المادة 265 - ( أصبحت المادة 263) -- هي المادة 227 من قانون سنة 1904مع إضافة القوابل إلى الأشخاص الذين يقضي القانون بتشديد العقوبة عليهم بسبب صفتهم، وكانت المادة 227 تنص على الأطباء والجراحين والصيدلية فقط، فأضاف إليهم المشروع القوابل لأن اشتغالهن بالتوليد يؤهلهن لمعرفة وسائل الإسقاط والدلالة عليها أو استعمالها، وقد أضاف الشارع الفرنسي أيضاً القوابل إلي المادة 317 من قانون العقوبات الفرنسي بمقتضي القانون الصادر في 27 مارس سنة 1923.
لما كان مؤدى ما حصله الحكم أن الطاعن بعد أن وقع الكشف الطبي على المجني عليه وتبين حملها، عمد إلى إجراء عملية تفريغ رحمها، فإن فى ذلك ما يكفي لبيان تعمده إنهاء الحمل قبل الأوان وهو ما يتحقق به الركن المعنوي فى جريمة الإسقاط التي دانه بارتكابها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذه الصدد يكون غير سديد.
(الطعن رقم 5699 لسنة 62 جلسة 2000/11/16 س 51 ص 727 ق 144)
2- الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان ، و متى تم ذلك فإن أركان هذه الجريمة تتوافر و لو ظل الحمل فى رحم الحامل بسبب وفاتها و ليس فى إستعمال القانون لفظ " الإسقاط " ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم ، فى مثل هذه الحالة ركن من أركان الجريمة ، ذلك بأن يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع إفترض بقاء الأم على قيد الحياة و لذك إستخدم لفظ الإسقاط ، و لكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى إنتهت حالة الحمل قبل الأوان ، و لو ظل الحمل فى الرحم بسبب وفاة الحامل ، لما كان ذلك ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل .
(الطعن رقم 260 لسنة 46 جلسة 1976/06/06 س 27 ص 596 ق 132)
إجهاض الغيرذي الصفة الخاصة للحامل :
نصت على هذه الصورة المشددة الثانية من إجهاض الغير للحامل المادة 263 من قانون العقوبات فقررت أنه « إذا كان المسقط طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلة يحكم عليه بالسجن المشدد »، يفترض هذا الظرف المشدد توافر جريمة إجهاض الغير اللحامل في صورتها البسيطة، أي توافر الأركان العامة للإجهاض، بالاضافة إلى كون المتهم شخصاً غير الحامل التي يراد إجهاضها، ويقتصر نطاق هذا الظرف المشدد على الإجهاض عن غير طريق العنف، لأنه إذا ارتكب بالعنف كانت له عقوبة السجن المشدد دون حاجة إلى هذا الظرف المشدد .
ويقتصر نطاق هذا الظرف على جريمة إجهاض الغير للحامل ، فلا تطبيق له على جريمة إجهاض الحامل نفسها ، أي أنه إذا كانت الحامل طبيبة أو صيدلية، فأجهضت نفسها وقعت عليها العقوبة التي تنص عليها المادة 262 من قانون العقوبات، وتفسير ذلك أن علة التشديد لا تتوافر كلها بالنسبة لها.
وعلة التشديد هي السهولة التي يصادفها ذو الصفة في ارتكاب الإجهاض، لحيازته الخبرة الفنية والوسائل والمواد التي تتيح إجراءه وتسهله، وخطة الشارع العامة هي أن يقابل سهولة ارتكاب الجريمة بتشديد في عقابها، وبالإضافة إلى ذلك فإن باعث المتهم إلى جريمته هو الإثراء، وذلك باعث غير اجتماعي، ويغلب أن يكون محترفاً ، وهذا الاحتراف خطير اجتماعياً، فإلى جانب ما يعنيه من تعدد الجرائم أو العود، فهو يتضمن تيسيراً للإجهاض وتشجيعاً عليه، والشطران الأخيران من علة التشديد لا يتوافران إذا أجهضت الطبيبة - أو من في حكمها من ذوي الصفة الخاصة - نفسها ، فلم يبعثها إلى الإجهاض دافع إلى الإثراء، ولا يعتبر فعلها مظهراً لاحتراف .
