدة تتجاوز عشرين يوماً، ويبدأ احتساب هذه المدة منذ اليوم الذي أحدث فيه الجاني النتيجة فمثلاً إذا أعطى الجاني للمجني عليه مواد ضارة فأصابه المرض بعد هذا الفعل بيومين، فإن المدة المذكورة تحتسب منذ تاريخ النتيجة لا منذ تاريخ الإعطاء ولا يكفي لمجرد إثبات استمرار المجني عليه في العلاج خلال هذه المدة، بل يجب أن يثبت أنه كان طوال هذه المدة يعاني عجزاً عن أشغاله الشخصية أو مرضاً بدنياً أو نفسياً في درجة جسامة هذا العجز ولهذا يشترط لصحة الحكم بالإدانة طبقاً للمادة 241 عقوبات أن تبين المحكمة عند تطبيقها لتلك المادة أثر الضربات والجروح ومدى جسامتها، فإن أغفل ذلك كان الحكم قاصراً. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 156)
الركن المادي في جرائم الضرب والجرح :
يقوم الركن المادي في الجرائم موضوع الدراسة على سلوك إنساني ينصب على جسم إنسان حي يتحقق به المساس بسلامة الجسم وهذا المساس بسلامة الجسم قد يأخذ شكل الضرب أو شكل الجرح أو بإعطاء مواد ضارة.
ويقصد بالضرب المساس بالجسم مسأسا من شأنه الضغط أو التأثير على الجسم كله أو جزء منه وهو سلوك يتسم عادة بالعنف بدرجات متفاوتة غير أنه قد يتحقق الضرب دون عنف مباشر على الجسم كما في حالة توجيه موجات كهربائية على جسم المجني عليه أو أخذ أعضائه.
ولا يشترط في الضرب أن يقع بوسيلة معينة، فجميع الوسائل سواء في نظر القانون فقد يستخدم الجاني يده أو قدمه أو أي عضو من أعضائه كرأسه أو ذراعه، كما قد يقع باستخدام سلاح أو عصا أو آله راضة أو حادة أو حيوان يتحكم فيه.
ومن ناحية أخرى قد يقع الضرب بطريق الامتناع كترك المجني عليه يتعرض للإصابة بآلة أتوماتيكية بتحكم الجاني أو بامتناع عن إعطائه دواء يمنع استعمال مرض معين أو يمنع تعرضه لأزمة مرضية.
ويجب أن ينصب فعل الضرب على جسم المجني عليه تستوي في ذلك أعضاؤه الخارجية أو الداخلية ولذلك يخرج من نطاق جرائم الضرب والجرح الأفعال التي تؤثر على معنويات المجني عليه ولو أدت إلى تغييرات في وظائف أعضائه الداخلية فلا يعتبر ضرباً إرهاب المجني عليه بإطلاق النار في الهواء أو بإفزاعه أو بتوجيه ألفاظ جارحة من شأنها أن تثير انفعاله مع ما يترتب على ذلك من تغييرات فسيولوجية قد تسبب مرضاً عصبياً أو عضوياً.
ويلاحظ أن الاعتداء بالضرب يتحقق به الركن المادي ولو كان بسيطاً لم ينشأ عنه أي أثر فالأثر المترتب على الضرب يعتد به الشرع فقط في تشديد العقوبة ولذلك يتحمل الجاني بالتشديد للأثر المترتب على الضرب ولو لم تتجه إليه إرادته.
وبناءً عليه فقد حكم بأنه ليس من الواجب في الحكم بالإدانة في جريمة الضرب البسيط أن يبين مواقع الإصابات ولا درجة جسامتها، لأن الضرب مهما كان ضئيلاً تاركاً أثراً أو غير تارك يقع تحت نص المادة 242/1 عقوبات.
أما بالنسبة للضرب المشدد بالنتيجة وهو الذي ينشأ منه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما، فإن المحكمة لابد أن تبين أثر الإصابات ودرجة جسامتها باعتبار أن ذلك الأثر المترتب على الضرب يؤدي إلى تشديد العقوبة وفقاً للمادة 241 عقوبات.
أما الجرح فيقصد به الفعل الذي يؤدي إلى قطع أو تمزق في الأنسجة سواء كان ذلك القطع أو التمزق ظاهراً أم غير ظاهراً.
وتستوي أيضا الأداة المستخدمة فقد تكون آلة حادة أو عصا أو سلاحا ناريا أو سلاحا أبيض. فالاعتداء الذي يترتب عليه جرح في جسم الإنسان أو في أحد أعضائه يتوافر به الركن المادي للجريمة وعادة يترتب على الجرح أثر.
غير أن توافر الأثر ليس عنصراً من عناصر الركن المادي للجريمة، وإنما يشكل، إذا توافرت له درجة معينة من الجسامة، ظرفاً مشدداً للعقوبة ولذلك فإن المحكمة، في جريمة الجرح البسيط، غير ملزمة بإثبات أثر الإصابات ولا الآلة المستخدمة في ارتكابه. وإنما يكون ذلك لازماً في جريمة الجرح المشدد بالنتيجة أو المشدد باستخدام أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات.
الركن المعنوي في جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة :
يقوم الركن المعنوي في تلك الجرائم على القصد الجنائي العام ويتوافر هذا القصد باتجاه إرادة الجاني إلى الفعل المتمثل في المساس بسلامة الجسم مع العلم بأن من شأن هذا المساس إحداث ضرر بالجسم أو بصحة المجني عليه.
وعليه فإن القصد الجنائي ينتفي إذا كان الجاني غير عالم بأن من شأن فعله إحداث ضرب أو جرح أو اعتلال بصحة المجني عليه.
فإذا قام المجني تمرير مرود بعين المجني عليه فأحدث بها إصابة نتيجة خطأ في طريقة الاستعمال فلا يسأل عن جريمة جرح عمدي وإنما يسأل عن إصابة خطأ لأنه لم يكن عالما بأن من طبيعة فعله إحداث هذا الأثر ولم تتجه إرادته إلى ذلك.
كذلك من يعطى المجني عليه دواء غير مطابق لحالته المرضية فيؤدي ذلك إلى مرض يصيب المجني عليه فإنه يسال عن إصابة خطأ.
جعل المشرع من جسامة الأثر المترتب على الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة عنصراً مميزاً لتلك الجريمة عن جريمة الضرب أو الجرح البسيط.
ومعنى ذلك أن النتيجة الأشد جسامة والمتمثلة في المرض أو العجز عن الأعمال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً تفترض وقوع نتيجة أخرى أقل جسامة والتي تتمثل في المساس بسلامة الجسم والتي تقوم عليها جريمة الضرب البسيط ومؤدى ذلك أيضاً أنه لا يلزم لتوافر الركن المعنوي القائم على القصد الجنائي أن تتجه إرادة الجاني إلى إحداث النتيجة الأشد جسامة، وإنما يكفي لقيامه اتجاه الإرادة إلى المساس بسلامة الجسم أو بصحة المجني عليه ولو كان الجاني لا يقصد إحداث مرض أو عجز عن الأعمال الشخصية.
وكل ذلك تطبيقا لقاعدة العامة في الجرائم المتعدية القصد أو تلك المشددة بالنتيجة.
وعلى ذلك فالذي يميز الجريمة موضوع الدراسة عن غيرها من جرائم الضرب والجرح هو النتيجة المتمثلة في المرض أو العجز عن الأعمال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما وأن ترتبط تلك النتيجة بفعل الضرب أو الجرح الواقع من الجاني.
المقصود بالمرض والعجز عن الأعمال الشخصية :
أن هناك مفهومين للمرض :
الأول : هو المفهوم الطبي.
والثاني : هو المفهوم القانوني.
فوفقاً لمفهوم الطب الشرعي يقصد بالمرض الاضطراب الوظيفي المتطور، فالمرض ليس حالة ثابتة وإنما هي حالة حركية متطورة تطورا غير طبيعي في جسم الإنسان. وهذا التطور قد يأخذ فترة طويلة أو قصيرة ولكنه ينتهي دائما بنتيجة قد تكون هي الشفاء التام أو الوفاة أو تقف في مرحلة وسط تتمثل في إعداد الجسم لظروف جديدة.
فالمرض ينصرف إلى الاضطرابات المتطورة، وحينما يتخلف ذلك فإننا لا نكون بصدد مرض وإنما بصدد تغيرات عضوية غير طبيعية.
وعليه فإن القول بأن المرض ينصرف إلى أي تغيير فسيولوجي أو عضوي للجسم لا يكون سديداً فيمكن أن تكون هناك تغيرات عضوية أو فسيولوجية أو وظيفية في جسم الإنسان ولا يكون هناك مرض.
ومثال ذلك انفصال العضو أو فقدان حاسة من الحواس أو سحجات أو غير ذلك من آثار المرض ولكنها ليست أمراضاً في ذاتها.
فالمرض إذن يتمثل في الخلل العضوي الوظيفي في الجزء المصاب أو الإطار العام لجسم المجني عليه مع ما يحدث من ردود فعل في الجانب العصبي والعضوي.
غير أن التغيرات الوظيفية يجب أن تكون على درجة من الجسامة في الضرر الذي تحدثه في الحياة الوظيفية للجسم بحيث تشكل خللاً بالوظائف العضوية أو الحيوية، ذلك أن الضرب البسيط مثلا يمكن أن يحدث آثاراً عضوية كارتفاع في ضغط الدم مثلاً مع ما يترتب عليه من آثار إلا أنها آثار تزول بزوال المؤثر عادة أو بعد زواله بفترة وجيزة.
فالمريض إذن هو الشخص المصاب باضطرابات في وظائف الجسم المختلفة وأعضائه والتي تستمر فترة زمنية لها اعتبارها ويحتاج إلى علاج لإزالة تلك الآثار.
وعليه فإن المرض هو أي خلل أو اضطراب يحدث نقصاً على درجة معينة من الجسامة في وظائف الجسم بأكمله بل يكفي أن يحدث أثره في أي جزء منه.
- ومعنى ذلك أنه من وجهة النظر الإكلينيكية أن السحجات والكدمات والخربشة لا تعتبر مرضاً ما دامت لا تؤدي إلى اضطراب وظيفي، فإذا كانت تؤثر على الجسم في إحدى وظائفه فإنها تشكل مرضاً.
غير أن وجهة النظر الإكلينيكية في تعريف المرض ليست متفقة مع المفهوم القانوني للمرض من وجهة نظر القضاء. فالمرض ليس من وجهة النظر الأخيرة يتسع ليشمل أي ضرر يصيب الجسم كله أو في جزء منه.
فالكدمات والسحجات والالتهابات الخارجية وغير ذلك من الإضرار تعتبر مرضاً في تطبيق أحكام المادة 241 عقوبات.
فالمرض يشمل أذن أي تغيير عضوي أو وظيفي في جسم الإنسان أو في جزء منه. كما ينصرف المرض أيضاً إلى الاضطرابات التي تصيب المجني عليه في الجانب النفسي والتي تتطلب علاجاً، وأيضاً الاضطرابات التي تصيب الجهاز العصبي في أي جانب من جوانبه.
ولكن يلزم أن تكون تلك الآثار المترتبة على فعل الإعتداء والتي تشكل مرضاً هي أكيدة ومحققة وليست مجرد محتملة.
ويندرج تحت مفهوم المرض أيضا الاضطرابات التي تصيب الجانب العقلي والذهني كفقدان الذاكرة الكلي أو الجزئي وضعف الإرادة والتأثير الكلي أو الجزئي على الذكاء.
أما العجز عن الأعمال الشخصية : فيقصد به ما يصيب جسم المجني عليه أو أحد أعضائه من خلل أو اضطراب في وظائفه بحيث يحول دون الممارسة الطبيعية.
وقد يصحب المرض عجزا عن الأشغال الشخصية وقد لا يتوافر هذا العجز مع المرض ومن ناحية أخرى قد يتوافر العجز دون توافر المرض وخاصة إذا أخذ المرض بمفهومه الإكلينيكي.
ويلاحظ أن العجز عن الأعمال أو الأشغال الشخصية ينصرف إلى الأشغال المتصلة بالحركة العضوية لجسم الإنسان لكي يمارس حياته الطبيعية الإنسانية وليست حياته الوظيفية أو العمل الذي يتكسب منه .
فالحياة الوظيفية أو حياة العمل أو المهنة تؤخذ في الاعتبار بالنسبة للتعويض وليس بالنسبة لإعمال حكم المادة 241 عقوبات.
فالعجز عن الأعمال الشخصية قد يتوافر ورغم ذلك يستطيع المجني عليه ممارسة مهنته أو حرفته والعكس صحيح.
فالإصابة التي تعجز عامل البناء عن مباشرته عمله ولا تحول دون مباشرة أشغاله الشخصية اللازمة كإنسان لا يتوافر بها العجز عن الأعمال الشخصية وإن كان يمكن أن يتوافر بها المرض وبالتالي تخضع لحكم المادة 241 استنادا إلى الأثر المتمثل في المرض وليس استناداً إلى الأثر المتمثل في العجز في الأعمال الشخصية.
مدة المرض أو العجز :
لا يكفي لإعمال حكم المادة 341 عقوبات أن يتخلف عن الاعتداء مرض أو عجز عن الأعمال الشخصية وإنما يلزم توافر شروط المدة.
والمدة المتطلبة في المرض والعجز هي فترة تزيد على عشرين يوماً.
فإن كانت أقل من ذلك كنا في نطاق جريمة الضرب أو الجرح البسيط.
ويدخل في حساب المدة الفترة المتطلبة للنقاهة وأيضاً تلك اللازمة لعودة الجسم أو العضو المصاب إلى حالته الطبيعية، ولو كان المجني عليه يستطيع مباشرة أشغاله الشخصية قبل ذلك.
ففي حالات کسر العظام يدخل في حساب المدة الفترة اللازمة لإلتحام العظام، ولا يؤثر على المدة تأخر المجني عليه في إجراء عملية جراحية كان من شأنها أن تعجل بشفائه قبل عشرين يوماً.
رابطة السببية :
يجب أن يتوافر رابطة السببية بين سلوك الجاني المتمثل في الضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة وبين المرض أو العجز.
والقاعدة المتبعة وفقاً للراجح فقها وقضاء، في تقدير علاقة السببية هي تحديد ما إذا كان المرض أو العجز يعتبر وفقا لمجريات الأمور نتيجة متوقعة لفعل الضرب أو الجرح، ولا تنقطع تلك الرابطة بتدخل العوامل المألوفة كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه، ولكن إذا تدخلت عوامل شاذة وغير مألوفة وكانت كافية وحدها لإحداث النتيجة فإن علاقة السببية تنتفي.
ومثال ذلك تعمد المجني عليه تسويء إصابته لتسويء مركز المتهم أو الحصول على مبلغ أكبر من التعويض أو حدوث خطأ مهني جسيم من الطبيب المعالج، ففي هذه الأمثلة تنقطع رابطة السببية ويسأل عن النتيجة المتسببة في الفعل اللاحق.
العقوبة :
العقوبة المقررة في الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيها مصريا ولا تتجاوز ثلاثمائة جنيه.
وإذا وقعت الجريمة مع سبق الإصرار والترصد أو إذا وقعت الجريمة باستعمال أي أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى فتكون العقوبة الحبس الذي يصل في حده الأقصى إلى ثلاث سنوات.
أما إذا وقعت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي فتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات، ويراعي حكم المادة 243 مكررة والخاصة بالتشديد لصفة المجني عليه إذا كان عاملاً بالسكك الحديدية أو غيرها من وسائل النقل العام ووقع الاعتداء عليه وقت أداء عمله أثناء سيرها أو توقفها بالمحطات، ففي الفرض السابق يكون الحد الأدني خمسة عشر يوماً بالنسبة إلى عقوبة الحبس وعشرة جنيهات بالنسبة إلى عقوبة الغرامة. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني، الصفحة: 117)
جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة في صورها المشددة
تقسيم الظروف المشددة في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة؛ نص الشارع على ظروف عديدة تشدد العقاب في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم . وهذه الظروف على تعددها ترد إلى فئتين، فئة يقوم التشديد فيها على درجة جسامة الأذى الذي نال جسم المجني عليه ، ويفترض أن الأذى الذي ترتب على الفعل لم يقف عند الأذى البسيط ، بل جاوز ذلك إلى المساس الجسيم بسلامة الجسم ، وهذه الفئة هي أهم الفئتين والفئة الثانية لا يقوم التشديد فيها على درجة جسامة الأذى ، وإنما يتوقف على اعتبارات أخرى .
الظروف المشددة التى تتوقف على درجة جسامة الأذى :
بيان هذه الظروف : حصر الشارع هذه الظروف في ثلاثة هي : حدوث مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً (المادة 241 من قانون العقوبات)، وحدوث العاهة المستديمة (المادة 240 من قانون العقوبات) ، وحدوث الموت (المادة 236 من قانون العقوبات) .
والعلة العامة للتشديد عند توافر أحد الظروف السابقة هي أن جسامة الأذى الذي أصاب المجني عليه تعنی جسامة الضرر الذي أصاب المجتمع ممثلاً في أحد أفراده ومن ناحية ثانية ، فإن النتيجة الجسيمة قرينة على خطورة الفعل ، إذ الوضع الطبيعي أن النتيجة الخطيرة لا يحدثها إلا فعل خطير ، وخطورة الفعل بدورها قرينة على خطورة مرتكبه ، ويعني ذلك ازدياد خطورة شخصية الجاني على المجتمع .
الأحكام المشتركة في هذه الظروف المشددة : هذه الأحكام هی : اشتراط توافر أركان الجريمة في صورتها البسيطة، واشتراط تحقق النتيجة الجسيمة، واشتراط توافر علاقة السببية بين الفعل وبين الأذى الجسيم، واشتراط استطاعة المتهم توقع هذا الأذى الجسيم .
توافر أركان الجريمة في صورتها البسيطة : لا محل للبحث في توافر الظرف المشدد إلا إذا ثبت ابتداء توافر الأركان التي يقوم عليها الاعتداء على سلامة الجسم في صورته البسيطة ، وهي كما قدمنا، محل الاعتداء والركن المادي والقصد الجنائي ، فالظرف المشدد يفترض جريمة بسيطة مكتملة الأركان يضاف إليها ويعني ذلك أنه إذا ثبت انتفاء أحد هذه الأركان ، فلا محل بداهة للتساؤل عن الظرف المشدد .
تحقق الأذى الجسيم : لا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا تحققت بالفعل النتيجة الجسيمة التي يفترضها ، ومن ثم فلا يكفي احتمال تحققها مهما كان هذا الاحتمال كبيراً وتطبيقاً لذلك فإذا كان فعل الجاني بالغ الجسامة شديد الخطورة وكان من شأنه حسب المجرى العادي للأمور أن يفضي إلى العاهة أو الموت ، ولكن هذه النتيجة لم تحدث لعوامل استثنائية ، فإن الظرف المشدد لا يتوافر ، وإنما يسأل الجاني عن النتيجة التي حدثت فعلاً ويرتبط بذلك أن العبرة ليست بما يقرره الطبيب ويستظهره من احتمالات ، ولكن العبرة بما يتحقق فعلاً .
ويقتضى اشتراط تحقق الأذى للمساءلة عنه وجوب أن تتريث سلطات الإتهام في إقامة الدعوى الجنائية حتى تستقر حالة المجني عليه وتتبلور في صورة نهائية آثار الفعل ، فيتحدد بذلك الوصف الذي يخلع على الجريمة وغني عن البيان أنه إذا صدر حكم بات في شأن الجريمة على أساس وصف معين ثم ازدادت جسامة الأذى على نحو يقتضي تعديل الوصف ، فإن قوة الشيء المحكوم فيه تحول دون إقامة الدعوى من أجل ذات الوقائع : فإذا أدين المتهم بحكم بات من أجل الواقعة باعتبارها ضرباً مفضياً إلى عاهة ثم مات المجني عليه وثبت أن علاقة السببية متوافرة بين الفعل والموت ، فلا يجوز أن تقام عليه الدعوى من أجل الواقعة باعتبارها ضرباً مفضياً إلى الموت.
علاقة السببية بين فعل الاعتداء على سلامة الجسم والأذى البدني الجسدي : لا يسأل المتهم عن الأذى الجسيم إلا إذا ثبت توافر علاقة السببية بين فعله وهذا الأذى ، وتعد علاقة السببية عنصراً في الركن المادي لجريمة الاعتداء على سلامة الجسم ذات النتيجة الجسيمة فإذا كانت هذه العلاقة منتفية فلا يسأل الجاني عن النتيجة التي لم يكن فعله سببها ، وإنما تقتصر مسئوليته على الأذى الذي ثبت توافر علاقة السببية بينه وبين الفعل : فإذا ترتب على فعل الجرح أو الضرب إصابة المجنى عليه بإيذاء بدني يسير ، ولكن ازدادت خطورة هذه النتيجة بتأثير عوامل مستقلة عن فعل الجاني حتى أفضت إلى العاهة المستديمة أو الموت فلا يسأل الجاني عن نتيجة لا تربطها بفعله علاقة السببية ، ولكن تقتصر مسئوليته على الإيذاء اليسير الذي ثبت توافر علاقة السببية بينه وبين فعله استطاعة توقع الأذى الجسدي، استطاعة المتهم توقع درجة جسامة الأذى ووجوب ذلك عليه عنصر في معيار علاقة السببية كما حددته محكمة النقض ، وثبوتهما لا غنى عنه للمساءلة عن ذلك الأذى ، أما إذا تخلفا فلا يسأل المتهم عن الظرف المشدد ، إذ تنتفي علاقة السببية، ولكن الرأي السائد في الفقه يقيم على أساس منهما القصد الإحتمالي ويعتبر أنه الركن المعنوي للمسئولية عن الأذى الجسيم.
1- حدوث مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً .
تمهيد : نصت على هذا الظرف المشدد المادة 241 من قانون العقوبات في قولها «كل من أحدث بغيره جرحاً أو ضرباً نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً مصرياً ، ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصرى، أما إذا صدر الضرب أو الجرح عن سبق إصرار أو ترصد أو حصل باستعمال أية أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى فتكون العقوبة الحبس» .
عناصر التشديد : يقوم هذا التشديد على عنصرين يحددان درجة جسامة الأذى البدني الذي نزل بالمجني عليه، أولهما ، أن يصاب المجني عليه بمرض أو عجز عن الأشغال الشخصية ؛ وثانيهما ، أن يستمر هذا المرض أو العجز مدة تزيد على عشرين يوماً، ولا يتطلب العنصر الأول اجتماع المرض والعجز ، وإنما يكتفي بتحقق أحدهما.
مدلول المرض : المرض هو كل عارض يخل بالسير الطبيعي الواحدة أو أكثر من وظائف الحياة في الجسم ، أي ينحرف به عن النحو المألوف الذي ترسمه القوانين الطبيعية، وسواء أن ينال الخلل وظيفة فسيولوجية أو وظيفة ذهنية نفسية ؛ وسواء أن يتخذ صورة التعطل المؤقت العضو أو جهاز ، أو صورة عمله على نحو مخالف لما تحدده القوانين الطبيعية، ويجب أن يكون المرض على قدر من الخطورة حتى يكون في منزلة العجز في نظر القانون ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن الشارع يستدل بالمرض على خطورة الفعل وخطورة مرتكبه ، فلابد أن يكون خطراً في ذاته حتى يصلح مقياسا للخطورة، وبالنظر إلى تمييز المرض عن العجز ، فإن الظرف المشدد يعد متحققاً بالمرض ولو لم يمنع المجنى عليه من مزاولة أعماله .
مدلول العجز عن الأشغال الشخصية : دلالة العجز عن الأشغال الشخصية تنصرف إلى أحد أمرين : العجز عن القيام بالأعمال التي تتطلبها مهنة المجنى عليه ، وهذه الأعمال قد تكون بدنية وقد تكون ذهنية ، وهی تختلف باختلاف المهنة والظروف التي تمارس فيها ، ولا وجود لها إذا كان المجني عليه لا يمارس مهنة أما الدلالة الثانية لهذا التعبير فهى العجز عن الأعمال البدنية التي يتوقف القيام بها على حرية المجنى عليه في تحريك أعضاء جسمه ، وهي حرية يشترك فيها الناس جميعاً إذا كانت أجسامهم في حالة عادية ، ومثال ذلك العجز عن تحريك الذراع أو السير أو ثني الرقبة أو العجز عن النطق .
ومن بين هاتين الدلالتين يريد الشارع الدلالة الثانية : ذلك أنه يستدل بالعجز على خطورة الفعل ، وهذه الخطورة لا ترتبط بالمهنة التي يباشرها المجني عليه أو الظروف التي تباشر فيها ، وإنما تتوقف على مدى ما ينال أعضاء الجسم من إصابات تعوق حرية تحريكها مما يؤدي إلى العجز عن استعمالها في الأعمال الجسمية العادية ومن ناحية ثانية ، فإن الشارع يريد أن يكون للظرف المشدد نطاق تطبيق عام حتى يستفيد من الحماية التي يقررها كل شخص ، وهو ما يقتضي أن تكون دلالته واحدة بالنسبة للناس جميعاً کی يكون هذا العجز متصوراً إزاء أي شخص ، ويترتب على ذلك أن الظرف المشدد يتحقق ولو لم يعق الفعل المجني عليه عن القيام بأعمال مهنته ، كما لو كان يشتغل بعمل ذهني وأصابه الفعل بعجز عن السير أو تحريك اليد ولكن الظرف المشدد لا يتوافر إذا عاق الفعل المجني عليه عن أعمال مهنته ولكن لم يعقه عن الأعمال البدنية العادية ، كما لو كان حمالاً أو رياضياً محترفاً و عاقه الفعل عن حمل الأثقال أو الحركة العنيفة .
نوع العجز عن الأشغال الشخصية : هل يتطلب القانون عجزاً تاماً عن القيام بالأشغال الشخصية أم يكتفي بالعجز الجزئي ؟ تطلب بعض الفقهاء العجز التام ، وحجتهم في ذلك أن هذا العجز هو الذي يصلح مقياساً لدرجة خطورة الأذي ولكن الرأى الصحيح أن الأذي يعد جسيماً إذا ترتب عليه عجز المجنى عليه عن القيام بالأعمال البدنية العادية التي يقوم بها الناس في حياتهم اليومية ويعتبر قيامهم بها دليلاً على أنهم في حالة بدنية عادية، ويترتب على ذلك أن مجرد عجز المجنى عليه عن القيام بالأعمال الشديدة الإجهاد ، كحمل الأثقال أو حفر الأرض لا يكفي الاعتبار الظرف المشدد متوافراً إذا كان لا يزال محتفظاً بقدرته على القيام بالأعمال العادية التي تتطلب جهداً بدنياً متوسطاً ويرتبط بذلك أن القانون لا يتطلب عجزاً کاملاً عن الأعمال البدنية، فإذا كانت الإصابات لا تزال تسمح للمجني عليه بالأعمال الطفيفة التي لا تحتاج إلى مجهود ذى شأن ، فإن ذلك لا يحول دون توافر الظرف المشدد .
مدة المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية : يتطلب الظرف المشدد أن يستمر المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً ، أي واحداً وعشرين يوماً على الأقل، ويدخل في حساب هذه المدة اليوم الذي ارتكب فيه الجاني فعله ، كما يدخل فيه اليوم الذي انتهى فيه المرض أو العجز، ويجب أن يستمر المرض أو العجز ذاته هذه المدة ، فلا يكفي استمرار العلاج هذه المدة فقد يزول المرض أو العجز ويستمر المجني عليه في التردد على الطبيب المعالج مبالغة منه في الحرص على صحته ولا يكفي لتحقق الظرف المشدد أن آثار العنف قد استمرت أكثر من عشرين يوماً إذا كان المرض أو العجز لم يستمر هذه المدة .
ويتعين أن يستمر المرض أو العجز فعلاً مدة تزيد على عشرين يوماً وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا قرر الطبيب احتمال استمرار المرض أو العجز هذه المدة ، ولكنه زال بعد مدة تقل عن ذلك فإن الظرف المشدد لا يتوافر، وإذا مات المجنى عليه – لسبب مستقل عن فعل الجاني - قبل مضي عشرين يوماً ، فإن الظرف المشدد لا يتوافر كذلك .
ويتطلب الظرف المشدد توافر علاقة السببية بين الفعل والمرض أو العجز الذي استمر هذه المدة ، وأهم عناصر معيارها - وفقاً لمذهب محكمة النقض – أن يكون من واجب المتهم وفي استطاعته توقع هذه النتيجة.
العقوبة: حدد الشارع للاعتداء على سلامة الجسم الذي صاحبه هذا الظرف المشدد عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيها ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه، فللقاضي الخيار بين العقوبتين ، ولكن ليس له الجمع بينهما، وإذا أضيف إلى هذا الظرف سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى كانت العقوبة الحبس ، وإذا ارتكبت الجريمة - في أي من هاتين الحالتين - تنفيذاً لغرض إرهابي تكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات، وقد أحالت إلى هذا النص المادة 265 من قانون العقوبات في تحديد عقوبة إعطاء المواد الضارة إذا أفضى إلى هذه النتيجة.
الظروف المشددة التي لا تتوقف على درجة جسامة النتيجة
بيان هذه الظروف : نص الشارع على ظروف تشدد عقوبة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة دون أن تتوقف على درجة جسامة النتيجة ، إذ قدر أن اعتبارات أخرى قد تكسب الجريمة خطورة وتجعلها جديرة بعقاب مشدد، وأحد هذه الظروف يتعلق بنفسية الجاني وقصده ، ونعني به سبق الإصرار، ويتعلق اثنان منها بكيفية تنفيذ الجريمة ، ونعني بهما الترصد، وارتكاب الفعل بواسطة استعمال أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى، والظرفان الأخيران يرجعان إلى صفة المجني عليه، ويفترض أحدهما أن المجني عليه جريح حرب وناله الاعتداء أثناء الحرب المادة 251 مکرراً من قانون العقوبات) ؛ أما الثاني فيفترض أن المجني عليه عامل بالسكك الحديدية أو غيرها من وسائل النقل العام ووقع عليه الاعتداء وقت أداء عمله (المادة 243 مكرراً من قانون العقوبات) .
