1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما مفاده أنه على إثر مشادة بين الطاعن والمجنى عليها بسبب تبادلها الحديث والرسائل هاتفياً مع غيره وتفضله عليه ومحاولته رأب ذلك الصدع حماية لمستقبل الجنين الذي تحمله بين أحشائها إلا أنها بادرته بالسب والشتم وقامت بلطمه على وجهه فاشتد غضبه وأخذته الحمية وبدأ التعدي عليها ضرباً فحاولت الاستغاثة إلا أنه استل سكيناً بعد أن ملأ الحقد قلبه وانتوى من فوره قتلها ولم يشفع لها ما تحمله فى أحشائها وأخذ يكيل لها الطعنات فأصابت إحداها بيمين العنق محدثة بها إصابتها التي أودت بحياتها ولم يتركها إلا بعد أن تأكد أنها جثة هامدة ، ثم انتهى الحكم من بعد إلى ثبوت جناية إسقاط إمرأة حبلى عمداً فى حق المتهم كظرف مشدد لجناية القتل العمد الذي انتهى إلى ثبوتها فى حقه . لما كان ذلك ، وكانت المادة 260 من قانون العقوبات قد نصت على أن : ( كل من أسقط عمداً إمرأة حبلى بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالسجن المشدد) ، وهو ما يدل فى صريح لفظه وواضح معناه على أن تحقق جريمة إسقاط الحبلى تلك رهن بأن يكون الإسقاط عمداً وناتجاً عن ضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء ، وهو ما يتعين معه على المحكمة أن تتعرض للقصد الجنائي فى تلك الجريمة لإثبات عمديتها وتوافر نية الإسقاط فيها والوسيلة التي استخدمت لتحقيق النتيجة فيها . ولما كان الحكم المطعون فيه - على ما يبين من مدوناته - لم يلتفت لدفع الطاعن بانتفاء نيته فى جريمة إسقاط الحبلى عمداً كظرف مشدد لجريمة القتل العمد ، ولم يتقص أمر ثبوت تلك النية بلوغاً إلى غاية الأمر فى ذلك وبما ينحسم به ، فإنه يكون قد تعيب بالقصور الذي يبطله ويوجب نقضه والإعادة ، ولا يُعترض على ذلك بأن عقوبة السجن المشدد الموقعة على الطاعن مقررة لجريمة القتل العمد دون اقتران بجناية أخرى - وبفرض أن الحكم لم يخطئ فى تقدير ذلك - إلا أن عقوبة جناية القتل العمد المقترن بجناية أخرى وفق الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات هي الإعدام فى حين أن العقوبة هي السجن المؤبد أو السجن المشدد إذا كانت جريمة القتل العمد من غير سبق إصرار ولا ترصد - كما هو الحال فى الدعوى الماثلة - وبدون توافر ظرف الاقتران . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه - على ما يبين من مدوناته - قد جمع فى قضائه بين جريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد والظرف المشدد وهو اقتران تلك الجناية بجناية أخرى هي إسقاط امرأة حبلى عمداً ، وأوقع العقوبة على أساس توافر ظرف الاقتران بين الجريمتين ، وهو ما يجعلها الإعدام ، إلا أن المحكمة وقد رأت أن ظروف الواقعة تقتضي إعمال الرأفة وتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات - وهو من إطلاقاتها دون رقابة لمحكمة النقض عليها - ونزلت بالعقوبة درجتين وعاقبت الطاعن بالسجن المشدد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد شابه القصور فى التسبيب ؛ إذ أغفلت المحكمة بيان مدى توافر ظرف الاقتران بين جناية القتل العمد دون سبق الإصرار أو ترصد والجناية الأخرى - إسقاط امرأة حبلى عمداً - التي التفتت المحكمة أيضاً عن بيان أركانها ، فإنه لا يمكن الوقوف على ما كانت تنتهى إليه المحكمة فى خصوص العقوبة لو أنها بحثت مدى توافر ظرف الاقتران ومدى توافر أركان الجريمة المقترنة فى حق الطاعن ، سيما وقد أعملت فى حقه المادة 17 من قانون العقوبات ونزلت بالعقوبة درجتين رغم أنها لم تبين أساس الاقتران وشروطه ومدى توافره ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور الموجب لنقضه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن .
(الطعن رقم 10540 لسنة 84 جلسة 2015/04/02)
2- لما كانت جريمة الخطف بالتحايل والإكراه المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 260 من قانون العقوبات تتحقق بإبعاد الأنثى عن المكان الذى خطفت منه أياً ما كان هذا المكان بقصد العبث وذلك عن طريق استعمال طرق احتيالية من شأنها التغرير بالمجنى عليها وحملها على مرافقة الجاني أو باستعمال أية وسائل مادية أو معنوية من شأنها سلب إرادتها وكان من المقرر أن الركن المادى فى جريمة هتك يتحقق بأى فعل مخل بالحياة العرضى للمجنى عليها ويستطيل إلى جسمها ويخدش عاطفة الحياء عندها من هذه الناحية ولا يشترط لتوافره قانوناً أن يترك أثر بجسمها كما أن التحيل والإكراه فى جريمة الخطف وهتك العرض يتحقق بأن يكون الفعل قد ارتكب ضد إرادة المجنى عليها وبغير رضاها كما يتحقق بعدم بلوغ المجنى عليها درجة التمييز . لما كان ذلك , وكان الحكم قد استظهر ثبوت الفعل المادى للخطف وتوافر ركني التحيل والإكراه والقصد الجنائي فى جريمتي الخطف وهتك العرض فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 14206 لسنة 72 جلسة 2008/11/15 س 59 ص 507 ق 94)
3- الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان ، و متى تم ذلك فإن أركان هذه الجريمة تتوافر و لو ظل الحمل فى رحم الحامل بسبب وفاتها و ليس فى إستعمال القانون لفظ " الإسقاط " ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم ، فى مثل هذه الحالة ركن من أركان الجريمة ، ذلك بأن يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع إفترض بقاء الأم على قيد الحياة و لذك إستخدم لفظ الإسقاط ، و لكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى إنتهت حالة الحمل قبل الأوان ، و لو ظل الحمل فى الرحم بسبب وفاة الحامل ، لما كان ذلك ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل .
(الطعن رقم 260 لسنة 46 جلسة 1976/06/06 س 27 ص 596 ق 132)
4- إن رضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة ، ذلك أن النفس البشرية حرمة و لا تستباح بالإباحة . و من ثم فإن ذهاب المجنى عليها برضاها إلى المحكوم عليه الأول ليجرى لها عملية الإسقاط و وفاتها بسبب ذلك لا ينفى خطأ المحكوم عليه المذكور ، و ليس فى مسلك المجنى عليها ما يقطع علاقة السببية بين فعل المسقط و بين وفاة المجنى عليها .
(الطعن رقم 1127 لسنة 40 جلسة 1970/12/27 س 21 ع 3 ص 1250 ق 302)
5- المادة 60 من قانون العقوبات إنما تبيح الأفعال التى ترتكب عملاً بحق قرره القانون بصفة عامة ، وتحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطا بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانيها العقاب الذى فرضه الشارع لفعلته ، فلا يكون مقبولا ما عرض إليه المتهم فى دفاعه أمام محكمة الموضوع من أن الشريعة الإسلامية تبيح إجهاض الجنين الذى لم يتجاوز عمره أربعة شهور وأن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح ما تبيحه الشريعة .
(الطعن رقم 1193 لسنة 29 جلسة 1959/11/23 س 10 ع 3 ص 952 ق 195)
6- لما كان الحكم المطعون فيه اقتصر فى بيانه لواقعة الدعوى على قوله "وحيث إن واقعة الدعوى حسبما استقرت فى يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من مطالعة أوراقها والتحقيقات التي تمت فيها تخلص فى أن المتهم الأول ...... كان على علاقة آثمة بالمجنى عليها ...... وأخبرته أنها حبلى وحملت سفاحاً واتفقت معه على إسقاط حملها وإجهاض نفسها فاصطحبها إلى المتهم الثاني ........( طبيب النساء والتوليد ) واتفق على اجهاض المجني عليها وإسقاط حملها وذلك مقابل مبلغ مادي نقدى دفعه له وحدد لها الطبيب المتهم الثاني مستشفى .......لإجراء عملية الاجهاض واسقاط الحمل فتوجها للمستشفى المذكورة بتاريخ .... وتقابلا مع الطبيب المتهم الثاني بحضور الطبيب المتهم الثالث.... أخصائى التخدير حيث تقاضى الأخير من المتهم الأول مبلغاً نقدياً نظير اشتراكه فى إجراء تلك العملية وحال ذلك دخلت المجني عليها إلى غرفة العمليات صحبة الطبيبين المتهمين فأعطاها الطبيب المتهم الثاني طبيب النساء والتوليد عقاقير طبية " الديستيون ، الهيموستوب ، البريموستيون " بعد أن تم تخديرها بمعرفة الطبيب المتهم الثالث مما أدى لإسقاط حملها كما أدت لبعض المضاعفات لديها وحدوث قيء وتجمع بالقصبة الهوائية وأثر ذلك انتابتها نوبات من التشنج وفقد الوعى وراحت فى غيبوبة تامة نقلت على أثرها للعناية المركزة بمستشفى .... بمدينة ....في محاولة لإنقاذها إلا أن حالتها تفاقمت مما أدى إلى موتها ولم يقصد أياً من المتهمين الثلاثة قتلها ولكن ما لحق بها من إصابات أفضى إلى موتها . " وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو أدلة استقاها مما شهد به كل من .....أخصائى الرعاية المركزة بمستشفى.... بمدينة... و.....الطبيبة الشرعية ومن اعتراف المتهم الأول............بتحقيقات النيابة العامة وما انتهى إليه تقرير مصلحة الطب الشرعي وأورد الحكم مؤدى هذه الأدلة بما لا يخرج عما أورده فى بيانه لواقعة الدعوى . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون قد أوجب فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة بما يتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها ، كما أنه من المقرر قانوناً أنه يجب لصحة الحكم بالإدانة فى جريمة الإسقاط العمدى أن يتبين منه وجود جنين حى ( حمل ) وأن يتم فعل الإسقاط العمدى دون ضرورة ملجئة إليه ويقصد بالإسقاط كل فعل من شأنه موت الجنين أو إنزاله قبل الميعاد الطبيعى لولادته كما يلزم أن يبين الحكم علاقة السببية بين فعل الإسقاط وبين موت الجنين أو نزوله قبل الميعاد الطبيعى بما يفيد أن موت الجنين أو نزوله كان نتيجة لفعل الإسقاط ، وكان لا يبين سواء مما أورده الحكم المطعون فيه فى بيانه لواقعة الدعوى أو مما أورده من أدلة الإدانة أن الجنين كان حياً قبل إسقاطه كما خلص فيما نقله عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها إلى أن المجني عليها أجهضت ذاتياً بسبب ما تناولته من عقاقير وأدوية أعطاها لها المتهم الثاني دون تدخل جراحى – وأرسل القول بإدانة الطاعن دون أن يستظهر دوره – وهو طبيب تخدير – وما أتاه من أفعال فى ارتكاب جريمتى الإسقاط والضرب المفضي إلى موت المجني عليها وعلاقة تلك الأفعال بإسقاط المجني عليها ووفاتها من واقع دليل فنى – كما لم يدلل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به أركان جريمة الإسقاط التي دان الطاعن بها مما يعيبه بما يوجب نقضه ولا محل للقول بتطبيق نظرية العقوبة المبررة على اعتبار أن الطاعن دين بجريمة إعطاء المجني عليها أدوية وعقاقير ضارة أفضت إلى موتها وأن العقوبة المقضى بها مقررة لهذه الجريمة ذلك أن الطاعن ينازع فى الواقعة التي اعتنقها الحكم برمتها سواء بالنسبة لواقعة الإسقاط أو إعطاء المجني عليها أدوية أو عقاقير ضارة أفضت إلى موتها . لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بالنسبة للطاعن وحده – دون المحكوم عليهما ....و....... - كون الحكم قد صدر بالنسبة لهما غيابياً وليس لهما أصلاً حق الطعن على الحكم بطريق النقض فلا يمتد إليهما أثره.
(الطعن رقم 2683 لسنة 80 جلسة 2010/10/02)
7- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما حاصله أنه إذ حملت المجني عليها سفاحاً نتيجة علاقة آثمة بينها و بين المحكوم عليه الرابع ، فقد اتفقا على إجهاض حملها الذي بلغ قرابة الشهر السادس و لجأ إلى المحكوم عليه الثالث لمعاونتهما فى إيجاد طبيب يقبل القيام بالإجهاض و انتهى المطاف بثلاثتهم إلى أن اتفقوا مع الطاعن ، عن طريق المحكوم عليه الثاني الذي يعمل ممرضاً بعيادته ، على أن يتولى إجهاض حمل المجني عليها لقاء مبلغ معين يسلمه هذا الوسيط ، ثم فى اليوم المتفق عليه قام الطاعن بمعاونة المحكوم عليه الثاني ، بإسقاط المجني عليها و أجرى لها عملية إجهاض نتج عنها موتها . و ساق الحكم على ثبوت الواقعة فى حق الطاعن - و المحكوم عليهم الآخرين - أدلة استمدها من اعتراف المحكوم عليه الرابع و إقرار المحكوم عليهما الثاني و الثالث ، و إقرار الطاعن بدخول المجني عليها عيادته منذ ........ و بقائها حتى وافتها المنية فى ....... ، و مما أسفرت عنه تحريات الشرطة و ما تضمنه التقريران الطبيان الشرعيان المؤرخان ........ و ......... و هي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها و لم يجادل الطاعن فى أن كلاً منها يرتد إلى مورد صحيح بالأوراق .
(الطعن رقم 543 لسنة 57 جلسة 1987/05/12 س 38 ع 1 ص 677 ق 118)
8- حيث أن الاصل أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم و أن من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع أوصافها و أن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً لأنها و هى تفصل فى الدعوى لا تتقيد بالواقعة فى نطاقها الضيق المرسوم فى وصف التهمة المحال عليها بل إنها مطالبة بالنظر فى الواقعة الجنائية التى رفعت بها الدعوى على حقيقتها كما تبينتها من الأوراق و من التحقيق الذى تجريه بالجلسة ، إلا أنه يجب أن تلتزم فى هذا النطاق بالا تعاقب المتهم عن واقعة مادية غير التى وردت فى أمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور دون أن تضيف إليها شيئاً ، و إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية رفعت على المطعون ضده بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار فعدلت المحكمة وصف التهمة إلى الضرب المفضى إلى الموت بعد إستبعاد نية القتل و ظرف سبق الإصرار ، دون أن يتضمن التعديل واقعة مادية أو عناصر جديدة مختلفة عن الأولى ، و من ثم فإن الوصف المعدل الذى نزلت إليه المحكمة لا يجافى التطبيق السليم فى شيء ، و ما كان لها أن تحاكم المتهم عن جناية اسقاط حبلى عمداً - كما ورد بوجه الطعن ، بفرض قيام تلك الجريمة فى الأوراق - باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد - ذلك أن تلك الجريمة لا يكفى لتوافرها أن يكون الفعل الذى نتج عنه الإسقاط قد وقع عمداً بل يجب أن يثبت أنه أ رتكب بقصد إحداث الإسقاط ، فالإسقاط جريمة مستقلة قائمة بذاتها لا يمكن قطعاً أن توصف بأنها ضرب أفضى إلى الموت ، و من ثم فان مطالبة المحكمة باجراء هذا التعديل أمر مخالف للقانون .
(الطعن رقم 1829 لسنة 50 جلسة 1981/03/29 س 32 ص 293 ق 51)
جرائم الإجهاض
تعريف الإجهاض هو إخراج الجنين عمداً من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ، أو قتله عمداً في الرحم.
ويتضح من هذا التعريف أن للإجهاض صورتين : الصورة الرئيسية ، وهي الأكثر حدوثاً في العمل تفترض إخراج الجنين من الرحم بوسيلة غير تلقائية قبل الموعد الطبيعي لولادته ؛ وتتحقق هذه الصورة ولو خرج الجنين حياً وقابلاً للحياة أما الصورة الثانية فهي تفترض قتل الجنين في الرحم ، ولا ترتهن بخروجه منه وبين الصورتين صلة وثيقة : فخروج الجنين حياً قبل الموعد الطبيعي لولادته يفضي في الغالب إلى موته بعد وقت قليل ؛ ومن ناحية ثانية فإن قتل الجنين في الرحم يستتبع خروجه منه ، لأن بقاءه فيه يهدد حياة الحامل أو صحتها بالخطر ويستبعد هذا التعريف من نطاق الإجهاض حالة ما إذا خرج الجنين من الرحم بوسيلة تلقائية، أي نتيجة التقلصات الطبيعية لعضلات الرحم حياً أو ميتاً ، وهو ما يعرف « بالولادة المبتسرة ».
ويصدق هذا التعريف على جرائم الإجهاض المتنوعة : فقد ترتكب الحامل الإجهاض وقد يرتكبه غيرها ؛ وقد يرتكب بوسائل عنيفة وقد يتجرد من العنف ؛ وقد تكون صفة الجاني ظرفاً مشدداً ونستطيع تأصيل جرائم الإجهاض بردها إلى جريمتين : إجهاض الحامل نفسها وإجهاض الغير لها .
فالجريمة الأولى نوع واحد وذات عقوبة واحدة ، أما الجريمة الثانية فذات صورة بسيطة إذا ارتكبت في غير عنف ، ثم يشدد عقابها إذا كان العنف وسيلتها ، ويشدد العقاب كذلك إذا كان مرتكبها ذا صفة خاصة بأن كان، طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً .
نتناول بالدراسة أولاً الأركان العامة للإجهاض ثم نفصل جرائم الإجهاض المتنوعة مبينين أركان كل منها وعقوبتها .
الأركان العامة للإجهاض
بیان الأركان العامة للإجهاض : يفترض الإجهاض وجود « حمل »، ويتعين أن يوجد الحمل حقيقة ، فلا يكفي توهم الجاني وجوده ، فقد استبعد الشارع العقاب على الشروع في الإجهاض ، مما يستتبع استبعاد العقاب على « الإجهاض المستحيل » والحمل هو الجنين ، وهو صاحب الحق المعتدى عليه ، وهو الموضوع الذي يرد عليه الاعتداء، وللإجهاض رکن مادي قوامه عناصر ثلاثة : فعل الإسقاط ، ونتيجة تتمثل في موت الجنين داخل الرحم أو خروجه منه ولو حياً ، وعلاقة سببية تربط بينهما وللإجهاض رکن معنوي يتخذ صورة القصد دائماً ، إذ لم يجرم الشارع الإجهاض غير العمدی .
محل الاعتداء
تعريف الحمل : محل اعتداء في الإجهاض هو الحمل ويطلق الحمل على « حالة المرأة الحامل » ، ولكن له دلالة أخرى هى المقصودة إذا نظرنا إليه كمحل للاعتداء ، إذ نعني به « الجنين المستكن في الرحم ».
الحق المعتدى عليه بالإجهاض : لا يحمي الشارع حقاً واحداً بالعقاب على الإجهاض ، وإنما يحمي حقوقاً متعددة ، أحدها رئيسي وسائرها ثانوي من فالحق المقصود بالحماية أصلاً هو حق الجنين في الحياة المستقبلة ، أي حقه في النمو الطبيعي داخل الرحم حتى ميلاده ويحمى القانون كذلك صلاحية الحامل للإنجاب في المستقبل ، إذ يغلب أن ينال منها فعل الإجهاض ويحمي في النهاية حق المجتمع في التكاثر ضماناً لاستمراره وازدهاره.
خصائص حياة الجنين : الحياة الجنين خصائص بيولوجية وفسيولوجية كاملة ؛ ولكن ليست لهذه الحياة مظاهر نفسية ، وذلك هو أول الفروق بينها وبين الحياة بعد الميلاد ولكن بين حياة الجنين والحياة في صورتها المألوفة فروقاً عديدة ذات أهمية قانونية : فحياة الجنين مستقبله واحتمالية ، فقد يولد ميتاً ، في حين أن حياة الأم حياة محققة ، ويعني ذلك أن الثانية أهم اجتماعياً من الأولى ، والنتيجة التي تترتب على ذلك أنه عند النزاع بين الحقين يتعين ترجيح أهمها وهو حياة الأم ، فإذا ثبت أن صيانة حياة الأم تتطلب التضحية بحياة الجنين تعين قبول ذلك ، ويقوم بذلك سبب للإباحة أو مانع من المسئولية حسب الأحوال وتتميز حياة الجنين بأنها غير مستقلة عن حياة الأم ، فهو يستمد منها مصدر حياته ، ومن ثم كانت أهم صور الإجهاض هي قطع الصلة التي تربط بين الجنين وأمه ، وقد اعتبر إخراج الجنين من الرحم إجهاضاً لأنه يعني قطع هذه الصلة ؛ ويرتكب الإجهاض كذلك إذا استطاع شخص أن يقطع هذه الصلة ، على الرغم من بقاء الجنين في الرحم ، إذ مصيره عندئذ إلى الموت حتماً .
مبدأ حياة الجنين ونهايتها: تبدأ حياة الجنين بالاخصاب ، أي تلقيح الحيوان المنوي لبويضة المرأة ، فبمجرد إندماج الخليتين المذكرة والمؤنثة يتكون الجنين ويستحق الحماية ، وفي عبارة أخرى الجنين هو «البويضة الملقحة» وتنتهي حياة الجنين لتحل محلها «الحياة العادية » حين تبدأ عملية الولادة - طبيعية أو مبسترة - لا حينما تنتهی وتبدأ عملية الولادة حين تحس الأم بالآلام التي تنشأ عن تقلص عضلات الرحم ، وهو التقلص الذي يبتغى القذف بالجنين إلى العالم الخارجي، وينحصر مجال الإجهاض في الفترة بين الإخصاب وبداية الولادة ؛ فلا إجهاض قبل الإخصاب ، ولا إجهاض بعد بداية عملية الولادة ولو كانت لم تنته بعد، ويترتب على هذا التحديد النتائج الآتية :
لا تعد إجهاضاً جميع الأفعال التي تستهدف الحيلولة دون الإخصاب ، أي أفعال «منع الحمل» ، ولا تفرقة في هذا الشأن بين أفعال تبتغي منع الحيوان المنوي من الدخول في جسم المرأة ، وأفعال تفترض دخوله وتستهدف منعه من الوصول إلى البويضة أو منعه من تلقيحها، ولا تعد اجهاضاً جميع الأفعال التي ترتكب بعد بداية عملية الولادة ، ولو كان ذلك أثناءها ، وتمس حياة المولود أو سلامة جسمه ؛ وإنما تعد قتلاً أو جرحاً ، إذ قد صارت له حياة عادية يحميها الشارع في النطاق المعتاد، وطوال الفترة التي تمتد خلالها حياة الجنين يتصور ارتكاب الإجهاض ، فلا يشترط أن تمضي مدة معينة على الإخصاب ، أو أن يبلغ الجنين درجة معينة من النمو، فالإجهاض قد يرتكب والحمل في ساعاته الأولى .
وحياة الجنين وقت ارتكاب الإجهاض شرط لتصوره ، وقد أسلفنا أنه إذا اعتقد المتهم أن المرأة حامل فأتي فعله قاصداً إجهاضها فلا قيام للجريمة الانتفاء الحق محل الحماية ، بالإضافة إلى أن هذه الحالة صورة من الاستحالة المطلقة أو القانونية ، ولا عقاب عليها ، إذ العقاب على الشروع في الإجهاض مستبعد المادة 264 من قانون العقوبات .
نطاق الحماية الجنائية للجنين : حرص الشارع على كفالة حماية فعالة للجنين : فلم يقتصر على تجريم الاعتداء عليه ، بل جرم تهديده بالخطر ، فاعتبر الإجهاض متحققاً بإخراج الجنين من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ، ولو خرج حياً وقابلاً للحياة ولا تعليل لخطة الشارع غير أن هذا الفعل يهدد حياة الجنين بالخطر ، فالغالب فيمن يخرجون من الأرحام قبل الموعد الطبيعي أن يكون الموت مصيرهم ، وان كتبت لهم الحياة فهي في الغالب حياة قصيرة مثقلة بالضعف والمرض ؛ بالإضافة إلى أنه لا يجوز أن يكون الفيصل بين العقاب وعدمه بضع ساعات أو بضع أيام يحياها المولود عقب خروجه من الرحم ويحمي الشارع الجنين في مواجهة أمه على الرغم من أنها مصدر حياته ، وبينهما صلة عضوية وثيقة ، فعاقبها إذا أتت فعل الإجهاض ، ولم يجعل من رضائها به سبباً لإباحته ، واستبعد أسباباً عديدة لإباحة الإجهاض على ما نفصله فيما بعد .
ولكن حماية الشارع للجنين ضيقة من وجوه أخرى : فلم يعاقب على الشروع في الإجهاض على الرغم من أنه صورة من تهديده بالخطر ولم يعاقب على الأفعال التي يكون من شأنها تشويه الجنين أو جرحه أو إصابته بأمراض دون أن تجاوز ذلك إلى قتله أو إخراجه من الرحم وقصر العقاب على الإجهاض العمدی ، فلم يعاقب على الفعل المقترن بخطأ - أياً كانت جسامته - الذي يصدر عن الحامل أو غيرها ويفضي إلى الإجهاض .
أسباب الإباحة وموانع المسئولية في الإجهاض : تطبق أسباب الإباحة وموانع المسئولية العامة على الإجهاض شأنه شأن سائر الجرائم ، ولكن هذه الأسباب والموانع تتسم في الإجهاض بأهمية خاصة ، فقد تدعو إلى التخلص من الحمل اعتبارات ذات وزن اجتماعي ؛ ومن ناحية ثانية فإن هذه الأسباب والموانع يرد على قواعدها العامة التعديل حين تطبق على الإجهاض ، وتفسير ذلك أن تطبيقها يتطلب دائماً موازنة بين حق الحامل وحق الجنين ، إذ أنها تعرض في صورة نزاع بينهما، وهذه الموازنة تنتهى إلى ترجيح حق الحامل باعتباره الأهم اجتماعياً وبالإضافة إلى ذلك فإن الصلة العضوية بين الحامل والجنين تجعل فعل الإجهاض متعدیاً بالضرورة إلى جسم الحامل مما يقتضي أن يكون لإرادتها ومصالحها وزن في تقييم هذا الفعل، ونفصل فيما يلي أهم الحالات التي يثور فيها البحث في أسباب الإباحة وموانع المسئولية في الإجهاض .
رضاء الحامل بالإجهاض : الإجماع منعقد على أن رضاء الحامل ليس سبباً لإباحة إجهاضها وهذا الحكم مستمد من خطة الشارع ، فقد عاقب الحامل إذا أجهضت نفسها ، وعاقبها إذا رضيت بتعاطي الأدوية أو استعمال الوسائل المؤدية إلى الإجهاض (المادة 262 من قانون العقوبات)، ويفسر هذه القاعدة أن الحق موضوع الحماية ليس للأم حتى يكون لرضائها بالاعتداء عليه ما يبيحه ، وإنما هو للجنين ، فهي غير ذات صفة للتصرف فيه وبالإضافة إلى ذلك ، فإن لكم رسالة اجتماعية فرضها الشارع عليها ، من عناصرها أن تتحمل آلام ومتاعب الحمل والولادة ، ومن ثم لا يكون من حقها أن تتخلى عنها برضائها بالإجهاض .
إباحة الإجهاض لأسباب طبية: يطبق سبب الإباحة المقرر للأطباء والجراحين في شأن الأعمال العلاجية على الإجهاض فإذا ثبت - بالنظر إلى الحالة الصحية للحامل - أن إجهاضها عمل علاجي وتوافرت شروط الإباحة ، وأخصها أن يكون المجهض طبيباً ، وأن ترضى الحامل بالإجهاض ، وأن يستهدف به العلاج فإنه لا شك في إباحته.
وأهم الحالات التي يعتبر فيها الإجهاض «عملاً علاجياً» هي : أن يكون الإجهاض ضرورة الإنقاذ الحامل من موت محقق أو محتمل، أو أن يكون ضرورة لإنقاذ الحامل من متاعب صحية لا تقوى على تحملها، أي يثبت أن إجهاضها شرط لشفائها من مرض تعاني منه، ولكن «العمل العلاجي» أوسع من ذلك نطاقاً : فهو يتسع لحالة ما إذا كان الإجهاض ضرورة لوقاية المرأة من مرض برجح أو يحتمل أن تصاب به إذا استمر حملها ، فالعمل العلاجي يتسع - وفقاً للقواعد العامة - «للعمل الطبي الوقائي» ويدخل في هذه الإباحة أن تكون الحامل صغيرة السن ، ويثبت طبيا أنها لا تقوى لصغرها على احتمال الحمل، ويباح الإجهاض إذا ساءت الحالة النفسية للحامل بسبب حملها وصار محققاً إقدامها على الانتحار أو إحداث إصابات جسيمة بنفسها إذا استمر حملها، إذ يكون الإجهاض ضرورة لحماية الحياة أو سلامة الجسم .
وللخبرة الطبية دورها في تقرير توافر هذا السبب للإباحة : فيجب أن يثبت أن القواعد الطبية تملي الإجهاض كضرورة علاجية ، ويجب أن يجرى تنفيذ الإجهاض وفقاً للأصول الطبية ، ويجب أن تقدم للحامل بعد إجهاضها الرعاية الطبية التي تكفل تفادي الآثار الصحية السيئة للإجهاض.
الإجهاض لأسباب أخلاقية : إذا كان الحمل مصدر عار للحامل فهل يباح الإجهاض دفعاً لهذا العار ، أو في تعبير آخر دفاعاً عن الشرف والاعتبار ؟ يدخل في نطاق هذه الحالة أن يكون الحمل ثمرة لجريمة ، کاغتصاب أو تلقيح صناعي أجرى دون رضاء المرأة .