والمرجع في تحديد صفة الجاني كطبيب أو جراح أو صيدلية أو قابلة هو إلى القوانين واللوائح التي تحدد اكتساب هذه الصفة و فقدها، وتوافر هذه الصفة كاف بذاته للتشديد، فلا يتطلب القانون عناصر أخرى، فيتحقق الظرف المشدد، ولو أجرى المتهم الإجهاض دون أجر أو كان موقوفاً مؤقتاً عن ممارسة مهنته أو حرفته ولكن إذا حرم نهائياً من ممارستها، فقد زالت عنه الصفة ولم يعد محل للظرف المشدد .
وصفة الطبيب - أو من في حكمه - ظرف يغير من وصف الجريمة ، فيتأثر به شركاؤه إن علموا بالصفة وقت ارتكاب الفعل الذي تحقق الإشتراك به ؛ ولكن لا يتأثر به الفاعلون معه . ولا تتأثر بهذا الظرف الحامل التي يجهضها الطبيب برضائها ، ذلك أنها لم تساهم معه في جريمته ، وإنما تعتبر مرتكبة جريمة مستقلة ، هي التي تنص عليها المادة 262 من قانون العقوبات.
وقد حدد القانون للجريمة عند توافر هذا الظرف عقوبة السجن المشدد بين حديها العامين .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 595)
تنص المادة 263 عقوبات على أنه " إذا كان المسقط طبيباً أوجراحاً أو صيدلياً أو قابل يحكم عليه بالسجن المشدد" وإعمالاً لهذا النص فإن القانون يعتبر جريمة لإسقاط جناية لمجرد قيام صفة من هذه الصفات لدى الجاني وبغير شرط آخر فيستوي أن يلجأ الطبيب في الإسقاط إلى الضرب أو تقديم دواء أو استعمال أية وسيلة تؤدي إلى الإجهاض أو أن يكتفي بدلالة المرأة على دواء أو وسيلة ويستوي أن ترضى المرأة بالوسيلة التي يلجأ إليها الطبيب أو لا تكون راضية بها وقد يحصل أن تكون المرأة التي تسقط نفسها طبيبة أو قابلة أو صيدلية والراجح عندئذٍ أنها لا تخضع لحكم المادة 263 وإنما الحكم المادة 362 محكمة التشديد لاتتوافر هنا.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 609)
أركان الجريمة :
عنصر مفترض مؤداه وجود حمل، وركن مادي يتمثل في فعل الاعتداء على الجنين وركن معنوي يتمثل في صورة القصد الجنائي وظرف مشدد يرجع إلى صفة مرتكب جريمة الإسقاط وكونه من أصحاب المهن الطبية كما يفترض أن المتهم غير الحامل لأن الحامل إذا أسقطت نفسها، وكانت من أصحاب المهن المذكورة لا يشدد عقابها وإنما يعد الإسقاط بالنسبة لها جنحة طبقاً لنص المادة (262) عقوبات .
ويرجع هذا الظرف المشدد إلى صفة مرتكب جريمة الإسقاط كما سبق ونوهنا، وكونه من أصحاب المهن الطبية.
وقد راعى المشرع أن من تتوافر له أحدى هذه الصفات التي ذكرها النص، يسهل عليه ارتكاب الإسقاط بسبب خبرته الفنية وما يحوز من وسائل وأدوية تمكنه من القيام به، دون أن يترك في الغالب أثراً لجريمته، هذا فضلاً عن أن المتهم يسيء استعمال صفته وخبرته الفنية في غير ما ينبغي أن تستعمل فيه من أغراض مشروعة هي خدمة المجتمع، وليس التشجيع على الإسقاط وتيسير الالتجاء إليه.
