loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما من الُمقرَّر أن القصد الجنائي فى جريمة الحريق العمد المنصوص عليها فى المادة 252 من قانون العقوبات ، والتي نشأ عنها موت المجني عليهم – التي دين بها الطاعن – يتحقق بمجرد وضع الجاني النار عمداً فى المكان المسكون أو المعد للسكنى أو فى أحد ملحقاته المتصلة به ، فمتى ثبت للقاضي أن الجاني تعمَّد وضع النار على هذا الوجه ، وجب تطبيق تلك المادة ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه وضع النار عمداً فى منزل عمه ، مما أدى إلى اشتعاله وموت المجني عليهم ، ودانه بالمادتين 252/1 ، 257 من قانون العقوبات ، يكون قد طبَّق القانون تطبيقاً صائباً ، فإن النعي على الحكم بعدم استظهار القصد الجنائي يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه – فيما سلف – قد أثبت توافر القصد المباشر لدى الطاعن – تعمد وضع النار فى المسكن – وهو ما اعترف به فى تحقيقات النيابة العامة – مع علمه بتواجد المجني عليهم بمكان الحريق - وكان البيِّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن إصابات المجني عليهم التي أودت بحياتهم حدثت نتيجة الحروق النارية وما أحدثته من صدمة عصبية ، وهو ما يكفي لمسئوليته عن وفاتهم باعتبارها نتيجة مترتبة على جريمة الحريق العمدي ، ويكون الحكم حين طبق المادة 257 من قانون العقوبات قد صادف صحيح القانون ، وأضحى ما يثيره الطاعن على غير سند .

(الطعن رقم 21966 لسنة 84 جلسة 2015/04/01)

2- لما كان الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن بوصف أنه أولاً : هو – وآخرين– ارتكبوا عمداً أحد الأفعال المخالفة لأحكام قانون البيئة بأن تسببوا فى زيادة مستوى النشاط الإشعاعى وتركيزات المواد المشعة بالهواء عن الحد المسموح به بعدم اتخاذهم الاحتياطات اللازمة التى تضمن عدم حدوث أضرار بالبيئة حال تداولهم المصادر المشعة وعند نقلها إلى مواقع العمل فى مجال الكشف عن عيوب اللحامات بخطوط الغاز دون توافر اشتراطات الوقاية من إخطارها مما ترتب عليه وفاة ...... وابنه ...... بأن استعملوا المصادر المشعة المؤينة المشار إليها فى أعمال الكشف عن اللحامات بخطوط الغاز الطبيعى المار بقرية ..... ولم يبلغوا المكتب التنفيذى للوقاية عن خطر الإشعاع بفقد أحدها فى موقع العمل ولم يتخذوا الإجراءات الضرورية للوقاية من أخطاره فعثر عليه المجنى عليه الأول فى أرضه الزراعية واحتفظ به فى مسكنه وهو لا يدرك مدى خطورته مما نتج عنه زيادة مستوى النشاط الإشعاعى به فأحدث إصابته والمجنى عليه الثانى بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية المرفقة والتى أودت بحياتهما وإصابة زوجته وشقيقته وأبنائه الثلاثة بالإصابات المبينة بالتقارير الطبية المرفقة على النحو المبين بالتحقيقات . ب – لم يتخذوا جميع الاحتياطات والاشتراطات المشار إليها بتقرير هيئة الطاقة الذرية ووزارة الصحة عند تداول واستعمال الإشعاعات المؤينة ﺠ – استعملوا الإشعاعات المؤينة بغير ترخيص . ثانياً : الطاعن وحده : أ– لم يعد مخازن مستوفية لاشتراطات الوقاية المقررة قانوناً لتخزين ونقل المصادر المشعة . ب – تسبب فى زيادة مستوى النشاط الإشعاعى وتركيزات المواد المشعة بالهواء عن الحد المسموح بها نتيجة عدم قيامه بإبلاغ المكتب التنفيذى لشئون الوقاية من خطر التعرض للإشعاعات المؤينة بفقد المصدر المشع رقم ..... وعدم اتخاذه الإجراءات الضرورية للوقاية من خطر الإشعاع ، وعاقب الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عملاً بالمواد 18/1 ، 29/1 ، 33/1 ، 47، 85 ، 88 ، 95 من القانون رقم 4 لسنة 1994 فى شأن البيئة والمواد 1 ، 2/1 ، 2 ، 7 ، 21/1 ، 2 ، 4 من القرار بالقانون رقم 59 لسنة 1960 بتنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة والوقاية من أخطارها والمادة 10 من قرار وزير الصحة رقم 630 لسنة 1962 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون الأخير . وذلك بعد أن أعمل الحكم المادة 32 من قانون العقوبات لارتباط الجرائم المنسوبة إلى الطاعن ارتباطاً لا يقبل التجزئة وأوقع عقوبة الجريمة الأشد وهى تلك المقررة للجريمة المبينة بالوصف (أ) من البند أولاً وذلك عملاً بحكم المادة 95 من القانون رقم 4 لسنة 1994 فى شأن البيئة والتى جرى نصها على أنه " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من ارتكب عمداً أحد الأعمال المخالفة لأحكام هذا القانون إذا نشأ عنه أصابة أحد الأشخاص بعاهة مستديمة يستحيل برؤها ، وتكون العقوبة السجن إذا نشأ عن المخالفة إصابة ثلاثة أشخاص فأكثر بهذه العاهة ، فإذا ترتب على هذا الفعل وفاة إنسان تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة. وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا ترتب على الفعل وفاة ثلاثة أشخاص فأكثر " . لما كان ذلك ، وكانت هذه المادة إنما هى صورة من الصور التى تطبق فيها نظرية القصد الاحتمالى كما هو الحال فى المادة 257 من قانون العقوبات وغيرها من الحالات التى يسائل فيها الجاني أخذاً بقصده الاحتمالى ، وكان القصد الاحتمالى هو توقع النتيجة الإجرامية كأثر ممكن للفعل ثم قبولها ، بمعنى أنه إذا اقترف الجاني فعله يريد تحقيق نتيجة إجرامية معينة ولكن الفعل أفضى إلى نتيجة أخرى أشد جسامة من الأولى وكان فى استطاعه الجاني ومن واجبه أن يتوقعها فإن القصد الاحتمالى يعد متوافراً لديه بالنسبة لها ويكون أساساً لمسئوليته عنها ، وتفترض فكرة القصد الاحتمالى أنه قد توافر لدى الجاني القصد المباشر بالنسبة للنتيجة التى أراد تحقيقها بارتكاب الفعل ، وهو ما يعنى أن القصد الاحتمالى لا يقوم مستقلاً بذاته دون أن يستند إلى قصد مباشر يتوافر لدى الجاني أولاً ، ومن ثم كان التحقق من توافر القصد المباشر أمراً لابد منه قبل القول بتوافر القصد الاحتمالى ، ولما كان القصد الجنائي فى كل صوره يفترض نتيجة ينصرف إليها ويكون أساساً للمسئولية عنها ، فإن اجتماع القصد المباشر والقصد الاحتمالى يفترض حتماً نتيجتين إحداهما أشد جسامة من الأخرى ، فالقصد المباشر ينصرف إلى النتيجة الأقل جسامة بينما ينصرف القصد الاحتمالى إلى النتيجة الأشد جسامة ، فإذا لم يتوافر القصد المباشر لدى الجاني لأن إرادته لم تتجه – عندما اقترف فعله – إلى تحقيق نتيجة إجرامية فلا سبيل إلى توافر القصد الاحتمالى ، فإذا أفضى الفعل إلى نتيجة إجرامية فلا يسأل عنها سوى مسئولية غير عمدية . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن إصابات المجنى عليهم المبينة أسماؤهم بوصف التهمة الأولى المسندة إلى الطاعن والموضحة بالتقارير الطبية والتى أودت بحياة اثنين منهم قد حدثت نتيجة زيادة مستوى النشاط الإشعاعى وتركيزات المواد المشعة فى الهواء عن الحد المسموح به بالمخالفة للمادة 47 من القانون رقم 4 لسنة 1994 فى شأن البيئة والتى فرضت المادة 88 من القانون ذاته عقوبتى السجن والغرامة جزاء على مخالفتها ، ومن ثم فإنه كى يصح مؤاخذة الطاعن بالقصد الاحتمالى وتقرير مسئوليته عن إصابة ووفاة المجنى عليهم ومعاقبته بالأشغال الشاقة المؤقتة عملاً بالمادة 95 من قانون البيئة سالف الذكر أن يتوافر لدى الطاعن القصد الجنائي المباشر فى مخالفة المادة 47 من القانون سالف الإشارة إليه ، بمعنى أن تكون إرادته قد اتجهت إلى زيادة النشاط الاشعاعى وتركيزات المواد المشعة فى الهواء عن الحد المسموح به وأن يعنى الحكم باستظهار هذا القصد، ولا يكفى فى هذا الصدد أن تكون هذه الزيادة فى النشاط الاشعاعى قد تحققت نتيجة فعل عمدى قوامه الامتناع عن القيام بواجب يفرضه قانون البيئة أو قانون تنظيم العمل بالإشعاعات الصادر بالقرار بالقانون رقم 59 لسنة 1960 والتى فرض لها القانون عقوبة الجنحة مادام لم يثبت أن إرادة الطاعن قد اتجهت إلى تحقيق هذه النتيجة بزيادة النشاط الإشعاعى ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعن بالأشغال الشاقة المؤقتة عملاً بنص المادة 95 من القانون رقم 4 لسنة 1994 فى شأن البيئة دون أن يدلل على توافر القصد الجنائي المباشر لديه فى مخالفة المادة 47 من ذات القانون . فإنه يكون معيباً بقصور فى التسبيب جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون ، بما يوجب نقضه بالنسبة لهذه التهمة وما ارتبط بها من تهم أخرى بالنسبة للطاعن وسائر المحكوم عليهم بما فيهم من لم يقرر بالطعن أو قضى بعدم قبول طعنه شكلاً . لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة .

(الطعن رقم 56615 لسنة 73 جلسة 2005/02/06 س 56 ص 116 ق 14)

شرح خبراء القانون

ويلاحظ في النص محل التعليق أن القانون يلقي عبء النتيجة المشار إليها على عاتق الجاني ولو لم يتوقعها متى كانت محتملة وفقاً للمجرى العادي للأمور وتحقق هذه النتيجة يعد ظرفاً مشدداً لعقوبة الحريق فبدلاً من السجن أو الأشغال الشاقة يعاقب فاعل الحريق بالإعدام.

ويشترط لتطبيق المادة 257 عقوبات ثلاثة شروط هي : الأول : أن يكون قد وقع حريق معاقب عليه بإحدى المواد السابقة. الثاني : أن يكون قد نشأ عن الحريق السالف ذكره موت شخص أو أكثر. الثالث : أن يكون هذا الشخص (أو الأشخاص) موجودين في الأماكن المحرقة اشتعال النار.

 وفيما يلي تفصيل لازم لكل شرط من الشروط سالفة الذكر.

الشرط الأول : وقوع حریق معاقب عليه :

يشترط لتطبيق المادة 257 عقوبات أن يكون الحريق مكوناً لجريمة من الجرائم المعاقب عليها في المواد السابقة لأن ظرف الموت الناشئ عن الحريق هو ظرف مشدد فيجب أن يكون مصطحباً بجناية حريق مستوفياً الأركان وهذا مستفاد من قول الشارع في المادة " وفي جميع الأحوال المذكورة إذا نشأ ع الحريق السالف ذكره ' فإنه يريد بذلك الأحوال المذكورة في المواد السابقة والحريق السالف ذكره في تلك المواد.

وعلى ذلك فلا تطبق المادة 257 على المالك الذي يحرق بناء غير مسكون ولا معد للسكنى ولم تنصرف إرادته إلى إضرار الغير ولو نشأ عن هذا الحريق موت شخص ولاتطبق المادة على من يتسبب بإهماله في إحداث حريق معاقب عليه بالمادة 360 عقوبات وإنما قد يعاقب الفاعل في هذه الأحوال علی قتل بإهمال .

الشرط الثاني :

أن يكون قد نشأ عن الحريق السالف ذكره موت شخص أو أكثر فلا يكفي التطبيق المادة 257 عقوبات أن يكون قد نشأ عن الحريق جروح أو إصابات غير مميتة لكن لا يشترط من جهة أخرى أن يكون الموت قد حصل في مكان الحريق بل يعاقب الجاني بالمادة 257 ولو لم يمت المصاب إلا بعد نقله إلى المستشفى أو إلى أي مكان آخر ولا عبرة بالزمن الذي يمضى بين حدوث الحريق وحصول الموت متى ثبت أن الموت كان مسبباً عن الحريق.

 الشرط الثالث : وجود المجنى عليه في المكان المحرق :

والشرط الثالث هو أن يكون المجنى عليه في مكان الحريق وقت اشتعال النار والمقصود بهذا وقت وضع النار فلا يسأل الجاني عما يقع من الحوادث بعد تمام الجريمة وبناء عليه لايعاقب الجاني بالإعدام إذا كان الذي مات بسبب الحريق شخصاً جاء بعد اشتعال النار لإخمادها كأحد عمال المطافي.

ولا يشترط لتطبيق المادة 257 عقوبات أن يكون الجاني قد تعمد قتل شخص أو أكثر ولا أن يكون قد علم بوجود أشخاص في المكان الذي ارتكب فيه جريمة الحريق.

ولايقبل منه الاعتذار بأنه لم يكن يعلم بوجود أحد في المكان الذي وقع فيه الحريق وظاهر أن القانون يأخذ هنا بنظرية القصد الاحتمالي فيجعل الجاني مسئولاً عن الموت الذي ينشأ عن الحريق باعتبار أنه كان يجب عليه أن يتوقع هذه النتيجة ولو لم يتوقعها بالفعل .

 عقوبة الجريمة :

يعاقب على الجريمة المنصوص عليها بالمادة 257 عقوبات وهي الحريق العمد المقترن بظرف مشدد هو موت شخص أو أكثر بالإعدام.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 589)

يلقى القانون عبء نتيجة موت شخص أو أكثر كان موجودة في الأماكن "المحرقة وقت اشتعال النار على عاتق الجاني ولو لم يتوقعها متى كانت محتملة وفقاً للمجرى العادي للأمور، وتحقق هذه النتيجة يعد ظرفاً مشدداً لعقوبة الحريق، فبدلاً من السجن أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة يعاقب فاعل الحريق بالإعدام.

ويشترط لتطبيق المادة التي نحن بصددها ثلاثة شروط:

 الأول : أن يقع حريق معاقب عليه بإحدى المواد السابقة، فلا تطبق المادة التي نحن بصددها على المالك الذي يحرق بناء غير مسكون ولا معد للسكنى ولم تنصرف إرادته إلى إضرار الغير ولو نشأ عن هذا الحريق موت شخص، ولا تطبق المادة على من يتسبب بإهماله في إحداث حريق معاقب عليه بالمادة (360) عقوبات، وإنما قد يعاقب الفاعل في هذه الأحوال على قتل بإهمال.

 الثاني : أن يكون قد نشأ عن الحريق موت شخص، ولا يشترط أن يحصل الموت في مكان الحريق، فكل ما يلزم أن يكون الموت بسبب الحريق ولو حصل بعد فترة من الزمن أو بعد نقل المصاب إلى مكان آخر، أما إذا نشأ عن الحريق مجرد إصابة فلا يعاقب الجاني بمقتضى هذا النص، ولو كانت الإصابة مميتة مادامت لم تؤد إلى الموت.

الثالث : أن يكون المجني عليه في مكان الحريق وقت اشتعال النار، والمقصود بهذا وقت وضع النار، فلا يسأل الجاني عما يقع من الحوادث بعد تمام الجريمة. وبناءاً عليه لا يعاقب الجاني بالإعدام إذا كان الذي مات بسبب الحريق شخصاً جاء بعد اشتعال النار لإخمادها كأحد عمال المطافئ.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 710)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة /  119

الإْحْرَاقُ الْعَمْدُ:

يُعْتَبَرُ الإْحْرَاقُ بِالنَّارِ عَمْدًا جِنَايَةُ عَمْدٍ. وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَمْدِ؛ لأِنَّ هَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْمُحَدَّدِ.

وَتَفْصِيلُهُ فِي (الْجِنَايَاتِ) .

الْقِصَاصُ بِالإْحْرَاقِ:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ؛ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ بِمَا قَتَلَ بِهِ وَلَوْ نَارًا. وَيَكُونُ الْقِصَاصُ بِالنَّارِ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّعْذِيبِ بِهَا. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)  وَقَوْلِهِ تَعَالَى( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)  وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنِ النَّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَفِيهِ: «مَنْ حَرَقَ حَرَقْنَاهُ» .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الْقَوَدَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ وَإِنْ قَتَلَ بِغَيْرِهِ، فَلَوِ اقْتَصَّ مِنْهُ بِالإْلْقَاءِ فِي النَّارِ عُزِّرَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: «لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ». وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَالطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ .

الإْحْرَاقُ الْمَضْمُونُ وَغَيْرُ الْمَضْمُونِ:

إِذَا أَوْقَدَ الشَّخْصُ نَارًا فِي أَرْضِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي مَوَاتِ حِجْرِهِ، أَوْ فِيمَا يَسْتَحِقُّ الاِنْتِفَاعَ بِهِ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ إِلَى دَارِ جَارِهِ فَأَحْرَقَتْهَا، فَإِنْ كَانَ الإْيقَادُ بِطَرِيقَةٍ مِنْ شَأْنِهَا أَلاَّ تَنْتَقِلَ النَّارُ إِلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الإْيقَادُ بِطَرِيقَةٍ مِنْ شَأْنِهَا انْتِقَالُ النَّارِ إِلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ النَّارُ، وَذَلِكَ كَأَنْ كَانَ الإْيقَادُ وَالرِّيحُ عَاصِفَةٌ، أَوْ وَضَعَ مَادَّةً مِنْ شَأْنِهَا انْتِشَارُ النَّارِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ.

وَعَدَمُ الضَّمَانِ فِي الْحَالَةِ الأْولَى مَرْجِعُهُ إِلَى قِيَاسِهَا عَلَى سِرَايَةِ الْجَرْحِ فِي قِصَاصِ الأْطْرَافِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسَبَبِ التَّقْصِيرِ. فَإِنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ مَا لاَ يَمْلِكُ الاِنْتِفَاعَ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ النَّارُ؛ لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ .

مِلْكِيَّةُ الْمَغْصُوبِ الْمُتَغَيِّرِ بِالإْحْرَاقِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَتِ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا، وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا، كَمَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا، أَوْ حَدِيدًا فَاتَّخَذَهُ سَيْفًا، أَوْ نُحَاسًا فَعَمِلَهُ آنِيَةً. وَسَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِيَّةِ أَنَّ الْغَاصِبَ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوَّمَةً؛ لأِنَّ  قِيمَةَ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا، وَبِهَذَا يُعْتَبَرُ حَقُّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الاِسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ. وَحَقُّ الْغَاصِبِ فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا هُوَ قَائِمٌ  مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُرَجَّحٌ عَلَى الأَْصْلِ الَّذِي هُوَ فَائِتٌ وَهَالِكٌ مِنْ وَجْهٍ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ لَحْمًا، فَشَوَاهُ أَوْ طَبَخَهُ، أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ سِكِّينًا، أَوْ تُرَابًا لَهُ قِيمَةٌ فَاتَّخَذَهُ خَزَفًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَيَزُولُ مِلْكُهُ بِضَمَانِ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ، وَتَبْطُلُ وِلاَيَةُ الاِسْتِرْدَادِ، كَمَا إِذَا اسْتَهْلَكَهُ حَقِيقَةً.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لاَ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ، وَلاَ يَزُولُ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ؛ لأِنَّ  بَقَاءَ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يُوجِبُ بَقَاءَ مِلْكِ الْمَالِكِ؛ لأِنَّ  الْوَاجِبَ الأْصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهَا، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ، فَتَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، وَتَتْبَعُهُ الصَّنْعَةُ الْحَادِثَةُ؛ لأِنَّ هَا تَابِعَةٌ لِلأْصْلِ، وَلاَ مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ؛ لأِنَّهُ مَحْظُورٌ فَلاَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ أَوِ الْعَيْنِ مَعَ الأْرْشِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ الْغَاصِبَ يُشَارِكُ الْمَالِكَ بِكُلِّ الزِّيَادَةِ؛ لأِنَّ هَا حَصَلَتْ بِمَنَافِعِهِ، وَمَنَافِعُهُ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الأْعْيَانِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ غَيْرَ مُصَنَّعَةٍ، ثُمَّ تُقَوَّمَ مُصَنَّعَةً، فَالزِّيَادَةُ تَكُونُ لِلْغَاصِبِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