وقد كان الشارع ينص على سبب لتشديد العقاب والتوسع في نطاق المسئولية الجنائية ، ويفترض هذا السبب ارتكاب الفعل بواسطة استعمال أسلحة أو عصي أو آلات أخرى من واحد أو أكثر ضمن عصبة أو تجمهر مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل توافقوا على التعدي والإيذاء (المادة 243 من قانون العقوبات)، ولكن هذا السبب فقد دوره كظرف مشدد ، بعد أن صار استعمال الأسلحة أو العصي أو الآلات أو الأدوات الأخرى ظرفاً مشدداً عاماً ، وصارت العقوبة المترتبة عليه وفقاً للمادتين 241، 242 من قانون العقوبات هي ذات العقوبة التي نصت عليها المادة 243، وقد اقتصر دوره بناءً على ذلك على التوسع في نطاق المسئولية، ونبحث في هذا السبب بعد الإنتهاء من دراسة الظروف المشددة .
سبق الإصرار والترصد
ماهية التشديد ونطاقه ومقداره ؛ لسبق الإصرار والترصد ذات الدلالة التي سلف بيانها في القتل وعلة التشديد عندما يقترن الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة بأحدهما هي بعينها علة التشديد إذا اقترن القتل بأحد هذين الطرفين المشددين وكل من هذين الطرفين عام النطاق ، فهو يسري على كل جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة ، جنايات كانت أو جنح.
أما مقدار التشديد الذي يترتب على توافر أحد هذين الطرفين فنجمله فيما يلي :
إذا كان الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة بسيطاً واقترن بسبق الإصرار أو الترصد فالعقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه ، وذلك بدلاً من الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة أو الغرامة التي لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيهاً إذا لم يكن سبق الإصرار أو الترصد متوافراً (المادة 224 من قانون العقوبات)، وإذا ترتب على الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً واقترن بسبق الإصرار أو الترصد فالعقوبة هي الحبس بین حديه العامين ، وذلك بدلاً من الحبس الذي لا تزيد مدته على سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه إذا لم يكن سبق الإصرار أو الترصد متوافرة (المادة 241 من قانون العقوبات)، وإذا أفضى الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة إلى حدوث عاهة مستديمة واقترن بسبق الإصرار أو الترصد أو التربص فالعقوبة هي السجن المشدد من ثلاث سنين إلى عشر سنين ، وذلك بدلاً من السجن الذي تتراوح مدته بين ثلاث سنين وخمس سنين إذا لم يكن سبق الإصرار أو الترصد متوافراً (المادة 240 من قانون العقوبات)، وإذا ترتب على الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة حدوث الموت واقترن بسبق الإصرار أو الترصد فالعقوبة هي السجن المشدد أو السجن بين حديهما العامين ، وذلك بدلا من السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى سبع سنين إذا لم يكن سبق الإصرار أو الترصد متوافراً (المادة 236 من قانون العقوبات).
استعمال أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى
تمهيد : نص الشارع على هذا الظرف في (المادتين 241 الفقرة الثانية) ، 242 (الفقرة الثالثة) من قانون العقوبات ، وقضى بتشديد العقوبة فيهما ، بحيث تصير الحبس بین حديه العامين، وعلة التشديد أن استعمال الأسلحة أو العصي أو الآلات أو الأدوات الأخرى في الضرب أو الجرح يزيد من خطورة الفعل وجسامة ما يحتمل أن يترتب عليه من أذى كما يكشف عن خطورة شخصية مرتكبه .
مدلول استعمال الأسلحة أو العصى أو الآلات أو الأدوات الأخرى : يريد الشارع بذلك ألا يكون المتهم قد اقتصر على استعمال أعضاء جسمه في الاعتداء ، وإنما استعان - من أجل إبلاغ الضرب أو الجرح درجة ملحوظة من الجسامة - بأداة مستقلة عن جسمه، وقد ذكر الشارع الأسلحة أو العصي على سبيل المثال، إذ أردفها بعبارة «أو آلات أو أدوات أخرى».
وتجتمع الأسلحة والعصى في فكرة «الأداة أو الآلة» ، وتعني كل شيء من شأن استعماله أن يزيد من مقدرة المتهم على العدوان ، أي أن يضيف إلى قدرته البدنية قوة عدوانية جديدة، ولا عبرة بطبيعة هذا الشيء أو تخصيصه الأصلي : فقد يكون سلاحا بطبيعته كخنجر أو بلطة ؛ وقد يكون أداة خصصها المتهم عرضا للاعتداء كسكين أو فأس أو قطعة من الخشب، وعلى أساس من هذا التوسع في تحديد مدلول «الأداة أو الآلة»، فإن هذا الشرط يعد متوافر إذا ارتكب الضرب أو الجرح عن طريق الرمي بالحجارة أو الركل بالقدم الذي انتعل فيه الجاني حذاء غليظاً، وغنى عن البيان أنه يشترط في الأداة أن يكون من شأنها الزيادة من المقدرة على العدوان ، أما إذا لم يكن لها هذا الشأن فلا يتوافر باستعمالها هذا الظرف ، فلا يتوافر الظرف المشدد في حالة شخص ارتكب الضرب وهو يلبس قفازاً من الجلد أو القماش .
أما إذا اقتصر المتهم على استعمال أعضاء جسمه ، فلا يتوافر الظرف المشدد أياً كان عنف ضرباته ومدى تفوقه في قوته البدنية على المجني عليه . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 531)
محل الاعتداء
- تحديد محل الاعتداء :
يقع الاعتداء في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة على الحق في سلامة الجسم ، ويفترض هذا الحق أن المجني عليه إنسان فلا تقع الجريمة على حيوان ، كذلك يفترض أن يكون الإنسان حياً .
وعلى النحو الذي تقدم بيانه فيما يتعلق بمحل الاعتداء في جريمة القتل، وعلى ذلك لا تقع جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة على جنين ، وإنما تحمى الجنين نصوص الإجهاض ، كذلك لا تقع هذه الجرائم على الجسم الذي فارقته الحياة.
ويقصد بالجسم الكيان الذي يؤدي الوظائف الحيوية وهو بهذا التحديد يشمل الجانبين : المادي والنفسي ، وعلى ذلك يستوي في الاعتداء على سلامة الجسم أن ينال مادته كعضو من أعضائه أو أن ينال الجانب العقلي أو النفسي ، فيعتبر اعتداء على سلامة الجسم إطلاق رصاصة بجوار المجني عليه ، أو وضع فوهة مسدس على صدره لتحدث له صدمة عصبية ، أو إعطاؤه مادة ضارة تسبب له الجنون أو الاكتئاب النفسي.
وحق الإنسان في سلامة جسمه له عناصر ثلاثة : أولاً : الحق في المحافظة على الوضع الصحي الذي عليه الجسم ، وعلى ذلك يعتبر اعتداء على هذا الحق كل فعل يهبط بالمستوى الصحى - البدني أو العقلي أو النفسي - للمجني عليه ، سواء ترتب عليه حدوث مرض لم يكن موجوداً من قبل أو تفاقم مرض كان يعاني منه. ثانياً : الحق في الاحتفاظ بكل أجزاء مادة الجسم سليمة ، فيعتبر اعتداء كل فعل ينقص منها أو يخل بتماسكها ، كبتر عضو من أعضائه ، أو إخراج جزء من دمه أو وخزه بإبرة أو إحداث فتحة فيه أو قص الشعر. ثالثاً : الحق في التمتع بإنعدام الإحساس بالألم ، وعلى ذلك يتحقق الاعتداء بكل فعل يؤدي إلى إشعار المجنى عليه بألم لم يكن موجوداً ، أو إلى زيادة قدر الألم الذي كان يعانيه ولو لم يترتب على ذلك الهبوط بمستواه الصحي أو المساس بمادة جسمه ، مثال ذلك صفعه على وجهه أو جذب شعره.
الركن المادي
يقوم الركن المادي لجرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة على عناصر ثلاثة : الفعل والنتيجة وعلاقة السببية التي تربط بينهما، والفعل في هذه الجرائم هو كل سلوك من شأنه المساس بسلامة الجسم ، والنتيجة لا تثير صعوبة ، إذ تتمثل فيما يترتب على الفعل من مساس بحق المجني عليه في سلامة جسمه في عنصر أو أكثر من عناصره التي تقدم بيانها، كذلك لا صعوبة في علاقة السببية ، إذ يخضع تحديدها لذات الضابط الذي حددناه فيما يتعلق بجرائم القتل، فهى - على حد تعبير محكمة النقض - علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً ، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير .
نقض 14 يونيو سنة 1966 مجموعة أحكام محكمة النقض س 17 رقم 152 ص 806 ؛ ونقض 26 نوفمبر سنة 1973 س 24 رقم 220 ص 1072 ؛ ونقض 8 أبريل سنة 1974 - س 25 رقم 85 ص 395 ؛ ونقض 8 يناير سنة 1976 س 27 رقم 194 ص 858 .
على ذلك تتوافر علاقة السببية بين الفعل والنتيجة ولو ساهمت معه بعض العوامل المألوفة التي كان في إمكان الجاني ومن واجبه توقعها ، مثل إهمال العلاج والتراخي فيه، أو مرض المجني عليه السابق أو حالته الصحية العامة .
ولكن هذه العلاقة تنقطع إذا تدخلت عوامل شاذة غير مألوفة ، تكون - شذوذها - من غير الممكن وبالتالي من غير الواجب توقعها ، ومثالها اصطدام سيارة المجنى عليه أثناء نقله إلى المستشفى ، أو الخطأ الجسيم من الطبيب الذي تولى علاج المجنى عليه.
وقد حدد المشرع للفعل صوراً ثلاثة ، ويقتضى هذا التحديد أن نتناول بشيء من التفصيل دراسة كل صورة من هذه الصور.
- الصور التي يتخذها فعل الاعتداء :
يتخذ الفعل المكون الركن المادي في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة - وفقاً للتحديد التشریعی - إحدى صور ثلاث هي الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة.
- الجرح :
- هو تمزيق جزء من أنسجة الجسم ، سواء أكان التمزيق سطحياً بالجلد ، أو عميقا ينال الأنسجة التي يغطيها الجلد ، أو الأعضاء أو الأجهزة الداخلية كالمعدة أو الكبد أو الرئة ، أو أحد الشرايين أو الأوردة أو الأعصاب أو العظام ، وسواء أن يكون التمزيق كبيراً كقطع بسكين أو أن يكون ضئيلاً کوخز بإبرة ، وسواء أن ينبثق منه الدم خارج الجلد ، أو ينتشر تحت الجلد فيبدو الجلد أزرق اللون ، أو أن يتوفق في عمق الجسم كتمزق في المعدة أو الأمعاء ، وسواء أن يكون التمزيق كلياً ببتر عضو من أعضاء المجني عليه كقطع يده أو أذنه أو ساقه ، أو أن يكون جزئياً يقتصر على جزء من أنسجة الجسم دون فصلها عنه ، ويدخل في هذا النطاق التسلخات والحروق، كذلك يستوي أن يكون التمزيق مؤلماً للمجني عليه أو لا يكون كذلك ، فيتحقق الفعل ولو لم يشعر المجنى عليه بألم ، كما إذا كان مغمى عليه أو مخدراً ولا أهمية لكيفية تحقق الفعل ، فيستوي أن يقع التمزيق بدفع وسيلة الاعتداء نحو المجنى عليه ، أو بدفعه هو نحوها ، كذلك تستوى الوسائل التي تستعمل في التمزيق ، فقد يستعمل الجاني أحد أعضاء جسمه ، كركل المجني عليه بالقدم أو دفعه بقبضة اليد أو عضه ، وقد يستعمل أداة كسلاح أو آلة قاطعة أو راضة أو واخزة ، كالسكين والعصا والحجارة والإبرة، وقد يستخدم حيواناً كان يحرض كلباً على عقر المجني عليه، كما قد يستعين بقوة طبيعية كتسليط أشعة حارقة أو تيار كهربائي على المجنى عليه، ویستوی أخيراً أن يكون الاعتداء مباشرة أو غير مباشر ، فيقع الفعل إذا كلف المجنى عليه بالمرور في طريق به حفرة فوقع فيها.
- الضرب :
الضرب هو كل ضغط يقع على جسم المجنى عليه دون أن يمزقه ولو لم يترتب على الضغط آثار کاحمرار الجلد أو ينشأ عنه مرض أو عجز .
ويتحقق الضغط بأي وسيلة ، فقد يستخدم الجاني أحد أعضائه كالركل بالقدم أو الدفع بقبضة اليد أو الصفع باليد) أو صدم رأس المجني عليه بالأرض أو بالحائط، وقد يستخدم أداة كعصا أو حذاء، ويستوي في الضرب أن يسبب ألماً للمجني عليه أو لا يسبب له ذلك ، فتقع الجريمة إذا مس الاعتداء جسم مغمى عليه أو مخدر دون أن يمزق أنسجته.
ويكفي لوقوع الاعتداء أن تقع ضربة واحدة ، وإن كان النص قد استعمل صيغة الجمع فذكر في المادتين 241 ، 242 من قانون العقوبات لفظی ضربات ، وجروح.
ولما كانت الضربة الواحدة تكفي ، وكانت أي وسيلة اعتداء تقع بها الجريمة ، كما أن الضرب يخضع للعقاب ولو لم يترك أثراً، فإن محكمة الموضوع لا تلزم بأن تبين عدد الضربات ، ولا أن تذكر نوع الأداة - إذا استعملت ولا أن تبين موضع الإصابة أو درجة جسامتها.
واعتبر المشرع إعطاء المواد الضارة صورة من صور الاعتداء على سلامة الجسم إذا نشأ عن ذلك مرض أو عجز وقتی عن العمل، وقد عبر المشرع عن هذه المواد في المادة 265 من قانون العقوبات بقوله «كل من أعطى عمدا لشخص جواهر غير قاتلة .. إلخ»، ويدل ظاهر النص على أن المشرع يخرج من نطاق المواد القاتلة أي السامة ، والواقع أن المواد الضارة يدخل في نطاقها المواد السامة ، إذ تعتبر المادة السامة مادة ضارة ، وتتوقف مسئولية معطى المادة السامة على القصد الجنائي الذي توافر لديه، فإذا توافر لديه قصد إزهاق روح المجنى عليه فإنه يسأل عن جريمة تسميم أو شروع فيه ، وفقاً لتحقق الوفاة أو عدم تحققها كنتيجة لتناول المادة السامة ، و تقتصر مسئوليته على جريمة إعطاء المواد الضارة إذا لم يقصد سوی المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، سواء كان يعتقد أن المادة ضارة فحسب ، أم كان على علم بأنها سامة ولكنه كان معتقداً أن الكمية المستعملة لا تحدث سوى الإيذاء ، دون الموت.
وتعتبر المادة ضارة إذا كانت تؤدي إلى الإخلال بالوضع الصحي - البدني أو النفسي أو العقلي – للمجني عليه . والعبرة في ذلك ليس بالأثر الوقتي للمادة وإنما بالأثر النهائي المترتب على تناولها فلا تقع الجريمة إذا ترتب على إعطاء المادة اضطراب وقتي في الوظائف الحيوية لجسم المجنى عليه ثم انتهى ذلك بتحسن في صحته أو ببقائها على ما كانت عليه، ويجب أن يراعى في تحديد طبيعة المادة الظروف المختلفة التي أعطيت فيها ، کسن المجني عليه أو جنسه أو حالته الصحية وكمية المادة المستعملة، ويستوي في المادة المستعملة أن تكون ذات طبيعة سائلة أو صلبة أو غازية.
ويقصد بفعل «الإعطاء» في جريمة إعطاء المواد الضارة كل سلوك يقيم به الجاني الصلة بين المادة وجسم المجنى عليه ، سواء تم ذلك عن طريق الجاني نفسه ، كأن يضع المادة الضارة في طعام المجنى عليه أو شرابه ، أو عن طريق المجنى عليه ، كما لو سلمها له الجاني ليتناولها بنفسه، أو عن طريق شخص ثالث ، سواء كان حسن النية أو سيء النية. كذلك يستوي أن يكون المجني عليه عالما بكون المادة ضارة فتناولها ابتغاء التخلص من التزام أو للحصول على إعانة ، أو كان يجهل ذلك ، كما يستوي أن يتناولها المجني عليه مكرها أو بمحض اختياره، وأخيراً تستوي وسيلة إعطاء المادة الضارة ، فقد يكون ذلك عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق أو امتصاص مسام الجلد ، أو الحقن أو التقطير في الأذن أو العين.
القصد الجنائي
- عناصر القصد :
القصد المتطلب لقيام جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة هو قصد عام يقوم على عنصري الإرادة والعلم : إرادة ارتكاب الفعل وإرادة تحقيق نتيجته ، والعلم المحيط بعناصر الجريمة، وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض بقولها : «جريمة إحداث الجروح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائي العام ، وهو يتوفر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته».
- العلم
يجب أن يكون الجاني عالماً وقت ارتكاب الفعل بأن فعله يقع على جسم إنسان حي ، فلا يتوافر القصد إذا اعتقد الفاعل أنه يوجه فعله إلى جثة ثم تبين أن المجني عليه كان مغمى عليه ولا يزال على قيد الحياة ، وإذا أطلق النار على شيء اعتقد أنه حيوان يريد أن يصطاده فإذا به إنسان يصيبه الرصاص بجراح.
كذلك يجب أن يكون الجاني عالما بأن من شأن فعله المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فينتفى القصد إذا أعطى الجاني المجنى عليه مادة يعتقد أنها الدواء الذي يتناوله فإذا بها مادة ضارة .
وينبغي أخيراً أن يتوقع الفاعل أن يترتب على فعله مساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فإذا انتفى هذا التوقع تخلف القصد الجنائي ، فمن أعد لآخر کوباً به دواء کی يستعمله كمضمضة، فإذا به يبتلعه لا يتوافر لديه القصد ، وإن أمكن أن ينسب إليه الخطأ إذا كان في استطاعته توقع النتيجة.
- الإرادة :
يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الفعل الذي قام به ، وإلى المساس بسلامة جسم المجنى عليه ، فإذا لم تتجه الإرادة إلى الفعل ، كما لو كان قد أكره على ضرب المجنى عليه أو جرحه أو إعطائه مادة ضارة انتفى القصد ، كذلك ينتفي القصد ولو اتجهت الإرادة إلى الفعل إذا كانت لم تتجه إلى تحقيق النتيجة وهي المساس بسلامة جسم المجني عليه ، سواء لأن الفاعل لم يتوقع هذه النتيجة إطلاقاً ، أو لأنه مع توقعه حدوث النتيجة كان يأمل ألا تقع ، وعلى ذلك لا يتوافر القصد لدى من يطلق الرصاص ابتهاجاً أو اصطياداً فيصيب شخصاً بجراح ، أو من يقذف كلباً بحجر فيصيب أحد الأطفال ، أو من يمرر مروداً بعين شخص للتطهير فيترتب على ذلك إحداث جرح له بالعين وإذا كان القصد الجنائي يتخلف في هذه الحالات فإن ذلك لا يمنع من مساءلة المتهم عن جريمة غير عمدية إذا ثبت في حقه الخطأ.
أما إذا كان الجاني قد توقع النتيجة كأثر لفعله فقبل احتمال وقوعها ، فإنه يتوافر في حقه القصد الاحتمالي ، وهو يعدل القصد المباشر من حيث قيام المسئولية العمدية.
وإذا توافر للقصد الجنائي عنصراه : العلم والإرادة ، فإن ذلك يكفي لتحققه ، فلا يشترط بعد ذلك أن تتوافر نية الإضرار بالمجني عليه ، فالجاني يسأل عن جريمة عمدية ولو كانت نيته قد اتجهت إلى إنقاذ المجنى عليه من عدوه ، أو إلى شفائه من مرض ، إذ أن هذه النوايا لا تعدو أن تكون مجرد بواعث على ارتكاب الجريمة لا شأن لها بالقصد الجنائي .
لما كان القصد ركناً من أركان جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة العمدية ، فإنه يجب أن يبينه الحكم القاضي بالإدانة ، وإن كان لا يلزم أن يتحدث عنه صراحة ، بل يكفي أن يكون مفهوماً من عباراته أو من وقائع الدعوى التي أثبتها، ولذلك قضت محكمة النقض بأن تعبير المحكمة بأن المتهم ضرب المجنى عليه يفيد حتماً أن الفعل الإيجابي الذي وقع منه قد صدر عن عمد.
شدد المشرع العقاب عن جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة إذا تحقق أحد الظروف المشددة التي نص عليها القانون ، وتختلف درجة التشديد باختلاف هذه الظروف، وقد تقدمت الإشارة إلى أن بعض هذه الظروف يبقى على الجريمة في نطاق الجنح ، وبعضها الآخر يحيلها إلى جنایات، و نقتصر في هذا الفرع على بيان الظروف المشددة التي تظل معها الجريمة جنحة.
أولاً : أن ينشأ عن الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً .
- شروط التشديد :
ينبغي لتشديد العقاب وفقاً لنص المادة 241 أن تتوافر أركان جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المادة الضارة على النحو الذي تقدم بيانه، وأن ينشأ عن هذه الجريمة مرض المجنى عليه أو عجزه عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً .
- المرض :
يقصد بالمرض كل اختلال في السير الطبيعي للوظائف الحيوية التي يؤديها الجسم، سواء كانت بدنية أو عقلية أو نفسية، ولا يشترط أن يكون مرض المجنى عليه مصحوباً بعجزه عن القيام بأعماله الشخصية ، فالمشرع لم يتطلب اجتماع الأمرين ، وإنما اكتفى بتحقق أحدهما ولو لم يتوافر الآخر ، وإذا كان المشرع قد سوى بين المرض والعجز من حيث أثرهما في تشديد العقاب ، فإنه ينبغي - من حيث المنطق - أن يكون المرض على قدر من الجسامة بحيث يرقى إلى درجة العجز ، فلا يكفي للدلالة على هذه الجسامة أن تنكر المحكمة أن المجني عليه مكث تحت العلاج مدة تزيد على عشرين يوماً ، فقد يكون العلاج قاصراً على التردد على الطبيب لعمل غيار يومي أو غير ذلك مما لا يدل بذاته على جسامة المرض وتحديد مدى جسامة المرض أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع.
- العجز عن الأشغال الشخصية :
يقصد بالعجز عن الأشغال الشخصية عدم القدرة على القيام ببعض الأعمال البدنية التي تستعمل فيها أعضاء الجسم كالكف أو الذراع أو القدم ، والتي يتساوى الناس جميعاً - كقاعدة عامة - في مباشرتها كالوقوف والجلوس والمشي وتناول الطعام والشراب ، فلا يتحقق العجز الذي يقصده المشرع إذا تمثل في عدم القدرة على القيام بعمل مهني معين كمباراة رياضية أو أعمال حرفية ، إذ القول بذلك يؤدي إلى عدم المساواة بين الناس حيث تتوقف درجة العقاب - لا على جسامة الإصابة - وإنما على مهنة المجني عليه ووظيفته الاجتماعية ، مع ما يترتب على هذا الوضع من إمكان عدم تشديد العقاب ، وذلك إذا كان المجني عليه لا يحترف مهنة معينة، وعلى ذلك يتحقق الظرف المشدد ولو كان العجز عن الأشغال الشخصية لم يمتد إلى الأعمال الداخلة في مهنة المجنى عليه كما لو كان المجني عليه رساماً أو كاتباً على الآلة الكاتبة وعجزه الفعل عن استعمال قدمه كذلك ينتفى ظرف التشديد ولو كان الفعل قد أعجز المجنى عليه عن القيام بأعمال مهنته إذا ظل بعده قادراً على القيام بأعماله الشخصية ، كما لو كان لاعب كرة محترف اعجزته الإصابة عن اللعب مدة تزيد على عشرين يوماً لكنها لم تعجزه عن القيام بالأعمال البدنية.
- مدة المرض أو العجز :
لا يتطلب المشرع لاكتمال شروط الظرف المشدد أن يكون المرض أو العجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوماً ، ويبدأ حساب هذه المدة منذ تاريخ وقوع الفعل ويدخل في حسابها اليوم الذي ارتكب فيه الفعل واليوم الذي انتهى فيه المرض أو العجز.
والعبرة في تحقق عنصر المدة هي بوجود المرض أو العجز فعلاً ، وليس باستمرار الآثار الظاهرة للفعل، أو بمدة العلاج ، إذ أن استمرار العلاج لا يدل على جسامة المرض ، كما لا يقطع في عجز المصاب عن أداء أعماله مدة العلاج .
أثر الظرف المشدد :
يترتب على توافر الظرف المشدد أن تصبح عقوبة الجريمة الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيهاً مصرياً ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري. (م 241 المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982) .
بیان الظرف المشدد في الحكم :
يأخذ الظرف المشدد حكم الواقعة من حيث ضرورة بيانه في الحكم الصادر بالإدانة فيجب أن تبين المحكمة في حكمها نتيجة الفعل ، وعلاقة السببية التي تربط بينهما وإلا كان حكمها قاصر البيان.
ثانياً : سبق الإصرار أو الترصد
شروط التشديد :
يشدد المشرع العقوبة إذا توافر ظرف سبق الإصرار أو ظرف الترصد لذات العلة التي تقدم بيانها عند الكلام عن هذين الطرفين في صدد جريمة القتل العمد ولكل من سبق الإصرار والترصد نفس المعنى الذي سلف تحديده في الموضع المذكور.
- درجة التشديد :
تختلف درجة تشديد العقاب وفقاً لاختلاف الجريمة المصحوبة بسبق الإصرار أو الترصد على النحو الآتي :
إذا كانت الجريمة المصحوبة بسبق الإصرار أو الترصد هي جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة في صورتها البسيطة فإن العقوبة تصبح الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصرى (م 2/ 242 )، بدلاً من الحبس مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة التي لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيه .
أما إذا كانت الجريمة المصحوبة بأحد هذين الطرفين المشددين هي جريمة الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة التي نشأ عنها مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً، فإن العقوبة تصبح الحبس (م 241 ع) ، وذلك بدلاً من الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيها ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصرى.
ثالثاً : إستعمال أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى
- شرط التشديد وعلته :
يتطلب المشرع لتوافر هذا الظرف المشدد أن يكون الجاني قد استعمل في ارتكاب الضرب أو الجرح أي سلاح أو عصا أو آلات أو أدوات ؟ أخرى (م 241، 242/3 من قانون العقوبات)، وترجع علة التشديد إلى أن عدم اقتصار الجاني في ارتكاب الضرب أو الجرح على استعمال أعضاء جسمه کاليد أو القدم ، واستعماله سلاحاً أو أداة أخرى ، يجعله أكثر خطورة على حق المجني عليه في سلامة جسمه ، ولذلك يقضى المنطق بأن يكون من شأن الأداة المستعملة أن تزيد من قوته البدنية، ولو لم تكن مخصصة للإعتداء وقد قضى بأن أداة العدوان هي كل ما يتزود به المعتدى تيسيراً للعدوان وإسلاساً له فوق أعضائه الطبيعية فيدخل في هذا النطاق القذف بالحجارة أو بكتلة حديدية والضرب بقطعة من الخشب أو بحذاء، ولا يكفي لتوافر الظرف المشدد أن يكون الجاني حاملاً هذه الأداة وإنما يجب أن يستعملها في ارتكاب الفعل.
- درجة التشديد :
رتب المشرع على توافر الظرف المشدد توقيع عقوبة الحبس - بين حديه العامين - سواء كانت جريمة الضرب أو الجرح بسيطة أو كانت قد نشأ عنها مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً ، وذلك خلافاً لدرجة التشديد المترتبة على توافر سبق الإصرار أو الترصد، إذ تختلف باختلاف نوعي الضرب. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 469)
يستعمل المشرع في المواد التي تناولت المساس بجسم الإنسان لفظى الجرح والضرب ويطلق على الركن المادي بصفة عامة فعل الإيذاء الذي يتمثل في جرح أو ضرب.
(أ) الجرح :
هو كل مساس مادی بجسم المجنى عليه من شأنه أن يؤدي إلى تغيرات ملموسة في أنسجته وقد يتمثل هذا في تمزق تلك الأنسجة أو حدوث انسكابات دموية يتسبب عنها أورام والجروح مادامت تمزقات في أنسجة الجسم سواء خارجية أم داخلية تعد أمراضاً قد تحتاج إلى علاج ولا يشترط أن يباشر الجاني فعل الجرح بنفسه بل قد يستعمل أخر كألة في يده كما في حالة المكره والمجنون وقد يستخدم الفاعل حيواناً في هذا السبيل كمن يحرش كلبه على عض أحد المارة فيعقره، والأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة.
(ب) الضرب :
الضرب هو الاعتداء الذي لايترك بالجسم أثراً ظاهراً فقد يكون لكماً أو ركلاً أو صفعاً وقد يكون ضغطاً أوصدماً أو جذباً بالعنف وقد يكون بأداة راضة كالعصا أو حجر وبناءً عليه فلا يلزم أن يبين الحكم بإدانة عدة متهمين بالضرب عن تفاصيل الضربات الصادرة منهم من الذي أحدث فيهم كلاً منهما مادام الثابت أن كلاً منهم اعتدى على المجني عليه وإذا لم يبلغ الفعل المادي حد الضرب أو الجرح بأن اتخذ صورة قص الشعر أو البصق على الوجه فتتوافر به مخالفة الإيذاء الخفيف المنصوص عليها في المادة 394/2 عقوبات لاجنحة الضرب أو الجرح.
ويلزم التحقق قبل إحالة المتهم بالضرب أو الجرح إلى المحاكمة من أنه لم يحدث مضاعفات للضرب أو الجرح تجعل لسلوك المتهم نتيجة أجسام يسأل عنها بوصف إجرامي أشد كالعاهة أو الوفاة.