إن سبب الإباحة الذي تثير هذه الحالة التساؤل عن مدى توافر شروطه هو الدفاع الشرعي عن الشرف، نعتقد أن هذه الشروط غير متوافرة لأن الفعل غير موجه إلى من صدر عنه الاعتداء، فقد صدر هذا الاعتداء عن الرجل الذي ارتكب الاغتصاب ، ولكن الفعل قد وقع عدواناً على حق الجنين ، وله في القانون استقلاله عن ذلك الرجل، وتأبي السياسة الجنائية أن يعترف الشارع بهذا الإجهاض، فمن ناحية ليست المرأة في حاجة إليه ، فلها حق الدفاع الشرعي ضد الرجل الذي يحاول الاعتداء على عرضها ، ولها كذلك الحق في الحيلولة دون الحمل باستعمال الوسائل التي من شأنها ذلك، فإذا ما حصل الحمل كان له الحق في النمو والميلاد الطبيعي الذي لا يجوز للحامل الاعتداء عليه ومن ناحية ثانية ، يخشى أن يؤدي الاعتراف بهذا الإجهاض إلى إساءة استعماله حين يكون ثمرة علاقة جنسية رضيت بها المرأة ثم تخلع عليها مظهراً إجرامياً توصلاً إلى إباحة الإجهاض ولكن يرد على هذا الأصل تحفظ : فإذا توافرت لهذا الإجهاض مقتضيات العمل العلاجي ، كما لو كانت المجني عليها في الاغتصاب طفلة أو مريضة لا تقوى على احتمال الحمل أو الولادة أو كان محققاً إقدامها على الانتحار أبيح الإجهاض استناداً إلى الاعتبارات الطبية.
الإجهاض لأسباب اجتماعية : يراد بذلك الإجهاض الذي يستهدف التخلص من ذرية يرجح أن تسيء إلى المركز الاقتصادي للأسرة ، كما لو كان عدد الأبناء كبيرا والدخل قليلاً ، فيخشى أن يؤدي میلاد إبن جديد إلى أن يهبط المستوى الاجتماعي للأسرة، لا شك في عدم شرعية هذا الإجهاض ، ذلك أنه عند المقارنة بين الأهمية الاجتماعية للمركز الاقتصادي للأسرة وحق الجنين في الحياة يتبين رجحان الثاني ، ومن ثم تتعين صيانته بتجريم الاعتداء عليه ولو استند إلى هذه الأسباب وبالإضافة إلى ذلك ، فإن إباحة الإجهاض تعني الإباحة العامة للإجهاض لدى العائلات الفقيرة أو بالنسبة لجميع العائلات في أوقات الضيق الاقتصادي وفي النهاية ، فإنه من العسير وضع ضابط يحدد المستوى الاقتصادي الذي يباح الإجهاض محافظة عليه .
ويتصل بذلك التساؤل عن إباحة الإجهاض الذي يستهدف استبعاد طفل يرجح أن يكون مصاباً بمرض خطير أو مشوهاً وهذا الاحتمال لم يعد في الوقت الحاضر نادراً بالنظر إلى التأثير السىء لبعض العقاقير التي قد تتناولها الحامل أثناء الحمل ، وخاصة العقاقير المهدئة ، وبالنظر إلى بعض العوامل البيئية كالتفجيرات الذرية، نرى أن هذا الإجهاض غير مشروع كذلك : فعند المقارنة بين مصلحة الأسرة في أن يكون جميع أفرادها أسوياء البدن والعقل وبين حق الجنين في الحياة يتضح كذلك رجحان الحق الثاني.
الإجهاض استناداً إلى حالة الضرورة : إذا توافرت في الإجهاض جميع شروط حالة الضرورة كما حددتها المادة 61 من قانون العقوبات ، فلا شك في جواز الاحتجاج بها، وتفترض هذه الحالة كأهم شرط لها أن يهدد الحمل حياة الحامل أو أن يهدد سلامة جسمها بخطر جسيم ، ويقترب الإجهاض في هذه الحالة من الإجهاض الطبي ، ولكن يختلف عنه في أنه لا يشترط أن يجريه طبيب أو أن ترضى الحامل به ، ونظير ذلك لم يكن الإجهاض - استناداً إلى حالة الضرورة - اجهاضاً مباحاً - وإنما تمتنع المسئولية عنه فحسب، ولا يجوز أن تحتج بحالة الضرورة من كان حملها ثمرة علاقة في غير نطاق الزواج ، إذ كان « لإرادتها دخل في حلول الحظر » ، فقد كان من حقها - بل ومن واجبها - أن ترفض هذه العلاقة ، وكان ذلك في استطاعتها، ولا يجوز الاحتجاج بحالة الضرورة لمن كان حملها ثمرة اغتصاب ، إذ لا تناسب بین حقها في الشرف والاعتبار الذي تريد أن تحميه بالإجهاض وحق الجنين في الحياة .
الركن المادي للإجهاض
عناصر الركن المادي للإجهاض : هذه العناصر ثلاثة : فعل الإسقاط ؛ والنتيجة الإجرامية المتمثلة في موت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ، ولو خرج حياً وقابلاً للحياة ؛ وعلاقة السببية بينهما .
فعل الإسقاط و يراد به كل فعل من شأنه أن يفضي إلى موت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، ويعني هذا التعريف أن كل وسائل الإسقاط سواء ، فأهمية الوسيلة تقتصر على التمييز بين فئات جرائم الإجهاض، فإذا كانت الوسيلة عنفاً قامت بها جناية ، فإن تجردت عن العنف كان الإجهاض - كقاعدة عامة - جنحة ؛ ولكن ليست وسيلة معينة ركناً عاماً في جرائم الإجهاض وقد أشار الشارع إلى هذه القاعدة حين عدد وسائل الإجهاض على سبيل المثال ، فأشار إلى « الضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء » وإلى « الأدوية أو الوسائل المؤدية إلى الإسقاط» .
وتطبيقاً لذلك ، تتعدد وسائل الإجهاض في غير حصر : فقد تكون وسائل كيميائية كإعطاء الحامل مادة تحدث تقلصات في عضلات الرحم يكون من شأنها إخراج الجنين ، أو إعطائها مادة قاتلة للجنين وقد تكون وسائل ميكانيكية كالدفع بالة أو أداة إلى الرحم تخرج الجنين أو تقتله؛ أو توجيه أشعة إلى جسم الحامل يكون من شأنها إخراج الجنين أو قتله ؛ أو تدليك جسم الحامل على نحو يكون من شأنه ذلك ويدخل في هذا المدلول ضرب الحامل أو القذف بها من مرتفع ؛ أو ممارسة الحامل رياضة عنيفة كركوب الخيل ؛ أو ارتداؤها ملابس ضيقة .
وفعل الإسقاط قد يصدر عن غير الحامل وقد يصدر عن الحامل نفسها ، وقد يرتكب برضائها أو بناء على طلبها أو على الرغم منها .
وقد يكون هذا الفعل إيجابياً ، وهو الصورة المألوفة له ، وقد يكون سلبياً متمثلاً في امتناع الحامل عن الحيلولة دون إتيان الغير فعل الإجهاض على جسمها ، وقد عنى القانون هذه الصورة حين أشار في المادة 262 من قانون العقوبات إلى المرأة التي « مكنت غيرها من استعمال وسائل الإسقاط ».
وليس من عناصر فعل الإسقاط أن تظل الحامل على قيد الحياة بعد ارتكابه، وبناءً على ذلك يرتكب هذا الفعل بقتل الحامل نفسها ، إذ من شأن ذلك القضاء على مصدر حياة الجنين مما يفضي بالضرورة إلى موته ، فهو بذلك فعل من شأنه تحقيق النتيجة الإجرامية في الإجهاض وتترتب على ذلك نتيجتان : الأولى : أن من يقتل الحامل ويتوافر لديه حين قتلها القصد الجنائي المتطلب في الإجهاض تتعدد جرائمه تعدداً معنوياً ، فيسأل عن قتل وإجهاض معاً، والثانية : أنه إذا شرعت الحامل في الانتحار ففشلت ، ولكن الجنين مات أو أخرج نتيجة لهذه المحاولة وثبت توافر قصد الإجهاض لديها كانت مسئولة عن الإجهاض على الرغم من أنها لا تسأل عن الشروع في الإنتحار ؛ ويرتبط بذلك أن الشريك في هذه المحاولة يسأل عن الاشتراك في الإجهاض ، ولكن لا يسأل عن الاشتراك فى الشروع في الانتحار .
موت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته : تتخذ النتيجة الإجرامية في الإجهاض إحدى صورتين : موت الجنين في الرحم ، إذ يتحقق بذلك الاعتداء على حقه في الحياة ؛ أما الصورة الثانية فهي خروج الجنين من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ، وتتحقق هذه الصورة ولو خرج الجنين حياً وقابلاً للحياة ، إذ يتحقق بذلك الاعتداء على حق الجنين في النمو الطبيعي والولادة الطبيعية .
وتتشابه الصورتان : فإذا قتل الجنين في الرحم فمصيره أن يخرج منه ، إذ أن بقاءه فيه يهدد صحة الأم بأشد الأخطار ؛ ومن ناحية ثانية فإن الجنين الذي يخرج من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته يندر أن يعيش طويلاً ، فعدم اكتمال نموه يجعله غير معد لمواجهة ظروف الحياة في الخارج، والإجهاض في الصورة الأولى « جريمة ضرر » ، وفي الثانية « جريمة خطر».
علاقة السببية : يتعين أن تتوافر علاقة السببية بين فعل الإسقاط وموت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، فإن انتفت كما لو ارتكب المتهم أفعال إيذاء أو أعطى الحامل مادة بنية إجهاضها ولم يكن لذلك أثر على الجنين ثم أصيبت الحامل في حادثة سيارة فترتب على ذلك إجهاضها ، فإن الجريمة لا تتوافر أركانها ، ولا يعدو الفعل أن يكون شروعاً ، وهو غير معاقب عليه ويخضع تحديد علاقة السببية للقواعد العامة ، والقول بتوافرها أو انتفائها من شأن قاضي الموضوع .
الشروع في الإجهاض : نصت المادة 264 على أنه «لا عقاب على الشروع في الإسقاط »، وعلى ذلك - فيما يبدو - أن حق الجنين لم ينله اعتداء فتضاءلت بذلك الأهمية الاجتماعية للفعل ، بالإضافة إلى أن البحث في جرائم الإجهاض يكشف أسرارة عائلية أو أخلاقية من المصلحة التستر عليها إذا لم يحدث الإجهاض فعلاً .
المساهمة الجنائية في الإجهاض : تطبق على جرائم الإجهاض القواعد العامة في المساهمة الجنائية ما لم يرد في القانون نص يقضي بما يخالفها، ويفضى تطبيق هذه القواعد إلى النتائج الآتية : يعتبر فاعلاً من يجهض امرأة دون علمها أو دون رضائها ، فقد انفرد بالدور الرئيسي في الجريمة، ولا يغير من هذا التكييف أن يكون له في جريمته شركاء ، أو أن يساهم معه فيها شخص يقوم مثله بدور رئيسي فيها ، إذ يتعدد بذلك فاعلو الجريمة وتعتبر المرأة فاعلة إذا أجهضت نفسها ، وذلك تطبيق للقواعد العامة ؛ ولكنها تعتبر كذلك فاعلة إذا رضيت بأن يجهضها الغير المادة 262 من قانون العقوبات، وهذا الحكم يبرره أن لها السيطرة على المشروع الإجرامي ، مما يعني توافر « نية الفاعل » لديها ويترتب على اعتبار المرأة فاعلة لجريمة إجهاضها نفسها أنها إذا مكنت طبيباً من إجهاضها فلا تعتبر شريكة له ، ولا توقع عليها - تبعاً لذلك – العقوبة المشددة التي تنص عليها المادة 263، وإنما تعتبر فاعلة لجريمة أخرى متميزة ، هي التي تنص عليها المادة 262، وتوقع عليها عقوبتها فقط وإذا كانت المرأة راضية بالإجهاض ، فإن موقف الغير الذي يساهم معها في جريمتها يتحدد على أساس نوع الأفعال التي صدرت عنه : فإن كانت هذه الأفعال من قبيل ما تحدده المادة 39 من قانون العقوبات فهو فاعل ؛ ولكن الشارع قد وسع من نطاق فكرة الفاعل في الإجهاض ، فقد اعتبر من يقتصر نشاطه على « دلالة الحامل » على وسائل الإسقاط فاعلاً (المادة 261 من قانون العقوبات)، ويبرر هذا التوسع أن دلالة الحامل على هذه الوسائل هي المرحلة الصعبة والأساسية في المشروع الإجرامي مما يقتضى اعتبار القائم بها صاحب دور رئيسي فيه ، أما استعمال الحامل لها فهو في ذاته أمر يسير، ولكن ذلك لا يعني أن كل من يساهم في الإجهاض برضاء المرأة يعتبر فاعلاً، بل يعد شريكاً إذا خرجت مساهمته من نطاق المدلول السابق للفاعل ، كما لو اقتصرت على التحريض أو الاتفاق، ولا تعني هذه القاعدة كذلك أن كل مساعدة على الإجهاض تعد مساهمة أصلية فيه ، فإذا لم تتخذ هذه المساعدة صورة الدلالة على وسائل الإجهاض فهي مجرد اشتراك ، وتطبيقاً لذلك فإن من يعير منزله ليجرى فيه إجهاض يعتبر شريكاً وتطبق نظرية الفاعل المعنوی على الإجهاض ، وقد تكون الحامل نفسها الفاعل المعنوي للإجهاض ، كما لو أوهمت طبيباً أنها أجهضت وطلبت إليه أن يجري عملية ليستخرج الجنين فأجراها وترتب عليها إجهاضها .
الركن المعنوي للإجهاض
صورة الركن المعنوي في الإجهاض : جرائم الإجهاض كافة عمدية ، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ؛ وليس في القانون إجهاض غير عمدي ، ولو اتخذ الخطأ صورة جسيمة وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا صدم المتهم الحامل بسيارته دون عمد فأحدث بها إصابات أفضت إلى إجهاضها لم يكن مسئولاً عن إجهاض ، وإنما يسأل عن إصابة غير عمدية .
عناصر القصد الجنائي في الإجهاض : القصد الجنائي علم وإرادة ، ومن ثم يتطلب في الإجهاض علم المتهم بوقائع معينة واتجاه إرادته إلى الفعل الإجرامي ونتيجته .
العلم : يجب أن يعلم المتهم أن المرأة حامل ، فإن ارتكب الفعل الذي ترتب عليه إجهاضها جاهلاً أنها حامل فلا يتوافر لديه القصد ويجب أن يتوافر هذا العلم لحظة الفعل ، فإن كان جاهلاً الحمل وقت الفعل ثم علم به بعد ارتكاب الفعل فلا يعد القصد متوافراً لديه وتطبيقاً لذلك ، فإن من ضرب امرأة يجهل أنها حامل أو قذف بها من مرتفع فترتب على ذلك إجهاضها لا يسأل عن إجهاض ، ولو علم بعد فعله بالحمل وحصول الإجهاض .
ويجب أن يعلم المتهم أن من شأن فعله إحداث الإجهاض : فمن أعطى حاملاً مادة يعتقد أنها لا تضر بالجنين أو يعتقد أنها تساعد على نموه أو حرضها على ممارسة رياضة عنيفة كركوب الخيل دون أن يرد إلی خاطره أنها قد تحدث الإجهاض ، لا يسأل عنه إذا حدث .
ويتعين أن يتوقع - وقت فعله - حدوث النتيجة الإجرامية ، وهي موت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته : وتطبيقاً لذلك لا يتوافر القصد لدي من أعطى حاملاً مادة لتستعملها کدهان جلدي ولم يكن متوقعاً أنها سوف تتناولها بالفم ويترتب على ذلك إجهاضها ، أو لدى من حرض حاملاً على أن ترفع جسماً ثقيلاً غير متوقع أن يترتب على ذلك إجهاضها .
الإرادة : يتعين أن تتجه إرادة المتهم إلى فعل الإسقاط وإلى قتل الجنين أو إخراجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته حتى يتوافر لديه القصد، وتطبيقاً لذلك ، فإن القصد لا يتوافر لدى من يضرب امرأة يعلم أنها حامل مريداً مجرد إيلامها في بدنها ولا تكون إرادته متجهة إلى إجهاضها ، أو من يفض شجاراً تشترك فيه امرأة حامل فتجهض كأثر لفعل عنف صدر عنه في سبيل فض هذا الشجار.
القصد الاحتمالي في الإجهاض : يذهب الرأي السائد في الفقهين الفرنسي والمصري إلى القول بأن القانون لا يعتد بالقصد الاحتمالي في الإجهاض ، ويعني هذا الرأي بالقصد الاحتمالي حالة ما إذا لم يتوقع المتهم الإجهاض ولم يرده تبعاً لذلك ، ولكن كان في استطاعته ومن واجبه ذلك التوقع؛ مثال ذلك من يضرب امرأة حاملاً مريداً مجرد إيذائها فيترتب على ذلك إجهاضها ، ويثبت أنه كان في استطاعته ومن واجبه أن يتوقع ذلك ؛ ويتسع هذا الوضع الفرضين : أن يكون المتهم غير عالم بالحمل ، ولكن في استطاعته أن يعلم به ؛ وأن يكون عالما ولكن غير متوقع الإجهاض ، وإنما في استطاعته ذلك التوقع ونحن نوافق الفقه على ما خلص إليه ، ولكن نرفض حجته : فالمتهم لا يسأل عن الإجهاض ، وليس تعليل ذلك أن القصد الاحتمالي قد توافر لديه وهو غير كاف ليقوم به الركن المعنوي في الإجهاض ، وإنما التعليل الصحيح أنه لم يتوافر لديه القصد الجنائي في أي من صوره ، ذلك أن القصد يتطلب في كل حالاته توقع النتيجة واتجاه الإرادة إليها ، ولا تقوم المسئولية العمدية عن نتيجة لم يتوقعها المتهم ولم تتجه إليها إرادته تبعاً لذلك إلا إذا وجد نص استثنائي يقرر ذلك ، ولا وجود لمثل هذا النص في جرائم الإجهاض .
ولكن إذا توافر القصد الاحتمالي في مدلوله الصحيح ، فإن جريمة الإجهاض تقوم به ويفترض القصد الاحتمالي في هذا المدلول توقع النتيجة كأثر ممكن للفعل ثم قبولها وتطبيقاً لذلك يتوافر القصد لدي الحامل التي تزاول رياضة عنيفة أو تتعاطى الخمر متوقعة إمكان أن يفضي ذلك إلى إجهاضها ، فترحب به لأن الحمل غير مرغوب فيه وتمضي في مسلكها فيحدث الإجهاض ، ويتوافر القصد كذلك لدى من يجرى لحامل عملية جراحية - دون أن تتوافر لها شروط إباحتها - ويتوقع إمكان إجهاضها كأثر للعملية ، فيقبل ذلك الإمكان و يمضي في عمله فيحدث الإجهاض .
إجهاض الغير للحامل عن طريق العنف، نصت على هذه الصورة المشددة من إجهاض الغير للحامل المادة 260 من قانون العقوبات في قولها « كل من اسقط عمداً امرأة حبلي بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالسجن المشدد »، وهذه المادة كما قدمنا لا تنص على جريمة إجهاض متميزة ، وإنما تنص على الجريمة السابقة مقترنة بظرف مشدد مستمد من وسيلة الإجهاض، وكونها العنف، وتتطلب هذه الصورة توافر أركان الإجهاض البسيط، فيتعين توافر الأركان العامة للإجهاض ثم كون المتهم شخصاً غير الحامل التي أجهضت ؛ ويقوم الظرف المشدد على استعمال العنف في الإجهاض ، ويفترض عدم رضاء الحامل به، وعلة تشديد العقاب أن الاعتداء لا يقتصر على حياة الجنين ، وإنما ينال كذلك حق الحامل في سلامة جسمها .
وقد عبر الشارع عن العنف الذي يقوم به الظرف المشدد بقوله « ضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء »، ولفظ «ضرب » يكشف عن فهم الشارع للعنف ، فقد سبق أن استعمله في الدلالة على إحدى صور الاعتداء على سلامة الجسم ، وأكد هذا المعنى حينما أردف هذا اللفظ بعبارة « ونحوه من أنواع الإيذاء »، أي الإيذاء البدني، ومؤدى ذلك أن العنف يفترض « المساس بسلامة جسم الحامل » ، ولكن لا يشترط أن يكون جسيماً ، بل يكفي مجرد « تعد وإيذاء » ، وذلك واضح من العبارة التي استعملها الشارع، وعندنا أن ضابط اعتبار الفعل « عنفاً » أن يحدث بالحامل ألماً بدنياً على نحو يمس به حصانة جسمها، ويصلح الفعل المحدث «جرحاً» ليقوم العنف به، وكل وسائل العنف سواء ، فقد يستعمل المتهم أعضاء جسمه في الإيذاء ، وقد يستعين على ذلك بأداة كعصا أو حبل ؛ ويدخل في نطاق الظرف إرغام الحامل - تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي - على أن ترتكب العنف على جسمها ، كإرغامها على أن تلقي بنفسها من مرتفع .
ويفترض الظرف المشدد «عدم رضاء الحامل بالاجهاض عن طريق العنف »، ويتسع ذلك لفرضين : أن تكون الحامل غير راضية بالإجهاض ، وأن تكون راضية به ولكنها غير راضية بأن يكون العنف وسيلته، ولم ينص الشارع على هذا العنصر ، ولكنه مستفاد من كون التضرر من الألم البدني يفترض عدم الرضاء به، ولا يتطلب هذا العنصر تعبير الحامل عن عدم رضائها صراحة أو مقاومتها للعنف ، بل يكفي أنها لم ترض به صراحة أو ضمناً ، ومن ثم يتسع الظرف لحالة ما إذا ارتكب العنف عليها مباغتة أو استغل المتهم فرصة نومها أو تخديرها ليأتي العنف على جسمها ومؤدى ذلك أن الظرف المشدد لا ينتفي إلا إذا ثبت رضاء الحامل بفعل الإجهاض العنيف صراحة أو ضمناً .
وقد حدد الشارع لهذه الجريمة عقوبة السجن المشدد بين حديها العامين. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 574)
تتكون جريمة إسقاط الحوامل من ثلاثة أركان :
1- وجود الحمل.
2- حصول الإسقاط.
3- القصد الجنائي.
ويختلف العقاب تبعاً للوسائل المستعملة ولصفة المسقط .
وفيما يلي تفصيل للأركان :
وجود الحمل :
لايقع الإسقاط إلا على امرأة حامل والحمل هو البويضة الملقحة منذ التلقيح إلى أن تتم الولادة الطبيعية فلا يشترط أن يكون الجنين قد تشكل أو دبت فيه الحركة.
حصول الإسقاط :
لم يعرف الشارع الإسقاط وقد عرفه الشراح بأنه طرد متحصل الحمل عمدا قبل الأوان فيقع الإسقاط كلما انقطعت حالة الحمل بوسيلة غير طبيعية أياً كانت وبناء على ذلك يختلف الإسقاط الجنائي عن الإجهاض الطبيعي وعن الوضع قبل الأوان ويجوز حصول الإسقاط في أي وقت من أوقات الحمل فلا فرق بين أن يكون قد ارتكب في بداية الحمل أو في وسطه أو في نهايته ولا يشترط أن يكون الجنين حياً فيعتبر الإسقاط جنائياً ولو ارتكب قبل أن يتشكل الجنين أو تدب فيه الحركة ويعتبر كذلك ولو مات الجنين موتا طبيعيا قبل إخراجه عمداً .
ووسائل الإسقاط كثيرة والنصوص يمكن أن تنصرف عبارتها، إلى جميع وسائل الإسقاط المعروفة سواء أكانت طبية كالجراحة واستعمال العقاقير أم غير طبية كاستعمال العنف والضرب ولو كانت بريئة في مظهرها كالتدليك أو الحمامات الساخنة أو كارتداء ملابس ضاغطة أو مباشرة رياضة عنيفة كالقفز أو حمل الأثقال فكلها تكفي للعقاب بشرط توافر القصد الجنائي المطلوب ويستوي أن يباشر الجاني وسيلة الإسقاط بنفسه أم أن يدل غيره عليها وإنما ينبغي أن تكون الوسيلة صناعية فلا تقوم الجريمة بالإسقاط الذي يكون طبيعياً نتيجة مرض أو ضعف أو مجهود عنيف ولا بالولادة قبل الأوان مهما كان هناك من إهمال أو خطأ جسيم من الأم.
ويتعين أن تتوافر علاقة السببية بين فعل الإسقاط وموت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته فإن انتفت كما لو ارتكب المتهم أفعال إيذاء أو أعطى الحامل مادة بنية إجهاضها ولم يكن لذلك أثر على الجنين ثم أصيب الحامل في حادثة سيارة فترتب على ذلك إجهاضها فإن الجريمة لا تتوافر أركانها ولا يعدو الفعل أن يكون شروعاً وهو غير معاقب عليه ويخضع تحديد علاقة السببية للقواعد العامة والقول بتوافرها أو انتفائها من شأن قاضي الموضوع.
القصد الجنائي :
لا يعاقب القانون بوصف الإسقاط إلا إذا حصل الإجهاض عمداً فلا يرتكب هذه الجريمة من تسبب بخطئه في إجهاض امرأة حامل ولكنه يرتكب جريمة الإصابة الخطأ.. وقد يرتكب قتلا خطأ إذا نتجت وفاة المرأة عن فعله.. ويتوافر القصد الجنائي بانصراف إرادة الجاني و علمه إلى عناصر الجريمة كما حددها القانون فيجب أن يكون عالماً بوجود الحمل فإن كان يجهل ذلك و أحدث فعله إجهاضاً فإنه لا يعاقب بمقتضى نصوص الإجهاض وإنما بمقتضى نصوص الضرب ويجب أن يثبت أن الجاني قد أرتكب فعله عن إرادة فلا يرتكب جريمة من يقع بسبب قوة قاهرة على حامل فتيسبب في إجهاضها.
ويلزم أخيراً أن يثبت أن الجاني قد قصد إحداث الإجهاض أسأل عن عمد من يقترف هذا الضرب على امرأة يعلم أنها حامل ولو أدى فعله إلى إجهاضها ما دامت إرادته لم تنصرف إلى أحداث النتيجة التي حصلت وقد تكون هذه النتيجة محتملة ومع ذلك لا يحملها الجاني ذلك أن النتائج التي يسأل عنها الجاني ولم يقصدها قد وردت في القانون على سبيل الحصر وليست هذه النتيجة من بينها.
حالة الضرورة :
قد تتوافر للإسقاط حالة الضرورة كما تتطلبها المادة 11 وذلك إذا كان الحمل يتضمن خطراً يتهدد الأم في حياتها أو صحتها تهديداً جسيماً وكان الإسقاط هو الطريقة الوحيدة لدفع هذا الخطر ولم يكن للجاني دخل في حلوله فهنا تمتنع مسئولية الفاعل طبقاً للمبادئ العامة.
وإذا تم الإسقاط في الظروف السابقة بمعرفة طبيب أو جراح فيلا تمتنع المسئولية فحسب بل يكون الفعل مباحاً واستعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون (م60) وهو ما ينبني عليه زوال الصفة الإجرامية من أساسها وإذا أخطأ الجراح أثناء إجراء الإسقاط المباح خطأ فنياً جسيماً ألحق ضرراً بالأم أو أودى بحياتها فيجب طبقاً لأرجح الآراء فيما يتعلق باجتماع خطأ مع سبب من أسباب الإباحة اعتبار الواقعة قتلاً خطأ (م 238) أو إيذاء خطأ (م 244) بحسب الأحوال - أما إذا تم الإسقاط ولم يتوافر له داعي الضرورة ومبرراتها فيسأل الجراح أو غيره مسئولية كاملة عن الجريمة وتكون صفة الجراح طرفاً مشدداً فيها.
صور الإسقاط :
أولاً : وقوع الإسقاط بالضرب أو نحوه :
(أ) المادة 260 عقوبات :
تنص المادة 260 عقوبات على أن "كل من اسقط عمداً امرأة حبلى بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة" يفترض في هذه الحالة أن الإسقاط حصل بغير رضاء المرأة التي سقطت ولذا لا ينص القانون على عقاب المرأة في هذه الحالة، وتتطلب هذه الصورة المنصوص عليها بالمادة 290 ع توافر أركان الإجهاض البسيط فيتعين توافر الأركان العامة للإجهاض ثم كون المتهم شخصاً غير الحامل التي أجهضت ويقوم الظرف المشدد على استعمال العنف في الإجهاض ويفترض كما سبق عدم رضاء الحامل به وعلة تشديد العقاب أن الاعتداء لا يقتصر على حياة الجنين وإنما ينال كذلك حق الحامل في سلامة جسمها. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 605)
أركان الجريمة :
الإسقاط إعتداء يقع أصلاً على حق الجنين في الحياة المستقبلة، هذا الحق يقتضي تمكين الجنين من النمو الطبيعي داخل الرحم حتى الموعد الطبيعي لولادته لذلك تفترض جريمة الإسقاط وجود "حمل" يكون هو المحل الذي يقع عليه الاعتداء ويقتضي الإسقاط توافر رکن مادي هو فعلا الإعتداء على الجنين الذي يؤدي إلى طرده خارج الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ويتطلب الإسقاط ركنة معنوية، يتخذ صورة القصد الجنائي وظرف مشدد يرجع إلى الوسيلة المستعملة في الإسقاط، وكونها العنف وسنبحث كل ركن من هذه الأركان كالآتي:
وجود الحمل :
محل الإعتداء في جريمة الإسقاط هو أصلاً حق الجنين في الحياة المستقبلة، لذلك يفترض هذا الإعتداء وجود حالة الحمل، أي وجود جنين في رحم المرأة، يقع عليه فعل الإسقاط، سواء بإخراجه حيا قبل موعد ولادته، وهو ما يفضي في الغالب إلى وفاته، أو بقتله في الرحم وهو ما يقتضي إخراجه منه حفاظاً على حياة الحامل.
والحمل يتحقق بتلقيح الحيوان المنوي للرجل والبويضة للمرأة، فالحمل هو البويضة الملقحة، وتكون لحظة التلقيح هي بداية وجود الحمل، أو بداية حياة الجنين التي تنتهي ببداية عملية الولادة، لتحل محلها الحياة العادية، لذلك يتحدد مجال جريمة الإسقاط بالفترة بين الإخصاب وبداية عملية الولادة.
فلا إسقاط قبل بدء عملية الإخصاب، ولا إسقاط بعد بداية عملية الولادة، وإنما يبدأ مجال الإعتداء على حياة الإنسان" أو سلامة جسمه منذ بداية عملية الولادة.
وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة منذ لحظة الإخصاب إلى لحظة بداية عملية الولادة، فلا يشترط مرور مدة معينة على الإخصاب فكل إخراج للجنين بوسيلة صناعية قبل بداية عملية الولادة يحقق جريمة الإسقاط، ولو كان الحمل في ساعاته الأولى، وفقاً للتشريع المصري.
وإذا كانت جريمة الإسقاط تفترض لقيامها وجود الحمل وقت إرتكاب فعل الإسقاط، فمؤدى ذلك أنه لا قيام لهذه الجريمة إذا لم تكن المرأة حاملاً ، كما أنه لا عقاب على شروع في الإسقاط ولو اعتقد المتهم أن المرأة التي باشر عليها فعل الإسقاط حامل، وكان قصده من الفعل إسقاط حملها ذلك أن المادة (264) من قانون العقوبات تنص صراحة على أنه لا عقاب على الشروع في الإسقاط، كما أن عدم وجود الحمل يعد من قبيل الإستحالة المطلقة أو القانونية التي تمنع من تحقق الشروع في الجريمة.
الركن المادي :
يتحقق الركن المادي للإسقاط بإتيان فعل الإعتداء على الجنين الذي يتسبب في خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته ويتضح من ذلك أن عناصر الركن المادي للإسقاط ثلاث هي: فعل الإسقاط، والنتيجة المتمثلة في خروج الجنين من الرحم، وعلاقة السببية التي تربط بين فعل الإسقاط ونتيجته.
فعل الإسقاط :
يتحقق الإسقاط بكل فعل يكون من شأنه إخراج الجنين من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته.
ووسائل الإسقاط متعددة، منها الوسائل الكيميائية التي تحدث تقلصات في عضلات الرحم يترتب عليها إخراج الجنين أو قتله داخل الرحمن تمهيداً لإخراجه، ومنها الوسائل الميكانيكية التي تتمثل في إستخدام آلة أو أداة لإخراج الجنين من الرحم أو قتله وقد يكون الإسقاط عن طريق وسيلة طبية مثل الجراحة، أو غير طبية كإستعمال العنف والضرب أو غيره من وسائل الإيذاء البدني وقد تتخذ الوسيلة مظهراً بريئاً يخفي حقيقة الهدف منها، مثل تدليك جسم الحامل أو ممارستها رياضة عنيفة كالقذف أو حمل الأثقال أو الرقص أو ركوب الخيل، أو إرتداء ملابس ضيقة تضغط على جمسها على نحو يؤدي إلى إسقاطها، متى توافر قصد الإسقاط وأمكن إثباته.
خروج الجنين من الرحم قبل الأوان :
خروج الجنين من الرحم قبل الموعد الطبيعي للولادة هو النتيجة الإجرامية في الإسقاط، فالإسقاط جريمة مادية لا تقوم قانوناً إلا بتحقق النتيجة التي يجرمها القانون، فإذا تخلفت هذه النتيجة، امتنع وجود الجريمة، لأن القانون لا يعاقب على الشروع في الإسقاط، والنتيجة التي يجرمها القانون هي طرد الحمل قبل حلول الموعد الطبيعي لولادته، سواء خرج ميتاً، أو خرج حياً ولكنه غير قابل للحياة، وبدون خروج الحمل من الرحم ميتاً أو غير قابل للحياة لا تتحقق جريمة الإسقاط.
علاقة السببية :
يتعين أن تتوافر علاقة السببية بين إستعمال وسائل الإسقاط أياً كان نوعها وخروج الجنين من رحم أمه ميتاً أو غير قابل للحياة، أي خروجه قبل الموعد الطبيعي لولادته، فإذا انتفت علاقة السببية، ترتب على ذلك عدم إكتمال الركن المادي للجريمة، ومن ثم عدم تمامها.
الركن المعنوي :
الإسقاط من الجرائم العمدية، يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، لذلك لا وجود في القانون الإسقاط غير عمدي، يقوم بمجرد الخطأ الذي أدى إلى إخراج الجنين قبل موعد ولادته، ولو كان الخطأ جسيما، فإذا كان إخراج الحمل قبل موعده الطبيعي بسبب إيذاء أو إصابة خطأ، إنتفى القصد الجنائي لدى المتهم بالإسقاط، وتحققت مسئوليته عن الإصابة غير العمدية فحسب.
ويتطلب القصد الجنائي في جريمة الإسقاط علم المتهم بالعناصر التي تشكل ماديات الجريمة، واتجاه إرادته - رغم العلم - إلى تحقيق هذه العناصر.
وإذا توافر القصد الجنائي بالعلم و الإرادة، فلا عبرة بالبواعث على الإسقاط، فقد يتم بدافع الإنتقام، أو حماية الشرف والاعتبار، أو بدافع التخلص من أعباء إقتصادية يضيفها الحمل إلى الأسرة وهي غير قادرة على تحمله، أو بدافع التخلص من حمل يخشى أن يفضي إلى ميلاد طفل مشوه، وليس هذا إلا محض تطبيق للقاعدة العامة التي تقضي بأن الباعث على الجريمة لا يدخل في عناصر القصد الجنائي ولا يؤثر بالتالي في المسئولية الجنائية عنها، إلا بقدر ما يكون للقاضي من سلطة تقديرية في إستعمال الظروف القضائية المخففة للعقاب.
لكن الإسقاط يسري عليه نص المادة (61) من قانون العقوبات التي تتعلق بحالة الضرورة كمانع من موانع المسئولية الجنائية، وتتوافر حالة الضرورة إذا كان الحمل يهدد حياة الحامل أو صحتها بخطر جسيم، بحيث يكون الإسقاط هو الوسيلة الدفع هذا الخطر، ففي هذه الحالة تمتنع مسئولية من يرتكب فعل الإسقاط إذا توافرت كافة شروط حالة الضرورة.
وإذا كان من قام بالإسقاط طبيبة أو جراحة، فإن فعله يكون مباحاً بإعتباره إستعمالاً لحق مباشرة الأعمال الطبية، أما إذا لم تتوافر شروط حالة الضرورة، فإن صفة الطبيب أو الجراح تكون ظرفاً مشدداً لعقوبة الإسقاط .
الظرف المشدد :
الظرف المشدد يتمثل في الوسيلة المستعملة في الإسقاط "وكونها العنف".
وتفترض هذه الجريمة أن المتهم شخص غير الحامل التي أسقطت لكن هذا الظرف لا يتطلب توافره إنتفاء رضاء الحامل باستعمال العنف لإسقاطها، لأن تطلب إنتفاء رضاء الحامل باستعمال العنف بإسقاطها يعني إباحة الإعتداء على الحق في سلامة جسم الحامل إذا حدث الاعتداء برضائها، وهو ما لم يقل به أحد، هذا فضلاً عن أن نص المادة محل التعليق لم يعلق توفر الظرف الذي يشدد عقاب الإسقاط إلى الأشغال الشاقة المؤقتة على شرط إنتفاء رضاء الحامل بوسائل العنف التي إستعملت لإسقاطها.
ويعني ذلك أن الظرف المستمد من وسيلة الإسقاط يشدد عقاب المتهم إذا كان قد أسقط المرأة الحامل عن طريق الضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء، سواء حدث الإسقاط بهذه برضاء المرأة الحامل أو بدون رضاها وهذه هي الحالة الوحيدة التي اعتد بها الشارع بوسيلة الإسقاط بالنظر إلى خطورتها وما تتضمنه، بالإضافة إلى الإعتداء على حماية الجنين من خطورة على سلامة جسم الحامل، وما قد ينجم عن إستعمال هذه الوسيلة من ضرر جسيم يلحق بها.
ولم يتطلب القانون في وسائل العنف التي يستعملها الجاني للإسقاط أن تمس مساساً جسيماً بجسم الحامل، بل يكفي أن يتحقق أي قدر من الإعتداء على سلامة جسم الحامل، متى كان يحدث ألماً بدنياً ويتحقق بذلك القدر الذي تقوم به جريمة الضرب أو الجرح.
وإذا كان المشرع قد اعتدى بالعنف كوسيلة للإسقاط، فإنه لم يتطلب صورة معينة منه، وهذا ما يستفاد من تعبير المشرع عنه "بالضرب ونحوه من أنواع الإيذاء"، فكل وسائل العنف تستوي لتحقيق الظرف المشدد، سواء تمثل في الضرب باليد أو الركل بالقدم أو الضرب بأداة كحبل أو عصي أو الإلقاء بالحامل من مكان مرتفع أو غير ذلك من صور العنف.
ولا يشترط أن تصدر أفعال العنف عن الجاني نفسه، بل قد ترتكب أفعال العنف من المرأة الحامل على نفسها تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي من الجاني، كما لو أكره الزوج زوجته الحامل على القفز من مكان مرتفع بقصد إسقاط حملها، فتحقق له ما أراد وقد ترتكب أفعال العنف من غير المسئول جنائياً بتحريض من الجاني نفسه، كما لو حرص الزوج إبنه الصغير على ضرب أمه بعصا غليظة على بطنها بقصد إسقاط حملها، فتحققت النتيجة التي أرادها.
العقوبة :الأشغال الشاقة المؤقتة والشروع في هذه الجناية غير معاقب عليه، طبقا النص المادة (264) عقوبات التي وردت بعد النص على كل جرائم الإسقاط، مقررة عدم العقاب على الشروع في الإسقاط دون تفرقة بين الجنح والجنايات.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة: 719)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 258
(مادة 533)
يعاقب بالحبس من أجهض عمداً بأية وسيلة امرأة برضاها .
وتعاقب المرأة التي رضيت بالإجهاض بذات العقوبة .
وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، إذا حصل الإجهاض بغير رضاها ، أو كان الجاني طبيباً أو صيدلياً أو قابلة .
وتكون العقوبة السجن المؤقت ، إذا إجتمع الظرفان السابقان ، أو إذا أفضى الإجهاض إلى الموت .
ويحكم فضلاً عن ذلك بإغلاق عيادة الطبيب أو محل الصيدلي أو القابلة مدة لا تزيد على مدة العقوبة الأصلية .
الإجهاض
المواد من (533) إلى (535) :
مواد هذا الفصل تقابل بصفة عامة المواد من (260) إلى (264) من القانون القائم ، مع معالجة ما يشوب هذه المواد من مآخذ :
1- المادة (533) من المشروع تعاقب في فقرتيها الأولى والثانية، على الإجهاض بأية وسيلة، متى تم ذلك برضاء المرأة، بعقوبة الجنحة، وهي عقوبة تقع المرأة أيضاً تحت طائلتها، فإن حصل الإجهاض بغير رضاء المرأة، كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، وتكون العقوبة كذلك إذا كان الجاني طبيباً أو صيدلاً أو قابلة ، أو أدى الإجهاض إلى الموت ، كانت عقوبة الجريمة هي السجن المؤقت، هذا فضلاً عن أن الحكم بغلق العيادة أو الصيدلية أو محل القابلة على حسب الأحوال مدة لا تزيد على مدة العقوبة الأصلية .
2- المادة (534) من المشروع تجعل الإجهاض لا جريمة فيه ، متى كان المجهض طبيباً ، واعتقد بحسن نية ولأسباب مبررة طبياً أن الإجهاض ضروري للمحافظة على حياة المرأة ، وعلى شرط أن يحصل على موافقتها ، أو من ينوب عنها من زوج أو أب ، أو أم ، أو أخ ، أو غيرهم ممن ينوب عنها في حالة الضرورة ، وهذا النص يدخل في باب الضرورات ، الجزء الرابع ويجعل الفعل لا جريمة فيه نزولاً على حكمها ، إذ الضرورات شرعاً وقانوناً تبيح المحظورات فيها تندفع به هذه الضرورة دون تجاوز لذلك ، إذ هي تقدر بقدرها .
3- المادة (535) من المشروع تنص على أنه لا عقاب على الشروع في الإجهاض ، إلا إذا حصل بغير رضاء أو بغستعمال وسائل العنف أو إعطاء المواد المجهضة على غير علم من المرأة ، هذا ما لم يكون الفعل جريمة أخرى.
في التعزير في القتل
المواد من (203) إلى (205)
مادة (203): إذا لم يتوافر موجب الحكم بالقصاص وفق أحكام المواد (189) و(190) و(191) و (200)، أو إذا حكم بالدية أو سقط القصاص - يحكم بالعقوبة التعزيرية المقررة للفعل في هذا القانون أو أي قانون آخر.
الإيضاح
يتضمن هذا الفصل أحكام التعزير على القتل إذا لم يقتص من الجاني.
والمعاصي بالنسبة للتعزير ثلاثة أنواع:
(أ) نوع فيه حد ولا كفارة فيه، كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، فهذا يكفي فيه الحد عن التعزير.
صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا إلى ما يقول سید کم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني». وفي رواية: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن». (صحيح البخاري بهامش فتح الباري ج (12) ص (142)).
قال النووي في شرح مسلم: «وقال الماوردي وغيره: ليس قوله، هو لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفة سعد بن عبادة لأمره صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه الإخبار عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل عند امرأته، واستيلاء الغضب عليه، فإنه حينئذ يعاجله بالسيف، وإن كان عاصياً» .
3 - قال الإمام المطلبي في مختصر المزني: «لو قتل رجل رجلاً، فقال: وجدته على امرأتي. فقد أقر بالقود وادعى». أي: أقر بالقصاص، وادعى وجود الرجل على امرأته «فإن لم يقم البينة قتل». ومعنى هذا أنه إذا أقام القاتل البينة على الزنا لم يقتل.
4 - وقد اختلف الفقهاء في البينة التي يعفى القاتل بموجبها من القتل قصاصاً.
5 - فمذهب الجمهور: أنها أربعة شهداء، كما في الزنا.
6 - ومذهب الحنابلة: أنه إذا وجد رجلاً يزني بامرأته فلا قصاص عليه ولا دية، إلا أن تكون المرأة مكرهة فعليه القصاص، هذا إذا كانت بينة أو صدقه الولي، وإلا فعليه الضيان في الظاهر، والبينة عندهم شاهدان، وهو ما اختاره أبو بكر (الإقناع ج (4) ص (291)).
7- ومذهب المالكية: أن قاتل الزاني غير المحصن يقتل به إلا أن يقول: وجدته مع زوجتي. وثبت ذلك بأربعة يرونه، كالمرود في المكحلة، فقتله، فإنه لا يقتل بذلك سواء كان الزاني محصناً أو بكراً؛ لعذره بالغيرة التي صيرته كالمجنون.
وقيل: عليه الدية في ماله، إن كان بكراً. وقيل: هدر. فإن لم يكن إلا مجرد قوله: وجدته مع زوجتي. قتل به، إلا أن يأتي بلطخ - أي بشاهد واحد - أو لفيف من الناس يشهدون رؤية المرود في المكحلة، فلا يقتل به لدرئه بالشبهة.
وذهب بعض الحنابلة والمالكية إلى أن شهادة العدلين كافية لإسقاط القصاص.
ونقل عن بعض العلماء قبول الأمارات الدالة على الصدق. وظاهر ذلك ما روي من أن رجلاً غيوراً قيل له حين نزلت الحدود: أرأيت لو أنك رأيت مع امرأتك رجلاً، أي شيء كنت تصنع؟ قال: كنت ضاربها بالسيف، أأنتظر حتى أجيء بأربعة إلى ما ذاك، وقد قضى حاجته وذهب، أو أقول: رأيت كذا وكذا فتضربوني الحد، ولا تقبلوا لي شهادة أبدا. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كفى بالسيف شاهدا». ثم قال: «إني أخاف أن يتابع في ذلك السكران والغيران».
8- قال السبكي في تكملة المجموع: «اختلف العلماء من السلف في من وجد مع امرأته رجلا فقتله، هل يقتل به أو لا؟ فقال بعضهم: يقتل به؛ لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الحاكم. وقال بعضهم: لا يقتل، ويعزر في فعله إذا ظهرت أمارات صدقه.
9- وروي أنه يكفي شاهدان؛ لأن البينة تشهد على وجوده على المرأة، وهذا يثبت بشاهدين، وإنما الذي يحتاج إلى الأربعة الزنا، وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنا، فإن قيل: فحديث عمر في الذي وجد مع امرأته رجلاً ليس فيه بينة، وكذلك روي أن رجلا من المسلمين خرج غازيا وأوصى بأهله رجلا، فبلغ الرجل أن يهودياً يختلي إلى امرأته، فكمن له حتى جاء فقتله، فرفع ذلك إلى عمر فأهدر دمه. فالجواب: أن ذلك ثبت عنده بإقرار الولي، وإن لم تكن بينة، فادعى علم الولي بذلك، فالقول قول الولي مع يمينه).
10- وقد روي عن عمر رضي الله عنه: «أنه كان يوماً يتغذى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سیف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني ضربت فخذي امرأتي، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر: ما يقول؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة. فأخذ عمر سيفه فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد». رواه سعيد في سننه.
(تبصرة الحكام ج (2) ص (185) الطبعة الثانية، تكملة المجموع ج (14) من ص (34) حتى ص(36)، والمغني لابن قدامة ج (9) ص (165) و(166)، وصحيح البخاري بهامش فتح الباري ج (2) ص (142)، والمهذب ج (2) ص (225)، والإقناع ج (4) ص(291)).
11- فالحاصل أن ثمة أمارات ودلائل في الفقه لا توجب القصاص على قاتل زوجته، أو من يزني بها، أو هما معاً، إذا رآهما في حالة تلبس بالزنا، وقد اختار المشروع الأخذ بهذا النظر؛ لأنه يتفق مع طبائع الأمور ذلك بأن الزوج الذي يفاجأ بمشاهدة زوجته في حالة تلبس بالزنا لا يستساغ معاقبته معاقبة القاتل المعتدي بغير عذر، كما أنه من غير المستساغ أيضا مطالبته في هذه الحالة بإقامة الدليل الشرعي على ثبوت الزنا، وهو أربعة شهداء، فضلا عن أن الزوج الذي يتدبر أمره حتى يأتي بأربعة شهداء تنحسر عنه تلك الحالة التي تسببها المفاجأة، وما يترتب عليها من ثورة نفسية عارمة، هي المناط في اعتباره معذوراً وتخفيف العقوبة أو رفعها كلية. ولما كان المجال هنا مجال إسقاط للقصاص، وليس مجال إثبات للزنا الذي يشترط فيه شهادة أربعة شهداء - فقد رأى المشروع أن يكون الإثبات - في حالة من يفاجأ بمشاهدة زوجته حال تلبسها بالزنا فقتلها في الحال هي أو من يزني بها - بكافة الطرق المقررة في قانون الإجراءات الجنائية، هذا ولا يشترط في حالة التلبس بالزنا مشاهدة الفعل ذاته، وإنما يكفي في ذلك وجود ما ينبئ بما لا يدع مجالاً للشك بحصول الزنا فعلاً، ومرد تقدير ذلك متروك لقاضي الموضوع، وقد شمل نص هذه المادة من المشروع أيضاً البنت والأم والأخت بجامع حصول الغيرة على كل، وهو ما يتفق وطبيعة النفس البشرية التي تحرص على طهارة العرض، بل إن الزوج قد يتخلص من عار زوجته بطلاقها، في حين أنه لا سبيل إليه للخلاص من عار زنا ابنته أو أمه أو أخته.
هذا ورفع القصاص في هذه الحالة لا يؤدي إلى الإفلات من أية عقوبة، وإنما توقع عقوبة تعزيرية؛ لأن بالك النفس مأمور به على أنه حال.
ويشترط النص فيها يشترط أن يفاجأ القاتل بحالة التلبس بالزنا، وأن يرتكب القتل في الحال.
فإذا كان على علم مسبق بالزنا أو سهل حصوله أو ساهم في إتمامه أو تباطأ ففات أثر المفاجأة، فإنه لا يتمتع بحكم هذه المادة.
وقد أخذ المشروع بالتدرج في العقوبة فجعلها الحبس في حالة القتل، وأما في حالة ما إذا نشأ عن الفعل عاهة مستديمة فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، ولا عقاب في غير هاتين الحالتين، وفي جميع الأحوال فإنه لا يجوز المطالبة بدية أو تعويض أمام أية محكمة عن القتل أو العاهة أو ما دونها. وغني عن البيان أن بقاء أي ممن شوهد في حالة التلبس بالزنا على قيد الحياة لا يمنع من إقامة حد الزنا عليه، إذا ما توافرت شروط إقامة هذا الحد شرعا.
مادة (205): مع عدم الإخلال بالدية أو الغرة تطبق على القتل أو إسقاط الجنين الذي يقع من غير البالغ بالأمارات الطبيعية أحكام هذا القانون والقانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث.
ومع ذلك يجوز الحكم بالضرب بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين، بدلاً من التدبير
المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه.
الإيضاح
تعالج هذه المادة جريمة القتل أو جريمة إسقاط الجنين إذا ارتكبها غير البالغ بالأمارات الطبيعية، ونصت على أنه - مع عدم الإخلال بالدية أو الغرة -: تطبق على القتل وإسقاط الجنين أحكام هذا القانون وقانون الأحداث.
وجوزت هذه المادة الحكم بضربه بعصاً رفيعة من عشر إلى خمسين، بدلاً من التدبير المقرر بقانون الأحداث أو بالإضافة إليه.
(الفصل الرابع)
في أولياء الدم
المواد من (206) حتى (211)
مادة (206):
إذا وقعت جريمة قتل أو إسقاط جنين كان على سلطة التحقيق إخطار أولياء الدم بحصول الجريمة، ودعوتهم للحضور خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانهم؛ لسماع أقوالهم.
وأولياء الدم: هم ورثة القتيل وقت وفاته، أو ورثة الجنين عند إسقاطه.
الإيضاح
أوجبت هذه المادة في فقرتها الأولى على سلطة التحقيق في حالة وقوع جريمة قتل، أو إسقاط جنين - أن تخطر أولياء الدم بحصول الجريمة، ودعوتهم للحضور لسماع أقوالهم خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانهم.
وعرضت الفقرة الثانية من المادة إلى تحديد المقصود بأولياء الدم، مقررة أنهم ورثة
القتيل وقت وفاته أيا كان سبب الإرث، أو ورثة الجنين بعد إسقاطه.
مادة (207): إذا كان القتل موجبا للقصاص فعلى أولياء الدم تحديد موقفهم من القصاص أو الدية أو المصالحة على مال أو العفو، وذلك في محضر تحقيق النيابة العامة، أو قاضي التحقيق، أو المحكمة بحسب الأحوال، وإذا لم يكن لولي الدم محل إقامة معلوم أو مضت ثلاثون يوما على دعوته للحضور أمام سلطة التحقيق، أو على إعلانه للحضور أمام المحكمة - وجب المضي في الإجراءات .
الإيضاح
عرضت هذه المادة لأمرين: أولهما: إذا حضر أولياء الدم للتحقيق إثر دعوتهم، فيتعين عليهم تحديد موقفهم من القصاص أو الدية أو المصالحة على مال أو العفو، أو يتم ذلك بطریق رسمي إما في محضر تحقيق النيابة العامة، أو قاضي التحقيق، أو المحكمة.
ثانيهما: إذا لم يحضر أولياء الدم، إما لعدم وجود محل إقامة معلوم لهم، أو تخلفهم عن الحضور خلال ثلاثين يوما من دعوتهم للحضور أمام سلطة التحقيق، أو إعلانهم للحضور أمام المحكمة، ففي هذه الأحوال يتعين المضي في الإجراءات.
مادة (208): في حالة القتل الموجب للقصاص إذا كان ولي الدم دون البلوغ أو |
مجنونا أو معتوها أو ذا غفلة أو سفيها أو عاجزا عن التعبير عن إرادته لأي سبب آخر - كان لأبيه المطالبة بالقصاص، وكان له ولغيره ممن ينوب عن ولي الدم، وللنيابة | العامة – في حالة عدم وجود من ينوب عن ولي الدم - المطالبة بالدية أو المصالحة على مال لا يقل عنها، ولمن بلغ من أولياء الدم المطالبة بأي مما تقدم، أو العفو دون توقف على بلوغ غيره.
ولولي الدم الذي صار کامل الأهلية وقادرا على التعبير عن إرادته قبل تنفيذ الحكم،
- المطالبة بأي مما تقدم أو العفو.
وتعتبر النيابة العامة ولي دم من ليس له ولي دم، أو من كان وليه مجهولا أو غائبا، وتعذر إعلانه، أو أعلن ولم يحدد موقفه على النحو المبين في المادة السابقة، وتكون لها الحقوق المقررة لولي الدم.
الإيضاح
اختلف رأي الفقهاء فيمن يعتبر ولياً للدم:
فذهب رأي على رأسه الشافعية إلى أن: القصد من القصاص التشفي ودرء الغيظ، وإلى أن العبرة فيه بالميراث، ومن ثم يثبت لجميع الورثة صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً أو سفيهاً، حاضراً أو غائباً، ورتبوا على ذلك عدم جواز انفراد أحد الورثة دون الباقين باستيفائه، كما أنه لا يجوز لولي الصغير استيفاؤه، وإنما يؤجل حتى يبلغ الصغير، ويعقل المجنون، ويقدم الغائب.
وذهب الرأي الثاني إلى أن: استيفاء القصاص باعتبار الولاية دون الوراثة، وتكون
للعاصب من الرجال، ومن النساء الأنثى التي تكون وارثة ولم يسارها عاصب، ولو فرض أنها ذكر كانت عاصبا، ومن ثم لا دخل فيه لزوج ولا لأخ لأم ولا لجد لها، كما أنه لا ينتظر صغير حتى يبلغ، ولا مجنون مطبق، ولا غائب تبعد غيبته حدا لا تصل إليه الأخبار. والمالكية من أنصار هذا الرأي (يراجع المبسوط ج (26) ص (157) وما بعدها، المهذب ج (2) ص (184)، الشرح الكبير للدردير ج (4) - ص (227)/ (228)).
أما من لا وارث له ولا ولي، فإن القصاص يكون للمسلمين، واستيفاؤه للسلطان، ويرى المالكية أنه إن لم يكن للقتيل عاصب أصلا، فعلى الإمام أن يقتص وليس له العفو.
وقد مزج المشروع بين الرأيين، فأخذ بالرأي الأول في خصوص تحديد أولياء الدم وأنهم الورثة، ومن الرأي الثاني أخذ بأنه في حالة ما إذا كان ولي الدم مجنوناً، أو معتوهاً، أو ذا غفلة أو سفيهاً، أو عاجزاً عن التعبير عن إرادته لأي سبب آخر - كان لأبيه المطالبة بالقصاص، وكان لأبيه أو من ينوب عن ولي الدم في الأحوال السابقة إن لم يكن والده موجودا، وللنيابة العامة ممثلة السلطان في حالة عدم وجود من ينوب عن ولي الدم، كان لأي من هؤلاء المطالبة بالدية أو المصالحة على مال لا يقل عنها.
فإذا بلغ أحد أولياء الدم الذي كان صغيراً، أو أفاق المجنون أو عقل السفيه وذو الغفلة، أو أصبح العاجز عن التعبير عن إرادته قادراً - ذلك قبل تنفيذ الحكم - كان له المطالبة بأي مما تقدم أو العفو.
واعتبرت المادة في فقرتها الأخيرة النيابة العامة ولي دم من ليس له ولي دم، أو كان وليه مجهولا أو غائبا وتعذر إعلانه، أو لم يحدد موقفه على النحو المبين في المادة (207)، وتكون لها الحقوق المقررة لولي الدم، وهو ما يتفق مع ما سبق بيانه من رأي الفقهاء.
مادة (209): في حالة القتل الموجب للدية أو الإسقاط الموجب لها أو للغرة - يكون الولي الدم المطالبة بها أو المصالحة على مال أو العفو، ويكون للأب أو لغيره من الأولياء، أو للنيابة العامة حسب الأحوال المذكورة في المادة السابقة - المطالبة بالدية أو الغرة.
الإيضاح
وعرضت هذه المادة لحالة وجوب الدية، فنصت على أنه يكون لولي الدم المطالبة بها، أو المصالحة على مال أو العفو، وأنه يكون للأب أو لغيره من أولياء الدم أو النيابة العامة ولاية المطالبة بالدية أو الغرة دون المصالحة على مال أو العفو.
مادة (210): إذا حضر ولي الدم المجهول أو الغائب قبل تنفيذ القصاص - كان له طلب المضي في التنفيذ أو طلب الدية أو المصالحة على مال أو العفو، وفي الحالات الثلاث الأخيرة يتبع حكم الفقرة الأخيرة من المادة (221) من هذا الباب.
الإيضاح
وعالجت هذه المادة حالة حضور ولي الدم المجهول أو الغائب قبل تنفيذ القصاص، فجعلت له الحق في طلب المضي في التنفيذ، كما جعلت له الحق في طلب الدية أو المصالحة على مال أو العفو، ويتبع في حالات طلب الدية أو المصالحة على مال أو العفو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (221) من وجوب أن تقوم النيابة العامة بتقديم القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم حسب الأحوال، للنظر في الحكم بالعقوبة التعزيرية، وفي الدية .
مادة (211): يكون ولي الدم طرفا في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ويتعين إدخاله في الدعوى الجنائية، وله التدخل فيها في أية حالة تكون عليها حتى صدور الحكم، ويتبع هذا الإجراء أمام محكمة النقض في حالة الحكم بالإعدام قصاصا، وتجري على ولي الدم الأحكام المقررة للمدعي بالحقوق المدنية في قانون الإجراءات الجنائية، ويعفى من الرسوم القضائية.
الإيضاح
ولكي يكون ولي الدم على علم بمراحل التحقيق والمحاكمة وما يتم فيها، فضلا عن حقه في الطعن فيها يصدر فيها من أوامر أو أحكام، فقد نصت هذه المادة على اعتباره طرفاً في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ووجوب إدخاله في الدعوى الجنائية.
كما أجازت له المادة التدخل فيها في أي حالة كانت عليها الدعوى، وأمام محكمة النقض أيضا في حالة الحكم بالإعدام قصاصاً، واعتبرته في حكم المدعي بالحقوق المدنية وفق قانون الإجراءات الجنائية، وأعفته من الرسوم القضائية غير أن ذلك لا يعني أنه ليس له الطعن في الحكم الصادر في دعوى القصاص، أو الأمر الذي يصدر من النيابة في خصوصه أو أن حقه ينصرف إلى الدية فحسب، كما هو المقرر في قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمدعي بالحقوق المدنية، والذي تنصرف خصومته إلى دعواه المدنية فحسب، وإنما المقصود بهذا النص هو وجوب إعلانه بها يتخذ من إجراءات، وبیان وضعه في الدعوى الجنائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 56
إِجْهَاضٌ
التَّعْرِيفُ:
يُطْلَقُ الإْجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ: إِلْقَاءِ الْحَمْلِ نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَالإْطْلاَقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ سَوَاءٌ كَانَ الإْلْقَاءُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا .
- وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ إِجْهَاضٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الإْجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ كَالإْسْقَاطِ وَالإْلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالإْمْلاَصِ.
صِفَةُ الإْجْهَاضِ حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، وَبَيْنَ حُكْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّكَوُّنِ فِي الرَّحِمِ وَالاِسْتِقْرَارِ، وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ كَانَ الأْنْسَبُ الْبَدْءَ بِهِ ثُمَّ التَّعْقِيبُ بِحُكْمِهِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ، مَعَ بَيَانِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ فِيهِ.
أ - حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ:
نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» . وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإْجْهَاضُ إِجْمَاعًا. وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ، بِلاَ خِلاَفٍ .
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلاَقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الأْمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأْمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأِنَّ مَوْتَ الأْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُ آدَمِيٍّ لأِمْرٍ مَوْهُومٍ .
ب - حُكْمُ الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ:
فِي حُكْمِ الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإْبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإْسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ . وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَالَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْلَ الأْرْبَعِينَ أَيْضًا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ كَانَتِ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ . وَالإْبَاحَةُ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَوَّلِ مَرَاحِلِ الْحَمْلِ، إِذْ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ شُرْبَ الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ لإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ لاَ عَلَقَةٍ، وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ الرُّوحُ لاَ يُبْعَثُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ إِسْقَاطُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَلِكَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ وَجْهٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإْبَاحَةِ لِعُذْرٍ فَقَطْ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الْحِلِّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، إِذِ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَ لأِنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ. فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلاَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا - مَنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا - إِثْمٌ هُنَا إِذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ مِنَ الأْعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لأِبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ (الْمُرْضِعَ) وَيَخَافُ هَلاَكَهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: إِنَّ إِبَاحَةَ الإْسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ . وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالإْبَاحَةِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِالْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُهُ هُنَا بِالأْوْلَى، وَقَدْ نَقَلَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ لِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإْجْهَاضُ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لاَ تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ .
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الإْلْقَاءُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ؛ لأِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ، كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ . وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَوْلٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. يَقُولُ الرَّمْلِيُّ: لاَ يُقَالُ فِي الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ إِنَّهُ خِلاَفُ الأْوْلَى، بَلْ مُحْتَمَلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لأِنَّهُ جَرِيمَةٌ .
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. يَقُولُ الدَّرْدِيرُ: لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَلَّقَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ يُكْرَهُ. مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ التَّحْرِيمُ . كَمَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ، مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ، مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَقَالَ: وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْغُرَّةِ.
وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ الأْوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ النُّطْفَةَ بَعْدَ الاِسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إِلَى التَّخَلُّقِ مُهَيَّأَةٌ لِنَفْخِ الرُّوحِ . وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلاَمُ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ، إِذْ رَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا، وَعَلَى الْحَامِلِ إِذَا شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا .
بَوَاعِثُ الإْجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ:
بَوَاعِثُ الإْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَصْدُ التَّخَلُّصِ مِنَ الْحَمْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ نَتِيجَةَ نِكَاحٍ أَمْ سِفَاحٍ، أَوْ قَصْدُ سَلاَمَةِ الأُْمِّ لِدَفْعِ خَطَرٍ عَنْهَا مِنْ بَقَاءِ الْحَمْلِ أَوْ خَوْفًا عَلَى رَضِيعِهَا، عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
كَمَا أَنَّ وَسَائِلَ الإْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَهِيَ إِمَّا إِيجَابِيَّةٌ وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ. فَمِنَ الإْيجَابِيَّةِ: التَّخْوِيفُ أَوِ الإْفْزَاعُ كَأَنْ يَطْلُبَ السُّلْطَانُ مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ فَتُجْهَضُ فَزَعًا، وَمِنْهَا شَمُّ رَائِحَةٍ، أَوْ تَجْوِيعٌ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ حُزْنٌ شَدِيدٌ، نَتِيجَةَ خَبَرٍ مُؤْلِمٍ أَوْ إِسَاءَةٍ بَالِغَةٍ، وَلاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ كُلِّ هَذَا.
وَمِنَ السَّلْبِيَّةِ امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنِ الطَّعَامِ، أَوْ عَنْ دَوَاءٍ مَوْصُوفٍ لَهَا لِبَقَاءِ الْحَمْلِ. وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا شَمَّتْ رَائِحَةَ طَعَامٍ مِنَ الْجِيرَانِ مَثَلاً، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ أُجْهِضَتْ فَعَلَيْهَا الطَّلَبُ. فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِحَمْلِهَا، حَتَّى أَلْقَتْهُ، فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ لِتَقْصِيرِهَا وَلِتَسَبُّبِهَا .
عُقُوبَةُ الإْجْهَاضِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ هُوَ غُرَّةٌ. لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صلي الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ ».
- وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْغُرَّةِ فِي ذَلِكَ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرَّةِ كُلُّ جِنَايَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَالُ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ أَمْ قَوْلٍ أَمْ تَرْكٍ، وَلَوْ مِنَ الْحَامِلِ نَفْسِهَا أَوْ زَوْجِهَا، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً .
- وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ - وَهِيَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى - مَعَ الْغُرَّةِ. (وَالْكَفَّارَةُ هُنَا هِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَقْضِ إِلاَّ بِالْغُرَّةِ. كَمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لأِنَّ هَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لأِنَّ هَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ. وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلاَ يَتَعَدَّاهَا لأِنَّ الْعُقُوبَةَ لاَ يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، وَالْجَنِينُ يُعْتَبَرُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لاَ مُطْلَقًا. وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ، فَكَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لأِنَّ الأْعْضَاءَ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا. وَإِذَا تُقُرِّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ. لأِنَّ هَا إِنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ؛ وَلأِنَّهُ نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
وَتَرْكُ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا. فَقَدْ ذَكَرَ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ .
وَهَذَا الْخِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَنِينِ الْمَحْكُومِ بِإِيمَانِهِ لإِيمَانِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالذِّمَّةِ.
كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فِي جِنَايَةِ الإْجْهَاضِ لَزِمَ كُلَّ شَرِيكٍ كَفَّارَةٌ، وَهَذَا لأِنَّ الْغَايَةَ مِنَ الْكَفَّارَةِ الزَّجْرُ. أَمَّا الْغُرَّةُ فَوَاحِدَةٌ لأِنَّ هَا لِلْبَدَلِيَّةِ .
الإْجْهَاضُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ:
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِمَوْتِ الْجَنِينِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ، كَمَا يَتَّفِقُونَ عَلَى اشْتِرَاطِ انْفِصَالِهِ مَيِّتًا، أَوِ انْفِصَالِ الْبَعْضِ الدَّالِّ عَلَى مَوْتِهِ. إِذْ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَوْلُودِ إِلاَّ بِخُرُوجِهِ؛ وَلأِنَّ الْحَرَكَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِرِيحٍ فِي الْبَطْنِ سَكَنَتْ، وَبِالإْلْقَاءِ ظَهَرَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ الضَّرْبِ أَوِ الْفَزَعِ وَنَحْوِهِمَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مَوْتُ الْجَنِينِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَالْمُنْفَصِلِ . وَالْحَنَفِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ انْفِصَالَ الأْكْثَرِ كَانْفِصَالِ الْكُلِّ، فَإِنْ نَزَلَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ فَالأْكْثَرُ خُرُوجُ صَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ فَالأْكْثَرُ انْفِصَالُ سُرَّتِهِ . وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنْ خَرَجَ جَنِينٌ مَيِّتٌ بَعْدَ مَوْتِ الأْمِّ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ؛ لأِنَّ مَوْتَ الأْمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا، إِذْ حَيَاتُهُ بِحَيَاتِهَا، فَيَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا، فَلاَ يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، إِذِ الاِحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ، فَلاَ يُضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ وَلأِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَعْضَائِهَا، وَبِمَوْتِهَا سَقَطَ حُكْمُ أَعْضَائِهَا .
وَقَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَوَّاقُ: الْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَنِينِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ . وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا وَلاَ تَمُوتُ أُمُّهُ مِنَ الضَّرْبِ .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُوجِبُونَ الْغُرَّةَ سَوَاءٌ أَكَانَ انْفِصَالُ الْجَنِينِ مَيِّتًا حَدَثَ فِي حَيَاةِ الأْمِّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا لأِنَّهُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: جَنِينٌ تَلِفَ بِجِنَايَةٍ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا. وَلأِنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَيًّا ضَمِنَهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي حَيَاتِهَا . وَيَقُولُ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الأْنْصَارِيُّ: ضَرَبَ الأْمَّ، فَمَاتَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ مَيِّتًا، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ، كَمَا لَوِ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا . يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ فِي أَصْلِ تَرَتُّبِ الْعُقُوبَةِ إِذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِ الْجَنِينِ، كَظُفُرٍ وَشَعْرٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ تَامِّ الْخَلْقِ اتِّفَاقًا وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فَأَوْجَبُوا الْغُرَّةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْهُ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ الإْمَامِ مَالِكٍ قَوْلَهُ: كُلُّ مَا طَرَحَتْ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَفِيهِ غُرَّةٌ وَالأْجْوَدُ أَنْ يُعْتَبَرَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ.
وَالشَّافِعِيَّةُ يُوجِبُونَ الْغُرَّةَ أَيْضًا لَوْ أَلْقَتْهُ لَحْمًا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لاَ شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، إِذْ يَنْقُلُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الشُّمُنِّيِّ: أَنَّ الْمُضْغَةَ غَيْرَ الْمُتَبَيِّنَةِ الَّتِي يَشْهَدُ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ .
تَعَدُّدُ الأْجِنَّةِ فِي الإْجْهَاضِ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ مِنْ غُرَّةٍ أَوْ دِيَةٍ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الأْجِنَّةِ. فَإِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ جَنِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِمْ؛ لأِنَّهُ ضَمَانُ آدَمِيٍّ، فَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهِ، كَالدِّيَاتِ . وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ - وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ - يَرَوْنَ أَنَّهَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ أَيْضًا .
مَنْ تَلْزَمُهُ الْغُرَّةُ:
- الْغُرَّةُ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فِي سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَنِينِ الْحُرِّ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ»، وَلاَ يَرِثُ الْجَانِي وَهَذَا هُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَلَوِ الْحَامِلَ نَفْسَهَا؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ لاَ عَمْدَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ بِالْجِنَايَةِ، بَلْ يَجْرِي فِيهَا الْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ. سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَمْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ: فَلَوْ ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ امْرَأَتِهِ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الأْبِ الْغُرَّةُ، وَلاَ يَرِثُ فِيهَا، وَالْمَرْأَةُ إِنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا مُتَعَمِّدَةً دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ عَاقِلَتَهَا تَضْمَنُ الْغُرَّةَ وَلاَ تَرِثُ فِيهَا، وَأَمَّا إِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ، أَوْ لَمْ تَتَعَمَّدْ، فَقِيلَ. لاَ غُرَّةَ؛ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، لأِنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَالْغُرَّةُ حَقُّهُ، وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلاَفِ حَقِّهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَيْضًا؛ لأِنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْغُرَّةَ حَقُّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لأِنَّ الآْدَمِيَّ لاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ إِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَقِيلَ فِي مَالِهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالُوا: إِنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ أَمَرَتْ غَيْرَهَا أَنْ تُجْهِضَهَا، فَفَعَلَتْ، لاَ تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الْغُرَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي الْخَطَأِ، إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ حُرَّةً حُبْلَى، فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَإِنَّ الْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ هُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي .
وَيُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ عِنْدَهُمْ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، إِذْ قَالُوا: وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ الْجِنَايَةَ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ لاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِيهِ وَالأْصَحُّ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عِلْمِ وُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ جَعَلُوا الْغُرَّةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا مَاتَ الْجَنِينُ مَعَ أُمِّهِ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ مَاتَ الْجَنِينُ وَحْدَهُ، فَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي.
وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلاً فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَفِي مَالِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ الإْمَامِ وَالْحَاكِمِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ (عَاقِلَةٌ. غُرَّة. جَنِينٌ. دِيَةٌ. كَفَّارَةٌ.)
الآْثَارُ التَّبَعِيَّةُ لِلإْجْهَاضِ:
بِالإْجْهَاضِ يَنْفَصِلُ الْجَنِينُ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، وَيُسَمَّى سِقْطًا . وَالسِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا أَوْ لِغَيْرِ تَمَامِ أَشْهُرِهِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ حُكْمِ تَسْمِيَتِهِ وَتَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ . وَمَوْضِعُ بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلُهُ مُصْطَلَحُ سِقْطٍ.
أَثَرُ الإْجْهَاضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْعِدَّةِ وَالطَّلاَقِ:
لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْجْهَاضَ بَعْدَ تَمَامِ الْخَلْقِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلاَدَةِ. مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَوُقُوعُ الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلاَدَةِ، لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْجْهَاضَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الْجَنِينِ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَيَاةِ وَانْفِصَالِهِ عَنْ أُمِّهِ حَيًّا كَالإْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ.
أَمَّا الإْجْهَاضُ فِي مَرَاحِلِ الْحَمْلِ الأْولَى قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فَفِيهِ الاِتِّجَاهَاتُ الْفِقْهِيَّةُ الآْتِيَةُ: فَبِالنِّسْبَةِ لاِعْتِبَارِ أُمِّهِ نُفَسَاءَ، وَمَا يَتَطَلَّبُهُ ذَلِكَ مِنْ تَطَهُّرٍ، يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ، اعْتِبَارَهَا نُفَسَاءَ، وَلَوْ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ، أَوْ بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ . وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ غُسْلَ عَلَيْهَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَبِالنِّسْبَةِ لاِنْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلاَدَةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَيُّ صُورَةِ آدَمِيٍّ لاَ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلاَدَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلاَ بِالْبَيِّنَةِ. أَمَّا الْمُضْغَةُ الْمُخَلَّقَةُ وَالَّتِي بِهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَلَوْ خَفِيَّةً، وَشَهِدَتِ الثِّقَاتُ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ؛ لأِنَّهُ عُلِمَ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لاَ يُوقِعُونَ الطَّلاَقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوِلاَدَةِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُسَمَّى وِلاَدَةً، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِانْفِصَالِ الْحَمْلِ كُلِّهِ وَلَوْ عَلَقَةً .
إِجْهَاضُ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إِذَا أَلْقَتْهُ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا مَا نَقَصَتِ الأْمُّ، أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَإِذَا نَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَقِيمَتُهُ مَعَ الْحُكُومَةِ، وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ . وَلَمْ نَقِفْ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَلاَمٍ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ صَالَتِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى إِنْسَانٍ، فَدَفَعَهَا، فَسَقَطَ جَنِينُهَا، فَلاَ ضَمَانَ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الدَّفْعَ لَوْ كَانَ عُدْوَانًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع ، الصفحة / 135
الْجِنَايَةُ عَلَى الْجَنِينِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ اسْتِهْلاَلِهِ:
الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُسْتَهِلِّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الاِنْفِصَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَاَلَّتِي قَبْلَهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ بَعْدَهُ.
حُكْمُهَا قَبْلَ الظُّهُورِ:
إِنْ تَعَمَّدَ الْجَانِي ضَرْبَ الأْمِّ فَخَرَجَ الْجَنِينُ مُسْتَهِلًّا، ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الأْمِّ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْمُّ حَيَّةً أَمْ مَيِّتَةً. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا قَسَامَةَ أَوْلِيَائِهِ حَتَّى يَأْخُذُوا الدِّيَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ فِي الْجَنِينِ يَسْقُطُ حَيًّا مِنَ الضَّرْبِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ الْجَنِينِ بِضَرْبِ أُمِّهِ عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ رَأْسِهَا عِنْدَ الأْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، فَأَشْهَبُ قَالَ: لاَ قَوَدَ فِيهِ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي بِقَسَامَةٍ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَسَامَةٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
حُكْمُهَا بَعْدَ الظُّهُورِ:
إِنْ ظَهَرَ الْجَنِينُ ثُمَّ صَاحَ، ثُمَّ جَنَى جَانٍ عَلَيْهِ عَمْدًا فَالأْصَحُّ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ ظَهَرَ أَغْلَبُهُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: فَإِنْ كَانَ ذَبَحَهُ رَجُلٌ حَالِمًا يُخْرِجُ رَأْسَهُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ لأِنَّهُ جَنِينٌ، وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَهُ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الاِعْتِبَارُ بِالاِنْفِصَالِ التَّامِّ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 106
فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ أَوْ أَجِنَّةً فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ غُرَّةٌ لأِنَّهُ ضَمَانُ آدَمِيٍّ فَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهِ.
وَإِنْ أَلْقَتْهُمْ أَحْيَاءَ فِي وَقْتٍ يَعِيشُونَ فِي مِثْلِهِ، ثُمَّ مَاتُوا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ حَيًّا فَمَاتَ، وَبَعْضُهُمْ مَيِّتًا، فَفِي الْحَيِّ دِيَةٌ، وَفِي الْمَيِّتِ غُرَّةٌ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا إِذَا مَاتَ عَاجِلاً بَعْدَ الضَّرْبِ، لأِنَّ مَوْتَهُ بِالْفَوْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ الْجَانِي.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا مَاتَتِ الأْمُّ الْمَضْرُوبَةُ ثُمَّ خَرَجَا مَيِّتَيْنِ، أَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ الأْمِّ، ثُمَّ خَرَجَ الآْخَرُ مَيِّتًا بَعْدَ مَوْتِهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ شَيْءٌ فِي الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِ الأْمِّ، وَهُوَ مَيِّتٌ؛ لأِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَعْضَاءِ الأْمِّ، وَسَقَطَ ضَمَانُ أَعْضَائِهَا بِمَوْتِهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ غُرَّتَيْنِ فِي اللَّذَيْنِ خَرَجَا مَيِّتِينَ بَعْدَ مَوْتِ الأْمِّ، وَكَذَلِكَ فِي الَّذِي خَرَجَ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لأِنَّهُ جَنِينٌ خَرَجَ بِجِنَايَةٍ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَاَلَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِ الأُْمِّ؛ وَلأَِنَّهُ آدَمِيٌّ مَوْرُوثٌ فَلاَ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ أُمِّهِ كَمَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَسْقَطَ أَجِنَّةً خَطَأً.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْجَانِي عَنْ كُلِّ جَنِينٍ مِنَ التَّوَائِمِ؛ لأِنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ : لقوله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنْ لاَ كَفَّارَةَ فِي الأْجِنَّةِ إِنْ خَرَجُوا أَمْوَاتًا، وَلَكِنْ يُنْدَبُ لِلْجَانِي أَنْ يُكَفِّرَ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 122
الْجِنَايَةُ عَلَى الْجَنِينِ :
- إِذَا وَقَعَ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْجَنِينِ وَتَسَبَّبَ فِي إِسْقَاطِهِ مَيِّتًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِجْهَاضٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 270
الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ الْجَنِينِ:
إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ - بِسَبَبِ ذَلِكَ - جَنِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، فَإِمَّا أَنْ تُلْقِيَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا:
أ - إِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» .
وَالْغُرَّةُ: الْعَبْدُ أَوِ الأْمَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لأِنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الأْمْوَالِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ الْمُلْقَى مَيِّتًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لإِطْلاَقِ الْخَبَرِ، وَلِئَلاَّ يَكْثُرَ التَّنَازُعُ فِي الذُّكُورَةِ وَالأْنُوثَةِ لِعَدَمِ الاِنْضِبَاطِ.
وَتَتَعَدَّدُ الْغُرَّةُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ الْمُلْقَى. وَتَجِبُ مَعَ الْغُرَّةِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ الْجَنِينَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَلأِنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ مَنْدُوبَةٌ لاَ وَاجِبَةٌ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مَا سَبَقَ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ فَهُوَ كَمَنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الأْحْكَامِ، وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّهُ لاَ يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ عَنِ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّأْسِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَنَا حُكُومَةٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي الْجَنِينِ مَا سَبَقَ مِنَ الأْحْكَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَارٌّ لاَ يَذُوبُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَحْمًا، قَالَ الْقَوَابِلُ: - أَيْ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلاَنِ - فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ - أَيْ تَخْفَى عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ - كَنَحْوِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ لاَ يَعْرِفُهَا غَيْرُهُنَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَلَوْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلاَ خَفِيَّةٌ وَلَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ وَلاَ كَفَّارَةَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لاَ شَيْءَ فِيهِ لأِنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلاَ تُشْغَلُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لأِنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ.
ب - إِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ - بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا - جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ حَيًّا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَفِيهِ مَعَ الدِّيَةِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ إِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا بَعْدَ انْفِصَالِهِ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الأْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطَةُ بِهَا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحَيَاةُ مِنَ الأْمُورِ الأْخْرَى كَالْعُطَاسِ وَالاِرْتِضَاعِ وَالتَّنَفُّسِ وَالْحَرَكَةِ .وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (اسْتِهْلاَلٌ).
وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا وَمَاتَتْ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا فَلاَ شَيْءَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ .
وَفِي جِنَايَةِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ عَلَى حَيَاةِ جَنِينِهَا تَفْصِيلٌ فِي (إِجْهَاضٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والعشرون ، الصفحة / 75
الْجِنَايَةُ عَلَى جَنِينِ الأْمَةِ:
لَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ مَحْكُومًا بِرِقِّهِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا بَعْدَ تَخَلُّقِهِ أَوْ نَفْخِ الرُّوحِ، فَفِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عُشُرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشُرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشُرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 267
ضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ:
- وَهِيَ الإْجْهَاضُ، فَإِذَا سَقَطَ الْجَنِينُ مَيِّتًا بِشُرُوطِهِ، فَضَمَانُهُ بِالْغُرَّةِ اتِّفَاقًا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ، بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» .
وَتَجِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي مَالِ الْعَاقِلَةِ خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا فِي مَالِ الْجَانِي.
وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا تُنْدَبُ، وَأَوْجَبَهَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لأِنَّ الْجَنِينَ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَإِذَا لَمْ تُوجَدِ الرَّقَبَةُ، انْتَقَلَتِ الْعُقُوبَةُ إِلَى بَدَلِهَا مَالاً، وَهُوَ: نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ .
(ر: جَنِين، غُرَّة).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 171
الْغُرَّةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ إِذَا سَقَطَ وَانْفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، وَذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ»
وَيُشْتَرَطُ فِي الْجِنَايَةِ لِوُجُوبِ الْغُرَّةِ: أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَالُ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ أَمْ قَوْلٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ عَمْدًا أَمْ خَطَأً.
وَلاَ يَخْتَلِفُ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِنَ الْحَامِلِ نَفْسِهَا أَوْ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِمَا، فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْحَالاَتِ تَجِبُ الْغُرَّةُ.
وَالْغُرَّةُ تَكُونُ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً يَبْلُغُ مِقْدَارُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِي حَالِ انْفِصَالِ الْجَنِينِ مَيِّتًا عَنِ الأْمِّ الْمَيِّتَةِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْغُرَّةِ أَنْ يَنْفَصِلَ الْجَنِينُ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ جَنِينٌ مَيِّتٌ بَعْدَ مَوْتِ الأْمِّ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ؛ لأِنَّ مَوْتَ الأْمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا، وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ انْفِصَالَ أَكْثَرِ الْجَنِينِ كَانْفِصَالِ الْكُلِّ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ذَلِكَ، فَتَثْبُتُ الْغُرَّةُ، سَوَاءٌ أَكَانَ انْفِصَالُ الْجَنِينِ مَيِّتًا حَدَثَ حَالَ حَيَاةِ الأْمِّ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لأِنَّهُ جَنِينٌ تَلِفَ بِجِنَايَةٍ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا وَهَذَا إِذَا أُلْقِيَ الْجَنِينُ مَيِّتًا نَتِيجَةً لِلْجِنَايَةِ.
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، ثُمَّ مَاتَ نَتِيجَةً لِلْجِنَايَةِ، كَأَنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُبَاشَرَةً، أَوْ دَامَ أَلَمُهُ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهُ قَتْلُ إِنْسَانٍ حَيٍّ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (دِيَات ف 33)
تَعَدُّدُ الْغُرَّةِ بِتَعَدُّدِ الأْجِنَّةِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ إِذَا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ غُرَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ وُجُوبِهَا؛ لأِنَّ الْغُرَّةَ ضَمَانُ آدَمِيٍّ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الأْجِنَّةِ، كَالدِّيَاتِ.
مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرَّةُ:
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْغُرَّةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي فِي سَنَةٍ؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ لاَ عَمْدَ فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ عَمْدًا أَمْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، إِلاَّ أَنْ تَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَأَكْثَرُ فِي الْخَطَأِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ حُرَّةً حُبْلَى فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَإِنَّ الْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي.
وَفَصَّلَ الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا مَاتَ الْجَنِينُ مَعَ أُمِّهِ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ قَتْلُ الأْمِّ عَمْدًا أَوْ مَاتَ الْجَنِينُ وَحْدَهُ فَالْغُرَّةُ فِي مَالِ الْجَانِي نَفْسِهِ، وَلاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِجْهَاض ف 15).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 53
الْكَفَّارَةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ أَوْ ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ بَطْنَ نَفْسِهَا، أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا، فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ جَنِينًا مَيِّتًا، بِعُدْوَانٍ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ،وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي كُلِّ قَتْلٍ خَطَأٍ دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ جَنِينٍ وَغَيْرِهِ، وَالْجَنِينُ مَقْتُولٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الْعُمُومِ، لأِنَّنَا حَكَمْنَا لَهُ بِالإْيمَانِ تَبَعًا لأِبَوَيْهِ، فَيَكُونُ دَاخِلاً فِي عُمُومِ هَذَا النَّصِّ وَلاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ دَلِيلٌ آخَرُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ وَلأِنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ رضي الله عنه.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْجَنِينِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ» فَقَدْ قَضَى صلى الله عليه وسلم بِالْغُرَّةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ لَذَكَرَهَا، لأِنَّ هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، لأِنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، لأِنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النَّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ - وَالْجَنِينُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ - فَلاَ يَتَعَدَّاهَا، لأِنَّ الْعُقُوبَةَ لاَ يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ.
وَإِنَّ الْجَنِينَ جُزْءٌ أَوْ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ، فَلاَ يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ، فَكَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، لأِنَّ الأْعْضَاءَ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا، لأِنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ لَهُ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنَ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ، حَيْثُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلاَ سَلاَمَتُهُ، وَالْكَفَّارَةُ إِنَّمَا تَجِبُ بِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 100
مُضْغَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الْمُضْغَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ قَدْرَ مَا يَمْضُغُ وَجَمْعُهَا مُضَغٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ).
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعَلَقَةُ:
الْعَلَقَةُ فِي اللُّغَةِ: قِطْعَةٌ مِنَ الدَّمِ الْجَامِدِ مُتَكَوِّنَةٌ مِنَ الْمَنِيِّ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ أَنَّ الْمُضْغَةَ طَوْرٌ مِنْ أَطْوَارِ الْجَنِينِ وَكَذَلِكَ الْعَلَقَةُ، فَالْمُضْغَةُ مَرْحَلَةٌ بَعْدَ مَرْحَلَةِ
الْعَلَقَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإْنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).
النُّطْفَةُ:
النُّطْفَةُ لُغَةً: مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَجَمْعُهَا نُطَفٌ وَفِي التَّنْزِيلِ: ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ).
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ أَنَّ النُّطْفَةَ مَرْحَلَةٌ مِنْ مَرَاحِلِ الْجَنِينِ تَسْبِقُ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ.
الْجَنِينُ:
الْجَنِينُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَسْتُورٍ وَأَجْنَتْهُ الْحَامِلُ سَتَرَتْهُ، وَالْجَنِينُ وَصْفٌ لَهُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَالصِّلَةُ أَنَّ الْجَنِينَ يَكُونُ بَعْدَ مَرْحَلَةِ الْمُضْغَةِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُضْغَةِ:
حُكْمُهَا مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُضْغَةَ نَجَسٌ، لأِنَّهَا دَمٌ وَالدَّمُ نَجَسٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ وَابْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُضْغَةَ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ بَلْ طَاهِرَةٌ، لأِنَّ الْمُضْغَةَ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَالْمَنِيِّ.
عُقُوبَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ وَتَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ مُضْغَةً بِضَرْبٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ شَمِّ رِيحٍ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ أَوْ غُرَّةٌ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْغُرَّةِ لِلْجَانِي لاَ لِمُسْتَحِقِّهَا، وَهَذَا الْوَاجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ إِنَّمَا هُوَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، أَمَّا جَنِينُ الأْمَةِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّقْدُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ ضُرِبَ بَطْنُ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَظْهَرْ فِيهَا صُورَةُ الآْدَمِيِّ فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ فِيهَا صُورَةَ الآْدَمِيِّ وَجَبَتْ فِيهَا الْغُرَّةُ لأِنَّهُنَّ يُدْرِكْنَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُدْرِكُ غَيْرُهُنَّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَكْفِي الظُّهُورُ فِي طَرَفٍ وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ الأْطْرَافِ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً يَخْتَصُّ بِمُعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَجَبَتِ الْغُرَّةُ أَيْضًا، وَإنْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ لَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٌّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ لَمْ تَجِبِ الْغُرَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ شَكَكْنَ هَلْ هُوَ أَصْلُ آدَمِيٌّ لَمْ تَجِبْ قَطْعًا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لاَ شَيْءَ فِيهِ لأِنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلاَ تَشْغَلْهَا بِالشَّكِّ.
وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لأِنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ.