1 ـ ولما كان حق الدفاع الشرعي عن النفس قد شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره ، وكان من المقرر أن حق الدفاع الشرعي عن المال ينشأ كلما وُجِد اعتداء أو خطر اعتداء بفعل يعتبر جريمة من الجرائم التي أوردتها الفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوباتومنها جريمة انتهاك حرمة ملك الغير . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قضى بإدانة الطاعنين دون أن يعرض للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، أو يرد عليه بما يفنده مع أنه من الدفوع الجوهرية التي ينبغي على المحكمة أن تناقشها فى حكمها وترد عليها ، إذ إنه من شأن هذا الدفع – لو صح – أن يؤثر فى مسئولية الطاعنين وفي إغفال المحكمة التحدث عنه ما يجعل حكمها مشوباً بالقصور فى التسبيب ، فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع .
(الطعن رقم 16181 لسنة 69 جلسة 2007/10/02 س 58 ص 536 ق 104)
2 ـ لما كانت المادة 246 من قانون العقوبات بعد أن قننت حق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ، جاءت المادة 247 من ذات القانون ونصت على أنه : " وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون فى الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية " ، وهو ما يعني أن استطاعة الاستعانة بالسلطات العمومية لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع ، ويتضح بذلك أن للدفاع الشرعى صفة احتياطية باعتباره لا محل له إلا عند عجز السلطات العمومية عن حماية الحق، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن واطرح فى منطق سائغ دعواه أنه كان فى حالة دفاع شرعي وخلص إلى أن الثابت من ظروف الدعوى أنها كانت تسمح للطاعن وفريقه اللجوء للشرطة وإخطارها بقيام المجني عليه ومن معه بتشوين الطوب بأرضهم وأن الوقت والزمن يسمح لهم بذلك دون إهدار لحقوقهم الثابتة بالمستندات والتي تخول الشرطة التدخل لصالحهم ، وكانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم فى مدوناته ترشح لما انتهى إليه فى هذا الشأن ، فإن ذلك ينطوي على انتفاء حالة الدفاع الشرعي بجميع صوره المبينة فى القانون ، وإذ كان من المقرر أن حق قاضى الدعوى فى تقدير ما إذا كان من استعمل القوة للدفاع عن المال فى إمكانه أن يركن فى الوقت المناسب إلى رجال السلطة ، وفي تقدير ما إذا كان ممكناً له أن يمنع الاعتداء الواقع على المال بطريقة أخرى غير القوة , على حسب ما يؤخذ من نص المادتين 246 ، 247 من قانون العقوبات مما يدخل فى سلطته المطلقة لتعلقه بتحصيل فهم الواقع فى الدعوى ، فيكفي لسلامة الحكم أن تبين المحكمة كيف كان صاحب الحق فى مقدوره دفع الاعتداء بالالتجاء للسلطة لتصل من ذلك إلى القول بأن ارتكاب صاحب المال للجناية التي وقعت منه لم يكن مبرر ، وهو ما لم يقصر الحكم فى تبيانه أو تقديره ، وإذ كان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى ، ولمحكمة الموضوع وحدها الفصل فيه بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليماً ويؤدي إلى ما انتهى إليه – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – ومن ثم فلا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة فى هذا الخصوص ، ويضحى ما يثيره بصدد الدفاع الشرعي لا محل له .
(الطعن رقم 18791 لسنة 65 جلسة 2005/03/06 س 56 ص 176 ق 25)
3 ـ لما كانت المادة 246 من قانون العقوبات قد أباحت حق الدفاع الشرعى عن المال لرد كل فعل يعتبر جريمة من الجرائم الواردة فى باب انتهاك حرمة ملك الغير ، وإذ كان المتهم قد تمسك أمام المحكمة وعلى ما يبين من محضر الجلسة بأنه إنما لجأ إلى القوة لرد المجنى عليه عن أرضه التى فى حيازته بعد أن دخلها عنوة لمنعه من الانتفاع بها ، كما حصل الحكم مؤدى هذا الدفع وكان الحكم قد أشار عند تحصيله أقوال الشاهد .......... والد المجنى عليه - التى عول عليها فى إدانة الطاعن - أنه لما توجه إلى حقله رفقة أولاده وجد أن أشجار تفاح قد زرعت به ولما هموا بإزالتها فوجئ بالمتهم وأشقائه ينهالون عليهم ضرباً ، فإنه لا يكفى للرد على هذا الدفاع قول الحكم أن الطاعن لم يزعم أن المجنى عليه هدده بالاعتداء عليه أو أنه اعتدى عليه بالفعل إذ كان لزاماً على المحكمة أن تبحث فيمن له الحيازة الفعلية على الأرض المتنازع عليها حتى إذا كانت للطاعن وأشقائه وكان المجنى عليه وشقيقاه ووالده هم الذين دخلوها بقصد منع حيازة الطاعن وأشقائه لها بالقوة فإنهم يكونوا قد ارتكبوا الجريمة المنصوص عليها فى المادة 369 من قانون العقوبات ويكون للطاعن الحق فى استعمال القوة اللازمة طبقاً للمادة 246 من ذلك القانون ، أما وإن المحكمة لم تفعل فقد بات حكمها منطوياً على الإخلال بحق الدفاع والقصور فى البيان .
(الطعن رقم 1505 لسنة 66 جلسة 1998/02/07 س 49 ص 179 ق 26)
4 ـ لما كان حق الدفاع الشرعى عن نفس قد شرع لرد أى أعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره ، وكان من المقرر أن حق الدفاع الشرعى عن المال ينشأ كلما وجد إعتداء أو خطر إعتداء بفعل يعبر جريمة من الجرائم التى أوردتها الفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات ومنها جرائم الحريق العمد والتخريب والتعييب والاتلاف وإنتهاك حرمة ملك الغير. لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بإدانة الطاعن دون أن يعرض للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى، أو يرد عليه بما يفنده مع أنه من الدفوع الجوهرية التى ينبغى على المحكمة أن تناقشها فى حكمها وترد عليها ، إذ أنه من شأن هذا الدفع - لو صح - أن يؤثر فى مسئولية الطاعن ، وفى إغفال المحكمة التحدث عنه ما يجعل حجمها مشوبا بالقصور فى التسبيب فضلاً عن إخلاله لحق الدفاع .
(الطعن رقم 19835 لسنة 64 جلسة 1996/10/15 س 47 ع 1 ص 1022 ق 145)
5 ـ من المقرر أن حق الدفاع الشرعى عن المال ينشأ كلما وجد اعتداء أو خطر اعتداء بفعل يعتبر جريمة من الجرائم التى أوردتها الفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات ومنها الجرائم الواردة فى باب انتهاك حرمة ملك الغير ، وإذ كان نص المادة 369 من قانون العقوبات الواردة فى هذا الباب قد جرى على أن" كل من دخل عقاراً فى حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو يقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله بوجه قانونى وبقي فيه بقصد ارتكاب شىء مما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنه أو بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصرى ...." وكان المقصود بالعقار فى هذه المادة كل مال ثابت غير ما ذكر فى المادة 370 التالية فيدخل فى ذلك الأراضى المعدة للبناء أما حيازة البيوت المسكونة أو المعدة للسكنى وملحقاتها والسفن المسكونة والمحال المعدة لحفظ المال فإنها محميه بالمادة 370 من قانون العقوبات وإذ كان مفاد نص المادة 369 من قانون العقوبات والفقرة الثانية من المادة 246 من من هذا القانون أنه يكفى لقيام هذا الحق مجرد دخول عقار - سواء كان أرضا زراعية أو ارضا فضاء - فى حيازة الغير بقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه أو البقاء فى العقار بقصد ارتكاب شىء من ذلك فإن الحكم يكون قد أورد قيدا على استعمال حق الدفاع الشرعى فى الحالة المتقدم ذكرها لم يرد بنص هاتين المادتين ، ولما كان الحكم قد أنطوى فيما ذهب إليه على فهم خاطىء لنظرية الدفاع الشرعى عن المال حجبه عن تقدير دفاع الطاعن فإنه يتعين نقضه .
(الطعن رقم 1830 لسنة 62 جلسة 1994/11/23 س 45 ص 1026 ق 160)
6 ـ من المقرر أن الدفاع الشرعى عن المال وفقاً للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح إستعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثانى " الحريق العمد " و الثامن " السرقة و الإغتصاب " و الثالث عشر " التخريب و التعيب و الإتلاف " و الرابع عشر " إنتهاك حرمة ملك الغير " من الكتاب الثالث من هذا القانون - الجنايات و الجنح التى تحصل لآحاد الناس - و فى المادة 4/379 المعدلة بالقانون 169 لسنة 1981 " الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهيأة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول و المادة 1/361 المعدلة بالقانونين 120 لسنة 1962 ، 29 لسنة 1983 " خرب أو أتلف عمداً أموالاً منقولة للغير " و المادة 4/379 و المعدلة بالقانون رقم 169 لسنة 1981 من ترك بهائمه أو دوابه ترعى فى أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع بغير حق - و إذ كانت الواقعة كما أوردها الحكم يبين منها أنه لصلة القربى التى تربط الطاعن بالمجنى عليهما أنابهما فى شراء قطعة أرض زراعية و بعد أن أتم المجنى عليهما ذلك ، راقت لهما فكرة غصب تلك الأطيان لزراعتها لحسابهما ، و إذ حقق ذلك نشب خلاف بينهما و بين الطاعن فى أحقية هذه الأطيان فى الملكية و المزارعة و قد تدخل أهل الثقه للصلح بينهم و بالفعل تم ذلك على أن يترك المجنى عليهما الأرض موضوع النزاع عليهما الأرض موضوع النزاع إلى الطاعن بعد جنى محصول الطماطم كما أن الثابت مما أورده الحكم أن الأرض موضوع النزاع كانت بعيدة عن مسرح الحادث و لم يكن هناك أى شبهة حول إنتهاك حرمة ملك الغير و أن الطاعن لا يدعى أن المجنى عليهما كانا قادمين لإرتكاب أى جريمة من الجرائم سالفة الذكر و من ثم ففى هذه الواقعة - لا يتوافر حق الدفاع الشرعى عن المال إذ أن ذلك ليس من بين الأفعال التى تصح المدافعة عنها قانوناً بإستعمال القوة فإن منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 7895 لسنة 60 جلسة 1991/11/03 س 42 ع 1 ص 1092 ق 153)
7 ـ من المقرر أن الدفاع الشرعى عن المال وفقاً للفقرة الثامنة من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح إستعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثانى " الحريق عمداً " و الثامن " السرقة و الإغتصاب " و الثالث عشر " التخريب و التعييب و الإتلاف " و الرابع عشر " إنتهاك حرمة ملك الغير " من الكتاب الثالث من هذا القانون - الجنايات و الجنح التى تحصل لآحاد الناس - و فى المادة 387 فقرة أولى " الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهيأة للزراعة أو مبدور فيها زرع أو محصول " و المادة 839 فقرة أولى " التسبب عمداً فى إتلاف منقول للغير " و ثالثه " رعى بغير حق مواشى أو تركها ترعى فى أرض محصول أو فى بستان ، و إذ كانت الواقعة كما أوردها الحكم يبين منها أن النزاع بين المجنىعليه و الطاعن هو فى جوهره نزاع على تجريف الأرض المتنازع على ملكيتها و منع المجنى عليه عمال الطاعن من رفع الأتربة منها ، و لما كان ما نسبه الطاعن إلى المجنى عليه من الإعتداء على حريته و عماله فى العمل بمنعهم من رفع الأتربة من الأرض دون أن ينسب إليه دخول العقار لمنع حيازته بالقوة أو بقصد إرتكاب جريمة فيه - لو صح أنه يكون الجريمة المنصوص عليها فى المادة 375 من قانون العقوبات الواردة فى الباب الخامس عشر من هذا القانون - لا يتوافر به حق الدفاع الشرعى عن المال إذ أن ذلك ليس من بين الأفعال التى تصح المرافعة عنها قانوناً بإستعمال القوة فإن منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 2048 لسنة 51 جلسة 1981/12/10 س 32 ص 1084 ق 194)
8 ـ الدفاع الشرعي عن المال وفقاً للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثاني "الحريق عمداً" والثامن "السرقة والاغتصاب" والثالث عشر "التخريب والتعييب والإتلاف" والرابع عشر "انتهاك حرمة ملك الغير"، من الكتاب الثالث - الجنايات والجنح التي تحصل لآحاد الناس - من هذا القانون وفي المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهيئة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول" والمادة 389 فقرة أولى "التسبيب عمداً فى إتلاف منقول للغير" وثالثة - رعى بغير حق مواشي أو تركها ترعى فى أرض بها محصول أو فى بستان - والنزاع على الري ليس من بين هذه الأفعال .
(الطعن رقم 884 لسنة 46 جلسة 1976/12/27 س 27 ع 1 ص 995 ق 224
9 ـ من المقرر أن الدفاع عن المال لا يجوز, بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات إلا إذا كان ما ارتكبه من وقع عليه الاعتداء مكوناً لجريمة من الجرائم المبينة على سبيل الحصر بهذا النص, وأن يكون استعمال القوة لازماً لرد هذا الفعل. وإذن فإذا كان الفعل المرتكب لا يدخل فى عداد تلك الجرائم فلا يكون لمن وقع منه الاعتداء أن يتمسك بحالة الدفاع الشرعي عن ماله التي تبيح له استعمال القوة اللازمة لرد ما وقع من عدوان. ولما كان ما نسبه الطاعن إلى المجني عليه من محاولته الاعتداء على مجرى مياه تروي أطيانه بإلقائه بعض الأتربة فيها - لو صح - لا يتوافر به حقه فى الدفاع الشرعي عن المال, إذ ليس ذلك مما تصح المدافعة عنه قانوناً باستعمال القوة.
(الطعن رقم 277 لسنة 44 جلسة 1974/04/08 س 25 ع 1 ص 395 ق 85)
10 ـ أباحت المادة 246 من قانون العقوبات حق الدفاع الشرعى عن المال لرد كل فعل يعتبر جريمة من الجرائم الواردة فى باب إنتهاك حرمة ملك الغير . و إذ كان المتهم قد تمسك أمام المحكمة و على ما يبين من محضر الجلسة و مدونات الحكم بأنه إنما لجأ إلى القوة لرد المجنى عليه عن أرضه التى فى حيازته بعد أن دخلها عنوة لمنعه من الإنتفاع بها ، و كان الحكم قد أشار عند تحصيله للواقعة إلى أن المجنى عليه تصدى للطاعن لما تعرض له فى إقامة المبانى فى تلك الأرض و شرع فى إزالة ما أقيم منها متهماً إياه أن الأرض قد إشتراها و والده من مالكها الأصلى و يضع اليد عليها فإنه لا يكفى للرد على هذا الدفاع قول الحكم أنه لا يوجد فى الأوراق ما يثبت جدية إدعاء الطاعن بملكية الأرض التى دخلها المجنى عليه أو وضع يده عليها . إذ كان لزاماً على المحكمة أن تعنى بتحقيق ذلك لمعرفة واضع اليد الحقيقى على الأرض و هو ما يتغير به وجه الرأى فى الدعوى إذ يترتب على ثبوته أو إنتفائه توافر أو عدم توافر حالة الدفاع الشرعى عن المال ، أما و إن المحكمة لم تفعل فقد بات حكمها منطوياً على الإخلال بحق الدفاع و القصور فى البيان .
(الطعن رقم 1070 لسنة 41 جلسة 1971/12/27 س 22 ع 3 ص 823 ق 197)
11 ـ يكفي فى الدفاع الشرعي أن يكون تقدير المتهم لفعل الاعتداء الذي استوجب عنده الدفاع مبنياً على أسباب جائزة ومقبولة من شأنها أن تبرر ما وقع من الأفعال التي رأى هو - وقت العدوان الذي قدره - أنها هي اللازمة لرده، إذ لا يتصور التقدير فى هذا المقام إلا أن يكون اعتباريا بالنسبة للشخص الذي فوجئ بفعل الاعتداء فى ظروفه الحرجة وملابساته الدقيقة التي كان هو وحده دون غيره المحوط بها والمطلوب منه تقديرها والتفكير على الفور فى كيفية الخروج من مأزقها مما لا يصح محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المطمئن الذي كان يستحيل عليه وقتئذ وهو فى حالته التي كان فيها.
(الطعن رقم 657 لسنة 47 جلسة 1978/03/20 س 29 ع 1 ص 305 ق 57)
12 ـ إن حق الدفاع الشرعي عن النفس قد شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره .
(الطعن رقم 99 لسنة 44 جلسة 1974/02/18 س 25 ع 1 ص 164 ق 37)
13 ـ من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليماً لا عيب فيه ويؤدي إلى ما انتهى إليه. لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم سواء فى بيانه لواقعة الدعوى أو فى معرض رده على دفاع الطاعن لا يستقيم على ما انتهى إليه من نفي قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس، ذلك لأن النتيجة التي خلص إليها تتجافى مع موجب الوقائع والظروف المادية التي أوردها، فليس فيما استدل به الحكم ما يمكن أن يستخلص منه أن المجني عليه وفريقه كانوا قد كفوا عن الاعتداء على المجني عليه وذويه وانتهوا من عدوانهم وأنه لم يكن هناك من بعد ما يخشى منه الطاعن على نفسه وعلى غيره وقت أن أقدم على إطلاق الأعيرة النارية صوب المجني عليهم - الأمر الذي يعيب الحكم ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى.
(الطعن رقم 99 لسنة 44 جلسة 1974/02/18 س 25 ع 1 ص 164 ق 37)
14 ـ حق الدفاع الشرعي عن المال وفقاً للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من الكتاب الثالث من هذا القانون وفي المادة 387 فقرة أولى والمادة 389 فقرة أولى وثالثة. ولما كان النزاع على الري ليس من بين هذه الأفعال فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن من أن الحكم لم يبين سنده القاطع فيما انتهى إليه من أن لجميع الملاك الذين اشتروا من المالكة السابقة حق الانتفاع بالسقي من الماسورة المخلفة عنها والواقعة قبل أرضه.
(الطعن رقم 1972 لسنة 37 جلسة 1968/01/22 س 19 ع 1 ص 86 ق 15)
15 ـ لما كان من المقرر أن تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو إنتفاؤها ، متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب ، متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التى رتبها عليها الحكم ، كما أن حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على إعتدائه و إنما شرع لرد العدوان ، و إذ كان مؤدى ما أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى ولدى نفيه قيام حالة الدفاع الشرعى - و هو ما لا ينازع الطاعنون فى صحة إسناد الحكم بشأنه - أن مشادة وقعت بين الطاعنين و المجنى عليه أستل على أثرها المتهم الثالث مطواه و أراد التعدى بها على المجنى عليه الذى إنتزعها من يده ، فما كان من الطاعنين إلا أن أحاطوا بالمجنى عليه و القوة فى مياه ترعة الأسماعيلية ، و أخذوا يقذفونه بالحجارة كلما حاول الخروج منها و إستمروا فى ذلك حتى خارت قواه و توفى غرقاً فإن مقارفة الطاعنين لأفعال التعدى تلك و إستمرارهم فيها بعد أن ألقوا بالمجنى عليه فى الماء بقصد منعه مغادرته و قد صار لا حول له و لا قوة و حتى خارت قواه و لقى حتفه ، تكون من قبيل القصاص و الإنتقام و العدوان على من لم يثبت إنه كان فى الوقت ذاك يعتدى أو يحاول التعدى ، بل كان يحاول النجاة بنفسه من الموت و هو ما تنتفى به حالة الدفاع الشرعى عن النفس كما هى معرفة به فى القانون .
(الطعن رقم 2991 لسنة 54 جلسة 1985/01/16 س 36 ص 90 ق 10)
16 ـ إثبات علاقة السببية فى المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فلا يجوز مجادلته فى ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه فى هذا الشأن على أسباب تؤدى إلى ما إنتهى إليه .
(الطعن رقم 2991 لسنة 54 جلسة 1985/01/16 س 36 ص 90 ق 10)
17 ـ لما كان الحكم قد عرض للدفع بقيام الدفاع الشرعي عن النفس وإطراحه بقوله ... وإذ كان ما سبق وكان ما ادعاه المتهم الأول قد جاء قولاً مرسلاً لم يقرره احد سواه فضلاً عن عدم معقوليته ومجافاته العقل والمنطق إذ لو صح ما ادعاه لأطلق النار على مصدر الخطر ....... المدعي بأنه كان يحمل سلاحاً حتى يرد الفعل المتخوف منه لا أن يطلق النار فوراً على شخص المجني عليهما اللذين لم يصدر منهما ما يمكن اعتباره فعلاً يخشى منه يخول له رده بإطلاق النار عليه، كما أن المتهم كانت نيته الاعتداء لا رد الاعتداء إذ أقر أنه صمم على قتل من ضرب شقيقه وذلك فور خروجه من مسكنه متجهاً إلى مكان الواقعة، كما أن ما قررته ........ من أن الطرفين هجما على بعضهما إثر وصول المتهم الأول فقامت معركة بينهما مما يعني حسبما قررت أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب من كل منهما بالآخر مما تنتفي معه حال الدفاع الشرعي. لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتقاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لا يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً الاعتداء على المدافع أو غيره، وإذ كان ما أورده الحكم على السياق المتقدم سائغاً وكافياً فى الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي وكان الطاعنان لا يجادلان فى أن قدوم أولهما إلى مكان الحادث كان بعد أن تمت واقعة الاعتداء على الثاني وأنه لم يحدث من المجني عليهما ثمة اعتداء أو محاولة اعتداء على الطاعنين أو سواهما وقت أن بادر الطاعن الأول بإطلاق النار عليهما، وكان تحريض المجني عليه الأول لأحد بنية بإطلاق النار على الطاعن الأول بفرض صحته لا تقوم به حالة الدفاع الشرعي التي تبرر إطلاق النار على المجني عليهما طالما لم تبدر منهما محاولة اعتداء على الطاعن أو غيره، فإن النعي على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد .
(الطعن رقم 21736 لسنة 67 جلسة 1999/11/10 س 50 ص 572 ق 128)
18 ـ الأصل فى الدفاع الشرعى أنه من الدفوع الموضوعية التى يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا تجوز إثارتها لأول مرة لدى محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعى كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بقيام تلك الحالة، وكانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها إذا لم يرد فى مدونات الحكم أن المجنى عليها بدأت بالعدوان على الطاعن حتى يكون للطاعن الحق فى إستعمال القوة اللازمة لدفع العدوان بل أثبت الحكم من إعتراف الطاعن الغير منازع فيه أنه أقدم على خنق المجنى عليها وهى مستغرقة فى النوم، مما لا يتصور معه أن تعتدى أو تحاول الإعتداء، وكان قول الطاعن فى إعترافه - بفرض صحة ذلك أنها إستيقظت وحاولت مقاومته بطريقة إثارت غضبه ليس من شأنه مع ما سلف أن يجعله فى حالة دفاع شرعى ولا تعد هذه الأقوال دفعا صريحاً أو جديا بقيام هذه الحالة كيما تلتزم المحكمة بالرد عليه فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
(الطعن رقم 1983 لسنة 62 جلسة 1994/01/02 س 45 ص 44 ق 2)
19 ـ وقد إن بينت المادة 246 من ذات القانون قد بينت الاحوال التى يجوز فيها استعمال القوة لرد العدوان على المال ومن بينها الافعال التى تعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع عشر منم الكتاب الثالث من ذات القانون وهى الجرائم المتعلقة بانتهاك حرمة ملك الغير، وكانت المادة 250 من قانون العقوبات تنص على أن " حق الدفاع الشرعى عن المال لا يجوز أن يبيح القتل العمد الا إذا كان مقصودا به دفع أحد الأمور الاتية : أولا : وثانيا : وثالثا _ الدخول ليلا فى منزل مسكون أو فى أحد ملحقاته ورابعا _ فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة " لما كان ذلك وكان الثابت مما حصله الحكم بيانا لواقعة الدعوى أن المجنى عليه على سطح منزل______ ليلا وأن المتهم - وهو خفير نظامى مكلف بحفظ الامن وحماية أرواح الاشخاص وممتلكاتهم - حين شاهده على هذه الحالة وهو فوق السطح اطلق عليه المقذوف النارى الذى أودى بحياته، وكانت صورة الواقعة على هذا النحو الذى أورده الحكم تتوفر فيه بلاشك جميع معانى الدخول فى المنزل ثم لما كان النص المتقدم ذكره لا يشترط فى عبارة صريحة أن يكون الدخول بقصد ارتكاب جريمة أو فعل الاعتداء، وهذا مفاده بالبداهة أن القانون يعتبر الدخول المنازل ليلا بتلك الطريقة يحمل بذاته قرينه الاجرام بحيث يصح للمدافع أن يعده اعتداد على المال أو النفس او فعلا يتخوف منه الاذى ويحق له رده كما ترد سائر الاعتداءات ما لم يقم الدليل على أنه كان يعلم حق العلم أن دخول المجنى عليه كان بريئا خاليا من فكرة الاجرام . لما كان ذلك ن وكان ذلك المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضى إلى الموت من غير أن تفند المحكمة دفاعه على ضوء ما تقدم فإنه يكون مشوبا بالقصور .
(الطعن رقم 20066 لسنة 60 جلسة 1992/04/09 س 43 ع 1 ص 381 ق 56)
20 ـ إن التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع ، حيث تنتفى مظنة الدفاع الشرعى عن النفس ، وإما أن يكون مبادأة بعدوان فريق وراداً له من الفريق الآخر فتصدق فى حقه حالة الدفاع الشرعى عن النفس أو المال ، وقد ينشأ هذا الحق ولو لم يفسر التعدى عن أيه إصابات . متى تم بصورة يخشى منها الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أسقط من الوقائع الثابتة فى التحقيق حسبما تقدم البيان ما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس دون أن يعرض لدلالة هذه الوقائع بغير مسخ أو تحريف ويقسطها حقها إيراد ورداً عليها . استظهاراً للصلة بين الاعتداء الذى وقع على الطاعن والذى وقع منه ، وأى الاعتدائين كان الأسبق وأثر ذلك فى قيام أوعدم قيام حالة الدفاع الشرعى لدى الطاعن ، فإن الحكم يكون قد قصر عن تصوير حقيقة الحالة التى كان عليها الطاعن والمجنى عليه وقت وقوع الحادث .
(الطعن رقم 24503 لسنة 62 جلسة 1994/11/16 س 45 ص 1017 ق 158)
21- إن القانون يشترط فى الفقرة الأولى من المادة 246 عقوبات لإباحة إستعمال القوة دفاعاً عن النفس أن يكون إستعمالها لازماً لدفع كل فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصاً عليها فى قانون العقوبات ، ويشترط فى الفقرة الثانية لإباحة إستعمال القوة دفاعاً عن المال أن يكون إستعمالها لازماً لرد كل فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب : الثانى " الحريق عمداً " والثامن " السرقة والإغتصاب " والثالث عشر " التخريب والتعييب والإتلاف " والرابع عشر " إنتهاك حرمة ملك الغير " من الكتاب الثانى ، وكذلك فى المادة 387 فقرة أولى " الدخول فى أرض مهيأة للزرع إلخ " وفى المادة 389 فقرة أولى وثالثة " إتلاف المنقولات ورعى المواشى بأرض الغير " من قانون العقوبات . فإذا كان كل ما وقع من المجنى عليه هو أنه حاول حل بقرة المتهم من الساقية ليتمكن من إدارتها لرى أطيانه فإن إعتداء المتهم لرده عن ذلك لا يعتبر دفاعاً شرعياً فى حقه فى إدارة الساقية إتماماً لرى أرضه ، لأن هذا الحق ليس مما تصح المدافعة عنه بإستعمال القوة .
( الطعن رقم 1655 لسنة 9 ق - جلسة 1939/11/27 )
22- حالة الدفاع الشرعي شُرعت لرد اعتداء وخطر غير مشروع أما قيامهما بالتعرض للمجني عليهم حال تنفيذهم حكم قضائي واجب النفاذ لا يمثل اعتداء أو تحقق خطر غير مشروع الأمر الذي يكون معه الدفاع في غير محله متعيناً رفضه ) ، لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفاع الشرعي عن المال وفقاً للفقرة الثانية من المادة - 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الثاني " الحريق العمد " والثامن " السرقة والاغتصاب " والثالث عشر " التخريب والتعييب والإتلاف " والرابع عشر " انتهاك حرمة ملك الغير" من الكتاب الثالث من هذا القانون - الجنايات والجنح التي تحصل لآحاد الناس - وفي المادة 379/ 4 المعدلة بالقانون 169 لسنة 1981 " الدخول أو المرور بغير حق في أرض مهيأة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول " والمادة 361 / 1 المعدلة بالقانونين ١٢٠ لسنة 1962 ، ۲۹ لسنة ۱۹۸۳ " خرب أو أتلف عمداً أمولاً منقولة للغير " والمادة 379 / 4 والمعدلة بالقانون رقم 169 لسنة 1981 " من ترك بهائمه أو دوابه ترعى في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع بغير حق" وإذ كانت الواقعة كما أوردها الحكم يبين منها أنه لم يكن هناك أي شبهة حول انتهاك حرمة ملك الغير وأن الطاعنين لا يدعيان أن المجني عليهم كانوا قادمين لارتكاب أي جريمة من الجرائم سالفة الذكر ومن ثم ففي هذه الواقعة - لا يتوافر حق الدفاع الشرعي عن المال إذ أن ذلك ليس من بين الأفعال التي تصح المدافعة عنها قانوناً باستعمال القوة فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله .
( الطعن رقم 2248 لسنة 92 ق - جلسة 22 / 11 / 2023 )
الجرائم التي يعد خطر تحقيقها مبرراً لقيام الدفاع الشرعي
حدد الشارع الجرائم التي يعد خطر تحققها مبرراً القيام الدفاع الشرعي ، فأباح الدفاع ضد كل فعل يعتبر جريمة على النفس (الفقرة الأولى من المادة 246 من قانون العقوبات)، وحدد على سبيل الحصر جرائم الأموال التي تبيح الدفاع (الفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات)، وبذلك تكتسب التفرقة بين جرائم النفس وجرائم المال أهمية واضحة ، باعتبار أن جرائم النوع الأول جميعاً تبيح الدفاع الشرعي في حين لا يبيحه غير بعض جرائم النوع الثاني وجرائم النفس هي جرائم الأشخاص ، ويراد بها الجرائم التي تنال بالاعتداء حقاً مرتبطاً بشخص المجنى عليه ، وخارجاً تبعاً لذلك عن دائرة التعامل ؛ أما جرائم الأموال ، فتنال بالاعتداء حقوقاً ذات قيمة اقتصادية ، وداخلة لذلك في دائرة التعامل .
جرائم النفس :
هذه الجرائم متنوعة : فقد تنال بالاعتداء الحق في الحياة فتعد الجريمة قتلاً ؛ وقد تمس الحق في سلامة الجسم فتعد الجريمة جرحاً أو ضرباً أو إعطاء مواد ضارة ؛ وقد تمس الحق في الحرية ، ومثال ذلك جرائم الخطف وحبس الأشخاص دون حق ؛ وقد تمس الحق في صيانة العرض فتشمل جرائم الاغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح ، وقد تنال من الشرف والاعتبار كالقذف والسب وإفشاء الأسرار.
وخطة الشارع واضحة بالنسبة إلى هذه الجرائم ، فهي جميعاً تبيح الدفاع الشرعي، فلا محل للتفرقة بينها حسب نوعها أو جسامتها : فالضرب البسيط ، بل التعدي والإيذاء الخفيف ، والفعل الفاضح في أبسط صورة ، كل ذلك يبيح الدفاع الشرعي ولكن تجب التفرقة بين وجود حق الدفاع في ذاته ومدى اتساع نطاقه : فإذا أقر الشارع لمن يهدده الضرب البسيط أو التعدي أو الإيذاء الخفيف حق الدفاع الشرعي ، فليس معنى ذلك أنه يسمح له بقتل المعتدى أو إيذائه في بدنه إيذاء جسيماً ، بل يقيده بوجوب تناسب دفاعه مع جسامة الخطر الذي يهدده ، ولذلك كان متصوراً الاعتراف للمدافع بحق الدفاع الشرعي ، وسؤاله مع ذلك عن تجاوزه حدوده .
وإذا كان الشارع يقر مساواة بين جرائم النفس على تنوعها ، فلا محل للشك فيما إذا كانت جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار تبيح الدفاع الشرعي والحقيقة أنه إذا كان لهذا الشك ما يبرره في الفقه الفرنسي ، فليس له في الفقه المصري محل فالقانون الفرنسي لا يتضمن نصاً يحدد الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي تاركاً ذلك للفقه والقضاء ، مما أدى إلى اختلاف الآراء في شأن حكم عدد كبير من الجرائم ، منها – بالإضافة إلى جرائم الاعتبار - جرائم الأموال وجرائم الإيذاء البدني اليسير وبعض جرائم العرض ولكن الشارع المصري حسم كل خلاف بإقراره المساواة بين جميع جرائم النفس ، فلا يكون محل للتردد في القول بأن جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار تبيح الدفاع الشرعي إذا توافرت شروطه والتزمت حدوده ويقتضي اشتراط حلول الخطر في تطبيقه على هذه الجرائم - وهي جرائم لا تفترض عنفاً مادياً يقع على المجني عليه ، وإنما تقوم بقول أو كتابة أو إيماء – أن نقرر أنه لا محل للدفاع إلا إذا كان ضرورياً لمنع الجاني من البدء في أقواله أو كتابته أو إيمائه أو لمنعه من الاسترسال فيها ؛ أما إذا انتهى من نشاطه الإجرامي فنطق بكل عباراته مثلاً فإن ما يصدر بعد ذلك من عنف لا يعد دفاعاً ، وإنما يكون انتقاماً غير مباح .
جرائم الأموال : حدد الشارع جرائم الاعتداء على الأموال التي تبيح الدفاع الشرعي ، فحصرها في الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من الكتاب الثالث من قانون العقوبات والجرائم المنصوص عليها في المادة 387 فقرة أولى والمادة 389 فقرة أولى وثالثة من قانون العقوبات، ونبين فيما يلي ما تجرمه هذه النصوص .
1- جرائم الحريق العمد (المواد 252، 257، 259 من قانون العقوبات) ، وهذه الجرائم جنايات فيما عدا الجريمة التي تنص عليها المادة 259 فهي جنحة، ونضيف إلى هذه الجرائم الجريمة التي تنص عليها المادة 102 من قانون العقوبات التي تجرم استعمال المفرقعات استعمالاً من شأنه تعريض أموال الغير للخطر .
2- جرائم السرقة والاغتصاب (المواد 311 من قانون العقوبات وما بعدها)، وبعض هذه الجرائم جنایات وبعضها جنح .
3- جرائم التخريب والتعييب والإتلاف (المواد 354 من قانون العقوبات وما بعدها) ، وهذه الجرائم جنح عدا ما تنص عليه المواد 359 ، 366، 368 من قانون العقوبات فهی جنایات .
4- جرائم انتهاك حرمة ملك الغير (المواد 369 من قانون العقوبات وما بعدها) ، وهذه الجرائم جنح .
5- جريمة دخول أرض مهيأة للزرع أو مبنور فيها زرع أو محصول أو مرور المتهم فيها بنفسه بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر منها وكان ذلك بغير حق (المادة 379 ، من قانون العقوبات ، الفقرة الرابعة) ، وهذه الجريمة مخالفة.
6- جريمة التسبب عمدا في إتلاف شیء من منقولات الغير (المادة 389 من قانون العقوبات ، الفقرة الأولى) ، وهذه الجريمة مخالفة.
7- جريمة رعي مواشى أو تركها ترعى بغير حق في أرض بها محصول أو في بستان (المادة 379 من قانون العقوبات ، الفقرة الرابعة) وهذه الجريمة مخالفة.
وقد حدد الشارع هذه الجرائم على سبيل الحصر ، ويترتب على ذلك إنكار الدفاع الشرعي حيث يكون الخطر الذي يهدد المال ناشئاً عن جريمة سواها. (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 219)
ويستفاد من المادة السابقة أن شروط الاعتداء هي :
1- وجود خطر غير مشروع.
2- أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال مما نص عليه.
3- أن يكون الخطر حالاً.
الشرط الأول : وجود خطر غير مشروع :
يشترط في الاعتداء أن يكون متمثلاً في خطر يهدد الغير بالضرر ذلك أن الخطر هو أولي درجات الاعتداء باعتباره ينطوي على احتمال تحقق الضرر الذي يرمي إليه، وفق المجرى العادي للأمور، ولا يشترط في الاعتداء أن يتمثل في ضرر فعلي فالمشرع أباح الدفاع لدفع كل فعل يعتبر جريمة ومعنى ذلك أن المشرع يكتفي لتوافر الاعتداء أن يكون هناك فعل من المعتدي يهدد بارتكاب الجريمة، أي أن يرتكب المعتدي فعلاً يحقق خطر وقوع الجريمة.
والخطر هو حالة تنشأ عن الفعل المرتكب تجعل تحقيق الضرر بمصلحة المعتدى عليه وشيك الحدوث فإذا لم يتحقق هذا الخطر فلا مجال للدفاع الشرعي لتخلف أول شرط من شروط الاعتداء الذي يرتكب الدفاع کرد فعل عليه .
وأهمية هذا الشرط تبدو في الفروض التي يتحقق فيها الضرر فعلاً أي في حالة تمام الجريمة من قبل المعتدي ففي هذا الفرض لا يكون هناك مجال الدفاع الشرعي باعتبار أن الدفاع لن يمارس أثرة في رد العدوان الذي وقع فعلاً ولكن إذا كان الضرر قد أستمر تحققه على فترة من الزمن فإن الدفاع الشرعي يجوز ليس لرد الاعتداء الذي وقع وانتهى ولكن الرد الاعتداء الذي سيقع مستقبلاً وهناك أيضاً يتحقق الخطر بالنسبة للأضرار المستقبلة التي يحققها المعتدي وعلى ذلك فالدفاع الشرعي جائز ضد من يعتدي على آخر بضربات متعددة فهنا يوجد الخطر بالنسبة للضربات التي لم تتحقق بعد وبالتالي يجوز بالنسبة الدفاع. أما ما تحقق من ضربات فالفرض فيها أن الخطر قد تحول إلى ضرر فعلي لا مجال للدفاع فيه.
ويشترط في الفعل المكون للخطر أن يكون غير مشروع ومعنى ذلك ألا يكون المعتدي يستند إلى سبب مشروع قانوناً في ارتكابه ذلك أن الدفاع الشرعي هو لدفع وقوع الجريمة من قبل المعتدي ولذلك يلزم توافر الصفة غير المشروعة في الخطر بالنظر إلى ما سيتحقق عنه وفقاً للمجرى العادي للأمور غير أنه لا يلزم أن يكون الخطر غير مشروع من الناحية الجنائية بمعنى أنه لا يلزم أن يكون فعل الخطر يندرج تحت نطاق قانون العقوبات على سبيل الشروع المعاقب عليه طالما أن الضرر المحتمل يشكل جريمة فالدفاع الشرعي جائز ضد أي خطر بارتكاب جريمة ولو لم يكن الخطر مجرما في ذاته فمن يحاول تنظيف سلاحه الناري في مواجهة شخص آخر دون أن يتثبت من خلوة من المقذوفات النارية، يعتبر خطراً يجوز الدفاع الشرعي حياله باعتباره يهدد بارتكاب قتل خطأ أو إصابة خطأ، بالرغم من أن تنظيف السلاح بهذه الصورة وان شكل إهمالاً وعدم احتياط إلا أنه غير معاقب عليه في ذاته ومع ذلك فهو غير مشروع لأنه يخالف قواعد الحيطة والحذر.
والعبرة في مشروعية الخطر وعدم مشروعيته هي مخالفة السلوك القاعدة قانونية أياً كانت فهي صفة موضوعية تتعلق بتكييف السلوك بغض النظر عن الموقف النفسي للفاعل ومعنى ذلك أن الخطر يعتبر غير مشروع ولو كان مرتكبه غير مسئول جنائياً فالصغير والمجنون يمكن أن يحقق بسلوكه الخطر غير المشروع الذي يجيز للغير الدفاع الشرعي ضده .
ومن ناحية أخري يفترض الخطر غير المشروع أن هناك سلوكاً إنسانياً قد تحقق أحداث حالة الخطر بارتكاب جريمة، وينتج عن ذلك أن الخطر لابد وأن يكون فعل إنسان إذ لا يتصور الخطر بارتكاب فعل عن الحيوان أو قوى الطبيعة غير العاقلة ولذلك فإن دفع الخطر الناشئ عن الحيوان وما في حكمه لا يستند إلى الدفاع الشرعي وإنما يستند إلى انعدام الضرر الاجتماعي الناشئ عن ذلك الفعل فمن يقتل كلباً لغير يلاحقه ويهدده بالضرر لا تتحقق في جانبه جريمة قتل حيوان الغير (م 355 وما بعدها) لأن هذه الجريمة تتطلب لقيامها أن يكون قتل الحيوان بدون مقتض. ولكن إذا كان صاحب الحيوان يسيطر عليه بسلوكه فان الحيوان يعتبر في هذه الحالة بمثابة آلة وبالتالي يمكن الدفاع الشرعي ضد اعتداء صاحبة بواسطته ويعتبر قتل الحيوان مشروعاً نظراً لأنه الوسيلة الوحيدة لرد العدوان ومع ذلك يمكن أيضاً الالتجاء إلى حالة الضرورة لدفع الخطر الناشئ عن أشياء متعلقة بالغير دون أن يسأل الشخص عن جريمة إتلاف منقولات الغير أما الدفاع الشرعي فهو لا يقوم إلا في مواجهة سلوك إنساني حقق الخطر بارتكاب جريمة من الجرائم المتطلبة قانوناً لتوافره .
واشترط عدم المشروعية الخطر يفيد انتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع، فلا يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون أو يأمر به فالدفاع لا يجوز إلا ضد خطر يهدد بارتكاب جريمة، وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع يترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد من يرتكب فعلاً في حالة دفاع عن النفس أو المال مباحاً قانوناً كذلك لا يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب استعمالاً لحق من الحقوق أو أداء الواجب أو تنفيذاً لأمر مشروع أما التجاوز في استعمال الحق أو الغلط في الإباحة فإنه لا ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده ويجوز الدفاع الشرعي ضده ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في الإباحة يعفي صاحبه من المسئولية كلية أو لا يعفيه فمسئولية المعتدي أو عدم مسئوليته لا تأثير لها على الصفة غير المشروعة لخطر فعله والتي هي مناط الدفاع الشرعي وغني عن البيان أن الأعذار القانونية المخففة لا تنفي الصفة غير المشروعة عن الفعل وبالتالي يجوز الدفاع الشرعي حيالها، فالزوج الذي يفاجئ زوجته متلبسة بالزنا فيحاول قتلها وشريكاه (237 ع) يحق لهما أن يدافع عن نفسيهما دفاعاً شرعياً، لأن فعل الزوج غير مشروع بل معاقب عليه وكل ما قرره القانون له هو عذر مخفف لجريمة القتل .
حكم الخطر الوهمي :
إذا كان الدفاع الشرعي شأنه شأن أسباب الإباحة ينفي الصفة غير المشروعة عن فعل الدفاع، فمعنى ذلك ضرورة توافر شروطه في الواقع وليس في ذهن المدافع ذلك أن توافر تلك الشروط في الواقع هو الذي ينفي صفة التعارض الموضوعي بين الفعل والمصالح المحمية جنائياً وعليه فلا بد أن يكون الخطر غير المشروع هو خطر حقيقي وليس مجرد خطر وهمي في ذهن المدافع فالمشروعية وعدمها تقدر موضوعياً بعيداً عن الموقف النفسي للشخص وعلى ذلك فالخطر الوهمي لا يتحقق معه الشرط الأول من شروط الاعتداء فإذا توهم شخص خطأ بأن أخر يشرع في قتله على خلاف الواقع فإن الخطر غير المشروع لم يتحقق فعلاً وإنما قام فقط في ذهن الجاني ولذلك إذا قام الشخص بارتكاب فعل يدافع به عن نفسه من الخطر الموهوم فإن الفعل المرتكب يعتبر من الناحية الموضوعية غير مشروع ويحق للشخص الآخر ولغيره أن يدافع عن نفسه دفاعاً شرعياً أما أثر التوهم فمجاله يقوم على أسباب معقولة فإنه يأخذ حكم الغلط في الواقع الذي ينفي القصد الجنائي وأيضاً الخطأ غير العمدي إذا كانت هناك أسباب معقولة له. ومعنى ذلك أن الخطر الوهمي ينتج أثره ليس على ركن المشروعية وإنما في محيط الركن المعنوي.
وعلى ضوء القواعد السابقة يتعين تفسير ما جاء المادتين 249، 250 من قانون العقوبات من جواز القتل دفاعاً عن النفس أو المال إذا كان الخطر يتمثل في فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة فظاهر المعنى أن المشرع يعتد بالخطر الوهمي إذ يكتفي بالتخوف من حدوث الموت أو الجراح البالغة حتى ولو لم يكن الفعل في حقيقته ينطوي على مثل تلك الخطورة، طالما كان لهذا التخوف أسباب معقولة، ونعتقد أن المشرع لم يقصد إباحة فعل الدفاع في هذه الحالة بالاكتفاء بالخطر الوهمي، وإنما أراد فقط نفي المسئولية الجنائية والقول بغير ذلك مفاده أن من بوشر ضده الدفاع يلتزم قانوناً بتحمله وعدم الدفاع عن نفسه لمجرد وهم وقع فيه المدافع، وهذا ما لا يمكن أن يكون المشرع قد قصده ولذلك فأننا نرى أن الخطر الوهمي لا يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي والتي تتطلب أن يكون الخطر حقيقاً ولذلك فانه يحق لمن بوشر ضده الدفاع بناءً على خطر وهمي بأن يدافع عن نفسه دفاعاً شرعياً باعتبار أن سلوك المدافع عن خطر وهمي هو سلوك غير مشروع وإن كانت مسئوليته الجنائية عنه منتفية التخلف الركن المعنوي بصورتيه العمد والخطأ.
الشرط الثاني : أن يكون الخطر يهدد بجريمة ضد النفس أو المال مما نص عليه .
يتطلب المشرع في الخطر غير المشروع أن يكون مهدد بوقوع جريمة ضد النفس أو المال غير أنه فرق بين جرائم النفس من ناحية وجرائم المال من ناحية أخري فأطلق الأولى وقيد الثانية فأباح الدفاع الشرعي ضد كل فعل يعتبر جريمة على النفس أياً كان نوعها، وحصر الدفاع الشرعي ضد جرائم الأموال في أنواع معينة منها.
جرائم النفس :
أباح المشرع في المادة 246/1 الدفاع الشرعي ضد كل فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصا عليها في قانون العقوبات.
ويقصد بجرائم النفس الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق بشخص المجني عليه كإنسان، سواء تعلقت بمكوناته المادية أم المعنوية ومثال ذلك جرائم الاعتداء على الحياة وسلامة الجسم كالقتل والضرب والجرح وجرائم الاعتداء على الحرية كالقبض والحبس دون وجه حق، وجرائم الاعتداء على الحرية الجنسية كهتك العرض والاغتصاب، وجرائم الاعتداء على الحرية الشخصية كجرائم التنصت وإفشاء الأسرار، وجرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار كالقذف والسب، وعموماً جميع الجرائم التي حمى المشرع بمقتضاها الفرد كقيمة اجتماعية وإنسانية وغني عن البيان أن هذه الجرائم جميعها وإن جاز الدفاع الشرعي بصددها، إلا أن ذلك مشروط بمكنة تحقق الشروط الأخرى للدفاع الشرعي ذلك أن توافر شروط الدفاع الشرعي قد تبدو صعبة بصدد الجرائم القولية حيث يقع الفعل وتنتهي الجريمة في لحظة واحدة وبالتالي لا نكون بصدد خطر بارتكاب جريمة وإنما بصدد جريمة وقعت كاملة مما لا يجوز الدفاع الشرعي ضدها.
وجميع الجرائم ضد النفس تجيز الدفاع الشرعي بغض النظر عن درجة جسامتها فطالما الخطر غير المشروع بارتكاب جريمة ضد النفس كان للمعتدي عليه أن يدافع عن نفسه دفاعاً شرعياً وكل ما للجسامة من أثر هو في تحديد قدر أفعال الدفاع لرد الاعتداء كما سنرى في شروط رد الاعتداء .
( ب) جرائم الأموال :
نصت المادة 246 / 2 على أن حق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة اللازمة لرد كل فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من الكتاب الثالث وفي المادة 379 فقرة 4 و المادة 378 فقرة 61.
ومعنى ذلك أن جرائم الأموال التي يجوز الدفاع الشرعي بصددها محددة على سبيل الحصر وهذه الجرائم هي:
1- جرائم الحريق العمد (مواد من 252- 259 من قانون العقوبات).
2- جرائم السرقة والاغتصاب (مواد من 311 - 327 من قانون العقوبات).
3- جرائم التخريب والتعييب والإتلاف (مواد من 345 -368 من قانون العقوبات).
4- جرائم انتهاك حرمة ملك الغير (مواد من 369- 373 من قانون العقوبات).
5- جريمة الدخول في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول أو مر منها بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو للحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر منها وكان ذلك بغير حق. (م 379 فقرة 4).
6- جريمة التسبب في إتلاف شيء من منقولات الغير 378 فقرة 6)، وخلاف هذه الجرائم لا يجوز الدفاع الشرعي، وإنما يكون للشخص أن يلجأ إلى أي سبب آخر للإباحة أو الامتناع المسئولية وذلك أن المشرع قدر أنه غير تلك الجرائم يمكن للمعتدي عليه الالتجاء إلى رجال السلطة العامة الأمر الذي ينتفي معه حق الدفاع الشرعي.
الشرط الثالث : أن يكون الخطر حالاً :
لا يكفي أن يكون هناك خطر غير مشروع بارتكاب جريمة ضد النفس أو ضد المال مما حدده المشرع، وإنما يلزم أن يكون هذا الخطر حالاً .
ويقصد بحلول الخطر أن يكون وقوع الجريمة هو الحدث التالي مباشرة للأفعال المرتكبة فإذا كان الخطر هو حكم يتعلق باحتمال تحقق الضرر كنتيجة للأفعال المرتكبة، فمعنى ذلك أن الخطر يكون حالاً كلما كانت احتمالات تحقق الضرر كامنة في ماديات الفعل المرتكب ويستوي بعد ذلك أن يكون الضرر لم يتحقق بعد أو كان قد تحقق في جزء منه يحتمل معه تجدد حدوثه بفعل المعتدي فمن يرفع عصاه ليضرب بها آخر يحقق خطراً حالاً، كما أن ضربه للمجني عليه ضربة واحدة تحقق الخطر الشال إذا كانت الظروف تنطلق باحتمال تجاه الضرب ويعني ذلك أن الخطر يعتبر حالاً حتى ولو أكتملت الجريمة في أركانها إلا أن هناك احتمالاً لاستمرارها بسلوك الجاني وهذا ما يحدث في الجريمة المستمرة و عليه في حبس إنسان دون وجه حق يجيز الدفاع الشرعي طوال فترة الحبس بالرغم من أن الجريمة تكون قد اكتملت أركانها بفعل الحبس في أولي لحظاته وكلك الحال بالنسبة للجريمة متتابعة الأفعال يتحقق حلول الخطر بالنسبة لأفعال التتابع اللاحقة على تلك التي تمت.
يترتب على ذلك أنه إذا كانت الجريمة قد تمت وانتهت فان الخطر يفقد صفة كونه حالا ليكون خطراً ماضياً انتهى، وفي هذه الحالة لا يجوز الدفاع الشرعي باعتبار أن فعل المعتدي علية يفقد صفة الدفاع ليكون من قبيل الانتقام أو الثأر، فإذا شرع شخص في سرقة منزل آخر، فلما أحس به هذا الأخير لاذ بالفرار بدون المسروقات، فلا مجال للدفاع الشرعي، أما إذا كان الجاني قد حاول الهرب ببعض المسروقات فيحق للمجني عليه وللغير الدفاع الشرعي طالما أن الجاني لم تستقر له الحيازة، فإذا كان الجاني قد تمكن من الهروب بالمسروقات فإن جريمة السرقة تعتبر قد تمت ولا يكون للمجني عليه إلا الإلتجاء إلى السلطات ولا يحق له الدفاع الشرعي، كذلك من يطلق النار على آخر فلم يصبه ثم يلوذ بالفرار فان تتبعه والاعتداء عليه لا يعتبر من قبيل الدفاع الشرعي وإنما من قبيل الانتقام.
وإذا كان الخطر المنتهى لا يجيز الدفاع الشرعي فكذلك الخطر المستقبل، ويعتبر الخطر مستقبلاً إذا كان الفعل المرتكب لا يملك مقومات وقوع الجريمة حالاً وإنما بعد فترة مستقبلة، ذلك أن الخطر المستقبل يمكن معه الإلتجاء إلى السلطات العامة لمنع وقوع الضرر.
أن يكون فعل الدفاع ضرورياً لرد الاعتداء :
إذا كان الاعتداء يبيح ارتكاب أفعال لرد الاعتداء فمن الطبيعي أن تكون تلك الأفعال ضرورية لتحقيق هذا الغرض، فإذا لم تكن ضرورية أو لازمة لذلك انتفت مبررات الإباحة باعتبار أن الدفاع يختلف عن الانتقام أو الثأر.
وتقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها من الأمور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع ماد أم استدلالها سائغاً .
ويقصد بلزوم الدفاع أن تكون الأفعال المرتكبة هي الطريق الوحيد لرد الاعتداء غير أن اللزوم يجب أن يقاس بالخطر وليس بالوسائل المستخدمة الصده بمعنى أن يكون الخطر الناشئ عن الاعتداء لا يمكن رده إلا بالدفاع فإذا كان من الممكن تجنب الخطر بوسيلة تنال من كرامة المرء وإنسانيته، كالهروب مثلاً ، فان شرط اللزوم يكون متوافر إذا لا يتصور أن يفرض القانون على الأفراد تجنب الخطر بوسائل تتنافى والقيم الإنسانية .
ولزوم الدفاع يتطلب التثبت من أمرين : الأول : ألا يكون في الإمكان تجنب الخطر إلا بالدفاع والثاني: أن يكون الدفاع موجها لمصدر الخطر، وعلى ذلك لا يتوافر الدفاع الشرعي إذا كان في الإمكان الالتجاء إلى السلطات العامة، وقد نص المشرع على ذلك صراحة بالمادة 247 عقوبات حيث جاء بها ولي هذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المن بينها إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية، إذ لو كان ذلك ممكناً فإن شرط اللزوم ينتفي باعتبار أن تكون هناك وسيلة أخرى لدرء الخطر عن طريق الدراجات العامة المنق بها منع وقوع الجرائم غير أن ذلك مش وإمكانية الإلتجاء إلى السلطات العامة في الوقت المناسب ويقصد بذلك أن يكون في مكنة تلك السلطات التدخل لمنع الاعتداء قبل وقوعه فإذا كان الالتجاء للسلطات ممكناً ولكن تداخلها يكون في لحظة لاحقة على بدء العدوان الفعلي فان شرط اللزوم يتوافر أيضاً كذلك يتوافر الدفاع الشرعي ولو كان قد تم إخطار السلطات العامة قبل بدء الاعتداء إلا أنها لم تتدخل في الوقت المناسب حين يبدأ المعتدي في اعتدائه.
وإذا كان رد الاعتداء لابد أن يكون لازماً، بالمعنى السابق، فمن المنطقي أن يشترط كونه موجهاً لمصدر الخطر، إذ أن توجيه الدفاع إلى غير مصدر الخطر ينفي عنه صفة اللزوم، وينفي عنه بالتبعية صفة الدفاع إذ أن الدفاع بطبيعته لابد أن يكون لازماً لصد الخطر وعلى ذلك فمن يدفع حيواناته للرعي في أرض الغير فيأتي هذا الأخير ويوجه أفعاله ضد صاحب الحيوانات فأننا لا نكون بصدد دفاع شرعي وإنما بصدد فعل غير مشروع إذ في هذه الحالة يجب أن يوجه الدفاع إلى الحيوانات ذاتها كل ذلك ما لم يكن صاحب الحيوانات يملك بزمامه بحيث أن توجيه الدفاع إليه من شأنه أن يرد الخطر. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 248)
و المستفاد من ذلك أن شروط الاعتداء هي :
1- وجود خطر غير مشروع بارتكاب جريمة.
2- أن يكون الخطر يهدد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال.
3- أن يكون هذا الخطر حالاً.
4- وأن يستحيل دفعه بالالتجاء إلى السلطات العامة.
وفيما يلي تفصيل لازم لكل شرط.
أولاً : وجود خطر غير مشروع بارتكاب جريمة لكي يكون هناك حق دفاع يجب أن يكون هناك اعتداء أو خطر اعتداء بفعل يعد جريمة فإذا كان الاعتداء لا يعد جريمة فلا يقوم حق الدفاع وبناءً على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي معاقب عليه إلا إذا كان من يزاول حقه في الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي فإن فعله يعتبر اعتداء مما يعد جريمة طبقاً للمادة 251 عقوبات وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده والاعتداء يعد جريمة ولو كان الفاعل غير معاقب لعارض من عوارض الأهلية الجنائية أو الانتفاء الإسناد المعنوي العمدي للغلط في الوقائع لأن موانع المسؤولية لا تمحو صفة الجريمة عن الفعل وإن كانت تمنع المسئولية عنه فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون أو صاحب العاهة العقلية والسكران ومن هو واقع في الغلط .
كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من الأعذار القانونية ذلك أن وجود العذر القانوني لايمنع من كون الفعل غير مشروع وعلى ذلك فإن الزوج الذي يفاجأ زوجته وشريكها في حالة الزنا فيحاول قتلها هي وشريكها في الحال فإن للزوجة ولشريكها أن يدفعا عدوان الزوج باستعمال حق الدفاع الشرعي.
واشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد انتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع فلا يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون أو يأمر به فالدفاع لا يجوز إلا ضد خطر يهدد بارتكاب جريمة وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد خطر يهدد بارتكاب جريمة وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد من يرتكب فعلاً في حالة دفاع عن النفس أو المال مباحاً قانوناً كذلك لا يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب استعمالاً لحق من الحقوق أو أداء الواجب أو تنفيذاً لأمر مشروع أما التجاوز في استعمال الحق أو الغلط في الإباحة فإنه لا ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده ويجوز الدفاع الشرعي ضده ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في الإباحة يعفى صاحبه من المسئولية كلياً أو لا يعفيه.
الخطر التصوري أو توهم العدوان :
السائد في الفقه والقضاء أن توهم العدوان کالعدوان الحقيقي كلاهما يبرر الدفاع الشرعي ويبيح أفعاله وذلك مشروط بأن يكون هذا الاعتقاد والتصور مبنياً على أسباب معقولة وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه يكفى لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقاً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب مقبولة إذ أن تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباری المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بالمخاطر والملابسات .
زوال الخطر :
ينتهى الحق في الدفاع بزوال الاعتداء فعلاً لأن الغرض من الدفاع هو منع التعدي وليس الانتقام فإذا ثبت أن المتهم ارتكب جريمته بعد انقطاع الاعتداء فلا يكون في حالة دفاع شرعى ذلك أن الدفاع الشرعي يتميز عن مجرد الجزاء أو اصلاح الضرر لأنه يهدف إلى الحيلولة دون إتمام مخالفة القانون ويقتضي ذلك أن يكون الخطر لازال قائماً يحدق بالغير أما إذا تم وانتهى فإن أي رد فعل ضد مصدر الخطر يكون نوعا من الجزاء يقرره الفرد بنفسه ضد المتعدي أو نوعاً من الانتقام وهو ما يخالف القانون فالدفاع الشرعي لم يشرع للقصاص وللانتقام أو لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لمنع المعتدى من إيقاع فعل التعدي أو الاستمرار فيه بحيث إذا كان الاعتداء قد انتهى فلا يكون للدفاع الشرعي وجود.
ومن ثم فلا محل للدفاع الشرعي إذا استطاع المعتدى عليه انتزاع سلاح المعتدى فصار أعزل لا يصدر عنه خطر ولا محل إذا فر الجاني متخلياً عن المسروقات أو هرب بعد أن وضع النار في المكان الذي يريد إحراقه.
وتحديد الوقت الذي يعد الاعتداء فيه منتهياً وبالتالي يقف فيه حق الدفاع يختلف باختلاف الجرائم وظروف ارتكابها.
يلزم أن يكون الخطر مهدداً لحق ( وهذا هو موضوع الاعتداء) ولقد عبر القانون المصري في المادة 246 عن الجرائم التي تكون موضوع الاعتداء وبالتالي تبرر استخدام حق الدفاع الشرعي.
وهذه الجرائم أما أن تقع على النفس المادة 1 /246 وأما أن تقع على المال المادة 246 / 2 بيد أن ثمة فارقاً بين الاعتداء الواقع على النفس وذلك الواقع على المال في استخدام حق الدفاع الشرعي فبينما تبرر جرائم الاعتداء على التنفس جميعاً استخدام الدفاع الشرعي فإن جرائم الاعتداء على المال التي تبرر استخدامه قد وردت على سبيل الحصر.
(أ) جرائم الاعتداء على النفس التي تبيح الدفاع الشرعي :
والمقصود بجرائم الاعتداء على النفس جرائم الاعتداء على النفس التي تقع على الأشخاص وهي في القانون متنوعة فقد تتال بالاعتداء الحق في الحياة (القتل) أو سلامة الجسم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة أو الحق في الحرية الخطف وحبس الأشخاص وقد تمس الحق في صيانة العرض (الوقاع وهتك والفعل الفاضح) أو الشرف والاعتبار (جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار).
وهذه الجرائم تبيح جميعاً حق الدفاع الشرعي لا مجال للتفرقة بينهما بحسب نوعها أو جسامتها فالضرب البسيط والأفعال المنافية للحياة كل ذلك يبرر استخدام حق الدفاع الشرعي بشرط مراعاة التناسب بين جسامة الاعتداء (أو خطر الاعتداء بتعبير أدق) وبين الدفاع وألا يجاوز المدافع حدود الحق في الدفاع.
(ب) جرائم المال التي تبيح الدفاع الشرعي :
وهذه الجرائم نصت عليها المادة 2/ 246 من قانون العقوبات وهي :
أولاً : جرائم الباب الثاني وهي جرائم الحريق عمدا الواردة في المواد من 252 إلى 259 .
ثانياً : جرائم الباب الثامن وهي جرائم السرقة واغتصاب الأموال الواردة في المادة من 311 إلى 327 وبعضها جرائم اعتداء على المال والنفس معا كالسرقة بالإكراه (المادة 314 ) وكاغتصاب السندات والتوقيعات بالقوة أو التهديد (المادة 325 ).
ثالثاً : جرائم الباب الثالث عشر وهي جرائم التخريب والتعييب والإتلاف سواء أوقعت على الجماد (المواد 354، 358، 309، 361 ، 361 مكرراً أم على الحيوان المادتان 355، 357).
رابعاً : جرائم الباب الرابع عشر وهي جرائم انتهاك حرمة ملك الغير الواردة في المواد من 369 إلى 375.
خامساً : الفقرة الرابعة من المادة 379 وهي الواردة في المخالفات وهی خاصة بتجريم كل من دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها بغير حق.
ويلاحظ أن المادة 246/ 2 من قانون العقوبات قد أوردت هذه الجرائم على سبيل الحصر فلا يقاس عليها جرائم أخرى هذا ولو أنه يندر في العمل أن تثار صور للدفاع الشرعي عن المال خارج نطاقها فإذا أثيرت وجب القول بعدم جواز استعمال القوة المادية لدفعها ومن باب أولى إذا كان النزاع مدنيا بحتا لا يخضع لوصف جنائي معین. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 467)
أما شرط الدفاع فهو: أن يكون لازما لدفع الإعتداء.
أولاً : شروط الاعتداء :
(1) وجود خطر بارتكاب جريمة :
لا يجوز الدفاع إلا لرد إعتداء يهدد المدافع بخطر فعل يعد جريمة وتبيح أكثر التشريعات الدفاع ضد أية جريمة، غير أن المادة التي نحن بصددها أباحت الدفاع ضد كل فعل يعتبر جريمة على النفس ولكنها في فقرتها الثانية حددت على سبيل الحصر جرائم الأموال التي تبيح الدفاع.
ولا يفرق القانون بين أفعال الاعتداء سواء كانت موجه إضراراً بالمدافع أو بغيره، فالدفاع الشرعي جائز عن المدافع أو غيره، ولا يتطلب القانون صلة خاصة بين المدافع وبين من يدافع عنه لإباحة الدفاع عن الغير.
ويجوز للدفاع سواء كان الخطر المحدق بالنفس جسيماً أم يسيراً، إذ لم تشترط المادة التي نحن بصددها أن يكون الخطر على درجة من الجسامة، أما بالنسبة للخطر المهدد للمال فقد حدد المشرع جسامته بأن يكون مؤدية لجريمة من الجرائم الواردة بالفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها.
وعادة ينشأ الخطر عن فعل إيجابي حيث يباشر المعتدي أفعالاً تهدد بوقوع جريمة على أنه من المتصور أن يوجد الخطر في الجرائم الإيجابية التي تقوم بطريق الإمتناع أو الترك، فالأم التي تمتنع عن إرضاع طفلها بقصد قتله يمكن إتخاذ وسائل دفاع معها لدفع هذا الخطر عن الطفل أما في الجرائم السلبية فهي تقع بمجرد امتناع الجاني عن القيام بما يأمر به القانون، ولذلك فإن أفعال الدفاع غير متصورة حيالها، لأنها لا تستهدف منع وقوع الجريمة لأنها تقع بمجرد الإمتناع ومن الممكن أن يتوافر الخطر ولو كانت الجريمة التي ستترتب عليه جريمة غير عمدية، فلو فرض وحاول أحد الأشخاص إصطياد طائر، وقدر أحد المارة أن الصائد سيصيب شخصاً يطل من نافذة والصائد غير متنبه لها، فإستخدام المار القوة معه لمنعه من إطلاق العيار الناري، فإنه يكون في حدود حق الدفاع الشرعي.
والضابط في تقدير إحتمال وقوع الجريمة يجب أن يؤسس على عناصر موضوعية خالصة، فلا ينظر في توافر هذا الإحتمال إلى ما توقعه المدافع وإنما إلى المجرى العادي للأمور فإذا كان الشخص المعتاد يتوقع أن يؤدي الفعل إلى الجريمة كان هذا الفعل خطراً وجاز الدفاع الشرعي قبله.
ويترتب على اشتراط كون الخطر من المحتمل أن يؤدي إلى جريمة ضرورية أن يكون الخطر ناشئاً عن سلوك غير مشروع، وتنبني على ذلك نتيجتان: الأولى :أنه لا محل للدفاع الشرعي إذا كان الخطر مترتبة على سلوك مشروع، ويعني ذلك أن الدفاع ينتفي إذا كان السلوك المنشيء للخطر منطبقة على سبب إباحة والنتيجة الثانية : أنه يجوز الدفاع الشرعي ضد الخطر الناشئ عن كل سلوك غير مشروع، مما يعني جواز اللجوء للدفاع ولو كان من صدر عنه الخطر يستفيد من سبب لامتناع المسئولية أو لامتناع العقاب أو يستفيد من عذر قانوني.
ينتفي الدفاع الشرعي إذا إنطبق على السلوك المنشيء للخطر سبب إباحة :
إذا كان السلوك مباحاً أصبح الخطر الناشيء عنه مشروعاً، ولا يجوز لمن يهدده هذا الخطر أن يستعمل العنف لدرئه محتجاً بالدفاع الشرعي فالإبن أو الزوجة لا يحق لأي منهما الدفاع ضد أفعال الضرب التي يقوم بها الأب أو الزوج ممارسة لحقهما في التأديب.
ولا تجوز أعمال الدفاع قبل أفعال العنف المشروعة التي يقوم بها رجال السلطة العامة أثناء أدائهم لواجباتهم.
أما إذا جاوزت أفعال الدفاع الحدود المقررة لها فإنها تصبح غير مشروعة، ولذلك يجوز للمعتدي أن يدفع هذه الأفعال بالعنف فلو أن شخصاً حاول أن يقتل اللص الذي تسلل إلى منزله، مع أنه كان في مقدوره أن يمنع السرقة بمجرد ضرب اللص أو القبض عليه، فإن ذلك يجعل اللص في حالة دفاع شرعى .
أسباب إنعدام المسئولية والأعذار القانونية لا تحول دون الدفاع الشرعي :
يقوم الدفاع الشرعي مادام السلوك المنشيء للخطر غير مشروع، ولما كانت أسباب إنعدام المسئولية والأعذار القانونية لا تنفي عن السلوك صفته غير المشروعة، لذلك يجوز الدفاع الشرعي إذا كان الخطر صادراً عن شخص غير أهل للمسئولية الجنائية أو إذا توافر بالنسبة له عذر قانوني. فمن يتعرض لإعتداء صادر عن مجنون أو صغير أو سكران بغير إختياره، له أن يحتج بالدفاع الشرعي إذا قاوم بالعنف الخطر الذي يتهدده من أي من هؤلاء.
دفع خطر الحيوان :
يرى البعض أن من يتعرض لخطر حيوان يحق له دفع هذا الخطر بقتل الحيوان أو الإضرار به على أساس الدفاع الشرعي غير أن هذا الرأي غير سديد، لأن خطر الحيوان لا يوصف بأنه إعتداء، لأن الإعتداء وهو القيام بسلوك غير مشروع يعرض الغير للخطر، لا يصدر إلا عن إنسان والصحيح أن من يتعرض الخطر حيوان يجوز له أن يدفعه استنادا على حالة الضرورة إذا توافرت شروطها.
أما إذا إستخدم الحيوان كوسيلة للإعتداء كما لو أطلق شخص على آخر كلبه فإن قتل الحيوان أو الإضرار به يعد في هذه الحالة دفاعاً شرعياً، ذلك لأن الإعتداء لا ينسب للحيوان وإنما لمن إستخدمه.
الخطر الوهمي :
تقتضي الطبيعة الموضوعية لأسباب الإباحة أن يكون الخطر المبرر للدفاع الشرعي خطراً فعلياً، مما يعني ضرورة وجود الخطر حقيقة، ولا يستوي مع ذلك توهم الشخص بتعرضه لخطر لا أصل له إلا في مخيلته، فالغلط في الإباحة لا يعدل الإباحة ذاتها.
الجرائم التي تبيح الدفاع :
لقد أباح المشرع الدفاع ضد خطر أي جريمة تقع على النفس، غير أنه قصر الدفاع عن المال على جرائم معينة وردت على سبيل الحصر بالمادة التي نحن بصددها.
والخطر الذي يؤدي إلى أية جريمة تقع على النفس يباح دفعه. ومن جرائم النفس : جرائم الإعتداء على حياة الإنسان وسلامة جسمه، مثل جرائم القتل والضرب والجرح والإسقاط، والجرائم التي تمس حرية الإنسان، كجريمة القبض على شخص أو حبسه بغير وجه حق وجريمة الخطف وقد تشكل الجريمة خطرة على النفس والمال معاً فيجوز دفعها استناداً على أنها من جرائم النفس، كجريمة الحريق وجريمة استعمال المفرقعات استعمالاً من شأنه تعريض أموال الغير للخطر، فهاتين الجريمتين قد تؤديان إلى تعريض النفس للخطر.
وحددت الفقرة الثانية من المادة التي نحن بصددها جرائم الأموال التي يجوز الدفاع الشرعي قبلها وهذه الجرائم هي : جرائم الحريق (المواد من 252 إلى 259 عقوبات وجرائم السرقة والإغتصاب المادة 311 وما بعدها)، وجرائم التخريب والتعييب والإتلاف (المادة 254 وما بعدها)، وجرائم انتهاك حرمة ملك الغير المادة 369 وما بعدها)، والمخالفات المنصوص عليها في المادة ( 4/ 379)
الخاصة بالدخول في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول.
ضرورة أن يكون الخطر حالاً :
يشترط لاعتبار الشخص في حالة دفاع الشرعي أن يكون الإعتداء المسبب للخطر الذي يبغي دفعه حالاً أي وشيك الوقوع، فحالة الخطر التي يتعرض لها المدافع هي التي تبرر الدفاع.
ولا يعني ضرورة أن يكون الخطر حالاً أن يبدأ الإعتداء فعلاً، وإلا ضاعت الفائدة من تقرير حق الدفاع، من أجل ذلك يكفي لقيام الدفاع الشرعي أن يكون الإعتداء على وشك الوقوع فيكفي أن يكون المدافع مهددة بخطر يبدو تحققه حالاً وإذا بدأ المعتدي الإعتداء فعلاً فللمدافع من باب أولى أن يدفع الإعتداء، ويستمر حقه في دفعه ما بقي الإعتداء مستمرة.
وتحديد إنتهاء الإعتداء الذي لا يقوم حق الدفاع بعده يختلف باختلاف الجرائم وظروف ارتكابها فالضرب يتم فور المساس بجسم المجني عليه، ولذلك فإن الحق في الدفاع الشرعي ينتفي بالنسبة لأفعال الضرب التي تتم، ولكنه قد يقوم بالنسبة للضربات التالية إذا ظل التهديد بالضرب ماثلاً والسرقة لا تنتهي إلا بسيطرة الجاني على حيازة الشيء المسروق سيطرة تدخله في حيازته وتجعل المجني عليه عاجزاً عن مباشرة سلطات الحيازة عليه، ولذلك فإن الحق في الدفاع الشرعي لا ينتهي بمجرد وضع الجاني يده على الأشياء المراد سرقتها، فيدخل في عداد الدفاع ما يتخذ المجني عليه من أفعال لمنع السارق من الفرار، أما إذا هرب السارق فعلاً فلا يكون هناك محل للدفاع ولو كان من أجل إسترجاع الأشياء المسروقة وتنتهي حالة الدفاع في الحريق العمد بإنتهاء الجاني من وضع النار فعلاً في المال المراد إحراقه وفي الجريمة المستمرة كجريمة الخطف فإن الإعتداء وما يترتب عليه من قیام حق الدفاع لا ينتهيان إلا إذا انقضت حالة الإستمرار.
ثانياً : شرط الدفاع :
أن يكون لازماً لدفع الإعتداء :
نصت على هذا الشرط المادة التي نحن بصددها بقولها إن الدفاع الشرعي يبيح للشخص إستعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل يعتبر جريمة وعلى هذا يتعين أن تكون أفعال الدفاع الأزمة لدفع الإعتداء، أما إذا كانت غير لازمة - كما لو كان في وسع المعتدى عليه الإحتماء برجال السلطة العامة – فلا يقوم حق الدفاع الشرعي.
ويباح للمدافع أن يلجأ إلى أي فعل يلزم لدفع الإعتداء، فليس بشرط أن يكون الفعل الذي قام به هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها مواجهة الاعتداء وذلك على خلاف حالة الضرورة، فقد اشترطت المادة (61) عقوبات ألا يكون في قدرة من يتعرض لخطر الضرورة توقيه بطريقة أخرى وتفسر هذه التفرقة بأن أفعال الدفاع توجه ضد معتدي، بينما توجه أفعال دفع خطر الضرورة ضد شخص بريء.
ويجب أن توجه أفعال الدفاع إلى مصدر الخطر للتخلص منه أما إذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر ووجه فعله إلى شخص لا يصدر الخطر عنه فلا محل لاحتجاجه بالدفاع الشرعي، لأن فعله لا يعتبر لازماً لدرء الخطر. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 599)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 255 ، 256
(مادة 523)
لا جريمة إذا وقعت الأفعال المشار إليها في المواد السابقة من هذا الفصل دفاعاً عن النفس ، أو العرض ، أو المال .
وتتحقق حالة الدفاع الشرعي إذا واجه المدافع أو اعتقد بحسن نية ، وبناء على أسباب معقولة أنه يواجه خطراً حالاً أو وشيك الوقوع يهدد النفس ، أو العرض ، أو المال .
(مادة 527)
يستوي في قيام حق الدفاع الشرعي أن يكون الخطر موجهاً إلى نفس الموانع ، أو عرضه ، أو ماله ، أو نفس الغير ، أو عرضه ، أو ماله .
(مادة 528)
لا يمنع من قيام حق الدفاع الشرعي أن يكون الخطر من شخص عديم المسئولية الجنائية أو ناقصها .
الجرائم الواقعة على الأشخاص
الفصل الأول
المساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه
المواد من (510) - (529):
أحكام مواد المشروع تتضمن بصفة عامة أحكام المواد من (230) إلى (251)، (265) من القانون القائم ، مع إستحداث بعض الأحكام على ما سببين في موضعه ، وقد رأى المشروع إبقاء المواد الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس والمال ضمن مواد هذا الفصل ؛ وذلك لأن وسائل الدفاع الشرعي - بحسب الأصل - تمس سلامة جسد المعتدي ، ومن ثم كان هذا الفصل هو الموضع المناسب لإيراد أحكامها على نحو مفصل ، بعد إذ ورد وحكمها العام في الكتاب الأول ، ومن أهم ما تضمنه هذا الفصل ما يلي :
١- المادة (512) من المشروع تضمنت الظروف المشددة للقتل ، فبعد أن نصت المادة (510) من المشروع على عقوبة الإعدام للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، وعرفت المادة (511) سبق الإصرار والترصد وتوافرهما ، نصت المادة (512) المذكورة على عقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ثم عرضت إلى الظروف المشددة التي ترفع العقوبة إلى الإعدام ، وعددتها في فقرات أربع استحدث فيها وسيلة القتل بمادة مفرقعة كظرف مشدد للجريمة ، ووقوع القتل العمد على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو من في حكمه ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية الوظيفة أو الخدمة ، وإذا كان الباعث على القتل العمد دنيئاً ، أو صاحب القتل أعمال تعذيب، أو مثل بجثة المجني عليه (القتيل) .
وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الغرض من القتل العمد التأهب لإرتكاب جنحة أو تسهيلها ، أو إرتكبها بالفعل ، أو مساعدة مرتكبها أو الشريك فيها على الهرب أو الإفلات من العقوبة .
2- رأى المشروع عدم وجود مبرر لتخفيض عقوبة الشريك في القتل المستوجب عقوبة الإعدام التي كانت تعرض لها المادة (235) من القانون القائم ، وذلك بأن هذا الحكم كان يخالف قاعدة أصولية إلتزمها الشارع، ألا وهي أن من إشترك في جريمة فعليه عقوبتها ، ومن ثم ترك الأمر للقاضي حسب ظروف الدعوى وملابساتها وأصول تفريد العقاب ليحدد في نطاق النص القانوني العقوبة التي يراها مناسبة.
3- المادة (513) من المشروع استحدثت حكماً ، إذ إنه متى تحقق موجبها من إجماع أولياء الدم على العفو عن الجاني أو التصالح معه طبقاً لأحكام الباب السابع من الكتاب الثاني ، عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً من شأنه إستبدال عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت بالعقوبة المقررة في المادتين (510)، (512) من المشروع على حسب الأحوال ، مع مراعاة أنه إذا تعدد الجناة ، فلا يشمل حكم العذر المخفف إلا من تم العفو عنه ، أو التصالح معه منهم ، وذلك تمشياً مع الحكمة من سقوط القصاص بعفو أولياء الدم ، أو تصالحهم مع الجاني ، ولئن منع العفو أو الصلح القصاص ، فإنه لا يمنع العقوبة التعزيرية، إلا أنه كان حرياً بالمشروع أن يخفف عقوبة الإعدام نزولاً على هذا العفو أو الصلح.
4 - المادة (515) في فقرتها الثانية ، استحدثت ظرفاً مشدداً لجريمة إحداث العاهة المستديمة ، وذلك برفع العقوبة إلى السجن المؤقت إذا تعمد الجاني في إحداث العاهة أو توفر قبله أي من الظروف المشار إليها في الفقرات الثلاث الأولى من المادة (515) من المشروع .
والفقرة الأخيرة من المادة تعتبر في حكم العاهة كل تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، ومع أن التشويه لا يترتب عليه قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعة أو نقصانها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس بصورة كلية أو جزئية دائماً ، فإن المشروع رأى إعتبار التشويه الجسيم في حكم ذلك ، فإن يترتب على التشويه أياً كان فقد أو تعطيل شيء مما ورد ذكره في الفقرة الثالثة من المادة - فلا مشاحة في إنطباقها من باب أولى ؛ لأنها تكون هي الأصل .
5- المادة (519) من المشروع استحدثت لأول مرة في التشريع المصري عقاب التحريض على الإنتحار أو المساعدة عليه بأية وسيلة ، يستوي أن يتم الإنتحار بناء على ذلك التحريض وهذه المساعدة أم يشرع فيه ، على أنه إذا كان المنتحر لم يبلغ الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الإختيار - عد ذلك ظرفاً مشدداً يرفع عقوبة المحرض أو المساعد إلى السجن المؤقت ، وهذا النص مستلهم من الشريعة الإسلامية فيما حرمه المصدر الأول لها وهو القرآن الكريم ، من تحريم قتل النفس سواء تم ذلك بمعرفة الجاني أم غيره ، فكان حقيقاً بالمشروع أن يؤثم المحرض أو المساعد على ذلك .
6- المادة (520) من المشروع تعرض لجريمة القتل الخطأ ، وقد غلظ المشروع العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات ، إذا توافر أي من الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات الأربع من المادة ؛ وذلك لأن الإخلال الوارد في الفقرات يخالف أصول وظيفة المتهم أو مهنته أو حرفته التي يزاولها بالفعل ، وهو ما يوجب عليه من الحيطة والحذر ومراعاة دواعي السلامة - ما يحفظ حياة الآخرين كما أن وقوع الجريمة والجاني تحت تأثير سكر أو تخدير أو عقار تناوله عن حرية وإختيار - ينبئ عن الإستهتار والعبث والجنوح عن الجادة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك ظرفاً مشدداً ، كما أن نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع القدرة على ذلك - إن دل على شيء فإنما يدل على الإستخفاف بأرواح الناس ، والقعود عن مد يد العون أو طلبها مع القدرة على الإغاثة ، فكان لزاماً إعتبار ذلك القعود والنكول ظرفاً مشدداً ، هذا إلى أنه إذا نشأ عن الفعل موت ثلاثة أشخاص على الأقل - عد ذلك أيضاً ظرفاً مشدداً له حكم الظرف السابق من حيث تغليظ العقوبة .
7- المادة (521) من المشروع تعرض لحالة الإصابة الخطأ، وقد نصت الفقرة الثانية منها على الأخذ بحكم الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة السابقة ، بمعنى أنه إذا نشأت الإصابة مع توافر ظرف منها غلظت العقوبة ، فإن توافر ظرفان زيدت العقوبة أكثر .
واستبقى النص حالة ما إذا نشأ عن الجريمة إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل ، أو نشأ عنها عاهة مستديمة أو تشويه جسيم لا يحتمل زواله ، کظروف مشددة لجريمة الإصابة الخطأ ، ترفع العقوبة على نحو ما أفصح عنه النص .
8- المادة (522) من المشروع وهي مستحدثة ، وتتناول بالعقاب حالتي الإمتناع العمدي والإمتناع عن خطأ ، عن القيام بإلتزام رعاية شخص عاجز عن الحصول لنفسه على مقومات الحياة بسبب سنه أو حالته الصحية أو العقلية ، أو بسبب تقييد حريته ، سواء كان منشأ هذا الإلتزام القانون أو الإتفاق أو فعل مشروع أو غير مشروع، إذا ما ترتب على إمتناعه موت المجني عليه أو إصابته ، وتكون العقوبة في حالة الإمتناع العمدي وحسب قصد الجاني ودرجة الإصابة - إحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد (510)، (512)، (513)، (516)، (517) من المشروع، فإن كان الإمتناع عن خطأ ، يعاقب الجاني على حسب الأحوال بعقوبة من المنصوص عليه في المادتين (520)، (521) من المشروع .
9- المادة (526) من المشروع تعرض لحالة مجاوزة حق الدفاع الشرعي بحسن نية ، وقد اعتبر المشروع قیام حسن النية مع هذا التجاوز عذراً قانونياً يوجب على القاضي توقيع العقوبة المخففة الواردة في النص ، وكان نص المادة (251) من القانون القائم يعتبر هذا التجاوز حسن النية عذراً قضائياً يجيز تخفيف العقوبة ، وأخيراً أجاز النص للمحكمة العفو عن المتهم .
10- خلت نصوص هذا الفصل من حكم مماثل لحكم المادة (237) من القانون القائم، وذلك إكتفاء بوجود حكم مماثل لها في شأن الجناية على النفس الوارد ، ضمن جرائم الحدود والقصاص في الكتاب الثاني من هذا المشروع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 103
صِيَالٌ
التَّعْرِيفُ:
الصِّيَالُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ صَالَ يَصُولُ، إِذَا قَدِمَ بِجَرَاءَةٍ وَقُوَّةٍ، وَهُوَ: الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالاِسْتِعْلاَءُ عَلَى الْغَيْرِ.
وَيُقَالُ: صَاوَلَهُ مُصَاوَلَةً، وَصِيَالاً، وَصِيَالَةً، أَيْ: غَالَبَهُ وَنَافَسَهُ فِي الصَّوْلِ، وَصَالَ عَلَيْهِ، أَيْ: سَطَا عَلَيْهِ لِيَقْهَرَهُ، وَالصَّائِلُ: الظَّالِمُ، وَالصَّئُولُ: الشَّدِيدُ الصَّوْلِ، وَالصَّوْلَةُ: السَّطْوَةُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، وَصَؤُلَ الْبَعِيرُ: إِذَا صَارَ يَقْتُلُ النَّاسَ وَيَعْدُو عَلَيْهِمْ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الصِّيَالُ الاِسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبُغَاةُ:
الْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَالاِعْتِدَاءُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.
وَالْبُغَاةُ هُمْ: قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، خَالَفُوا الإْمَامَ الْحَقَّ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الاِنْقِيَادِ لَهُ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ، وَتَأْوِيلٍ لاَ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ .
ب - الْمُحَارِبُ.
وَهُوَ: قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ أَخْذِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ وَالصَّائِلُ أَعَمُّ مِنْهُ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
- الصِّيَالُ حَرَامٌ، لأِنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) وَقَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» .
دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، عَاقِلاً أَوْ مَجْنُونًا، بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَالاِسْتِسْلاَمُ لِلصَّائِلِ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ لِلتَّهْلُكَةِ، لِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنْهَا وَاجِبًا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - يُرِيدُ قَتْلَهُ - فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ» .
وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا، وَلأِنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، كَالْمُضْطَرِّ لأِكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ كَافِرًا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَجَبَ الدِّفَاعُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْكَافِرُ مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، إِذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لاَ حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلأِنَّ الاِسْتِسْلاَمَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ، وَفِي حُكْمِهِ كُلُّ مَهْدُورِ الدَّمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجِنَايَاتِ.
كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ، لأِنَّهَا تُذْبَحُ لاِسْتِبْقَاءِ الآْدَمِيِّ، فَلاَ وَجْهَ لِلاِسْتِسْلاَمِ لَهَا، مِثْلُهَا مَا لَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا عَلَى إِنْسَانٍ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إِلاَّ بِكَسْرِهَا.
أَمَّا إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مُسْلِمًا غَيْرَ مَهْدُورِ الدَّمِ فَلاَ يَجِبُ دَفْعُهُ فِي الأْظْهَرِ، بَلْ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَنُّ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: كُنْ كَابْنِ آدَمَ» يَعْنِي هَابِيلَ - وَلِمَا وَرَدَ عَنِ الأْحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَفْسَهُ، وَمَنَعَ حُرَّاسَهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنْهُ - وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ - وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رضى الله عنهم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، مَعْصُومَ الدَّمِ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُمَا؛ لأِنَّهُمَا لاَ إِثْمَ عَلَيْهِمَا كَالْبَهِيمَةِ.
وَاسْتَثْنَى الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا:
أ - لَوْ كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَالِمًا تَوَحَّدَ فِي عَصْرِهِ، أَوْ خَلِيفَةً تَفَرَّدَ، بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَيَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ.
ب - لَوْ أَرَادَ الصَّائِلُ قَطْعَ عُضْوِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ لاِنْتِفَاءِ عِلَّةِ الشَّهَادَةِ.
قَالَ الأْذْرَعِيُّ رحمه الله: وَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ عُضْوٍ عِنْدَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، وَعَنْ نَفْسٍ ظَنَّ بِقَتْلِهَا مَفَاسِدَ فِي الْحَرِيمِ وَالْمَالِ وَالأْوْلاَدِ.
ج - قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إِنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعَ الصَّائِلِ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَإِلاَّ فَلاَ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفِتْنَةِ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا.
أَمَّا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ» وَلأِنَّ عُثْمَانَ رضى الله عنه تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ قِتَالَهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ .
قَتْلُ الصَّائِلِ وَضَمَانُهُ:
إِنْ قَتَلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَنَحْوِهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ.
أَمَّا إِذَا تَمَكَّنَ الصَّائِلُ مِنْ قَتْلِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الصَّائِلِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ يَضْمَنُ الْبَهِيمَةَ الصَّائِلَةَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ، لأِنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ لإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ إِذَا أَكَلَهُ.
وَمِثْلُ الْبَهِيمَةِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَضْمَنُهُمَا إِذَا قَتَلَهُمَا، لأِنَّهُمَا لاَ يَمْلِكَانِ إِبَاحَةَ أَنْفُسِهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّا لَمْ يُقْتَلاَ.. لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ قَاتِلِ الصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ الصَّائِلَيْنِ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ؛ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي حَقِّ قَاتِلِ الْبَهِيمَةِ فَهُوَ الْقِيمَةُ .
وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ إِنْ أَمْكَنَ ، فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِكَلاَمٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ بِالنَّاسِ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ بِسَوْطٍ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ بِعَصًا، أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ دَفْعُهُ بِقَتْلٍ، لأِنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ فِي الأْثْقَلِ مَعَ إِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالأْخَفِّ.
وَعَلَيْهِ فَلَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِشَيْءٍ آخَرَ، كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، أَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ كُفَى شَرُّهُ وَلأِنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّفْعُ لاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ غَلَبَةُ ظَنِّ الْمَصُولِ عَلَيْهِ، فَلاَ يَكْفِي تَوَهُّمُ الصِّيَالِ، أَوِ الشَّكُّ فِيهِ، فَإِنْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ، وَعَدَلَ إِلَى رُتْبَةٍ - مَعَ إِمْكَانِ دَفْعِهِ بِمَا دُونَهَا - ضَمِنَ، فَإِنْ وَلَّى الصَّائِلُ هَارِبًا فَاتَّبَعَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ، وَقَتَلَهُ ضَمِنَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، وَكَذَا إِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ ثُمَّ وَلَّى هَارِبًا فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً وَقَطَعَ رِجْلَهُ مَثَلاً فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، فَإِنْ مَاتَ الصَّائِلُ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ فَعَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لأِنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا مِنْهَا:
أ - لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا وَنَحْوِهِمَا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لاَ يَجِدُ إِلاَّ السَّيْفَ فَلَهُ الضَّرْبُ بِهِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إِلاَّ بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ.
ب - لَوِ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَدَّ الأْمْرُ عَنِ الضَّبْطِ فَلَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَدَيْهِ، دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ.
ج - إِذَا ظَنَّ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّائِلَ لاَ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا إِنْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ هُوَ بِهِ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْطَعُ طَرَفَهُ. وَيُصَدَّقُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ إِمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ، لِعُسْرِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ.
د - إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُهْدَرَ الدَّمِ - كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ - فَلاَ تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي حَقِّهِ بَلْ لَهُ الْعُدُولُ إِلَى قَتْلِهِ، لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ .
الْهَرَبُ مِنَ الصَّائِلِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْهَرَبِ مِنَ الصَّائِلِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَهْرُبَ أَوْ يَلْتَجِئَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ حَاكِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقِتَالُ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالأْهْوَنِ فَالأْهْوَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الأْشَدِّ مَعَ إِمْكَانِ الأْسْهَلِ وَلأِنَّهُ أَمْكَنَهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ إِضْرَارِ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِوُجُوبِ الْهَرَبِ أَنْ يَكُونَ بِلاَ مَشَقَّةٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ فَلاَ يَجِبُ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِلُ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَوْ صَالَ عَلَيْهِ مُرْتَدٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ لَمْ يَجِبِ الْهَرَبُ وَنَحْوُهُ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ - حَيْثُ وَجَبَ الْهَرَبُ - فَقَاتَلَ وَقَتَلَ الصَّائِلَ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْجَهُ، وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لَهُمْ أَيْضًا.
وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ إِقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ، فَلاَ يُكَلَّفُ الاِنْصِرَافُ.
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمَصُولَ عَلَيْهِ إِنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِالْهَرَبِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ .
الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ:
لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ إِذَا صَالَ عَلَيْهَا صَائِلٌ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ إِذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا.
وَاسْتَدَلُّوا فِي وُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ وَأَطْرَافِهِ بِنَفْسِ الأْدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ - إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا - حُكْمُهُ كَحُكْمِ دِفَاعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ، وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إِذْ لاَ يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ - عِنْدَهُمْ - إِذَا أَمِنَ الْهَلاَكَ عَلَى نَفْسِهِ، إِذْ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلاً عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَلاَ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا أَصَحُّ الطُّرُقِ عِنْدَهُمْ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
أَوَّلُهُمَا: يَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ قَطْعًا، لأِنَّ لَهُ الإْيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ - أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
ثَانِيهِمَا: لاَ يَجُوزُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ الْغَيْرِ، لأِنَّ شَهْرَ السِّلاَحِ يُحَرِّكُ الْفِتَنَ، وَخَاصَّةً فِي مَجَالِ نُصْرَةِ الآْخَرِينَ، وَلَيْسَ الدِّفَاعُ عَنِ الْغَيْرِ مِنْ شَأْنِ آحَادِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الإْمَامِ وَوُلاَةِ الأْمُورِ.
وَيَجْرِي هَذَا الْخِلاَفُ فِي الْمَذْهَبِ بِالنِّسْبَةِ لآِحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَغَيْرُهُ - مِنَ الْوُلاَةِ - فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى نَفْسِ الْغَيْرِ اتِّفَاقًا .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهَا مِنَ الأْطْرَافِ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ، وَمَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَإِلاَّ حَرُمَ الدِّفَاعُ .
دَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الْعِرْضِ:
- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى بُضْعِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لأِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَمِثْلُ الزِّنَا بِالْبُضْعِ فِي الْحَكَمِ مُقَدِّمَاتُهُ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَدَّى إِلَى قَتْلِ الصَّائِلِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. بَلْ إِنْ قُتِلَ الدَّافِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ مَنْعُ الْفَاحِشَةِ - وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا لِوُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِهِ وَعِرْضِ غَيْرِهِ: أَنْ لاَ يَخَافَ الدَّافِعُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِ أَعْضَائِهِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَصُولُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الزِّنَا بِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا إِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ، لأِنَّ التَّمْكِينَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، وَفِي تَرْكِ الدَّفْعِ نَوْعُ تَمْكِينٍ، فَإِذَا قَتَلَتِ الصَّائِلَ - وَلَمْ يَكُنْ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالْقَتْلِ - فَلاَ تَضْمَنُهُ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضى الله عنه: وَاللَّهِ لاَ يُودَى أَبَدًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
وَفِي الْمُغْنِي: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ - أَوْ بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ - وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ، وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنِ الزِّنَا حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلاَ دِيَةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - بَيْنَمَا هُوَ يَتَغَدَّى يَوْمًا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَعْدُو وَمَعَهُ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، فَجَاءَ حَتَّى قَعَدَ مَعَ عُمَرَ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَأَقْبَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا مَعَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: إِنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ فَأَصَابَ وَسَطَ الرَّجُلِ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ .
- وَإِذَا قَتَلَ رَجُلاً، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهَا وَقَتَلَهُ، قَالَ عَلِيٌّ: إِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِلاَّ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ، فَلاَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيِّنَةِ.
فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضى الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعِهِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ». الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي شَاهِدَانِ، لأِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الزِّنَا .
وَكَذَا لَوْ قَتَلَ رَجُلاً فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ عَلَى مَنْزِلِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ، قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِلِ فِي الْقِيَاسِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فِي الاِسْتِحْسَانِ، لأِنَّ دَلاَلَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لاَ الْمَالِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ يَحْضُرُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ قَوْلُهَا: دَخَلَ دَارَهُ شَاهِرًا السِّلاَحَ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهَا: دَخَلَ بِسِلاَحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِفَسَادٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إِلَى هَذَا بِالسِّلاَحِ الْمَشْهُورِ فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلاً دَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلاَحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلاَحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُولِ لاَ يُوجِبُ إِهْدَارَ دَمِهِ.
وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلاَنِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلاً: إِنِّي جَرَحْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الآْخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالأْصْلُ عَدَمُهُ .
وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، شَهَادَة).
دَفْعُ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ:
- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» . وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى مَالِهِ إِلاَّ بِالْقَتْلِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ، أَوْ رَأَى رَجُلاً يَثْقُبُ حَائِطَهُ، أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ .
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِلْوُجُوبِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِهِ هَلاَكٌ، أَوْ شِدَّةُ أَذًى، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَالِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَا رُوحٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْهُ، قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا إِنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالاً مُودَعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عَلَى بُضْعٍ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إِتْلاَفًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، مِنْ بَابِ الأْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَى الْمَالِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ كَفَّارَةٍ وَلاَ قِيمَةٍ، لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالأْدِلَّةِ السَّابِقَةِ بِالْقِتَالِ وَالْقَتْلِ، وَبَيْنَ الأْمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، قَالَ تَعَالَى: ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وَقَالَ أَيْضًا: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ مِنْ جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمَالِ صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لِمَالِكِهِ دَفْعُهُ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الصَّائِلَ الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَالأْخْرَى: إِذَا كَانَ الصَّائِلُ مُكْرَهًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.
قَالَ الأْذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِي آحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الدِّفَاعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلاَ مَالِ غَيْرِهِ، وَلاَ حِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْهَلاَكِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا. وَتَرْكُ الْقِتَالِ عَلَى مَالِهِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِتَالِ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ.
أَمَّا دَفْعُ الإْنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ظَنِّ سَلاَمَةِ الدَّافِعِ وَالصَّائِلِ، وَإِلاَّ حُرِّمَ الدِّفَاعُ.
قَالُوا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ مَعَ ظَنِّ السَّلاَمَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» ، وَلأِنَّهُ لَوْلاَ التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ، لأِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَالِ إِنْسَانٍ - وَلَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ - فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْكُلِّ، وَاحِدًا وَاحِدًا .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 268
قَتْلُ الْهِرَّةِ الصَّائِلَةِ:
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتِ الْهِرَّةُ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ؛ لِصِيَالِهَا، وَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا بِدُونِهِ كَالصَّائِلِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا بِأَنْ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِضَرْبٍ أَوْ زَجْرٍ فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا، بَلْ يَدْفَعُهَا بِالأَْخَفِّ فَالأَْخَفِّ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَلَوْ كَانَتِ الْهِرَّةُ صَغِيرَةً مَثَلاً وَلاَ يُفِيدُ مَعَهَا الدَّفْعُ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنَ الْبَيْتِ وَيُغْلِقَهُ دُونَهَا، أَوْ بِأَنْ يُكَرِّرَ دَفْعَهَا عَنْهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا وَلاَ ضَرْبُهَا ضَرْبًا شَدِيدًا.
وَيَشْمَلُ حُكْمُ وُجُوبِ دَفْعِ الْهِرَّةِ بِالأْخَفِّ فَالأْخَفِّ كَالصَّائِلِ مَا لَوْ خَرَجَتْ أَذِيَّتُهَا عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْعَادَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلاَفُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، كَمَا فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ.
وَلَوْ صَارَتِ الْهِرَّةُ ضَارِيَةً مُفْسِدَةً فَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ - لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزَ عَنْهَا سَهْلٌ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَتْلَهَا مُطْلَقًا؛ أَيْ سَوَاءٌ فِي حَالِ صِيَالِهَا أَوْ حَالِ سُكُونِهَا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِدُونِ الْقَتْلِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ؛ لأِنَّهَا قَدْ تَعُودُ وَتُتْلِفُ مَا دُفِعَ عَنْهَا مَعَ التَّغَافُلِ عَنْهُ؛ وَلأِنَّهَا - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - لاَ يُكَفُّ شَرُّهَا إِلاَّ بِالْقَتْلِ.
وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ حَيْثُ أَفْتَى بِقَتْلِ الْهِرِّ إِذَا خَرَجَ أَذَاهُ عَنِ الْعَادَةِ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ الأْذْرَعِيُّ: فِي هِرٍّ مُهْمَلٍ لاَ مَالِكَ لَهُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَأَلْحَقَهُ الْقَاضِي بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ.
وَالْوَجْهُ جَوَازُ الدَّفْعِ كَذَلِكَ فِي الْهِرَّةِ الْحَامِلِ، بَلْ وُجُوبُهُ وَلاَ نَظَرَ لِكَوْنِهَا حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؛ لأِنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ حَيَاتَهُ، وَتَيَقَّنَّا إِضْرَارَهَا لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا فَرُوعِيَ.
وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وِلاَدَةِ هِرَّةٍ فِي مَحَلٍّ وَتَأْلَفُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ بِحَيْثُ تَذْهَبُ وَتَعُودُ إِلَيْهِ لِلإْيوَاءِ فَهَلْ يَضْمَنُ مَالِكُ الْمَحَلِّ مُتْلَفَهَا؟ وَأَجَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ وَإِلاَّ ضَمِنَ ذُو الْيَدِ.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ ذَبْحَ الْهِرَّةِ إِذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً بِسِكِّينٍ حَادٍّ وَيُكْرَهُ ضَرْبُهَا وَفَرْكُ أُذُنِهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ: يَجُوزُ ذَبْحُ الْهِرَّةِ لِنَفْعٍ مَا وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ إِذَا خَرَجَتْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ إِذَايَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ، وَوَقَعَتِ الإْذَايَةُ مِنْهُ فَلْتَةً فَلاَ يُقْتَلُ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (صِيَال ف 5).