ويلاحظ أن الأفعال المادية التي لا تقع على جسم الشخص لا تعد في حكم الضرب أو الجرح ولو سببت له ضيقاً وإنزعاجاً ومن ذلك التلويح باليد أو بعصا في حركة تهديدية واطلاق عيار ناري إلى إنسان لازعاجه وكذلك الشأن عند تنغيص الشخص بالأقوال وتحميله بالأكدار والهموم ولو أنت صحته لأنه لابد من فعل مادی يمس جسم المجنى عليه ولا يغني عنه المساس بنفسه وهذا نقص في التشريع كان يجدر بالقانون تفاديه بنصه على الإيذاء إلى جانب أفعال العنف التي حددها .
المرض هو كل اعتلال للصحة ولا يكفي مجرد توافر الألم في تحقق معناه والمرض يلازم الفراش في المعتاد فيعجز بالتالي عن مباشرة أشغاله الشخصية على أن تحقق إحدى الحالين يكفى بذاته دون تحقق الأخرى ولا يكفي مجرد تردد المريض على عيادة الطبيب أو المستشفى خلال المدة المطلوبة بل ينبغي أن يكون المرض الذي لايحول دون مباشرة الأشغال الشخصية بالغاً من الجسامة درجة تجعله معادلاً العجز كما لايكفي من باب أولى مجرد أن تترك الإصابة آثار ظاهرة أو تقتضي عمل ضمانات لمدة تزيد على عشرين يوماً.
ثانياً : مدلول العجز عن الأشغال الشخصية :
العجز عن الأشغال الشخصية يراد به العجز عن الأشغال الجسمية أي تعطيل وظائف الأعضاء كاليد والقدم فمقدار العقوبة يتعين بجسامة الإصابات وهذه الجسامة تقاس بعجز المجنى عليه عن مزاولة الأشغال البدنية إن الشارع لم يقصد بداهة بالأشغال الشخصية أعمال الخدمة أو المهنة الوظيفة وألا ترتب عليه تنويع العقاب لا تبعاً لجسامة الإصابات وإنما تبعاً لوظيفة المجني عليه الاجتماعية فضلاً عن استحالة تطبيق المادة 241 عقوبات إذا كان المجني عليه لا يحترف عملاً وبناءً عليه لو أصيب لاعب كرة محترف في قدمه إصابة اعجزته عن ممارسة اللعب مدة تزيد على عشرين يوماً لكنها لم تعجزه عن السير بها فإن المادة المنطبقة هي المادة 242 لا المادة 241 ولا يكون للعجز عن الأشغال الحرفية من اعتبار إلا عند تقدير التعويض.
والقول بأن إصابات بعينها هي التي تحتاج علاجاً تزيد مدته على عشرين يوماً وبالتالي تقتضي تطبيق المادة 241 وهذه الإصابات في جملتها هي الكسور بأنواعها مضاعفة أو بسيطة والإصابات الرضية في الرأس المصحوبة بارتجاج في المخ و الجروح المتقيحة الكبيرة المساحة والإصابات التي تتناول الأعصاب وعمليات فتح البطن خشية مضاعفات الفتق، وأخيراً الحروق الجسيمة والعبرة في تحديد المدة هي بما يقضيه المصاب مريضاً أو عاجزاً عن الأشغال الشخصية من يوم إصابته حتى يوم المحاكمة ولذا لا ينبغي أن تجرى هذه المحاكمة قبل شفائه خصوصاً وأنه من المحتمل أن تتخلف عن الإصابات التي يستغرق علاجها آمناً طويلاً عاهة مستديمة كما ينبغي التعويل على المدة التي يحددها الطبيب عند بدء العلاج وتقدير مدة المرض أو العجز أمر موضوعی بحت وللمحكمة حق الأخذ بما يقرره المعالج بشأن تحديد مدة العجز عن الأعمال الشخصية ولوكان المصاب يعالج خارج المستشفى.
جرائم الضرب أو الجرح هي من الجرائم العمدية ومن ثم يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي وهو من نوع القصد الجنائي العام ويتوافر بتوجيه الجاني لإرادته نحو المساس بجسم المجنى عليه وإدراكه أن من شأن نشاطه الوصول إلى تلك النتيجة وقد يتوقع الجاني حدوث النتيجة التي وقعت ويرغب فيها كمن يفقأ عين أخر ولكن في كثير من الصور بل في غالبيتها قد لا يستطيع الجاني سلفاً تحديد مدى نتيجة تصرفه ومع هذا فهو يسأل عنها وفقاً لجسامتها استناداً إلى أنها متوقعة وفقاً لسير الأمور العادي ولايؤثر في قيام القصد الجنائي لدى الفاعل الخطأ في الشخص أو الغلط في الشخصية كما هو الشأن في جريمة القتل إذ يهدف الشارع إلى حماية حق الإنسان في سلامة جسمه أياً كان الشخص ويكفي أن يوجه الجاني إرادته للمساس بهذا الجسم. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة: 439)
أركان الجريمة:
وواضح من النص أن شروط تطبيقه هي :
1) أن يحدث ضرب أو جرح.
2) أن ينشأ عن ذلك مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً.
3) القصد الجنائي .
والذي يحتاج لتعليق هو الشرط الثاني، فأما المدة فأمرها سهل هي مسألة حساب للأيام التي يدخل فيها يوم الإصابة نفسه وحسابها بالأيام لا بالساعات.
والذي يحتاج لتحديد هو معنى المرض ومعنى العجز عن الأشغال الشخصية.
المرض :
وواضح من النص أن المرض غير العجز عن الأشغال الشخصية، لأنه فصل بين المصطلحين بحرف "أو"، أي أنهما مختلفان، وأن أيهما يكفي لتطبيقه.
وغالباً ما يتضمن المرض عجزاً عن القيام بالأشغال الشخصية، لأن أبرز علامات المرض عدم القيام بالوظائف الطبيعية للجسم، والخضوع للعلاج الذي يقتضي - عادة - الإعتكاف فالعجز عن القيام بالأشغال الشخصية.
إلا أنه مع ذلك فيمكن أن نتصور مرض يطول أكثر من عشرين يوماً دون أن يصحبه عجز عن القيام بالأشغال الشخصية، وإن يكن هذا نادراً .
العجز عن القيام بالأشغال الشخصية :
إن العجز الذي تقصده المادة التي نحن بصددها هو العجز عن أداء الأعمال البدنية الجسمية.
ولكن هل يشترط أن يعجز المصاب عجزة تامة عن أداء كل هذه الأعمال؟ أم يكفي عجزه عن أداء بعضها فقط.
درجة العجز :
العجز هو عدم القدرة، ولم يوضح النص درجة العجز الذي يلزم تحققه لكي يطبق؛ فهل يشترط أن يحدث عجز تام عن كل عمل بدني حتى الهين التافه من الأعمال، أم يكفي العجز عن أي عمل كان يمكن للمصاب القيام به، ولو كان عملاً إستثنائياً في مشقته وصعوبته تحديد درجة العجز مسألة تقديرية، متروكة لتقدير محكمة الموضوع، ومن الصعب وضع معيار ثابت تقاس به.
إلا أنه مع ذلك يمكن أن نسترشد بمعيار عام نبنيه على القواعد العامة فكما أننا قلنا - عند تحديد معنى العجز - إنه يقصد بالعجز عن الأعمال البدنية، فكذلك درجة العجز يجب أن تقاس بنفس المعيار، وهو معيار الوظائف الطبيعية لإنسان عادي يعيش في الجماعة.
بعبارة أخرى لا يصح أن نسرف في التساهل فنكتفي للقول بوجود عجز بأن المصاب يعجز عن القيام بأعمال تقيلة كتكسير الأحجار وركوب الخيل وتسلق الجبال، كما لا ينبغي من جهة أخرى أن نسرف في التشديد فنتطلب عجزاً تاماً عن مزاولة كل عمل حتى الرسم والتصوير والكلام والكتابة.
والصواب أننا مادمنا بصدد قياس جسامة الإصابات التي يتركها فعل ماس بسلامة الجسم فيجب أن ننظر إلى الأعمال التي تقتضيها طبيعة الحياة ونتخذ منها أساساً للقياس فالإنسان الحي يمشي ويأكل، ويجري أحياناً، ويصعد سلالم، ويحمل أطفالاً، ويسعى إلى رزقه، ويخرج إلى الهواء والشمس ويستحم إلى آخر ذلك من الأعمال التي يزاولها الفرد العادي باعتباره كائناً حياً من جهة، وباعتباره عضواً في جماعة من جهة أخرى، فالعجز عن القيام بهذه الأعمال يعتبر عجزاً يبرر تطبيق المادة التي نحن بصددها، لأنها أعمال بحنية، ولأنها فوق ذلك أعمال حتمية يقوم بها حتما كل فرد، أياً كانت مهنته ومركزه في المجتمع، ولذا لا توصف بالإسراف في الشدة ولا في البساطة، فهي إذن أعمال عادية مشتركة بين كل الناس، يصح أن يقاس عليها، واضطرار الشخص إلى تجنبها يدل على وجود مرض.
العقوبة :
الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه وتشدد هذه العقوبة إذا توافر سبق الإصرار أو الترصد أو حصل الفعل بإستعمال أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى، فتكون العقوبة الحبس كما تشدد عقوبة الحبس إلى السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات إذا إرتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 538 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 252 ، 253 ، 254 ، 255 ، 31
(مادة 516)
يعاقب بالحبس على الإعتداء المشار إليه في المادتين السابقتين في الحالات التالية :
1- إذا ترتب على الإعتداء مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوماً .
2- إذا كان الإعتداء على حبلى ، وترتب عليه إجهاضها .
3- إذا كانت وسيلة الإعتداء آلة أو أداة أو مادة مفرقعة أو حارقة أو مخدرة أو ضارة بالصحة .
4- إذا وقع الإعتداء من خمسة أشخاص على الأقل توافقوا عليه وتضاعف العقوبة إذا توافر أي من ظرفي سبق الإصرار والترصد .
(مادة 522)
كل شخص يلتزم برعاية آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه ، أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ إلتزامه القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع إمتنع عمداً عن القيام بإلتزامه ، وأفضى ذلك إلى موت المجني عليه أو إصابته - يعاقب بحسب قصده ودرجة الإصابة بالعقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (515)، (516)، (517) من هذا القانون .
فإذا كان الإمتناع عن خطأ يعاقب على حسب الأحوال بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين (520)، (521) من هذا القانون .
الجرائم الواقعة على الأشخاص
الفصل الأول
المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه
المواد من (510) - (529):
أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي :
١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب، أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة.
3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح.
4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع .
والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل .
5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .
6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .
7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر .
واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .
8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع .
9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم .
10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع .
(مادة 19)
يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك.
ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني التيجة لسلوكه، فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها.
أما بالنسبة إلى الفصل الثالث الخاص بأركان الجريمة المواد (17) - (20)): فقد عالج المشروع الركن المادي للجريمة والعمد والخطأ غير العمدي، بوصفها جوهر الركن المعنوي للجريمة الذي يفترض بالإضافة إلى ذلك توافر الأهلية الجنائية للشخص.
وبالنسبة إلى الركن المادي للجريمة فقد عبر عنه المشروع في المادة (17) التي نصت على أنه: «لا تسند الجريمة إلى شخص ما لم تكن قد وقعت نتيجة لسلوكه فعلاً وامتناعاً» .
وهذا النص يوضح عناصر الركن المادي للجريمة، وهي السلوك الإجرامي ممثلاً في الفعل أو الامتناع، والنتيجة، وعلاقة السببية.
ويساند القرآن الكريم في مواضع عدة شرط توافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة، مثل قوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) [النجم: 39]، وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [المدثر: 38]، والسبب في الشريعة الإسلامية هو نشاط الجاني الذي تترتب عليه النتائج الجنائية التي تتضمن انتهاكاً للمصالح والمقاصد الشرعية، وذلك أن الشرع الإسلامي يحرص على الضروريات لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، كما يحمي الحاجات التي تيسر للناس سبل حياتهم، فالفعل الإجرامي يعد إضراراً بالمقاصد الشرعية مع حفظ الضروريات أو الحاجيات، كإزهاق الروح المسبب عن حز الرقبة، والسكر الناشئ عن الشرب عند أبي حنيفة، وقد أشار فقهاء المسلمين إلى توفر علاقة السبية وضرورتها، فإذا جرح رجل آخر عمدا وصار ذا فراش ومات يقتص منه؛ لأن الجرح سبب ظاهر لموته، فيحمل الموت عليه ما لم يوجد ما يقطعه. (تبيين الحقائق للزيلعي، جـ (6) ص (109)، ويراجع المغني لابن قدامة، ج (7) ص (683)، (684)).
وتتوافر علاقة السببية سواء باشر الجاني الفعل والنتيجة بنفسه دون توافر عوامل أخرى، أو إذا قام بالفعل إلا أن النتيجة اشتركت في إحداثها عوامل أخرى غير فعل الجاني، ويطلق الشرعيون على الحالة الأولى تعبير المباشرة، ويسمون الحالة الثانية التسبب .
ومثال المباشرة: أن يقتل شخص آخر بسكين فيموت على الفور أما التسبب، فمثاله: أن يطلق شخص ناراً على شخص آخر فينقل إلى المستشفى، ويخطى الطبيب في علاجه، ويموت متأثراً بجراحه وإهمال الطبيب.
إلا أنه في الشريعة الإسلامية لا تجب عقوبة الحد أو القصاص إلا في حالة المباشرة دون التسبب فلا يعاقب المتسبب بعقوبة الحد، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية، فتدخل عوامل وسيطة مؤثرة في إحداث النتيجة يعد شبهة يدرأ معها الحد أو القصاص.
وقد حاول الفقهاء المسلمون الاحتياط ما أمكن في توقيع عقوبات الحدود فجعلوها على المباشر وحده، وقد جاء في الفتاوى الكبرى: إذا اشترك جماعة في قتل معصوم عمداً ، يجب عليهم القصاص إذا باشروا جميعاً قتله، وإن كان بعضهم باشر والبعض كان قائماً يحرس، ففي ذلك قولان يرى مالك أن القصاص على الجميع، ويرى أبو حنيفة والشافعي وأحمد أن القصاص على المباشر (الفتاوى الكبرى، ج (4)، ص (222)). كما ورد في السرقة أنه إذا دخل جماعة من اللصوص منزلاً وأخذوا متاعاً ، وحملوه على ظهر واحد، وأخرجوه من المنزل، فألقياه، فالقول ألا تقطع يد الحامل وهو قول زفر، وقيل: يقطعون جميعاً استحساناً. (البدائع جـ (7) ص (65)، (66)). غير أن الفقهاء قد راعو طبيعة بعض الجرائم التي تحتاج إلى تعاون عدد من الناس، مثل جريمة الحرابة، فنجد أن الحد يطبق على المباشر وعلى المعين كمن يحرس الطريق أثناء ارتكاب جريمة الحرابة. (المبسوط جـ (9) ص (146)).
ومعنى ذلك أن المساهمة في الجريمة بطريق التسبب هو نشاط إجرامي مؤثم شرعاً وغاية الفرق هو القول بامتناع توقيع عقوبة الحد أو القصاص إلا على المباشر، والمباشر من يرتكب فعلاً أو أفعالاً تؤدي إلى النتيجة الإجرامية دون تدخل عوامل أخرى أو وساطة كمن يقتل شخصا بطلق ناري أو بضربات متلاحقة من عصا غليظة على رأسه، أما المتسبب فهو من يأتي فعلاً أو أفعالاً تؤدي مع غيرها من العوامل أو الوسائط إلى حصول النتيجة على نقيض جري العادة (المسئولية المدنية والجنائية للشيخ شلتوت، ص (19)، وما بعدها) ومثال ذلك من يحفر بئراً في الطريق قاصداً أن يتردى فيه إنسان فيموت، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض الفقهاء في خصوص الحدود قد يسوون في العقوبة بين المباشر والمتسبب، كما في جريمة الحرابة، وذلك كما يبدو في التعليل لأسباب عملية تتعلق بهذه الجريمة بالذات، واعتمادها في الغالب على التضافر بين مرتكبيها (بدائع الصنائع، ج (9) ص (4226)).
وتأكيداً لأهمية توافر علاقة السببية بين السلوك والنتيجة نصت المادة (18) من المشروع على أن تنتفي رابطة السببية بين السلوك والنتيجة، إذا توافر سبب كافي بذاته لإحداث النتيجة، وفي هذه الحالة تقتصر مسئولية الشخص على سلوكه إذا كان معاقباً عليه مستقلاً عن النتيجة ومثال انقطاع علاقة السببية ما لم لو كان فعل أحد الجناة قد وقع مع استحالة الجريمة ذاتها، كما لو جنى رجل على آخر جناية أخرجته عن حكم الحياة مثل ذبحه ثم ضرب آخر عنقه، فالأول هو القاتل، أما إذا كان جرح الأول للمجني عليه يؤدي إلى الموت لا محالة، ولكنه مع ذلك لم يخرجه عن حكم الحياة، ثم ضربه الجاني فيكون قاتلاً ؛ لأنه فوت حياة مستقرة. (المغني لابن قدامة، جـ (7) ص (684)).
ويتفق هذا النص مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تشترط أن يكون سلوك الجاني هو السبب الوحيد المحدث للنتيجة، بل يكفي أن يكون سلوك الجاني سبباً فعالاً في إحداث النتيجة وقد اختلفت في هذا الشأن نظريات القانون الوضعي، فمنها ما يأخذ بتعادل الأسباب سواء أكانت فعالة في إحداث النتيجة أو غير فعالة، ومنها ما يأخذ بنظرية السبب الأقوى، ومنها ما يأخذ بنظرية السبب الملائم أما الشريعة الإسلامية فإنها تشترط أن يفضي السلوك الإجرامي إلى النتيجة، ولو تدخلت عوامل أخرى، طالما كان العرف يعتبر السلوك - رغم هذه العوامل - مؤدياً إلى النتيجة، وبناء على ذلك فإن كفاية السبب وفقاً المجريات الأمور أو مقتضى العادة، هو معیار توافر رابطة السببية في الشريعة الإسلامية مهما توافرت عوامل أخرى ساهمت في إحداث النتيجة وقد عبرت المادة (18) من المشروع عن ذلك حين نصت على انتقاء رابطة السببية إذا توافر سبب کافي بذاته لإحداث النتيجة .
فالكفاية صفة موضوعية في السبب تقدر وفقاً للمجرى العادي للأمور بحسب ما تعارف عليه الناس.
وقد عني المشروع بعد ذلك ببحث جوهر الركن المعنوي للجريمة، وهو العمد أو الخطأ غير العمدي فلا يكفي إسناد الفعل مادياً إلى الشخص، وإنها يجب أن يقترن بالإثم الجنائي هذا الإثم الذي يأخذ إما صورة العمد أو صورة الخطأ غير العمدي فبدون توافر هذا الإثم لا يكون الشخص مسئولاً وقد فرق القرآن الكريم بين العمد وبين الخطأ غير العمدي، فقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
والمقصود هو عدم تسوية المخطئ بالعامد، وقد ثبت هذا في القرآن الكريم بالتفرقة الواضحة بين القتل العمد وبين القتل الخطأ في العقوبة الدنيوية والأخروية، ذلك أن القاتل عمداً جزاؤه عدا القصاص جهنم خالدا فيها أبداً ، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً
أليهما وأما القتل الخطأ فإن العقوبة هي الكفارة والدية، ومن الأصول المستقرة في الشرع الإسلامي بوجه عام أن النية أو القصد لها أثرها في الجزاء على العمل سواء كان دنيوياً أو أخروياً وذلك طبقاً للحديث الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»، وهو متفق عليه.
وبالنسبة للعمد فقد نصت المادة (19) من المشروع على أن يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك.
ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني النتيجة لسلوكه فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها.
وقد فرقت الشريعة الإسلامية بين العمد والباعث، أي بين قصد العدوان (العمد)، وبين الدوافع التي دفعت الجاني للعدوان، ولم تجعل الشريعة للباعث على ارتكابه الجريمة أي تأثير على تكوين الجريمة أو على العقوبة المقررة لها، على أن للباعث من الوجهة العملية أثراً على عقوبات التعازير دون غيرها من العقوبات الحدية أو عقوبة القصاص، وذلك أن عقوبة الحدود أو القصاص قدرها الشارع، ولا مجال لزيادة عنها، أو التخفيض من قدرها عند ثبوت الجريمة أياً كان الباعث على ارتكابها، ويلاحظ أن جرائم الحدود والقصاص التي لا أثر للباعث عليها في تقدير العقوبة، تشمل الجرائم العادية أي التي تحدث في كل مجتمع، والتي تنتهك أهم مقاصد الشارع، وهي حفظ الدين والنفس والمال كما يستند ذلك إلى مبدأ أصيل في الشرع الإسلامي، وهو تساوي النفوس في حرمتها، ووجوب حفظها من العدوان الذي لا يبرره سوى الحق وحده، لا ما يتصوره بعض الناس مبرراً لارتكاب العدوان على النفس أو المال.
وقد عني المشروع في تعريف العمد بأن يتسع للعمد الاحتمالي، حيث يتوقع الجاني النتيجة لسلوكه فيقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها وهذا العمد الاحتمالي يختلف عن شبه العمد، ومعناه: إتيان السلوك دون أن تتجه نية الجاني إلى إحداث النتيجة (دون أن يقبل حدوثها)، مثال ذلك: إلى الضرب المفضي إلى الموت، تعريض الأطفال للخطر المفضي إلى الموت وفي صورة شبه العمد لا تكون حيال عمد محض ولا خطأ محض، وإنما يوجد جمع بين العمد والخطا، إذ يكون فيه الضرب متعمداً والوفاة غير متعمدة وقد أوضح بعض فقهاء المسلمين ذلك، كما ورد في المغني لابن قدامة في جريمة القتل شبه العمد: کا لو ضربه بها يقتل غالباً ، إما بقصد العدوان عليه، أو بقصد التأديب كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير والوكز باليد، ولكنه مات - فإنه شبه عمد ؛ لأنه قصد الضرب دون القتل (ج (7) ص (650))، ويراجع تبيين الحقائق (جـ (6) ص (100)، (101)، والمجموع جـ (17) ص (331)).
الدية وما يستحق منها في جرائم الاعتداء على ما دون النفس
مادة (257):
أحوال استحقاق الدية:
يحكم على الجاني بالدية أو الجزء المقدر منها ، وتستحق للمجني عليه في حالات امتناع عقوبة القصاص في جرائم الاعتداء على ما دون النفس إذا وقعت عمداً ، وفي حالة وقوع هذه الجرائم بطريق الخطأ متى ألحقت بالمجني عليه أي أذى من أنواع الإيذاء المنصوص عليها في المادة (227)، وذلك دون الإخلال بالعقوبة التعزيرية المقررة.
الإيضاح
الدية - حسبما يبين من المادة (228) و(257) من المشروع - عقوبة مالية مقدرة شرعا، فالصفة الغالبة للدية هي أنها عقوبة يحكم بها على الجاني عند توافر شروط استحقاقها وقدرها محدد، وتجب بصفة أصلية أحياناً ، وبدلاً عن عقوبة القصاص أحياناً أخرى، وكل هذه الخصائص من سمات العقوبة سيما وأن ثمة جرائم عمدية تمتنع فيها عقوبة القصاص، وإنما يعاقب عليها بالدية - كقطع طرف لا يجوز القصاص فيه -، ويقابل ذلك أن للدية بعض صفات التعويض عن الضرر، وفيها معنى التعويض؛ لأنها تستحق للمجني عليه عن الجريمة، وله حق التنازل عنها أو التصالح على أقل منها قدراً ، بل وعلى أكثر إذا كانت الجريمة موجبة للقصاص وليس ذلك كله من سمات العقوبة البحتة.
والدية إما أن تستحق كاملة للمجني عليه، وإما أن يستحق له جزء مقدر منها على النحو الوارد بالمشروع، وذلك في كافة حالات امتناع عقوبة القصاص في الجريمة التي وقعت من الجاني عمدا، كما تستحق الدية أو الجزء المقدر منها للمجني عليه في جرائم الخطأ. وذلك متى ألحقت هذه الجرائم بالمجني عليه أي أذى من أنواع الإيذاء المنصوص عليها في المادة (227). ذلك بأن جرائم الخطأ ليس فيها قصاص، بل فيها الدية فحسب، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ) (سورة النساء، الآية: (92)). فالعقوبة في جرائم العمد هي القصاص أو الدية، أما جرائم الخطأ فلا يجب فيها إلا الدية . وتوقيع عقوبة الدية أو الجزء المقدر منها - ويسمى «أرشا» إذا كان مقدرا بالنص، و(حكومة) إذا ترك تقديره للقاضي - لا يخل في كافة الأحوال بتوقيع العقوبة التعزيرية المقررة.
وقد حدد المشروع الجرائم التي تجب فيها الدية سواء وقعت جريمة الاعتداء على ما
دون النفس عمداً - في حالات امتناع عقوبة القصاص -، أو وقعت هذه الجريمة بطريق الخطأ، وسلك المشروع في تقسيم هذه الجرائم من قبل في المادة (227) منه مسلك الفقه الإسلامي في تقسيمه لأنواع الاعتداء، وصوره التي تقع بها هذه الجرائم، وذلك إلى جرائم قطع طرف وما في حكمه، وإذهاب حاسة أو منفعة وما في حكمها، وجرائم الشجاج (وهي جروح الرأس والوجه)، وجرائم الجراح (وهي جروح الجسد في غير الرأس والوجه)، وهذا التقسيم الفقهي يستند في أصله إلى نتيجة الاعتداء وأثره، فإما أن يترتب على الاعتداء قطع طرف کما ورد في النص القرآني كالعين أو الأنف أو الأذن، ويقاس عليها بطريق اللزوم باقي الأطراف كاليد والرجل واللسان والذكر، وتعد السن في حكم الطرف، وقد وردت في الآية الكريمة: ( وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)(سورة المائدة، الآية: (45)).
وإما أن يترتب على الاعتداء إفقاد منفعة العضو مع بقاء عينه ، كإفقاد البصر مع بقاء العين صورة، أو إفقاد الشم مع بقاء الأنف صورة ، أو إفقاد النطق مع بقاء اللسان صورة.
وكذلك قد يكون الاعتداء إصابة في الرأس أو الوجه مما يعد من قبيل الشجاج، وقد يكشف هذا الاعتداء عن عظم ولا يمسه بادئ، وقد يهشم الاعتداء العظم أو ينقله من مكانه، وقد يصل الاعتداء إلى أم الدماغ أو إلى المخ نفسه إذا لم يمت منه المجني عليه، وقد سمى الفقهاء المسلمون هذه الصور من الاعتداء على الرأس والوجه، بالموضحة ، والهاشمة ، والمنقلة ، والأمة (أو المأمومة والدامغة)، وهذه الجرائم كلها - عدا الموضحة - أخذ مشروع القانون بوجوب الدية فيها كأصل؛ نظراً لأن القصاص فيها لا يؤمن معه الحيف فتستحق الدية أصلاً وقد قدرها الشارع في الهاشمة والمنقلة والأمة ، وقدر أقل ما في الدامغة بثلث الدية، أما الموضحة فيجوز فيها القصاص؛ لأن الإصابة فيها لها حد تنتهي إليه وهو العظم.
وأما أن يترتب على الاعتداء جراح من جروح الجسد، وهذه الجراح أخذ المشروع
بالدية فيها كعقوبة أصلية؛ أخذا بالأحوط في تحقيق المماثلة بن الجريمة والعقوبة، إذ قال بعض الفقهاء بوجوب القصاص في الجراح، ولكن هناك رأيا للإمام أبي حنيفة بأن القصاص في جروح الجسد غير مأمون؛ لأنه كثيرا ما لا يكون له حد ينتهي إليه کعظم أو مفصل، وتجب فيها بذلك الدية، وبهذا أخذ المشروع.
ويلاحظ أن الصور التي أوردتها الشريعة للاعتداء على الجسد وأثره تشمل جميع صور الاعتداء التي يعاقب القانون الوضعي على مقارفتها، ولا تختلف الشريعة عن القانون إلا في مقياس العقوبة وتقديرها، فقد أخذ القانون بمقياس مدة المرض الذي يسببه الأذى إلى الجزء الرابع جانب مقاييس أخرى، واعتمدت الشريعة الإسلامية مقياسا آخر للعقوبة القدرة شرعاً هو نتيجة الاعتداء ذاته من حيث مساسه بالجسم.
(بدائع الصنائع ج- (7) ص (308) وما بعدها، تحفة الفقهاء للسمرقندي وهي أصل بدائع الصنائع للكاساني الحنفي مطبعة: جامعة دمشق 1379 / 1959 ، الجزء الثالث من (151) وما بعدها، نهاية المحتاج ج (7) ص (299) وما بعدها - المغني ج (8) ص (302) وما بعدها).
مادة (258):
مقدار الدية:
1- الدية الكاملة أربعة آلاف ومائتان وخمسون جراماً من الذهب الخالص، ويقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين .
2- ولا يختلف مقدار الدية باختلاف جنس المجني عليه أو دينه.
3- ولا تتعدد الدية بتعدد الجناة، وتقسم عليهم بالتساوي.
4- وإذا ساهم المجني عليه في الخطأ تقسم الدية بين الجاني او الجناة وبين المجني عليه بالتساوي بقدر عددهم، ويقتطع من الدية ما يقابل حصة المجني عليه فيها.
5- وتطبق الفقرات الثلاث السابقة على الجزء المقدر من الدية.
الإيضاح
الدينار هو المثقال، لأنه اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن، والدينار عشرون قيراطا، والدرهم أربعة عشر قيراطاً ، فالدينار او المقال درهم وثلاثة أسباع درهم (حاشية رد المحتار لابن عابدين الحنفي، مطبعة: مصطفی الحلبي 1386 / 1966 ، الجزء الثاني ص (296) ، ويراجع في أن المقال هو الدينار کتاب الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات، مطبعة: دار الكتب 1358 / 1939 ص (481) - وفي أن المثقال وزن مقداره درهم وثلاثة أسباع درهم المعجم الوسيط، مطبعة: مصر 1380 / 1960 الجزء الأول ص (98 )). ولما كان الدرهم يساوي 2,975 جرام فيكون الدينار 10/ 7 × 2975 / 1000 = 4,25 جراماً ، وقد نصت المادة (258) على أن مقدار الدية الكاملة هو أربعة آلاف ومائتان وخمسون جراماً من الذهب الخالص ، ويقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين، وقد روعي في ذلك الأخذ بنصاب الذهب، باعتبار أن الدية الكاملة ألف دينار ذهبا، وأن الدينار الذهب وزنه 4,25 جراماً من الذهب، فتكون الدية الكاملة 1000 دینار × 4,25 جم = 4250 جراماً من الذهب الخالص الذي يمكن أن يصنع عملة مضروبة ، وذلك باحتساب النصاب بالذهب ، ونظراً لتغير قيمة الذهب من وقت لآخر رأت اللجنة أن يقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة على أن مقدار الدية لا يختلف بحسب جنس المجني عليه أو دينه، فالدية واحدة سواء كان المجني عليه مسلماً أو ذماً ، وقد أخذ المشروع في هذه التسوية برأي الحنفية، وعدل عن رأي المالكية والشافعية بجعل دية الذمي نصف دية المسلم، وهو رأي الحنابلة أيضا (حاشية رد المحتار ج (6) ص (554) و(574) و(570)، ويراجع في اتجاهات المذاهب المغني ج(8) ص (383) إلى (386))، كما أخذ المشروع برأي ابن علية والأصم من أن دية المرأة كدية الرجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم أن: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» (المغني ج (8) ص (387)). ويساند هذه التسوية أن النظر يجب أن يكون إلى الاعتداء على النفس الإنسانية وهي واحدة، ولا يكون للأنصبة في الميراث، أو لمعنى المنفعة فيها وهو معنى لا يرتفع عن الجدل والخلاف.
ونصت الفقرة الثالثة على أن الدية لا تتعدد بتعدد الجناة ، وأنها تقسم عليهم بالتساوی ، کما نصت الفقرة الرابعة على أن المجني عليه إذا ساهم في الخطأ تقسم الدية بينه وبين الجاني أو الجناة بالتساوي بقدر عدد الجميع، ثم يقتطع من الدية ما يقابل حصة المجني عليه فيها. وهذا كله يتفق مع ما جاء في باب الجناية على النفس، وغني عن البيان أن الأحكام التي أوردتها الفقرات الثانية والثالثة والرابعة تسري على الجزء المقدر من الدية مثلها تسري على الدية الكاملة ، وهو ما نصت عليه الفقرة الخامسة ؛ زيادة في تأكيده.
هذا، وقد أخذ المشروع بتقدير الدية بالنقد المعمول به، وهو أصل في تقدير الدية إلى جانب الإبل والبقر والشياه والحلل، وقد حددت الدية بالنسبة إلى هذه الأشياء؛ حتى يسهل على أهل كل بلد أداؤها مما عندهم، وعلى هذا نص كثير من الفقهاء، والأخذ بالمعيار النقدي أضبط وأيسر وأنسب للعصر الذي نعيش فيه ومطابق للشرع الشريف؛ إذ الذهب يعد من أصول الأثمان، ولا خلاف مطلقا في تقدير الدية به.
المذهب الحنفي: بدائع الصنائع ج (7) ص (253) وما بعدها، المذهب المالكي: حاشية العدوي، المطبعة الأميرية 1309 هـ ، الجزء الثاني ص (310) وما بعدها، المذهب الشافعي: منهاج الطالبين للنووي، وحاشية القليوبي وعميرة، مطبعة: دار إحياء الكتب العربية، الجزء الرابع ص (131) وما بعدها، المذهب الحنبلي: المغني ج(8) ص (351) وما بعدها).
مادة (259):
ما يستحق من الدية في جرائم قطع الأطراف وما في حكمها:
تقدر الدية أو الجزء المستحق منها في جرائم قطع الأطراف وما في حكمها على النحو الآتي:
1- دية كاملة في جريمة قطع الأنف من المارن أو من القصبة، وثلث الدية إذا قطع أحد المنخرين أو الحاجز بينهما.
2- دية كاملة في جريمة قطع اللسان إذا استوعبه القطع.
3- دية كاملة في جريمة قطع الذكر كله أو حشفته.
4- دية كاملة في جريمة كسر العمود الفقري إذا ترتب على الكسر فقد القدرة على المشي أو الجماع.
5- دية كاملة في اليدين ، أو الرجلين أو أصابعها، أو قطع الأذنين ، أو الشفتين، أو الأنثيين، أو ثديي المرأة وفي قلع العينين، وتستحق نصف الدية إذا اقتصر القطع أو القلع على أحد العضوين .
6- عشر الدية في جريمة قطع الأصبع، ونصف دية الأصبع في قطع أنملة الأصبع
الإبهام، وثلثها في سائر الأنامل في اليد أو الرجل.
7- جزء من عشرين من الدية في جريمة قلع السن.
الإيضاح
وضحت هذه المادة من المشروع مقدار الدية أو الجزء المستحق منها في الجرائم التي ينتج عنها قطع الأطراف وما في حكمها، ويعبر الفقهاء المسلمون عنها أحياناً بجرائم إبانة الأطراف، وهي في معنى قطعها وإزالتها، وقد حددت هذه المادة ما يستحق من الدية عند إزالة طرف من الأطراف ، وهذا التحديد للدية قد ورد في كتب الفقه الإسلامي مستندا إلى أصوله في الشرع الشريف.
فإذا قطع الأنف كله أو قطع من المارن (وهو ما لان من الأنف) - فإن المجني عليه يستحق دية كاملة عند امتناع القصاص، وإذا قطع أحد المنخرين أو الحاجز بينهما استحق المجني عليه ثلث الدية، أما إذا قطع أي جزء آخر فيقدر الجزء المستحق من الدية بقدره، ويقوم القاضي بتقديره بحسب جسامة الاعتداء وأثره طبقاً للمادة (263) من المشروع.
وما ورد في المادة (259) يستند إلى اتفاق الأئمة الأربعة بالنسبة إلى الدية الكاملة إذا قطع الأنف كله، أو المارن؛ لقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: «في الأنف إذا أوعب جدا الدية». أما بقية ما ورد من تقدير، فيستند إلى أن الأنف يشتمل على ثلاثة أشياء هي أجزاؤه فاستحق كل منها ثلث الدية (بدائع الصنائع ج- (7) ص (311) ، تحفة الفقهاء ج (3) ص (159) ، نهاية المحتاج ج (7) ص (310) ، المغني ج (8) ص (435) و (436)).
وحدت المادة الدية الكاملة عند قطع اللسان كله ؛ لأنه تتعلق به منافع کاملة كالنطق والذوق، ويتفق ذلك مع قول الأئمة الأربعة ، وما روي عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود رالله عنفر؛ تأسيساً على ما ورد عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كتابه لعمرو بن حزم: «وفي اللسان الدية» .
(تبيين الحقائق ج (6) ص (129)، نهاية المحتاج ج (7) ص (310) ، المغني ج (8) ص (437) و (438)).
کا تستحق الدية كاملة في قطع الذكر كله أو حشفته كلها، فالحشفة إذا استوعبها القطع تساوي الذكر.
(الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير مطبعة: دار المعارف 1974 م ، الجزء الرابع ص (387) و (390) ، نهاية المحتاج ج (7) ص (314)).
أما عند وقوع الجريمة على العمود الفقري (الصلب) فإنه إذا كسر، وترتب على كسره فقد القدرة على المشي أو الجماع - فإن الدية تستحق كاملة؛ لأن الكسر ترتب عليه فقد منفعة كاملة تستوجب الدية الكاملة، وعند كسر الصلب وجبر الكسر بالعلاج أو نحوه فإن ذلك لا يترتب عليه الدية كاملة وإنها يقدر الجزء المستحق منها با ترتب على الإصابة من تشويه، أو فقد منفعة جزئية.
(بدائع الصنائع ج- (7) ص (311)، تحفة الفقهاء ج (3) ص (160)، نهاية المحتاج جـ (7) ص (322) و (323)، المغني ج- (8) ص (453) و(454)).
وكذلك فإن قطع اليدين أو الرجلين تستحق عنهما الدية كاملة باتفاق، وذلك لأن منفعتها كاملة تستوجب دية كاملة، ويلاحظ أن اليد تطلق على الذراع كله وعلى الأصابع إذا استوعبها القطع جميعا، فأقل ما يطلق عليه اليد هو الأصابع جميعها، وأكثر ما يطلق عليه اليد هو الذراع كله حتى المنكب، والرجل في ذلك كالذراع، فأقل ما يطلق عليه الرجل هو أصابعها، وأكبر ما يطلق عليه الرجل من القدم حتى أعلى الفخذ، واستند الحكم الوارد في المشروع إلى رأي الإمام مالك، وبعض الفقهاء الشافعية، وفقهاء مذهب أحمد (المغني ج (8) ص (449) و(450) و(457)). وسيأتي حكم دية الجزء الباقي من اليد أو الرجل إذا قطع الجزء الأصغر بجريمة ثم قطع الجزء الباقي من اليد أو الرجل بجريمة أخرى، ويدخل ذلك في أحكام تداخل الديات.
وتستحق الدية كاملة أيضا في قطع الأذنين ؛ لأن فيها منفعة وجمالاً ، وقال بذلك الأئمة الأربعة ، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم: «وفي الأذن خمسون من الإبل». وفي قطع الشفتين كذلك ؛ لأن فيهما منفعة وجمالا، وذلك باتفاق أهل العلم، ولما ورد في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «وفي الشفتين الدية». وإن كان قد روي عن زید بن ثابت رضى الله عنه ، وسعيد بن المسيب، والزهري ، وأحمد بن حنبل – أن في الشفة العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثين، وقد عدل المشروع عن ذلك؛ لأن الرأي الأول أقوى سندا وأبسط تطبيقاً.
وقد اتفق الأئمة الأربعة كذلك على وجوب الدية كاملة في الأنثيين ، وفي ثدي المرأة وفي قلع العينين ؛ لأن إزالة هذه الأطراف فيه إفقاد منفعة كاملة ، وتستحق عنها دية كاملة، وجعل المشروع في قطع طرف واحد من الأطراف المزدوجة في الجسم كقلع عين واحدة، أو قطع أذن واحدة، أو شفة واحدة، أو ثدي واحد - نصف الدية ؛ لأن اتفاق الأئمة الأربعة الأربعة على وجوب الدية الكاملة في قطع الاثنين - يقتضي وجوب نصفها في قطع الطرف الفرد کاليد الواحدة، أو الرجل الواحدة.
يراجع فيما تقدم بدائع الصنائع ج (7) ص (311) و (314)، تحفة الفقهاء جـ (3) ص (191)، نهاية المحتاج ج (۷) ص (۳۱۰) و(۳۱۶)، المغني ج (۸) ص (۲۷) و(451) و(455)).
وحددت المادة الجزء المستحق من الدية عن قطع الأصبع بعشر الدية ، يستوي في ذلك إصبع اليد أو الرجل، وتستوي في ذلك كل الأصابع، أما الأنامل فإن أنملة الإبهام يستحق عنها نصف دية الأصبع، نظراً لأن في الإبهام أنملتين فقط على خلاف بقية الأصابع فهي ذات ثلاث سلامیات ، ففي أنملتها ثلث دية الأصبع (المغني ج (8) ص (456) و (457)).
والسن يجب بقلعه جزء من عشرين من الدية، وروي ذلك في كتاب الرسول صلوات الله وسلامه عليه لعمرو بن حزم: «وفي السن خمس من الإبل». كما اتفق عليه الأئمة الأربعة، ويشترط في استحقاق الدية المقررة للسن أن يكون المجني عليه قد أثغر - أي ذهبت رواضعه ونبتت أسنانه الدائمة -، فلا يقتص من الجاني، أو تجب للمجني عليه الدية المقررة إلا إذا كان لا يرجى عودة سن المجني عليه (المغني ج (8) ص (430) وما بعدها).
مادة (260): ما يستحق من الدية في جرائم إفقاد منافع الأعضاء مع بقاء أعيانها: تقدر الدية او الجزء المستحق منها في جرائم إفقاد منافع الأعضاء مع بقاء أعيانها على النحو الآتي:
1- دية كاملة إذا ترتب على الجريمة فقد حاسة البصر أو السمع أو الشم، ونصف الدية إذا ترتب على الجريمة فقد حاسة البصر من إحدى العينين، أو حاسة السمع من إحدى الأذنين، أو حاسة الشم من أحد المنخرين.
2- دية كاملة في إفقاد العقل أو إفقاد حاسة الذوق أو اللمس.
3- دية كاملة إذا نشأ عن الجريمة العجز عن الكلام أو المشي أو الجماع.
الإيضاح
وضحت هذه المادة مقدار الدية أو الجزء المستحق منها إذا ترتب على الاعتداء فقد منفعة في الجسم مع بقاء العضو الذي تتعلق به هذه المنفعة صورة، كما لو ترتب على الاعتداء ذهاب حاسة البصر مع بقاء العين ، أو ذهاب حاسة السمع مع بقاء الأذن أو ذهاب حاسة الشم أو الذوق مع بقاء الأنف أو اللسان. ويعبر القانون الوضعي عن هذه الجرائم وأثرها بأنه فقد حاسة من الحواس، وهي تعد بطبيعتها عاهة مستديمة بحكم المادة (515) من هذا القانون.
والقاعدة المقررة أن إفقاد المنفعة إفقاداً كاملاً بالاعتداء فيه دية كاملة ، أما إفقاد الحاسة في أحد الأعضاء المزدوجة نصف الدية ، كما لو فقد إبصار عين واحدة، أو فقدت حاسة الشم من منخر واحد ، أو حاسة السمع من إحدى الأذنين، وثمة منافع وحواس متعددة تدرك بطرف واحد كالذوق والكلام بالنسبة للسان، وفي فقد هذه الحواس الدية كاملة.
وهناك منافع أخرى يترتب فقدها على الاعتداء على الأطراف المتعلقة بها ولو لم يكن التعلق مباشراً ، فإذا اعتدى إنسان على آخر في رأسه فذهب عقل المجني عليه ، أو فقد القدرة على النطق، أو فقد القدرة الجنسية - كان في ذلك دية كاملة، وكذلك إذا ترتب على الاعتداء العجز عن المشي ، كما لو كان الاعتداء على الساقين فأبطل المشي مع بقاء الساقين صورة ، أو كان الاعتداء على الصلب وتم علاجه ولكن ترتب على الجريمة فقد القدرة الجنسية - فإن كل ذلك يستوجب دية كاملة ؛ لأن المنفعة التي فقدت كاملة.
ويلاحظ أن الفقد الذي يستحق عنه دية كاملة يجب أن يكون فقدا كاملاً ، فإذا ترتب على الجريمة تقليل البصر في العينين أو إحداهما ، أو تقليل السمع ، أو إضعاف حاسة الشم - لا تستحق دية كاملة ، ولكن يطبق حكم المادة (263) وسيأتي ذكره فيما بعد.
وجدير بالذكر أن المشروع قد اختار الأحكام المتفق عليها بين الفقهاء، وترك بعض مواطن الخلاف الجزئية التي تتعلق مثلا بالاعتداء على شخص لا تكتمل فيه الحاسة أو المنفعة قبل الجريمة، كالاعتداء على أعور بها يفقده بصر عينه الباقية، وقد استند المشروع في الحكم الذي أورده في خصوص التسوية في استحقاق نصف الدية بين من يعتدي على أعور، ومن يعتدي على عين واحدة لسليم البصر في العينين - إلى مذهبي الإمامين أبي حنيفة والشافعي، وتوخي في ذلك سهولة التطبيق، والوقوف عند حد النص القرآني: (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) ، وإن كان الرأي المخالف يستند إلى قضاء للصحابة لم يعرف له مخالف.
(يراجع فيها تقدم تبيين الحقائق جـ (6) ص (129) ، نهاية المحتاج جـ (7) ص (315) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (427) و (428)، وفي الرأي المخالف حاشية الدسوقي جـ (4) ص (255) ، الشرح الصغير جـ (4) ص (357)).
مادة (261):
يقدر الجزء المستحق من الدية في جرائم الشجاج على النحو الآتي:
1- في جريمة إحداث موضحة يستحق جزء من عشرين من الدية.
2- في جريمة إحداث هاشمة - وهي إصابة بالرأس أو بالوجه تهشم العظم - يستحق
عشر الدية.
3- في جريمة إحداث منقلة - وهي إصابة بالرأس أو بالوجه تنقل العظم - يستحق
3 / 10 من الدية.
4- في جريمة إحداث أمة أو مأمومة - وهي إصابة تصل إلى أم الدماغ فوق المخ -
يستحق ثلث الدية.
5- في جريمة إحداث دامغة - وهي إصابة تصل إلى الدماغ «المخ» - يستحق ثلث
الدية ، وتزيد عليه المحكمة إذا نشأت عن الإصابة أضرار أخرى.
الإيضاح
حددت المادة الجزء المستحق من الدية في جرائم الشجاج الواردة في هذا الباب ، وقد اختار المشروع أن يكون قدر المستحق من الدية في الشجاج (جروح الرأس والوجه) - محددا بحسب ما ورد من الشارع وفي حالاته ، وترك تحديد غيره من الحالات إلى المحكمة، وراعى المشروع أن يكون ما اختاره مستنداً إلى اتفاق الأئمة عليه.
فجريمة إحداث موضحة يستحق المجني عليه عنها جزءاً من عشرين من الدية ، والموضحة هي الجرح بالرأس أو الوجه الذي يكشف عن العظم ، ولا يمسه بسوء، ولو كان ما کشف يسيراً (ولو بقدر مغرز إبرة كما عبر الفقهاء المسلمون) - فلا يختلف أرش موضحة بكبرها وصغرها ولا ببروزها وخفائها، وهذا الجرح غالباً ما يشفى دون أي خطير يترتب عليه ، فالموضحة ليست إلا جرحاً في الرأس أو الوجه ، ومرجع ذلك بطبيعة الحال إلى الخبرة الطبية التي تحدد مآلها. وهناك الهاشمة وهي في اصطلاح الفقهاء إصابة تقع على الرأس أو الوجه وتهشم العظم ، ولا هم مقدار العظم الذي تهشمه الإصابة يسيراً كان أم كبيراً ، ويستحق في الهاشمة عشر الدية.
أما إذا وصلت الإصابة بحيث تنقل العظم من مكانه ، أو يحتاج في تداويها إلى نقل العظم (كما ورد في تأويلها في بعض كتب الفقه) - فإنه يستحق فيها 3 /10من الدية، وإذا وصلت الإصابة إلى أم الدماغ (وهي الجلدة التي تقي المخ تحت عظم الجمجمة ، ويطلق عليها في الطب الشرعي: الأم الجافية) - فيستحق ثلث الدية، أما إذا وصلت الإصابة إلى المخ، ويعبر عنها الشرعيون بالدامغة وهي التي تصل إلى الدماغ أي المخ - فإنه وإن كان يستحق ثلث الدية كذلك، إلا أنه يلاحظ أن وصول الإصابة إلى المخ قد يرتب دية كاملة إذا أفقد منفعة كاملة، بل قد يكون فيه قصاص إذا كان الجاني متعمداً القتل ومات المجني عليه، وراعى المشروع أن يكون المستحق الثلث ؛ لأن الثلث هو القدر الذي ورد في هذه الإصابة لمساواتها المأمومة في أرشها، وقيل فيها مع ذلك حكومة؛ لحرق جلدة الدماغ ، بينها لم يذكرها البعض، ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب، ولذلك خول المشروع المحكمة أن تحكم بها يزيد على الثلث، إذا كانت ثمة نتائج أخرى عن هذه الإصابة ، وهو احتیاط شديد يتفق مع الشرع الحنيف.
(يراجع فيها تقدم بدائع الصنائع، ج (7) ص (316) و(317)، تبيين الحقائق ج (6) ص (132) و(133)، الشرح الصغير جـ (4) ص (352) و(382) و(383)، الوجيز في فقه الشافعي للغزالي ، مطبعة: الآداب، والمؤيد 1317 هـ ، الجزء الثاني ص (141)، نهاية المحتاج جـ (7) ص (304) وما بعدها، المغني جـ (8) ص (463) إلى (467)).
ولم يأخذ المشروع بما هو مختلف فيه من مقادير مستحقة من الدية في الإصابات سالفة الذكر، أو غيرها من الإصابات التي ليس هناك اتفاق على مقدار أرشها، وراعى تبسيط الأحكام؛ حتى يكون هذا أثره في العمل بالابتعاد عن الفروع أو المسائل الخلافية مع ضبط الحكم فيما اتفق عليه غالب الفقهاء، وأكثر ما اعتمد عليه المشروع في تحديد هذه المقادير ما كان مستندا إلى رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو اتفاق أهل العلم على المقدار المستحق.
مادة (262) : يستحق ثلث الدية في الجرائم التي ينشأ عنها جرح جائف، وهو النافذ إلى التجويف الصدري أو البطنی، وإذا نفذت الجائفة من الجانب الآخر، اعتبرت جائفتين.
الإيضاح
أخذ المشروع بتحديد جزء من الدية يقدر بثلث الدية في حالة إحداث جرح جائف (نافذ) بالمجني عليه، وقد ورد في وصف الجرح الجائف أنه النافذ إلى التجويف البطني أو الصدري في قول المالكية ، وقال الشافعية والحنابلة: إن الجرح الجائف هو الذي يصل إلى الجوف من البطن أو الصدر أو ثغرة النحر أو الورك. وذكر ابن عبد البر أن مالكاً وأبا حنيفة والشافعي اتفقوا على أن الجائفة لا تكون إلا في الجوف، وبهذا أخذ المشروع، اكتفاء بالقدر المتفق عليه من الفقهاء الأربعة من أن الجرح الجائف ينطبق على ما ينفذ إلى التجويف البطني أو الصدري ، وللفقهاء بعد ذلك تفريعات وأوجه خلاف في بقية المواضع التي يكون الجرح فيها جائعاً لم يأخذ بها المشروع.
ويستند تحديد مقدار الدية المستحق عن الجرح الجائف بالثلث إلى ما ورد في كتاب
النبي صلوات الله وسلامه عليه إلى عمرو بن حزم .
وأخذ المشروع برأي الجمهور من أن الجرح الجائف إذا دخل من مكان وخرج من آخر، عد بمثابة جرحين يستحق عنهما ثلثا الدية، وذلك كإطلاق رصاصة مثلا، وهو أمر شائع هذه الأيام، فقد تدخل الرصاصة من جهة وتخرج من جهة أخرى، وهذا القول يستند إلى قول الجمهور، ويخالف رأيا في ذلك لدى الشافعية يقول بأن ما يستحق هو ثلث الدية فحسب، ولكن استحقاق ثلثي الدية في هذه الحالة وأشباهها أقرب للعدل.
تبيين الحقائق ج (6) ص (132) و(133)، الشرح الصغير جـ (4) ص (28) ، الوجیز، جـ (2) ص (142) ، نهاية المحتاج جـ (7) ص (206) وما بعدها، المغني جـ - (8) ص (468)).
مادة (263):
تقدر المحكمة الجزء المستحق من الدية للمجني عليه، إذا نشأ عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد الأربع السابقة - قطع جزء من العضو، أو فقد جزئي من منفعة عضو، أو جرح غير نافذ، أو أية إصابة ليس فيها جزء مقدر من الدية، ويكون تقدير الجزء المستحق من الدية بحسب جسامة الاعتداء والضرر المترتب على الجريمة، مع مراعاة النسب المحددة في هذا الباب.
- وللمحكمة أن تستعين في تحديد الضرر برأي أهل الخبرة.
الإيضاح
عرض المشروع للحالات التي يكون فيها أثر الجريمة قطع جزء من العضو، أو فقدا جزئياً من منفعة عضو، أو جرحاً غير جائف (غير نافذ) في الجسد، أو جرحاً في الرأس أو الوجه لا يصل إلى ما حدد المشروع - مقدار المستحق من الدية فيه بقدر معين، وفي هذه الجرائم لا يكون قصاص بحسب أحكام المشروع ؛ إذ لا ينتهي القطع مثلاً إلى مفصل أو عظم ، ولا تكون المماثلة مأمونة ، ولذلك يئول الأمر إلى جزء من الدية يكون هو المستحق أصلا وبجانبه تعزیر الجاني.
وقد اختار المشروع الأخذ بتقدير ما يستحق من الدية بمعرفة المحكمة برغم خلاف الفقهاء، فمنهم من يرى القصاص، ومنهم من يرى استحقاق جزء من الدية ، والذين لم پروا القصاص لاحظوا أن الجزء الذي تقع الجريمة بالقطع أو بفقد المنفعة قد يكون يسيراً أو كبيراً ، لذلك عبروا عن الجزء المستحق من الدية - وهو الأرش غير مقدر - بالحكومة أي شيء محکوم به يحكم به العارف، ومعنى ذلك أن الأمر في تقدير ما يستحق من الدية إلى الحاكم - أي القاضي - فتقدر المحكمة الجزء المستحق من الدية عند امتناع القصاص، وهذا في حالات قطع جزء من العضو مثلاً ، كقطع جزء من اللسان أو الأذن أو الأنف، أو قطع جفن من أجفان العين أو الأهداب، أو جزء لحم الإلية ، أو إزالة حواجب العينين دون أن تنبت بعد الإعتداء) ، وغير ذلك من الحالات، وقد اعتمد المشروع في ترك تقدير ما يستحق من الدية في هذه الحالات وأمثالها للمحكمة على آراء للإمام مالك فيما يتعلق بالأجفان والأهداب وثدي الرجل (ويرافقه الإمام الشافعي فيما يختص بالحاجب وثدي الرجل وأهداب العين).
وما أخذ به المشروع في الفقرة الأولى من هذه المادة - يتفق في الجملة مع آراء لأئمة المذاهب الأربعة المذاهب الأربعة، ولا يتعارض مع من حددوا القدر الواجب باجتهادهم في بعض المواضع الأخرى التي فيها خلاف؛ إذ مبنى التحديد محاولة تقدير المستحق من الدية بقدر الجريمة بحسب أنظارهم، فرأى المشروع أن يترك تحديد القدر المستحق من الدية إلى تقدير المحكمة بحسب جسامة الاعتداء والضرر المترتب على الجريمة، مع مراعاة النسب المحددة في هذا المشروع، ومثال ذلك الجرح غير النافذ فلا يصح أن تصل المحكمة في تقدير الجزء المستحق من الدية عنه إلى ثلث الدية، وهو المستحق عن الجرح النافذ، وأجازت الفقرة الثانية من المادة للمحكمة أن تستعين بأهل الخبرة من الأطباء وغيرهم في تحديد الضرر.
(يراجع في شأن مصدر الأحكام الواردة في النص - بدائع الصنائع ج (7) ص (223) و(324)، حاشية الدسوقي ج (4) ص (271) وما بعدها، نهاية المحتاج ج (7) ص (325) وما بعدها، المغني ج (8) ص (476) وما بعدها، ويراجع في وجوب مراعاة النسب المحددة - أي الأرش المقدر - وذلك عندما تقدر المحكمة الجزء المستحق من الدية نهاية المحتاج ج (7) ص (327)، المغني ج (8) ص (478)).
مادة (264): تتعدد الديات أو الأجزاء المقدرة منها، إذا نشأ عن الجريمة قطع أكثر من عضو، أو فقد أكثر من منفعة، أو حدوث أكثر من شجة أو جرح، کما تتعدد كذلك إذا اجتمع نوع من هذه الجرائم مع الآخر.
الإيضاح
عالج نص هذه المادة من المشروع أحكام تعدد الديات، أو الأجزاء المقدرة منها عند تعدد الجرائم، فنص المشروع على أنه إذا نشأ عن الجريمة قطع أكثر من عضو، کما لو قطع الجاني يد المجني عليه وساقه ، أو ترتب على الجريمة فقد أكثر من منفعة ، كما لو ضرب شخص آخر على رأسه فذهب بصره وسمعه من تأثير الضريبة - فتتعدد الدية في هذه الحالة لكل من السمع والبصر؛ لأن لكل منهما ديته ، وكذلك تتعدد الدية إذا ترتب على الجريمة أكثر من شجة في الرأس والوجه ، كما لو أحدث الجاني بالمجني عليه شجتين برأسه، أو برأسه ووجهه، أو أكثر من جرح، فعندئذ يتعدد ما يستحقه المجني عليه من الدية بقدر عدد الشجات أو الجروح، إذا كان فيها أرش مقدر، أو كان التقدير بمعرفة القاضي.
وهناك فرض آخر تتعدد فيه الديات، وهو اجتماع نوع من هذه الجرائم مع نوع آخر، کا لو أحدث الجاني بالمجني عليه إصابة أذهبت حاسة السمع، وأحدث له جرحاً جائفاً (نافذاً)، أو أحدث به جرحاً هشم عظامه بعد أن قطع ساقية، فهنا اجتمع على المجني عليه قطع يستحق عنه دية كاملة، ويستحق عن الجرح الذي يهشم العظم أرشه المقدر إن كان فيه أرش مقدر، وإلا يستحق ما يقدره القاضي طبقاً لحكم المادة (263).
وهذه الأحكام في تعدد الديات تتفق مع القواعد العامة في استحقاق الديات عند قطع الأطراف أو فقد المنافع ؛ لأن الأصل تعدد ما يستحق من الدية بقدر الجناية.
(بدائع الصنائع ج (7) ص (317)، الشرح الصغير ج (3) ص (393)، نهاية المحتاج، ج (6) ص (307)).
مادة (365):
تداخل الديات:
لا تتعدد الديات أو الأجزاء المقدرة منها في الحالتين الآتيتين:
(أ) إذا نشأ عن الجريمة فقد عضو واحد ولو تعددت منافعه.
(ب) إذا نشأ عن الجريمة قطع طرف يدخل في طرف آخر أكبر منه، وكانا متساويين في الدية، ثم قطع الباقي أو جزءا منه بجريمة أخرى.
وفي الحالة الأخيرة يقدر القاضي ما يستحق للمجني عليه عن الباقي من الطرف الأكبر.
الإيضاح
نصت هذه المادة من المشروع على أحكام تداخل الديات أو الأجزاء المقدرة منها، أي الحالات التي لا تتعدد فيها وهي حالتان:
الأولى: إذا نشا عن الجريمة فقد عضو واحد حتى ولو كانت منافعه متعددة، كما إذا قطع شخص لسان آخر فذهب كلامه، وذهبت حاسة الذوق التي تدرك باللسان، فيستحق في هذه الحالة دية واحدة؛ لأن الطرف المقطوع واحد، وإن كانت منافعه متعددة.
المغني، ج (8) ص (439)).
الثانية: حالة تداخل العضو المقطوع في أطراف أكبر منه، ومثال ذلك الذي يرد في كتب الفقه ما لو قطع شخص أصابع آخر، فهنا تستحق دية كاملة عن الأصابع كلها؛ لأن فيها الدية، فإذا وقعت على المجني عليه جناية أخرى بعد ذلك قطع فيها الجاني جزءاً من كف المجني عليه نفسه أو عضده فإن ذلك يتداخل مع الدية التي استحقت عن اليد؛ لما أن اليد تطلق على ما بين الأصابع والمنكب، فهو كله يطلق عليه اليد، والأصابع - وهي جزء من اليد أو جزء من القدم - يستحق عنها دية كاملة شرقا، وكذلك إذا وقعت جريمة أخرى قطع فيها جزء من ساق المجني عليه، سواء من الفاعل الأول، أو من شخص آخر - لم تستحق دية، وإنما يقدر القاضي ما يستحقه المجني عليه نظير الجزء المقطوع في الجناية الأخيرة، باعتبار أن المجني عليه قد اقتضى دية الرجل من قبل، وذلك حتى لا تجتمع دیتان عن طرف واحد هو اليد أو الرجل.
بدائع الصنائع ج (7) ص (318)).
مادة (266):
1- في الاعتداء غير الموجب للقصاص، لا يجوز للمجني عليه الصلح على مال يجاوز الدية، أو الجزء المقدر منها بنص في هذا الباب.
2- ولا يكون للأب أو لغيره ممن ينوب عن المجني عليه أو للنيابة العامة – بحسب
الأحوال المبينة في المادة (251) - إلا المطالبة بالدية أو الجزء المقدر منها.
3- وفي غير الأحوال المنصوص عليها في هذا الباب، لا تجوز المطالبة أمام أية محكمة بأي تعويض عن الجرائم المعاقب عليها بالقصاص أو بالدية.
الإيضاح
حظرت المادة (266) من المشروع الصلح على مال يجاوز الدية، أو الجزء المقدر منها بنص في هذا الباب، في أحوال الاعتداء غير الموجب للقصاص، ومن ثم يجوز للمجني عليه أن يتصالح على مال يقل عن الدية أو الجزء المقدر منها، كما يجوز له العفو المطلق. أما من ينوب عن المجني عليه إذا لم يكن كامل الأهلية - سواء كان هو الأب أو غيره أو النيابة العامة، بحسب الأحوال المذكورة في المادة (251) من المشروع - فلا تكون له إلا المطالبة بالدية أو الجزء المقدر منها، ذلك بأن الصلح على مال يجاوز الدية المحددة أو الجزء المقدر منها بنص في هذا الباب - يتنافى مع مقصود الشارع من هذا التحديد في الاعتداء غير الموجب للقصاص، وذلك بخلاف الصلح على مال يجاوز الدية مقابل التنازل عن الحق في القصاص.
کا نصت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا الباب - کما هو الشأن في المادتين (261) بند (5) وبند (265) (ب) - لا يجوز المطالبة أمام أية محكمة بأي تعويض عن الجرائم المعاقب عليها بالقصاص أو بالدية؛ لأنه متى حكم بالقصاص أو حكم بالدية، فليس من الجائز شرعاً الحكم بأي نوع من أنواع التعويض المنصوص عليها في القانون الوضعي.
وقد سبق الأخذ بكافة هذه الأحكام في باب الجناية على النفس.
مادة (267):
1- تجب الدية أو الجزء المقدر منها في مال الجاني:
(أ) إذا وقعت الجريمة عمداً.
(ب) إذا وقعت الجريمة خطأ، وكانت ثابتة بإقراره، ولم تصدقه العاقلة، أو كان قد
تصالح مع المجني عليه، أو كان ما يتحمله من الدية دون ثلثها.
2- وتجب الدية أو الجزء المقدر منها على العاقلة في الاعتداء الواقع من المجنون، أو من به عاهة في العقل، أو من غير البالغ، وكذلك الإصابة الخطأ في غير الأحوال المبينة في الفقرة السابقة، إلا أن يكون مؤمنا من المسئولية الناشئة عنه، فتجب على المؤمن في حدود التزامه، فإن بقي منها شيء كان على العاقلة.
مادة (268): تجب الدية حالة في مال الجاني، ومنجمة على ثلاث سنين في مال العاقلة، ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بتقسيط الدية الواجبة في مال الجاني لمدة أقصاها ثلاث سنين، إذا قدم كفالة يقبلها المجني عليه.
الإيضاح
تتفق الأحكام الواردة بهاتين المادتين مع ما سبق الأخذ به في مشروع الجناية على النفس.
فقد نصت المادة (217) في البند (أ) من المشروع على أن دية الجرائم العمدية تجب - هي أو الجزء المقدر منها - في مال الجاني، وهذا لا خلاف فيه بين أكثر أهل العلم؛ لأن العاقلة لا تحمل عمدا. والأصل أن الدية تجب حالة في مال الجاني، وذلك عند الأئمة: مالك والشافعي وأحمد، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها تجب في ثلاث سنين، وقد أخذ المشروع في المادة (268) منه بالأصل في أنها تجب في مال الجاني حالة، وجاز للمحكمة أن تأمر بدفعها مقسطة لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، واشترط لذلك تقديم كفالة يقبلها المجني عليه، إذ الحق في الأصل حال والتقسيط عارض، فاشترط ما يقويه بقبول صاحب الحق.
أما عن دية جرائم الخطأ، فقد اتفق الجمهور على أن العاقلة لا تحمل الدية في حالة الاعتراف والصلح کا، هو الشأن في العمد (إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الحنبلي، مطبعة المدني 1389 / 1969 ، الجزء الأول ص (471 ))، أما في الحالات الأخرى فلا خلاف بين العلماء في أنها على العاقلة وليست على الجاني، وأنها تؤدى في ثلاث سنوات، وهذا التنجيم تضمنه نص المادة (268) من المشروع. وقال الأئمة مالك والشافعي وأحمد: لا يلزم الجاني شيء من دية الخطأ. وهو ما أخذ به المشروع، أما الإمام أبو حنيفة فيعتبر الجاني واحدا من العاقلة، ويحمله نصيبه في الدية (العقوبة ص (657) و (658)).
وقد نصت هذه المادة في البند (ب) على أن الدية - أو الجزء المقدر منها - تجب في مال الجاني، إذا وقعت الجريمة خطأ و كانت ثابتة بإقراره ولم تصدقه العاقلة، أو كان قد تصالح مع المجني عليه، أو كان ما يتحمله من الدية دون ثلثها، أخذا بها قال به الإمامان مالك وأحمد من أن العاقلة تحمل ثلث الدية أو ما يزيد عليه. أما الإمام الشافعي فقد قال: إن العاقلة تحمل الكثير والقليل. بينما ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن العاقلة تحمل نصف عشر الدية استنادا إلى تحميل العاقلة بالغرة - وهي بهذا القدر - في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما نصت الفقرة الثانية من المادة (267) على أن تجب الدية - أو الجزء المقدر منها - على العاقلة في غير الحالات المنصوص عليها في البندين (أ) و(ب) من الفقرة الأولى من المادة، كما تجب الدية - أو الجزء المقدر منها - على العاقلة كذلك في الاعتداء الواقع من المجنون، أو ممن به عاهة في العقل، أو من غير البالغ؛ لما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة (231) من أن عمد هؤلاء يعتبر في حكم الخطأ تجب فيه الدية، وهو قول الجمهور، وخالف الشافعي في رواية بالنسبة للصغير، فرأى الدية في ماله، وذلك إلا أن يكون مؤمنا من المسئولية الناشئة عن القتل الخطأ، فتجب الدية على المؤمن في حدود التزامه، فإن بقي منها شيء كان على العاقلة.
يراجع فيما تقدم بدائع الصنائع، ج (7) ص (256) و(257)، تحفة الفقهاء ج (3)
ص (183) إلى (185)، نهاية المحتاج ج- (7) ص (350) إلى (356)، المغني ج (8) ص (356) إلى (367)).
مادة (269):
1- عاقلة الجاني هي الجهة التي ينتمي إليها السلطة التشريعية ، أو التنفيذية ، أو القضائية، أو القوات المسلحة، أو القطاع العام، أو النقابة ، أو الجمعية ، أو الغرفة ، أو الاتحاد ، أو أي تنظيم مهني أو حرفي.
2- وتكون العاقلة طرقا في الدعوى الجنائية في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ،
كلها وجبت عليها الدية أو الجزء المقدر منها، ويتعين إعلانها بالدعوى.
الإيضاح
العاقلة من العقل وهو من أسماء الدية إذ تسمى به لأنها تعقل لسان المجني عليه ، وقيل سميت العاقلة لأنها تمنع الجاني - والعقل المنع - والأصل في وجوب الدية على العاقلة في الخطأ ما ورد عن النبي صلوات الله عليه وسلامه في قضائه بدية المرأة المقتولة ودية جنينها على عصبة قاتليها - فالعاقلة أصلاً كانت هي العصبة -، ولا أهمية للبعد أو القرابة في النسب ، ولا أهمية للميراث، فيكون عصبة من يرث ومن لا يرث؛ لأنه محجوب بأقرب منه ، وبالنسبة لأب الجاني وابنه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية أنها يعتبران من العاقلة. وفي رواية عن أحمد وقول للشافعي: أنها لا يدخلان وقد جعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه عنه العقل على أهل ديوان الجاني وليس على العصبات، وأهل الديوان هم المقاتلة من الرجال البالغين اعتبارا بأن النصرة صارت إليهم (الشرح الصغير ج (4) ص (397) و(398))، وقد ذهب إلى قضاء عمر رضى الله عنه أبو حنيفة ، فجعل العاقلة في أهل الديوان، فإن لم يكن الجاني من أهل الديوان فالدية تتحملها القبيلة ثم أقرب القبائل إليها على ترتيب العصبات، وفي غاية البيان عن كافي الحاكم: «بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه فرض المعاقل على أهل الديوان؛ وذلك لأنه أول من فرض الديوان وجعل العقل فيه، وكان قبل ذلك على عشيرة الرجل في أموالهم، ولم يكن ذلك منه تغييرا لحكم الشرع، بل تقريراً له ؛ لأنه عرف أن عشيرته كانوا يتحملون بطريق النصرة، فلما كان التناصر بالرايات جعل العقل عليهم، حتى لا يجب على النسوان والصبيان؛ لأنه لا يحصل بهم التناصر» (حاشية رد المحتار جـ (6) ص (650)). بينما رأى الإمامان أحمد والشافعي أن أهل الديوان لا يصبحون عاقلة، وأن العاقلة هم العصبة ؛ لأن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قضاء عمر بن الخطاب المغني جـ (8) ص (377))، وقال أحمد وأبو حنيفة : يشترك في العقل الحاضر والغائب من العصبات. وقال مالك: يقتصر العقل على الحاضر، وعن الشافعي روايتان بالانفراد والاشتراك بالنسبة للحاضر مع الغائب ! واستبعد الجمهور من العاقلة الصغير والمجنون والنساء، فلا خلاف لديهم في أنهم لا يعقلون (المرجع السابق ص (377) و (381)).
وقد أخذ المشروع بمثل النهج الذي سار عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، حين فرض الديوان وفرض الدية على أهله ؛ تقريراً منه لحكم الشرع ! ذلك بأن التحمل من العاقلة إنها كان للتناصر، وقبل وضع الديوان كان التناصر بالقبيلة، وبعد الوضع صار الناصر بالديوان، فصار عاقلة الرجل أهل دیوانه (بدائع الصنائع جـ - (7) ص (256)، التحفة جـ (3) ص (186)). ومن ثم حددت الفقرة الأولى من المادة (269) من المشروع العاقلة - وفقاً لفكرة التناصر - حسبما سبق تحديدها في باب الجناية على النفس، بأنها الجهة التي ينتمي إليها الجاني ! وبينت هذه الجهة على سبيل المثال لا الحصر.
وأوضحت الفقرة الثانية من المادة (269) أن العاقلة طرف في الدعوى الجنائية في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ! وذلك في كافة الأحوال التي تجب عليها فيها الدية أو الجزء المقدر منها، ومن ثم يتعين في هذه الأحوال إعلانها كذلك بالدعوى الجنائية.
مادة (270):
1- في الاعتداء غير الموجب للقصاص إذا لم يكن لمن وجبت عليه الدية مال يفي بها، وجبت كلها أو ما بقي منها في بيت المال.
2- وفي حالة وجوب الدية على العاقلة، تجب الدية في بيت المال إذا لم تكن للجاني عاقلة.
3- کما تجب الدية في بيت المال في كافة الحالات التي لا يعرف فيها الجاني.
4- وتسري الأحكام المتقدمة بالنسبة للدية الكاملة أو الجزء المقدر منها.
الإيضاح
نصت هذه المادة على أحوال تحمل بیت المال الدية - لما هو مقرر شرعاً من أنه لا يبطل دم في الإسلام - وهي لا تخرج عن ثلاثة فروض:
(أولها): أن يكون الاعتداء غير موجب للقصاص، ولا يكون لمن وجبت عليه الدية مال يفي بها، ففي هذه الحالة تجب الدية كلها، أو الجزء الباقي منها في بيت المال.
(ثانيها): أن تكون الدية واجبة على العاقلة وفقا لأحكام هذا المشروع، ولا يكون للجاني عاقلة.
(ثالثها): أن يكون الجاني مجهولاً في أية حالة من الحالات التي يستحق المجني عليه فيها الدية. ففي الفرضين الأخيرين تجب الدية كلها في بيت المال، وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة على سريان الأحكام المتقدمة بالنسبة للدية الكاملة أو الجزء المقدر منها؛ إذ الدم لا يذهب هدراً في الإسلام، ويجب أن يقابل بالدية، ومن ناحية أخرى فإن بيت المال يرث دية من لا وارث له بحكم القاعدة الشرعية، ولذا قيل بوجوب أن يتحمل الدية المستحقة للمجني عليه الذي لا عاقلة لمن أصابه، أو لا مال عندها، وهو رأي الأحناف والشافعي ورواية عن أحمد.
(يراجع في شأن تحديد العاقلة وأحكام تحملها وتحمل بیت المال للدية - تبيين الحقائق ج (6) ص (176) وما بعدها، حاشية الدسوقي، ج (4) ص (281) وما بعدها، الوجیز ج (2) ص (153) إلى (155)، نهاية المحتاج ج (7) ص (350) وما بعدها، المغني ج (8) ص (376) إلى (382)).
مادة (271): إذا ثبت الاعتداء الموجب للقصاص، واختار المجني عليه الدية، أو اختارها من قام مقامه في طلب القصاص، أو تصالح أحدهما على مال - قضت | المحكمة بأداء الدية أو المال المتصالح عليه في الحال أو في الأجل الذي يقبله المجني عليه أو من قام مقامه، وحددت جلسة للتحقق من الأداء، فإذا لم يتم وطلب المجني عليه أو من قام مقامه القصاص - حكمت المحكمة به، ولا يشترط في هذه الحالة أن تكون المحكمة مشكلة من قضاة آخرين.
الإيضاح
لئن كان من المقرر أنه متى تم العفو عن القصاص ممن له الحق فيه، فلا يجوز له العدول عنه، إلا أن مجال إعمال هذه القاعدة هو العفو المطلق حسبما ورد بنص الفقرة الأولى من المادة (251) من المشروع، أما إذا ثبت الاعتداء الموجب للقصاص، واختار المجني عليه الدية أو اختارها من قام مقامه في طلب القصاص - وهو أبوه إذا لم يكن كامل الأهلية -، أو تصالح هذا أو ذاك على مال، فقد يماطل الجاني في دفع الدية أو الوفاء بهذا المال، وينتهي الحال إلى أن يفلت الجاني من القصاص ومن الدية، أو من القصاص ومن أداء المال المتصالح عليه، من أجل ذلك أوجبت المادة (271) على المحكمة أن تقضي بأداء الدية أو المال المتصالح عليه في الحال أو في الأجل الذي يقبله المجني عليه أو الأب، وأن تحدد جلسة للتحقق من الأداء، بحيث إذا لم يتم وطلب المجني عليه أو الأب القصاص، حكمت المحكمة به دون اشتراط أن تكون المحكمة مشكلة في هذه الحالة من قضاة آخرين. قد سبق الأخذ بهذا الحكم في باب الجناية على النفس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 31 .
(مادة 18)
تنتفي رابطة السببية بين السلوك والنتيجة، إذا توافر سبب کاف بذاته لإحداث النتيجة.
وفي هذه الحالة تقتصر مسئولية الشخص عن سلوكه إذا كان معاقباً عليه مستقلاً عن
النتيجة.
(مادة 19)
يتوافر العمد إذا ارتكب الجاني السلوك الإجرامي بإرادته وعلمه وبنية إحداث نتيجته، ولا عبرة في توافر العمد بالباعث على ارتكاب الجريمة، إلا إذا نص القانون على غير ذلك.
ويتحقق العمد أيضاً إذا توقع الجاني التيجة لسلوكه، فأقدم على ارتكابه قابلاً حدوثها.
(مادة 20) يتوافر الخطأ غير العمدي إذا أتى الجاني السلوك دون تعمد إحداث نتيجته، وذلك على نحو لا يصدر عن الشخص المعتاد في مثل ظروفه، عند إتيانه السلوك أو لم يتوقعها، بينما كان على الشخص المعتاد في مثل ظروفه أن يتوقعها.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 202
اعْتِدَاءٌ
التَّعْرِيفُ:
الاِعْتِدَاءُ فِي اللُّغَةِ وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الظُّلْمُ وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ. يُقَالُ: اعْتَدَى عَلَيْهِ إِذَا ظَلَمَهُ، وَاعْتَدَى عَلَى حَقِّهِ أَيْ جَاوَزَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
الاِعْتِدَاءُ حَرَامٌ، لقوله تعالي : (وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ).
أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الاِعْتِدَاءِ مِنْ أَثَرٍ، فَيَخْتَلِفُ: فَإِذَا كَانَ الْمُعْتَدِي حَيَوَانًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى صَاحِبِهِ عُقُوبَةٌ وَلاَ ضَمَانٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ»، وَهَذَا - مَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مُتَهَاوِنًا أَوْ مُعْتَدِيًا بِتَحْرِيضِهِ وَإِغْرَائِهِ.
أَمَّا الإْنْسَانُ: فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، إِذِ الْكَبِيرُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ وَالضَّمَانُ، أَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ دُونَ الْعُقُوبَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
هَذَا، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِعْتِدَاءُ.
فَإِنْ وَقَعَ عَلَى نَفْسِ الإِْنْسَانِ أَوْ مَا دُونَهَا مِنْ جَسَدِهِ، فَعِنْدَئِذٍ يَجِبُ فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ إِذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهُ، وَفِي خَطَئِهِ الضَّمَانُ بِالْمَالِ كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ.
وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ، فَعِنْدَئِذٍ لاَ يَخْلُو الأْمْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ السَّرِقَةِ، وَعِنْدَئِذٍ يَجِبُ قَطْعُ الْيَدِ (ر: سَرِقَةٌ).
أَوْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ، وَعِنْدَئِذٍ يَجِبُ الضَّمَانُ وَالتَّعْزِيرُ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي مَبَاحِثِ: الْغَصْبِ، وَالضَّمَانِ، وَالتَّعْزِيرِ.
وَإِنْ وَقَعَ الاِعْتِدَاءُ عَلَى حَقٍّ مِنَ الْحُقُوقِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحِفْظِ الْعَقِيدَةِ، وَالْعَقْلِ، وَالْعِرْضِ، وَأَرْضِ الإْسْلاَمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَعُقُوبَتُهُ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ مَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي أَبْوَابِهِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَعَدَمِ تَسْلِيمِ الأْبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ إِلَى أُمِّهِ الْمُطَلَّقَةِ، لِتَقُومَ بِحَضَانَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الإْجْبَارُ عَلَى أَدَاءِ الْحَقِّ أَوْ ضَمَانُهُ مَعَ التَّعْزِيرِ إِنْ رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ.
دَفْعُ الاِعْتِدَاءِ:
إِذَا وَقَعَ الاِعْتِدَاءُ فَلِلْمُعْتَدَى عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ مَا اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الدَّفْعُ بِبَدَنِهِ كَمَا فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ: (الصِّيَالِ) (وَالْجِهَادِ) مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، أَوْ بِمَالِهِ كَمَا إِذَا صَالَحَ الْمُسْلِمُونَ الْكُفَّارَ بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِئَلاَّ يَحْتَلُّوا بِلاَدَ الإْسْلاَمِ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَكَمَا إِذَا أَعْطَى رَجُلٌ لآِخَرَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِيَدْفَعَهُ عَنْ عِرْضِهِ. كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ أَثْنَاءَ كَلاَمِهِمْ عَنِ الرِّشْوَةِ.
وَدَفْعُ الاِعْتِدَاءِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَادِرٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 82
جَائِفَةٌ
التَّعْرِيفُ
الْجَائِفَةُ لُغَةً الْجِرَاحَةُ الَّتِي وَصَلَتِ الْجَوْفَ. فَلَوْ وَصَلَتْ إِلَى جَوْفِ عَظْمِ الْفَخِذِ لَمْ تَكُنْ جَائِفَةً لأِنَّ الْعَظْمَ لاَ يُعَدُّ مُجَوَّفًا.
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهَا الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَهِيَ الْجُرْحُ الَّذِي يَنْفُذُ وَيَصِلُ إِلَى جَوْفٍ، كَبَطْنٍ، وَصَدْرٍ، وَثُغْرَةِ نَحْرٍ، وَجَنْبَيْنِ، وَخَاصِرَةٍ، وَمَثَانَةٍ، وَعَجَّانٍ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مِنَ الشَّرَجِ شَيْئًا فَخَرَقَ بِهِ حَاجِزًا فِي الْبَطْنِ.
وَلَوْ نَفَذَتِ الطَّعْنَةُ أَوِ الْجُرْحُ فِي الْبَطْنِ وَخَرَجَتْ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَجَائِفَتَانِ.
وَتَحْصُلُ الْجَائِفَةُ بِكُلِّ مَا يُفْضِي إِلَى بَاطِنِ جَوْفٍ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيفَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ مُحَدِّدَةٍ، وَلاَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجَائِفَةُ وَاسِعَةً أَوْ ضَيِّقَةً وَلَوْ قَدْرَ إِبْرَةٍ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي الْجَائِفَةِ. وَأَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَمْدًا أَمْ خَطَأً، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ، وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الَّذِي فِيهِ: «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ». وَعَلَيْهِ الإْجْمَاعُ؛ وَلأِنَّهُ لاَ تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ فِيهَا فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قِصَاصٌ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لاَ قَوَدَ فِي الْمَأْمُومَةِ وَلاَ الْجَائِفَةِ».
وَاتَّفَقُوا فِي الْجَائِفَةِ إِذَا نَفَذَتْ مِنْ جَانِبٍ لآِخَرَ أَنَّهَا جَائِفَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ.
وَإِنْ خَرَقَتْ جَائِفَةُ الْبَطْنِ الأْمْعَاءَ، أَوْ لَذَعَتْ كَبِدًا أَوْ طِحَالاً، أَوْ كَسَرَتْ جَائِفَةُ الْجَنْبِ الضِّلْعَ، فَفِيهَا مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَمَنْ مَاتَ بِجَائِفَةٍ فَيَتَعَيَّنُ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْجَانِي (عِنْدَ مَنْ لاَ يَرَى الْقَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ) لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ أَيْ يُجَافُ مَعَ قَتْلِهِ بِالسَّيْفِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيَذْكُرُونَ أَحْكَامًا فِيمَنْ أَجَافَ شَخْصًا جَائِفَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، وَفِيمَنِ الْتَحَمَتْ جَائِفَتُهُ فَفَتَحَهَا آخَرُ، وَفِيمَنْ وَسَّعَ جَائِفَةَ غَيْرِهِ فِي أَبْوَابِ الدِّيَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
3 - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنْ دَاوَى جَائِفَةً بِدَوَاءٍ فَوَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ يَصِلِ الدَّوَاءُ إِلَى بَاطِنِ الأْمْعَاءِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ أَدْخَلَ شَيْئًا إِلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ صَوْمَهُ لاَ يَفْسُدُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّوَاءُ مَائِعًا أَمْ غَيْرَ مَائِعٍ؛ لأِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصِلُ إِلَى مَدْخَلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
4 - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ بِإِقْطَارِ اللَّبَنِ فِي الْجَائِفَةِ مَا لَمْ يَصِلِ اللَّبَنُ إِلَى الْمَعِدَةِ لِخَرْقٍ فِي الأْمْعَاءِ مَثَلاً؛ لأِنَّ وُصُولَ اللَّبَنِ إِلَى الْجَوْفِ لاَ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي، وَالْحُرْمَةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِمَا يَنْبُتُ بِهِ اللَّحْمُ، وَيَنْشُزُ بِهِ الْعَظْمُ وَيَنْدَفِعُ بِهِ الْجُوعُ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَوْلِ الآْخَرِ إِلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحْرِيمُ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ وَلَوْ مِنْ جَائِفَةٍ.
وَتَوَقَّفَ الْعَلاَّمَةُ الأَجْهُورِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فِي اللَّبَنِ الْوَاصِلِ لِلْجَوْفِ مِنْ ثُقْبَةٍ فِي حِينِ رَجَّحَ الشَّيْخُ النَّفْرَاوِيُّ التَّحْرِيمَ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 79
الْجِرَاح:
الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ لاَ تَكُونُ بِالْقَطْعِ وَالإْبَانَةِ، بَلْ بِالْجُرْحِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: الْجِرَاحُ الْوَاقِعَةُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَتُسَمَّى الشِّجَاجُ، وَالْجِرَاحُ الْوَاقِعَةُ عَلَى سَائِرِ الْبَدَنِ.
أَوَّلاً - الشِّجَاج:
الشِّجَاجُ أَقْسَامٌ: أَشْهَرُهَا مَا يَلِي:
1 - الْحَارِصَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلاً، نَحْوَ الْخَدْشِ، وَلاَ يَخْرُجُ الدَّمُ، وَتُسَمَّى الْحَرْصَةُ أَيْضًا.
2 - الدَّامِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي مَوْضِعَهَا مِنَ الشَّقِّ وَالْخَدْشِ، وَلاَ يَقْطُرُ مِنْهَا دَمٌ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ اللُّغَةِ، وَتَأْتِي بَعْدَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الدَّامِعَةُ وَهِيَ مَا يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالدَّامِيَةُ مَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَتُسِيلُهُ، وَتَأْتِي عِنْدَهُمْ بَعْدَ الدَّامِعَةِ، وَهِيَ: الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ كَالدَّمْعِ وَلاَ تُسِيلُهُ.
وَالدَّامِيَةُ تُسَمَّى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْبَازِلَةَ؛ لأِنَّ هَا تَبْزُلُ الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (بَازِلَةٌ).
3 - الْبَاضِعَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، أَيْ تَقْطَعُهُ، وَقِيلَ: الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: بَاضِعَةٌ).
4 - الْمُتَلاَحِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ، وَلاَ تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَتُسَمَّى اللاَّحِمَةُ أَيْضًا.
5 - السِّمْحَاقَ: وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الشَّجَّةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْمِلْطَى، وَالْمِلْطَاةَ، وَاللاَّطِئَةَ.
6 - الْمُوضِحَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ السِّمْحَاقَ وَتُوضِحُ الْعَظْمَ.
7 - الْهَاشِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ أَمْ لاَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
8 - الْمُنَقِّلَةُ: بِتَشْدِيدِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا، أَوْ كَسْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَنْقُلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ وَهَشَّمَتْهُ أَمْ لاَ.
9 - الْمَأْمُومَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ خَرِيطَةُ الدِّمَاغِ الْمُحِيطَةُ بِهِ، وَيُقَالُ لَهَا الآْمَّةُ أَيْضًا (انْظُرْ مُصْطَلَحَ آمَّةٌ).
10 - الدَّامِغَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْخَرِيطَةَ، وَتَصِلُ الدِّمَاغَ.
فَهَذِهِ الأْقْسَامُ الْعَشَرَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَذُكِرَ فِيهَا أَلْفَاظٌ أُخْرَى تُؤَوَّلُ إِلَى هَذِهِ الأْقْسَامِ.
وَتُتَصَوَّرُ جَمِيعُ هَذِهِ الشِّجَاجِ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ، وَكَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ مَا عَدَا الْمَأْمُومَةَ وَالدَّامِغَةَ فِي الْخَدِّ، وَفِي قَصَبَةِ الأْنْفِ، وَاللَّحْيِ الأْسْفَلِ.
وَالتَّسْمِيَاتُ السَّابِقُ ذِكْرُهَا تَكَادُ تَكُونُ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ خِلاَفٌ يَسِيرٌ فِي تَرْتِيبِهَا، فَمَرَدُّهُ الاِخْتِلاَفُ فِي تَحْدِيدِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
33 - وَأَمَّا حُكْمُ هَذِهِ الشِّجَاجِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي الْمُوضِحَةِ، لقوله تعالي : ( وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) وَلِتَيْسِيرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا؛ لأِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْهِيَ السِّكِّينَ إِلَى الْعَظْمِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ، وَقَدْ قَضَى عليه السلام فِي الْمُوضِحَةِ بِالْقِصَاصِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ مَا لَهُ بَالٌ وَاتِّسَاعٌ، فَيُقْتَصُّ وَإِنْ ضَاقَ كَقَدْرِ مَغْرَزِ إِبْرَةٍ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ، وَهِيَ الْهَاشِمَةُ، وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالآْمَّةُ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا بَعْدَهَا؛ لأِنَّ كَسْرَ الْعَظْمِ وَتَنَقُّلَهُ لاَ يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلاَحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ - إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ أَيْضًا.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) وَلأِنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا قَبْلَهَا
بِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْجِرَاحَةِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مِثْلُ مَا فَعَلَ.
وَاسْتَثْنَى الشُّرُنْبُلاَلِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ السِّمْحَاقَ فَلاَ يُقَادُ فِيهَا كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْحَارِصَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الْبَاضِعَةِ، وَالْمُتَلاَحِمَةِ، وَالسِّمْحَاقِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالدَّامِيَةُ كَالْحَارِصَةِ عِنْدَهُمْ، وَقِيلَ كَالْبَاضِعَةِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مُطْلَقًا.
وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَارِصَةَ، وَالدَّامِيَةَ، وَالدَّامِغَةَ؛ لأِنَّ الْحَارِصَةَ وَالدَّامِيَةَ لاَ يَبْقَى لَهُمَا أَثَرٌ فِي الْعَادَةِ، وَالشَّجَّةُ الَّتِي لاَ يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ، لاَ حُكْمَ لَهَا فِي الشَّرْعِ. وَالدَّامِغَةُ لاَ يَعِيشُ مَعَهَا عَادَةً، فَلاَ مَعْنَى لِبَيَانِ حُكْمِ الشَّجَّةِ.
ثَانِيًا - الْجِرَاحَاتُ الْوَاقِعَةُ عَلَى سَائِرِ الْبَدَنِ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي الْجَائِفَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ قَوَدَ فِي الْمَأْمُومَةِ، وَلاَ فِي الْجَائِفَةِ، وَلاَ فِي الْمُنَقِّلَةِ».
وَلأِنَّ هَا جِرَاحٌ لاَ تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ فِيهَا، فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قِصَاصٌ، كَكَسْرِ الْعِظَامِ.
وَالْجَائِفَةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ، وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي تَنْفُذُ فِيهَا الْجِرَاحَةُ إِلَى الْجَوْفِ هِيَ الصَّدْرُ وَالظَّهْرُ، وَالْبَطْنُ، وَالْجَنْبَانِ، وَالدُّبُرُ، وَلاَ تَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَلاَ فِي الرَّقَبَةِ جَائِفَةٌ؛ لأِنَّ الْجُرْحَ لاَ يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ مَا وَصَلَ مِنَ الرَّقَبَةِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَوْ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَابِ فِطْرُهُ، تَكُونُ جَائِفَةً؛ لأِنَّهُ لاَ يُفْطِرُ إِلاَّ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ.
أَمَّا غَيْرُ الْجَائِفَةِ فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ إِذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، لاَ قِصَاصَ فِيهِ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الْمُوضِحَةُ الَّتِي تُوضِحُ عَظْمَ الصَّدْرِ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الأْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحَةِ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ بِشَرْطِ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى عَظْمٍ وَلاَ تَكْسِرَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لاَ قِصَاصَ فِيهَا، بَلْ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إِذَا أَوْضَحَتِ الْعَظْمَ وَكَسَرَتْهُ، وَإِذَا بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ إِلَى أَنْ يَبْرَأَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَصُّ مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ وَإِنْ كَانَتْ هَاشِمَةً، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ مِنَ الْهَاشِمَةِ وَغَيْرِهَا الْقَوَدُ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَعْظُمَ الْخَطَرُ كَعَظْمِ الصَّدْرِ، وَالْعُنُقِ، وَالصُّلْبِ، وَالْفَخِذِ، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ بِالْمِسَاحَةِ طُولاً، وَعَرْضًا، وَعُمْقًا، إِنِ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ.
هـ - الْحَبْسُ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِي الضَّرْبِ وَاللَّطْمِ :
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى إِطَالَةِ حَبْسِ مَنْ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، إِذَا احْتَاجَ إِلَى زِيَادَةِ تَأْدِيبٍ لِعَظِيمِ مَا اقْتَرَفَ. وَقَالَ آخَرُونَ بِالتَّعْزِيرِ عَامَّةً. وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى الْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العشرون، الصفحة / 224
دَامِغَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الدَّامِغَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ دَمَغَهُ أَيْ أَصَابَ دِمَاغَهُ، وَشَجَّهُ حَتَّى بَلَغَتِ الشَّجَّةُ الدِّمَاغَ، وَالدَّامِغَةُ مِنَ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الدِّمَاغَ وَلاَ حَيَاةَ مَعَهَا غَالِبًا .
وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالُوا: هِيَ الَّتِي تَخْرِقُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ (الْجِلْدَةَ الرَّقِيقَةَ السَّاتِرَةَ لِلْمُخِّ) وَتَصِلُ إِلَيْهِ. وَهِيَ مُذَفِّفَةٌ غَالِبًا. وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشِّجَاجِ لِلْمَوْتِ بَعْدَهَا عَادَةً، فَتَكُونُ عِنْدَهُ قَتْلاً لاَ شَجًّا .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ.
2 - الدَّامِغَةُ مِنَ الشِّجَاجِ إِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا إِنْ لَمْ تُفْضِ إِلَى الْمَوْتِ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِالْمِثْلِ لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَخَشْيَةِ السِّرَايَةِ إِلَى النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ يَسْتَوِي فِي الْحُكْمِ فِيهَا عَمْدُهَا وَخَطَؤُهَا. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَأْمُومَةِ (الآْمَّةِ) لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عيله وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَفِيهِ: فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجِبُ عَلَى الْجَانِي أَرْشُ مَأْمُومَةٍ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ، لأَِنَّ خَرْقَ الْجِلْدِ جِنَايَةٌ بَعْدَ الْمَأْمُومَةِ فَوَجَبَ لأَِجْلِهَا حُكُومَةٌ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً، لأَِنَّهُ يَقْتَصُّ بَعْضَ حَقِّهِ، وَلأَِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْجِنَايَةِ يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهَا، وَيَأْخُذُ الأَْرْشَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ لأَِنَّهُ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ فِيهِ فَانْتَقَلَ إِلَى الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنِ الاِسْتِيفَاءُ إِلاَّ مِنْ وَاحِدَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِي، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، لأَِنَّهُ جُرْحٌ وَاحِدٌ فَلاَ يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْحُكْمَ بِثُلُثِ الدِّيَةِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا عَاشَ الْمَشْجُوجُ، أَمَّا إِذَا مَاتَ بِهَا فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَفِيهَا دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةً .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون، الصفحة / 82
دِيَةُ الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحِ:
- الشِّجَاجُ مَا يَكُونُ فِي الرَّأْسِ أَوِ الْوَجْهِ، وَالْجِرَاحُ مَا يَكُونُ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي سَائِرِ جِرَاحِ الْبَدَنِ، بِاسْتِثْنَاءِ الْجَائِفَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا الْحُكُومَةُ وَذَلِكَ لأِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ مِنَ الشَّرْعِ وَيَصْعُبُ ضَبْطُهَا وَتَقْدِيرُهَا.
أَمَّا الْجَائِفَةُ، وَهِيَ مَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ صَدْرٍ أَوْ ثُغْرَةِ نَحْرٍ أَوْ وَرِكٍ أَوْ جَنْبٍ أَوْ خَاصِرَةٍ أَوْ مَثَانَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَمْدًا أَمْ خَطَأً، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» .
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَائِفَةَ إِذَا نَفَذَتْ مِنْ جَانِبٍ لآِخَرَ تُعْتَبَرُ جَائِفَتَيْنِ، وَفِيهِمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ.
أَمَّا الشِّجَاجُ وَهِيَ الْجُرُوحُ الْوَاقِعَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَقَدْ قَسَّمَهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَشَرَةِ أَقْسَامٍ، عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي تَسْمِيَتِهَا، وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ كُلٍّ مِنْهَا.
جَزَاءُ هَذِهِ الشِّجَاجِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ فِيمَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنَ الْمُوضِحَةِ، أَيْ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ، وَهِيَ الْحَارِصَةُ، وَالدَّامِعَةُ وَالدَّامِيَةُ وَالْبَاضِعَةُ وَالْمُتَلاَحِمَةُ وَالسِّمْحَاقُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الشِّجَاجِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
لأِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَلاَ يُمْكِنُ إِهْدَارُهَا، فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ قَدْرِهَا مِنَ الْمُوضِحَةِ فَكَذَلِكَ. وَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ مُوضِحَةٍ إِذَا قِيسَ بِهَا الْبَاضِعَةُ مَثَلاً عُرِفَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ ثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ فِي عُمْقِ اللَّحْمِ وَجَبَ قِسْطُهُ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِهَا مِنَ الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ، قَالَ الأْصْحَابُ: وَتُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ الْحُكُومَةُ، فَيَجِبُ أَكْثَرُ الأْمْرَيْنِ مِنَ الْحُكُومَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِ التَّقْسِيطُ، لأِنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
أَمَّا الْمُوضِحَةُ وَالْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالآْمَّةُ أَوِ الْمَأْمُومَةُ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَبَيَانُهُ فِيمَا يَلِي:
أ - الْمُوضِحَةُ:
الْمُوضِحَةُ هِيَ أَقَلُّ شَجَّةٍ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنَ الشَّارِعِ، وَلَهَا أَهَمِّيَّةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ إِذَا كَانَتْ عَمْدًا، وَهِيَ الْفَاصِلُ بَيْنَ وُجُوبِ الْمُقَدَّرِ أَيِ الأْرْشِ وَغَيْرِ الْمُقَدَّرِ أَيِ الْحُكُومَةِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ فِي الْحُرِّ الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ. لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ».
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لاَ يَعْتَبِرُونَ الْجُرْحَ عَلَى الأْنْفِ وَاللَّحْيِ الأْسْفَلِ مُوضِحَةً، فَلاَ يَقُولُونَ فِيهَا بِأَرْشٍ مُقَدَّرٍ، فَتَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، كَسَائِرِ جِرَاحَاتِ الْبَدَنِ.
وَقَيَّدَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ لاَ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَصْلَعًا، وَإِلاَّ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لأِنَّ جِلْدَهُ أَنْقَصُ زِينَةً مِنْ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ بِقَتْلِهِ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الذَّكَرُ وَهَذَا الْمَبْلَعُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، فَتُرَاعَى هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَتَجِبُ فِي مُوضِحَةِ الْيَهُودِيِّ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ، وَفِي مُوضِحَةِ الْمَرْأَةِ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ، وَفِي مُوضِحَةِ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثَا بَعِيرٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى فِي مُوضِحَتِهِمَا لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ» وَهُوَ مُطْلَقٌ، فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي أَرْشِ الْمُوضِحَةِ؛ لأِنَّهُ دُونَ الثُّلُثِ، وَهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ وَيَخْتَلِفَانِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مُوضِحَةَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مُوضِحَةَ الْوَجْهِ فِيهَا عَشْرٌ مِنَ الإْبِلِ لأِنَّ شَيْنَهَا أَكْثَرُ، وَمُوضِحَةَ الرَّأْسِ يَسْتُرُهَا الشَّعْرُ وَالْعِمَامَةُ.
ب - الْهَاشِمَةُ
- الْهَاشِمَةُ هِيَ الَّتِي تَتَجَاوَزُ الْمُوضِحَةَ وَتَهْشِمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ فِيهَا عُشْرَ الدِّيَةِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مَعَ الإْيضَاحِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، وَهُوَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَالثَّوْرِيُّ.
أَمَّا فِي الْهَاشِمَةِ دُونَ الإْيضَاحِ فَفِيهَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ عَلَى الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: تَجِبُ فِي الْهَاشِمَةِ الْحُكُومَةُ، إِذْ لاَ سُنَّةَ فِيهَا وَلاَ إِجْمَاعَ، فَتَجِبُ فِيهَا الْحُكُومَةُ كَمَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ: فَقَدْ جَاءَ فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَشُرُوحِهِ أَنَّ الْهَاشِمَةَ أَرْشُهَا عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُهُ. وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ الْهَاشِمَةَ لاَ دِيَةَ فِيهَا بَلْ حُكُومَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَعْرِفْهَا مَالِكٌ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ فِيهَا عُشْرُ الدِّيَةِ مِائَةُ دِينَارٍ.
وَقَالَ النَّفْرَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ: الْمُنَقِّلَةُ، وَيُقَالُ لَهَا: الْهَاشِمَةُ أَيْضًا، فِيهَا عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا.
ج - الْمُنَقِّلَةُ:
الْمُنَقِّلَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعِظَامَ بَعْدَ كَسْرِهَا وَتُزِيلُهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُهُ - أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا - وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإْبِلِ». وَمِثْلُهُ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ سَبَقَ كَلاَمُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ يُقَالُ لَهَا الْهَاشِمَةُ أَيْضًا عِنْدَهُمْ.
د - الآْمَّةُ أَوِ الْمَأْمُومَةُ:
الآْمَّةُ وَالْمَأْمُومَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لَهَا الآْمَّةُ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ لَهَا الْمَأْمُومَةُ، وَهِيَ الْجِرَاحَةُ الْوَاصِلَةُ إِلَى أُمِّ الدِّمَاغِ، وَهُوَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَتَسْتُرُهُ.
وَيَجِبُ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ) لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ وَحُكُومَةً.
هـ - الدَّامِغَةُ:
الدَّامِغَةُ هِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَتَجَاوَزُ عَنِ الآْمَّةِ فَتَخْرِقُ الْجِلْدَةَ وَتَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ وَتَخْسِفُهُ.
وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي بَحْثِ الشِّجَاجِ؛ لأِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَمُوتُ بَعْدَهَا عَادَةً، فَيَكُونُ قَتْلاً، لاَ شَجًّا.
فَإِنْ عَاشَ الْمَحْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّامِغَةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأْصَحُّ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى أَنَّ فِيهَا مَا فِي الآْمَّةِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَجِبُ فِيهَا مَعَ الثُّلُثِ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ غِشَاءِ الدِّمَاغِ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ فِي الدَّامِغَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 188
جِنَايَةُ الْمُرْتَدِّ عَلَى النَّفْسِ:
إِذَا قَتَلَ مُرْتَدٌّ مُسْلِمًا عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، اتِّفَاقًا.
أَمَّا إِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا عَمْدًا فَيُقْتَلُ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ،؛ لأِنَّهُ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ، إِذِ الْمُرْتَدُّ مُهْدَرُ الدَّمِ وَلاَ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلاَ مُنَاكَحَتُهُ، وَلاَ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ.
وَلاَ يُقْتَلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيِّ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الإْسْلاَمِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ.
وَإِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا خَطَأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلاَ تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالدِّيَةُ يُشْتَرَطُ لَهَا عِصْمَةُ الدَّمِ لاَ الإْسْلاَمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّهُ قَدْ حَلَّ دَمُهُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لأِنَّ بَيْتَ الْمَالِ يَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ جَنَى فَكَمَا يَأْخُذُ مَالَهُ يَغْرَمُ عَنْهُ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَتُبْ. فَإِنْ تَابَ فَقِيلَ: فِي مَالِهِ، وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: عَلَى مَنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ.
جِنَايَةُ الْمُرْتَدِّ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ:
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ فَرْقَ فِي جِنَايَةِ الْمُرْتَدِّ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا، وَلاَ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِالإْسْلاَمِ الْحُكْمِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَإِنْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لاَ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ وَلاَ يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ؛ لأِنَّ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ فِي حَقِّهِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالإْسْلاَمِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَنَا: أَنَّهُ كَافِرٌ فَيُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ كَالأْصْلِيِّ.
وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: الأْظْهَرُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ بِالذِّمِّيِّ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ. بَلِ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فَأَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِالذِّمِّيِّ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 343
شِجَاج
التَّعْرِيفُ:
الشِّجَاجُ فِي اللُّغَةِ. جَمْعُ شَجَّةٍ، وَالشَّجَّةُ الْجِرَاحَةُ فِي الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ، وَلاَ تَكُونُ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْجَسَدِ. وَالشَّجَجُ: أَثَرُ الشَّجَّةِ فِي الْجَبِينِ. وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ الشِّجَاجِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجِرَاحَةُ:
الْجِرَاحَةُ أَعَمُّ مِنَ الشَّجَّةِ؛ إِذِ الشَّجَّةُ مَا كَانَتْ خَاصَّةً بِالرَّأْسِ أَوِ الْوَجْهِ، أَمَّا الْجِرَاحَةُ فَتُطْلَقُ عَلَى مَا أَصَابَ الْبَدَنَ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ طَعْنٍ فِي أَيِّ جُزْءٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الرَّأْسِ أَمْ فِي الْوَجْهِ أَمْ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ.
ب - الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ:
الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ: كُلُّ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ وَقَعَ عَلَى الأْطْرَافِ أَوِ الأْعْضَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْقَطْعِ أَمْ بِالْجَرْحِ أَمْ بِإِزَالَةِ الْمَنَافِعِ
(ر: جِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ).
فَالْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ أَعَمُّ مِنَ الشِّجَاجِ؛ لأِنَّ الشِّجَاجَ جِنَايَةٌ عَلَى أَجْزَاءٍ خَاصَّةٍ مِنَ الْجِسْمِ وَهِيَ الرَّأْسُ وَالْوَجْهُ.
أَنْوَاعُ الشِّجَاجِ:
تَتَنَوَّعُ الشِّجَاجُ بِحَسَبِ مَا تُحْدِثُهُ فِي الْجِسْمِ وَهِيَ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي تَسْمِيَةِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الشِّجَاجِ وَفِي تَرْتِيبِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
(1) الْحَارِصَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ - أَيْ تَخْدِشُهُ - وَلاَ تُخْرِجُ الدَّمَ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْخَارِصَةَ.
(2) الدَّامِعَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلاَ تُسِيلُهُ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ.
(3) الدَّامِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ، وَقِيلَ: الدَّامِيَةُ هِيَ الَّتِي تُدْمِي دُونَ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ، وَالدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ.
وَيُسَمِّي الْحَنَابِلَةُ الدَّامِيَةَ وَالدَّامِعَةَ: بَازِلَةً، فَهِيَ عِنْدَهُمْ شَجَّةٌ وَاحِدَةٌ.
(4) الْبَاضِعَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ شَقًّا خَفِيفًا.
(5) الْمُتَلاَحِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ فَتَذْهَبُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَذْهَبُ الْبَاضِعَةُ وَلاَ تَبْلُغُ السِّمْحَاقَ.
(6) السِّمْحَاقُ: وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى الْجِلْدَةِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَهَذِهِ الْجِلْدَةُ تُسَمَّى السِّمْحَاقَ، فَسُمِّيَتِ الشَّجَّةُ بِاسْمِهَا لأِنَّهَا تَصِلُ إِلَيْهَا.
(7) الْمُوضِحَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَكْشِفُهُ.
(8) الْهَاشِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَتَكْسِرُهُ.
(9) الْمُنَقِّلَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ كَسْرِهِ؛ أَيْ تُحَوِّلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ.
(10) الآْمَّةُ: وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمَأْمُومَةَ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ
الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَتُسَمَّى خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ.
11 - الدَّامِغَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَتَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ.
وَلاَ يَعِيشُ الإْنْسَانُ مَعَهَا غَالِبًا، وَلِذَلِكَ يَسْتَبْعِدُهَا مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الشِّجَاجِ لأِنَّهَا تُعْتَبَرُ قَتْلاً لِلنَّفْسِ لاَ شَجًّا. كَذَلِكَ اسْتَبْعَدَ مُحَمَّدٌ الْخَارِصَةَ لأِنَّهُ لاَ يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ غَالِبًا. هَذِهِ هِيَ الشِّجَاجُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ كَالْجُمْهُورِ إِلاَّ أَنَّهُمْ سَمَّوْا السِّمْحَاقَ (الْمِلْطَاةَ) وَعَرَّفُوهَا: بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ، وَأَطْلَقُوا السِّمْحَاقَ عَلَى مَا كَشَطَ الْجِلْدَ وَزَالَهُ عَنْ مَحَلِّهِ.
وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ الْجُمْهُورَ فِي تَرْتِيبِ الشِّجَاجِ فَهِيَ عِنْدَهُمْ: الدَّامِيَةُ، فَالْخَارِصَةُ، فَالسِّمْحَاقُ، فَالْبَاضِعَةُ، فَالْمُتَلاَحِمَةُ، فَالْمِلْطَاةُ، فَالْمُوضِحَةُ، فَالْمُنَقِّلَةُ، فَالآْمَّةُ، فَالدَّامِغَةُ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالشِّجَاجِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً - مَا يَجِبُ فِي الشِّجَاجِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ أَرْشٍ:
الْجِنَايَةُ فِي الشِّجَاجِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَطَأً. فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفِيهَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لأِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَلاَ يُمْكِنُ إِهْدَارُهَا فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ لَمْ تُعْرَفْ نِسْبَةُ الشَّجَّةِ مِنَ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ عُرِفَتْ نِسْبَةُ الشَّجَّةِ مِنَ الْمُوضِحَةِ وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا بِالنِّسْبَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَكْثَرُ مِنَ الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطِ مِنَ الْمُوضِحَةِ، لأِنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا.
وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِسْطِ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ إِنْ عُرِفَتْ نِسْبَةُ الشَّجَّةِ مِنْهَا هُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ قُدَامَةَ.
وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ فِي الدَّامِيَةِ بَعِيرًا وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَيْنِ وَفِي الْمُتَلاَحِمَةِ ثَلاَثَةَ أَبْعِرَةٍ وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةَ أَبْعِرَةٍ، لأِنَّ هَذَا يُرْوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - فِي السِّمْحَاقِ مِثْلُ ذَلِكَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْهُمَا، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهما - فِيهَا نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ الأْوَّلُ (أَيْ عَدَمُ التَّقْدِيرِ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ) لأِنَّهَا جِرَاحَاتٌ لَمْ يَرِدْ فِيهَا تَوْقِيتٌ فِي الشَّرْعِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا حُكُومَةٌ كَجِرَاحَاتِ الْبَدَنِ، وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنَ الإْبِلِ وَلَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَهَا».
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطَأِ فِي جِنَايَةِ الشَّجَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْمُوضِحَةِ، فَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْمُوضِحَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الشِّجَاجِ فَفِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ».
وَقَدْ وَرَدَ تَفْصِيلُ دِيَاتِ الشِّجَاجِ فِي بَحْثِ (دِيَات) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ 21 \ 83 ف 64 وَمَا بَعْدَهَا.
وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي الشِّجَاجِ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَتْ مُوضِحَةً فَفِيهَا الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لقوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)، وَلأِنَّهُ يُمْكِنُ الاِسْتِيفَاءُ فِيهَا بِغَيْرِ حَيْفٍ وَلاَ زِيَادَةٍ، لأِنَّ لَهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ السِّكِّينُ وَهُوَ الْعَظْمُ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّجَّةُ فَوْقَ الْمُوضِحَةِ كَالْمُنَقِّلَةِ وَالآْمَّةِ فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا، لأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهَا فَلاَ يُوثَقُ بِاسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ بِخِلاَفِ الْمُوضِحَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَ الدِّيَةُ. لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جِنَايَةً فَوْقَ الْمُوضِحَةِ أَنْ يُقْتَصَّ مُوضِحَةً؛ لأِنَّهُ يَقْتَصُّ بَعْضُ حَقِّهِ، وَيَقْتَصُّ مِنْ مَحَلِّ جِنَايَتِهِ، وَإِذَا اقْتَصَّ مُوضِحَةً كَانَ لَهُ أَرْشُ مَا زَادَ عَلَى الْمُوضِحَةِ؛ لأِنَّهُ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ فِيهِ فَانْتَقَلَ إِلَى الْبَدَلِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَرْشُ مَا زَادَ عَلَى الْمُوضِحَةِ؛ لأِنَّهُ جَرْحٌ وَاحِدٌ فَلاَ يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ.
وَأَمَّا الشِّجَاجُ الَّتِي قَبْلَ الْمُوضِحَةِ كَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلاَحِمَةِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا لإِمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقِصَاصِ بِالْوُقُوفِ عَلَى نِسْبَةِ الشَّجَّةِ فَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنَ الْقَوْلِ بِالْقِصَاصِ الْحَارِصَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالسِّمْحَاقُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الشُّرُنْبُلاَلِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ دُونَ حَيْفٍ، وَلأِنَّهُ لاَ تَقْدِيرَ فِيهَا فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَالْخَطَأِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي الشِّجَاجِ إِلاَّ فِي الْمُوضِحَةِ وَالسِّمْحَاقِ إِنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ فِي السِّمْحَاقِ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ خُدُوشٌ، وَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فِيهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ.
ثَانِيًا: وَقْتُ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ فِي الشِّجَاجِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِصَاصِ فِي جِنَايَاتِ الشِّجَاجِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُرْءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَجُلاً جَرَحَ رَجُلاً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَقَادَ مِنَ الْجَارِحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ». وَلأِنَّ الْجُرْحَ يَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ فَتَصِيرُ قَتْلاً فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الاِنْتِظَارَ بِالْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ.
لَكِنْ يَتَخَرَّجُ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الاِقْتِصَاصُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَإِنِ اقْتَصَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ بُرْءِ جُرْحِهِ فَسِرَايَةُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هَدَرٌ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّ رَجُلاً طَعَنَ رَجُلاً بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَرَجْتُ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ وَبَطَلَ عَرَجُكَ».
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الْحُكْمِ بِالدِّيَةِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالدِّيَةِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُرْءِ أَيْضًا كَالْقِصَاصِ؛ لأِنَّ الأْرْشَ لاَ يَسْتَقِرُّ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ، لأِنَّهُ قَدْ يَسْرِي إِلَى النَّفْسِ وَيَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الأَْرْشِ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ كَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ إِنِ اقْتَصَرَتْ فَظَاهِرٌ وَإِنْ سَرَتْ فَقَدْ أَخَذَ بَعْضَ الدِّيَةِ فَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ.
وَإِنْ سَرَتْ الْجِرَاحَةُ فَأَدَّتْ إِلَى الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ لأِنَّ الْجُرْحَ لَمَّا سَرَى بَطَلَ حُكْمُ مَا دُونَ النَّفْسِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجُرْحَ وَقَعَ قَتْلاً مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، وَلِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوضِحَةً فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُوضِحَ رَأْسَ الْجَانِي لقوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)، فَإِنْ مَاتَ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ بِالسَّيْفِ.
وَإِنْ كَانَتِ الشَّجَّةُ خَطَأً فَسَرَتْ إِلَى النَّفْسِ فَفِيهَا دِيَةُ النَّفْسِ. وَإِنْ بَرِئَتِ الشَّجَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَالأْرْشُ الْمُقَدَّرُ أَوْ حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِيمَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّجَّةُ خَطَأً وَبَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ وَعَيْبٍ فِيهَا، فَفِيهَا الْمُقَدَّرُ مِنَ الأْرْشِ أَوِ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ بِأَنِ الْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَتِ الشِّجَاجُ مِمَّا قَرَّرَ الشَّارِعُ لَهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا كَالْمُوضِحَةِ وَمَا فَوْقَهَا فَفِيهَا مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ مِنَ الدِّيَاتِ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ هَذِهِ الدِّيَاتِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَلَمْ يُفَصِّلْ.
أَمَّا مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ وَهِيَ الشِّجَاجُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ إِذَا بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ إِلَى أَنَّ فِيهَا حُكُومَةَ عَدْلٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْتَبَرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إِلَى الاِنْدِمَالِ، وَقِيلَ: يُقَدِّرُ الْقَاضِي النَّقْصَ لِئَلاَّ تَخْلُوَ الْجِنَايَةُ عَنْ غُرْمِ التَّعْزِيرِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ بَرِئَتِ الشِّجَاجُ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ بِأَنِ الْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا؛ لأِنَّ الأْرْشَ إِنَّمَا يَجِبُ بِالشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ بِالأْثَرِ، وَقَدْ زَالَ فَسَقَطَ الأْرْشُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ حُكُومَةُ الأْلَمِ، لأِنَّ الشَّجَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِهْدَارِهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ إِيجَابُ أَرْشِ الشَّجَّةِ فَيَجِبُ أَرْشُ الأْلَمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ بِسَبَبِ هَذِهِ الشَّجَّةِ، فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْمَالِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيمَا لَوْ بَرِئَتِ الْجِنَايَةُ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ (الْجِنَايَة عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ - تَدَاخُل - دِيَات).
ثَالِثًا - كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الشِّجَاجِ:
لاِسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ لاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ طُولاً وَعَرْضًا، فَلَوْ كَانَتِ الشَّجَّةُ مُوضِحَةً (وَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِهَا فِي الْعَمْدِ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ قَدْرُهَا بِالْمِسَاحَةِ طُولاً وَعَرْضًا دُونَ النَّظَرِ إِلَى كَثَافَةِ اللَّحْمِ؛ لأِنَّ حَدَّ الْمُوضِحَةِ الْعَظْمُ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي قِلَّةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَتِهِ.
وَإِنْ أَوْضَحَ الْجَانِي كُلَّ الرَّأْسِ، وَرَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ لِلْمَشْجُوجِ أَنْ يَقْتَصَّ قَدْرَ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ وَلاَ يَسْتَوْعِبُ رَأْسَ الشَّاجِّ لأِنَّ فِي الاِسْتِيعَابِ اسْتِيفَاءَ الزِّيَادَةِ وَفِيهِ زِيَادَةُ شَيْنٍ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. لَكِنْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُخَيَّرُ الْمَشْجُوجُ بَيْنَ هَذَا - أَيْ بَيْنَ الْقِصَاصِ مِنَ الشَّاجِّ حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَ شَجَّتِهِ فِي الطُّولِ ثُمَّ يَكُفَّ - وَبَيْنَ الْعُدُولِ إِلَى الأْرْشِ؛ لأِنَّهُ وَجَدَ حَقَّهُ نَاقِصًا، لأِنَّ الشَّجَّةَ الأْولَى وَقَعَتْ مُسْتَوْعِبَةً، وَالثَّانِيَةُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ نَاقِصًا تَشَفِّيًا لِلصَّدْرِ، وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ إِلَى الأْرْشِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 175
ضَرْبٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - يُطْلَقُ الضَّرْبُ لُغَةً عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: الإْصَابَةُ بِالْيَدِ أَوِ السَّوْطِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا، يُقَالُ: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِالسَّوْطِ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا: عَلاَهُ بِهِ، وَالسَّيْرُ فِي الأْرْضِ ابْتِغَاءَ الرِّزْقِ أَوِ الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَصِيَاغَةُ النُّقُودِ، وَطَبْعُهَا، وَتَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِالآْخَرِ وَمَعَانٍ أُخْرَى، مِنْهَا ضَرْبُ الدُّفِّ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلضَّرْبِ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّأْدِيبُ:
2 - التَّأْدِيبُ مَصْدَرُ أَدَّبَهُ تَأْدِيبًا: إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ بِالضَّرْبِ، أَوْ بِغَيْرِهِ.
ب - التَّعْزِيرُ:
3 - التَّعْزِيرُ: عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ أَوْ لآِدَمِيٍّ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ وَلاَ كَفَّارَةٌ غَالِبًا .
ج - الْقَتْلُ:
4 - الْقَتْلُ إِزْهَاقُ الرُّوحِ بِالضَّرْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الضَّرْبِ بِاخْتِلاَفِ الْمَعَانِي الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا:
فَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْيَدِ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ سَبَبِهِ، وَتَعْتَرِيهِ الأْحْكَامُ التَّالِيَةُ: فَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا، كَضَرْبِ الْبَرِيءِ، وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، كَضَرْبِ شَارِبِ الْمُسْكِرِ، وَالزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ لإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، وَضَرْبِ الْقَاذِفِ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ، بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَبِدُونِ طَلَبِهِ - أَيْضًا - عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَضَرْبِ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ، وَنَحْوِهَا.
وَتَارَةً يَكُونُ جَائِزًا كَضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ لِحَقِّهِ، كَالنُّشُوزِ وَغَيْرِهِ، وَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ لِلتَّعْلِيمِ، وَضَرْبِ السُّلْطَانَ مَنِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لاَ حَدَّ فِيهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (حُدُود ف 31، تَأْدِيب ف 8 تَعْزِير ف 14).
أَدَاةُ الضَّرْبِ:
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الضَّرْبَ فِي الْحُدُودِ يَكُونُ بِالسَّوْطِ إِلاَّ حَدَّ الشُّرْبِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ بِالسَّوْطِ، كَمَا يُضْرَبُ أَيْضًا بِالنِّعَالِ وَالأْيْدِي وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ» .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ السَّوْطُ، وَقَالُوا: يُفْهَمُ مِنْ إِطْلاَقِ الْجَلْدِ الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، «وَلأِنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَلْدٌ فِي الْخَمْرِ» . كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِجَلْدِ الزَّانِي، فَكَانَ بِالسَّوْطِ مِثْلَهُ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ضَرَبُوا بِالسَّوْطِ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.
أَمَّا الضَّرْبُ لِلتَّعْزِيرِ، أَوِ التَّأْدِيبِ فَيَكُونُ بِالسَّوْطِ وَالْيَدِ، وَأَمَّا ضَرْبُ الصَّبِيِّ فِي التَّأْدِيبِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِيَدٍ، وَلاَ يُجَاوِزُ ثَلاَثًا، وَكَذَا: الْمُعَلِّمُ وَالْوَصِيُّ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّكَ إِنْ ضَرَبْتَ فَوْقَ ثَلاَثٍ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ» .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شُرْب، وَحُدُود ف 31، وَتَعْزِير ف 14 وَتَأْدِيب ف 8).
صِفَةُ سَوْطِ الضَّرْبِ:
7 - يَكُونُ سَوْطُ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَسَطًا بَيْنَ قَضِيبٍ، وَعَصًا، وَرَطْبٍ، وَيَابِسٍ، لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رَكِبَ بِهِ وَلاَنَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ».
وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ يَكُونُ وَسَطًا، لاَ شَدِيدًا فَيَقْتُلُ، وَلاَ ضَعِيفًا فَلاَ يَرْدَعُ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ تَأْدِيبُهُ، لاَ قَتْلُهُ .
كَيْفِيَّةُ الضَّرْبِ:
8 - يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى الأْعْضَاءِ، فَلاَ يُجْمَعُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ، كَالْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ، وَالنَّحْرِ، وَالْفَرْجِ.
وَأَشَدُّ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ: ضَرْبُ الزَّانِي، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَشَدُّ الضَّرْبِ: ضَرْبُ التَّعْزِيرِ؛ لأِنَّهُ خُفِّفَ عَدَدًا فَلاَ يُخَفَّفُ وَصْفًا، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الزِّنَا لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ لِثُبُوتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الْقَذْفِ لِضَعْفِ سَبَبِهِ لاِحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّهَا وَاحِدٌ؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَأْنُهُ أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ أَمْرًا وَاحِدًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الزَّجْرُ فَيَجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الصِّفَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُود ف 31، وَتَعْزِير ف 14).
ضَرْبُ الزَّوْجَةِ:
9 - يَجِبُ فِي ضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِلنُّشُوزِ أَوْ لِغَيْرِهِ: أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلاَ مُدْمٍ، وَأَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ، وَالأْمَاكِنَ الْمُخِيفَةَ، وَلاَ يَضْرِبَهَا إِلاَّ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ كَالنُّشُوزِ، فَلاَ يَضْرِبُهَا لِحَقِّ اللَّهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَتَرْكِ الصَّلاَةِ.
(ر: نُشُوز ) .
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ:
10 - ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْمَنُوطَةِ بِالإْمَامِ فَلَيْسَ لِلأْفْرَادِ ضَرْبُهَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَخَاطِرِ الْغِشِّ، وَمَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَرَاهِم ف 7).
ضَرْبُ الدُّفِّ:
11 - يَجُوزُ ضَرْبُ الدُّفِّ لِعُرْسٍ وَخِتَانٍ وَعِيدٍ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لإِِظْهَارِ الْفَرَحِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ الدُّفُوفَ» .
وَعَنْ «عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأْنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟، فَإِنَّ الأْنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ» وَحَدِيثُ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» «وَعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى: تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» .
وَالتَّفْصِيلُ فِي: (لَهْو، وَلِيمَة، عُرْس).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 261
أَسْبَابُ الْقِصَاصِ:
- أَسْبَابُ الْقِصَاصِ هِيَ: الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالْجُرْحُ وَالشِّجَاجُ وَإِزَالَةُ مَعَانِي الأْعْضَاءِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
الْقِصَاصُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ:
- الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ سَبَبُهُ الْقَتْلُ الْعَمْدُ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ سَوْفَ يَأْتِي تَفْصِيلُهَا.
شُرُوطُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ:
- لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ، وَالْمَقْتُولِ، وَفِعْلِ الْقَتْلِ لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ إِلاَّ بِتَوَفُّرِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، كَمَا يَلِي:
أ - التَّكْلِيفُ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، أَيْ عَاقِلاً بَالِغًا عِنْدَ الْقَتْلِ، فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا جُنُونًا مُطْبِقًا عِنْدَ الْقَتْلِ.
فَإِذَا قَتَلَهُ عَاقِلاً ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ دَفَعَهُ الْقَاضِي لِلْوَلِيِّ عَاقِلاً ثُمَّ جُنَّ اقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ جُنَّ قَبْلَ دَفْعِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ بَدَلاً مِنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لأِنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَالَةَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْوُجُوبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
فَإِنْ كَانَ يَجِنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ قَتَلَ فِي إِفَاقَتِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُطْبِقًا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ قِصَاصًا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ إِلَى حِينِ إِفَاقَتِهِ ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ.
فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا جُنُونًا مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ قَتَلَهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبِقًا فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ قَتَلَهُ حَالَ الْجُنُونِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ قَتَلَهُ حَالَ الْجُنُونِ وَهُوَ فِيهَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ حَالَ الإْفَاقَةِ، أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ حَالَ جُنُونِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ عَنْهُ، ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْحُوَ؛ لاِحْتِمَالِ رُجُوعِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ.
وَمِثْلُ الْجُنُونِ: النَّوْمُ وَالإْغْمَاءُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
أَمَّا السَّكْرَانُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمَا إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِمُحَرَّمٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ لِعُذْرٍ كَالإْكْرَاهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُقُوعِ طَلاَقِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ.
ب - عِصْمَةُ الْقَتِيلِ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، أَوْ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ.
فَإِذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ - كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ - لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ مُطْلَقًا.
فَإِذَا كَانَ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ سَائِرِهِمْ، كَالْقَاتِلِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ قُتِلَ بِهِ قِصَاصًا؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُهْدَرِ الدَّمِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ؛ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّهِ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمُسْلِمِ، فَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُ مُؤَقَّتَةً كَالْمُسْتَأْمَنِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قَاتِلُهُ؛ لأِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مَصُونُ الدَّمِ فِي حَالِ أَمَانِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الأْصْلِ، لأِنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَلاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُسْتَأْمَنًا أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيُقْتَلُ بِهِ لِلْمُسَاوَاةِ لاَ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ: لاَ يُقْتَلُ عَلَى الاِسْتِحْسَانِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَقْتَ الْقَتْلِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْعِصْمَةِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُقْتَلُ قَاتِلُ الْمُسْتَأْمَنِ، لقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) .
ج - الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي أَوْصَافٍ اعْتَبَرُوهَا، فَلاَ يُقْتَلُ الأْعْلَى بِالأْدْنَى، وَلَكِنْ يُقْتَلُ الأْدْنَى بِالأْعْلَى وَبِالْمُسَاوِي.
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ عِنْدَهُمُ الْمُسْلِمُ وَلاَ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيِّ، لاَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَلْ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ.
إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِي الأْوْصَافِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا لِلْمُكَافَأَةِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي الإْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ أَزْيَدَ مِنَ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَزْيَدَ مِنَ الْقَتِيلِ فِيهِمَا فَلاَ قِصَاصَ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْقَصَ مِنَ الآْخَرِ فِي أَحَدِهِمَا، كَانَ نَقْصُ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِ الرِّقِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ وَلَوْ حُرًّا، وَلاَ حُرٌّ بِرَقِيقٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ زَائِدَ إِسْلاَمٍ، فَيُقْتَلُ حُرٌّ كِتَابِيٌّ بِرَقِيقٍ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الإْسْلاَمِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُقْتَلُ الْكَافِرُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ؛ لأِنَّ الْحُرَّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا عِنْدَهُمْ، كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِالْحُرِّ الْكَافِرِ؛ لأِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا، فَإِذَا قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ عَبْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ حُرٌّ مَنْ نِصْفُهُ عَبْدٌ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ.
وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ الْقِنُّ بِالْمُكَاتَبِ، وَيُقْتَلُ الْمُكَاتَبُ بِهِ، وَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ - وَالْعَكْسُ - لأِنَّ الْكُلَّ عَبِيدٌ.
وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ مُطْلَقًا.
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لاَ بُدَّ فِي الْقَوَدِ مِنَ الْمُكَافَأَةِ فِي الْحَالاَتِ الثَّلاَثِ: حَالَةُ الرَّمْيِ وَحَالَةُ الإْصَابَةِ وَحَالَةُ الْمَوْتِ، وَمَتَى فُقِدَ التَّكَافُؤُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ الَّذِي فِيهِ مَالٌ إِذَا زَالَتِ الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، أَوْ عُدِمَتْ قَبْلَ السَّبَبِ وَحَدَثَتْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمُسَبَّبِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ، كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِهَا وَقْتَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ وَقْتُ الإِْصَابَةِ فِي الْجُرْحِ وَوَقْتُ التَّلَفِ فِي الْمَوْتِ، وَلاَ يُرَاعَى فِيهِ وَقْتُ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّمْيُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ سَحْنُونٌ خِلاَفًا لأَشْهَبَ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنِ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي الإْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ هُنَا الْقَتْلَ غِيلَةً، وَقَالُوا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: إِلاَّ الْغِيلَةَ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الْقَتْلُ لأِخْذِ الْمَالِ - فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ، بَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَوَقْتُ الْمُسَاوَاةِ الْمُشْتَرَطِ عِنْدَهُمْ هُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ.. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْتَصُّ مِنْهُ.. لأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ فَكَانَ الاِعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ وُجُوبِهَا دُونَ حَالِ اسْتِيفَائِهَا كَالْحُدُودِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُقْتَلَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الأْوْزَاعِيِّ.
وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْقَتْلُ غِيلَةً وَغَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ، وَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ دُونَ السُّلْطَانِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ فِي الإْسْلاَمِ وَالأْمَانِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالأْصْلِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ، فَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا بِذِمِّيٍّ لِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ».
وَلأِنَّهُ لاَ يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالإْجْمَاعِ، فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى.. وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ أَيِ الْمُسْلِمِ لِشَرَفِهِ عَلَيْهِ، وَيُقْتَلُ أَيْضًا بِذِمِّيٍّ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمَجُوسِيٍّ وَعَكْسُهُ؛ لأِنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ.
وَالأْظْهَرُ: قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمُعَاهَدٍ سَوَاءٌ عَادَ الْمُرْتَدُّ إِلَى الإْسْلاَمِ أَمْ لاَ؛ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ، بَلِ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ لأِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ. وَالثَّانِي: لاَ يُقْتَلُ بِهِ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الإْسْلاَمِ فِي الْمُرْتَدِّ، وَالأْظْهَرُ أَيْضًا: قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِمُرْتَدٍّ لِتَسَاوِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، وَالثَّانِي: لاَ؛ لأِنَّ الْمَقْتُولَ مُبَاحُ الدَّمِ، لاَ ذِمِّيٌّ بِمُرْتَدٍّ فِي الأْظْهَرِ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ بِهِ أَيْضًا، وَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالزَّانِي الْمُسْلِمِ الْمُحْصَنِ كَمَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَلاَ يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِهِ لاِخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الإْسْلاَمِ، وَلِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، وَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ، لقوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَعَبْدُهُ وَعَبْدُ غَيْرِهِ.
وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِكَافِرٍ وَالْقَاتِلُ لِمُسْلِمٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ، وَاسْتُثْنِيَ الْمُكَاتَبُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ.
وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ أَيْ مُبَعَّضًا، سَوَاءٌ ازْدَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لاَ، لاَ قِصَاصَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ أَتَسَاوَيَا أَمْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ فَلاَ قِصَاصَ قَطْعًا؛ لاِنْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ.
وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لاَ تُجْبِرُ النَّقْصَ فِيهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَاقِعٌ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ؛ لأِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلاَ تُجْبَرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيصَتَهُ.
وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ فِي وَصْفَيِ الأْصْلِيَّةِ وَالسِّيَادَةِ.
وَالشَّافِعِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ الْمُسَاوَاةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَقْتَ الْقَتْلِ، وَهُوَ وَقْتُ انْعِقَادِ سَبَبِ الْقِصَاصِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ، الَّذِي قَتَلَ كَافِرًا مُكَافِئًا لَهُ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ؛ لأِنَّ الاِعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَلاَ نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ أَوْ نَحْوُهُ ذِمِّيًّا أَوْ نَحْوَهُ وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لاَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فِي الأْصَحِّ، لِلتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْجَرْحِ.
د - أَنْ لاَ يَكُونَ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا، حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ بِمَا هُدِرَ بِهِ دَمُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قِصَاصًا، وَيُقْتَلُ لإِهْدَارِ دَمِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ الْقَتْلُ وَالْقِصَاصُ.
هـ - أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُتَعَمِّدًا الْقَتْلَ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَجِبُ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْعَمْدُ قَوَدٌ»، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لأِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ فَلاَ تَجِبُ إِلاَّ فِي جِنَايَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالْجِنَايَةُ لاَ تَتَنَاهَى إِلاَّ بِالْعَمْدِ، وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قَتْلُ عَمْدٍ ف 1).
و - أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا:
- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي إِسْقَاطِ الْقِصَاصِ عَنِ الْمُكْرَهِ، فَإِذَا قَتَلَ غَيْرَهُ مُكْرَهًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَلَزِمَ الْقِصَاصُ الْمُكْرَهَ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا اخْتِيَارَ الإْيثَارِ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى مُكْرَهٍ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ الأْخْرَى وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ؟
فِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاه ف 19).
أَمَّا الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ فَلاَ أَثَرَ لَهُ وَيُقْتَصُّ مَعَهُ مِنَ الْقَاتِلِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاه ف 19 - 24).
ز - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ أَوْ مِنْ فُرُوعِهِ:
- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ مُطْلَقًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ»؛ وَلأِنَّهُ كَانَ سَبَبَ حَيَاتِهِ فَلاَ يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ، وَفِي حُكْمِ الْوَالِدِ هُنَا كُلُّ الأْصُولِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإْنَاثِ مَهْمَا بَعُدُوا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الأْمُّ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنَ الأْبِ كُنَّ أَمْ مِنَ الأْمِّ، كَمَا يَدْخُلُ الأْجْدَادُ وَإِنْ عَلَوْا مِنَ الأْبِ كَانُوا أَوْ مِنَ الأْمِّ؛ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَالِدِ لَهُمْ جَمِيعًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الأْمَّ تُقْتَلُ بِالاِبْنِ خِلاَفًا لِلأْبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالأْبِ فَلاَ تُقْتَلُ بِالاِبْنِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْبَ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ قُتِلَ بِهِ إِذَا كَانَ قَصَدَ إِزْهَاقَ رُوحِهِ وَاضِحًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاضِحًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَضَابِطُهُ أَنْ لاَ يَقْصِدَ إِزْهَاقَ رُوحِهِ، فَإِنْ قَصَدَهُ كَأَنْ يَرْمِيَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، أَوْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْقِصَاصُ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَالِدِ النَّسَبِيِّ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَمَّا الْوَالِدُ مِنَ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ مِنَ الرَّضَاعِ لِعَدَمِ الْجُزْئِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
ح - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَمْلُوكًا لِلْقَاتِلِ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ قُتِلَ بِهِ، أَمَّا السَّيِّدُ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً مَمْلُوكَيْنِ لَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِمَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدِهِ».
وَمِثْلُ الْمَمْلُوكِ هُنَا مَنْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ، أَوْ كَانَ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ قِصَاصَ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْقِصَاصِ دُونَ بَعْضٍ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ.
كَمَا لاَ يُقْتَلُ الْمَوْلَى بِمُدَبَّرِهِ، وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَمُكَاتَبِهِ؛ لأِنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ حَقِيقَةً.
ط - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشِرًا:
- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ عَلَى سَوَاءٍ، إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ الْقِصَاصِ الأْخْرَى.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً، فَلَوْ قَتَلَهُ بِالسَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَمَاتَ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْحَافِرِ، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا شَهِدَ بِالْقَتْلِ فَاقْتُصَّ مِنَ الْقَاتِلِ بِشَهَادَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الشَّهَادَةِ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا لِثُبُوتِ حَيَاةِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَهُمْ.
ي - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ قَدْ حَدَثَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ:
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، لإِطْلاَقِ الآْيَاتِ الْكَرِيمَةِ وَالأْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْنَا فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مَكَانًا، فَكَانَ كَالْمُحَارِبِ لاَ عِصْمَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ تَاجِرَانِ مُسْلِمَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ فَإِنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهِ أَيْضًا.
ك - الْعُدْوَانُ:
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَجِبُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُدْوَانٌ، وَالْعُدْوَانُ يَعْنِي تَجَاوُزَ الْحَدِّ وَالْحَقِّ، فَإِذَا قَتَلَهُ بِحَقٍّ أَوْ بِإِذْنِ الْقَتِيلِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُخَرَّجُ الْقَتْلُ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا، أَوْ دِفَاعًا عَنِ النَّفْسِ، أَوْ دِفَاعًا عَنِ الْمَالِ كَقَتْلِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ، أَوْ تَأْدِيبًا، أَوْ تَطْبِيبًا فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ فِي هَذِهِ الأْحْوَالِ كُلِّهَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (إِذْن ف 39 وَ 58 وَ 60، وَتَأْدِيب ف 11، وَتَطْبِيب ف 7، وَصِيَال ف 6)
ل - أَنْ لاَ يَكُونَ وَلِيُّ الدَّمِ فَرْعًا لِلْقَاتِلِ:
لَوْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ فَرْعًا لِلْقَاتِلِ، كَأَنْ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ، سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلْجُزْئِيَّةِ، لأِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْفَرْعُ أَحَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ
لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ كُلُّهُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَجَزَّأُ.
م - أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الدَّمِ فِي الْقِصَاصِ مَعْلُومًا:
- وَهَذَا شَرْطٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ مَجْهُولاً لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وُجُوبٌ لِلاِسْتِيفَاءِ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَجْهُولِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَذَّرَ الإْيجَابُ.
ن - أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْقَاتِلِ شَرِيكٌ فِي الْقَتْلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ:
- إِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ أَحَدِ الْمُشَارِكِينَ فِي الْقَتْلِ لأِيِّ سَبَبٍ كَانَ غَيْرِ الْعَفْوِ عَنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الْقَتْلَ وَاحِدٌ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ مُوجِبُهُ بِتَغَيُّرِ الْمُشَارِكِينَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْقَاتِلِينَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَبًا أَوْ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ.. سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْجَمِيعِ.
أَمَّا إِذَا قَتَلَ اثْنَانِ رَجُلاً، فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنِ الثَّانِي بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ كَالأْوَّلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الثَّانِي.
هَذَا مَا دَامَ الْوَلِيُّ الْعَافِي وَاحِدًا، فَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ أَوْلِيَاءٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ، سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلْبَاقِينَ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا قَتَلَ إِنْسَانٌ رَجُلَيْنِ، فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، سَقَطَ حَقُّ الأْوَّلِ وَبَقِيَ حَقُّ الثَّانِي فِي الْقِصَاصِ عَلَى حَالِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ إِنْ تَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ وَتَعَمَّدَا قَتْلَهُ، أَوِ الْكَبِيرُ فَقَطْ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْكَبِيرِ؛ لاِحْتِمَالِ أَنَّ ضَرْبَ الصَّغِيرِ هُوَ الْقَاتِلُ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ أَنَّهُ مَاتَ بِضَرْبِ الْكَبِيرِ، وَيُقْسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَيُقْتَلُ الْكَبِيرُ.
وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ أَوْ مَجْنُونٍ، وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ سَبْعٍ، أَوْ جَارِحٍ نَفْسَهُ جُرْحًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا، أَوْ شَرِيكِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَتَمَالآَ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِلاَّ اقْتُصَّ مِنَ الشَّرِيكِ. أَوْ شَرِيكِ مَرَضٍ، بِأَنْ جَرَحَهُ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُدْرَ أَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ أَمْ مِنَ الْمَرَضِ؟ قَوْلاَنِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ فِي شَرِيكِ الْمَرَضِ الْقِصَاصُ، وَفِي غَيْرِهِ لاَ يُوجَدُ تَرْجِيحٌ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالرَّاجِحُ فِي شَرِيكِ الْمَرَضِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْقَسَامَةُ وَيَثْبُتُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، وَكُلُّ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَرَضُ قَبْلَ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الْجَارِحِ اتِّفَاقًا، وَقَالَ: وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الثَّلاَثُ الأْوَلُ فَالْقَوْلاَنِ فِيهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكٍ مُخْطِئٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مَنِ امْتَنَعَ قَوَدُهُ لِمَعْنًى فِيهِ إِذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا، فَلاَ يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ؛ لأِنَّ الزُّهُوقَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُهُ وَالآْخَرُ يَنْفِيهِ، فَغَلَبَ الْمُسْقِطُ.
وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الأْبِ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، وَعَلَى الأْبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، وَفَارَقَ شَرِيكُ الأْبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ فِي فِعْلِ الْخَاطِئِ وَالْفِعْلاَنِ مُضَافَانِ إِلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ وَاحِدٍ، وَشُبْهَةُ الأْبُوَّةِ فِي ذَاتِ الأْبِ لاَ فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَذَاتُ الأْبِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ الأْجْنَبِيِّ، فَلاَ تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا، وَكَانَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ أَبًا لِلْقَتِيلِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الأْبِ وَحْدَهُ، وَوَجَبَ عَلَى الآْخَرِينَ، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاتِلٌ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مُنْفَرِدًا، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ قِصَاصَ عَلَى الأْبِ وَلاَ عَلَى شُرَكَائِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ جَمِيعًا، فَلاَ يَخْتَلِفُ وَصْفُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الآْخَرِ، وَمَا دَامَ قَدْ سَقَطَ عَنْ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الْبَاقِينَ.
وَمِثْلُ الأَبِ هُنَا كُلُّ مَنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ فِي السَّبَبِ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، كَالذِّمِّيِّ مَعَ الْمُسْلِمِ، وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، فَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَعَاقِلٌ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمْ جَمِيعًا فِي الأْصَحِّ؛ لأِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَقَطْ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ.
قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَوَاطَأَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ مَعْصُومِ الدَّمِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ يُقْتَلُونَ بِالْفَرْدِ الَّذِي تَمَّ التَّوَاطُؤُ عَلَى قَتْلِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلاً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوَاطُؤ ف 7).
وَلِيُّ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ:
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلاً؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حَقَّهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ، انْتَقَلَ الْقِصَاصُ إِلَى الْوَرَثَةِ عَلَى سَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ بَيْنَهُمْ، كُلٌّ مِنْهُمْ حَسَبَ حِصَّتِهِ فِي التَّرِكَةِ، يَسْتَوِي فِيهِمُ الْعَاصِبُ وَصَاحِبُ الْفَرْضِ، وَالذَّكَرُ وَالأْنْثَى، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَإِذَا مَاتَ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، أَوْ مَاتَ لاَ عَنْ تَرِكَةٍ فَالْقِصَاصُ لِوَرَثَتِهِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَرِثُوا شَيْئًا؛ لأِنَّ فِيهِمْ قُوَّةَ الإْرْثِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ زَائِدٌ عَنِ الدَّيْنِ لَوَرِثُوهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِصَاصِ هُوَ التَّشَفِّي، وَأَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ، وَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ، فَكَانَ حَقًّا لَهُمُ ابْتِدَاءً، وَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ لاَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِيهِ حَقًّا حَتَّى يَسْقُطَ بِعَفْوِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لِعَصَبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الذُّكُورِ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَةً بِالنَّسَبِ كَالاِبْنِ، أَوْ بِالسَّبَبِ كَالْوَلاَءِ، فَلاَ دَخْلَ فِيهِ لِزَوْجٍ وَلاَ أَخٍ لأِمٍّ أَوْ جَدٍّ لأِمٍّ، يُقَدَّمُ فِيهِ الاِبْنُ ثُمَّ ابْنُ الاِبْنِ، وَيُقَدَّمُ الأْقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى الأْبْعَدِ، إِلاَّ الْجَدُّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَعَ الإْخْوَةِ بِخِلاَفِ الأْبِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَصَبَةِ هُنَا الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لاِشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِيهِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّهُ عَصَبَتُهُ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ:
الأْوَّلُ: أَنْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، كَالْبِنْتِ وَالأْخْتِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يُسَاوِيَهُنَّ عَاصِبٌ، فَإِنْ سَاوَاهُنَّ فَلاَ قِصَاصَ لَهُنَّ، كَالْبِنْتِ مَعَ الاِبْنِ، وَالأْخْتِ مَعَ الأْخِ، فَإِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُمَا فِي الْقِصَاصِ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِلاِبْنِ وَحْدَهُ، وَلِلأْخِ وَحْدَهُ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْوَارِثَةُ مِمَّنْ لَوْ ذُكِّرَتْ عُصِّبَتْ، كَالْبِنْتِ وَالأْخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لأِبٍ، فَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْجَدَّةُ لأِمٍّ وَالأْخْتُ لأِمٍّ.. فَلاَ قِصَاصَ لَهُنَّ مُطْلَقًا.
فَإِذَا كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَارِثٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَعَصَبَتُهُ مِنَ الرِّجَالِ أَبْعَدُ مِنْهُنَّ، كَانَ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَهُنَّ وَلِلْعَصَبَةِ الأْبْعَدِ مِنْهُنَّ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الأْوْلِيَاءِ الْمُنْفَرِدِينَ وَالْمُتَعَدِّدِينَ تَوْكِيلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (وَكَالَةٌ).
وَلِلأْبِ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَنِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِوِلاَيَتِهِ عَلَيْهِ، أَمَّا غَيْرُ الأْبِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّفْسِ كَالأْخِ وَالْعَمِّ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. أَمَّا الْوَصِيُّ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عَنِ الْقَاصِرِ الْمَشْمُولِ بِوِصَايَتِهِ؛ لأِنَّ الْوِصَايَةَ عَلَى الْمَالِ فَقَطْ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لاَ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ عَمَّنْ يَلِي عَلَيْهِ، أَبًا أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ وَلاَ عَصَبَةٌ، كَانَ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِوِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لاَ وِلاَيَةَ لِلسُّلْطَانِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: حَقُّ الْقِصَاصِ لِلسُّلْطَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ.
طَرِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ:
- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِ الطَّرِيقَةِ وَالآْلَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا، لقوله تعالى : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقَةُ مُحَرَّمَةً، كَأَنْ يَثْبُتَ الْقَتْلُ بِخَمْرٍ فَيُقْتَصَّ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِلِوَاطٍ أَوْ بِسِحْرٍ فَيُقْتَصَّ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَكَذَا فِي الأْصَحِّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَمْرِ بِإِيجَارِهِ مَائِعًا كَخَلٍّ أَوْ مَاءٍ، وَفِي اللِّوَاطِ بِدَسِّ خَشَبَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ آلَتِهِ وَيُقْتَلُ بِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْعُنُقِ مَهْمَا كَانَتِ الآْلَةُ وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي قَتَلَ بِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ»، وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ هُنَا السِّلاَحُ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ السِّكِّينُ وَالْخَنْجَرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
- وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إِلاَّ بِإِذْنِ الإْمَامِ فِيهِ لِخَطَرِهِ؛ وَلأِنَّ وُجُوبَهُ يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ لاِخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَالاِسْتِيفَاءِ، لَكِنْ يُسَنُّ حُضُورُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ لاَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ بِدُونِ إِذْنِ السُّلْطَانِ جَازَ، وَيُعَزَّرُ لاِفْتِئَاتِهِ عَلَى الإْمَامِ.
اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ:
يُشْتَرَطُ لاِسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ لَهُ طَلَبَ الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءَهُ، فَإِنْ طَلَبَهُ أُجِيبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ وَاحِدًا أُجِيبَ إِلَيْهِ إِذَا طَلَبَهُ مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ أُجِيبُوا إِلَيْهِ إِذَا طَلَبُوهُ جَمِيعًا، فَإِذَا أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ - كَمَا تَقَدَّمَ -
فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ قَاصِرًا، أَوْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ بَعْضُهُمْ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ نَاقِصَ الأْهْلِيَّةِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي الظَّاهِرِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ حَتَّى يَكْبَرَ، وَالْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا يَعْفُو فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ الْقِصَاصَ عِنْدَهُمْ يَثْبُتُ لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عَلَى سَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ؛ وَلأِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إِلَى خِيرَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلاَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى الْبُلُوغِ وَالإْفَاقَةِ، وَلاَ يُخَلَّى بِكَفِيلٍ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَهْرُبُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ لِكَامِلِي الأْهْلِيَّةِ وَحْدَهُمْ حَقُّ طَلَبِ الْقِصَاصِ، لأِنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَامِلاً - عِنْدَهُ - عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِقْلاَلِ، فَإِذَا طَلَبُوهُ أُجِيبُوا إِلَيْهِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالآْخَرِينَ نَاقِصِي الأْهْلِيَّةِ؛ لأِنَّ عَفْوَهُمْ لاَ يَصِحُّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْتَظَرُ صَغِيرٌ لَمْ يَتَوَقَّفِ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُنْتَظَرُ مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ لاَ تُعْلَمُ إِفَاقَتُهُ بِخِلاَفِ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَتُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ.
فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الأْوْلِيَاءِ كَامِلِي الأْهْلِيَّةِ غَائِبًا انْتُظِرَتْ عَوْدَتُهُ بِالاِتِّفَاقِ؛ لأِنَّ لَهُ الْعَفْوَ فَيَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ؛ وَلأِنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي كَمَا سَبَقَ.
زَمَانُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ:
- إِذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ بِشُرُوطِهِ جَازَ لِلْوَلِيِّ اسْتِيفَاؤُهُ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لأِنَّهُ حَقُّهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعَدُّ مُسْتَحِقًّا لَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَرَحَهُ جُرْحًا نَافِذًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا شُفِيَ مِنْ جُرْحِهِ فَلاَ قِصَاصَ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإِذَا مَاتَ ثَبَتَ الْقِصَاصُ فَيُسْتَوْفَى فَوْرًا.
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُعَافًى أَوْ مَرِيضًا، وَسَوَاءٌ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ بَارِدًا أَوْ حَارًّا؛ لأِنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْمَوْتُ، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَوْتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا كَانَ امْرَأَةً حَامِلاً يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ حَتَّى تَلِدَ، حِفَاظًا عَلَى سَلاَمَةِ الْجَنِينِ وَحَقِّهِ فِي الْحَيَاةِ، بَلْ إِنَّهَا تُنْظَرُ إِلَى الْفِطَامِ أَيْضًا إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا لإِرْضَاعِهِ، فَإِذَا ادَّعَتِ الْحَمْلُ وَشَكَّ فِي دَعْوَاهَا أُرِيَتِ النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ حَامِلٌ أُجِّلَتْ، ثُمَّ إِنْ ثَبَتَ حَمْلُهَا حُبِسَتْ حَتَّى تَلِدَ وَإِنْ قُلْنَ: غَيْرُ حَامِلٍ اقْتُصَّ مِنْهَا فَوْرًا.
مَكَانُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ:
لَيْسَ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا الْتَجَأَ الْجَانِي إِلَى الْحَرَمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، إِذَا لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ، فَإِنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَقُتِلَ خَارِجَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُخْرَجُ مِنْهُ وَلاَ يُقْتَلُ فِيهِ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ عَنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ.
هَذَا مَا دَامَتِ الْجِنَايَةُ وَقَعَتْ خَارِجَ الْحَرَمِ فِي الأْصْلِ، فَإِذَا كَانَتْ وَقَعَتْ فِي الْحَرَمِ أَصْلاً، جَازَ الاِقْتِصَاصُ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ وَخَارِجَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
مَا يَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ:
يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِأُمُورٍ، هِيَ:
أ - فَوَاتُ مَحَلِّ الْقِصَاصِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ لاَ يَرِدُ عَلَى مَيِّتٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ قَدْ حَصَلَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِقَتْلِ آخَرَ لَهُ بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا إِذَا قَتَلَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عُدْوَانًا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ مَعَ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الأْوَّلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي لأِوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الأْوَّلِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَتَجِبُ الدِّيَةُ لأِوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الأْوَّلِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الثَّانِي.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 246
كَسْرٌ
التَّعْرِيفُ:
مِنْ مَعَانِي الْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ: قَوْلُهُمْ كَسَرَ الشَّيْءَ: إِذَا هَشَّمَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَجْزَائِهِ، وَالْكَسْرُ مِنَ الْحِسَابِ جُزْءٌ غَيْرُ تَامٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَاحِدِ كَالنِّصْفِ وَالْخُمُسِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: الْكَسْرُ فَصْلُ الْجِسْمِ الصُّلْبِ بِدَفْعِ دَافِعٍ قَوِيٍّ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ جِسْمٍ فِيهِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقَطْعُ:
الْقَطْعُ إِبَانَةُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجِرْمِ مِنْ بَعْضٍ فَصْلاً.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ فَصْلُ الْجِسْمِ بِنُفُوذِ جِسْمٍ آخَرَ فِيهِ. فَالْكَسْرُ أَعَمُّ وَالْقَطْعُ أَخَصُّ.
ب - الْجُرْحُ:
الْجُرْحُ مِنْ جَرَحَهُ جُرْحًا: أَثَّرَ فِيهِ بِالسِّلاَحِ.
فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْكَسْرِ.
ج - الشَّجَّةُ:
الشَّجَّةُ: الْجُرْحُ فِي الْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ خَاصَّةً، وَلاَ يَكُونُ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْجِسْمِ.
فَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْكَسْرِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَسْرِ:
حُكْمُ كَسْرِ الْعَظْمِ:
كَسْرُ عَظْمِ مَحْقُونِ الدَّمِ بِالإْسْلاَمِ أَوِ الذِّمَّةِ أَوِ الْعَهْدِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا مَحْظُورٌ، كَحُرْمَةِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إِجْمَاعًا.
مَا يَجِبُ فِي كَسْرِ عَظْمِ الآْدَمِيِّ:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي كَسْرِ السِّنِّ عَمْدًا، إِذَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقِصَاصِ، وَأُمِنَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَكْسُورِ، أَوِ انْقِلاَعِ السِّنِّ، أَوِ اسْوِدَادِ مَا بَقِيَ مِنْهُ، أَوِ احْمِرَارِهِ، لقوله تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأْنْفَ بِالأْنْفِ وَالأْذُنَ بِالأْذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنَ الزِّيَادَةِ فَلاَ قَوَدَ، وَيَجِبُ فِيهِ الأْرْشُ؛ لأِنَّ تَوَهُّمَ الزِّيَادَةِ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ (ر: أَرْشٌ، ف 4 وَمَا بَعْدَهَا).
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهَا مِنَ الْعِظَامِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ لاَ قَوَدَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ؛ لِعَدَمِ وُثُوقِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا. (ر: قِصَاصٌ).
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجْرِي فِيهَا الْقَوَدُ كَسَائِرِ جِرَاحَاتِ الْجِسْمِ، إِلاَّ مَا عَظُمَ خَطَرُهُ مِنْهَا، كَعَظْمِ الصَّدْرِ، وَالصُّلْبِ، وَعِظَامِ الْعُنُقِ وَالْفَخِذِ، أَمَّا مَا لاَ خَطَرَ فِي إِجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِيهِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، كَالزَّنْدَيْنِ، وَالذِّرَاعَيْنِ، وَالْعَضُدَيْنِ، وَالسَّاقَيْنِ، وَنَحْوِهَا.
دِيَةُ كَسْرِ الْعَظْمِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ، وَهِيَ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ أَوِ الْمُحَكَّمُ بِشَرْطِهِ. (ر: حُكُومَةُ عَدْلٍ ف 4).
وَاسْتَثْنَوْا مِنْهَا السِّنَّ، فَفِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ لِلنَّصِّ (ر: سِنٌّ. ف 10).
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: التَّرْقُوَتَيْنِ، وَالزَّنْدَيْنِ، وَالضِّلْعَ، فَفِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، قَالُوا: وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبَ الْحُكُومَةِ فِي الْعِظَامِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُ لآِثَارٍ وَرَدَتْ فِي هَذِهِ الأْعْظُمِ، وَمَا عَدَاهَا يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، فَيَجِبُ فِي الزَّنْدَيْنِ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَفِي كَسْرِ السَّاقِ بَعِيرَانِ، وَفِي السَّاقَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْفَخِذِ بَعِيرَانِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَجِبْ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ قِصَاصٌ، وَبَرِئَ وَعَادَ الْعُضْوُ لِهَيْئِهِ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ بَرِئَ وَفِيهِ اعْوِجَاجٌ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ، (ر: دِيَاتٌ ف 63 - ف 68، حُكُومَةُ عَدْلٍ ف 4).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 13
مَأْمُومَةٌ
التَّعْرِيفُ :
- الْمَأْمُومَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ، وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ، وَيُقَالُ لَهَا: آمَّةٌ أَيْضًا، قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: إِنَّمَا قِيلَ لِلشَّجَّةِ: آمَّةٌ وَمَأْمُومَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَاتِ أَمٍّ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَجَمْعُهَا أَوَامُّ وَمَأْمُومَاتٌ وَمَآمِيمُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
الشَّجَّةُ :
- الشَّجَّةُ فِي اللُّغَةِ: الْجِرَاحَةُ فِي الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ، وَالشَّجَجُ أَثَرُ الشَّجَّةِ فِي الْجَبِينِ، وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ الشَّجَّةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ: أَنَّ الشَّجَّةَ أَعَمُّ مِنَ الْمَأْمُومَةِ؛ لأِنَّ الْمَأْمُومَةَ وَاحِدَةٌ مِنْ شِجَاجِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ :
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ».
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 68، وَشِجَاجٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا).
مُتَلاَحِمَةٌ
التَّعْرِيفُ :
الْمُتَلاَحِمَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَلاَحَمَتِ الشَّجَّةُ إِذَا أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ، أَوْ تَلاَحَمَتْ إِذَا بَرَأَتْ وَالْتَحَمَتْ، قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الْمُتَلاَحِمَةُ مِنَ الشِّجَاجِ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ وَلاَ تَصْدَعُ الْعَظْمَ، ثُمَّ تَلْتَحِمُ بَعْدَ شَقِّهَا، وَقِيلَ: الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ وَلَمْ تَبْلُغِ السِّمْحَاقَ (أَيِ الْقِشْرَةَ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ).
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِمَا يَقْرُبُ مِنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُتَلاَحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ فَتَقْطَعُهُ كُلَّهُ ثُمَّ يَتَلاَحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَلْتَئِمُ وَيَتَلاَصَقُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلاً عَلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ وَتُسَمَّى أَيْضًا مُلاَحِمَةً.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ الَّتِي غَاصَتْ فِي اللَّحْمِ بِتَعَدُّدِ أَيْ يَمِينًا وَشِمَالاً وَلَمْ تَقْرُبْ لِلْعَظْمِ، فَإِنِ انْتَفَى التَّعَدُّدُ فَبَاضِعَةٌ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
- الْحَارِصَةُ وَالدَّامِعَةُ وَالدَّامِيَةُ وَالْبَاضِعَةُ وَالسِّمْحَاقُ كُلُّهَا شِجَاجٌ لَمْ تَصِلْ إِلَى الْعَظْمِ وَتَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، يَخْتَلِفُ مِقْدَارُ الشَّجَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَنِ الآْخَرِ.
وَتَشْتَرِكُ هَذِهِ الشِّجَاجُ مَعَ الْمُتَلاَحِمَةِ مِنَ الْحُكْمِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا حُكُومَةَ عَدْلٍ وَلاَ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ :
- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُتَلاَحِمَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ السِّكِّينُ، كَمَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ لأِنَّهَا لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَلاَ يُمْكِنُ إِهْدَارُهَا، فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُتَلاَحِمَةِ وَأَخَوَاتِهَا مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إِذَا كَانَتْ عَمْدًا، وَذَلِكَ بِالْقِيَاسِ طُولاً وَعَرْضًا وَعُمْقًا.
وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَيَسَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، لِظَاهِرِ قوله تعالي : ( وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إِنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، لأِنْ يُمْكِنَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ، وَلاَ خَوْفُ التَّلَفِ كَالْجَائِفَةِ، فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ ثُمَّ يَتَّخِذُ حَدِيدَةً بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ بِهَا مِقْدَارَ مَا قَطَعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ.
وَلِتَفْصِيلِ أَحْكَامِ الْمُتَلاَحِمَةِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الشِّجَاجِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (شِجَاجٌ ف 6).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاثون ، الصفحة / 315
مُوضِحَةٌ
التَّعْرِيفُ:
- الْمُوضِحَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنَ الْوُضُوحِ يُقَالُ:
وَضَحَ الشَّيْءُ وُضُوحًا انْكَشَفَ وَانْجَلَى، وَاتَّضَحَ كَذَلِكَ.
وَالْمُوضِحَةُ مِنَ الشِّجَاجِ: الَّتِي بَلَغَتِ الْعَظْمَ فَأَوْضَحَتْ عَنْهُ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَقْشُرُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ أَوْ تَشُقُّهَا حَتَّى يَبْدُوَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الشِّجَاجُ:
- الشِّجَاجُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ شَجَّةٍ، وَالشَّجَّةُ: الْجِرَاحُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ.
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ الشِّجَاجِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالشِّجَاجِ: أَنَّ الْمُوضِحَةَ نَوْعٌ مِنَ الشِّجَاجِ.
ب - الْبَاضِعَةُ:
- الْبَاضِعَةُ فِي اللُّغَةِ: الشَّجَّةُ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ وَتَقْطَعُ الْجِلْدَ وَلاَ تَبْلُغُ الْعَظْمَ وَلاَ يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ.
وَالْبَاضِعَةُ اصْطِلاَحًا: هِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ شَقًّا خَفِيفًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْبَاضِعَةِ: أَنَّ الْمُوضِحَةَ مِنَ الشِّجَاجِ الَّتِي تَبْلُغُ الْعَظْمَ وَتُظْهِرُهُ، وَأَمَّا الْبَاضِعَةُ فَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَلاَ تَبْلُغُ الْعَظْمَ وَلاَ تُظْهِرُهُ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُوضِحَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُوضِحَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِيهَا الْقِصَاصُ إِذَا كَانَ عَمْدًا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) وَلأِنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلاَ زِيَادَةٍ لاِنْتِهَائِهِ إِلَى عَظْمٍ، أَشْبَهَ قَطْعَ الْكَفِّ مِنَ الْكُوعِ، وَلأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إِلَى عَظْمٍ لَسَقَطَ حُكْمُ الآْيَةِ.
غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ يَرَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَّ بِالْمُوضِحَةِ عُضْوٌ آخَرُ كَالْبَصَرِ فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَهُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا.
ب - كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ
- لاَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ بِالآْلَةِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإْحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» بَلْ يُسْتَوْفَى بِالْمُوسَى أَوْ حَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ لاَ يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ.
وَلاَ يَسْتَوْفِي ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ كَالْجَرَائِحِيِّ وَمَنْ أَشْبَهَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ عِلْمٌ بِذَلِكَ أَمَرَ بِالاِسْتِنَابَةِ.
وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ فِي الْمُوضِحَةِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ يُنْظَرُ، إِنْ زَادَ بِاضْطِرَابِ الْجَانِي فَلاَ غُرْمَ، وَإِنْ زَادَ عَمْدًا اقْتُصَّ مِنْهُ فِي الزِّيَادَةِ وَلَكِنْ بَعْدَ انْدِمَالِ الْمُوضِحَةِ الَّتِي فِي رَأْسِهِ، وَإِنْ آلَ الأْمْرُ إِلَى الْمَالِ أَوْ أَخْطَأَ بِاضْطِرَابِ يَدِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ، وَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَحَدُهُمَا: يُوَزَّعُ الأْرْشُ عَلَيْهِمَا فَيَجِبُ قِسْطُ الزِّيَادَةِ، وَأَصَحُّهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: يَجِبُ أَرْشٌ كَامِلٌ.
وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ: أَخْطَأْتُ بِالزِّيَادَةِ، فَقَالَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ: بَلْ تَعَمَّدْتَهَا صُدِّقَ الْمُقْتَصُّ بِيَمِينِهِ.
- وَإِذَا أَرَادَ الاِسْتِيفَاءَ مِنْ مُوضِحَةٍ وَشِبْهِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِهَا شَعْرٌ حَلَقَهُ.
وَيَعْمِدُ إِلَى مَوْضِعِ الشَّجَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ طُولَهَا بِخَشَبَةِ أَوْ خَيْطٍ، وَيَضَعُهَا عَلَى رَأْسِ الشَّاجِّ، وَيُعَلِّمُ طَرَفَيْهِ بِخَطِّ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَأْخُذُ حَدِيدَةً عَرْضُهَا كَعَرْضِ الشَّجَّةِ، فَيَضَعُهَا فِي أَوَّلِ الشَّجَّةِ وَيَجُرُّهَا إِلَى آخِرِهَا مِثْلِ الشَّجَّةِ طُولاً وَعَرْضًا، وَلاَ يُرَاعِي الْعُمْقَ لأِنَّ حَدَّهُ الْعَظْمُ.
وَلاَ يُوضِحُ بِالسَّيْفِ لأِنَّهُ لاَ تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ.
وَكَذَا لَوْ أَوْضَحَ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْحَدِيدَةِ.
وَإِنْ أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَرَأْسَاهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمِسَاحَةِ، أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ اسْتَوْعَبْنَاهُ إِيضَاحًا، وَلاَ يُكْتَفَى بِهِ، وَلاَ نُتْمِمْهُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْقَفَا لأِنَّهُمَا غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، بَلْ يُؤْخَذُ قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ الْمُوضِحَةِ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا.
وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ لَمْ يُوضَحْ جَمِيعُهُ، بَلْ يُقَدِّرُهُ بِالْمِسَاحَةِ، وَالاِخْتِيَارُ فِي مَوْضِعِهِ إِلَى الْجَانِي.
وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ يَسْتَوْفِيَ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَبَعْضَهُ مِنْ مُؤَخِّرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لأِنَّهُ يَأْخُذُ مُوضِحَتَيْنِ بَدَلَ مُوضِحَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْبَعْضَ وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ قِسَطَهُ مِنَ الأَرْشِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
ج - أَرْشُ الْمُوضِحَةِ
- فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ إِنْ كَانَتْ خَطَأً.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ، فَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه: «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ».
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (دِيَاتٌ ف65).
د - شُمُولُ الْمُوضِحَةِ لِلرَّأْسِ وَالْوَجْهِ
- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ رضي الله عنهما وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقُ لِعُمُومِ الأْحَادِيثِ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما: «الْمُوضِحَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ»، فَكَانَ أَرْشُهَا خَمْسًا مِنَ الإْبِلِ كَغَيْرِهَا، وَلاَ عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الشَّيْنِ بِدَلِيلِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فِي الأْرْشِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مُوضِحَةُ الرَّأْسِ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْوَجْهِ، إِلاَّ إِذَا تَشَيَّنَ الْوَجْهُ فَيُزَادُ فِيهَا لِشَيْنِهَا.
وَإِذَا كَانَتِ الْمُوضِحَةُ فِي الأْنْفِ أَوْ فِي اللَّحْيِ الأْسْفَلِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، لأِنَّهَا تَبْعُدُ مِنَ الدِّمَاغِ فَأَشْبَهَتْ مُوضِحَةَ سَائِرِ الْبَدَنِ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ مُوضِحَةَ الْوَجْهِ تُضَعَّفُ عَلَى مُوضِحَةِ الرَّأْسِ، فَتَجِبُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ عَشْرٌ مِنَ الإْبِلِ لأِنَّ شَيْنَهَا أَكْثَرُ، فَمُوضِحَةُ الرَّأْسِ يَسْتُرُهَا الشَّعْرُ وَالْعِمَامَةُ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (دِيَاتٌ ف65).
وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالْبَارِزَةِ وَالْمَسْتُورَةِ بِالشَّعْرِ، لأِنَّ الْمُوضِحَةَ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَحَدُّ الْمُوضِحَةِ مَا أَفْضَى إِلَى الْعَظْمِ وَلَوْ بِقَدْرِ إِبْرَةٍ.
وَإِنْ شَجَّهُ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً بَعْضُهَا مُوضِحَةٌ وَبَعْضُهَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ، لأِنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ الْجَمِيعَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ، فَلأِنْ لاَ يَلْزَمُهُ فِي الإْيضَاحِ فِي الْبَعْضِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى.
هـ - مُوضِحَةُ غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ
- لَيْسَ فِي غَيْرِ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مُقَدَّرٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لأِنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِرَاحَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ.
وَقَوْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشِدِينَ: «الْمُوضِحَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَاقِيَ الْجَسَدِ بِخِلاَفِهِ، وَلأِنَّ الشَّيْنَ فِيمَا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ أَكْثَرُ وَأَخْطَرُ مِمَّا فِي سَائِرِ الْبَدَنِ، فَلاَ يُلْحَقُ بِهِ.
ثُمَّ إِيجَابُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَجِبَ فِي مُوضِحَةِ الْعُضْوِ أَكْثَرُ عَنْ دِيَتِهِ، مِثْلُ أَنْ يُوضِحَ أُنْمُلَةً دِيَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَثُلُثٌ، وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ الْمُوضِحَةَ تَكُونُ فِي الْجَسَدِ أَيْضًا، وَقَالَ الأْوْزَاعِيُّ فِي جِرَاحَةِ الْجَسَدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ جِرَاحَةِ الرَّأْسِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: فِي الْمُوضِحَةِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا.
و - تَعَدِّي شَيْنِ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ:
إِنْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَجَرَّ السِّكِّينَ إِلَى قَفَاهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجَرِّ الْقَفَا، لأِنَّ الْقَفَا لَيْسَ بِمَوْقِعٍ لِلْمُوضِحَةِ.
وَإِنْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَجَرَّهَا إِلَى وَجْهِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ، لأِنَّ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ سَوَاءٌ فِي الْمُوضِحَةِ، فَصَارَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، وَالثَّانِي: هُمَا مُوضِحَتَانِ لأِنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَنَزَلَ إِلَى الْقَفَا.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ لأِنَّهُمَا مُوضِحَتَانِ، فَإِنْ أَزَالَ الْحَاجِزَ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَجَبَ أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ، لأِنَّهُ صَارَ الْجَمِيعُ بِفِعْلِهِ مُوضِحَةً، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْضَحَ الْكُلَّ مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ يَبْقَى بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ انْدَمَلَتَا ثُمَّ أَزَالَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ ثَلاَثِ مَوَاضِحَ، لأِنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَرْشُ الأْولَيَيْنِ بِالاِنْدِمَالِ، ثُمَّ لَزِمَتْهُ دِيَةُ الثَّالِثَةِ.
وَإِنْ تَآكَلَ مَا بَيْنَهُمَا قَبْلَ انْدِمَالِهِمَا فَزَالَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ وَاحِدَةٍ، لأِنَّ سِرَايَةَ فِعْلِهِ كَفِعْلِهِ.
وَإِنِ انْدَمَلَتْ إِحْدَاهُمَا وَزَالَ الْحَاجِزُ بِفِعْلِهِ أَوْ سِرَايَةِ الأْخْرَى فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ.
وَإِنْ أَزَالَ الْحَاجِزَ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الأْوَّلِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مُوضِحَةٍ، لأِنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لاَ يُبْنَى عَلَى فِعْلِ الآْخَرِ، فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ.
وَإِنْ أَزَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى الأْوَّلِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ لأِنَّ مَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ لاَ يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.
وَإِنِ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْجَانِي: أَنَا شَقَقْتُ مَا بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ أَنَا، أَوْ أَزَالَهَا آخَرُ سِوَاك، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لأِنَّ سَبَبَ أَرْشِ الْمُوضِحَتَيْنِ قَدْ وُجِدَ، وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَالأْصْلُ مَعَهُ.
وَإِنْ أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ ثُمَّ قَطَعَ اللَّحْمَ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي الْبَاطِنِ، وَتَرَكَ الْجِلْدَ الَّذِي فَوْقَهُمَا فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ لاِنْفِصَالِهِمَا فِي الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي: أَرْشُ مُوضِحَةٍ لاِتِّصَالِهِمَا فِي الْبَاطِنِ.
وَإِنْ جَرَحَهُ جِرَاحًا وَاحِدَةً، وَأَوْضَحَهُ فِي طَرَفَيْهَا، وَبَاقِيهَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ، لأِنَّ مَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِمُوضِحَةٍ.
ز - الْوَكَالَةُ بِالصُّلْحِ عَلَى الْمُوضِحَةِ
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: إِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، فَصَالَحَ عَلَى مُوضِحَتَيْنِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا وَضَمِنَ جَازَ، عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ النِّصْفُ، سَوَاءٌ مَاتَ أَوْ عَاشَ، لأِنَّهُ فِي أَحَدِ الْمُوضِحَتَيْنِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الأْخْرَى مُتَبَرِّعٌ بِالصُّلْحِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
فَإِنْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ ادَّعَاهَا قِبَلَ فُلاَنٍ فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا جَازَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهَا، لأِنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ مُسْقِطُ الْحَقِّ بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إِسْقَاطُهُ بِقَدْرِ مَا أَمَرَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، فَلاَ يَصِحُّ إِسْقَاطُهُ أَصْلاً.
وَلَوْ وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلاً بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْوَكِيلُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ سِنِينَ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، لأِنَّ تَسْمِيَةَ خِدْمَةِ عَبْدِهِ كَتَسْمِيَةِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ، وَذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ مَنْفَعَةِ عَبْدِهِ، فَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ.
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ فَهُوَ عَفْوٌ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الآْمِرِ وَلاَ عَلَى الْوَكِيلِ، لأِنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْمَالُ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ لاَ يَجِبُ شَيْءٌ كَالطَّلاَقِ.
وَإِذَا شَجَّ رَجُلاَنِ رَجُلاً مُوضِحَةً فَوَكَّلَ وَكِيلاً يُصَالِحُ مَعَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ - كَمَا لَوْ بَاشَرَ الصُّلْحَ بِنَفْسِهِ - وَعَلَى الآْخَرِ نِصْفُ الأْرْشِ، لأِنَّ الْوَاجِبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الأْرْشِ دُونَ الْقَوَدِ، فَإِنَّ الاِشْتِرَاكَ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ: أَنْ صَالِحْ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهمَا هُوَ فَهُوَ جَائِزٌ، لأِنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَمِثْلُهَا لاَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ، ثُمَّ الرَّأْيُ إِلَى الْوَكِيلِ يُصَالِحُ أَيَّهمَا شَاءَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّاجُّ وَاحِدًا وَالْمَشْجُوجُ اثْنَيْنِ، فَوَكَّلَ وَكِيلاً بِالصُّلْحِ عَنْهُمَا، فَصَالَحَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّهِ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ: هُوَ فُلاَنٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لأِنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ صَالَحَ مَعَهُ وَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَإِلَيْهِ تَعْيِينُ مَا بَاشَرَ مِنَ الْعَقْدِ، لأِنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلتَّعْيِينِ فِي الاِبْتِدَاءِ فَكَذَا فِي الاِنْتِهَاءِ يَصِحُّ تَعْيِينُهُ.
وَإِذَا اشْتَرَكَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فِي مُوضِحَةٍ شَجَّاهَا رَجُلاً، فَوَكَّلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ وَكِيلاً، فَصَالَحَ عَنْهُمَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَعَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفُ ذَلِكَ، قَلَّتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ كَثُرَتْ، وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُهُ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مُطَالَبًا بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ شَجَّهَا إِيَّاهُ رَجُلٌ، فَصَالَحَ عَلَى الْمُوضِحَةِ الَّتِي شَجَّهَا فُلاَنٌ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ جَائِزٌ، لأِنَّهُ عَرَّفَهَا بِالإْضَافَةِ إِلَى فُلاَنٍ، وَمَحَلُّ فِعْلِ فُلاَنٍ مَعْلُومٌ مُعَايَنٌ فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنِ الإْشَارَةِ إِلَيْهِ.