ولا يتطلب القانون الانطباق الظرف المشدد أن يكون الطبيب أو من هم في حكمه قد احترفوا إجراء عمليات الإسقاط، بل يتحقق الظرف المشدد ولو أجرى أحدهم الإسقاط للمرة الأولى، كما لا يلزم لإنطباق الظرف المشدد أن يتقاضی المتهم أجراً عن عملية الإسقاط، فقد يقوم بها على سبيل المجاملة، فينطبق الظرف المشدد على الطبيب الذي يجري عملية إسقاط لزوجته أو لابنته دون أن يتقاضی مقابلاً لذلك.
لكن ينبغي أن يكون المسقط طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلاً، وفقاً للنصوص التي تحدد اكتساب هذه الصفة، وقد ورد تعداد هؤلاء الأشخاص على سبيل الحصر، ومن ثم لا يجوز القياس عليهم، ولو كانت صفة المتهم قد سهلت له ارتكاب الإسقاط، كما لو كان المتهم طالبة في كلية الطب أو ممرضاً أو مستخدماً في صيدلية أعطى امرأة حبلى أدوية تؤدي إلى إسقاطها.
العقوبة :
الأشغال الشاقة المؤقتة ويظل الشروع في هذه الجناية غير معاقب عليه، طبقاً النص المادة (264) عقوبات.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 730)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 258
(مادة 533)
يعاقب بالحبس من أجهض عمداً بأية وسيلة امرأة برضاها .
وتعاقب المرأة التي رضيت بالإجهاض بذات العقوبة .
وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، إذا حصل الإجهاض بغير رضاها ، أو كان الجاني طبيباً أو صيدلياً أو قابلة .
وتكون العقوبة السجن المؤقت ، إذا إجتمع الظرفان السابقان ، أو إذا أفضى الإجهاض إلى الموت .
ويحكم فضلاً عن ذلك بإغلاق عيادة الطبيب أو محل الصيدلي أو القابلة مدة لا تزيد على مدة العقوبة الأصلية .
(مادة 534)
لا جريمة إذا كان المجهض طبيباً واعتقد بحسن نية ولأسباب مبررة طبياً أن الإجهاض ضروري للمحافظة على حياة المرأة ، وحصل الإجهاض بموافقتها أو بموافقة من ينوب عنها في حالة الضرورة .
الإجهاض
المواد من (533) إلى (535) :
مواد هذا الفصل تقابل بصفة عامة المواد من (260) إلى (264) من القانون القائم ، مع معالجة ما يشوب هذه المواد من مآخذ :
1- المادة (533) من المشروع تعاقب في فقرتيها الأولى والثانية، على الإجهاض بأية وسيلة، متى تم ذلك برضاء المرأة، بعقوبة الجنحة، وهي عقوبة تقع المرأة أيضاً تحت طائلتها، فإن حصل الإجهاض بغير رضاء المرأة، كانت العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، وتكون العقوبة كذلك إذا كان الجاني طبيباً أو صيدلاً أو قابلة ، أو أدى الإجهاض إلى الموت ، كانت عقوبة الجريمة هي السجن المؤقت، هذا فضلاً عن أن الحكم بغلق العيادة أو الصيدلية أو محل القابلة على حسب الأحوال مدة لا تزيد على مدة العقوبة الأصلية .
2- المادة (534) من المشروع تجعل الإجهاض لا جريمة فيه ، متى كان المجهض طبيباً ، واعتقد بحسن نية ولأسباب مبررة طبياً أن الإجهاض ضروري للمحافظة على حياة المرأة ، وعلى شرط أن يحصل على موافقتها ، أو من ينوب عنها من زوج أو أب ، أو أم ، أو أخ ، أو غيرهم ممن ينوب عنها في حالة الضرورة ، وهذا النص يدخل في باب الضرورات ، الجزء الرابع ويجعل الفعل لا جريمة فيه نزولاً على حكمها ، إذ الضرورات شرعاً وقانوناً تبيح المحظورات فيها تندفع به هذه الضرورة دون تجاوز لذلك ، إذ هي تقدر بقدرها .
3- المادة (535) من المشروع تنص على أنه لا عقاب على الشروع في الإجهاض ، إلا إذا حصل بغير رضاء أو بغستعمال وسائل العنف أو إعطاء المواد المجهضة على غير علم من المرأة ، هذا ما لم يكون الفعل جريمة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 56
إِجْهَاضٌ
التَّعْرِيفُ:
يُطْلَقُ الإْجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ: إِلْقَاءِ الْحَمْلِ نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَالإْطْلاَقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ سَوَاءٌ كَانَ الإْلْقَاءُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا .
- وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ إِجْهَاضٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الإْجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ كَالإْسْقَاطِ وَالإْلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالإْمْلاَصِ.
صِفَةُ الإْجْهَاضِ حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، وَبَيْنَ حُكْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّكَوُّنِ فِي الرَّحِمِ وَالاِسْتِقْرَارِ، وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ كَانَ الأْنْسَبُ الْبَدْءَ بِهِ ثُمَّ التَّعْقِيبُ بِحُكْمِهِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ، مَعَ بَيَانِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ فِيهِ.
أ - حُكْمُ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ:
نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» . وَلاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإْجْهَاضُ إِجْمَاعًا. وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ، بِلاَ خِلاَفٍ .
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلاَقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الإْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الأْمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأْمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأِنَّ مَوْتَ الأْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُ آدَمِيٍّ لأِمْرٍ مَوْهُومٍ .
ب - حُكْمُ الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ:
فِي حُكْمِ الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإْبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإْسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ . وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَالَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْلَ الأْرْبَعِينَ أَيْضًا، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ كَانَتِ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ . وَالإْبَاحَةُ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَوَّلِ مَرَاحِلِ الْحَمْلِ، إِذْ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ شُرْبَ الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ لإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ لاَ عَلَقَةٍ، وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ الرُّوحُ لاَ يُبْعَثُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ إِسْقَاطُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَلِكَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ وَجْهٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإْبَاحَةِ لِعُذْرٍ فَقَطْ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الْحِلِّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، إِذِ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَ لأِنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ. فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلاَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا - مَنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا - إِثْمٌ هُنَا إِذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ مِنَ الأْعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لأِبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ (الْمُرْضِعَ) وَيَخَافُ هَلاَكَهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: إِنَّ إِبَاحَةَ الإْسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ . وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالإْبَاحَةِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِالْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُهُ هُنَا بِالأْوْلَى، وَقَدْ نَقَلَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ لِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإْجْهَاضُ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لاَ تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ .
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الإْلْقَاءُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ؛ لأِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ، كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ . وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَوْلٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. يَقُولُ الرَّمْلِيُّ: لاَ يُقَالُ فِي الإْجْهَاضِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ إِنَّهُ خِلاَفُ الأْوْلَى، بَلْ مُحْتَمَلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لأِنَّهُ جَرِيمَةٌ .
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. يَقُولُ الدَّرْدِيرُ: لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الأْرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَلَّقَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ يُكْرَهُ. مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ التَّحْرِيمُ . كَمَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ، مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ، مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَقَالَ: وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْغُرَّةِ.
وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ الأْوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ النُّطْفَةَ بَعْدَ الاِسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إِلَى التَّخَلُّقِ مُهَيَّأَةٌ لِنَفْخِ الرُّوحِ . وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلاَمُ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ، إِذْ رَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا، وَعَلَى الْحَامِلِ إِذَا شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا .
بَوَاعِثُ الإْجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ:
بَوَاعِثُ الإْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَصْدُ التَّخَلُّصِ مِنَ الْحَمْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ نَتِيجَةَ نِكَاحٍ أَمْ سِفَاحٍ، أَوْ قَصْدُ سَلاَمَةِ الأُْمِّ لِدَفْعِ خَطَرٍ عَنْهَا مِنْ بَقَاءِ الْحَمْلِ أَوْ خَوْفًا عَلَى رَضِيعِهَا، عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
كَمَا أَنَّ وَسَائِلَ الإْجْهَاضِ كَثِيرَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَهِيَ إِمَّا إِيجَابِيَّةٌ وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ. فَمِنَ الإْيجَابِيَّةِ: التَّخْوِيفُ أَوِ الإْفْزَاعُ كَأَنْ يَطْلُبَ السُّلْطَانُ مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ فَتُجْهَضُ فَزَعًا، وَمِنْهَا شَمُّ رَائِحَةٍ، أَوْ تَجْوِيعٌ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ حُزْنٌ شَدِيدٌ، نَتِيجَةَ خَبَرٍ مُؤْلِمٍ أَوْ إِسَاءَةٍ بَالِغَةٍ، وَلاَ أَثَرَ لاِخْتِلاَفِ كُلِّ هَذَا.
وَمِنَ السَّلْبِيَّةِ امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنِ الطَّعَامِ، أَوْ عَنْ دَوَاءٍ مَوْصُوفٍ لَهَا لِبَقَاءِ الْحَمْلِ. وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا شَمَّتْ رَائِحَةَ طَعَامٍ مِنَ الْجِيرَانِ مَثَلاً، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ أُجْهِضَتْ فَعَلَيْهَا الطَّلَبُ. فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِحَمْلِهَا، حَتَّى أَلْقَتْهُ، فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ لِتَقْصِيرِهَا وَلِتَسَبُّبِهَا .
عُقُوبَةُ الإْجْهَاضِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ هُوَ غُرَّةٌ. لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صلي الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ ».
- وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْغُرَّةِ فِي ذَلِكَ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرَّةِ كُلُّ جِنَايَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَالُ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ نَتِيجَةَ فِعْلٍ أَمْ قَوْلٍ أَمْ تَرْكٍ، وَلَوْ مِنَ الْحَامِلِ نَفْسِهَا أَوْ زَوْجِهَا، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً .
- وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ - وَهِيَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى - مَعَ الْغُرَّةِ. (وَالْكَفَّارَةُ هُنَا هِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَقْضِ إِلاَّ بِالْغُرَّةِ. كَمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لأِنَّ هَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لأِنَّ هَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ. وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلاَ يَتَعَدَّاهَا لأِنَّ الْعُقُوبَةَ لاَ يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، وَالْجَنِينُ يُعْتَبَرُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لاَ مُطْلَقًا. وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ، فَكَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لأِنَّ الأْعْضَاءَ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا. وَإِذَا تُقُرِّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ. لأِنَّ هَا إِنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ؛ وَلأِنَّهُ نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
وَتَرْكُ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا. فَقَدْ ذَكَرَ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ .
وَهَذَا الْخِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَنِينِ الْمَحْكُومِ بِإِيمَانِهِ لإِيمَانِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالذِّمَّةِ.
كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فِي جِنَايَةِ الإْجْهَاضِ لَزِمَ كُلَّ شَرِيكٍ كَفَّارَةٌ، وَهَذَا لأِنَّ الْغَايَةَ مِنَ الْكَفَّارَةِ الزَّجْرُ. أَمَّا الْغُرَّةُ فَوَاحِدَةٌ لأِنَّ هَا لِلْبَدَلِيَّةِ .
الإْجْهَاضُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ:
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِمَوْتِ الْجَنِينِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ، كَمَا يَتَّفِقُونَ عَلَى اشْتِرَاطِ انْفِصَالِهِ مَيِّتًا، أَوِ انْفِصَالِ الْبَعْضِ الدَّالِّ عَلَى مَوْتِهِ. إِذْ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَوْلُودِ إِلاَّ بِخُرُوجِهِ؛ وَلأِنَّ الْحَرَكَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِرِيحٍ فِي الْبَطْنِ سَكَنَتْ، وَبِالإْلْقَاءِ ظَهَرَ تَلَفُهُ بِسَبَبِ الضَّرْبِ أَوِ الْفَزَعِ وَنَحْوِهِمَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مَوْتُ الْجَنِينِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَالْمُنْفَصِلِ . وَالْحَنَفِيَّةُ يَعْتَبِرُونَ انْفِصَالَ الأْكْثَرِ كَانْفِصَالِ الْكُلِّ، فَإِنْ نَزَلَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ فَالأْكْثَرُ خُرُوجُ صَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ فَالأْكْثَرُ انْفِصَالُ سُرَّتِهِ . وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنْ خَرَجَ جَنِينٌ مَيِّتٌ بَعْدَ مَوْتِ الأْمِّ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ؛ لأِنَّ مَوْتَ الأْمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا، إِذْ حَيَاتُهُ بِحَيَاتِهَا، فَيَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا، فَلاَ يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، إِذِ الاِحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ، فَلاَ يُضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ وَلأِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَعْضَائِهَا، وَبِمَوْتِهَا سَقَطَ حُكْمُ أَعْضَائِهَا .
وَقَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَوَّاقُ: الْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَنِينِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ . وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا وَلاَ تَمُوتُ أُمُّهُ مِنَ الضَّرْبِ .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُوجِبُونَ الْغُرَّةَ سَوَاءٌ أَكَانَ انْفِصَالُ الْجَنِينِ مَيِّتًا حَدَثَ فِي حَيَاةِ الأْمِّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا لأِنَّهُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: جَنِينٌ تَلِفَ بِجِنَايَةٍ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا. وَلأِنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَيًّا ضَمِنَهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي حَيَاتِهَا . وَيَقُولُ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الأْنْصَارِيُّ: ضَرَبَ الأْمَّ، فَمَاتَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ مَيِّتًا، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ، كَمَا لَوِ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا . يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ فِي أَصْلِ تَرَتُّبِ الْعُقُوبَةِ إِذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِ الْجَنِينِ، كَظُفُرٍ وَشَعْرٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ تَامِّ الْخَلْقِ اتِّفَاقًا وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فَأَوْجَبُوا الْغُرَّةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْهُ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ الإْمَامِ مَالِكٍ قَوْلَهُ: كُلُّ مَا طَرَحَتْ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَفِيهِ غُرَّةٌ وَالأْجْوَدُ أَنْ يُعْتَبَرَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ.
وَالشَّافِعِيَّةُ يُوجِبُونَ الْغُرَّةَ أَيْضًا لَوْ أَلْقَتْهُ لَحْمًا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لاَ شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، إِذْ يَنْقُلُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الشُّمُنِّيِّ: أَنَّ الْمُضْغَةَ غَيْرَ الْمُتَبَيِّنَةِ الَّتِي يَشْهَدُ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ .
تَعَدُّدُ الأْجِنَّةِ فِي الإْجْهَاضِ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ مِنْ غُرَّةٍ أَوْ دِيَةٍ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الأْجِنَّةِ. فَإِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ جَنِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِمْ؛ لأِنَّهُ ضَمَانُ آدَمِيٍّ، فَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهِ، كَالدِّيَاتِ . وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْغُرَّةِ - وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ - يَرَوْنَ أَنَّهَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ أَيْضًا .
مَنْ تَلْزَمُهُ الْغُرَّةُ:
- الْغُرَّةُ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فِي سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَنِينِ الْحُرِّ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ»، وَلاَ يَرِثُ الْجَانِي وَهَذَا هُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَلَوِ الْحَامِلَ نَفْسَهَا؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ لاَ عَمْدَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ بِالْجِنَايَةِ، بَلْ يَجْرِي فِيهَا الْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ. سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَمْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ: فَلَوْ ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ امْرَأَتِهِ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الأْبِ الْغُرَّةُ، وَلاَ يَرِثُ فِيهَا، وَالْمَرْأَةُ إِنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا مُتَعَمِّدَةً دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ عَاقِلَتَهَا تَضْمَنُ الْغُرَّةَ وَلاَ تَرِثُ فِيهَا، وَأَمَّا إِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ، أَوْ لَمْ تَتَعَمَّدْ، فَقِيلَ. لاَ غُرَّةَ؛ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، لأِنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَالْغُرَّةُ حَقُّهُ، وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلاَفِ حَقِّهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَيْضًا؛ لأِنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْغُرَّةَ حَقُّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لأِنَّ الآْدَمِيَّ لاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ إِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَقِيلَ فِي مَالِهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالُوا: إِنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ أَمَرَتْ غَيْرَهَا أَنْ تُجْهِضَهَا، فَفَعَلَتْ، لاَ تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الْغُرَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي الْخَطَأِ، إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَجُوسِيٌّ حُرَّةً حُبْلَى، فَأَلْقَتْ جَنِينًا، فَإِنَّ الْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ هُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَانِي .
وَيُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ عِنْدَهُمْ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، إِذْ قَالُوا: وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ الْجِنَايَةَ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ لاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِيهِ وَالأْصَحُّ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عِلْمِ وُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ جَعَلُوا الْغُرَّةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا مَاتَ الْجَنِينُ مَعَ أُمِّهِ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ مَاتَ الْجَنِينُ وَحْدَهُ، فَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي.
وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلاً فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَفِي مَالِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ الإْمَامِ وَالْحَاكِمِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ (عَاقِلَةٌ. غُرَّة. جَنِينٌ. دِيَةٌ. كَفَّارَةٌ.)
الآْثَارُ التَّبَعِيَّةُ لِلإْجْهَاضِ:
بِالإْجْهَاضِ يَنْفَصِلُ الْجَنِينُ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا، وَيُسَمَّى سِقْطًا . وَالسِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا أَوْ لِغَيْرِ تَمَامِ أَشْهُرِهِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ حُكْمِ تَسْمِيَتِهِ وَتَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ . وَمَوْضِعُ بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلُهُ مُصْطَلَحُ سِقْطٍ.
أَثَرُ الإْجْهَاضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْعِدَّةِ وَالطَّلاَقِ:
لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْجْهَاضَ بَعْدَ تَمَامِ الْخَلْقِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلاَدَةِ. مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَوُقُوعُ الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلاَدَةِ، لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْجْهَاضَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الْجَنِينِ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَيَاةِ وَانْفِصَالِهِ عَنْ أُمِّهِ حَيًّا كَالإْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ.
أَمَّا الإْجْهَاضُ فِي مَرَاحِلِ الْحَمْلِ الأْولَى قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فَفِيهِ الاِتِّجَاهَاتُ الْفِقْهِيَّةُ الآْتِيَةُ: فَبِالنِّسْبَةِ لاِعْتِبَارِ أُمِّهِ نُفَسَاءَ، وَمَا يَتَطَلَّبُهُ ذَلِكَ مِنْ تَطَهُّرٍ، يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ، اعْتِبَارَهَا نُفَسَاءَ، وَلَوْ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ، أَوْ بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ . وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ غُسْلَ عَلَيْهَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَبِالنِّسْبَةِ لاِنْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْوِلاَدَةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَيُّ صُورَةِ آدَمِيٍّ لاَ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلاَدَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلاَ بِالْبَيِّنَةِ. أَمَّا الْمُضْغَةُ الْمُخَلَّقَةُ وَالَّتِي بِهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَلَوْ خَفِيَّةً، وَشَهِدَتِ الثِّقَاتُ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ؛ لأِنَّهُ عُلِمَ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لاَ يُوقِعُونَ الطَّلاَقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوِلاَدَةِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُسَمَّى وِلاَدَةً، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِانْفِصَالِ الْحَمْلِ كُلِّهِ وَلَوْ عَلَقَةً .
إِجْهَاضُ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إِذَا أَلْقَتْهُ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا مَا نَقَصَتِ الأْمُّ، أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَإِذَا نَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَقِيمَتُهُ مَعَ الْحُكُومَةِ، وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَهُوَ مَا قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ . وَلَمْ نَقِفْ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَلاَمٍ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ صَالَتِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى إِنْسَانٍ، فَدَفَعَهَا، فَسَقَطَ جَنِينُهَا، فَلاَ ضَمَانَ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الدَّفْعَ لَوْ كَانَ عُدْوَانًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 100
مُضْغَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الْمُضْغَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ قَدْرَ مَا يَمْضُغُ وَجَمْعُهَا مُضَغٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ).
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعَلَقَةُ:
الْعَلَقَةُ فِي اللُّغَةِ: قِطْعَةٌ مِنَ الدَّمِ الْجَامِدِ مُتَكَوِّنَةٌ مِنَ الْمَنِيِّ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ أَنَّ الْمُضْغَةَ طَوْرٌ مِنْ أَطْوَارِ الْجَنِينِ وَكَذَلِكَ الْعَلَقَةُ، فَالْمُضْغَةُ مَرْحَلَةٌ بَعْدَ مَرْحَلَةِ
الْعَلَقَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإْنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).
النُّطْفَةُ:
النُّطْفَةُ لُغَةً: مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَجَمْعُهَا نُطَفٌ وَفِي التَّنْزِيلِ: ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ).
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ أَنَّ النُّطْفَةَ مَرْحَلَةٌ مِنْ مَرَاحِلِ الْجَنِينِ تَسْبِقُ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ.
الْجَنِينُ:
الْجَنِينُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَسْتُورٍ وَأَجْنَتْهُ الْحَامِلُ سَتَرَتْهُ، وَالْجَنِينُ وَصْفٌ لَهُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَالصِّلَةُ أَنَّ الْجَنِينَ يَكُونُ بَعْدَ مَرْحَلَةِ الْمُضْغَةِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُضْغَةِ:
حُكْمُهَا مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُضْغَةَ نَجَسٌ، لأِنَّهَا دَمٌ وَالدَّمُ نَجَسٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ وَابْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُضْغَةَ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ بَلْ طَاهِرَةٌ، لأِنَّ الْمُضْغَةَ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ كَالْمَنِيِّ.
عُقُوبَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلاَ غُرَّةَ فِيهِ وَتَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ مُضْغَةً بِضَرْبٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ شَمِّ رِيحٍ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ أَوْ غُرَّةٌ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْغُرَّةِ لِلْجَانِي لاَ لِمُسْتَحِقِّهَا، وَهَذَا الْوَاجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ إِنَّمَا هُوَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، أَمَّا جَنِينُ الأْمَةِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّقْدُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ ضُرِبَ بَطْنُ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَظْهَرْ فِيهَا صُورَةُ الآْدَمِيِّ فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ فِيهَا صُورَةَ الآْدَمِيِّ وَجَبَتْ فِيهَا الْغُرَّةُ لأِنَّهُنَّ يُدْرِكْنَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُدْرِكُ غَيْرُهُنَّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَكْفِي الظُّهُورُ فِي طَرَفٍ وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ الأْطْرَافِ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً يَخْتَصُّ بِمُعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَجَبَتِ الْغُرَّةُ أَيْضًا، وَإنْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ لَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٌّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ لَمْ تَجِبِ الْغُرَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ شَكَكْنَ هَلْ هُوَ أَصْلُ آدَمِيٌّ لَمْ تَجِبْ قَطْعًا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لاَ شَيْءَ فِيهِ لأِنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلاَ تَشْغَلْهَا بِالشَّكِّ.
وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لأِنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ.