جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة في صورها المشددة
تقسيم الظروف المشددة في جرائم الجرح والضرب وإعطاء المواد الضارة، نص الشارع على ظروف عديدة تشدد العقاب في جرائم الاعتداء على سلامة الجسم، وهذه الظروف على تعددها ترد إلى فئتين : فئة يقوم التشديد فيها على درجة جسامة الأذى الذي نال جسم المجني عليه ، ويفترض أن الأذى الذي ترتب على الفعل لم يقف عند الأذى البسيط، بل جاوز ذلك إلى المساس الجسيم بسلامة الجسم، وهذه الفئة هي أهم الفئتين، والفئة الثانية لا يقوم التشديد فيها على درجة جسامة الأذى، وإنما يتوقف على اعتبارات أخرى .
المطلب الأول
الظروف المشددة التى تتوقف على درجة جسامة الأذى
بيان هذه الظروف: حصر الشارع هذه الظروف في ثلاثة هي : حدوث مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً المادة 241 من قانون العقوبات)، وحدوث العاهة المستديمة (المادة 240 من قانون العقوبات) ، وحدوث الموت (المادة 236 من قانون العقوبات) .
والعلة العامة للتشديد عند توافر أحد الظروف السابقة هي أن جسامة الأذى الذي أصاب المجني عليه تعنی جسامة الضرر الذي أصاب المجتمع ممثلاً في أحد أفراده . ومن ناحية ثانية ، فإن النتيجة الجسيمة قرينة على خطورة الفعل، إذ الوضع الطبيعي أن النتيجة الخطيرة لا يحدثها إلا فعل خطير، وخطورة الفعل بدورها قرينة على خطورة مرتكبه، ويعني ذلك إزدياد خطورة شخصية الجاني على المجتمع .
الأحكام المشتركة في هذه الظروف المشددة : هذه الأحكام هی : اشتراط توافر أركان الجريمة في صورتها البسيطة ، واشتراط تحقق النتيجة الجسيمة، واشتراط توافر علاقة السببية بين الفعل وبين الأذى الجسيم، واشتراط استطاعة المتهم توقع هذا الأذى الجسيم .
توافر أركان الجريمة في صورتها البسيطة : لا محل للبحث في توافر الظرف المشدد إلا إذا ثبت ابتداء توافر الأركان التي يقوم عليها الاعتداء على سلامة الجسم في صورته البسيطة ، وهي كما قدمنا : محل الاعتداء والركن المادي والقصد الجنائي ، فالظرف المشدد يفترض جريمة بسيطة مكتملة الأركان يضاف إليها . ويعني ذلك أنه إذا ثبت انتفاء أحد هذه الأركان ، فلا محل بداهة للتساؤل عن الظرف المشدد .
تحقق الأذى الجسيم: لا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا تحققت بالفعل النتيجة الجسيمة التي يفترضه، ومن ثم فلا يكفي احتمال تحققها مهما كان هذا الاحتمال كبيراً وتطبيقاً لذلك فإذا كان فعل الجانی بالغ الجسامة شديد الخطورة وكان من شأنه حسب المجرى العادي للأمور أن يفضي إلى العاهة أو الموت، ولكن هذه النتيجة لم تحدث لعوامل استثنئاية ، فإن الظرف المشدد لا يتوافر ، وإنما يسأل الجاني عن النتيجة التي حدثت فعلاً . ويرتبط بذلك أن العبرة ليست بما يقرره الطبيب ويستظهره من احتمالات ، ولكن العبرة بما يتحقق فعلاً .
ويقتضي اشتراط تحقق الأذى للمساءلة عنه وجوب أن تتريث سلطات الإتهام في إقامة الدعوى الجنائية حتى تستقر حالة المجني عليه وتتبلور فی صورة نهائية آثار الفعل، فيتحدد بذلك الوصف الذي يخلع على الجريمة وغني عن البيان أنه إذا صدر حكم بات في شأن الجريمة على أساس وصف معين ثم إزدادت جسامة الأذى على نحو يقتضى تعديل الوصف، فإن قوة الشيء المحكوم فيه تحول دون إقامة الدعوى من أجل ذات الوقائع، فإذا أدين المتهم بحكم بات من أجل الواقعة باعتبارها ضرباً مفضياً إلى عاهة ثم مات المجني عليه وثبت أن علاقة السببية متوافرة بين الفعل والموت، فلا يجوز أن تقام عليه الدعوى من أجل الواقعة باعتبارها ضرباً مفضياً إلى الموت.
علاقة السببية بين فعل الاعتداء على سلامة الجسم والأذى البدني الجسيد: لا يسأل المتهم عن الأذى الجسيم إلا إذا ثبت توافر علاقة السببية بين فعله وهذا الأذى ، وتعد علاقة السببية عنصراً في الركن المادي الجريمة الاعتداء على سلامة الجسم ذات النتيجة الجسيمة فإذا كانت هذه العلاقة منتفية فلا يسأل الجاني عن النتيجة التي لم يكن فعله سببها ، وإنما تقتصر مسئوليته على الأذى الذي ثبت توافر علاقة السببية بينه وبين الفعل : فإذا ترتب على فعل الجرح أو الضرب إصابة المجنى عليه بإيذاء بدني يسير، ولكن إزدادت خطورة هذه النتيجة بتأثیر عوامل مستقلة عن فعل الجاني حتى أفضت إلى العاهة المستديمة أو الموت فلا يسأل الجاني عن نتيجة لا تربطها بفعله علاقة السببية، ولكن تقتصر مسئوليته على الإيذاء اليسير الذي ثبت توافر علاقة السببية بينه وبين فعله استطاعة توقع الأذى الجسيد: استطاعة المتهم توقع درجة جسامة الأذى ووجوب ذلك عليه عنصر في معيار علاقة السببية كما حددته محكمة النقض ، وثبوتهما لا غنى عنه للمساءلة عن ذلك الأذى ، أما إذا تخلفا فلا يسأل المتهم عن الظرف المشدد ، إذ تنتفي علاقة السببية، ولكن الرأي السائد في الفقه يقيم على أساس منهما القصد الاحتمالي ويعتبرانه الركن المعنوي للمسئولية عن الأذى الجسيم.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 531)
يمكن القول - بادئ ذي بدء - بأنه كان الأحرى والأدق بالمشرع المصري أن ينص على هذه المادة في الباب الأول من الكتاب الثالث والخاص بجرائم القتل والجرح والضرب لأنه هو موضعها الطبيعي حيث أن هذه المادة لا علاقة لها بجرائم الإسقاط و إنما تتعلق بإعطاء المادة الضارة.
وعلى أية حال فإن المادة محل التعليق عرفت المواد الضارة بأنها الجواهر غير القاتلة التي ينشأ عنها مرض أو عجز عن العمل، وإذن فإن تحديد ماهية المواد الضارة يتوقف على مدى تأثيرها بالضرر على الصحة سواء بإحداث اعتلال بها أو بزيادة ما كانت تعانيه من انحراف من قبل، وهو ما يتحقق بالإخلال بوظائف الحياة في الجسم على أي نحو كان. وتشمل الصحة كل من الوظائف البدنية والنفسية في الجسم.
وعلى ذلك فمن يعطى لأخر مواد يترتب عليها إصابته بمرض عصبي أو بجنون يعد مرتكباً لجريمة إعطاء المواد الضارة، وقد تكون المواد الضارة سامة، وفي هذه الحالة يكون المناط في التمييز بين الشروع في القتل بالسم وإعطاء المواد الضارة هو القصد الجنائي.
ولم يتطلب القانون صورة معينة للإعطاء ولذا فإنه ينصرف إلى كل فعل يتمكن به الجاني، من إقامة الصلة بين المواد الضارة وجسم المجني عليه، فقد يتحقق بالمناولة أو بدس المواد في الطعام أو بتسليط أشعة ضارة على المجنى عليه أو حقنه بمادة ضارة.
العقوبة:
يعاقب الجاني طبقاً لأحكام المواد (240، 241، 242) عقوبات على حسب ما نشأ عن الجريمة ووجود سبق الإصرار على ارتكابها أو عدم وجودة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 733)
فتحديد ماهية المواد الضارة يتوقف على مدى تأثيرها بالضرر على الصحة، سواء بإحداث علة بما أو بزيادة ما كانت عليه من اعتلال من قبل، وهو ما يتحقق بالإخلال بصحة الشخص أو بوظائف جسمه على أي نحو كان .
وتشمل الصحة كلاً من الوظائف البدنية والنفسية، وعلى ذلك، فمن يعطي الآخر مواد يترتب عليها إصابته بمرض عصبي أو باختلال عقلي يعد مرتكباً لجريمة إعطاء مواد ضارة.
وقد تكون المواد الضارة سامة، وفي هذه الحالة يكون المناط في التمييز بين الشروع في القتل بالسم وإعطاء المواد الضارة هو القصد الجنائي، فإذا صاحب إعطاء السم نية القتل ولم تترتب عليه الوفاة كان شروعاً في قتل، هذا بخلاف إعطاء المواد الضارة، فإنها مادامت ليس من شأنها إحداث الوفاة وفقاً للمجرى العادي للأمور في مثل ظروف المجني عليه فإنه مهما توافرت نية القتل لا يتوافر الشروع في القتل بسبب الاستحالة المادية للوسيلة .
ولم يشترط القانون صورة معينة للإعطاء، ولذا فإنه ينصرف إلى كل فعل يتمكن به الجاني من إنشاء صلة بين المواد الضارة وجسم المجنى عليه. فقد يتحقق بالمناولة أو بالدس في الطعام أو بتسليط أشعة ضارة على المجني عليه أو بحقنه بمادة ضارة.
ونلاحظ على المادة 265 عقوبات بشأن إعطاء المواد الضارة أنهما نصت على تطبيق المواد 240 و 241 و 242 على حسب جسامة ما نشأ عن الجريمة، وهو ما يسري على كل من جرائم الضرب الذي أفضى إلى عاهة، والضرب الجسيم والضرب البسيط، أما إذا أفضى الضرب إلى موت فقد تكفلت المادة 236 عقوبات الخاصة بهذه الجريمة بالنص على إعطاء المواد الضارة، ورغم أن المادة 265 عقوبات قد أشارت إلى تطبيق المادة 240 عقوبات الخاصة بالضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، لكنها لم تشر إلى العاهة بوصفها إحدى النتائج التي يمكن أن تترتب على إعطاء المواد الضارة، اكتفاء بعبارة مرض أو عجز وقتي، وهو ما لا يعد كافياً لتحديد معنى العاهة .(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 147)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 101 ، 102 ، 103 ، 104 ، 105 .
تحريم شرب الخمر
(مادة 159)
يحرم شرب الخمر وتعاطيها، وحيازتها وإحرازها ، وصنعها وتحضيرها وإنتاجها ، وجلبها واستيرادها وتصديرها والاتجار فيها، وتقديمها وإعطاؤها وإهداؤها، وترويجها ونقلها، والدعوة إليها والإعلان عنها.
(مادة 160)
کل مسكر خمر سواء أسكر قليله أو كثيره، وسواء كان خالصاً أم مخلوطاً .
(مادة 161)
يشترط للعقاب على الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب - أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً قاصداً ارتكاب الفعل عن علم واختيار وبلا ضرورة.
(مادة 162)
كل من شرب خمراً ، عوقب حداً بالجلد أربعين جلدة.
(مادة 163)
إثبات جريمة الشرب المعاقب عليها حذا، يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين:
الأولى : إقرار الجاني قولاً او كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ويقبل الرجوع عن الإقرار إلا ما قبل الحكم النهائي.
الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين غير متهمين في شهادتها مبصرین ، قادرين على التعبير قولاً أو كتابة ، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها.
وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة، ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة .
ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها.
(مادة 164)
لا يجوز إبدال عقوبة الحد ولا العفو عنها.
(مادة 165)
إذا رجع المقر عن إقراره، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به، أو إذا لم يتوافر أي من الشروط المنصوص عليها في المادة (163) - يعزر الجاني بالجلد بما لا يقل عن عشر جلدات، ولا يجاوز ثلاثين جلدة.
(مادة 166)
يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة - كل من تعاطى الخمر عن غير طريق الشرب.
(مادة 167)
يعزر بالجلد ثلاثين جلدة ، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه - كل من صدر أو جلب أو استورد أو أنتج أو استخرج أو صنع أو حضر خمراً ، أو اشترك في فعل مما ذكر، وكان ذلك بقصد الاتجار .
(مادة 168)
يعزر بالجلد عشرين جلدة، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألفي جنيه:
(أ) كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع أو روج أو سلم أو تسلم أو نقل أو قدم خمراً ، وكان ذلك بقصد الاتجار، وكل من توسط أو اشترك في أي فعل ما ذكر، وكذلك كل من أعلن عنها، أو دعا إليها بأية صورة.
(ب) كل من أدار أو أعد أو هيأ مكاناً لشرب الخمر أو تعاطيها.
(مادة 169)
يعزر بالجلد خمس عشرة جلدة، وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه - كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو أنتج أو استخرج أو صنع أو أحضر أو سلم أو نقل خمراً ، أو توسط أو اشترك في فعل مما ذكر، وكان ذلك لغرض الشرب أو التعاطي.
(مادة 170)
ترفع الدعوى من رئيس النيابة أو من يقوم مقامه ، بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة.
(مادة 171)
إذا لم يكن الجاني بالغا بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة - يعزر على الوجه التالي:
1- إذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة - فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه، أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة في القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث.
2- وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة يعاقب بضربه بعصا رفيعة بها لا يتجاوز عشرین ضربة، كما يجوز بالإضافة إلى ذلك الحكم بإيداعه إحدى المؤسسات المذكورة في البند السابق.
3- وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة - يعاقب بجلده من عشر إلى عشرين جلدة.
(مادة 172)
لا تسري أحكام هذا الباب على أي فعل مما ورد فيه يكون محله کحولاً ، إذا كان لغير غرض الشرب أو التعاطي.
(مادة 173)
مع عدم الإخلال بأحكام المادة (52) من هذا القانون، يجب في حالة الحكم بالإدانة في الحالة المنصوص عليها في المادة (167) - الحكم بمصادرة الآلات والأدوات والمواد التي استعملت فعلاً في إنتاج الخمر ، ووسائل النقل التي استخدمت في تقلها بقصد الاتجار فيه، متى كان صاحب هذه الوسائل يعلم أنه ينقل خمراً بقصد الاتجار فيه.
ويجب في حالة الحكم بالإدانة في الحالة المنصوص عليها في البند (ب) من المادة (168) - الحكم بإغلاق المكان الذي وقعت فيه الجريمة، ولا يرخص بإعادة فتحه إلا لغرض مشروع.
(مادة 174)
لا يجوز الأمر بإيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة المحكوم بها تطبيقاً لأحكام هذا الباب.
(مادة 175)
لا تنقضي الدعوى الجنائية عن الجريمة الحدية، كما لا يمتنع سماع الشهادة عليها أو الإقرار بها بمضي المدة.
ولا تسقط العقوبة الحدية المحكوم بها بمضي أية مدة.
(مادة 176)
يتكرر الحد بتكرار فعل الشرب بعد تمام تنفيذ الحد ، فإذا تعددت جرائم الشرب قبل تمام التنفيذ في أي منها، فلا ينفذ على الجاني إلا حد واحد.
ولا يتداخل حد الشرب فيها سواه من الحدود.
(مادة 177)
إذا عاد الجاني بعد إتمام تنفيذ العقوبة إلى ارتكاب أي من الجرائم المعاقب عليها تعزيراً في هذا الباب - تكون عقوبة الغرامة مثلي المقررة أصلاً للجريمة ، وذلك فضلاً عن الحكم بالعقوبات الأخرى المقررة.
كما يستتبع صدور حكم على العائد حرمانه من الحصول على ترخيص بقيادة المركبات الآلية، أو إلغاء هذا الترخيص لمدة سنة.
وتعتبر الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب متماثلة في العود.
ويجوز للمحكمة في حالة الحكم بالإدانة - أن تأمر بإيداع من ثبت إدمانه على شرب الخمر أو تعاطيها إحدى المصحات التي تخصص لهذا الغرض، إلى أن تأمر بالإفراج عنه بناء على طلب النيابة العامة بعد التحقق من شفائه، وعلى المصحة أن تخطر النيابة فور شفائه.
تحريم الخمر وإقامة حد الشرب
في تحريم الخمر:
يتجه التشريع الإسلامي دوماً إلى ربط الأحكام بما يصلح العباد، ومن قرأ قوله سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)) (المائدة:90 ، 91 )
عرف كيف يتجه الشارع إلى تقويم شئون العباد والحيلولة بينهم وبين الفساد، وكيف
يوجههم إلى توخي مقاصد الشريعة والوقوف على أسرارها.
وقد أمر الله تعالى في محكم كتابه باجتناب الخمر؛ لما تنطوي عليه من مفاسد، وبين أنها رجس من عمل الشيطان، وأن الفلاح منوط باجتنابها.
وهذا التحريم ثابت على نحو قاطع بكتاب الله في الآيتين سالفتي الذكر؛ حيث قرنها بالأنصاب وهي حجارة كانت حول الكعبة يذبحون عندها قرابينهم للأصنام، ووصفها بأنها رجس من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها، وهو أبلغ ألفاظ النهي والتحريم، وبين أن ترکها مدعاة لفلاح المسلمين.
وتحريمها ثابت كذلك بالسنة، فقد روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام». رواه أبو داود والإمام أحمد، كما روى أبو داود عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها».
وروى الشيخان عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام».
وقد أجمعت الأمة الإسلامية في ضوء تلك النصوص على تحريم الخمر، بل نص الفقهاء على أن مستحل الخمر کافر؛ لإنكاره ما علم من الدين بالضرورة.
ويقصد الشارع الإسلامي حفظ الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل، فكل ما يصون هذه الأصول فهو مصلحة، وكل ما يفوتها فهو مفسدة.
فالمحافظة على العقل أمر ضروري يتطلبه الدين ذلك، بأن العقل في الإنسان هو مناط التكليف ومرجع المسئولية؛ لذلك حرص الشارع الحكيم على حفظ العقل من المسكرات التي تجعل عليه غشاوة تحول بينه وبين التمييز بين الحسن والقبيح، فيقدم السكارى على أفعال لا يشعرون بنتائجها إلا بعد إفاقتهم، حيث يكون الندم، وما أكثر ما يقدم شاربو الخمر على قتل الأنفس، واستباحة الأعراض، وبعثرة الأموال، واستهداف الخصومات والشحناء، وارتكاب کل جرم! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما رواه النسائي والبيهقي: «الخمر أم الخبائث».
وعلى ما سبقت الإشارة إليه فإن الخمر حرمت؛ لأنها مفسدة للفرد في عقله وآدميته،
إذ تخرج الإنسان عن وعيه وتفقده إدراكه حتى يبلغ مرتبة الهذيان، وفي ذلك امتهان للعقل، وهو أشرف ما كرم الله به الإنسان، كما أنها مفسدة خلقية اجتماعية ودينية؛ إذ توقع العداوة والبغضاء بين المسلمين، وتصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة، فغيبوبة السكر تنافي اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم وعقله؛ ليكون موصلا الله في كل حين، والخمر حليفة الميسر وقرينة الجريمة.
وقد أثبتت الاتجاهات العلمية والطبية أن للخمر أثرها البالغ على صحة الإنسان وأجهزة جسمه وخاصة الجهاز الهضمي والجهاز العصبي والقلب، وعلى الحواس وخاصة حاسة الإبصار، وعلى الصحة النفسية والعقلية، ذلك أن الكحول وهو العنصر الفعال المسكر الذي تحتوي عليه جميع أنواع الخمور بنسب متفاوتة يؤثر على صحة الإنسان تأثيراً أشد ما يكون بالنسبة للمدمنين، وتدل الأبحاث على علاقة كبيرة بين الخمر وبين حوادث الطريق، ويقول فقهاء علم الإجرام: إن الخمر تضاعف الرغبة في الجريمة، وتساعد على تغليب الدوافع إليها، وإن أشد الأفراد خطورة على المجتمع هم الذين يجمعون بين الميل الإجرامي والميل إلى تعاطي الخمر (الإدمان)، وكثيراً ما يلجأ العدو إلى انتزاع الأسرار من الأفراد عن طريق الخمر، التي تفك عقدة ألسنتهم فتنساب بأسرار الوطن الخطيرة.
وهكذا فإن الخمر تعطي المجتمع إنسانا منحلاً مريضاً لا يتمتع بقدرات الشخص السوي، وحين تصل به إلى عادة الإدمان يصير الكحول عنصراً أساسياً في جسمه، يتطلب دوماً الإرواء. وقد ذكر علماء الطب الشرعي أن الإدمان قد يفضي إلى مظاهر الجنون التي منها الهذيان، الارتعاش، الجنون، الهوس الكحولي، والعته الكحولي.
ومن أجل ذلك اتجهت بعض الدول إلى تحريم الخمر تحريماً تاماً، ومن ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية عدلت المادة (18) من دستورها في سنة 1919 لحظر صنع المشروبات المسكرة أو بيعها أو نقلها أو تصديرها، لما استبان لها من شتى الأضرار البالغة المترتبة على شرب المسكرات.
وقد أنشئت بكثير من الدول جمعيات المقاومة الخمور وإبعاد الناس عن شرورها، ويشتد ساعد الدعوة إلى تحريم الخمر، حتى لا تكاد تخلو دولة في الوقت الحاضر من جماعات من المصلحين يستصرخون حكوماتهم أن تبادر إلى تحريمها بعد ما ثبت من أضرارها الوبيلة.
وقد عقد في المدة من 29 من نوفمبر سنة 1975 إلى 5 من ديسمبر من العام نفسه - المؤتمر السادس للمسكرات والاعتماد على العقاقير، الذي أعده المجلس الدولي للمسكرات ومكافحة الإدمان بلوزان (سويسرا) والمنظمة الدولية العربية للدفاع الاجتماعي بالتعاون مع وزارة الصحة بدولة البحرين، واشتركت فيه منظمة الصحة العالمية ووفود من ثلاث عشرة دولة عربية منها جمهورية مصر العربية، وأسهم فيه علماء وخبراء من الولايات المتحدة وسويسرا وألمانيا الغربية.
وقد أوصى المؤتمر في مجال الوقاية العامة الشاملة بما يلي:
1- الاستفادة من تطبيق الشريعة الإسلامية، وكيفية علاجها لمشكلة تعاطي المسكرات والمخدرات.
2- الاهتمام بالأسرة لتنشئة أفرادها التنشئة الصالحة؛ لوقاية المجتمع من مشاكل
تعاطي المسكرات والمخدرات.
3- توفير الضمان والرعاية الاجتماعية لأسر المدمنين، والعمل على حماية أفرادها.
4- تضمين المناهج الدولية في كافة مراحلها النوعية الفعالة الأضرار الناجمة عن تعاطي المسكرات والمخدرات، ونشر الوعي بين فئات الشعب؛ لتحصينهم ضد ذلك التعاطي، وإعطاء الشباب عناية خاصة؛ وقاية لهم وحفاظا على طاقاتهم ومستقبلهم.
5- تجنيد وسائل الإعلام؛ لتبصير الناس بالمضار المؤكدة علمياً للمسكرات والمخدرات.
6- مناشدة الدول التي تسمح بتعاطي المسكرات باتخاذ الإجراءات اللازمة للوصول إلى منع ذلك التعاطي أو الحد منه، والاجتهاد الصادق في هذا السبيل وفقاً لظروف كل بلد.
7- إلزام المصانع المنتجة للمسكرات بوضع عبارة بارزة بأن: «محتويات هذه العبوة قد تدمر صحتك»، وذلك باللغات المناسبة، أسوة بما يحدث مع الشركات المنتجة للسجائر، كما يجب منع الدعاية للمنتجات الكحولية منعاً باتاً في أي من وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون و سینما وغيرها.
على أن أنجح الأساليب لتحريم الخمر هو أسلوب الإسلام، الذي يخاطب الفرد من ناحية دينه وقلبه وإيمانه، فالتحريم فيه يعتمد على قوة العقيدة الدينية في النفوس، والإيمان بأن التحريم صادر عن الشارع الإلهي الحكيم، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
ولئن كان الإسلام قد حرم الخمر، على ما سبق، فإن كلاً من اليهودية والمسيحية قد
حرمتها كذلك، فقد ورد في العهد القديم الإصحاح (23) ما نصه:
(29) «لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن ازمهرار العين (30) للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج (31) لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقوقة (32) في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان».
کا ورد في العهد الجديد: «رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنتوش» - الإصحاح (5) - ما نصه:
(11) «وأما الآن فكتبت إليكم: إن كان أحد مدعو أخاً زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفاً أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا».
وورد في الإصحاح (6) منها ما نصه:
(10) «ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله».
وورد فيه: «رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس»، الأصحاح (5) (18): «ولا
تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح».
وورد فيه: «رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس، الإصحاح (5) ما نصه:
(23) «لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة»، ومن هذا يبين أن العهد القديم يحرم حتى مجرد النظر إلى الخمر، وأما ما ورد في رسالة بولس الرسول إلى تيموثاوس إنها كان علاجاً لحالة فردية لمريض بذاته.
ولقد كان من نتائج الحقائق العلمية المسلمة - في شأن ما ينجم عن الخمر من آثار بالغة الخطورة بالإنسان جسدياً وعقلياً ونفسياً - أن دعا المصلحون وقادة الفكر إلى العمل على مكافحتها؛ لأن شربها وتعاطيها هو المدخل الطبيعي إلى الإدمان، بما يترتب عليه من نكبات للمدمنين، وفساد في المجتمعات يورثها الانحلال والرذيلة وضياع القيم.
وانطلاقاً مما تقدم ونزولاً من المشرع على واجبه في حماية المواطنين كافة - مسلمين كانوا أو غير مسلمين، ومراعاة منه لقاعدة إقليمية القانون العقابي بما يوجب سريان أحكامه على المقيمين على أرض الدولة جميعهم دونما استثناء بسبب الديانة أو الجنسية، وحرصا على ما تقتضيه المصلحة العامة؛ لأن الخمر لا تعد حلالاً في أي دين.
المحلى جـ(11) ص (450)).
(أبو زهرة ج (2) ص (189)، (243)).
مبدأ التحريم:
تنص المادة (159) على مبدأ تحريم الخمر، فتحرم شربها وتعاطيها وحيازتها وإحرازها وصنعها وتحضيرها وإنتاجها وجلبها واستيرادها وتصديرها ونقلها والاتجار فيها والدعوة إليها والإعلان عنها وتقديمها وإعطاءها وإهداءها، فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمول إليه، وآكل ثمنها». رواه أبو داود. قال ابن قدامة في المغني جـ (9) ص (138) مطبعة العاصمة: «وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر، وأجمعت الأمة على تحريمها».
تعريف الخمر:
تكفلت المادة (160) بتحديد المقصود بالخمر، فأخذت في هذا الشأن با استقر عليه جمهور الفقهاء، ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة من أن الخمر هي كل شراب مسكر أیاً كانت المادة التي استخرج منها، وسواء أسكر قليله أو كثيره. وحجة هذا الرأي ما رواه مالك، عن ابن شهاب، عن أبي مسلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع - وهو شراب يتخذ من العسل في اليمن - فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام»». أخرجه البخاري.
وقال يحيى بن معين: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر، وما خرجه مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام». وما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام». أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي. (بداية المجتهد، طبعة: صبیح، جـ (1) ص (378)).
وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من العنب خمراً، وإن من العسل خمراً، ومن الزبيب خمراً، ومن الحنطة خمراً، وأنا أنهاكم عن كل مسكر». وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام» - والفرق: مکیال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رطلاً - رواه أبو داود، وقال عمر رضي الله عنه: «نزل تحريم الخمر من العنب والعسل والحنطة والشعير، والخمر: ما خامر العقل». ولم يعترض أحد من الصحابة على ذلك.
ولم يأخذ المشروع برأي أبي حنيفة وسائر فقهاء الكوفة الذين يرون قصر الخمر المحرمة لعينها على الشراب المستخرج من النيئ من ماء العنب بعد ما غلى واشتد وقذف بالزبد ثم سكن عن الغليان، وصار صافياً مسكراً.
وأما الأشربة المسكرة الأخرى وهي التي أطلق عليها على وجه العموم اصطلاح الأنبذة، فإنه لا يقام الحد على شاربها إلا إذا بلغ درجة السكر، وحجتهم في ذلك حديث أبي عون الثقفي، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حرمت الخمر لعينها والسكر من غيرها». إلا أن الفقهاء الآخرين ضعفوا هذا الحديث؛ لأن بعض رواته روی: «والمسكر من غيرها»، وقد قيل: إن خبر ابن عباس موقوف عليه، وأنه يحتمل بالسكر المسكر من كل شراب؛ إذ إنه روى هو وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مسكر حرام». ومن ثم فكل ما كان مسكراً، سواء أكان متخذاً من الثمار كالعنب والرطب والتين، أو من الحبوب كالحنطة والشعير، أو الحلويات كالعسل، وسواء أكان مطبوخاً أو نيئاً، وسواء أكان معروفاً باسم قديم كالخمر والطلاء، أو باسم مستحدث كالعرق والكونياك والشمبانيا و الويسكي والبيرة والبراندي والروم والفودكا والجن والسيدر، ونحوها من الأنواع والأسماء الشائعة اليوم، وذلك لما رواه أحمد وأبو داود عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليشربن أناس من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها» .
راجع في شأن ما تقدم
1- المغني جـ (9) (مطبعة: العاصمة) ص (140).
2- المبسوط (مطبعة: السعادة) ج (24) ص (2) - (4).
3- حاشية ابن عابدين (دار سعادات) ج (3) ص (224)، (225).
4 - نهاية المحتاج ج (8) (مطبعة: الحلبي) ص (9).
5- بداية المجتهد ج (1) ص (377).
6- فتح القدير ج (4) ص (182)، (183).
7- الإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع (الطبعة: الميمنية) ج (4) ص (157)، (158).
8- منتهى الإرادات للفتوحي (مطبعة: الجيل) ج (2) ص (457).
9- الفروع للمقدسي بن مفلح (دار مصر) الطبعة الثانية، ج (6) ص (99).
10 - الروضة البهية في فقه الشيعة الجعفرية (دار الكتاب العربي)، ج (2) ص (371).
11 - البحر الزخار في فقه الزيدية (الطبعة الأولى ج (5) ص (192)).
12- مشروع الموسوعة الفقهية الكويتية - طبعة تمهيدية - الموضوع (1)، الأشربة.
وحجة جمهور الفقهاء أقوى وأوضح، فقد ثبت من حال الشرع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر، وجميع الأشربة المسكرة تخمر العقل، سواء كانت مستخرجة من العنب أو من غيره، فوجب أن يكون حكمها واحد، وحديث : «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، وحديث: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام». نص حاسم يشمل بالتحريم جميع المسكرات.
على أن عنصر السكر في جميع أنواع الخمور هو الكحول، وهذا العنصر لا يتولد من العنب فقط وإنما من كثير من المواد الأخرى، وهو ما حسمه العلم وكشفت عنه التجارب. وقد نقل الشيخ رشيد رضا عن الإمام محمد عبده في تفسير المنار: «أن الخمر نوعان: نوع يخمر تخميراً، ونوع يقطر تقطيراً، وأقوى الخمور سماً وأشدها ضرراً ما كانت مقطرة، وهو ما يعبر عنها بالأشربة الروحية...، ولم يختلف الصحابة في تحريم ما كان عندهم من خمر البسر والتمر والحنطة والشعير وغيرها». وقد تعددت في عصرنا أسماء المشروبات الكحولية، وكلها من شأنها الإسکار حتى مما كان مصدره الشعير وهو (البيرة). والنصوص الشرعية السالف ذكرها تشمل بعمومها كل ما يجد من أصناف المسكرات.
وبناء على ما تقدم عرفت المادة (160) الخمر بها يفيد أنها كل ما من شأنه الإسكار، سواء أسكر قليله أو كثيره، والعبرة في الإسكار بالشخص العادي، فهو الذي تبنى الأحكام على أساسه.
ولا يغير من طبيعة السكر أن يخفف أو يمزج بغيره كالماء أو الصودا، طالما أن الخمر بعد تخفيفها أو خلطها بغيرها لا تزال محتفظة بالعنصر الفعال في السكر، وهو الكحول، وأنه يسكر ولو في الكثير منه دون القليل.
وليس معنى تحريم الخمر دون التعرض لغيرها حل العناصر الجامدة التي تؤثر على العقل وتخدر الجسم (المخدرات)، فإنه لا شك في حرمتها على ما أوضحه الفقهاء وأفتى به العلماء، إلا أن الخلاف في شأنها ثار فيها إذا كانت تعتبر بذاتها خمراً يقام الحد على متعاطيها، أم أنها تعتبر من قبيل الخمر علة باعتبار أنها تثبط العقل شأنها شأن الخمر، ولئن كان ثمة رأي يسوي بين الخمر والمخدرات فيما يتعلق بإقامة حد الشرب (ابن تيمية وابن القيم)، إلا أن المشرع آثر الرأي الذي اتجه إلى عدم إقامة حد الشرب في حالات تعاطي المخدرات باعتبار أن الخمر تطلق عادة على الأشربة المسكرة، ولا يمنع ذلك من فرض أقصى العقوبات على تعاطي المخدرات والاتجار فيها، مما يدخل في باب التعزير المتروك للسلطة التشريعية.
الشروط التي يجب توافرها في الجاني:
(أ) نصت المادة (161) على بيان هذه الشروط، وهي: العقل، والبلوغ، والاختيار
والقصد، وانتفاء الضرورة، وشرط العقل برفع المسئولية الجنائية عمن كان وقت ارتكاب الفعل قد فقد عقله لعاهة أو جنون.
وشرط البلوغ يلاحظ بشأنه أنه وإن كان الأصل فيه شرعاً أن يكون بالأمارات الطبيعية للبلوغ، فإذا لم تظهر يعول على السن، وهو في رأي جمهور الفقهاء (15) سنة، وفي رأي أبي حنيفة (18) سنة للفتى و(17) سنة للفتاة، إلا أن المشروع قد جعل السن - وهي (18) سنة - قرينة على البلوغ؛ مراعاة لتيسير التطبيق، وتفادياً للصعوبات العملية على أن تسقط هذه القرينة بثبوت البلوغ بالأمارات الطبيعية.
ويحسب السن بالتقويم الهجري؛ لأن الفقهاء إنها حددوا السن على أساس هذا التقويم، ويسهل حساب السن بالتقويم الهجري متى علم السن بالتقويم الميلادي.
ويشترط توافر القصد الجنائي لدى الفاعل، فجميع الجرائم المنصوص عليها في المشروع هي جرائم عمدية : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، فيجب أن يعلم الفاعل أن ما يشربه أو ما يحوزه أو يصنعه أو يقدمه أو يتعامل فيه... - هو خمر، فلا عقاب على من ارتكب الفعل عن خطأ أو غلط أو جهل بموضوعها، کمن شربها على أنها عصير غير مسكر، وكمن نقلها أو حازها وهو لا يعلم هذا، مع ملاحظة أن العلم بتحريم الفعل مفترض لأنه لا يعذر المرء بجهله القانون الجنائي، ولأن تحريم الخمر معلوم من الدين بالضرورة؛ ولأنه (لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام).
ولا عقاب إذا ارتكب الفاعل الجريمة تحت تأثير الإكراه الذي لا يستطيع له دفعاً: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ » [النحل: 106)، «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وصدق الله ورسوله.
ولا عقاب إذا كان ثمة ضرورة كأن يضطر لشرب الخمر؛ لدفع غصة لا يتسنى إزالتها إلا بها؛ لعدم وجود سوائل أخرى، وبالقدر الذي يزيل تلك الغصة فقط لقوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119]
(أ) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]
(ب) قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام: 145).
(ج) مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ (سورة النحل، آية: 106].
ولأن (الضرورات تبيح المحظورات)، والضرورة تقدر بقدرها.
يراجع بشأن الشروط الواجب توافرها في الفاعل المراجع الآتية:
1- المغني جـ(9) ص (142)، ص (143).
2- الفروع جـ (7) ص (99).
3- منتهى الإرادات جـ (2) ص (476).
4 - الإقناع ج (4) ص (158).
5- شرح الخرشي (المطبعة: الأميرية) ج (8) ص (108).
6- نهاية المحتاج جـ (8) ص (10)، (11).
7- ابن عابدين ج (3) ص (223).
8- حاشية الدسوقي (الحلبي) ج (4) ص (352).
9- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج- (7) ص (39).
10 - المحلى لابن حزم (الإمام) ج(11) ص (450).
11 - البحر الزخار جـ (5) ص (191).
12- أبو زهرة - الجريمة - جـ (1) ص (463).
13- عبد القادر عودة - التشريع الجنائي - جـ (1) ص (602).
ويشترط لإقامة الحد أن يكون تعاطي الخمر بطريق الشرب، فلا يقام الحد على من تعاطاها بغير طريق الفم، کمن استعطى بها أو تعاطاها بطريق الحقن أو الشرج، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وفي ذلك انظر المراجع الآتية:
1- بداية المجتهد ص (368).
2- الإقناع جـ (4) ص (159)، (160).
3- نهاية المحتاج ج (8) ص (10).
4- حاشية الدسوقي ج (4) ص (352)، حيث يقول: «إن الحد مختص بالمائعات، أما اليابسات التي تؤثر في العقل فليس فيها إلا الأدب»، ثم قال: «إن وصل من الأنف و نحوه کالأذن والعين فلا حد فيه ولو أسكر بالفعل».
5- الشرح الكبير للدردير «الشرب لا يكون إلا بالفم إذا وصل لحلقه، ولو لم يصل
لجوفه لا الأنف ونحوه، فلا حد فيه ولو وصل لجوفه».
6- ابن عابدين ص (228)، ص (229) «الأشربة المائعة، حتى إن الشافعية القائلين بلزوم الحد بالقليل مما أسكر كثيره - خصوه بالمائع».
۷- المغني لابن قدامة ص (141).
ومن المراجع السابقة يبين أن جمهور الفقهاء ذهب إلى أن الحد لا يقام إلا في حالة تعاطي الخمر بطريق الشرب، أما تعاطيها بطريق الفم بغير الشرب، كما لو أضيفت إلى مواد أخرى غير سائلة وظلت في الخليط الجامد محتفظة بخاصيتها المسكرة، أو تعاطيها بغير طريق الفم كالاحتقان بها خالصة أو مخلوطة - فقد اختلف الفقهاء في شأن إقامة الحد في مثل هذه الصور، ومن ذلك أن صاحب الإقناع يقول: «ولا يخفى أن غير الشراب كالخمر المنعقدة مثله، والمأكول كالمشروب، وأن الخمر المنعقدة يقال لها: شراب، بالنظر إلى أصلها». ويرى صاحب المغني إقامة الحد على من استعطى بها، ويذكر الخلاف في ذلك وفي الاحتقان ص (141). وقد رأى المشروع عدم إقامة الحد في هذه الحالات؛ رغبة في تضييق نطاق الجريمة الحدية، وجعلها في حدود القدر المتفق عليه عند جمهور الفقهاء مع العقاب في تلك الحالات تعزيراً.
ويتحقق الشرب الموجب للحد أياً كان المقدار الذي شرب قليلاً أو كثيراً، وسواء أدى إلى السكر أو لم يؤد؛ لأن الحد مقرر لمجرد الشرب: «ما أسكر كثيره فقليله حرام». قال الحافظ النسائي: «تحريم قليل كل مسكر وكثيره صح في عدة أحاديث وثبت بالإجماع، ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكلية لا يحدث عن الشربة الأخيرة دون الأولى والثانية بعدها» أي أن السكر يكون بمجموع ما يشرب لا بالقدر الأخير فقط، وما قل من الشراب المسكر محرم؛ لسد الذريعة، إذ القليل منه يدعو إلى الكثير، فيفضي ذلك بالشارب إلى طلب المزيد حتى يصل إلى مرحلة السكر، ولو لم يقصد إليها منذ البداية هذا إلى أن تحريم الشرب ذاته أمر يمكن الانصياع إليه بالامتناع عن الشرب كلية، أما تحريم السكر مع إباحة الشرب فهو أمر يعسر التزامن؛ لأن الناس إذا شربوا لا يستطيعون تحديد القدر الذي يؤدي بهم إلى السكر إلا بطريق الظن الذي قد يخطئ ويصيب، وخاصة أن القدر المسكر يختلف باختلاف أنواع الخمور وباختلاف استعداد الأشخاص، فكان الأولى أن يغلق باب السكر بسد الطريق المؤدي إليه وهو الشرب.
حد الشرب:
عقوبة الشرب لم ترد في القرآن، وقد روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، وعن عقبة بن الحارث قال: «جيء بالنعمان - أو ابن النعمان - شارباً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن كان في البيت أن يضربوه، فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد». رواهما أحمد والبخاري، وعن أبي سعيد الخدري قال: «جلد على عهد رسول الله في الخمر بنعلين أربعين، فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطاً». رواه أن رسول الله ضرب في الخمر أربعين (بداية المجتهد). وعن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه». رواه أحمد. وقال علي بن أبي طالب: «إنه إذا سكر هذي، وإذا هذي، افترى فحدوه حد المفتري». وروي أنه في عهد عثمان بن عفان جيء بالوليد بن عقبة، وقد شهد عليه رجلان، أحدهما شهد أنه شربها، والآخر شهد بأنه تقيأها، فطلب عثمان من على جلده، فطلب علي من محمد بن عبد الله بن جعفر جلده، وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: «أمسك. ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي». رواه مسلم.
وقد رأى جمهور الفقهاء - بناء على ما تقدم - أن عقوبة شارب الخمر حد وليست تعزيراً، ومصدر الحكم في ذلك ما استخلصوه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله، ثم فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وفي ذلك يقول ابن قدامة في المغني ص (141): «إن الحد ثبت بالإجماع، ولم تبق فيه شبهة». ويراجع بشأن رأي الجمهور في ذلك:
1- البدائع ص (57).
2- فتح القدير ص (80).
3- بداية المجتهد ص (368).
4 - الدرر، وحاشية ابن عابدين ص (227).
5- الزيلعي ص (168).
6- حاشية الدسوقي ص (352).
7- منتهى الإرادات ص (476).
8- الفروع ص (101).
9- الإقناع ص (159).
10 - الروضة ص (372).
11- البحر الزخار ص (195).
12- المحلي (442).
هذا وإن كان ابن حزم قد نقل في المحلى ص (440) الخلاف بشأن ما إذا كانت عقوبة شارب الخمر حداً أو تعزيراً، وبعض شراح أحاديث الأحكام الصنعاني في سبل السلام، وبعض أصحاب كتب التفسير كالشيخ محمد عبده، والشيخ رشيد رضا في تفسير المنار – يرون أنه تعزیر. وقد أخذ المشروع با اتفق عليه الجمهور.
مقدار الحد:
وقع الخلاف في مقدار الحد: هل هو ثمانون جلدة أم أربعون؟
قال ابن قدامة في المغني جـ (9) ص (141)، ص (142): «في قدر الحد روايتان: إحداهما: أنه ثمانون، وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهم... ذلك أن عمر استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين. فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة في الشام، وقال علي في المشورة: «إنه إذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، فحدوه حد المفتري». أي: حد القاذف. والثانية: أن الحد أربعون، وهو اختيار أبي بكر، وهو مذهب الشافعي؛ لأن عليا جلد الوليد بن عقبة أربعين، ثم قال: «جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي». رواه مسلم». ثم قال ابن قدامة: «فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآه الإمام». .
تراجع في الخلاف على مقدار الحد المراجع من (1) إلى (13) المشار إليها آنفا في شأن أن عقوبة شارب الخمر حد. وقد اختار المشروع مذهب الشافعي؛ لما ورد في المراجع السابقة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر أربعين (بداية المجتهد)، وأن أبا بكر شاور أصحاب الرسول: كم بلغ ضرب الرسول لشارب الخمر؟ فقدروه بأربعين، كذلك ضرب علي في الخمر أربعين في خلافة عثمان، وأن فعل النبي وأبي بكر وعلي لا يجوز ترکه بفعل غيره.
عقوبة الجلد:
وهي عقوبة بدنية قررها الشارع الحكيم؛ لما تحدثه من ألم بدني ونفسي بشخص الجاني، وهي فعالة في الحد من انتشار الجريمة، وهي ملائمة لجريمة شرب الخمر التي يقدم الجاني عليها بدافع من رغبته في اللذة والتمتع واللهو والهروب من بعض المتاعب النفسية، فتصده خشية الإيلام بالجلد عن اقتراف إثم الشرب، كما تردعه هذه العقوبة البدنية الفورية عن الرجوع إلى هذه الجريمة، وهي إلى جانب فعاليتها تجنب الفرد والمجتمع مضار العقوبات السالبة للحرية كالسجن والحبس، وما تنفقه الدولة في هذا السبيل، فضلاً عن استفحال عدوى الإجرام داخل السجون.
يراجع التشريع الجنائي الإسلامي للقاضي عبد القادر عودة جـ(1) ص (648).
ومن أجل ذلك نادى بعض الفقهاء الجنائيين بتخصيص عقوبة الجلد للسكارى والفاسقين ومرتكبي أعمال النهب وكسر الأسوار وإتلاف المزروعات وقتل المواشي، وعلى كل من يرتكب جرائم لها صفة القسوة أو عدم المبالاة، ويضيفون إلى ذلك قولهم: إنه إذا كان تفوق العقوبات البدنية على غيرها يظهر جلياً عندما يكون الغرض حفظ النظام بين طائفة فاسقة كما في السجون - فإن الجلد يجب أن يكون من وسائل التأديب الجوهرية في العقوبات التي يقصد بها التربية؛ إذ الضرب يمتاز على كل العقوبات بأنه يشعر بخوف حقيقي.
عقوبة العائد إلى الشرب:
جاء في الإقناع ص (162): «والحد عند الشافعية أربعون، ويجوز للإمام عندهم أن يزيد على ذلك حتى يبلغ به ثمانين على الأصح، والزيادة عن الأربعين على وجه التعزير»، ومثله في نهاية المحتاج ج (8) ص (13).
ولما كانت قواعد الشرع الإسلامي تسمح باعتبار المدمن على شرب الخمر الذي لم يصلحه تكرار العقاب - مريضاً - فينبغي معالجته بوضعه في إحدى المصحات التي تعد المعالجة المدمنين تحت الرقابة الطبية والتوجيه الديني، وهو ما أشار إليه المشروع. يقول ابن تيمية: «العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة بهم».
فإذا شرب للمرة الرابعة بعد حده على الشرب ثلاث مرات، قال ابن حزم في المحلى جـ (11) ص (442)، ص (448): قالت طائفة: يقتل. وقالت طائفة: لا يقتل. فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: ائتوني برجل أقيم عليه حد في الخمر، فإن لم أقتله فأنا كاذب.
وقال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وغيرهم: لا قتل عليه، وأن هذا قول عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص، وأما حديث: «فإن شرب الرابعة فاقتلوه». فمنسوخ. وقال ابن حزم: يقتل في الرابعة؛ لأن القول بالنسخ في ذلك باطل، ومن أخبار القتل في الرابعة ما روي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شارب الخمر: «إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه».
ومنها كذلك ما روي عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة... - ذکر كلمة معناها: فاقتلوه -.
وجاء في الإقناع ج (4) ص (159) أن حديث القتل إذا شرب الرابعة نسخ، وساق الأخبار الدالة على أنه أقيم عليه حد الشرب ولم يقتل، وأضاف أن الإجماع استقر على ذلك إلا من شذ، وأشار إلى ابن حزم. وجاء في البحر الزخار جـ (5) ص (192) أنه لا قتل عليه، بل يجد كلما شرب.
ولذلك لم ينص المشروع على إعدام الشارب إذا شرب للمرة الرابعة.
الإثبات في جريمة الحد:
لا تثبت جرائم الحدود إلا بوسائل إثبات محددة، وقد حددت المادة وسيلتين للإثبات هما: الإقرار في مجلس القضاء ولو مرة واحدة، وشهادة رجلين على الأقل. ورأت اللجنة أن يكون الأصل هو شهادة رجلين إلا أنه يجوز عند الضرورة الإثبات بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة، وذلك على النحو الذي أخذت به اللجنة في حد السرقة، ولا يعتبر من وسائل الإثبات الرائحة؛ إذ قد يكون الشخص شرب الخمر خطأ عن غير قصد أو مجها قبل أن تصل إلى حلقه، كما قد تكون الرائحة بسبب آخر غير شرب الخمر، وفيما يلي بيان بآراء الفقهاء بهذا الشأن:
1- المغني ج(9) ص (143)، (144): «ويثبت حد الشرب بالإقرار أو البينة، ويكفي في الإقرار مرة واحدة في قول عامة أهل العلم، وإذا رجع عن إقراره قبل رجوعه. ولا يعتبر مع الإقرار وجود رائحة، ولا يجب الحد بوجود رائحة الخمر من فيه قول أكثر أهل العلم؛ لأن الرائحة يحتمل أنه تمضمض بها أو حسبها ماء، ثم مجها أو ظنها لا تسكر، أو كان مكرهاً. وإن عمر لم يحد بوجود الرائحة. وإن وجد سكران أو تقاياً الخمر فعن أحمد: لاحد عليه».
2- بداية المجتهد ص (368): «اتفق الفقهاء على أنه يثبت بالإقرار بشهادة عدلين، واختلفوا في ثبوته بالرائحة، فقال مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز: يجب الحد بالرائحة إذا شهد بها عند الحاكم شاهدان عدلان. وخالف الشافعي وأبو حنيفة وجمهور أهل العراق وطائفة من الحجاز وجمهور علماء البصرة، فقالوا: لا يثبت الحد بالرائحة».
3- المبسوط ج (24) ص (31): «ولا يحد المسلم بوجود ريح الخمر فيه حتى يشهد الشهود عليه بشربها أو يقر؛ لأن ريح الخمر شاهد زور، فقد يوجد ريح الخمر بغير خمر، وقد يكون شربها مكرهاً أو مضطراً. لدفع العطش، فلا يجوز أن يعتمد ريحها في إقامة الحد عليه. ولو أقر ثم رجع لا يقام الحد عليه، ولا يحد بإقراره في حال سكره من الخمر، والإصرار على الإقرار بالسبب لا بد منه لإيجاب حد الخمر».
4- البدائع ج (7) ص (46): «الحدود كلها يشترط في البينة عليها الذكورة بالأصالة، فلا تقبل شهادة النساء، ولا الشهادة على الشهادة».
5- حاشية ابن عابدين ص (226): «لو وجد سكران لا يحد من غير إقرار ولا بينة، لكنه يعزر بمجرد الريح أو السكر، ولا يثبت الشرب بالرائحة ولا بتقایؤ الخمر، بل بشهادة رجلين يسألهما الإمام عن ماهيتها: كيف شرب؟ لاحتمال الإكراه، ومتى شرب؟ الاحتمال التقادم، وأين شرب؟ لاحتمال شربه في دار الحرب، ويجب التثبت من عدالة الشهود کا يثبت الحد إقراره مرة صاحياً. وقال أبو يوسف: لا بد من إقراره مرتين».
6- وفي الإقناع لأبي شجاع ج (4) ص (163): «يثبت حد الشرب بأحد أمرين:
البينة، وهي شهادة رجلين أنه شرب خمراً، أو شرب منه غيره، فسكر منه. كما يثبت بالإقرار ولا يثبت بريح خمر وسكر وقيء؛ لاحتمال الغلط والإكراه. ولا يشترط في الشهادة والإقرار تفصيل، بل يكفي الإطلاق، ويقبل رجوعه عن الإقرار، لأن كل ما ليس من حق آدمي يقبل الرجوع فيه».
7- الروضة ص (۳۷۳): «ويثبت بشهادة عدلين، أو الإقرار مرتين، ولو شهد أحدهما
بالشرب والآخر بالقيء قيل: يحد؛ لما روي عن علي في حق الوليد». .
8- البحر ص (194): «وطريقة الشهادة، ولا تقبل النساء، ويكفي شهادة أحدهما على الشرب، والثاني على القيء، ولا يكفي قوله مرة؛ إذ هو حق الله الخالص، فإن وجد سكران حد کالقيء، ما لم يدع شبهة، والشم كالقيء»..
9- حاشية الدسوقي والشرح الكبير ص (153).
10 - الخرشي جـ (7) ص (109).
11- المحلى لابن حزم جـ (11) ص (173) - (180).
12- أبو زهرة، الجريمة، القسم العام ص (77): «حد الشرب من حدود الله التي يتجلى فيها حق الله كاملاً، وهو يثبت بالإقرار وبشهادة اثنين، وتكرار الإقرار فيه ليس بشرط عند أبي حنيفة والشافعي، وتكرار الإقرار شرط عند أبي يوسف، وعند من شرط الإقرار عند الحنابلة، وذلك لأنه حق الله تعالى، ولا بد من الإصرار فيه على القول، كما هو الشأن في كل حقوق الله تعالى».
ويجوز الرجوع في الإقرار قبل صدور الحكم النهائي من محكمة الجنايات، جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج (4) ص (307): «وإذا أقر طائعاً بالسرقة ثم رجع عن إقراره قبل رجوعه عنه - فلا يحد، وكذا يقبل رجوع الزاني والشارب والمحارب، ولو بلا شبهة في إقراره، نحو: كذبت في إقراري. كما لو رجع بشبهة كأخذت مالي المرهون أو المودع خفية، فسميته سرقة». وتراجع كذلك ص (383) من المرجع ذاته.
فإذا لم يتوفر أحد الدليلين الشرعيين للإثبات فلا يقام الحد، على أنه إذا قام دلیل من غيرهما يقتنع به القاضي، كأن تكون الشهادة من رجل واحد، أو الشهادة على شهادة، أو يرجع المقر عن إقراره قبل الحكم وتقبل المحكمة رجوعه، أو تقوم قرينة على الشرب کالرائحة أو السكر - فإن الحد يدرأ بالشبهة، ولكن قد يقتنع القاضي بثبوت جريمة ذات وصف آخر فيستبدل بالحد التعزير. يراجع في ذلك على سبيل المثال حاشية ابن عابدين ج (3) ص (226)، (227)، والتشريع الجنائي الإسلامي للمرحوم القاضي عبد القادر عودة جـ (1) ص (214) - (216).
هل يسقط حد الشرب بالتقادم:
اختلف الفقهاء فيما إذا كانت الشهادة على الحد أو الإقرار به لا تسمع إذا حدث بشأنها التقادم، بأن مضت مدة كان يمكن خلالها للشاهد أو المقر أن يتقدم للقضاء، ولم يتقدم، وقد لخص الكمال بن الهمام مذاهب الفقهاء بهذا الشأن في فتح القدير جـ (4) ص (62) بقوله: «والحاصل أن في الشهادة بالحدود القديمة والإقرار بها أربعة مذاهب:
1- رد الشهادة بها وقبول الإقرار بها سوى الشرب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
2- ردها وقبول الإقرار حتى بالشرب القديم كالزنا والسرقة، وهو قول محمد بن الحسن.
3- قبولها، وهو قول الشافعي ومالك وأحمد.
4- ردها، ونقل هذا عن ابن أبي ليلى.
وحجة القائلين بقبول الشهادة والإقرار مهما تقادم العهد على الواقعة - أن الشهادة على ما يوجب الحد كالشهادة على غيرها من حقوق العباد، سواء أكانت أموالاً أم دماء، ولما كان التقادم لا يسقط العقوبة في هذه الجرائم ولا يمنع سماع الشهادة فيها، فكذلك التقادم هنا، وإن أساس قبول الشهادة هو الصدق، وصدق الشهادة لا يتأثر بالتأخير ما دام الشهود عدولاً لم تعلق بعدالتهم ريبة، ولا يصح أن ترد شهادتهم لافتراض الضغن أو التهمة، فإن رد شهادة العدل يجب أن يكون مبنياً على أمور مستيقنة تقع في العدالة، لا على أمور مفروضة أو مظنونة.
أما قول أبي حنيفة وأبي يوسف بمنع سماع الشهادة لجريمة قديمة، وقبول الإقرار بالحدود عدا حد الشرب، فإن حجته في منع سماع الشهادة أن التأخير جعل الشاهد متهما؛ إذ الشاهد مامور باداء الشهادة فوراً لإقامة حد الله او بالستر على أخيه المسلم، فلما لم يشهد فور المعاينة حتى تقادم العهد دل ذلك على اختياره جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك دل على أن الضغينة حملته على ذلك فلا تقبل شهادته؛ لما روي عن عمر أنه قال: «أيها قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته، فإنها شهدوا عن ضعف، ولا شهادة لهم». ولم ينقل أنه أنكر عليه منکر...، ولأن التأخير يورث تهمة، ولا شهادة لمتهم.
والحنفية يرون ذلك في الحدود الثلاثة: الزنى والسرقة وشرب الخمر، إلا إذا كان التقادم لعذر ظاهر فتجوز الشهادة وإن تأخرت. ولم يقدر أبو حنيفة للتقادم تقديراً، وفرض ذلك إلى كل حاكم في زمانه، أما أبو يوسف ومحمد فقدراه بشهر؛ لأن الشهر أدنى الأجل، فكل ما دونه في حكم العاجل، ولأبي حنيفة أن التأخير قد يكون لعذر والأعذار مختلفة، فتعذر التوقيت فيه تفويض إلى اجتهاد القاضي. (البدائع ج- (7) ص (46)، (47)، (48)). أبو زهرة ج (1) ص (82) وما بعدها.
وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يشترط قيام الرائحة وقت أداء الشهادة في حد
الشرب، وأن التقادم عندهما بزوال الرائحة. (حاشية ابن عابدين ص (227)).
وأما الإقرار بالشرب القديم فيقبل عند محمد ولا يقبل عند الشيخين أبي حنيفة وأبي
يوسف. قال في الفتح: والمذهب قولها إلا أن قول محمد أرجح.
جاء في البدائع ص (51): «عدم التقادم شرط لصحة الإقرار عند الشيخين، وعند محمد ليس بشرط بناء على أن قيام الرائحة شرط صحة الإقرار والشهادة عندهما ولهذا لا يبقى مع التقادم. وعند محمد ليس بشرط، ولو لم يتقادم العهد ولكن ريحها لا يوجد منه، لم يصح الإقرار عندهما خلافاً له، وإنها تعتبر الرائحة إذا لم يكن سكران، فأما إذا كان سكران فإن السكر أدل على الشرب من الرائحة». .
ووجهة نظر أبي حنيفة وأبي يوسف في أن الإقرار بالشرب يقبل ولو تقادمت الواقعة - أن المقر يخبر عن نفسه فلا يتهم في قوله. والقول بأن التقادم يمنع إقامة الحد حجته أن حد الشرب ليس موضوع إجماع الفقهاء إلا إذا كانت رائحة الخمر، فهو مقرر بإجماع الصحابة وقد كان إجماعهم على شارب أتى وأثر الخمر ما زال فيه، أما إذا كانت آثار الخمر قد ذهبت فإنه لا يكون إجماع على إقامة الحد؛ لأن عبد الله بن مسعود اشترط لإقامته أن يؤتى بالشارب وأثر الخمر ما زال قائما، والتقادم يذهب بأثرها، سواء كان الأثر رائحة أو كان سكرا. (البدائع ص (47) - (51)، ابن عابدين ص (227) - (229)، أبو زهرة الجريمة ج (1) ص (84)، (85)، عبد القادر عودة ج(1) ص (780)، (781)).
وقال ابن أبي ليلى: إن الحدود تسقط بالتقادم سواء كان طریق ثبوتها هو البينة أو الإقرار، فهذه العقوبات للزجر والردع، وذلك يكون إبان وقوعها، وتأخيرها يذهب بمعنى الردع فيها، ولمظنة أن يكون المجرم قد تاب وإقراره مظنة التوبة وتطهير النفس.
أما سقوط العقوبة الحدية بعد الحكم بها فيرى الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، والإمام زفر أن الحد المحكوم به لا يسقط بتأخير إقامته إذا تقرر بالحكم
وثبت، وليس الأحد أن يعطله، وإلا لوجد مبرر لهرب الجناة وفرارهم، ولسهل على الولاة الظالمين أن يسقطوا الحدود بتأخير إقامتها.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن القضاء إمضاء للشهادة فهو حكم بمقتضاها، ولما كان تقادم الجريمة يمنع الشهادة فيها، ويمنع الحكم بالحد – فهو كذلك يمنع إقامة الحد (ابن عابدین ج (3) ص (229) - فتح القدير والهداية ج (4) ص (164) حيث يقول: لو هرب بعدما ضرب بعض الحد، ثم أخذ بعدما تقادم الزمان - لم يحد؛ لأن الإمضاء من القضاء في باب الحدود. أبو زهرة ص (86) - (91)).
والخلاصة: أن رأي الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأحمد أن التقادم لا يمنع الشهادة على الشرب أو الإقرار به، كما أنه لا يسقط الحد بعد الحكم به. وقال ابن حزم: إن ذلك قول الظاهرية، والأوزاعي والليث وغيرهما (المحلى ص (179)).
في حين يرى الحنفية أن التقادم يمنع سماع الشهادة على الشرب ويمنع الإقرار به واختلفوا في مدته فقال محمد شهر وقال الصاحبان ذهاب الرائحة. كما يسقط التقادم الحد المحكوم به، وقيل في الاستدلال على ذلك أن الحد أو الهرب يقاس على الرجوع عن الإقرار، وأن التأخير ينسي الناس أمر الجريمة والعقوبة، والفاعل تكون عنده مظنة التوبة مع ملاحظة أنه كلما قام عذر امتنع التقادم، فإذا كان تأخير الشهادة مثلا لمرض أو سفر طويل أو نحو ذلك - فإن التأخير لا يعد مسوغاً لمنع سماع الدعوى، ومع قيام العذر يبقى الإثبات سليماً والدعوى واضحة (الفيح جـ (4) ص (161)).
وقد أخذ المشروع في المادة (175) برأي الأئمة الثلاثة؛ لسلامة أدلته.
وصف جريمة الشرب:
ولا يثور هذا البحث في كتب الفقه الإسلامي بداهة؛ لأن تقسيم الجرائم إلى جنایات وجنح ومخالفات هو تقسيم وضعي حديث، وقد نص القانون رقم (89) لسنة 1974 في شأن تحريم الخمر وإقامة حد الشرب في الجمهورية العربية الليبية على أن: كل جريمة يعاقب عليها بالجلد حدا أو تعزيرا تعتبر جنحة. ونص الاقتراح بمشروع قانون بتعديل قانون العقوبات تعديلاً يصبح بمقتضاه قانوناً إسلاماً كاملاً ، المقدم إلى مجلس الشعب من العضو الدكتور إسماعيل علي معتوق على أن: الجرائم المعاقب عليها بالجلد تكون جنحاً بينما الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام أو القطع تكون جنايات. وإذا كانت جرائم الحدود عامة وهي كبرى الجرائم في نظر الشارع الإسلامي؛ لتعقلها بصون الضرورات الخمس - فقد بات من المتعين على المشرع أن ينزل عليها ما يجري على كبرى الجرائم وفق التقسيم - الوضعي وهي الجنايات - فيما لم يورده من أحكام خاصة استوجبتها طبيعة هذه الجريمة كجريمة حدية.
التعدد:
إذا تعددت جرائم الشرب قبل إقامة الحد، فلا يقام إلا حد واحد فقط. (الإقناع جـ (4) ص (159) ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ج (3) ص (207 )) حيث يقول: ومن شرب مراراً فحد فهو لكله ؛ لأن المقصود من إقامة الحد حقاً لله إخلاء العالم من الفساد، والانزجار عن مباشرة سببه في المستقبل وهو يحصل بحد واحد. وانظر في ذلك الروضة البهية ج (2) ص (373)، والبحر الزخار ج (5) ص (191)، فتح القدير ج (4) ص (208)، المغني ج (9) ص (54). فإذا شرب بعد إقامة الحد فيقام عليه حد آخر.
فإذا ارتكب مع جريمة الشرب جريمة أخرى من جرائم الحدود، فيجب إيقاع حد لكل واحدة منها على حدة؛ لعدم حصول المقصود بالبعض؛ إذ الأعراض مختلفة، فالمقصود بحد الزنى صيانة الأنساب، وبحد القذف صيانة الأعراض، وبحد الشرب صيانة العقول، فلا يحصل لكل جنس إلا ما قصد بشرعه. (الزيلعي المرجع السابق ص (207)، والمغني ج (9) ص (54)).
على أنه إذا تعددت الجرائم وكانت عقوبة إحداها الإعدام، فيكتفى بالإعدام دون جلد، على ما رآه جمهور الفقهاء (المغني ج (9) ص (54)) ما كانت حدود فيها قتل أحاط القتل بذلك كله ، وإن لم يكن قتل استوفيت كلها وبدئ بالأخف فالأخف. عدا الشافعي الذي لا يعترف بنظرية الجب في العقوبات (مختصر المزني، وهامش الأم ج (5) ص (173) و (179)) (عبد القادر عودة ج (1) ص (749)، (750)).
التوبة وأثرها في العقوبة:
يرى الحنابلة في الراجح عندهم وبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض المالكية والشيعة الإمامية أن التوبة تسقط الحدود التي هي حق الله، ومنها حد الشرب إذا اقترن بالتوبة الإصلاح.
ویروون عن المالكية والحنفية وبعض الشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية والإباضية في أرجح الآراء لديهم أن حدود الزنا والسرقة والشرب لا تسقط بالتوبة، سواء أكانت التوبة قبل الرفع إلى الحاكم أم بعده (المغني ج (8) ص (299)، فتاوى ابن تيمية ج (4) ص (252)، الدر المختار وحاشية ابن عابدین ج (3) ص (159)، مغني المحتاج ج (4) ص (189)، الفروق للقرافي ج (4) ص (181)، القوانين الفقهية لابن جزي ص (392)، المختصر النافع ص (297) ، شرح النيل ج (7) ص (950)، المحلى لابن حزم ج (11) ص (153) إلى ص (157)، وهو يرى أن الله لم يستثن تائباً من غير تائب ، ولم يصح عنده نص أصلاً بإسقاط الحد عن التائب).
وقد أخذت اللجنة بهذا الرأي ، فلم ترتب على التوبة أثراً.
الخصومة:
حد الشرب خالص حق الله كحد الزنا.
ولا خلاف في أن الخصومة ليست بشرط في هذين الحدين وفي سائر الحدود الخالصة الله؛ لأنها تقام حسبة، فلا يتوقف ظهورها على دعوى العبد. (البدائع ج (7) ص (50)).
حيازة الخمر أو إحرازها:
لا يجوز حيازة الخمر أو إحرازها؛ لأنها نجس، وهي مال غير متقوم واجب الإهدار، ثم إن حيازة الخمر أو إحرازها فيه معنى المحافظة عليها ما يتعارض مع تحریمها، فوق أنه قد يقصد به تعاطيها أو يغرئ على ذلك، لذلك وجب حظر حيازتها وإحرازها.
ويلاحظ أن مفهوم الحيازة في القانون الجنائي يختلف عن مفهومها في القانون المدني، فلقد تناولها القانون المدني بقصد تحدید آثارها وتقرير حمايتها، أما القانون الجنائي فإنه يعرض لها بقصد تحریمها في بعض الصور، ويقصد بالحيازة في المشروع الراهن الاستئثار بالخمر على سبيل الملك والاختصاص، ولا يشترط أن يرتبط ذلك بوضع اليد المادي عليها، فيجوز أن يكون الشخص حائرا لها بالرغم من أنها لا توجد تحت يده في الواقع، ومثال ذلك أن يقوم بشراء الخمر، ثم يتركها عند المشتري حيناً ، أو يطلب نقلها إليه بواسطة شخص، أو يودعها مالكها لدى شخص آخر، والمالك في هذه الصور وأمثالها يعتبر حائزاً ، أما من يضع يده عليها من الناحية الواقعية فإنه يعتبر محرزاً.
والإحراز: هو الاستيلاء على الخمر استيلاءً مادياً أو السيطرة الفعلية عليها، فالخادم الذي يشتري الخمر لمن يعمل عنده أو يحمل له الخمر - يعتبر محرزاً ، وكذلك ناقلها من مكان إلى آخر أيا كانت وسيلة النقل، وتقوم الجريمة بطبيعة الحال متى توافرت أركانها، ومنها الشروط التي يجب أن تتوافر في الفاعل.
صنع الخمر والتعامل فيها وتقديمها وإنتاجها والإعلان عنها:
حظر المشروع صنع الخمر وتحضيرها خالصة أو مخلوطة ، أو الاشتراك أو المعاونة في شيء من ذلك، كما حظر التعامل فيها بأية صورة من الصور، وهذا الحظر يقتضيه تحریم الخمر ذاتها ؛ حتى يمتنع وجودها، فلا يتيسر الحصول عليها بأي سبيل، وقد رئي النص على التحضير إلى جانب الصنع، إذ قد تكون هناك صور لتحضير الخمر دون أن تدخل هذه الصور في مفهوم الصنع، كما لو ترکت مادة للتخمير فتصير خمراً بفعل الطبيعة المحض.
وعني المشروع بالنص على الاشتراك أو المعاونة في الصنع أو التحضير؛ ليشمل الحالات التي لا يقوم الفاعل فيها بالصنع أو التحضير بنفسه، وإنما يشارك أو يعاون فيها على وجه ما، کالعمال والمباشرين في مصنع للخمر، وكموردي المواد المصنع وهم يعلمون أنه يقوم بصنع الخمر.
والتعامل يشمل البيع والشراء والمقايضة والجلب والاستيراد والتصدير، كما يشمل كذلك اعتبار الخمر تعويضا عن ضرر أو بدلا عن منفعة، وما إلى ذلك من كافة صور التعامل.
وقد رئي النص على التوسط في التعامل بالذات (كالسمسرة)؛ حتى يشمله الحظر بالنص الصريح.
وفوق أن تحريم أوجه النشاط السابقة مما يقتضيه تحريم الخمر، فإن هذا التحريم يجد أساسه كذلك من نهي الله تعالى عن التعاون على الإثم والعدوان.
روى البخاري ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام».
وأخرج مسلم والنسائي وأحمد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها». رواه أبو داود، وعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وأكل ثمنها». رواه أبو داود. المغني ص (138)، وفي نهاية المحتاج ص (9): «لعن رسول الله في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، وساقيها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وواهبها، وآكل ثمنها».
وفي باب الأشربة بموسوعة الكويت الفقهية جاء برقم (33): «يحرم على المسلم الانتفاع بالخمر؛ لأن الله تعالى أمرنا باجتنابها وفي الانتفاع بها اقترابها، فيحرم على المسلم تمليكها وتملكها بأي سبب من أسباب الملك الاختيارية أو الإرادية كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك؛ لأن كل هذا انتفاع بالخمر، والانتفاع بها حرام على المسلم، قال النبي : «إن الله حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع». فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرق المدينة فسفكوها. رواه مسلم». (كما ورد بالمرجع ذاته ص (25)، (26): يكره للمسلم أن يسقي الخمر أو المسكر للذمي. ويكره أن يسقي الدواب الخمر؛ لأنه نوع انتفاع بالخمر، واقتراب منها على قصد التمول).
الفاعل الذي لم يتم الثامنة عشرة:
تبدأ مرحلة التمييز في تمام السابعة، فيجوز تأديب الصبي بوسائل التوجيه والتوعية، فإذا أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة وجب تأديبه بالضرب بعصا رفيعة، وإذا جاوز الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة يؤدب بجلده من عشر إلى عشرين جلدة، وكل ذلك ما لم يثبت من الأمارات الطبيعية أنه قد بلغ قبل السن المذكورة، فتطبق عليه عقوبة البالغ.
ومسئولية الحدث وفقا للمشروع يشترط لها العقل والاختيار والقصد، وهي مسئولية تأديبية ووقائية وليست جنائية؛ حتى لا يترتب عليها أثر يلحق الضرر بسمعة الصغير أو مستقبله.
التعزير بالغرامة:
نصت بعض مواد المشروع على العقاب بالغرامة، ويقتضي ذلك أن نذكر أن بعض الفقهاء ذهب إلى عدم جواز التعزير بها، مثل الحنفية عدا أبا يوسف. وفي الزيلعي ص (208): أنه يجوز التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي ذلك أو الولي، وهذا مبني على اختيار من قال به من المشايخ استنادا لقول أبي يوسف (فتح القدير ج (4) ص (212) وقال بعض الحنابلة أنه لا يجوز (المغني ص (159)) التعزير يكون بالضرب والحبس والتوبيخ ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه ولا أخذ ماله؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به، ولأن الواجب أدب، والتأديب لا يكون بالإتلاف). وفي منتهى الإرادات ص (479): ويحرم تعزیر بحلق لحية، وقطع طرف، وجرح وأخذ مال أو إتلافه). على أنه ورد أن بعض الحنابلة قالوا بجواز التعزير بالمال (کشاف القناع). وورد أن في مذهب مالك أن التعزير لا يختص بفعل معين ولا قول معين، فقد عزر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ شطر مال مانع الزكاة وصادر عمر شطر أموال عماله.
وحجة الفقهاء الذين يذهبون إلى عدم جواز التعزير بالمال هي خشية إغراء الحكام الظلمة بمصادرة أموال الناس بالباطل، غير أن توقيع عقوبة الغرامة عن طريق القضاء وانتظام الرقابة على مال الدولة - يبدد هذه الحشية. وقد أحيل في شأن جواز التعزير بالغرامة إلى كتب تبصرة الحكام لابن فرحون، والحسبة في الإسلام لابن تيمية، والطرق الحكمية لابن القيم .
المصادرة والغلق:
إذا حرمت الخمر بنص الشرع، وحظرت جميع أوجه النشاط المتعلقة بها - فقد وجب النص في المشروع على الحكم بمصادرة الخمر التي يتم ضبطها وإحراقها أو إعدامها (في المغني لابن قدامة ص (154): روى أبو سعيد: سئل رسول الله و عن خمر ليتيم، فقال: « أهرقوه». رواه الترمذي، وقال: حديث حسن).
وروي عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: «أحرقها».
قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: «لا». بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج (1) ص (381).
ونص مصادرة الآلات والأدوات والمواد التي استعملت فعلا في إنتاج الخمر، ووسائل النقل التي استخدمت في نقلها بقصد الاتجار فيها، متى كان صاحب هذه الوسائل يعلم أنه ينقل خمرا بقصد الاتجار فيه.
ونص على عقوبة غلق المحال المعدة لوجه من أوجه النشاط المحرمة بمقتضى القانون.
وبعد، فإن خير ختام هو التذكير بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91). (المائدة: 90 ، 91 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 90
السُّكْر
التَّعْرِيفُ:
السُّكْرُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ سَكِرَ فُلاَنٌ مِنَ الشَّرَابِ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ ضِدُّ الصَّحْوِ، وَالسَّكَرُ - بِفَتْحَتَيْنِ - لُغَةً: كُلُّ مَا يُسْكِرُ مِنْ خَمْرٍ وَشَرَابٍ، وَالسَّكَرُ أَيْضًا نَقِيعُ التَّمْرِ الَّذِي لَمْ تَمَسُّهُ النَّارُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأْعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَتَكُونُ مَنْسُوخَةً. وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ السُّكْرِ:
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: السُّكْرُ نَشْوَةٌ تُزِيلُ الْعَقْلَ، فَلاَ يَعْرِفُ السَّمَاءَ مِنَ الأْرْضِ، وَلاَ الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ تَعْرِيفَ السُّكْرِ بِمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ. وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ فَهُوَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ كُلِّهِمْ: اخْتِلاَطُ الْكَلاَمِ وَالْهَذَيَانُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّكْرَانُ هُوَ الَّذِي اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ.
وَقِيلَ: السُّكْرُ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلإْنْسَانِ مِنِ امْتِلاَءِ دِمَاغِهِ مِنَ الأْبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنَ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ الْعَقْلُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الأْمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْجُنُونُ:
الْجُنُونُ: اخْتِلاَلُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الأْفْعَالِ وَالأْقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إِلاَّ نَادِرًا. وَعُرِّفَ بِغَيْرِ ذَلِكَ (ر: جُنُون).
الْعَتَهُ:
الْعَتَهُ: آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلاَمِ فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ.
الصَّرْعُ: عِلَّةٌ تَمْنَعُ الدِّمَاغَ مِنْ فِعْلِهِ مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ فَتَتَشَنَّجُ الأْعْضَاءُ.
الإْغْمَاءُ: الإْغْمَاءُ مَصْدَرُ أُغْمِيَ عَلَى الرَّجُلِ، وَفِعْلُهُ مُلاَزِمٌ لِلْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ مَرَضٌ يُزِيلُ الْقُوَى وَيَسْتُرُ الْعَقْلَ، وَقِيلَ: هُوَ فُتُورٌ عَارِضٌ لاَ بِمُخَدَّرٍ يُزِيلُ عَمَلَ الْقُوَى.
الْخَدَرُ: اسْتِرْخَاءٌ يَغْشَى بَعْضَ الأْعْضَاءِ أَوِ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَخَدَّرَ الْعُضْوَ تَخْدِيرًا: جَعَلَهُ خَدِرًا، أَوْ حَقَنَهُ بِمُخَدِّرٍ لإِزَالَةِ إِحْسَاسِهِ.
التَّرْقِيدُ: الْمُرَقِّدُ شَيْءٌ يُشْرَبُ يُنَوِّمُ مَنْ شَرِبَهُ وَيُرَقِّدُهُ وَتَذْهَبُ مَعَهُ الْحَوَاسُّ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
السُّكْرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَعَدٍّ بِشُرْبِ مُحَرَّمٍ مَعْلُومٍ لِلشَّارِبِ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُسْكِرَاتِ، وَهَذَا حَرَامٌ لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأْنْصَابُ وَالأْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وَلِحَدِيثِ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ».
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ السُّكْرُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ كَأَنْ يَشْرَبَ شَرَابًا مُسْكِرًا يَظُنُّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ. وَهَذَا لاَ إِثْمَ فِيهِ لقوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)، وَكَذَا لَوْ شَرِبَهُ مُضْطَرًّا كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ لِدَفْعِ غُصَّةٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُهُ.
ضَابِطُ السُّكْرِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَابِطِ السُّكْرِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ - إِلَى أَنَّ ضَابِطَ السُّكْرِ هُوَ مَنِ اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ وَكَانَ غَالِبُهُ هَذَيَانًا، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِّهِ: إِنَّهُ الَّذِي اخْتَلَّ كَلاَمُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ السَّكْرَانَ هُوَ الَّذِي لاَ يَعْرِفُ الأْرْضَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
انْظُرْ: أَشْرِبَة (ج 5 ص 23 - 24).
وُجُوبُ الْحَدِّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ:
السُّكْرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرَابِ الْخَمْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الأْشْرِبَةِ الأْخْرَى، وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ شَارِبِ الْخَمْرِ عَنْ حُكْمِ شَارِبِ الْمُسْكِرَاتِ الأْخْرَى مِنَ الأْنْبِذَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.
أَوَّلاً - الْخَمْرُ:
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى شَارِبِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ مَا شَرِبَهُ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَسْكَرْ.
وَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأْنْصَابُ وَالأْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِالشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُالشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ تَبْلُغُ فِي مَجْمُوعِهَا حَدَّ التَّوَاتُرِ. فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنَزِّلُ فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الآْيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلاَ يَشْرَبْ وَلاَ يَبِعْ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ».
وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأْمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
ثَانِيًا: الْمُسْكِرَاتُ الأْخْرَى غَيْرُ الْخَمْرِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الشُّرْبِ مِنَ الأْنْبِذَةِ الأْخْرَى الْمُسْكِرَةِ - غَيْرِ الْخَمْرِ -
الْقَوْلُ الأْوَّلُ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعِنَبِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الأْنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ فِي تَحْرِيمِ الشُّرْبِ، فَيُسَمَّى جَمِيعُ ذَلِكَ خَمْرًا وَيَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْهَا سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ.
وَقَدْ رُوِيَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ - رضي الله عنهم - وَبِهِ قَالَ
عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ، وَقَتَادَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِسْحَاقُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ).
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ».
وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ، مِنَ الشَّعِيرِ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
الْقَوْلُ الثَّانِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ شَرِبَ سِوَى الْخَمْرِ مِنَ الأْشْرِبَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُسْكِرَةِ إِلاَّ إِذَا سَكِرَ مِنْ شُرْبِهَا، كَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَالْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْمُثَلَّثِ، وَالأْشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالدَّخَنِ وَالذُّرَةِ وَالْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ بِعَيْنِهَا، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ.
حُكْمُ تَنَاوُلِ الْبَنْجِ وَالأْفْيُونِ وَالْحَشِيشَةِ:
يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْبَنْجِ وَالأْفْيُونِ وَالْحَشِيشَةِ، وَلاَ يُحَدُّ شَارِبُهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَلْ يُعَزَّرُ.
وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ: يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنَ الْبَنْجِ فِي زَمَانِنَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَجِبُ الْحَدُّ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ السُّكْرَ مِنْهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ حَلاَلٌ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ.
خَلْطُ الْخَمْرِ بِغَيْرِهَا
إِنْ ثَرَدَ فِي الْخَمْرِ أَوِ اصْطَبَغَ بِهِ (أَيِ ائْتَدَمَ) أَوْ طَبَخَ بِهِ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقَتِهِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ عَيْنَ الْخَمْرِ مَوْجُودَةٌ. وَكَذَلِكَ إِنْ لَتَّ بِهِ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَإِنْ عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا ثُمَّ خَبَزَهُ فَأَكَلَهُ لَمْ يُحَدَّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ؛ لأِنَّ النَّارَ أَكَلَتْ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَثَرُهُ.
وَإِنِ احْتَقَنَ بِالْخَمْرِ لَمْ يُحَدَّ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِشُرْبٍ وَلاَ أَكْلٍ وَلأِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَلَى مَنِ احْتَقَنَ بِهِ الْحَدَّ، لأِنَّهُ أَوْصَلَهُ إِلَى جَوْفِهِ، وَالأْوَّلُ أَوْلَى عِنْدَهُمْ كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ، وَرَجَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ الثَّانِيَ.
وَإِنِ اسْتَعَطَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ؛ لأِنَّهُ أَوْصَلَهُ إِلَى بَاطِنِهِ مِنْ حَلْقِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا اكْتَحَلَ بِهَا أَوِ اقْتَطَرَهَا فِي أُذُنِهِ أَوْ دَاوَى بِهَا جَائِفَةً أَوْ آمَّةً فَوَصَلَ إِلَى دِمَاغِهِ، لأِنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ يَعْتَمِدُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الأْفْعَالِ لاَ يَصِيرُ شَارِبًا، وَلَيْسَ فِي طَبْعِهِ مَا يَدْعُوهُ إِلَى هَذِهِ الأْفْعَالِ لِتَقَعَ الْحَاجَةُ إِلَى شَرْعِ الزَّجْرِ عَنْهُ.
وَلَوْ خُلِطَتْ الْخَمْرُ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتِ الْخَمْرُ غَالِبَةً حُدَّ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا لاَ يُحَدُّ إِلاَّ إِذَا سَكِرَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
وَكَذَلِكَ يُحَدُّ إِذَا كَانَا سَوَاءً نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ؛ لأِنَّ اسْمَ الْخَمْرِ بَاقٍ وَهِيَ عَادَةُ بَعْضِ الشَّرَبَةِ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَهَا مَمْزُوجَةً بِالْمَاءِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ خَلَطَ الْمُسْكِرَ بِمَاءٍ فَاسْتُهْلِكَ الْمُسْكِرُ فِيهِ فَشَرِبَهُ لَمْ يُحَدَّ.
وَقَالُوا: إِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِعَطَشٍ وَكَانَتْ مَمْزُوجَةً بِمَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ أُبِيحَتْ لِدَفْعِ الْعَطَشِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَإِنْ شَرِبَهَا مَمْزُوجَةً بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لاَ يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ لَمْ تُبَحْ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَلَوْ عَجَنَ دَوَاءً بِخَمْرٍ أَوْ لَتَّهُ أَوْ جَعَلَهَا أَحَدَ أَخْلاَطِ الدَّوَاءِ ثُمَّ شَرِبَهَا وَالدَّوَاءُ هُوَ الْغَالِبُ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْخَمْرُ هِيَ الْغَالِبَةَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
لأِنَّ الْمَغْلُوبَ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِالْغَالِبِ إِذَا كَانَ مِنْ خِلاَفِ جِنْسِهِ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ.
قَدْرُ حَدِّ السُّكْرِ وَحَدِّ الشُّرْبِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُطْلَقًا؛ أَيْ سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهَا أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا شَرِبَهُ مِنْهَا قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ الْحَدِّ الْوَاجِبِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ،، وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً لاَ فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَضَرَبَ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمَشُورَةِ: إِنَّهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانِينَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، إِلَى أَنَّ قَدْرَ الْحَدِّ أَرْبَعُونَ فَقَطْ، وَلَوْ رَأَى الإْمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِينَ جَازَ فِي الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الأْرْبَعِينَ تَكُونُ تَعْزِيرَاتٍ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ قَالَ: «جَلَدَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ»، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ «نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ»، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ. قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ.
قَالُوا: وَفِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلاَ يَنْعَقِدُ الإْجْمَاعُ عَلَى مَا خَالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم، فَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ يَجُوزُ فِعْلُهَا إِذَا رَأَى الإْمَامُ ذَلِكَ.
شُرْبُ الْمُسْكِرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ:
إِذَا شَرِبَ إِنْسَانٌ مُسْكِرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُحَدُّ لِلشُّرْبِ وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا لإِفْطَارِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَذَلِكَ لأِنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مُلْزِمٌ لِلْحَدِّ، وَهَتْكُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ وَالصَّوْمِ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ وَلَكِنَّ الْحَدَّ أَقْوَى مِنَ التَّعْزِيرِ فَيُبْتَدَأُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ لاَ يُوَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْزِيرِ لِكَيْ لاَ يُؤَدِّيَ إِلَى الإِتْلاَفِ.
وَالأْصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الْحَارِثِيِّ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَحَدَّهُ ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَخْرَجَهُ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا وَقَالَ: هَذَا لِجَرَاءَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَدِّ:
يُشْتَرَطُ لإِيجَابِ الْحَدِّ مَا يَلِي:
أَوَّلاً: التَّكْلِيفُ وَهُوَ هُنَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، فَلاَ حَدَّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِاتِّفَاقٍ؛ لأِنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لاَ يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا.
وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُؤَدَّبُ لِلزَّجْرِ.
ثَانِيًا: الإْسْلاَمُ، فَلاَ حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ بِالشُّرْبِ وَلاَ بِالسُّكْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: وَشُرْبُ الْخَمْرِ مُبَاحٌ لأِهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا فَلاَ يَكُونُ جِنَايَةً، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لَكِنَّنَا نُهِينَا عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَفِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ تَعَرُّضٌ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لأِنَّنَا نَمْنَعُهُمْ مِنَ الشُّرْبِ.
وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُمْ إِذَا شَرِبُوا وَسَكِرُوا يُحَدُّونَ لأِجْلِ السُّكْرِ لاَ لأِجْلِ الشُّرْبِ لأِنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي الأْدْيَانِ كُلِّهَا. قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ حَسَنٌ.
وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: «إِنْ سَكِرَ الذِّمِّيُّ مِنَ الْحَرَامِ حُدَّ فِي الأْصَحِّ لِحُرْمَةِ السُّكْرِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ» وَجَاءَ بِهَا أَيْضًا قَوْلُهُ: حُدَّ فِي الأْصَحِّ أَفْتَى بِهِ الْحَسَنُ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلاَ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهِ وَإِنْ سَكِرَ، وَعَنْهُ: يُحَدُّ، وَعِنْدِي: إِنْ سَكِرَ حُدَّ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُؤَدَّبُ بِالشُّرْبِ إِنْ أَظْهَرَهُ.
ثَالِثًا: عَدَمُ الضَّرُورَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، بِأَنْ يَشْرَبَهَا مُخْتَارًا لِشُرْبِهَا، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. فَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا وَذَلِكَ لِقَوْلِ الرَّسُولِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وَلأِنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً وَالشُّرْبُ بِالإْكْرَاهِ حَلاَلٌ فَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً فَلاَ حَدَّ وَلاَ إِثْمَ.
وَسَوَاءٌ أُكْرِهَ بِالْوَعِيدِ وَالضَّرْبِ أَوْ أُلْجِئَ إِلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُفْتَحَ فُوهُ وَتُصَبُّ فِيهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الإِْكْرَاهَ يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالضَّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ أَوْ بِإِتْلاَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ بِالضَّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ؛ أَيْ بِقَيْدٍ أَوْ سَجْنٍ شَدِيدَيْنِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ لِسَحْنُونٍ.
وَكَذَلِكَ لاَ حَدَّ عَلَى مَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا لِدَفْعِ غُصَّةٍ بِهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ مَائِعًا سِوَاهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَعَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ).
وَلأِنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً وَالشُّرْبُ لِضَرُورَةِ الْغُصَّةِ حَلاَلٌ فَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَإِنْ شَرِبَهَا لِعَطَشٍ فَالْحَنَابِلَةُ، يَقُولُونَ: إِنْ كَانَتْ مَمْزُوجَةً بِمَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ أُبِيحَتْ لِدَفْعِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَإِبَاحَتِهَا لِدَفْعِ الْغُصَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ أَنَّهُ أَسَرَهُ الرُّومُ، فَحَبَسَهُ طَاغِيَتُهُمْ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَاءٌ مَمْزُوجٌ بِخَمْرٍ، وَلَحْمُ خِنْزِيرٍ مَشْوِيٌّ لِيَأْكُلَهُ وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَتَرَكَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ أَخْرَجُوهُ حِينَ خَشُوا مَوْتَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَحَلَّهُ لِي فَإِنِّي مُضْطَرٌّ وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لأِشْمِتَكُمْ بِدِينِ الإْسْلاَمِ.
وَإِنْ شَرِبَهَا صِرْفًا أَوْ مَمْزُوجَةً بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لاَ يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ لَمْ يُبَحْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، يَحِلُّ شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ لقوله تعالى : ( إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، الأْصَحُّ تَحْرِيمُهَا لِعَطَشٍ وَجُوعٍ وَلَكِنْ لاَ يُحَدُّ وَقَالُوا: إِنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلاَكِ مِنْ عَطَشٍ جَازَ لَهُ شُرْبُهَا.
شُرْبُ الْمُسْكِرِ لِلتَّدَاوِي:
إِنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ لِلتَّدَاوِي (لَمْ يُبَحْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيُحَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ إِبَاحَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِحَدِيثِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ مِنْ أَنَّ «طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ».
وَلأِنَّ الْمُسْكِرَ مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ فَلَمْ يُبَحْ لِلتَّدَاوِي كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ إِلَى جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْقَدْرِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ وَهَذَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ، أَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ دَوَاءً آخَرَ فَفِي جَوَازِهِ خِلاَفٌ، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (تَدَاوِي).
رَابِعًا: مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَدِّ أَيْضًا بَقَاءُ اسْمِ الْخَمْرِ لِلْمَشْرُوبِ وَقْتَ الشُّرْبِ.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ. لأِنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِالشُّرْبِ تَعَلَّقَ بِهِ حَتَّى لَوْ خُلِطَ الْخَمْرُ بِالْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَ نُظِرَ فِيهِ: إِنْ كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْمَاءِ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ - لأِنَّ اسْمَ الْخَمْرِ يَزُولُ عِنْدَ غَلَبَةِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْخَمْرِ أَوْ كَانَا سَوَاءً يُحَدُّ؛ لأِنَّ اسْمَ الْخَمْرِ بَاقٍ وَهِيَ عَادَةُ بَعْضِ الشَّرَبَةِ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَهَا مَمْزُوجَةً بِالْمَاءِ.
وَيُحَدُّ مَنْ شَرِبَ دُرْدِيَّ الْخَمْرِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لأِنَّهُ خَمْرٌ بِلاَ شَكٍّ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ؛ لأِنَّ الدُّرْدِيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ صَافِيهِ، وَالاِنْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ حَرَامٌ فَكَذَلِكَ بِدُرْدِيِّهِ، وَهَذَا لأِنَّ فِي الدُّرْدِيِّ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ وَلَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي مَاءٍ لَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ، فَالدُّرْدِيُّ أَوْلَى.
خَامِسًا: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا الْعِلْمُ بِأَنَّ كَثِيرَهَا يُسْكِرُ، فَالْحَدُّ إِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ شَرِبَهَا عَالِمًا بِأَنَّ كَثِيرَهَا يُسْكِرُ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ إِلاَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ مَا شَرِبَهُ مُسْكِرًا.
وَذَلِكَ لأِنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهَا وَلاَ قَاصِدٍ إِلَى ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ بِهَا فَأَشْبَهَ مَنْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ زَوْجَتِهِ، وَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ شَرِبَهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهَا أَيْضًا - لأِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم قَالاَ: لاَ حَدَّ إِلاَّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ - وَلأِنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا خَمْرٌ، وَإِذَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِهَا نُظِرَ.
فَإِنْ كَانَ نَاشِئًا بِبَلَدِ الإْسْلاَمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لأِنَّ هَذَا لاَ يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإْسْلاَمِ أَوْ نَاشِئًا بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْبُلْدَانِ قُبِلَ مِنْهُ، لأِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
سَادِسًا: اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ النُّطْقَ فَلاَ يُحَدُّ الأْخْرَسُ لِلشُّبْهَةِ، لأِنَّهُ لَوْ كَانَ نَاطِقًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لاَ يُحَدُّ بِهِ كَإِكْرَاهٍ أَوْ غَصٍّ بِلُقْمَةٍ.
وَلاَ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَلاَ الْحُرِّيَّةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى كُلٍّ مِنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى وَالرَّقِيقِ إِلاَّ أَنَّ حَدَّ الرَّقِيقِ يَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ.
وُجُودُ رَائِحَةِ الْخَمْرِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ تُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ تُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ. وَذَلِكَ لأِنَّ وُجُودَ رَائِحَةِ الْخَمْرِ لاَ يَدُلُّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا وَلَمْ يَشْرَبْهَا، أَوْ شَرِبَهَا عَنْ إِكْرَاهٍ أَوْ غُصَّةٍ خَافَ مِنْهَا الْهَلاَكَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. إِلَى أَنَّهُ يُحَدُّ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لأِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَلَدَ رَجُلاً وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ الشَّرَابِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلاَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ.
وَلأِنَّ الرَّائِحَةَ تَدُلُّ عَلَى شُرْبِهِ فَجَرَى مَجْرَى الإْقْرَارِ.
تَقَيُّؤُ الْخَمْرِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِتَقَيُّؤِ الْخَمْرِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ تَقَيَّأَ الْخَمْرَ؛ لاِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تُسْكِرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، إِلَى أَنَّهُ يُحَدُّ بِذَلِكَ، لأِنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ شُرْبِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِشُرْبِهَا.
وَلِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ قُدَامَةَ مَا كَانَ جَاءَ عَلْقَمَةُ الْخَصِيُّ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَتَقَيَّؤُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ قَاءَهَا فَقَدْ شَرِبَهَا، فَضَرَبَهُ الْحَدَّ.
وَلِخَبَرِ عُثْمَانَ حِينَ أُتِيَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَآهُ شَرِبَهَا وَشَهِدَ الآْخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَضَرَبَهُ،، وَهَذَا بِمَحْضَرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَسَادَتِهِمْ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلأِنَّهُ يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَرِبَهَا، وَلاَ يَتَقَيَّؤُهَا أَوْ لاَ يَسْكَرُ مِنْهَا حَتَّى يَشْرَبَهَا،
إِثْبَاتُ الْحَدِّ:
لاَ يَجِبُ الْحَدُّ حَتَّى يَثْبُتَ الشُّرْبُ أَوِ السُّكْرُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ: الإْقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ.
الْبَيِّنَةُ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ - وَكَذَلِكَ السُّكْرُ - يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ - أَيْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ - وَهِيَ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا مَا يَلِي:
(1) أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ.
(2) الذُّكُورَةُ، فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ.
(3) الأْصَالَةُ فَلاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلاَ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا؛ لِتَمَكُّنِ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ فِيهَا وَالْحُدُودُ لاَ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ.
(4) عَدَمُ التَّقَادُمِ (انْظُرْ شَهَادَة) (وَحُدُود) (وَتَقَادُم) ف 13
(5) وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ الإْمَامُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ مَاهِيَّةِ الْخَمْرِ وَكَيْفَ شَرِبَ؛ لاِحْتِمَالِ الإْكْرَاهِ، وَمَتَى شَرِبَ لاِحْتِمَالِ التَّقَادُمِ، وَأَيْنَ شَرِبَ لاِحْتِمَالِ شُرْبِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ وَلاَ يَقْضِي بِظَاهِرِهَا.
(6) قِيَامُ الرَّائِحَةِ وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي حَدِّ الشُّرْبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ عَدْلاَنِ بِشُرْبِهِ الْخَمْرَ، وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنَ الْعُدُولِ بِأَنْ قَالاَ: لَيْسَ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ خَمْرٍ بَلْ خَلٍّ مَثَلاً، فَلاَ تُعْتَبَرُ الْمُخَالَفَةُ وَيُحَدُّ؛ لأِنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي.
الإْقْرَارُ:
يَثْبُتُ الشُّرْبُ أَيْضًا بِإِقْرَارِ الشَّارِبِ نَفْسِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَانْظُرْ (حُدُود)، إِثْبَاتٌ.
شُرُوطُ إقَامَةِ الْحَدِّ:
يُشْتَرَطُ لإِقَامَةِ حَدِّ الشُّرْبِ وَالسُّكْرِ شُرُوطٌ، مِنْهَا:
(1) الإْمَامَةُ. اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ هُوَ الإْمَامُ أَوْ مَنْ وَلاَّهُ الإِْمَامُ، انْظُرْ (حُدُود).
(2) أَهْلِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِلشُّهُودِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ، انْظُرْ (حُدُود)
(3) أَنْ لاَ يَكُونَ فِي تَنْفِيذِ حَدِّ الشُّرْبِ خَوْفُ الْهَلاَكِ لأَِنَّ هَذَا الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا لاَ مُهْلِكًا، انْظُرْ مُصْطَلَحَ جَلْد وَحُدُود وَزِنًى وَقَذْف.
كَيْفِيَّةُ الضَّرْبِ فِي حَدِّ الشُّرْبِ:
لِلضَّرْبِ فِي حَدِّ الشُّرْبِ كَيْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَلْد وَحُدُود)
سُقُوطُ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ:
يَسْقُطُ حَدُّ الشُّرْبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِأُمُورٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (حُدُود) (وَسُقُوط).