loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

المادة 276 - هي المادة 236 من قانون سنة 1904 التي تنص على عقاب المراة الزانية وقد أضيفت عقوبة الغرامة إلى جانب عقوبة الحبس حتى يكون للقاضي حق اختيار إحدى العقوبتين تبعا لظروف الدعوى.

الأحكام

1- لايترتب على الخطأ فى أرقام مواد العقاب المطبقة بطلان الحكم ما دام قد وصف وبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المواد الواجب تطبيقها _ وهى الأمور التى لم يخطىء الحكم تقديرها _ ومن ثم فلا مصلحة للطاعنين فيما يثيرونه بشأن خطأ الحكم فى ذكره نص المادة 274 من قانون العقوبات طالما أن الحكم قد أفصح فى مدوناته عن الواقعة التى دان الطاعنين عنها بما ينطبق عليه المواد 40 ، 41 ، 211 ، 212 ، 213 من قانون العقوبات _ والتى أشار إليها الحكم _ مادامت العقوبة التى أنزلها الحكم المطعون فيه على الطاعنين تدخل فى الحدود المقررة لهذه المواد .

(الطعن رقم 6722 لسنة 66 جلسة 1998/02/10 س 49 ص 230 ق 34)

2- قيد حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية أمر استثنائى ينبغى عدم التوسع فى تفسيره وقصره على أضيق نطاق سواء بالنسبة إلى الجريمة التى خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى عنها ، أو بالنسبة إلى شخص المتهم دون الجرائم الأخرى المرتبطة بها والتى لا تلزم فيها الشكوى - ولما كانت جريمة الاشتراك فى تزوير عقد الزواج - التى دين المتهم بها مستقلة فى ركنها المادى عن جريمة الزنا التى اتهم بها ، فلا ضير على النيابة العامة إن هى باشرت حقها القانونى فى الاتهام وقامت بتحريك الدعوى الجنائية ورفعها تحقيقا لرسالتها ، ولا محل لقياس هذه الحالة بما سبق أن جرى عليه قضاء محكمة النقض فى بعض أحكامها فى شأن التعدد الصورى للجرائم - كما هو الحال بالنسبة إلى جريمة دخول البيت بقصد ارتكاب جريمة الزنا فيه .

(الطعن رقم 1132 لسنة 29 جلسة 1959/12/08 س 10 ع 3 ص 992 ق 204)

3- يلزم قانوناً - طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية - صدور شكوى المجنى عليه أو وكيله الخاص لإمكان رفع الدعوى الجنائية فى الجرائم المنصوص عليها فى المادتين 274 ، 277 من قانون العقوبات ، وهذا البيان من البيانات الجوهرية التى يجب أن يتضمنها الحكم لاتصاله بسلامة تحريك الدعوى الجنائية ، ولا يغنى عن النص عليه بالحكم ما تبين من أن الزوج قد تقدم إلى مأمور القسم بالشكوى عن جريمة الزنا وأصر على رفع الدعوى الجنائية عنها فى تحقيق النيابة العامة .

(الطعن رقم 1132 لسنة 29 جلسة 1959/12/08 س 10 ع 3 ص 992 ق 204)

4- لما كانت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن علقت رفع الدعوى الجنائية فى جريمة الزنا المنصوص عليها فى المادتين 274 ، 275 من قانون العقوبات على شكوى الزوج ، نصت فى فقرتها الأخيرة على أنه " لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " وجريمة الزنا الأصل فيها أن تكون وقتية لأن الركن المادى المكون لها وهو الوطء فعل مؤقت على أنها قد تكون متتابعة الأفعال كما إذا إرتبط الزوج بأمراة أجنبية يزنى بها أو إرتباط أجنبى بالزوجة لغرض الزنا وحينئذ تكون أفعال الزنا المتتابعة فى رباط زمنى ومتصل جريمة واحدة فى نظر الشارع ما دام قد إنتظمها وحدة المشروع الإجرامى ووحدة الجاني والحق المعتدى عليه . ولما كان القانون قد أجرى ميعاد السقوط من تاريخ العلم بالجريمة فإن مدة الثلاثة أشهر تسرى حتماً من يوم العلم بمبدأ العلاقة الآثمة لا من يوم إنتهاء أفعال التتابع .

(الطعن رقم 884 لسنة 55 جلسة 1985/05/09 س 36 ص 631 ق 112)

5- المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن علقت رفع الدعوى الجنائية فى جريمة الزنا المنصوص عليها فى المادتين 274 و 275 من قانون العقوبات على شكوى الزوج ، نصت فى فقرتها الأخيرة على أنه : " لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة و بمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " . و جريمة الزنا ، جريمة الأصل فيها أن تكون وقتية لأن الركن المادى المكون لها و هو الوطء فعل مؤقت ، على أنها قد تكون متتابعة الأفعال كما إذا إرتبط الزوج إمرأة أجنبية يزنى بها ، أو إرتبط أجنبى الزوجة لغرض الزنا ، و حينئذ تكون أفعال الزنا المتتابعة فى رباط زمنى متصل جريمة واحدة فى نظر الشارع كما هو المستفاد من نص المادة 218 من قانون الإجراءات الجنائية إعتباراً بأنها و إن نفذت بأفعال متلاحقة كل منها يصدق عليه فى القانون وصف الجريمة إلا أنه و قد إنتظمها وحدة المشروع الإجرامى و وحدة الجاني و الحق المعتدى عليه كانت جريمة واحدة . و لما كان القانون قد أجرى ميعاد السقوط من تاريخ العلم بالجريمة فإن مدة الثلاثة الأشهر تسرى حتماً من يوم العلم بمبدأ العلاقة الآثمة لا من يوم إنتهاء أفعال التتابع إذ لا يصح الخلط بين بدء سريان التقادم الذى يحتسب من إنتهاء النشاط الإجرامى و بين بدء ميعاد سقوط الحق فى الشكوى الذى يرتد إلى العلم بوقوع الفصل المؤثم لأن مدة السقوط أجراها الشارع فى نصوصه بعامة من وقت قيام موجب الشكوى بصرف النظر عن تتابع الأفعال الجنائية . و لا شك فى أن علم المجنى عليه بالعلاقة الآثمة من بدايتها يوفر له العلم الكافى بالجريمة و بمرتكبها و يتيح له فرصة الإلتجاء إلى القضاء و لا يضيف إطراد العلاقة إلى علمه اليقينى جديداً و لا يتوقف حقه فى الشكوى على إرادة الجاني فى إطراد تلك العلاقة . و القول بغير ذلك يخالف قصد الشارع الذى جعل من مضى ثلاثة أشهر من تاريخ العلم بالجريمة و بمرتكبها قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس على التنازل لما قدره من أن سكوت المجنى عليه طوال هذه المدة يعد بمثابة نزول الشكوى حتى لا يتخذ من حق الشكوى إذا إستمر أو تأبد سلاحاً للتهديد أو الإبتزاز أو النكاية .

(الطعن رقم 1452 لسنة 36 جلسة 1967/02/27 س 18 ع 1 ص 270 ق 52)

6- لما كانت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن علقت رفع الدعوى الجنائية فى جريمة الزنا المنصوص عليها فى المادتين 274 ، 275 من قانون العقوبات على شكوى الزوج ، نصت فى فقرتها الأخيرة على أنه " لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " ، وجريمة الزنا الأصل فيها أن تكون وقتية لأن الركن المادي المكون لها وهو الوطء فعل مؤقت ، على أنها قد تكون متتابعة الأفعال كما إذا ارتبط الزوج بامرأة أجنبية يزني بها أو ارتبط اجنبي بالزوجة لغرض الزنا وحينئذ تُكَوِّن أفعال الزنا المتتابعة فى رباط زمني متصل جريمة واحدة فى نظر الشارع ما دام قد انتظمها وحدة المشروع الإجرامي ووحدة الجاني ووحدة الحق المعتدى عليه ، ولما كان القانون قد أجرى ميعاد السقوط من تاريخ العلم بالجريمة فإن مدة الثلاثة أشهر تسري حتماً من يوم العلم بمبدأ العلاقة الآثمة لا من يوم انتهاء أفعال التتابع ؛ إذ لا شك فى أن علم المجني عليه بالعلاقة الآثمة من بدايتها يوفر له العلم الكافي بالجريمة وبمرتكبها ويتيح له فرصة الالتجاء إلى القضاء ولا يضيف اطراد العلاقة إلى علمه جديداً ولا يتوقف حقه فى الشكوى على إرادة الجاني فى اطراد تلك العلاقة ، وكان من المقرر أن علم المجني عليه بجريمة الزنا الذي يبدأ فيه سريان ميعاد السقوط يجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً فلا يجرى الميعاد فى حق الزوج إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني . ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت علم الزوج علماً يقينياً بالعلاقة الآثمة التي نشأت بين الطاعنة والمحكوم عليه الآخر حين أقرت له الطاعنة بارتكابها للجريمة قبل شهر ونصف من اليوم الذي تقدم فيه بالشكوى ، فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحاً فيما قضى به من رفض الدفع بسقوط الحق فى الشكوى عن جريمة الزنا لمضي مدة ثلاثة أشهر من تاريخ العلم بالجريمة وبمرتكبيها ، ويكون النعي عليه فى هذا الصدد فى غير محله .

(الطعن رقم 23371 لسنة 4 جلسة 2015/01/27)

 

شرح خبراء القانون

استحدث المشرع نص المادة 113 مكرراً في قانون الإجراءات الجنائية وذلك بموجب القانون رقم 177 لسنة 2020 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 36 مكرر في 5/9/2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر برقم 150 لسنة 1950، والذي نص على أنه:

لا يجوز لمأموري الضبط أو جهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، أو في أي من المادتين (306 مكرراً / أ، 306/ مكرراً / ب) من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، إلا لذوي الشأن.)

مركز الراية للدراسات القانونية

جريمة زنا الزوجة

أركان جريمة زنا الزوجة : تقوم جريمة زنا الزوجة على أركان ثلاثة : الإتصال الجنسي بغير الزوج، وقيام علاقة زوجية، والقصد الجنائي .

الإتصال الجنسي بغير الزوجة الفعل الذي يقوم به الركن المادي في جريمة زنا الزوجة هو الاتصال الجنسي التام بينها وبين رجل غير زوجها  ولهذا الفعل في الزنا ذات دلالته في الاغتصاب، فلا يفرق بين الجريمتين غير كون الاتصال في الاغتصاب بغير رضاء المرأة في حين ينصرف إليه قبولها في الزنا . وليس من عناصر هذه الجريمة أن تحمل الزوجة نتيجة لهذا الاتصال، ذلك أن علة التجريم ليست صيانة الأنساب، ولكنها حماية حق الزوج في إخلاص زوجته جنسياً له، وهو ما يهدره الاتصال الجنسي مجرداً وتطبيقاً لذلك، فإن جريمة زنا الزوجة تتوافر أركانها ولو كان حمل الزوجة نتيجة الاتصال مستحيلاً، كما لو كانت عقيماً أو كان عشيقها عقيماً.

وإذا كان الركن المادي لهذه الجريمة متطلباً الاتصال الجنسي التام، فمؤدى ذلك أن ما دون هذا الاتصال من أفعال لا يكفي لتحقيق هذا الركن ولا تقوم هذه الجريمة بتلقيح الزوجة صناعياً برضائها دون علم زوجها أو على الرغم من اعتراضه.

والأصل في الزنا أنه جريمة بسيطة تكتمل أركانها بصلة جنسية واحدة . ولكنه قد يكون جريمة متتابعة الأفعال إذا امتدت علاقة الزوجة بعشيقها خلال زمن طويل تعددت خلاله أفعال الاتصال الجنسي بينهما، إذ قد « انتظمها وحدة المشروع ووحدة الجاني والحق المعتدى عليه »، وفي هذه الحالة، يبدأ حساب مدة التقادم من اليوم التالى لارتكاب آخر هذه الأفعال، ولكن تحسب مدة الشكوى من يوم علم الزوج المجنى عليه بارتكاب أول هذه الأفعال .

رضاء الزوجة : يفترض الزنا رضاء الزوجة بالصلة الجنسية بغير الزوج رضاء يعتد به القانون، ويمكن القول بأن الرضاء الذي يعتد به كعنصر في الزنا هو الرضاء الذي يستبعد الاغتصاب : فكل من الجريمتين تستبعد الأخرى بحيث لا يتصور أن تجتمعا بفعل واحد ولكن لا يجوز أن يستخلص من ذلك أن استبعاد الاغتصاب يستلزم بالضرورة مساءلة الزوجة عن الزنا، وإنما استبعاد الاغتصاب الذي ينتج هذا الأثر هو الذي يكون سنده رضاء الزوجة بالصلة، فقد يبرأ المتهم بالاغتصاب لجنونه وقت الفعل أو انتفاء القصد الجنائي لديه دون أن ينفي ذلك أنه أكره الزوجة على الصلة الجنسية مما ينفى رضاءها بها ويحول دون مساءلتها عن الزنا. ويعني ذلك أن ثمة مجالا تستبعد فيه الجريمتان معا.

قيام علاقة الزوجية، يعد قيام علاقة الزوجية بين المتهمة بالزنا وبين رجل غير من اتصلت به جنسياً الركن الثاني في جريمة زنا الزوجة وهذا الركن متصل بعلة التجريم مباشرة : فحقوق الزوجية التي يهدف تجريم الزنا إلى حمايتها مصدرها هذه العلاقة .

ووفقاً لهذا الركن، فإن الفترة الزمنية التي يتصور ارتكاب الزنا فيها هي المحصورة بين انعقاد الزواج وانحلاله : فإذا حدث الاتصال الجنسي قبل انعقاد الزواج فلا يرتكب الزنا ولو كانت المرأة مخطوبة لغير من اتصل بها وحملت من هذا الاتصال ولم تضع حملها إلا بعد انعقاد زواجها من خطيبها . وإذا كان الزواج يتطلب - وفقاً لقانون الأحوال الشخصية الذي يخضع له - استيفاء إجراءات شكلية معينة فالعبرة في تحديد ما إذا كان الزنا قد توافرت له أركانه هي بتحديد اللحظة التي يعتبر الزواج فيها قد استوفي جميع إجراءات نهوئه، فاستجمع بذلك كيانه كنظام ورابطة قانونية : فإذا كانت الصلة الجنسية سابقة على هذه اللحظة فلا يقوم بها الزنا.

وإذا حدث الاتصال الجنسي بعد انحلال الزواج فلا يقوم به الزنا، ولو كان الاتصال لاحقاً بوقت يسير على تحقق سبب الانحلال ولا تفرقة بين أسباب الانحلال أكانت الطلاق أم موت الزوج : ولا أهمية العلم المتهم بالزنا بسبب الإنحلال، فلهذا الركن طبيعة موضوعية، وتطبيقاً لذلك فالمرأة التي اتصلت بعشيقها عقب وفاة زوجها لا تسأل عن زنا، وإن كانت لم تعلم بعد بوفاته ولكن يتعين أن يكون سبب الانحلال قد أنتج أثره فانقضت علاقة الزوجية، ومن هذه الوجهة يتعين - وفقا للشريعة الإسلامية - التفرقة بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن : فالطلاق الرجعي «لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكاً ولا حلا بمعنى أنه لا يزيل ملك الاستمتاع الثابت بالزواج »، ويعني ذلك أنه يبقى علاقة الزوجية حكماً خلال فترة العدة، فإذا ارتكبت الزوجة فعلها خلال هذه الفترة قام به الزنا؛ ولكن إذا ارتكبته بعد انتهاء العدة فلا تقوم به الجريمة لانقضاء الزوجية  أما إذا كان الطلاق بائناً سواء في ذلك (البينونة الصغرى والبينونة الكبرى)، فهو ينهي علاقة الزوجية في الحال، ومن ثم لا ترتكب المطلقة الزنا إذا أتت الفعل خلال عدتها . وإذا توفى الزوج انقضت الزوجية بوفاته، فلا ترتكب الزوجة الزنا إذا اقترفت فعلها بعد الوفاة مباشرة، فلم تكن العدة قد انقضت بذلك .

ويتعين أن تكون علاقة الزوجية صحيحة، إذ هي التي يعتد بها القانون أما إذا ثبت أنها غير صحيحة، فلا اعتداد بها، ومن ثم لا يقوم الزنا ولا فرق بين بطلان عقد الزواج وفساده . وإذا قضى بالبطلان كان له أثر رجعي، وإذا فسخ عقد الزواج كان لفسخه أثر رجعي كذلك ومن ثم لا يقوم الزنا بفعل ارتكبته الزوجة قبل تقرير البطلان أو الفسخ.

القصد الجنائي : زنا الزوجة جريمة عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي ويقوم القصد في هذه الجريمة على العلم والإرادة .

فيتعين أن تعلم الزوجة بارتباطها بعلاقة زوجية صحيحة، ويتعين أن تعلم أنها تتصل جنسياً بغير زوجها فإذا اعتقدت أنها غير مرتبطة بصلة زوجية انتفي القصد لديها، ولذلك صور متعددة : فقد تعتقد أن صفة الزوجية باطلة كما لو أبلغت كذبا أن زوجها هو أخوها من الرضاعة، وقد تعتقد أن صلة الزوجية قد انحلت كما لو تلقت بالبريد إشهاد طلاق مزور أو أبلغت أن زوجها الغائب قد مات، وفي الصورتين ينتفى القصد وقد يكون غلط الزوجة منصباً على الوقائع كالوضع في المثالين السابقين، وهو ينفي القصد دون شك ولكن غلطها قد يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وهو ينفي القصد كذلك : فإذا اعتقدت المطلقة رجعياً أن صلة الزوجية قد انحلت بهذا الطلاق، فأتت فعلها أثناء العدة اعتبر القصد منتفياً لديها.

ويتعين أن تعلم الزوجة أنها تتصل بغير زوجها : فإذا اعتقدت أنها تتصل بزوجها فإن القصد لا يتوافر لديها : كما لو دخل في فراشها أثناء نومها رجل اعتقدت - وهي في تأثير النوم - أنه زوجها فاستسلمت له، أو استسلمت الزوجة الضريرة لمن قلد صوت زوجها معتقدة أنه الزوج.

ويتطلب القصد اتجاه إرادة الزوجة إلى قبول الاتصال الجنسي بغير زوجها، فإذا كانت مكرهة عليه فلا يقوم الزنا أصلاً، وإنما يحل الاغتصاب محله وليس بشرط أن يصدر الإكراه ممن مارس الصلة الجنسية مع الزوجة، بل يجوز أن يصدر عن أي شخص؛ وقد يصدر عن الزوج نفسه : فإذا أكره الزوج زوجته على الدعارة لم يكن الزنا متوافراً بفعلها.

ولا عبرة بالبواعث في تحديد عناصر القصد : فليس بشرط أن يكون باعث الزوجة إلى فعلها هو إشباع شهوة : فقد يكون الانتقام من الزوج بالإساءة إلى سمعته، وقد يكون كسب المال إذا كانت تهدف إلى تقاضى أجر ممن تتصل به، وقد يكون الإنجاب إذا كان الزوج عقيما وسعت إلى الحمل عن طريق هذه الصلة غير المشروعة.

ولا يعتبر رضاء الزوج بزنا زوجته سبباً لإباحته : فالحق المعتدى عليه بالزنا ليست للزوج سلطة التصرف فيه حتى يقال بأن رضاءه بإهداره هو صورة من التصرف فيه عن طريق زوجته، فهو – كما قدمنا - حق ذو أهمية اجتماعية غالبة باعتباره قوام الزواج والعائلة.

عقوبة الزوجة الزانية : حدد الشارع هذه العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على سنتين المادة 274 من قانون العقوبات. وليس لهذه الجريمة ظروف مشددة .

ولا عقاب على الشروع في الزنا، فهو جنحة ولم يضع الشارع نصاً يقرر فيه مبدأ العقاب على الشروع ومقداره ولهذه الخطة ما يبررها: فالزنا جريمة تثير فضيحة عائلية، ولذلك يكون من المصلحة ألا تسجل بحكم قضائي إلا إذا كانت تامة . ولكن هذا الأصل تقييد منه قواعد الإثبات : فضبط الزوجة وعشيقها في خلوة قرينة على ممارستهما الصلة، ومن الصعب عليهما إثبات عكس هذه القرينة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة: 683)

وعلى ذلك فإن الزوجة ترتكب جريمة الزنا إذا توافرت الشروط الآتية :

أولاً : الوطء :

تشترك جريمة الزنا مع جناية الاغتصاب في هذا الشرط فهي لاتقوم إلا بحصول الوطء فعلا بالطريق الطبيعي وبناء عليه لاتقع الجريمة بما دون ذلك من أعمال الفحش التي ترتكبها الزوجة مع رجل أو أمراة أخرى والوطء في ذاته كاف لتكوين الجريمة متى توافرت الشروط الأخرى فلا يؤثر في ذلك كون الحمل مستحيلاً إذ ليس الغرض من العقاب اختلاط الأنساب بل صيانة حرمة الزواج فيعاقب على الزنا ولو كانت الزوجة قد بلغت سن اليأس أو كان شريكها لم يبلغ سن الحلم وما إلى ذلك.

ولما كان الوطء شرطاً أساساً في جريمة الزنا فلا تتصور هذه الجريمة إلا تامة ولا يمكن أن يكون لها شروع وفضلاً عن ذلك لما كان القانون لا ينص صراحة على الشروع في جريمة الزنا فلا عقاب على البدء في تنفيذها.

ثانياً : قيام الزوجية :

يلزم في الزانية أن تتوافر فيها صفة الزوجة فالخطيبة التي تخون خطيبها لا ترتكب بذلك جريمة الزنا لأنها ليست زوجة بعد ولا تعد زانية إلا إذا كانت هذه الصفة قد آلت إليها بناء على عقد زواج صحيح فإذا كان عقد الزواج فاسداً أو باطلاً فإنه لا يعطى للمرأة صفة الزوجة وبالتالي لايعد الزنا الواقع منها جريمة ولا تتحقق الجريمة أيضاً متى كانت رابطة الزوجية قد زالت أما بوفاة الزوج أو بطلاقه للمتهمة وارتكابها الوطء مع غيره بعد هذا الطلاق على أن الطلاق الذي يزيل رابطة الزواج هو الطلاق البائن فإذا كان الطلاق رجعياً وارتكب الفعل في أثناء العدة تحقق به الجريمة لأن الزوجة عندئذ تعد باقية في عصمة مطلقها وبالتالي ملزمة أن تكون وفية له إلى أن تنتهي مدة العدة ويصبح الطلاق بائنا ومتى دفعت المتهمة في زنا أو دفع شريكها بأنها مطلقة بائناً أو بأن زواجها باطل تعين على المحكمة الجنائية وقف الدعوى الجنائية إلى حين الفصل في هذا الدفع من جهة الأحوال الشخصية المختصة (م 223 إجراءات)

 حكم الزواج العرفي :

الرأى الراجح في الفقه يذهب إلى اعتبار عقد الزواج العرفي عقداً صحيحاً مرتباً لآثاره في حق الزوجة الزانية وكذا الزوج الزاني مقرراً بأن قاعدة عدم سماع الدعوى المقررة في قانون الأحوال الشخصية إنما تتعلق بدعوى الأحوال الشخصية المقامة أما القضاء الشرعي المختص بها ولا محل لها في حالة وجود دعوى زنا أمام قضاء جنائي أن حظر السماع إنما هو قيد إجرائي في دعاوى الأحوال الشخصية وليس في الدعاوى الجنائية كما أن القول بأن العقد ركن من أركان الجريمة ومن ثم يتعين إثباته وفقاً للقانون الذي يحكم العقد مردود عليه بأن قاعدة حظر سماع الدعوى هي قاعدة إجرائية وليست متعلقة بالإثبات وفی حالة وجود عقد عرفي فإن هذا العقد يثبت أمام القاضي الجنائي بكل وسائل الإثبات التي يكون من شأنها اقتناع القاضى الجنائي بكل وسائل الإثبات التي يكون من شأنها اقتناع القاضي الجنائي بها.

ثالثا : القصد الجنائي :

يتوافر القصد الجنائي لدى الزوجة التي ارتكبت الفعل عن إرادة و عن علم بأنها متزوجة و أنها تواصل شخصاً غير زوجها فلا تقوم الجريمة لانعدام القصد إذا ثبت أن الوطء قد حصل على غير رضاء الزوجة نتيجة لقوة أو تهديد أو أي سبب من الأسباب المعلمة للرضاء. فإذا تسلل رجل إلى مخدع أمرأة فسلمت له ظناً منها أنه زوجها فإن الواقعة تكون قد حصلت مباغتة على غير رضاها فلا ترتكب الزنا ويرتكب الفاعل جناية الاغتصاب كذلك ينتفي القصد إذا كانت الزوجة وقت الفعل تجهل أنها مقيدة بعقد زواج كما لو اعتقدت أنها مطلقة أو أن زوجها الغائب قد مات.

حق وقف تنفيذ الحكم :

إعمالا لنص المادة 274 عقوبات فإن لزوج الزانية أن يوقف تنفيذ الحكم الصادر على زوجته عن جريمة الزنا بأن يرضى معاشرتها له كما كانت ولم يرد بالقانون حداً زمنياً يلزم فيه استمرار المعاشرة ولم يرد به بالتالي جزاء لمخالفتها فإذا تقدم الزوج بهذا الطلب ثم انقطع عن معاشرتها أو طلقها فلا جزاء عليه ولم يرد بالقانون ما يجيز إلغاء وقف تنفيذ هذه العقوبة وتطبيقاً على ما سبق بيانه فإن وقف تنفيذ العقوبة لايستفيد منه الشريك فهو لايرتبط بالزانية إلا أثناء قيام الدعوى وقد انقضت تلك الدعوى بهذا الحكم النهائي كما أن هذا النص لم يتضمن انتقال هذا الحق إلى أولاد المجنى عليه بعد وفاته على غرار المادة العاشرة من قانون الإجراءات الجنائية كذا فهو قاصر على الزوج وينقضي هذا الحق بوفاته .

محاكمة الشريك مرتبطة بمحاكمة الزوجة ارتباطاً غير قابل للتجزئة فلا يجوز محاكمته إلا بناء على شكوى الزوج المجنى عليه فإذا قدم هذا الأخير شكواه ضد زوجته فقط كان للنيابة الحق في السير في الدعوى ضدها وضد الشريك ولو لم تتضمنه الشكوى على أنه لو أن الزوج اقتصر في تقديمه الشكوى على الشريك فقط دون الزوجة فلا تقبل الدعوى أصلاً لأن جريمة الشريك لا تقوم إلا من فعل الفاعل الأصلي وهو الزوجة كذلك لايؤثر على محاكمة الشريك تنازل الزوج عن دعواه قبله وطلبه الاستمرار في محاكمة الزوجة خلافاً لما إذا تنازل الزوج أثناء سير الدعوى عن دعواه قبل زوجته فإن الدعوى تسقط عنها وشريكها لأن التنازل يعتبر دليلاً قانونياً على عدم وجود الجريمة.

على أن تنازل الزوج عن دعواه قبل الحكم النهائي يستفيد منه الشريك بشرط أن تكون الزوجة قد استفادت منه أي أن يكون التنازل قد صدر من زوجها قبل صيرورة الحكم عليها نهائياً فإذا تنازل الزوج عن محاكمة زوجته أو تصالح معها قبل صدور حكم نهائي عليها سقطت الدعوى العمومية بالنسبة للشريك أما إذا لم تطعن الزوجة في الحكم الصادر ضدها وشريكها فأصبح نهائياً بالنسبة لها في حين طعن شريكها فيه بالاستئناف والنقض فإن تنازل الزوج أثناء الاستئناف المرفوع من الشريك وحده لا أثر له إذ هو لا يملك التنازل عن الدعوى ضد زوجته لانتهائها بحكم نهائي بالنسبة لها وإذا لم يطعن الشريك في الحكم أصبح بذلك نهائياً بالنسبة له حتى ولو طعنت الزوجة وقضى ببراءتها في الاستئناف.

وفي الجملة فإن أي دفع يمكن للزوجة أن تدفع به دعوى زوجها فإن شريكها يستفيد منه طالما أنه لم يصدر حكم نهائي في الدعوى كرضا الزوج مقدماً بالزنا وکسبق ارتكاب الزوج لجريمة الزنا في منزل الزوجية وهذا الدفع مقصور على الزوجة فقط وكالدفع بسقوط حق الزوج في الشكوى بفوات أكثر من ثلاثة أشهر.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 663)

أركان الجريمة :

تقوم جريمة زنا الزوجة على أركان ثلاث:

أولهما: ثبوت علاقة الزوجة.

 وثانيها: وقوع الإتصال الجنسي بغير الزوج.

 وثالثها: القصد الجنائي.

 أولاً : ثبوت علاقة الزوجة :

واضح من نص المادة أن المشرع يستلزم فيمن يعزى إليها كونها فاعلاً في الجريمة التي نحن بصددها أن تكتسب صفة خاصة وهي كونها زوجة للغير بعقد صحيح، فهنا وهنا فقط تتحقق علة التجريم التي هي حماية حق الزوج في الإستئثار جنسياً بزوجته، فإذا لم تكن المرأة زوجة للغير فإنه لا يصح وصف الفعل باعتباره جريمة زنا وإن جاز أن يشكل جريمة أخرى في القانون وذلك بحسب الوضع الذي يتخذه السلوك المادي والظروف والعناصر الأخرى المحيطة به.

وعلى ذلك فلا تنسب جريمة زنا الزوجة إلى الخطيبة التي لم يعقد عليها بعد أو الخليلة إذا ثبت إتصالاها جنسياً بغير خطيبها أو غير عشيقها ولا تنسب الجريمة كذلك إلى الزوجة بعقد باطل أو فاسد. كالزوجة الخامسة على أربع، والزوجة التي تعد من المحارم.

والعبرة في ثبوت قيام علاقة الزوجية هي بوقت حصول الإتصال الجنسى الإثم. فإذا كانت المرأة تحمل صفة الزوجة وقتئذ وصف فعلها بكونه زنا، أما إذا كانت هذه الصفة قد زالت عنها فلا زنا ينسب إليها والمرجع في ذلك إلى ما تقرره أحكام الشريعة السمحاء.

ووفقا لأحكام الشريعة الغراء فإن صفة الزوجية لا تثبت إلا بالعقد الصحيح - فلا عبرة بالدخول أو عدمة ولا تنفصم إلا بالطلاق أو وفاة الزوج.

وللتفرقة بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن أهمية كبرى في هذا الخصوص. فالطلاق الرجعي لا يزيل عن المطلقة صفة الزوجة خلال فترة العدة ومن ثم يبقى حق زوجها " مطلقها في الاستئثار بها جنسية قائمة ما بقيت العدة، فإذا هي إتصلت جنسياً بغيره خلالها تحققت علة التجريم وعدت بذلك زانية.

أما الطلاق البائن بنوعيه البينونة الصغرى والبينونة الكبرى" فهو يزيل ملك الإستمتاع وينهي علاقة الزوجية بوقوعه ومن ثم لا ينسب إلى المطلقة طلاقاً بائناً زنا إذا ارتكبت الفعل خلال فترة العدة.

وحكم المطلقة بائنة هذا ذات حكم المتوفى عنها زوجها من حيث عدم جواز وصف فعلها باعتباره زنا إذا أتته عقب الوفاة، وأثناء فترة العدة.

ثانياً : وقوع الإتصال الجنسي بغير الزوج:

حصول الإتصال الجنسي بين الزوجة وشريكها في الإثم هو جوهر الركن المادي في جريمة زنا الزوجة لأنه به يتحقق الإعتداء على حق الزوج المطعون في شرفه بالإستئثار الجنسي بزوجته والذي هو علة التجريم والعقاب في فعل هذه الأخيرة.

ولا يختلف مفهوم الإتصال الجنسي في جريمة زنا الزوجة عن مفهومه في جريمة الإغتصاب، فهو يتحقق بإيلاج الشريك عضو تذكيره كلياً أو جزئياً في المكان الطبيعي المخصص لذلك لدى الزوجة الآثمة أما دون ذلك من أفعال فلا يتحقق بها الركن المادي في الجريمة.

وإذا كان مفهوم الإتصال الجنسي واحدة في جريمتى الزنا الإغتصاب إلا أنه يشرط في الأولى أن يكون الوقاع الجنسي قد تم برضاء الزوجة الصحيح، وذلك على عكس جريمة الإغتصاب الذي يكون عدم الرضاء ركنا من أركانها.

فإذا وقع الإتصال الجنسي من الزوجة بغير زوجها دون رضاء صحيح منها إنمحت جريمة الزوجة وإن جاز أن يشكل الفعل جناية الإغتصاب، ومن ثم لا يستفيد

زوجها من عذر الاستفزاز المقرر له في المادة (237) عقوبات إذ هو قتل زوجته ومن واقعها جنسياً، ولا عبرة بالمكان الذي يحصل فيه الوطء غير المشروع فيستوي أن يقع في منزل الزوجية أو أي مكان آخر.

والأصل أن جريمة الزنا جريمة وقتية تتم كاملة بحصول فعل الوطء بين الزوجة وشريكها ولو لمرة واحدة. إلا أنه إذا ربط الزوجة وشريكها علاقة استمرت فترة من الوقت تكررت خلالها أفعال الوطء غير المشرع بينهما فإن الجريمة تكون متتابعة الأفعال وحينئذ تكون أفعال الزنا المتتابعة في رباط زمني متصل جريمة واحدة في نظر المشرع، ومن ثم فإن بدء ميعاد سقوط الحق في الشكوى " ثلاثة أشهر " يكون من يوم العلم ببداية العلاقة الآثمة لا من يوم إنتهاء أفعال التتابع، بينما يكون بداية احتساب مدة تقادم الجريمة من اليوم التالى لآخر فعل من أفعال التتابع.

ثالثاً: القصد الجنائي :

جريمة زنا الزوجة هي جريمة عمدية يقوم ركنها المعنوي على القصد الجنائي في صورته العامة التي تطلب توافر عنصرى العلم والإرادة في حق الجناة فيلزم مؤاخذة الزوجة بالزنا أن يثبت علمها بالعناصر المكونة للجريمة، أي أن تكون عالمة بصفتها كزوجة للغير وبأنها تتصل جنسياً بغير زوجها. فإذا ثبت جهلها بأحد هذين العنصرين إنتفى القصد الجنائي لديها ومثال ذلك من تعتقد بموت زوجها، أو أنها قد طلقت بائناً، فترتكب فعلتها ثم يتبين أن زوجها حي يرزق أو أن طلاقها كان رجعية، في هذه الأحوال وما شابهها تكون الزوجة قد وقعت في غلط في صفتها كزوجة وهو ما ينفي عنها القصد الجنائي.

وقد ينصب جهل الزوجة أو غلطها على كونها تتصل جنسيا بغير زوجها. ومثال ذلك من يندس في فراش زوجة فتقبل معاشرته معتقده أنه زوجها، ومن يستغل التشابه الكبير بينه وبين زوج إمرأة تقبل مضاجعته لها وهي غير عالمة بأنه شبیه زوجها، وفضلاً عن عنصر العلم فإنه يلزم أن ترتكب الزوجة الفعل المؤثم بكامل إرادتها، فإذا إنعدم رضاها فإنه لا يصح وصف الفعل بكونه زنا وإنما يصح أن يكون إغتصاب.

وإعمالاً للقواعد العامة فإنه لا عبرة بالباعث على الجريمة، فيستوي أن يكون باعث الزوجة هو المتعة الجنسية أو النكاية في الزوج والإنتقام منه أو الحصول على الطلاق، أو الحصول على منفعة مادية من الشريك الزاني أو غير ذلك من بواعث.

أما شريك الزوجة الزانية فإنه يلزم فيه أن يكون عالماً بأن من يتصل بها جنسية هي إمرأة متزوجة والعلم هنا مفترض.

العقوبة :

الحبس مدة لا تزيد عن سنتين.

إيقاف تنفيذ الحكم الصادر ضد الزوجة: خول القانون الزوج سلطة إيقاف تنفيذ حكم الإدانة الصادر ضد الزوجة من أجل الزنا، فنصت المادة محل التعليق على أن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم. برضائه معاشرتها له كما كانت" وهذه السلطة إستثناء من الأصل العام الذي قررته المادة العاشرة من قانون الإجراءات الجنائية وجعلت به غاية الحق في التنازل "أن يصدر في الدعوى حكم نهائي" مما يعني أنه إذا صدر هذا الحكم لم يكن للنزول محل وتكييف هذا الإيقاف أنه "عفو خاص"، وعلته إتاحة فرصة أخيرة لتفادي إنهيار العائلة. وقد شرطه القانون "برضاء الزوج معاشرة زوجته أي رضائه استئناف الحياة الزوجية، ولكنه لم يشترط استمرار هذه الحياة فترة معينة، فإذا انفصل الزوجان بعد إيقاف التنفيذ فلا يجوز العودة إليه. والعفو نهائی، فلا يجوز الرجوع فيه وإذا ثبت كذب الزوج في ادعائه الرضاء بمعاشرة زوجته فإن ذلك لا يمس العفو الذي استفاد منه الزوجة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة  : 801)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة  85 ، 86 .

(مادة 117)

إثبات جريمة الزنا المعاقب عليها حا يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين 

الآتيتين: 

الأولى: إقرار الجاني ولو مرة واحدة إذا لم يكذبه شريكه في الفعل، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غیر متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ويقبل الرجوع عن الإقرار. 

الثانية: شهادة أربعة رجال غير الزوج يشهدون مجتمعين أو متفرقين بلفظ الزنى ومعاينة واقعته، ويشترط في الشاهد أن يكون عند تحمل الشهادة وعند أدائها بالغاً عاقلاً عدلاً مختاراً، غیر متهم في شهادته، مبصراً قادراً على التعبير. ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة . 

وعلى المحكمة أن تسأل المقر بعد الإقرار، والشاهد بعد أداء الشهادة عن ماهية الزنا، وكيفية وزمان و مکان وقوعه، وبيان الزاني والزانية. 

(مادة 118)

إذا رأت النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق توافر أركان الجريمة و دليلها الشرعي - أصدر رئيس النيابة أو من يقوم مقامه أمراً بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة. 

(مادة 119) 

الزانية والزاني طبقاً لأحكام هذا الباب يعاقب كل منهما حدا إن كان غير محصن بجلده مائة جلدة. 

فإذا وقع الزنا بغير الرضا أو بالقوة أو التهديد يعاقب الجاني فضلاً عن العقوبة الحدية المبينة بالفقرة الأولى، بالعقوبة التعزيرية المقررة في الفقرتين الأولى والثانية من المادة (129) من هذا القانون حسب الأحوال.

وفي حالة الإحصان تكون العقوبة الحدية الرجم حتى الموت.

ويقصد بالإحصان حصول جماع في زواج صحيح قائم وقت ارتكاب الجريمة.

ويعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر. 

(مادة 120) 

لا يجوز إبدال العقوبة الحدية المبينة في المادة السابقة، ولا العفو عنها. 

(مادة 121) 

إذا سقط الحد لعدم توافر عناصر الجريمة المنصوص عليها في المادة (116)، أو لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (117)، أو لرجوع الجاني عن إقراره، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به - يحكم بالجلد تعزيراً من خمسين إلى ثمانين جلدة بالإضافة إلى العقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر. 

(مادة 117): 

إثبات جريمة الزنا المعاقب عليها حدا يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

الأولى: إقرار الجاني ولو مرة واحدة، إذا لم يكذبه شریكه في الفعل، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً ، منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ويقبل الرجوع عن الإقرار. 

الثانية: شهادة أربعة رجال غير الزوج، يشهدون مجتمعين أو متفرقين بلفظ الزنی ومعاينة واقعته. ويشترط في الشاهد أن يكون - عند تحمل الشهادة وعند أدائها - بالغاً، عاقلاً، عدلاً مختاراً، غیر متهم في شهادته، مبصراً، قادراً على التعبير. 

ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك. 

وعلى المحكمة أن تسأل المقر بعد الإقرار أو الشاهد بعد أداء الشهادة عن ماهية الزنا، وكيفية وزمان و مكان وقوعه، وبيان الزاني والزانية. 

الإيضاح

 يكون إثبات الزنا أمام مجلس القضاة؛ حتى ينبني عليه الفصل في الجريمة، ويتصل به القضاء، ويثبت الزنا بوسيلة من وسيلتين انحصر فيها شرعاً . 

الأولى : الإقرار: 

وحتى يكون الإقرار وسيلة لإثبات جريمة الزنا على المقر يلزم توافر الشروط الآتية: 

(1) أن يكون المقر مكلفاً - أي بالغاً عاقلاً -؛ إذ إن إقرار الصبي والمجنون غير معتبر، لأن كلا منهما ليس أهلاً للتكليف 

(2) أن يكون الإقرار بصريح لفظ الزنا ؛ حتى لا يحتمل غير المواقعة الحرام، جاء في المبسوط (ج9/ ص 85): (وإن شهد الشهود على رجل، فقالوا: نشهد أنه وطئ هذه المرأة. ولم يقولوا: زنی بها. فشهادتهم باطلة ؛ لأن سبب الحد الزنا، ولا يثبت بهذا اللفظ، فالوطء قد يكون حراماً ، وقد يكون حلالاً بشبهة وغير شبهة، والزنا نوع مخصوص من الوطء، وباللفظ العام لا يثبت ما هو خاص. وكذلك لو شهدوا أنه جامعها أو باضعها، ولا حد على الشهود لتكامل عددهم؛ ولأنهم ما صرحوا بنسبته إلى الزنا، ولذلك لما أقر ماعز بن مالك أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالزنا أربع مرات والرسول يعرض عنه فيها، قال له بعد الرابعة: الآن شهدت على نفسك أربعاً فيمن؟ قال: بفلانة. قال: لعلك قبلتها أو لمستها بشهوة، لعلك باشرتها). فأبى إلا أن يقر بصريح الزنا (المبسوط، ج 9/ص 92). 

وغني عن البيان أن الأخرس إذا زنى لا يقام عليه الحد؛ لوجود الشبهة الدارئة له کما سبق توضيحه عند الكلام عن شروط النطق في الجاني، كما يشترط في المقر بالزنا أن يكون مختاراً ، فيصدر إقراره عن طواعية لا إكراه فيه، فلو ضرب ليقر بالزنى لم يجب عليه الحد. ولم يثبت عليه الزنى. روي عن عمر الله عنه أنه قال: (ليس الرجل بأمين على نفسه إذا جوعته أو ضربته أو أوثقته). رواه سعید. ولأن الإقرار إنها يثبت به المقر به لوجود الداعي إلى الصدق، وانتفاء التهمة عنه. فإن العاقل لا يتهم بقصد الإضرار بنفسه. ومع الإكراه يغلب على الظن أنه قصد بإقراره دفع ضرر الإكراه، فانتفى ظن الصدق عنه فلم يقبل. ولا يعرف عن أهل العلم خلاف في ذلك (المغني 10 / 172). 

واختلف في تعدد الإقرار، فذهب الشافعية، والمالكية، والحسن البصري، وأبو بكر، وحماد، والثوري، وداود، وأصحابه إلى أنه يكفي الإقرار بالزنى ولو مرة واحدة، واحتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث العسيف (الأجير): (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها). ولم يقل: أربع مرات . ولأن الغامدية لم تقر أربع مرات، وأما رده الرسول صلى الله عليه وسلم لماعز أربع مرات فلأنه شك في أمره، ولذلك قال له: (أبك جنون). 

وذهب الحنفية وسائر الكوفيين وأئمة العترة والحنابلة وابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه إلى اشتراط الإقرار بالزنى أربع مرات في مجالس المقر الأربعة، محتجين بحديث ماعز، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: أتى رجل من المسلمين رسول صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، قال: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه، حتى بين ذلك أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟» قال: لا. قال: «هل أحصنت؟». قال: نعم. فقال : «اذهبوا به، فارجموه». فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه. وقالوا: هذا دليل على أن الإقرار بالزنى يشترط أن يكون أربع مرات. 

وقد اختارت اللجنة الرأي الأول لقوة حجته، ولأن هذا هو المناسب لهذا الزمان الذي عمت فيه البلوى وانتشر الفساد، ومن ثم لزم العمل على تيسير إجراءات الإثبات لهذه الجريمة الكبرى حرصاً على الأنساب وصيانة الأعراض. وتطهيراً للمجتمع من هذا الوباء. 

ومن أجل هذا رأت اللجنة ألا تأخذ بقول من ذهب إلى أنه يندب للقاضي تلقين المقر بالزنى بها يدرأ الحد عنه. مما قد يغري كثيرين من مقترفي هذه الجريمة إلى النكول وطمس معالم الجريمة، فتفوت المصلحة من شريعة الحد، وتعم المفسدة. وتحقيق مصالح العباد ودفع الأذى عنهم في ترك مندوب - وهو التلقين - خير من مصلحة أدنى يرجى تحققها من فعل هذا المندوب في زمان تغيرت فيه النفوس، وبعدت عن الروح الإسلامية. (فتح القدير، 4/ 117 - 120). 

وكذلك يشترط في الإقرار بالزنى ألا يكذب المقر شريكه في الفعل، فلو كذبته في إقراره بأنه زنی ها، أو كذبها في إقرارها بأنه زنی بها، فلا حد على المقر. عملاً في ذلك بمذهب الإمام أبي حنيفة، وحجته في هذا الرأي أننا صدقناها في إنكارها فصار محكوماً بكذبه ، وكذلك العكس وهو ما أخذت به اللجنة. 

وذلك خلافاً للشافعي الذي يرى إقامة الحد عليه دونها، وهو قول ابن أبي ليلى (فتح القدير، 4/ 120 ، ابن عابدین، 3/ 148). وغني عن البيان أن سقوط الحد عن المقر هنا لا يمنع من تعزیره بما يراه الإمام محققاً للمصلحة ودارئاً للمفسدة . 

كذلك يشترط ألا يكون المقر متهما في إقراره، كما لو أقر بالزنى، فظهر أنه مجبوب، أو ظهر أن من أقر بزناه بها رتقاء، وأخبرت النساء بذلك قبل إقامة الحد عليه، فلا حد عليه لسقوطه بالشبهة (ابن عابدین 3/ 148 ، المغني 10 / 968 ). 

الثانية: البينة:

 ويقصد بها الإثبات بشهادة الشهود. 

وقد اتفق الفقهاء جميعاً على أن نصاب الشهادة في الزنى أربعة رجال، ولا تقبل شهادة أقل من أربعة، وقالوا: إن اشتراط الأربعة فيه تحقيق لمعنى الستر المندوب إليه هنا؛ إذ إن الشيء كلما كثرت شروطه قل وجوده، فإن وجوده إذا توقف على أربعة ليس كوجوده إذا توقف على اثنين، فيتحقق بذلك الاندراء. 

وأما أن الستر هنا مندوب إليه؛ فلقوله : «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». وقوله: «من رأى عورة فسترها، كان كمن أحيا موءودة». . 

وإذا كان الستر مندوباً إليه، كانت الشهادة بالزنى خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه، وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنى ولم يتهتك به. 

أما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به، بل بعضهم ربها يفتخر به، فيجب کون الشهادة به أولى من تركها ؛ لأن مقصود الشارع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش الجزء الرابع فتح 4/ 115 ، ابن عابدین 3/ 148 ). 

كما يشترط أن يكون الأربعة شهداء من الرجال، فلا تفي في الزنی شهادة النساء مها تناهی عددهن ولو مع غيرهن من الرجال، إذا لم يكتمل عدد الرجال أربعة، وذلك باتفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) [النساء: 15]، ولقوله تعالي: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) [النور: 4]، ولحديث الزهري: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده ألا شهادة للنساء في الحدود والقصاص. ونص على ألا يكون الزوج من الشهداء الأربعة على زنا زوجته، وهو رأي جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، خلافاً لرأي الإمام أبي حنيفة الذي أجاز شهادته؛ لأنه غير متهم في شهادته حينئذ، فالتهمة ما يوجب جلب نفع لشاهد في حين أن الزوج بشهادته يجلب على نفسه العار وخلو الفراش من زوجته التي كانت ترعاه، خاصة إذا كان له منها أولاد صغار يحتاجونها للعناية (شرح فتح القدير، ج 4 / ص 114). 

وحجة الجمهور أن الله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) فشرط الله على الزوج القاذف أن يأتي باربعة شهداء سواء، وإلا حد للقذف، فخرج أن يكون أحد الشهود، كما أنه بدعواه أن الزوجة زانية يكون منها بعداوته فلا تقبل شهادته عليها (القرطبي، ج 12/ ص189 ، المدونة ص 208). وقد جاء بها: (أرأيت إن شهد على المرأة أربعة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال مالك: يضرب الثلاثة ويلا عن الزوج. قلت: أليس الزوج شاهداً؟ قال: الزوج عند مالك قاذف). (المهذب، ص 176 ، کشاف القناع). ويرى ابن حزم الظاهري أنه إذا جاء الزوج فاذا كان عليه البينة أربعة شهود سواه، وإلا حد أو بلاعن لكن إذا جاء شاهدا، فإن كان عدلاً ومعه ثلاثة عدول فهي شهادة تامة وعلى المشهود عليها حد الزنا كاملاً ، وإن كان الزوج غير عادل أو لم يتم ثلاثة عدول سواه إن كان عدلاً فلا حد على المشهود عليها وليس الشهود قذفة، فلا حد عليهم، ولا حد على الزوج ولا لعان؛ لأنه ليس قاذفاً. (المحلى، ج11/ ص 317، 318)، وقد اختارت اللجنة رأي جمهور الفقهاء؛ لرجحان أدلتهم، فاشترطت في المادة ألا يكون الزوج من بين شهداء الزنا على زوجته. ولا بد أن يشهد كل واحد من الأربعة بواقعة الزنا بلفظ صريح فيه لا يحتمل غيره، ولا يغني عن ذلك أن يشهد بالوطء أو الجماع، وذلك لأن لفظ الزنا هو الدال على المذاهب الأربعة على فعل الحرام دون اللفظين الآخرين ولا غيرهما، فلو شهدوا بأنه وطئها وطأ محرماً لا يثبت إلا إذا قال: وطأ هو الزنى (ابن عابدین ، 3/ 147 ، تنوير الأبصار، ص100 شرح الدر المختار 2 / 48 ، سبل السلام 4 / 9، شرح الكنز، 263 ، المبسوط، ج 9/ ص 85). 

 كذلك شرط أن تنصب شهادتهم على واقعة الزنا بأركانها عن معاينة، لا نقلاً عن قول، حتى لقد قرر بعض فقهاء الحنفية أن على الشاهد أن يقول رأيته يطؤها في فرجها کالميل في المكحلة. وقال بعضهم إن هذا زيادة بیان احتمالاً للدرء، ويغني عنه بیان ماهية الزنا عند سؤال القاضي للشاهد عنها بعد أداء الشهادة (ابن عابدین ، 3/ 14)، فإذا لم يشهدوا بلفظ الزنا، أو شهدوا به لكن لم يشهدوا برؤية واقعة الزنا كاملة، أو شهدوا بها نقلاً عن قول آخر - لم يجب الحد؛ لعدم استيفاء أركان الشهادة. 

وتقبل شهادة شهود الزنا الأربعة كيفما اتفق مجيئهم مجتمعين أو متفرقين، وذلك لإطلاق الآية في قوله تعالى 🙁 ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ) وظاهره أنه إذا أتي بهم مجتمعين أو متفرقين في مجلس واحد أولا، فهو آت بأربعة شهداء بمقتضى النص، واشترط اجتماعهم في مجلس واحد، بحيث لو جاءوا متفرقين ترد شهادتهم أمر زائد على النص ولا إشعار به في الآية. 

وبهذا الرأي قال مالك والشافعية وأيدا قولهما بالقياس على الشهادة في سائر الأحكام. بل قالوا: إن تفريقهم أولى؛ لأنه أبعد عن التهمة والتواطؤ وأيضاً فليس من الممكن أن يشهدوا جميعاً في وقت واحد ، فلا بد أن يسمع القاضي شهادتهم واحداً بعد الآخر، وكذلك إذا اجتمعوا عند بابه ثم دخلوا عليه واحداً بعد آخر. أما الإمام أبو حنيفة فقال: إنهم إذا جاءوا متفرقين لم يسقط الحد عن القاذف، وعلى الشهود حد القذف. وحجته أن الشاهد الواحد لما شهد وحده صار قاذفاً ولم يأت بأربعة شهداء، فوجب عليه حد القذف وخرج عن كونه شاهداً ، ولا عبرة بتسميته شاهداً إذا فقد المسمى، فلا خلاص من هذا الإشكال إلا باشتراط الاجتماع (فتح القدير 4/ 613 وما بعدها، تبيين الحقائق، 3 / 163 وما بعدها، ابن عابدین، 3 / 147 ، مغني المحتاج 4 / 148 ، الخرشي 8 / 77 ، شرح الدردير 4/ 318 ).

وقد اختارت اللجنة الأخذ برأي المالكية والشافعية؛ لقوة أدلتهم وموافقتها للمعقول. 

ولما يبدو في أدلة الحنفية من إعنات للقاذف بالزنا إذا أراد إثبات واقعته ، ولأن سماع شهادة الأربعة دفعة واحدة غير ممكن. 

وتجدر الإشارة إلى أقوال الفقهاء في مجال عدم اكتمال نصاب بينة الزنا وهو أربعة رجال، بأن كانوا ثلاثة فأقل، أو رجع أحدهم عن الشهادة، أو لم تصح شهادته، أو امتنع أحد الشهود عن أداء الشهادة وأداها الآخرون، فعلى مذهب الظاهرية وغير المشهور من مذهب الشافعية وأحمد وقول أبي ثور: إن ذلك لا يعد بالنسبة لمن أدى الشهادة قذفاً  ؛ خلافاً للحنفية والمالكية ومشهور مذهب الشافعية وأحمد، وما قال به الشيعة الإمامية من أن شهادتهم تعتبر قذفاً لمن رمي بالزنى ويحدون من أجله حد القذف المحلى، 11 / 261 ، المغني 10 / 176 ، المهذب 2 / 350 ، فتح القدير 4/ 170 ، نهاية المحتاج 7 / 136 ، رحمة الأمة 375 ، کشاف القناع، 4/ 60، شرائع الإسلام، 2 / 544، بداية المجتهد 2 / 544 ، ولكل من الفريقين دليله في موضعه مما لا حاجة هنا إلى إيراده، غير أن لأصحاب الرأي الأول حجتهم القوية التي ترجح في رأي اللجنة قول الآخرين. هذا ويشترط في الشاهد أن يكون وقت تحمل الشهادة ووقت أدائها مكلفاً - أي عاقلاً بألا -؛ لأن العقل والبلوغ مناط التكليف. فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين؛ لأن الشهادة من باب الولاية، والصبي والمجنون لا ولاية لكل منهما عن نفسه، فلا ولاية له على غيره بالأولى. 

کما يشترط أن يكون الشاهد مبصراً ؛ ليتيسر له معاينة واقعة الزنا المشهود عليها، وليمكن تمييز الأشخاص المشهود عليهم، وأن يكون الشاهد أيضاً قادراً على التعبير باللفظ حتى يؤدي الشهادة بلسانه، ويجيب على أسئلة المحكمة وما يوجه إليه من أسئلة أثناء المناقشة إجابة صريحة لا تحتمل الشك، خاصة وقد اشترط في الجاني أن يكون ناطقاً ، فلم يكن مستساغاً أن تقبل شهادة الأخرس ضده ولو بالكتابة؛ لما فيها من شبهة تدرأ الحد عن الجاني. 

كما اشترط الفقهاء في الشاهد أيضاً أن يكون عدلاً ، وهو شرط متفق عليه بينهم، لكنهم اختلفوا فيها تتحقق به عدالة الشاهد، فذهب الحنفية إلى أنه يكفي في تحقيق العدالة في الشاهد أن يكون مجتنباً للكبائر غير مصر على الصغائر (ملا مسكين على كنز الدقائق ص 378). ومثله ما ذهب إليه الشافعية، فقد جاء في حاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 378 ، 379: (والعدل يتحقق بأن لم يأت كبيرة كقتل وزنا وشهادة زور، ولم يصر على صغيرة، أو أصر عليها وغلبت طاعته). وقيل: بل يفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك. وإلى هذا القول الأخير ذهب أبو حنيفة وأهل الظاهر، وذلك استناداً إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في القذف» (شرح فتح القدير 4 / 116 ، والبدائع 6 / 270، والمبسوط 9 / 28 ، المحلى 9 / 393 ). 

وقد أثرت اللجنة الأخذ بهذا الرأي الأخير دون الرأي الأول الذي يراه المالكية والحنابلة أيضاً ، والذي يلزم القاضي بالتحري عن عدالة الشهود، ولو لم يجرحهم الخصوم ووضعوا للتحقيق من عدالة الشهود إجراءات يصعب في هذا الزمان القيام بها ويطول أمد الوقوف على نتيجتها. 

ولذلك رأت اللجنة أن تأخذ برأي أبي حنيفة والظاهرية؛ ليتيسر الفصل في هذه الجنايات دون تعقيد، فاعتبرت العدالة أصلاً في الشاهد، إلا إذا جرحه المشهود عليه بطعن مقبول، فإن المحكمة حينئذ ترد شهادته، ولا تحكم بمقتضاها، وبهذا الرأي أخذت اللجنة العليا في القوانين الأخرى الصادرة منها كالسرقة والحرابة والقذف. 

واتفق الفقهاء على أن القاضي يسأل المقر بالزنا بعد إقراره ، وكذلك الشهود بعد أداء شهاداتهم؛ احتيالا لدرء الحد عن ماهية الزنا - أي: عن ذاته وهو الإيلاج -؛ لأن الشاهد عساه يظن أن مماسة الفرجين حرام، أو أن كل وطء محرم زنا يستوجب الحد فيشهد بالزنا، وكذلك المقر وكل منهما يجهل الحكم الشرعي . 

ويسأل عن كيفية الزنا؛ لجواز کون الزاني مكرهاً فلا يحد.

ويسأل عن مكان وقوعه؛ لجواز أن يكون قد وقع في دار الحرب، فلا يقام عليه الحد.

 ويسأل عن زمان وقوعه؛ لجواز أن يكون ذلك في زمن صباه فلا يحد.

 ويسأل الرجل عن المزني بها، لجواز أن تكون ممن لا يحد بوطئها. 

و تسأل المرأة عمن زنى بها ؛ لجواز أن يكون صبياً أو مجنوناً ، فلا تحد عند الحنفية . (تبيين الحقائق 3/ 165 ، ابن عابدین 3/  147، اللباب في شرح الكتاب ص 294 ، تنویر الأبصار ص 10 ، مغني المحتاج 4 / 149 ، 150 ، الخرشي 8 / 80 ، شرح الدردير 4 / 319 ، المغني 10 / 175 -، 178 ، شرح الأزهار 4/ 337 ، 338). 

وصف جريمة الزنا وإجراءات الدعوي 

مادة (118): إذا رأت النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق توافر أركان الجريمة ودليلها 

الشرعي - أصدر رئيس النيابة أو من يقوم مقامه أمراً بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة. 

الإيضاح

 حرمت الأديان جميعها الزنا، وغلظت عقوبته في الدنيا والآخرة، بل ونهجت كثير من الشرائع الوضعية إلى تحريم هذا الإثم الكبير، أما الإسلام فقد وقف من جريمة الزنا موقفاً حاسماً ، وجعلها من أبشع الجرائم، وأشدها نكراً ، وأكثرها مقتاً عند الله، فعبر عنها بالفاحشة، فقال تعالى: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ)، بل نهى عن الاقتراب منها في قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلً) [الإسراء: 32]. 

من أجل ذلك حرمت الشريعة الإسلامية الزنا، وجعلت العقوبة عليه أقصى العقوبات؛ حتى تكون رادعة عن ارتكاب هذه الجريمة التي تكون أفحش جناية على النسل وضياع الأنساب واختلاطها، ولحوق العار بالمزني بها وبأهلها، بل هي جريمة الجرائم وعنوان الفساد، وسبب لأغلب جرائم القتل والأمراض الخطيرة، وهدم لكيان الأسرة. 

ومن ثم نص في المادة على اعتبار الزنا جناية؛ حتى يعامل المتهم فيها معاملة المتهم في جناية، وحتى يكون في عرضها على المستوى القضائي الذي تتكون منه محاكم الجنايات أمام مستشارين ذوي خبرة في العمل القضائي - أكبر الضمانات لإنزال هذه العقوبة القاسية على من يستحقها، وتمحيصاً للعدالة وكفالة لحق المتهم واطمئناناً للذود عن حق الله الذي هو حق المجتمع. 

ولما كان حد الزنا حقاً خالصاً لله تعالى، مثله مثل حد الشرب أو حد السرقة أو الحرابة، وكان المقصود الأسمى للمشرع هو حماية المجتمع الإسلامي من الجرائم التي تهد كيانه وتقوض أركانه - فإن عبء الادعاء بجناية هذا الحد والأخذ بتلابيب الجاني وتقديمه العدالة القضاء حتى يستوفي منه الحد - يقع على كاهل المسلمين جميعاً ، ولكل منهم أن يباشر هذا الحق حسبة لله تعالى، ويمثلهم في ذلك ولي الأمر. 

وإذا كانت النيابة العامة - وفقاً للنظام القضائي المعمول به حالياً - تتولى عن عامة المسلمين هذا الحق، بحكم وظائف أعضائها المستمدة من سلطة ولي الأمر وسلطتها في مباشرة هذا الحق، ومن ثم فإن الادعاء بجناية الزنا، وما يتبع ذلك من القبض على الجاني وإجراءات التحقيق، وتقديم الجاني إلى القضاء - تتولاه النيابة العامة بواسطة أعضائها؛ ضبطا لهذه الدعوى الحسبية، وتنظيماً لإجراءاتها التي رئي من المصلحة أن يتولاها متخصصون في العمل القضائي في نطاق النظام المرسوم في هذا القانون، وفي قانون الإجراءات الجنائية. 

كما نصت المادة على أن النيابة العامة يجب عليها بعد إتمام تحقیق حادثة الزنا أن تحيل الأوراق إلى محكمة الجنايات مباشرة؛ لتتولى محاكمة الجاني تقصيراً لأمد التقاضي، وحتى يكون في سرعة الفصل في مثل هذه القضايا التي تروع الناس في أعراضهم وأنسابهم، وردعا للمعتدين، وزجراً لأمثالهم تأكيداً لما لهذه الجناية من خطر على المجتمع، وضماناً لأن تأخذ العدالة مجراها للذود عن حق الله ، ويؤاخذ مرتكبو هذه الفاحشة بالجزاء الذي فرضه عليهم، أو ينكشف للعامة طهارة الأعراض مما يكون قد علق بها من إشاعات نتيجة هذا الادعاء، إذا ما ثبتت براءة المتهم. 

وغني عن البيان أن للنيابة أن تأمر باتخاذ كافة الإجراءات الاحتياطية، التي منها القبض على المتهم وحبسه لمصلحة التحقيق وفقاً لأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وإنها كان حبس المتهم في هذه الحالة جوازاً ؛ لأنه قد تستوضح للنيابة من التحقيقات أنه بريء مما نسب إليه، ومثله لا يجوز حبسه اتفاقاً لما فيه من عقوبة على ذنب لم يرتكبه، ومما يجدر ذكره أن نوضح هنا حكم الشريعة الإسلامية في حبس المتهم، فقد ورد أن المتهم في دعوى الجناية والأفعال المحرمة، إما أن يكون بريئاً ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجراً من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حالة ، ولحبس المتهم حتى يفصل في أمره حكمة في الشريعة الإسلامية، وأشار ابن القيم إلى حكم الأصناف الثلاثة السابقة بما موجزه: 

1- إن كان المتهم بريئا لم يجز عقوبته اتفاقا، وحبسه عقوبة له، واختلفوا في عقوبة من اتهمه (المدعي) على قولين، أصحها أنه يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البراءة، وقال مالك وأشهب: لا عقوبة على المدعي إلا أن يقصد أذية المدعى عليه. 

2- وإن كان المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام. والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة أنه يحبسه القاضي والوالي. هكذا نص مالك وأصحابه، وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه، وذكره أصحاب أبي حنيفة، وقال الإمام أحمد: قد حبس النبي صلى الله عليه وسلم في تهمة. قال أحمد: وذلك حتى يتبين للحاكم أمره. وفي جامع الحلال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه حبس في تهمة يوماً وليلة والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك. 

ثم الحاكم يكون مشغولاً عن تعجيل الفصل، وقد يكون عنده حكومات سابقة، فيكون المطلوب محبوساً معوقاً من حين طلب إلى أن يفصل بينه وبين خصمه، وهذا حبس بدون تهمة، ففي التهمة أولى. 

3- وإن كان المتهم معروفاً بالفجور کالسرقة والقتل ونحوهما، فإذا جاز حبس المجهول، فحبس هذا أولى، قال ابن تيمية: وما علمت أحداً من أئمة المسلمين. يقول: إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره. فليس هذا على إطلاقه مذهبا لأحد من الأئمة الأربعة، ولا غيرهم من الأئمة، هذا والحبس الشرعي ليس هو الحبس في مكان ضيق، بل هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، ولو في بيت أو مسجد أو ملازمة خصمه له، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيراً ، روى أبو داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي، فقال لي: «الزمه». ثم قال: «يا أخا بني تميم، ما تريد أن تفعل بأسيرك؟». . 

وكان هذا هو الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر الله عنه، ولم يكن له محبس معد لحبس الخصوم، ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب، ابتاع بمكة داراً من صفوان بن أمية بأربعة آلاف، وجعلها مسجناً يحبس فيها. (الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية ص100 ، وما بعدها، مطبعة المؤيد سنة 1317 هـ). 

وقد رأت اللجنة الأخذ برأي الإمام ابن قيم الجوزية ؛ لقوة حجته وموافقته لزماننا۔ ومن ثم رأت ترك الأمر للنيابة في أمر حبس المتهم بناء على ما يستبين لها من حاله أثناء التحقيق، حتى إذا اتضح لها براءته أطلقت سراحه، وإلا أمرت بحبسه احتياطياً حتى تنتهي التحقيقات، ويعرض بعد ذلك على القضاء الذي له أيضاً هذا الحق، حتى يفصل في أمره نهائياً في نطاق قانون الإجراءات الجنائية، وهو لا يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الصدد. 

مادة (119): الزانية والزاني طبقاً لأحكام هذا القانون، يعاقب كل منهما حداً إن كان غير محصن جلده مائة جلدة. 

فإذا وقع الزنا بغير الرضا أو بالقوة أو التهديد، يعاقب الجاني - فضلاً عن العقوبة الحدية المبينة بالفقرة الأولى - بالعقوبة المقررة في الفقرتين الأولى والثانية من المادة (129) من هذا القانون حسب الأحوال. 

وفي حالة الإحصان تكون العقوبة الحدية الرجم حتى الموت. ويقصد بالإحصان حصول جماع في زواج صحیح قائم وقت ارتكاب الجريمة. 

ويعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون أو 

أي قانون آخر. 

الإيضاح

 بینت هذه المادة عقوبة الزنا الحدية بنوعيها جلداً ورجماً ، والعقوبة تعزيرية على ما قد يصاحب ارتكاب هذه الجريمة من إكراه، وعلى الشروع فيها دون إتمامها. 

وفي هذا المقام يجدر أن نشير هنا - قبل تناول أقوال الفقهاء في هذه العقوبة بالتفصيل - إلى تدرج التشريع الإسلامي في هذا الحد. 

فلقد كان حد الزنا في أول الإسلام ما قصه الله في سورة النساء في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا)، فكانت عقوبة الرجل الزاني التعبير والإيذاء بالقول ، وعقوبة المرأة الزانية الحبس حتى يتوفاها الله. فلما نزلت آية سورة النور بقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) نسخت الحكم الوارد في آيتي سورة النساء. 

أخرج مسلم وأبو داود والترمذي، عن عبادة بن صامت رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه کرب لذلك وتربد وجهه ، فأنزل الله تعالى عليه ذات يوم، فلقي كذلك، فلا سري عنه قال: «خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم». وأخرج أبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال بأن آية النور نسخت ما جاء في آيتي النساء. 

وظاهر قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) أن أولياء الأمر من الحكام مكلفون أن يجلدوا من زنا من ذكر أو أنثى مائة جلدة، سواء المحصن منهم وغير المحصن، لكن السنة القطعية فرقت في الحد بين المحصن وغير المحصن. 

وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم ومن تقدم من السلف، وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن من زنا وهو محصن فإنه يرجم حتى يموت، ويرى بعض المبتدعة من الخوارج أنه لا عقوبة على الزاني، محصناً كان أو غير محصن سوى الجلد؛ لأنها هي العقوبة التي وردت في القرآن الكريم، ويقولون: ما كان القرآن ليهمل الرجم لو أراد الله ذلك. ومن أجل ذلك رأوا أن الرجم غير مشروع، وأنه لا فرق في الحد بالجلد بين المحصن (المتزوج) وغير المحصن، والقائلون بأن الرجم مشروع اختلفوا فيه أهو تمام ما على المحصن من العذاب؟ أم هو والجلد قبله حد المحصن؟ فإلى الأول ذهب جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وإلى الثاني ذهب علي رضى الله عنه وإسحاق وأهل الظاهر، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، فعلى رأي الجمهور يكون المراد بالزاني والزانية في الآية الكريمة البكرين، وتكون الآية مخصوصة بالسنة القطعية أو بالآية المنسوخة التلاوة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما)، وعلى رأي أهل الظاهر تكون الآية باقية على عمومها، ويكون الرجم حكماً زائداً في حق المحصن ثبت بالسنة ، وللتعرف على الرأي الأصح اقتضى الأمر أن تستعرض اللجنة حجج الفريقين، ورد كل منهما على الآخر مما سيأتي بالتفصيل فيما بعد. 

كما أن عموم قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية، يشمل المسلم وغير المسلم، غير أن الحربي لما لم يلتزم أحكامنا ولم تنله يدنا كان خارجاً من هذا الحكم، وبقي العموم فيمن عداه من المسلمين وأهل الذمة، وبهذا قال جمهور الفقهاء، وروي عن مالك رحمه الله أن الذمي لا يجلد إذا زنا، قيل: وهو مبني على أن غير المسلمين ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة. 

وظاهر الآية: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) أيضاً أن الحد بالجلد مائة هو تمام حد البكر، فإن قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) قصد به بيان حكم الزنا، فكان الجلد مائة تمام حكمه؛ لأن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر، فيفهم منه أن حكم الزانية والزاني ليس إلا الجلد، فمن زاد على الجلد تغريب عام عمل بالسنة وجعلها حكماً على ظاهر الكتاب، وقد تمسك أبو حنيفة رضى الله عنه بظاهر الآية، فلم يحمل التغريب من الحد في شيء، إنما هو مفوض إلى رأي الإمام ، وحكمه في ذلك حكم سائر التعزيرات، وذهب الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والحسن بن صالح إلى أن التغريب من تمام الحد، على تفصيل في ذلك يعرف في كتب الفروع. 

وبعد، فقد استبان أن في كل من حدي الزنا للمحصن وغير المحصن أقوالاً هي:

 حد غير المحصن : 

1- يرى الحنفية أن حد الزانية أو الزاني غير المحصنين جلد مائة لا غير، وليس التغريب من الحد في شيء. 

2- ويرى غير الحنفية من الأئمة أن حد كل منهما جلد مائة وتغريب عام.

 حد المحصن: 

1- يرى الخوارج أن حد المحصن ذكرا كان أو أنثى إذا زنی جلد مائة فقط، وأن الرجم غير مشروع. 

2- ويرى أهل الظاهر أن حد المحصن الجلد والرجم، وهو قول إسحاق، وأحمد في إحدى الروايات عنه. 

3- ویری سائر الأئمة أن حده الرجم فقط. 

وفي إيجاز يقتضيه المقام نعرض لكل رأي ودليله، ورد المخالفين له، وبيان ما اختارته اللجنة في هذا المشروع ، وسندها في هذا الاختيار، فنقول وبالله التوفيق : 

(اولاً) حد غير المحصن: 

وقدمنا أن حد غير المحصن إذا زنا عند الإمام أبي حنيفة وأصحابه - جلد مائة فقط، ذكراً كان أو أنثى، ويرون أن التغريب غير واجب في الذكر والأنثى، وحكي ذلك عن القاسمية، وحماد، والهادية إذ لم يذكر في آية النور: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) سوى الجلد فقط، 

                                                                                                              

والتغريب زيادة على النص، ولقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها». ولم يذكر التغريب وحكي عن الخلفاء الأربعة الراشدين، وزيد بن علي، والصادق، وابن أبي ليلى، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والإمام يحيى، وأحد قولي الناصر - أن حد الزاني غير المحصن جلد مائة وتغريب عام ، وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين، واحتجوا بأحاديث كثيرة ذكر بها التغريب، مثل حديث العسيف الذي أقسم فيه عليه الصلاة والسلام أنه يقضي بكتاب الله تعالى، ثم قال: «إن عليه جلد مائة، وتغريب عام». وهو المبين لكتاب الله تعالى، وخطب عمر بذلك على رءوس المنابر، وعمل به الخلفاء، ولم ينكره أحد فكان إجماعاً ، وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه، وحديث عبادة بن الصامت المشهور: «خذوا عني، خذوا عني». الحديث. 

والمعتمد في مذهب الإمام مالك تغريب الرجل دون المرأة؛ لأنها عورة، وهو مروي عن علي رضى الله عنه، وبه قال الأوزاعي، ويرى غيره من الشافعية ومن يؤيدهم أنه لا فرق في التغريب بين الذكر والأنثى، ويغربان عن بلدهما المسافة أقلها يوم وليلة. والحنابلة يرون تغريب الأنثى مع محرم وجوباً - إن تيسر -، فيخرج معها حتى يسكنها، ثم إن شاء رجع إذا أمن عليها، فإن أبى الخروج معها نفيت وحدها (الزيلعي ج3 ص 169، الدر المختار بهامش ابن عابدین 4/ 14، نهاية المحتاج ص 409، المغني ص 166، معين الحكام ص 182 حاشية الدسوقي 4/ 310، 320، المحلى 11/ 221، البحر الزخار 5/ 147، 148، الماوردي ص 212 الإقناع 4/251، 252، شرح الأزهار 4/ 341، 342 الروض النضير 4 / 208 ، 209، الروضة البهية 2/ 357 . 

هذا وقد اختارت اللجنة الأخذ برأي الحنفية ومن شایعهم ، القائلين بأن حد الزاني والزانية غير المحصنين جلد مائة فقط. وهو ما نص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة، وأما التغريب والحبس فأمرهما إلى الحاكم، إن شاء قضى به تعزيراً لا حداً ، وهذا من باب السياسة، وإذا كان ذلك، فيحسن بيان معنى التغريب، والتغريب يصدق بها يطلق عليه اسم الغربة شرعاً بإخراج الزاني من المحل الذي لا يصدق عليه اسم الغربة فيه، قيل: وأقله مسافة قصر. وقيل: هو الحبس سنة والتغريب المذكور في الأحاديث شرعاً هو إخراج الزاني عن موضع إقامته بحيث يعد غريباً ، والمحبوس في وطنه ليس كذلك، وهذا المعنى هو المعروف عند الصحابة الذين هم أعرف بمقصد الشارع. فقد غرب عمر من المدينة إلى الشام، وغرب عثمان إلى مصر، وغرب ابن عمر أمته إلى فدك (نيل الأوطار ج 7، ص 75، 76). 

ورأت اللجنة أن في إباحة التغريب كعقوبة مع عقوبة الجلد حداً للزاني غير المحصن يتيح الفرصة أمام المحكمة لتشديد العقوبة على المستهترین بالأعراض، والمنتهكين للحرمات، المجاهرين بفسقهم، فهؤلاء في حاجة إلى أن تنزل بهم عدا عقوبة الحد عقوبة تعزيرية تردعهم. ورأت اللجنة أن في التغريب - إذا اختارته المحكمة عقوبة له فوق حد الجلد - ما يحقق هدف التشريع الإسلامي من الزجر، وتنقية المجتمع من مثل هذا الشر المستطير. 

ولا ريب أن المحكمة سوف يستبين لها بجلاء أثناء نظر الجناية نوازع الشر كوامن الفساد في نفس الجاني الذي تراه مستأهلاً لإنزال عقوبة التغريب مع حد الجلد، وتفرق بينه وبين مرتكب هذه الفاحشة نتيجة إغراء الشيطان، مما أضله عن سواء السبيل، مع الأخذ في تفسير التغريب بالحبس؛ إذ إن النفي من الأوطان لا يعرف في زماننا، ولا تقره القوانين الدولية حتى يتيسر تنفيذه، على أن يترك للمحكمة أمر التعزير بالحبس عاماً واحداً. وقد جاءت الفقرة الثانية من المادة مسايرة لهذا الرأي، فأضافت إلى العقوبة الحدية عقوبة أخرى تعزيرية، إذا صاحب ارتكاب جريمة الزنا الحدية المعاقب عليها بالجلد استعمال الإكراه، بأن وقعت جريمة الزنا بغير الرضا، أو بالقوة أو التهديد من الجاني للمجني عليه. فإن الجاني حينئذ يكون قد ارتكب فوق الجريمة الحدية - وهي الزنا - جريمة أخرى وهي الإكراه، الذي أعدم إرادة المجني عليه، فهو مستحق إذن للعقوبة التعزيرية التي يراها الحاكم رادعة له وزاجرة لأمثاله شرعاً وقانوناً ، ومن ثم رأت اللجنة تطبيق العقوبة التعزيرية الواردة في هذه المادة. 

فإذا أضيفت عقوبة تعزيرية من التي وضعت بإحدى هاتين الفقرتين إلى عقوبة الزنا الحدية - كانت عقوبة زاجرة رادعة تكفي لردع الجاني الذي طغى في حياته، وارتكب أكثر من جريمة الزنا، حتى يتميز عن غيره ممن لم يرتكب مع جريمة الزنا جناية الإكراه. 

ولقد ورد أن عمر رضى الله عنه زاد في حد الشرب أسواطاً على جماعة شربوا الخمر، وتأولوا شربها فأساءوا التأويل، فجلدهم حد الشرب وزادهم أسواطاً لسوء التأويل؛ حيث ادعوا أن الله تعالى يقول: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) [المائدة: 93]. وظنوا أن ذلك يبيح لهم شرب الخمر، فأفهمهم الصحابة أن الآية تحرمها، والله تعالى يقول: (ذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [المائدة: 93]. 

والواقعات في زيادة عقوبة تعزيرية على العقوبة الحدية إذا رأى الحاكم مصلحة في ذلك - كثيرة. 

کما نصت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه من شرع في جريمة الزنا ولم يرتكبها، يستحق عقوبة تعزيرية على ما يكون قد ارتكب من معصية كونت جريمة أخرى وفقاً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر؛ حتى لا يفلت منتهك الأعراض من نيل جزائه؛ إخلاء للأرض من الفساد، وحماية لأعراض الناس من الانتهاك. 

ثانياً: حد الرجم للمحصن: 

قدمنا أن حد الزنا للمحصن ذكرا كان أو أنثى في رأي سائر الأئمة الرجم حتى الموت، وأن بعض أهل الظاهر وهو قول لإسحاق، وأحمد في إحدى الروايات عنه أنه يجلد مائة جلدة ثم يرجم، وأن بعض الخوارج يرون أن حده الجلد فقط، وأنكروا مشروعية الرجم. ولخطورة هذا الموضوع وما جرى بشأنه من مناقشات وأقوال قديماً وحديثاً ، فإنه يحسن استعراض المذاهب الفقهية، وفيه تفنيدها، وبيان وجه الحق فيها، فنقول وبالله التوفيق :

قلنا: إن أئمة المسلمين والصحابة - رضوان الله عليهم - ومن تقدم من السلف أجمعوا على أن من زنا وهو محصن من ذكر أو أنثى فإنه يرجم حتى الموت، والرجم للزاني المحصن ثابت بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله رواه جمع كبير من الصحابة، منهم أبو بكر، وعمر، وعلي، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم. ومضى عليه الصحابة ومن تقدم من السلف وعلماء الأمة وأئمة المسلمين، ولم يخالف في ذلك سوى طائفة من الخوارج الذين يرون أن حد الزنا الجلد مائة، للمحصن وغير المحصن على السواء. 

وتلك أقوال فقهاء المذاهب وأدلتهم: 

مذهب الحنفية: 

يرى علماء المذهب الحنفي أن الرجم للمحصن الزاني ثابت. وقد ورد ذلك في جميع كتبهم. من ذلك ما ورد في المبسوط للإمام السرخسي المتوفى سنة 483 هـ ج9 ص36 طبعة سنة 1324 هـ، بمطبعة السعادة بالقاهرة، ونصه: (ثم حد الزنا نوعان: رجم في المحصن، وجلد في حق غير المحصن. وقد كان الحكم في الابتداء الحبس في البيوت، والتعبير والأذى باللسان كما قال الله تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) [النساء: 15]. وقال: (فَآذُوهُمَا) [النساء: 16]، ثم انتسخ ذلك بحديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغریب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة». وقد كان هذا قبل نزول سورة النور، بدليل قوله: «خذوا عني». ولو كان بعدها لقال: خذوا عن الله تعالى... ثم انتسخ ذلك بقوله تعالى: (فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور: 2]. واستقر الحكم على الجلد في حق غير المحصن، والرجم في حق المحصن. 

فأما الجلد فهو متفق عليه بين العلماء، وأما الرجم فهو حد مشروع في حق المحصن، ثابت بالسنة إلا على قول الخوارج، فإنهم ينكرون الرجم؛ لأنهم لا يقبلون الأخبار إذا لم تكن في حد التواتر. 

والدليل على أن الرجم حد في حق المحصن أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً بعدما سأل عن إحصانه ورجم الغامدية. وحديث العسيف حيث قال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها». دليل على ذلك، وقال عمر رضى الله عنه على المنبر: وإن ما أنزل في القرآن الكريم: (إن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وسيأتي قوم ينكرون ذلك، ولولا أن الناس يقولون زاد عمر في كتاب الله لكتبتها على حاشية المصحف). انتهى 

وجاء في كتاب ابن عابدين المتوفى سنة 1252 هـ، ج3 ص149 في باب الزنا: 

(ویرجم محصن في فضاء حتى يموت) ومثله في الدر المختار ج4 ص 15 ، ومثله في كتاب اللباب في شرح الكتاب للميداني على كتاب القدوري ص 295، وفي کتاب ملا مسكين شرح کنز الدقائق ص 264 ، وفي کتاب شرح الدر المختار ص 49، وفي كتاب تنویر الأبصار وجامع البحار ص 100 ، وفي كتاب الهداية شرح بداية المبتدئ جزء 2 ص 82 المطبعة الخيرية سنة 1326 هـ - جاء ما يأتي: (وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنا رجم بالحجارة حتى يموت؛ لأنه عليه السلام رجم ماعزاً وقد أحصن، وقال في الحديث المعروف: (وزنا بعد إحصان ). وعلى هذا إجماع الصحابة) انتهى. 

وفي غيرهما من الكتب الحنفية مثل تبيين الحقائق ج3 ص167 ، وجاء في فتح القدير ج 4 ص 121 الطبعة الأولى الأميرية، سنة 1316 هـ : وإذا وجب الحد وكان الزاني محصناً رجمه بالحجارة حتى يموت). وعلق عليه بقوله - عليه إجماع الصحابة ومن تقدم من علماء المسلمين، وإنكار الخوارج للرجم باطل؛ لأنهم أنكروا حجية إجماع الصحابة. 

أما أصل الرجم فلا شك فيه. ولقد كوشف بهم عمر رضى الله عنه وكاشف بهم، حيث قال: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنا، وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف... رواه البخاري. 

وفي الحديث المعروف - أي المشهور - المروي من حديث عثمان، وعائشة، وأبي هريرة، وابن مسعود، ففي الصحيحين عن حديث ابن مسعود: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» انتهى. 

وإذا كان الفقيه الكبير العلامة الحنفي الكمال بن الهمام قد رد حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي وردت به آية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما)؛ لأنه غير مقطوع بثبوت هذه الآية، فقد ذهب إلى القول بالرجم في حق المحصن الزاني؛ أخذاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نسخت الحكم العام الوارد في آية سورة النور: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) هذا هو رأي فقهاء الحنفية في رجم الزاني المحصن ومشروعيته بلا خلاف بينهم في ذلك. 

مذهب الشافعية: 

وكذلك يرى الرجم حداً للمحصن الزاني علاء مذهب الشافعية. من ذلك ما جاء في کتاب شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري شيخ الإسلام في كتاب الزنا قوله: (والحد للمحصن رجلاً كان أو امرأة رجم حتى يموت؛ لأمره به في أخبار مسلم وغيره، نعم الا رجم على الموطوء في دبره بل حده کحد البكر، وإن أحصن). جاء في حاشية الجمل على هذا الشرح ما يأتي: (فائدة: من ألطف ما وقع أن سيدنا عمرو بن ميمون من رواة الحديث رأى في الجاهلية قردة زنت، فاجتمع عليهما القرود ورجموها حتى ماتت (همداني). انتهى حاشية الجمل على شرح المنهج ج 5 ص 131 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1305 هـ). 

وجاء في كتاب (الأم) للإمام الشافعي رحمه الله المتوفى سنة 204 هـ - ج 7 ص 261 طبعة مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1961م - ما يأتي: ( قال الشافعي رحمه الله رجم صلى الله عليه وسلم محصنين يهوديين زنيا، ورجم عمر محصنة، وجلد عليه السلام بكراً وغربه عاماً ، وبذلك أقول: فإذا أصاب الحر أو أصيبت الحرة بعد البلوغ بنكاح صحیح - فقد أحصنا ، فمن زنی منهما فحد الرجم حتى يموت). انتهى. 

وفي كتاب مغني المحتاج ج 4 ص 146 ما يأتي: (وحد الزاني المحصن من رجل أو امرأة الرجم حتى يموت بإجماع وتضافر الأخبار، کرجم ماعز والغامدية). انتهى. وفي کتاب نهاية المحتاج شرح المنهاج للإمام شمس الدين الأنصاري الرملي المتوفى سنة 1004 هـ طبعة الحلبي، سنة 1357 هـ ، ج 7 ص 403 - ما يأتي: وحد المحصن رجلاً أو امرأة الرجم إلى موته بإجماع، ولأنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزاً والغامدية). 

مذهب المالكية: 

كما هو أيضاً رأي علماء مذهب المالكية، إذ يرون الرجم حداً للمحصن الزاني، فقد ورد في الجزء الرابع من حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للعلامة الدردير ص(278) طبعة: المطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1326هـ في باب الزنا ما يأتي: (يرجم المكلف الحر المسلم إن أصاب بعد الأوصاف المذكورة والأولى بعدها بنكاح لازم). 

وجاء بصفحة 297 من هذا الشرح قوله: ( ولا يغني جلد عن رجم). انتهى .

وجاء في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام العلامة ابن رشد جـ 2 ص 360 طبع بمطبعة صبيح - ما يأتي: (والحدود الإسلامية ثلاثة: رجم، وجلد، وتغريب. أما الثيب الأحرار المحصنون فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم، إلا فرقة من أهل الأهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد، وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم، فخصصوا الكتاب بالسنة أعني قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية، واختلفوا في موضعين، أحدهما: هل يجلدون مع الرجم أم لا؟ والموضع الثاني: في شروط الإحصان). ثم أورد في سبيل تحقيق حكم هذين الموضعين أحاديث الرجم كلها (ماعز، والغامدية، واليهوديين، والهمدانية التي جلدها علي رضي الله عنه يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وحدیث عبادة بن الصامت: «خذوا عني». وحديث العسيف والمرأة الأزدية من قبيلة عامر. 

وجاء في حاشية الخرشي المتوفى سنة 1011 هـ على مختصر خليل ج8 ص 81 : (يرجم المكلف الحر المسلم إن أصاب بعدهن بنكاح لازم صحيح. والمعنى أن المكلف الحر المسلم إذا عقد عقداً صحيحاً لازماً ، ووطئ وطأ مباحاً بانتشار من غير مناكرة بين الزوجين، ثم زنی بعد ذلك فإنه يرجم؛ لأنه صار محصناً). 

مذهب الحنابلة: 

وذلك رأي الحنابلة أيضا، فقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة المتوفى سنة 620 هـ ج 8 ص ۱۵۷، ۱۵۸ طبعة: دار المنار سنة 1362 هـ - ما يأتي: ( الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة، أحدها: في وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلاً كان أو امرأة، وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعمار، ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الخوارج، فإنهم قالوا: الجلد للبكر والثيب؛ لقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية. وقالوا: لا يجوز ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار أحاد يجوز الكذب فيها، ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة وهو غير جائز. 

واستطرد ابن قدامة يقول: ( ولنا – أي الحنابلة - إنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنذكره في أثناء الباب في مواضعه إن شاء الله، وقد أنزل الله تعالى في كتابه وإنها نسخ رسمه دون حكمه (ثم روی خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نزول آية ( الشيخ والشيخة). 

وقال ابن قدامة: إن هذا الخبر متفق عليه. ثم قال: ثم لو قلنا: إن الثيب لا يجلد. لكان هذا تخصيصاً للآية العامة، وهذا سائغ بغير خلاف، فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة، وقولهم: إن هذا نسخ ليس بصحيح، وإنما هو تخصيص، ثم لو كان نسخاً لكان نسخاً بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه. وقد روينا أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم، وقالوا: ليس في كتاب الله إلا الجلد. وقالوا: الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة، والصلاة أوكد. فقال لهم عمر: وأنتم لا تأخذون إلا بما جاء في كتاب الله؟ قالوا: نعم. قال: عن عدد الصلوات المفروضات، وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها أين تجدونه في كتاب الله تعالى ؟ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه، ومقاديرها، ونصبها، فقالوا: أنظرنا. فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئاً مما سألهم عنه في القرآن، فقالوا: لم نجده في القرآن. فقال: فكيف ذهبتم إليه؟ فقالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وفعله المسلمون بعده. فقال لهم: فكذلك الرجم وقضاء الصوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم، ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصلاة، وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه). انتهى

 وجاء في كتاب الإقناع للمقدسي المتوفى سنة 968 هـ ج 4، ص 250 ، طبعة: المكتبة التجارية الكبرى - ما يأتي: (إذا زنا محصن وجب رجمه بالحجارة وغيرها حتى يموت، ويتقى الوجه ولا يجلد قبله ولا ينفى). انتهى 

مذهب الظاهرية:

 ويرى الظاهرية هذا الرأي أيضاً ، وهو رجم الزاني المحصن. 

فقد جاء في كتاب المحلى لابن حزم الأندلسي الظاهري المتوفى سنة 456 هـ ج 11 ص 282 ، مطبعة: الإمام بمصر، تحت عنوان (حد الحر والحرة المحصنين) ما يأتي: (مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة: الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان، فإنها يرجمان حتى يموتا. وقالت طائفة: يجلدان مائة، ثم يرجمان حتى يموتا. 

فأما الأزارقة فليسوا من فرق الإسلام، لأنهم هم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإنهم قالوا: لا رجم أصلاً وإنما هو الجلد فقط). انتهى 

وجاء بالصحيفة (271) من المرجع السابق: ( ثم اتفقوا كلهم - يقصد الناس - حاش من لا يعتد به بلا خلاف، وليسوا هم عندنا من المسلمين فقالوا: إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان - الرجم حتى يموتا). اه. 

مذهب الشيعة الإمامية: 

وبرجم الزاني المحصن أيضا قال الشيعة الإمامية . 

وجاء ذلك بكتاب الروضة البهية للشيعة للسعيد زين الدين الجعبي العاملي جـ 2 ص 

349 وما بعدها، ذكر فيه أحكام الزنا، وحد الزاني، ومنه الرجم للمحصن. 

وجاء بكتاب المختصر النافع في فقه الإمامية للإمام المحقق أبي القاسم نجم الدين الحلي المتوفي سنة 676 هـ في باب الزنا ص 215 ، طبعة: وزارة الأوقاف، سنة 1376 هـ - ما يأتي: ( ويجب الرجم على المحصن إذا زنا ببالغة عاقلة، ويجمع للشيخ والشيخة بين الحد والرجم إجماعا، وفي الشباب روایتان أشبهها الجمع). 

مذهب الشيعة الزيدية:

 وهؤلاء يرون كذلك رجم المحصن الزاني. 

جاء في كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للصفاني ج4 ص 199 وما بعدها - سرد فيها تفاصيل حد الزنا، وذكر الرجم حدا للزاني المحصن رجلاً أو امرأة (بعد جلده جلد البكر) حتى يموت. 

کما جاء ذلك بكتاب شرح الأزهار ج4 طبعة سنة 1358 هـ ص 344 - ما يأتي: فمتى كان الزاني جامعاً لشروط الإحصان رجم المكلف بعد الجلد - أي: فحده أن يرجم بعد أن يجلد البكر - حتى الموت، هذا مذهبنا) انتهى. 

وجاء في كتاب نيل الأوطار للإمام العلامة الشوكاني المتوفي سنة 1255 هـ ج 7 ص 76 وما بعدها من كتاب الحدود، طبعة الحلبي سنة 1347 هـ. - ما يأتي: بعد استعراض أحاديث الرجم (أما الرجم فهو مجمع عليه، وحكي في البحر عن الخوارج أنه غير واجب. وكذلك حكاه عنهم أيضاً ابن العربي، وحكاه أيضاً عن بعض المعتزلة كالنظام وأصحابه . ولا سند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن، وهذا باطل؛ فإنه ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها، وأيضاً هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر عند الجماعة أنه قال: كان ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم، ثم تحدث عن موضوع الجمع بين الجلد والرجم... إلى أن قال: وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدد من السنين، لما جمع لتلك المرأة (يريد شراحة) بين الرجم والجلد. جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يخفى على مثله الناسخ، وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر؟!). انتهي. 

مذهب الإباضية:

 هؤلاء يرون كذلك الرجم حا للزاني المحصن. 

وأورد ذلك في كتبهم، من ذلك ما ورد في كتاب (شرح النيل) في باب الزنا بالجزء السابع ص 641 وما بعدها. 

وأورد دليلا على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال». عد منها: «زان محصن فيرجم» . 

وبعد، فهذه أقوال الفقهاء من مختلف المذاهب المعتمدة، الذين يرون أن الحد للزاني المحصن ذكراً أو أنثى هو الرجم، بل منهم من زاد على الرجم الجلد أيضاً . 

وقد اتفقت كلمتهم من لدن عصر النبوة والخلفاء الراشدين ومن بعدهم على هذا الرأي، وجرى تنفيذ هذا الحد على هذا الوجه، طالما كانت حدود الله موضعاً للتنفيذ. 

رأي الخوارج :

أما الذين خالفوا هذا الرأي فهم بعض المبتدعة من الخوارج ممن يعرفون بالأزارقة، وهؤلاء كما قال عنهم الإمام ابن حزم في المحلى: ليسوا من فرق الإسلام؛ لأنهم هم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. 

وهؤلاء يقولون بأن الرجم غير مشروع، وأن عقوبة الزاني محصناً كان أو غير محصن من ذكر أو أنثى هي الجلد مائة جلدة، مستدلين على ذلك بما يأتي: 

أدلة الخوارج على أن الرجم غير مشروع:

 1- أن الآية: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء: 25]. جعل الله فيها حد الإماء نصف حد المحصنات من الجرائم. والرجم لا يتصف فلا يصح أن يكون حداً للمحصنات من الجرائم. 

أطنب الله تعالى في تفصيل أحكام الزنا بما لم يطنب في غيرها، والرجم أقصى العقوبات وأشدها، فلو كان مشروعاً لكان أولى بالذكر. 

2- إن قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) (النور: 2) الآية، يقتضي بعمومه وجوب الجلد لكل الزناة، وإيجابه على بعضهم تخصیص عموم القرآن بخبر الواحد، وهو غير جائز في مذهبهم إلا إذا بلغ الخبر على حد التواتر. 

الرد على أدلة الخوارج :

وأجاب الجمهور عن الأول بأن المراد من المحصنات في قوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء: 25]. الحرائر، وهن نوعان: ثيبات، وأبكار. وحد النوعين على التوزيع الرجم وجلد مائة. 

ولما كان الرجم لا ينتصف كان العذاب مخصوصا بغير الرجم بالدليل العقلي، وكان 

الرجم غير مشروع في حق الأرقاء. 

وعن الثاني: بأن الأحكام كانت تنزل بحسب تجدد المصالح، فلعل المصلحة التي اقتضت الرجم حدثت بعد نزول هذه الآية، وكفى بالسنة بيانا وتفصيلاً . 

وعن الثالث: بأن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد عندنا جائز؛ لأن اللفظ العام في القرآن. وإن كان قطعاً في متنه ظنياً في دلالته فأمكن تخصيصه بالدليل المظنون. وعلى فرض التسليم بأن الخبر الواحد لا يخصص القرآن، فلا نسلم أن الرجم ثبت بطريق الأحاد، بل هو ثابت بالتواتر، رواه أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم والعنف، وجابر، وأبو سعید الخدري، وبريدة الأسلمي، وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة رضوان الله عليهم، فهو على الأقل متواتر المعنى شجاعة على وجود حاتم. والآحاد إنها هي في تفاصيل صوره وخصوصياته، والخوارج كسائر المسلمين يوجبون العمل بالمتواتر معنی کالمتواتر لفظاً ، إلا أن انحرافهم عن الصحابة وتركهم التردد إلى علماء المسلمين والرواة منهم - أوقعهم في جهالات كثيرة. وقدمنا أنهم عابوا على عمر بن عبد العزيز القول بالرجم وقالوا: ليس في کتاب الله. فألزمهم بأعداد الركعات، ومقادير الزكاة، فقالوا: ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم ، وفعل المسلمين. فقال: وهذا أيضا كذلك. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألهم أمر هؤلاء الخوارج في خطبته المشهورة، فقد روي عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر رضي الله عنه يخطب ويقول: (إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان ما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله، ورجمنا بعده، وأخشى إن طال الناس زمن أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى في کتابه؛ فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال أو النساء، إذا قامت البينة أو كان حمل او اعتراف. والله لولا أن يقول الناس: زاد في كتاب الله تعالى. لكتبتها). أخرجه الستة. 

وروى الزهري بإسناده عن ابن عباس أن عمر قال: قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى. وقد قرأنا: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة). فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . 

ثبوت الرجم بالسنة القطعية:

 هذا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية. 

أخرج أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه، قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله ، فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك. قال: فأتاه، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم علي كتاب الله. فأعرض عنه، فعاد حتى قالها أربع مرات، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنك قد قلتها أربع مرات». «فيمن؟ » قال: بفلانة. قال: «هل ضاجعتها؟» قال: نعم. قال: «هل باشرتها؟» قال: نعم. قال: «هل جامعتها؟» قال: نعم. فأمر به يرجم، فأخرج إلى الحرة (مكان بظاهر المدينة فيه حجارة سوداء) فلما وجد مس الحجارة خرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه، فنزع بوظيف (فوق الرسغ إلى الساق من الحيوان) بعير فرماه به فقتله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: «هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه». 

ورواه عبد الرزاق في مصنفه، فقال فيه: (فأمر به أن يرجم فرجم، فلم يقتل حتى رماه عمر بن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله). رواه مسلم بلفظ آخر، وقال إنه متفق عليه. 

وعن عمران بن حصین رضي الله عنه: (أن امرأة من جهينة - هي المعروفة بالغامدية - أتت النبي وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي، الله أصبت حداً فأقمه علي. فدعا نبي الله وليها، فقال: «أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها» ففعل، فأمر بها فشكت (أي شدت عليها ثيابها) ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال عمر: تصلي عليها یا رسول الله وقد زنت؟! فقال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله؟ »). رواه مسلم. 

وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنها أن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله " فقال: يا رسول الله، أنشدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله تعالى؟ فقال الآخر وهو أفقه منه: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي. فقال: قل. قال: إن ابني كان عسیفاً - أجيراً - على هذا فزنا بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد أنيس - تصغير أنس، رجل من الصحابة لا ذكر له إلا في هذا الحديث - إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» متفق عليه، وهذا اللفظ لمسلم. 

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رجم رسول الله لا رجلاً من أسلم - يريد ماعز بن مالك - ورجلاً من اليهود، وامرأة - يريد الجهنية -. رواه مسلم، ونصه اليهوديين في الصحيحين من حديث ابن عمر سبل السلام 4/ 2 وما بعدها، وفي الحديث المعروف - أي المشهور - المروي عن حديث عثمان، وعائشة، وأبي هريرة، وابن مسعود، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

وفي ذلك دليل على الرجم، ثابت بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله بالخبر المتواتر الذي رواه جمع كبير من الصحابة منهم أبو بكر، وعمر، وعلي، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم رضوان الله عليهم، فهو على الأقل كما قدمنا متواتر المعنى، ومثله يخصص عموم القرآن الكريم في قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) وهذا الحكم وإن كان عاماً في المحصن وغير المحصن، فقد خص بالسنة القطعية بالرجم للمحصن، ومضى عليه الصحابة ومن تقدم من السلف، وعلماء الأمة، وأئمة المسلمين (المبسوط 9 / 36 ، 37،الزيلعي 3/ 167 ، نیل الأوطار 7 / 97 – 98 المغني 9 / 3 ، فتح الباري شرح البخاري 15 / 127 ، المحلى 11 / 234 ). 

ولا يضعف من رأي جمهور الفقهاء في القول بالرجم - ما يرد في بعض الأحاديث الواردة فيه من تناقض؛ لأنهم أوضحوا وجه التوفيق بينها بما يرفع هذا اللبس. 

مثال ذلك: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم لماعز دون أن يجلده، وما فعله علي كرم الله وجهه من جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقوله جواباً لمن سأله في بيان السبب: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد قال الفقهاء: لعله جلدها قبل أن يتبين له أنها محصنة، فلما ثبت ذلك رجمها، وكان الجلد وهو ثابت بكتاب الله بقوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) [النور: 2] الآية. قد وقع يوم الخميس، فإن الرجم وهو ثابت من فعل رسول الله ؟ وقوله - قد وقع يوم الجمعة. وهكذا يستبين عدم التناقض بين فعل علي کرم الله وجهه وأحاديث الرجم كعقوبة للزاني المحصن لا جلد معها. أحاديث الرجم صحيحة لا مطعن فيها. 

ويرى الإمام الزيلعي كذلك مثل غيره من فقهاء الحنفية رجم الزاني المحصن. 

وما هو جدير بالذكر أن اللجنة قد اختارت الرجم؛ عملاً بالسنة المطهرة الثابتة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي إن لم تكن متواترة لفظاً فقد تواترت بالمعنى، ومثلها وإن كانت أخبار آحاد يعمل بها عند عامة الفقهاء، بل وعند الخوارج أيضاً . 

فصح أن يقيد بها مطلق ما جاء في الكتاب الكريم في آية سورة النور من عموم جلد الزانية والزاني محصنين أو غير محصنين، وتخصيص الجلد لغير المحصن، وتقرير الرجم للمحصنين الزناة. 

اختارت اللجنة هذا السلوك في الاستدلال، مؤثرة له دون الاعتماد على آية الرجم التي وردت في خطبة عمر بن الخطاب الله عنه، وهي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) تجنباً لكثير من الأقاويل التي أثيرت حولها، واكتفاء بالسنة المتواترة دليلاً صحيحاً مستقيماً على مشروعية الرجم. 

ومما يجدر ذكره أن الكمال بن الهام قد شكك في الخبر المروي عن عمر بن الخطاب والله عنه الذي أورد فيه آية الرجم، لكن الإمام ابن حزم يقول في هذا الصدد ما يأتي: (وقد نزل قرآن بالرجم، لكنه نسخ لفظه وبقي حكمه) المحلى 11/ 234 . بقي أن نقرر أن الكمال بن الهام وإن لم يأخذ بآية الرجم دليلاً على شرعيته إلا أنه ممن يقولون به حداً للمحصن الزاني. 

يقول الألوسي في تفسير القرآن الكريم ج 18 : إن العلامة الكمال بن الهمام قال: الأولى أن يكون النسخ (يقصد نسخ الحكم العام وهو الجلد لكل زان الوارد في سورة النور) بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رجم؛ لأنه غير مقطوع بثبوت آية الشيخ والشيخة لفظاً في القرآن، ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها). انتهى 

هكذا يرى الكمال بن الهمام أن الاستدلال بالسنة أولى من الاستدلال من الآية المنسوخة التلاوة المذكورة. ولعل في تعبيره (بالأولى) دون (الأصح). مشعر بأنه لا يقطع بعدم ثبوت الآية المذكورة. 

وعلى كل فكفى بالسنة مثبتاً ، للأحكام - قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) . 

وقد راعت اللجنة في هذا الصدد العمل برأي الجمهور في مشروعية الرجم كعقوبة مقررة على من زنا وهو محصن (متزوج) من ذكر أو أنثي، وترى الأخذ برأي الحنفية في أن العموم في آية سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية، قد نسخ في حق المحصن قطعاً ، ويكفي في تعيين الناسخ القطع برجم النبي صلى الله عليه وسلم . فيكون من نسخ القرآن بالسنة القطعية، وهذا أولى من ادعاء كون الناسخ (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكیم)؛ لعدم القطع بثبوت كونها قرآناً ، ثم انتساخ تلاوتها وإن ذكرها عمر رضى الله عنه وسكت الناس، فإن كون الإجماع السكوتي حجة مختلف فيه. 

وبتقدير حجيته لا يقطع بأن جميع المجتهدين من الصحابة كانوا إذ ذاك حضوراً ، ثم لا شك أن الطريق في ذلك إلى عمر ظني، ولهذا والله أعلم قال علي كرم الله وجهه فيها ذكرناه عنه أن الرجم سنة سنها رسول الله ، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم ينسب الرجم إلى القرآن المنسوخ التلاوة. (فتح القدير ج 4 ص 125). 

هذا ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير أن المرحوم الشيخ أبو زهرة قد أورد في كتابه العقوبة) ما يؤيد مشروعية الرجم، فقد أورد أدلة الخوارج والرد عليها، ثم قرر أن المعارضين قلة لا يقفون أمام الجمهور الكبير الكثير. ثم قال: (وعلى الذين يعيبون عقوبة الرجم في الفقه الإسلامي أن يعلموا أنها جاءت في التوراة، ونصوصها باقية إلى الآن في أيديهم تقرأ، ولم يكن في الإنجيل ما يعارضها، وكذلك كانت واجبة عليهم بحكم أن ما في العهد القديم - وهو التوراة - حجة على النصارى إذا لم يكن في العهد الجديد (الإنجيل) ما يخالفها، وكون النصارى لا يطبقونها لا يعارض حجيتها ووجوب العمل بها عندهم). ثم أورد نصوص القرآن والتوراة في هذا الصدد ص113 ، 114 كما لا يفوتنا أيضا أن نشير إلى أن ما نسب إلى المرحوم الإمام الشيخ محمود شلتوت شیخ الجامع الأزهر الأسبق، وهو من كبار فقهاء هذا القرن العشرين من القول بالجلد عقوبة للزاني محصناً كان أو غير محصن، وهي دعوى لا أساس لها من الصحة، ويدحضها ما جاء في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) طبعة: الإدارة العامة للثقافة بالأزهر الشريف في أكتوبر سنة 1959 ص 254 ، حيث جاء به ما يأتي: (ثانياً: إن الفقهاء حملوا آية النور على غير المحصن، وبينوا في كتبهم شروط الإحصان ومصادرها، أما المحصن فقد قرروا أن عقوبته الرجم؛ أخذا من عمل الرسول ومن أحاديث وردت في هذا الشأن، وقد أنكر الخوارج الرجم، واحتجوا بوجوه أوردها الفخر الرازي في تفسيره، ولعلهم أنكروا أنه تشریع عام دائم، واعتبروا أن ما حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم كان على سبيل السياسة والتعزير، كما يرى الحنفية في تغريب غير المحصن).  

هذا ما أورده فضيلة الشيخ شلتوت في كتابه، ويستبين من سياق حديثه إنكاره على الخوارج هذا الرأي الذي لم يتبنوا فيه أن فعل الرسول بالرجم كان تشریعاً عاماً دائماً ، ومن ثم فلا حجة لمن ينسب لهذا الإمام الفاضل تأييد مذهب الخوارج في هذا الصدد، وهم الذين أسقطهم رحمه الله من عداد الفقهاء، فكأنه لم يعتد برأيهم حتى يكونوا مخالفين. 

وليس كل خلاف جاء معتبراً الإخلاف له حظ من النظر، وهل يحصى في عداد الرأي من ينكر فعل الرسول صلوات الله وسلامه عليه وصحابته وأئمة المسلمين، وعامتهم في الرجم باعتباره تشريعاً عاماً دائماً ، بل الثابت من الأحاديث أنه حكم الزاني المحصن الوارد في التوراة قبل الإسلام بقرون، وأخيراً لقد صدق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين تنبأ بما سوف تثيره هذه المسألة في المسلمين من فتنة، وأهم خبر المعارضين للرجم فأدى الأمانة، وأخلص الذمة، وتحدث إلى الأجيال؛ ليحفظ للمسلمين أحكام دينهم، وينقل للمستأخرين روائع شريعتهم محفوظة مصونة على أمر الدهور. 

رأي الظاهرية في اجتماع الجلد والرجم للمحصن والرد عليهم: 

وما يراه الظاهرية من اجتماع الجلد والرجم في حد المحصن استدلالاً بعموم آية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) [النور: ۲] مع ما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: «الثيب بالثيب جلد مائة، ورمي بالحجارة» وما رواه البخاري وغيره عن علي رضي الله عنه من قوله حين جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد رد عليهم جمهور الفقهاء الذين يرون أن حد المحصن الزاني الرجم فقط بأن الآية مخصوصة بالسنة المتواترة المعنى كما تقدم، والتي ثبت بها أن حد المحصن الرجم فقط، وأما حديث عبادة الذي رواه أبو داود فهو متروك العمل بما رواه الستة عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنها في حديث العسيف، وقد دل هذا الحديث (حديث العسيف) على أن الرجم هو تمام حد المحصن، ولو وجب الجلد لذكره النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به «أنيساً»، وقد ذكرت قصتا ماعز والغامدية، ورويتا من جهات مختلفة، وليس فيها ذكر الجلد مع الرجم، وتكرر الرجم في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يرو أحد أنه جمع بينهما، فقطعنا بأن حد المحصن لم وأما جلد علي كرم الله وجهه شراحة، ثم رجمه إياها - فهو رأي له لا يقاوم ما ثبت بالقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقاوم إجماع غيره من الصحابة رضوان الله عليهم، ولعل عمله محمول على مثل ما رواه أبو داود عن جابر الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، برجل زنی فجلد الحد، ثم أخبر أنه محصن، فأمر به فرجم. 

وأيضاً فإن المعقول یأبی اجتماع الجلد مع الرجم؛ لأن الجلد حينئذ يعرئ عن المقصود، والذي شرع الحد لأجله وهو الانزجار أو قصده إذا كان القتل لاحقاً له. 

وروي عن ابن مسعود أنه قال: (إذا اجتمع حدان لله تعالى فيهما القتل أحاط القتل بذلك). 

وللشافعية قاعدة في مثل هذا، وهي أن الفعل إذا كان له جهتا عموم وخصوص، وكان لكل من جهتيه حكم - فإنه إذا وجب أعلى الأمرين بجهة خصوصه. لا يوجب أدناهما بجهة عمومه. مثاله زنا المحصن، لما أوجب أعظم الحدين - وهو الرجم - بخصوص کونه زنا محصن لم يوجب أدناهما، وهو الجلد بعموم کونه زنی. 

ومثل خروج المني من القبل لما أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل، بخصوص کونه خروج مني لم يوجب أدناهما وهو الوضوء بعموم کونه خارجاً ، ومن ذلك يستبين قوة حجة رأي الجمهور الذي أخذت به اللجنة، ولم يوجب سوى الرجم حداً للزاني المحصن فقط، دون الأخذ برأي أهل الظاهر الذين يجمعون في حده بين الجلد والرجم؛ لضعف أدلتهم (تفسير آيات الأحكام ). وهذا الرأي هو الذي يتفق وما جاءت به المادة (80). 

وغني عن البيان أن الزوجة التي قذفها زوجها بالزنا، وامتنعت عن ملاعنته بعد أن حلف هو أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين - تحبس حتى تلاعن. 

بند (4): وأشارت الفقرة (4) من المادة إلى بيان معنى الإحصان الذي تتحدد فيه على أساسه عقوبة الزنا، والإحصان في اللغة: المنع. وبه سمي الحصن؛ لأنه يمتنع به، وأحصن الرجل. إذا تزوج، وأحصنت المرأة. عفت، وأحصنها زوجها، فهي محصنة؛ لأن الزواج يمنع الزنا. 

واختلف الفقهاء في تحديد معناه شرعاً ، فذهب الشافعية إلى أنه يرد بمعنى الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والعفة. والتزویج: بمعنى وطء المكلف الحر في نكاح صحيح. وهو المراد هنا (مغني المحتاج 146 / 4 ). والأصح عندهم اشتراط حصول الزنا حال کمال المحكوم عليه بالإحصان من الذكر والأنثى. أي حال حريته وتكليفه - بالبلوغ والعقل - وما يعتبر في إحصان الواطئ يعتبر في إحصان الموطوءة (تحفة المحتاج على شرح المنهاج وحواشيها 9 / 108 / 109 ، حاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 131 ، 132).

 وذهب الحنفية إلى أن إحصان الرجم في الزنا يتحقق بالحرية، والتكليف، والإسلام، والوطء بنكاح صحيح، وكونها محصنين حالة الدخول بالنكاح الصحيح، وكونها محصنين بالصفة المذكورة وقت الوطء، ولا يجب عندهم بقاء النكاح لبقاء الإحصان، فلو نكح في عمره مرة ثم طلق وبقي مجرداً وزنی - رجم (ابن عابدین 3/ 153، 154، تبيين الحقائق 3 / 173 )، وجاء في كتاب اللباب على شرح الكتاب ص (296) العقل والبلوغ شرط الأهلية العقوبة ؛ إذ لا خطاب دونها وما وراءهما شرط تكامل الجنابة بواسطة تكامل النعم؛ إذ كفران النعمة تتغلظ عند تكثرها، وهذه الأشياء من جلائل النعم، وشرع الرجم بالزنا عند استجاعها، فيناط به، وعن أبي يوسف أن الإسلام ليس بشرط. وهو قول الشافعي رحمه الله لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم یهودین زنيا (المبسوط 11 / 29). 

 وذهب المالكية إلى أن المحصن في الزنا هو المكلف البالغ العاقل ) الحر المسلم الذي وطئ قبل الزنا وطئاً مباحاً بنكاح صحيح لا خيار فيه (شرح منهج الجليل على مختصر خليل 496 / 4 ) جاء في الجزء الرابع من حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ص (284)، والحاصل أن شروط الإحصان عشرة، إذا تخلف شرط منها لم يرجم، وهي بلوغ، وعقل، وحرية، وإسلام، وإصابة في نكاح لازم، ووطء مباح بانتشار، وعدم مناكرة (أي بين الزوجين في الوطء بأن يعترفا به لا أن يقر أحدهما وينكر الآخر) الخرشي (8/ 81). 

وذهب الحنابلة إلى أن شروط الإحصان التكليف البلوغ والعقل والحرية، والوطء القبل في نكاح صحيح (المغني، والشرح الكبير ج10 ص 126، 127 وما بعدهما). 

وذهب الشيعة الزيدية إلى أن شروط الإحصان أن ينكح المكلف الحر بعقد صحيح مع جماع، ولو في صغير مثله يطأ مسلمة غير كتابية (لحديث: من أشرك بالله فليس بمحصنه) إلا أن يكونا كافرين، كما في قصة رجم اليهوديين اللذين زنيا (الروض النضير 4/ 222) 

وذهب الشيعة الإمامية إلى أن الإحصان لا يتم إلا بشروط ثمانية: 

1- جماع من المحصن. 

2- في قبل. 

3- في نكاح.

 4 - صحيح. 

5- من بالغ عاقل.

 6- حر. 

7- وأن يكون جماعة واقعاً مع عاقل. 

8- صالح للوطء. 

وقالوا أنه لا فرق في الإحصان بين أن تكون الزوجة في عصمة الزاني وقت الزنا، أو بانت منه قبل ذلك، وقال الصادق: لا بد أن تكون معه حال الزنا (شرح الأزهار 343 / 4 ، 344). ويؤيد هذا الرأي الأستاذ المرحوم الشيخ أبو زهرة، فقد جاء في كتابه العقوبة ص (111) بعد ذكر حكم الثيب الزاني وهو الرجم ما يأتي: (ولكن عند النظر العميق لا نجد نصاً صريحاً يقرر أن المرأة المطلقة تعتبر محصنة، وكذلك الرجل الذي ماتت زوجته أو طلقها يعتبر محصناً ، ثم نقل عبارات الشيخ رشید رضا في المنار: (أن المحصنة بالزواج هي التي لها زوج يحصنها. فإذا فارقها لا تسمى محصنة بالزواج. كما أنها لا تسمى متزوجة كذلك المسافر إذا عاد لا يسمى مسافراً... ولعمري إن البكارة حصن منيع لا تتصدى صاحبته لهدمه بغير حق، وهي على سلامة فطرتها وعدم ممارستها للرجال، وما حقه إلا أن يستبدل به حصن الزوجية، ولكن ما بال الثيب التي فقدت كلا الحصنين تعاقب أشد العقوبتين، إذ حكموا عليها بالرجم؟ هل يعدون الزواج السابق محصناً لها وما هو إلا إزالة لحصن البكارة وتعويد لممارسة الرجال. فالمعقول الموافق للفطرة هو ألا يكون عقاب الثيب التي تأتي الفاحشة عقاب المتزوجة، وكذا دون عقاب البكر. 

ثم يقول الأستاذ أبو زهرة: ونرى من هذا أن هناك حصنين: حصن البكارة التي تحافظ عليه صاحبته، ولكن مع ذلك كانت العقوبة الجلد لغرارتها، ولقوة الطبع الدافع عند الرجل والمرأة على سواء. والحصن الثاني: حصن الزواج، وبه تكاملت النعمة فتضاعف العقاب، والتي فقدت الحصنين فزالت بكارتها بزواج، ثم انقطع تبقى لها قوة الطبع الدافعة، فتكون عقوبتها هي أخف العقوبتين. ولا نص يمنع ذلك؛ لأن العقوبة المشددة لم تثبت أنها تطبق على مثل هذه الحال، ولا حد من غير نص).انتهي. 

وقد رأت اللجنة أن تأخذ بهذا الرأي (رأي الإمام الصادق)، الذي أيده الشيخ رشید رضا، ووافقه فضيلة المرحوم محمد أبو زهرة؛ إذ الأخذ برأي الجمهور تترتب عليه مشقة وحرج خاصة في هذا الزمان المتشبع بالفتن والمفاسد. 

ورأى الظاهرية أن الإحصان يقع على الزواج الذي يكون فيه الوطء، وهذا إجماع لا خلاف فيه (المحلى 11/ 238)، وحكم حد العبد عندهم كحد الحر؛ للإطلاق في آية: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)، ولأن الله لم يخصص إلا في الأمة فقط: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) . المرجع السابق. 

ومن هذا يتبين أن معنى الإحصان المتفق عليه بين جمهور الفقهاء هو التزوج، وأن يكون الزواج صحيحاً ، وأن يحصل فيه وطء الزوج لزوجته ومن البديهي أن يكون التكليف - وهو بالبلوغ والعقل - شرطاً عندهم؛ لأنها مناط خطاب الشرع فهما شرط الأهلية العقوبة كما جاء في مذهب الحنفية، وفيما عدا الحرية التي لم يعد الحديث عنها مجدیاً بعد إلغاء الرق قانوناً على المستوى العالمي، فإن الفقهاء اختلفوا في اشتراط الإسلام لتحقق الإحصان، وهو ما ذهب إليه المالكية وجمهور الحنفية، خلاقاً للشافعية والحنابلة والشيعة والظاهرية، والإمام أبي يوسف من الحنفية، الذين لم يشترطوا الإسلام لتحقق الإحصان. 

ورأت اللجنة الأخذ بالرأي الأخير، وهو عدم اشتراط الإسلام في الإحصان؛ لقوة حجتهم، ولحديث ابن عمر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا. وزاد في بعض الروايات: وقد أحصنا. 

والمعنى فيه أن هذه العقوبة يعتقد غير المسلم حرمة سببها؛ لأن الزنا - كما تقدم - محرم في جميع الأديان، فيقام عليه الحد كما يقام على المسلم، کالجلد، والقطع، والقتل، والقصاص، وأثر ذلك يظهر فيها قيل من أن ما اشترط في الإحصان إنها يشترط لمعنى تغلظ الجريمة، وغلظها باعتبار الدين من حيث اعتقاد الحرمة، فإذا كان هو في دينه معتقداً للحرمة كالمسلم، فقد حصل ما هو المقصود فكان به محصناً، فإن المحصن من يكون في حصن ومنع من الزنا. 

وهو باعتقاده ممنوع من الزنا، وقد أنذر عليه بالعقوبة في دينه فكان محصناً، ثم لا يجوز اشتراط الإسلام لمعنى الفضيلة والكرامة والنعمة، كما لا يشترط سائر الفضائل من العلم والشرف، فإذا كانت تقام هذه العقوبة على المسلم بارتكاب هذه الفاحشة فعلى غير المسلم أولى، وتلك حجة قوية لا تقوى على مناهضتها حجج الآخرين، ومن ثم لم تر اللجنة اشتراط الإسلام لتحقق معنى الإحصان في الزاني لإنزال عقوبة الرجم عليه ذكراً كان أو أنثى، واكتفت باشتراط التكليف في المحصن باعتباره مناط الخطاب؛ إذ لا يخاطب الصبي والمجنون، فاشترط في المحصن أن يكون بالغاً عاقلاً . 

ويتحقق البلوغ شرعاً بظهور العلامات الطبيعية، وهي في الذكر مثل ظهور شعر الشارب واللحية والإبط والإحبال والإنزال والاحتلام، وفي الأنثى بالحيض والاحتلام وظهور الثديين والحبل مثلاً ، فإذا لم تظهر العلامات وأتم كل منها ثمانية عشر عاماً ، فقد بلغا السن، وتجري عليها أحكام البالغين؛ أخذاً برأي عامة الفقهاء في البلوغ بالأمارات، وبمذهب المالكية في البلوغ بالسن، وهو ما ذهبت إليه اللجنة في اعتبار البلوغ في الحدود الأخرى، كما اشترط في الإحصان في الذكر والأنثى الوطء في نكاح صحيح؛ لأن به يعف المحصن، فإذا ما ارتكب بعده جريمة الزنا، استوجب تغليظ العقوبة بالرجم، ولا يكفي العقد ولا الدخول بغير الوطء؛ لعدم تحقق المقصود، وما اشترط لإحصان الذكر فهو شرط لإحصان الأنثى (المراجع السابقة). 

حتمية وثبات حد الزنا: 

(مادة 120): لا يجوز إبدال العقوبة الحدية المبينة في المادة السابقة ولا العفو عنها. 

الإيضاح 

اتفق الفقهاء على أن عقوبة الزاني والزانية حد شرعه الله تعالى وبين مقداره، وقد أمر الله ألا يتعدى أحد حدوده، قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]، ومن ثم فلا يجوز تخفيض هذه العقوبة ولا استبدال غيرها بها، كما لا يجوز لأحد أن يعفو عن عقوبة الحد، فليس للعفو أي أثر على الجرائم التي تجب فيها عقوبات الحدود، وليس للعفو أثر على هذه العقوبات، سواء أكان العفو من المجني عليه أم من ولي الأمر، فالعقوبة في هذه الجرائم لازمة محتمة، ويعبر الفقهاء عنها بأنها حق الله تعالى، ويمتنع العفو فيه أو إسقاطه. وقد ترتب على عدم جواز العفو عن العقوبة أو إسقاطها اعتبار من وجب عليه حد مهلك كالرجم، مهدراً فيها وجب فيه الحد، فإن وجب الحد في نفسه أهدرت نفسه، وإن وجب في طرفه أهدر طرفه. 

ومن المتفق عليه عند مالك وأبي حنيفة وأحمد والراجح في مذهب الشافعي - أنه ليس على قاتل الزاني المحصن قصاص ولا دية؛ لأن الزاني المحصن يصبح بزناه مباح القتل. ولما كانت عقوبة الزنا من الحدود، والحدود لا يجوز تأخيرها ولا العفو فيها - فإن قتل الزاني المحصن يعتبر واجباً لا بد منه؛ إزالة للمنكر، وتنفيذاً لحدود الله. (حاشية الطهطاوي 4 / 260 ، مواهب الجليل 6/ 231 ، 233 ، المغني 43 / 9 ، المهذب 3 / 176 ). 

(مادة 121): إذا سقط الحد لعدم توافر عناصر الجريمة المنصوص عليها في المادة (116) أو لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (117)، أو لرجوع الجاني عن إقراره، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به - يحكم بالجلد تعزيراً من خمسين إلى ثمانین جلدة، بالإضافة إلى العقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر. 

الإيضاح 

التعزير في الشريعة الإسلامية عقوبة على جرائم لم تضع الشريعة؛ لها عقوبات معينة محددة بقصد التأديب والاستصلاح، فهو يتفق مع الحدود من وجه أنه تأديب واستصلاح وزجر، يختلف بحسب اختلاف الذنب، ولكنه يختلف عنها من جهات. 

1- الحدود عقوبات مقدرة، ومر تكبو أسبابها أمام الشرع سواء تنزل بهم عقوبة واحدة إذا ما اتحد سبب حدهم، لا فرق بين شریف ووضيع، ولا أمير ومأمور، فالكل أمام الحد سواء. 

أما التعزير فعقوبته متفاوتة يراعى فيها حجم الجريمة وآثارها، فمن يسرق نصاباً من حرز تكون عقوبته أشد ممن يسرق دون النصاب، ويشدد على معتاد الجريمة بخلاف من يرتكبها لأول مرة، ولا يغفل التعزير حال المجني عليه، ومكانته الاجتماعية والأدبية. 

2- كما أن الحدود لا تجوز فيها الشفاعة بخلاف التعزیرات، فتقبل فيها الشفاعة، ولولي الأمر العفو عن الجاني فيها إذا لم يتعلق بحق الآدمي . 

3- كما أن ما يحدث من التلف للمحدود عند إقامة الحد هدر لا ضمان فيه عند الفقهاء، أما ما يحدث من التلف في التعزير ففيه ضان عند الشافعية (الأحكام السلطانية ص(238)، بدائع الصنائع ج 7 ص 63 ، أسنى المطالب ج ص 161). 

4- والحد لا يتجزأ بحال من الأحوال، والتعزير تتجزأ فيه العقوبة إذا كانت معهودة 

في نوع من الذنوب، كالتعزير بالحبس والضرب معاً ، فيجوز الانتصار على أحدهما. 

5- والحدود يحتاط في إثباتها وتدرأ بالشبهات، بخلاف التعزيرات. 

وقد ترك تحديد العقوبة التعزيرية للقاضي نوعاً وكما؛ ليختار ولاة الأمور من العقوبات ما يتناسب مع كل عصر وبيئة؛ تحقيقاً لمصالح الناس المتغيرة المتبدلة بتغير الأشخاص والأزمان والمجتمعات. 

وحتى يبقى التشريع الإسلامي على الدوام متجدداً ، محتفظاً بكل مقومات البقاء والتفوق والصلاحية. 

ورأت اللجنة أنه ليس من المستساغ أن يترك الجاني الذي يرتكب جريمة الزنا، إذا لم تتوافر أركانها المنصوص عليها في المادة (116) من هذا القانون، لوجود شبهة في المحل مثلاً ، أو عدم توافر شروط الإثبات المنصوص عليها في المادة (117)، كما لو لم يشهد سوى ثلاثة رجال على الزنا، أو رجع المقر بالزنى عن إقراره، لم يكن من المستساغ أن يفلت مثل هؤلاء من العقوبة التعزيرية البدنية إذا اقتنعت المحكمة بارتكاب الجاني جريمة تعزيرية. 

فنصت هذه المادة على أن يعزر الجاني في هذه الحالة بالجلد من خمسين إلى ثمانین جلدة، حسبما يراه القاضي مناسباً لردعه وزاجراً لأمثاله عن اقتراف تلك الجريمة المنكرة. 

ومن المعروف فقها أن أشد أنواع الضرب ضرب التعزير؛ لأن المقصود منه الزجر. 

وأشارت المادة إلى أن هذه العقوبة البدنية لا تسقط عن الجاني العقوبة التعزيرية التي تكون مقدرة لمثل تلك الجريمة في هذا القانون أو أي قانون آخر، وذلك تشديداً في العقوبة التعزيرية، ومنعاً للفساد، و جلبا لمصلحة العباد. F119

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن ، الصفحة / 129

بِغَاءٌ

التَّعْرِيفُ:

الْبِغَاءُ مَصْدَرُ: بَغَتِ الْمَرْأَةُ تَبْغِي بِغَاءً، بِمَعْنَى: فَجَرَتْ، فَهِيَ بَغِيٌّ، وَالْجَمْعُ بَغَايَا، وَهُوَ وَصْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَرْأَةِ، وَلاَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: بَغِيٌّ .

وَيُعَرِّفُ الْفُقَهَاءُ الْبِغَاءَ بِأَنَّهُ: زِنَى الْمَرْأَةِ. أَمَّا الرَّجُلُ فَلاَ يُسَمَّى زِنَاهُ بِغَاءً. وَالْمُرَادُ مِنْ بِغَاءِ الْمَرْأَةِ هُوَ خُرُوجُهَا تَبْحَثُ عَمَّنْ يَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ الْفِعْلَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُكْرَهَةً أَمْ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ  قوله تعالي : ( وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)  وَقَدْ ذَكَرَتْ كُتُبُ التَّفْسِيرِ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآْيَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ جَوَارٍ، وَكَانَ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَقَدْ سُمِّيَ فِعْلُهُنَّ وَهُنَّ مُكْرَهَاتٌ عَلَيْهِ بِغَاءً، فَإِطْلاَقُ هَذَا الاِسْمِ عَلَيْهِ مَعَ رِضَاهُنَّ يَصِحُّ، بَلْ أَوْلَى، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْقَيْدِ الَّذِي فِي الآْيَةِ وَهُوَ  قوله تعالي : ( إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) فَسَتَأْتِي الإْشَارَةُ إِلَيْهِ .

حُكْمُ أَخْذِ الْبَغِيِّ مَهْرًا:

نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»  فَإِنَّ مِنَ الْبَغَايَا مَنْ كُنَّ يَأْخُذْنَ عِوَضًا عَنِ الْبِغَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى مُجَاهِدٌ فِي  قوله تعالي : ( وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) قَالَ: كَانُوا يَأْمُرُونَ وَلاَئِدَهُمْ فَيُبَاغِينَ، فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ فَيُصَبْنَ، فَيَأْتِينَهُمْ بِكَسْبِهِنَّ. وَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ جَارِيَةٌ كَانَتْ تُبَاغِي، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، وَحَلَفَتْ أَلاَّ تَفْعَلَهُ، فَأَكْرَهَهَا، فَانْطَلَقَتْ فَبَاغَتَ بِبُرْدٍ أَخْضَرَ، فَأَتَتْهُمْ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآْيَةَ .

وَالْمُرَادُ بِمَهْرِ الْبَغِيِّ: مَا تُؤْجِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى الزِّنَى، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِهِ. وَتَفْصِيلُ بَقِيَّةِ الأْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبِغَاءِ مَحَلُّهَا مُصْطَلَحُ: (زِنَى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة /  277

الزِّنَى الَّذِي لاَ حَدَّ فِيهِ، وَمُقَدِّمَاتُهُ :

الزِّنَى  إِذَا تَوَافَرَتِ الشَّرَائِطُ الشَّرْعِيَّةُ لِثُبُوتِهِ فَإِنَّ فِيهِ حَدَّ الزِّنَى، أَمَّا  إِذَا لَمْ يُطَبَّقِ الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ لِوُجُودِ شُبْهَةٍ  أَوْ لِعَدَمِ تَوَافُرِ شَرِيطَةٍ مِنَ الشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ لِثُبُوتِ الْحَدِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ جَرِيمَةً شُرِعَ الْحُكْمُ فِيهَا - أَوْ فِي جِنْسِهَا - لَكِنَّهُ لَمْ يُطَبَّقْ. وَكُلُّ جَرِيمَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ قِصَاصَ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:  إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، سَوَاءٌ كَانَتْ شُبْهَةَ فِعْلٍ  أَوْ شُبْهَةَ مِلْكٍ، أَوْ شُبْهَةَ عَقْدٍ، فَإِنَّ الْحَدَّ لاَ يُطَبَّقُ. لَكِنَّ الْجَانِيَ يُعَزَّرُ؛ لأِنَّهُ  ارْتَكَبَ جَرِيمَةً لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ.

وَتُعْرَفُ الشُّبْهَةُ بِأَنَّهَا: مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. أَوْ: هِيَ وُجُودُ الْمُبِيحِ صُورَةً، مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ أَوْ حَقِيقَتِهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (اشْتِبَاهٌ).

وَ إِذَا كَانَتِ الْمَزْنِيُّ بِهَا مَيِّتَةً فَفِي هَذَا الْفِعْلِ التَّعْزِيرُ؛ لأِنَّهُ  لاَ يُعْتَبَرُ زِنًى، إِذْ حَيَاةُ الْمَزْنِيِّ بِهَا شَرِيطَةٌ فِي الْحَدِّ.

وَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ مِنْ رَجُلٍ فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلِ التَّعْزِيرُ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْمُسَاحَقَةُ.

وَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ الْحَدِّ، لَكِنَّ فِيهِ التَّعْزِيرَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ فِي الدُّبُرِ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَالْقَوْلُ بِالْقَتْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ زِنًى، وَفِيهِ الْحَدُّ.

وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ اللِّوَاطَ زِنًى، وَفِيهِ حَدُّ الزِّنَى. وَمِنْ هَؤُلاَءِ: مَالِكٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ لَدَى الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ فِيهِ حَدَّ الزِّنَى: وَ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ فِي زَوْجَةِ الْفَاعِلِ فَلاَ حَدَّ فِيهِ بِالإْجْمَاعِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ.

وَمِمَّا يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ فِي هَذَا الْمَجَالِ كُلُّ مَا دُونَ الْوِقَاعِ مِنْ أَفْعَالٍ، كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالْمُحْصَنُ، وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُ أَيْضًا: إِصَابَةُ كُلِّ مُحَرَّمٍ مِنَ الْمَرْأَةِ غَيْرِ الْجِمَاعِ. وَعِنَاقُ الأْجْنَبِيَّةِ، أَمْ تَقْبِيلُهَا.

وَمِمَّا فِيهِ التَّعْزِيرُ كَذَلِكَ: كَشْفُ الْعَوْرَةِ لآِخَرَ، وَخِدَاعُ النِّسَاءِ، وَالْقَوَادَةُ، وَهِيَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلزِّنَى، وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالِ لِلِّوَاطِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 243

الْجَلْدُ فِي حَدِّ الزِّنَى:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ حَدَّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الزَّانِي الْبِكْرِ - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ - مِائَةُ جَلْدَةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، سَوَاءٌ أَزَنَى - بِبِكْرٍ أَمْ ثَيِّبٍ. لِلآْيَةِ السَّابِقَةِ.

وَحَدَّ غَيْرِ الْحُرِّ: نِصْفُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْصَنًا أَمْ غَيْرَ مُحْصَنٍ. لقوله تعالي ( فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).

وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ: الْحَرَائِرُ، وَحَدُّ الْحُرَّةِ إِمَّا الرَّجْمُ أَوِ الْجَلْدُ، وَالرَّجْمُ لاَ يَتَنَصَّفُ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ حَدَّ غَيْرِ الْحُرَّةِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ الْبِكْرِ: وَهُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَقِيسَ عَلَيْهَا الذَّكَرُ غَيْرُ الْحُرِّ؛ لأِنَّ الأُْنُوثَةَ وَصْفٌ أَلْغَاهُ الشَّارِعُ فِي الْحُدُودِ، وَنَحْوِهَا، فَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالأْنْثَى.

وَاخْتَلَفُوا فِي جَلْدِ الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ - وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ الَّذِي جَامَعَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ فِي حَدِّهِ.

وَقَالُوا: إِنَّ الآْيَةَ ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) عَامَّةٌ؛ لأِنَّ الأْلِفَ وَاللاَّمَ فِيهَا لِلْجِنْسِ، فَتَشْمَلُ الْمُحْصَنَ، وَغَيْرَ الْمُحْصَنِ، إِلاَّ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أَخْرَجَتِ الْمُحْصَنَ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدُّ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي الْبَالِغِ الْحُرِّ الْبِكْرِ: مِائَةُ جَلْدَةٍ.

وَرَجَمَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  الْغَامِدِيَّةَ، وَمَاعِزًا، وَالْيَهُودِيَّيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمْ، وَلَوْ جَلَدَهُمْ مَعَ الرَّجْمِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ حَضَرَ عَذَابَهُمَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا، وَيَبْعُدُ أَلاَّ يَرْوِيَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَ. فَعَدَمُ إِثْبَاتِهِ فِي رِوَايَةٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ مَعَ تَنَوُّعِهَا وَاخْتِلاَفِ أَلْفَاظِهَا: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعِ الْجَلْدُ.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِأَحَادِيثِ الْغَامِدِيَّةِ، وَمَاعِزٍ، وَالْيَهُودِيَّيْنِ.

وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ ثَابِتٌ عَلَى الْبِكْرِ، سَاقِطٌ عَنِ الثَّيِّبِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا الْقَتْلُ، أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ.

- وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَاعِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ تَقُولُ: إِنَّ مَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الأْمْرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لاَ يُوجِبُ أَهْوَنَهُمَا بِعُمُومِهِ. فَزِنَا الْمُحْصَنِ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الأْمْرَيْنِ - وَهُوَ الرَّجْمُ - بِخُصُوصِ كَوْنِهِ «زِنَا مُحْصَنٍ» فَلاَ يُوجِبُ أَهْوَنَهُمَا - وَهُوَ الْجَلْدُ - بِعُمُومِ كَوْنِهِ زِنًى.

وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ، ثُمَّ يُرْجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه  وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِهِ قَالَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : قوله تعالي : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) وَهَذَا عَامٌّ: يَشْمَلُ الْمُحْصَنَ وَغَيْرَ الْمُحْصَنِ، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ، وَالتَّغْرِيبِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ جَلَدْتُهَا  بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم .

وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ». وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّرِيحُ الثَّابِتُ لاَ يُتْرَكُ إِلاَّ بِمِثْلِهِ. وَالأْحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا الرَّجْمُ وَلَمْ يُذْكَرِ الْجَلْدُ، فَلاَ يُعَارَضُ بِهِ الصَّرِيحُ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّغْرِيبَ يَجِبُ لِذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الآْيَةِ؛ وَلأِنَّهُ زَانٍ فَيُجْلَدُ؛ وَلأِنَّهُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ عُقُوبَتَانِ: الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ، فَيُشْرَعُ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ أَيْضًا عُقُوبَتَانِ: الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَيَكُونُ الْجَلْدُ مَكَانَ التَّغْرِيبِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 18

زِنَى

التَّعْرِيفُ:

- الزِّنَى: الْفُجُورُ.

وَهَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: زَنَى زِنَاءً: وَيُقَالُ: زَانَى مُزَانَاةً، وَزِنَاءً بِمَعْنَاهُ.

وَشَرْعًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِتَعْرِيفَيْنِ: أَعَمُّ، وَأَخَصُّ. فَالأْعَمُّ: يَشْمَلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لاَ يُوجِبُهُ، وَهُوَ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.

قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلزِّنَى فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ.

فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَى بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْهُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ. وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ. وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ...» الْحَدِيثُ. وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لاَ يُحَدُّ لِلزِّنَا، وَلاَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لاَ يُحَدُّ بِهِ.

وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الأْخَصُّ لِلزِّنَى: هُوَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ «وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالاً أَوْ مَاضِيًا فِي قُبُلٍ خَالٍ مِنْ مِلْكِهِ وَشُبْهَتِهِ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ تَمْكِينُهَا». وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لاَ مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِلاَ شُبْهَةٍ تَعَمُّدًا.

وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِيلاَجُ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا بِلاَ شُبْهَةٍ.

وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهُ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي دُبُرٍ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْوَطْءُ، وَالْجِمَاعُ:

- أَصْلُ الْوَطْءِ فِي اللُّغَةِ: الدَّوْسُ بِالْقَدَمِ، وَمِنْ مَعَانِيهِ النِّكَاحُ، يُقَالُ: وَطِئَ الْمَرْأَةَ يَطَؤُهَا أَيْ نَكَحَهَا وَجَامَعَهَا. وَمَعْنَاهُ اصْطِلاَحًا: الْجِمَاعُ.

فَكُلٌّ مِنَ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنَ الزِّنَى، إِذْ قَدْ يَكُونُ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيَكُونُ نِكَاحًا حَلاَلاً، وَمَعَ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَكُونُ زِنًى حَرَامًا.

ب - اللِّوَاطُ:

- اللِّوَاطُ لُغَةً: إِتْيَانُ الذُّكُورِ فِي الدُّبُرِ، وَهُوَ عَمَلُ قَوْمِ نَبِيِّ اللَّهِ لُوطٍ عليه السلام. يُقَالُ: لاَطَ الرَّجُلُ لِوَاطًا وَلاَوَطَ، أَيْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ.

وَاصْطِلاَحًا: إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

ج - السِّحَاقُ:

- السِّحَاقُ وَالْمُسَاحَقَةُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: فِعْلُ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ الْمَجْبُوبِ بِالْمَرْأَةِ يُسَمَّى سِحَاقًا.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنَى وَالسِّحَاقِ، أَنَّ السِّحَاقَ لاَ إِيلاَجَ فِيهِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

الزِّنَى حَرَامٌ. وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:  ( وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَوَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). وَقَالَ تَعَالَى:  ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: قوله تعالي : ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى) أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولَ: وَلاَ تَزْنُوا. فَإِنَّ مَعْنَاهُ لاَ تَدْنُوا مِنَ الزِّنَى.

وَرَوَى «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ».

وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ. فَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ. وَلِذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ؛ لأِنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الأْعْرَاضِ وَالأْنْسَابِ. وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ، وَهِيَ حِفْظُ النَّفْسِ وَالدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ.

تَفَاوُتُ إِثْمِ الزِّنَى:

- يَتَفَاوَتُ إِثْمُ الزِّنَى وَيَعْظُمُ جُرْمُهُ بِحَسَبِ مَوَارِدِهِ. فَالزِّنَى بِذَاتِ الْمَحْرَمِ أَوْ بِذَاتِ الزَّوْجِ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ مَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا، إِذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ. فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا وَجُرْمًا مِنَ الزِّنَى بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَالأْجْنَبِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا انْضَمَّ لَهُ سُوءُ الْجِوَارِ. وَإِيذَاءُ الْجَارِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الأْذَى، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ، فَلَوْ كَانَ الْجَارُ أَخًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَقَارِبِهِ انْضَمَّ لَهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَيَتَضَاعَفُ الإْثْمُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». وَلاَ بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى بِامْرَأَةِ الْجَارِ. فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالْعِبَادَةِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْجِهَادِ، تَضَاعَفَ الإْثْمُ حَتَّى إِنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلاَّ وَقَفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنُّكُمْ ؟» أَيْ مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ ؟ قَدْ حَكَمَ فِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا لَهُ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الإْثْمُ أَعْظَمَ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا وَعُقُوبَةً، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ، أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الإْجَابَةِ تَضَاعَفَ الإْثْمُ.

أَرْكَانُ الزِّنَى:

صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رُكْنَ الزِّنَى الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَرُكْنُهُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَمُوَارَاةُ الْحَشَفَةِ؛ لأِنَّ  بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الإْيلاَجُ وَالْوَطْءُ. وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، حَيْثُ إِنَّهُمْ يُعَلِّقُونَ حَدَّ الزِّنَى عَلَى تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ تَغْيِيبٌ انْتَفَى الْحَدُّ. وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ هُوَ الَّذِي يَحْدُثُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْوَاطِئِ - مِلْكِ يَمِينِهِ وَمِلْكِ نِكَاحِهِ - فَكُلُّ وَطْءٍ حَدَثَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَهُوَ زِنًى يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ. أَمَّا إِذَا حَدَثَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْوَاطِئِ فَلاَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ زِنًى وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، حَيْثُ إِنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ. كَوَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ أَوِ النُّفَسَاءَ.

وَيُشْتَرَطُ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَكِبَ الزَّانِي الْفِعْلَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَطَأُ امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ تُمَكِّنَ الزَّانِيَةُ مِنْ نَفْسِهَا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَطَؤُهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا. وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْغَالِطِ وَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي.

حَدُّ الزِّنَى:

- كَانَ الْحَبْسُ وَالإْمْسَاكُ فِي الْبُيُوتِ أَوَّلَ عُقُوبَاتِ الزِّنَى فِي الإْسْلاَمِ لقوله تعالي : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً).

ثُمَّ إِنَّ الإْجْمَاعَ قَدِ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ مَنْسُوخٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الأْذَى هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لاَ ؟ فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ)( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا)كَانَ فِي أَوَّلِ الأْمْرِ فَنَسَخَتْهُمَا الآْيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ. وَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَالأْذَى وَالتَّعْبِيرُ بَاقٍ مَعَ الْجَلْدِ؛ لأِنَّهُمَا لاَ يَتَعَارَضَانِ بَلْ يُحْمَلاَنِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤَدَّبَا بِالتَّوْبِيخِ فَيُقَالُ لَهُمَا: فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا، وَخَالَفْتُمَا أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

وَالنَّاسِخُ هُوَ قوله تعالي : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَاطَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

وَبِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ».

- وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْتِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ. وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالي عنه أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم  بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ. فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الاِعْتِرَافُ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ. لِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه» أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: أَجْلِدُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَرْجُمُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَرِوَايَةُ الرَّجْمِ فَقَطْ هِيَ الْمَذْهَبُ.

- كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً مِائَةُ جَلْدَةٍ إِنْ كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا الْعَبْدُ أَوِ الأْمَةُ فَحَدُّهُمَا خَمْسُونَ جَلْدَةً سَوَاءٌ كَانَا بِكْرَيْنِ أَوْ ثَيِّبَيْنِ لقوله تعالي : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).

وَزَادَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) التَّغْرِيبَ عَامًا لِلْبِكْرِ الْحُرِّ الذَّكَرِ.

وَعَدَّى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ التَّغْرِيبَ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا. كَمَا زَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمُ التَّغْرِيبَ نِصْفَ عَامٍ لِلْعَبْدِ.

وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى تَعْرِيفِ الإْحْصَانِ وَشُرُوطِهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَانٍ 2 / 222).

كَمَا سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى التَّغْرِيبِ وَأَحْكَامِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَغْرِيبٍ 1 - 2).

شُرُوطُ حَدِّ الزِّنَى:

أَوَّلاً: الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا:

أ -إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا:

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الزِّنَى إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي الْفَرَجِ. فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْهَا أَصْلاً أَوْ أَدْخَلَ بَعْضَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لأِنَّهُ لَيْسَ وَطْئًا. وَلاَ يُشْتَرَطُ الإْنْزَالُ وَلاَ الاِنْتِشَارُ عِنْدَ الإْدْخَالِ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لاَ. انْتَشَرَ ذَكَرُهُ أَمْ لاَ.

 

ب- أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُكَلَّفًا:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُكَلَّفًا أَيْ عَاقِلاً بَالِغًا. فَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ لاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا إِذَا زَنَيَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ».

وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّائِمَةِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى حَدِّ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ إِذَا زَنَى.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مَسْأَلَةٌ مَا لَوْ وَطِئَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ - الْمُكَلَّفُ - مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اتِّفَاقًا؛ لأِنَّ  الْوَاطِئَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَدِّ؛ وَلأِنَّ  وُجُودَ الْعُذْرِ مِنْ جَانِبِهَا لاَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ يُوطَأُ مِثْلُهَا لاَ حَدَّ عَلَى وَاطِئَهَا.

ج - أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ شَرْطٌ فِي حَدِّ الزِّنَى. فَإِنْ كَانَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِ الزِّنَى لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإْسْلاَمِ أَوْ بُعْدِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا لَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ دَارِ الإْسْلاَمِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ. وَلِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلاً زَنَى بِالْيَمَنِ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله تعالي عنه إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَى فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ عَذَرَ رَجُلاً زَنَى بِالشَّامِ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الزِّنَى. وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا عَذَرَا جَارِيَةً زَنَتْ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةً وَادَّعَتْ أَنَّهَا لاَ تَعْلَمُ التَّحْرِيمَ. وَلأِنَّ  الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ.

وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ عَابِدِينَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ إِلاَّ مِمَّنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ نَشَأَ وَحْدَهُ فِي شَاهِقٍ، أَوْ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ مِثْلِهِ لاَ يَعْلَمُونَ تَحْرِيمَهُ، أَوْ يَعْتَقِدُونَ إِبَاحَتَهُ، إِذْ لاَ يُنْكَرُ وُجُودُ ذَلِكَ. فَمَنْ زَنَى وَهُوَ كَذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ دَارَنَا لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ، إِذِ التَّكْلِيفُ بِالأْحْكَامِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ مَنِ اشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَقْلِ الإْجْمَاعِ بِخِلاَفِ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمُعْتَقِدِينَ حُرْمَتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا فَإِنَّهُ إِذَا زَنَى يُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ بِالْجَهْلِ.

وَلاَ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِجَهْلِ الْعُقُوبَةِ إِذَا عُلِمَ التَّحْرِيمُ، لِحَدِيثِ «مَاعِزٍ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم  أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ رَجْمِهِ رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّ قَوْمِي قَتَلُونِي غَرُّونِي مِنْ نَفْسِي وَأَخْبَرُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  غَيْرُ قَاتِلِي».

انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ:

مِنَ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِحَدِّ الزِّنَى وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ».

وَقَدْ نَازَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالإْرْسَالِ تَارَةً وَبِالْوَقْفِ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الإْرْسَالَ لاَ يَقْدَحُ، وَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ لأِنَّ  إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِشُبْهَةٍ خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الثُّبُوتِ لاَ يَرْتَفِعُ بِشُبْهَةٍ فَحَيْثُ ذَكَرَهُ صَحَابِيٌّ حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ. وَأَيْضًا فِي إِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الأْمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كِفَايَةٌ. وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ. وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الأْمَّةُ بِالْقَبُولِ. وَفِي تَتَبُّعِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  وَالصَّحَابَةِ مَا يَقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَقَدْ عَلِمْنَا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام  قَالَ لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ». كُلُّ ذَلِكَ يُلَقِّنُهُ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى، وَلَيْسَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ إِلاَّ كَوْنَهُ إِذَا قَالَهَا تُرِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ فَائِدَةَ. وَلَمْ يَقُلْ لِمَنِ اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ، لَعَلَّهُ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَضَاعَتْ، وَنَحْوِهِ.

وَكَذَا قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِشُرَاحَةَ: لَعَلَّهُ وَقَعَ عَلَيْكِ وَأَنْتِ نَائِمَةٌ، لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَكِ، لَعَلَّ مَوْلاَكِ زَوَّجَكِ مِنْهُ وَأَنْتِ تَكْتُمِينَهُ.

فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ كَوْنُ الْحَدِّ يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِلاَ شَكٍّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الاِسْتِفْسَارَاتِ الْمُفِيدَةَ لِقَصْدِ الاِحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ كُلَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ؛ لأِنَّهُ كَانَ بَعْدَ صَرِيحِ الإْقْرَارِ وَبِهِ الثُّبُوتُ. وَهَذَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الآْثَارِ وَمِنْ قَوْلِهِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ». فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْطُوعًا بِثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَكَانَ الشَّكُّ فِيهِ شَكًّا فِي ضَرُورِيٍّ فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَائِلِهِ وَلاَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ أَحْيَانًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الشُّبُهَاتِ أَهِيَ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ بِهَا أَمْ لاَ.

وَعَرَّفَ الْحَنَفِيَّةُ الشُّبْهَةَ بِأَنَّهَا مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ.

وَقَدْ قَسَّمَ كُلٌّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الشُّبْهَةَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ. تَفْصِيلُهَا فِيمَا يَلِي:

أ - أَنْوَاعُ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

الشُّبْهَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ، وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْعَقْدِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى النَّوْعَيْنِ الأْوَّلَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّالِثِ.

الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ:

- وَتُسَمَّى أَيْضًا: شُبْهَةُ الْمُشَابَهَةِ، وَشُبْهَةُ الاِشْتِبَاهِ.

وَهِيَ: أَنْ يُظَنَّ غَيْرُ الدَّلِيلِ دَلِيلاً. فَتَتَحَقَّقَ فِي حَقِّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَيْ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ، وَلاَ دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ بَلْ ظَنُّ غَيْرِ الدَّلِيلِ دَلِيلاً، فَلاَ بُدَّ مِنَ الظَّنِّ، وَإِلاَّ فَلاَ شُبْهَةَ أَصْلاً، لِفَرْضِ أَنْ لاَ دَلِيلَ أَصْلاً لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الأْمْرِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ أَصْلاً، وَلَيْسَتْ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: إِنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ.

ثُمَّ إِنَّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ تَكُونُ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ: ثَلاَثَةٍ مِنْهَا فِي الزَّوْجَاتِ، وَخَمْسَةٍ فِي الْجَوَارِي.

فَمَوَاضِعُ الزَّوْجَاتِ: مَا لَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الْبَائِنَ فِي الطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، أَوِ الْمُخْتَلِعَةَ.

وَمَوَاضِعُ الْجَوَارِي: هِيَ وَطْءُ جَارِيَةِ الأْبِ أَوِ الأْمِّ أَوِ الْجَدِّ أَوِ الْجَدَّةِ وَإِنْ عَلَوْا، وَوَطْءُ جَارِيَةِ الزَّوْجَةِ، وَوَطْءُ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ فِي الاِسْتِبْرَاءِ، وَالْعَبْدُ يَطَأُ جَارِيَةَ مَوْلاَهُ، وَالْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَهُ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ.

فَالْوَاطِئُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ إِذَا ظَنَّ الْحِلَّ يُعْذَرُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الْوَطْءَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الاِشْتِبَاهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى دَعْوَاهُ وَيُحَدُّ. وَلاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَإِنِ ادَّعَاهُ؛ لأِنَّ  الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًى لِفَرْضِ أَنْ لاَ شُبْهَةَ مِلْكٍ هُنَا، إِلاَّ أَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ لِظَنِّهِ الْمَحَلَّ، فَضْلاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إِلَى الْوَاطِئِ لاَ إِلَى الْمَحَلِّ، فَكَأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ، فَلاَ يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ، وَكَذَا لاَ تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ؛ لأِنَّهُ لاَ عِدَّةَ مِنَ الزَّانِي.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا؛ لأِنَّهُ وَطْءٌ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ، فَيَكْفِي ذَلِكَ لإِثْبَاتِ النَّسَبِ. وَأُلْحِقَتْ بِهَا الْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ، وَالْمُخْتَلِعَةُ.

وَثُبُوتُ النَّسَبِ هُنَا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ السَّابِقِ عَلَى الطَّلاَقِ. وَلِذَا ذَكَرُوا أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إِلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلاَ يَثْبُتُ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ. وَيَجِبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ: وَتُسَمَّى أَيْضًا الشُّبْهَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ:

وَتَنْشَأُ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحَلِّ، فَتُصْبِحُ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ فِيهَا شُبْهَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً، نَظَرًا إِلَى دَلِيلِ الْحِلِّ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «أَنْتَ وَمَالُكَ لأِبِيكَ». فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ لأِجْلِ شُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحَلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ؛ لأِنَّ  الشُّبْهَةَ إِذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَى فَامْتَنَعَ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إِثْبَاتِهِ لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.

وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ تَكُونُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الزَّوْجَاتِ، وَالْبَاقِي فِي الْجَوَارِي.

فَمَوْضِعُ الزَّوْجَاتِ: وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ بِالطَّلاَقِ الْبَائِنِ بِالْكِنَايَاتِ، فَلاَ يُحَدُّ، لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي كَوْنِهَا رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً.

وَمَوَاضِعُ الْجَوَارِي: هِيَ وَطْءُ الأْبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَوَطْءُ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي، وَوَطْءُ الزَّوْجِ الْجَارِيَةَ الْمَجْعُولَةَ مَهْرًا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِلزَّوْجَةِ حَيْثُ إِنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْمُشْتَرِي وَالزَّوْجَةِ، وَوَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ، وَوَطْءُ الْمُرْتَهِنِ لِلْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ. وَزَادَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَوَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ، وَوَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ، وَوَطْءَ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. وَكَذَا وَطْءُ جَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الاِسْتِبْرَاءِ، وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ بِرِدَّتِهَا، أَوْ بِمُطَاوَعَتِهَا لاِبْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  بَعْضَ الأْئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ، فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يَدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدِّ. قَالَ: وَالاِسْتِقْرَاءُ يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَالاِقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ. فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ؛ لأِنَّ  الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ، وَهِيَ هَاهُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا. وَيَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ إِذَا ادَّعَى الْوَلَدَ.

- شُبْهَةُ الْعَقْدِ:

- قَالَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ.

وَهِيَ عِنْدَهُ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ النَّسَبِيَّةِ، أَوْ بِالرَّضَاعِ، أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِهِمَا، فَإِذَا وَطِئَ الشَّخْصُ إِحْدَى مَحَارِمِهِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لاَ حَدًّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ تَعْزِيرَ. فَوُجُودُ الْعَقْدِ يَنْفِي الْحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَلاَلاً كَانَ الْعَقْدُ أَوْ حَرَامًا، مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، عَلِمَ الْوَاطِئُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ بِأَنَّ الأْنْثَى مِنْ أَوْلاَدِ آدَمَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْعَقْدِ؛ لأِنَّ  مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ قَابِلاً لِمَقْصُودِهِ الأْصْلِيِّ، وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ أَوْلاَدِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ. وَإِذَا كَانَتْ قَابِلَةً لِمَقْصُودِهِ كَانَتْ قَابِلَةً لِحُكْمِهِ، إِذِ الْحُكْمُ يَثْبُتُ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَقْصُودِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الأْحْكَامِ، إِلاَّ أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إِفَادَةِ الْحِلِّ حَقِيقَةً لِمَكَانِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِنَّ بِالنَّصِّ فَيُورِثُ شُبْهَةً، إِذِ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لاَ الْحَقِيقَةَ نَفْسَهَا.

وَالأْنْثَى مِنْ أَوْلاَدِ آدَمَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لاَ يُنَافِي الشُّبْهَةَ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَالنِّكَاحُ فِي إِفَادَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، لأِنَّهُ شَرَعَ لَهُ بِخِلاَفِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَكَانَ أَوْلَى فِي إِفَادَةِ الشُّبْهَةِ؛ لأِنَّ  الشُّبْهَةَ تُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ فَمَا كَانَ أَقْوَى فِي إِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ كَانَ أَقْوَى فِي إِثْبَاتِ الشُّبْهَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّا لِذَلِكَ بِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إِلَيْهِنَّ كَإِضَافَتِهِ إِلَى الذُّكُورِ، لِكَوْنِهِ صَادَفَ غَيْرَ الْمَحَلِّ فَيَلْغُو؛ لأِنَّ  مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحِلُّ هُنَا، وَهِيَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَكُونُ وَطْؤُهَا زِنًى حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ فِيهَا. وَإِلَيْهِ الإْشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:  ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَآبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) إِلَى قَوْلِهِ:  ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) وَالْفَاحِشَةُ هِيَ الزِّنَى لقوله تعالي : ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) وَمُجَرَّدُ إِضَافَةِ الْعَقْدِ إِلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ لاَ عِبْرَةَ فِيهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْوَارِدَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لاَ يُفِيدَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُعْذَرُ بِالاِشْتِبَاهِ.

وَمَحَلُّ الْخِلاَفِ بَيْنَهُمْ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، كَالنِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ وَبِلاَ شُهُودٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُلِّ. فَالشُّبْهَةُ إِنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

ب - أَنْوَاعُ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

قَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ الشُّبْهَةَ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٍ فِي الْوَاطِئِ، وَشُبْهَةٍ فِي الْمَوْطُوءَةِ، وَشُبْهَةٍ فِي الطَّرِيقِ.

فَالشُّبْهَةُ فِي الْوَاطِئِ: كَاعْتِقَادِ أَنَّ هَذِهِ الأْجْنَبِيَّةَ امْرَأَتُهُ، فَالاِعْتِقَادُ الَّذِي هُوَ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُعْتَقِدٌ الإْبَاحَةَ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي اعْتِقَادِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ، فَحَصَلَ الاِشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ.

وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَوْطُوءَةِ: كَالأْمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إِذَا وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ. فَمَا فِيهَا مِنْ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، وَمَا فِيهَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ، فَحَصَلَ الاِشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. وَالشُّبْهَةُ فِي الطَّرِيقِ: كَاخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي إِبَاحَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنَحْوِهِ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُحَرِّمِ يَقْتَضِي الْحَدَّ، وَقَوْلَ الْمُبِيحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، فَحَصَلَ الاِشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ.

فَهَذِهِ الثَّلاَثُ هِيَ ضَابِطُ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُمْ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ. غَيْرَ أَنَّ لَهَا شَرْطًا وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُقْدِمِ عَلَى الْفِعْلِ مُقَارَنَةَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حُصُولِ السَّبَبِ كَأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ.

وَضَابِطُ الشُّبْهَةِ الَّتِي لاَ تُعْتَبَرُ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ تَتَحَقَّقُ بِأَمْرَيْنِ: إِمَّا بِالْخُرُوجِ عَنِ الشُّبُهَاتِ الثَّلاَثِ الْمَذْكُورَةِ كَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ مَبْتُوتَةً ثَلاَثًا قَبْلَ زَوْجٍ، أَوْ أُخْتَهُ مِنَ الرَّضَاعِ أَوِ النَّسَبِ أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّ الْحَدَّ لاَ يَسْقُطُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِ مُقَارَنَةِ الْعِلْمِ لِسَبَبِهِ.

ج - أَنْوَاعُ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

الشُّبْهَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: شُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةٍ فِي الْفَاعِلِ، وَشُبْهَةٍ فِي الْجِهَةِ.

فَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ، كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَأَمَتِهِ قَبْلَ الاِسْتِبْرَاءِ، وَجَارِيَةِ وَلَدِهِ. فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا، أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ، فَلاَ حَدَّ بِوَطْئِهَا فِي الأْظْهَرِ؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَأُخْتِهِ. أَمَّا مَنْ لاَ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَالأْمِّ وَالْجَدَّةِ فَهُوَ زَانٍ قَطْعًا.

وَكَذَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوِ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوِ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أَمَةُ ذِمِّيٍّ فَوَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ.

وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفَاعِلِ، فَمِثْلُ أَنْ يَجِدَ امْرَأَةً فِي فِرَاشِهِ فَيَطَؤُهَا ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ ظَنَّهَا جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَكَانَتْ غَيْرَهَا فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لأِنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ عَلَيْهِ الاِمْتِنَاعُ. وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنَ احْتِمَالَيْنِ. وَجَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِسُقُوطِهِ. وَيَدْخُلُ فِي شُبْهَةِ الْفَاعِلِ الْمُكْرَهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْجِهَةِ: فَهِيَ كُلُّ طَرِيقٍ صَحَّحَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَ الْوَطْءَ بِهَا فَلاَ حَدَّ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ. فَلاَ حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَبِلاَ شُهُودٍ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ. وَلاَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِشُبْهَةِ الْخِلاَفِ.

ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ الْخِلاَفِ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ أَنْ لاَ يُقَارِنَهُ حُكْمٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَإِنْ قَارَنَهُ حُكْمٌ قَاضٍ بِبُطْلاَنِهِ حُدَّ قَطْعًا، أَوْ حُكْمٌ قَاضٍ بِصِحَّتِهِ لَمْ يُحَدَّ قَطْعًا.

وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الضَّابِطَ فِي الشُّبْهَةِ قُوَّةُ الْمُدْرِكِ لاَ عَيْنُ الْخِلاَفِ. فَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ حُدَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِلُّ ذَلِكَ.

وَصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ مِنْ عَالِمٍ يُعْتَدُّ بِخِلاَفِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْهُ الْفَاعِلُ.

د - الشُّبْهَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

- لَمْ يُقَسِّمِ الْحَنَابِلَةُ الشُّبْهَةَ إِلَى أَنْوَاعٍ كَالْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً فَقَالُوا: لاَ حَدَّ عَلَى الأْبِ إِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا الاِبْنُ أَوْ لاَ؛ لأِنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لأِبِيكَ». وَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فِيهَا شِرْكٌ؛ لِلْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَلاَ حَدَّ إِنْ وَطِئَ أَمَةً كُلَّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ بَعْضَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ، لأِنَّ  لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلاَ حَدَّ إِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرٍ؛ لأِنَّ  الْوَطْءَ قَدْ صَادَفَ مِلْكًا، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُقَلْ لَهُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. وَلَوْ دَعَا ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ دَعَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَدْعُوَّةُ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لأِنَّهُ لاَ يُعْذَرُ بِهَذَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلاً يَظُنُّهُ ابْنَهُ فَبَانَ أَجْنَبِيًّا. وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ أَوِ الْوَثَنِيَّةَ أَوِ الْمُرْتَدَّةَ أَوِ الْمُعْتَدَّةَ، أَوِ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا فَلاَ حَدَّ، لأِنَّ هَا مِلْكُهُ. وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالنِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ، أَوْ بِلاَ شُهُودٍ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَنِكَاحِ الأْخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَنَحْوِهَا، وَنِكَاحِ الْبَائِنِ مِنْهُ، وَنِكَاحِ خَامِسَةٍ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ لَمْ تَبِنْ، وَنِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ قَبْلَ الإْجَازَةِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ أَمْ لاَ.

هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ، أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ إِذَا اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ.

وَإِنْ جَهِلَ نِكَاحًا بَاطِلاً إِجْمَاعًا كَخَامِسَةٍ فَلاَ حَدَّ لِلْعُذْرِ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا. أَمَّا إِذَا عَلِمَ بِبُطْلاَنِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَلاَ حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوِ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ لِلشُّبْهَةِ؛ لأِنَّ  الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الأْمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَمِنْهُ الْوَطْءُ، أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ وَيَعْلَمُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ.

- مِنْ شُرُوطِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُخْتَارًا:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :  «تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ». وَلأِنَّ  هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا.

وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. 

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَى. فَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِشُبْهَةِ الإْكْرَاهِ.

وَذَهَبَ الأْكْثَرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْوَطْءَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالاِنْتِشَارِ الْحَادِثِ بِالاِخْتِيَارِ.

وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ إِكْرَاهِ السُّلْطَانِ وَإِكْرَاهِ غَيْرِهِ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فِي إِكْرَاهِ السُّلْطَانِ؛ لأِنَّ  سَبَبَهُ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرًا، وَالاِنْتِشَارُ دَلِيلٌ مُتَرَدِّدٌ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لأِنَّ  الاِنْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا لاَ طَوْعًا، كَمَا فِي النَّائِمِ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ، لأِنَّ  الإْكْرَاهَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ لاَ يَدُومُ إِلاَّ نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الاِسْتِعَانَةِ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ بِالسِّلاَحِ. وَالنَّادِرُ لاَ حُكْمَ لَهُ فَلاَ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، بِخِلاَفِ السُّلْطَانِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الاِسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ وَلاَ الْخُرُوجُ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا.

وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ. قَالَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ: وَهَذَا اخْتِلاَفُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَفِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لاَ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالسُّلْطَانِ، وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتِ الْقُوَّةُ لِكُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا.

ثَانِيًا: الشُّرُوطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا:

أ - اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ حَيَّةً:

- اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ حَيَّةً، فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ؛ لأِنَّ  الْحَدَّ إِنَّمَا وَجَبَ لِلزَّجْرِ، وَهَذَا مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ بِحَدٍّ لِزَجْرِ الطَّبْعِ عَنْهُ. وَفِيهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَهُمْ.

وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِالْفَرْجِ الْمُشْتَهَى طَبْعًا، وَهُوَ فَرْجُ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فَيَجِبُ عِنْدَهُمُ الْحَدُّ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي قُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَ فَلاَ يُحَدُّ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمَيْتَةِ. وَاسْتَثْنَوْا كَذَلِكَ الْمَرْأَةَ إِذَا أَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيْتٍ غَيْرَ زَوْجٍ فِي فَرْجِهَا فَلاَ تُحَدُّ لِعَدَمِ اللَّذَّةِ.

ب -كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ امْرَأَةً:

- اشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ امْرَأَةً. فَلاَ حَدَّ عِنْدَهُ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَوِ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الإْمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مِحْصَنٍ سِيَاسَةً. أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًى وَلاَ فِي مَعْنَاهُ فَلاَ يَثْبُتُ فِيهِ حَدٌّ.

وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هَذَا الشَّرْطَ، فَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ جَلْدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ، وَرَجْمًا إِنْ أُحْصِنَ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمَا يُرْجَمَانِ حَدًّا أُحْصِنَا أَمْ لاَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْفَاعِلِ. أَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لأِنَّ  الْمَحَلَّ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِحْصَانٌ.

وَطْءُ الْبَهِيمَةِ:

ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ أَتَى بَهِيمَةً لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَقُولُهُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلأِنَّ  الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى زَجْرٍ بِحَدٍّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ: إِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: بِأَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.

وَمِثْلُ وَطْءِ الْبَهِيمَةِ مَا لَوْ مَكَّنَتِ امْرَأَةٌ حَيَوَانًا مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى وَطِئَهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا بَلْ تُعَزَّرُ.

وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) أَنَّهُ لاَ تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ، وَإِذَا قُتِلَتْ فَإِنَّهَا يَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمَنَعَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَكْلَهَا. وَقَالاَ: تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ. وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُقْتَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ. وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ». وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهَا تُذْبَحُ إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، وَصَرَّحُوا بِحُرْمَةِ أَكْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ.

ج - كَوْنُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، لأِنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ كَالْقُبُلِ.

وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ الْحَدَّ بِالْفَاعِلِ فَقَطْ. أَمَّا الْمَفْعُولُ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْلَدُ وَتُغَرَّبُ، مُحْصَنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ؛ لأِنَّ  الْمَحَلَّ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِحْصَانٌ.

وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الأْجْنَبِيَّةِ. أَمَّا إِتْيَانُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَلاَ حَدَّ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ لاِرْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً. وَقَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ التَّعْزِيرَ عَلَى مَا إِذَا تَكَرَّرَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلاَ تَعْزِيرَ فِيهِ.

د -كَوْنُ الْوَطْءِ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ:

اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الزِّنَى فِي دَارِ الإْسْلاَمِ. فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ وَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ».

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ.

وَلأِنَّ  الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ، وَلاَ قُدْرَةَ لِلإْمَامِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلاَ وُجُوبَ وَإِلاَّ عَرَى عَنِ الْفَائِدَةِ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْهُ الاِسْتِيفَاءُ لِيَحْصُلَ الزَّجْرُ، وَالْفَرْضُ أَنْ لاَ قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلإْيجَابِ حَالَ وُجُودِهِ لَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا لَهُ حَالَ عَدَمِهِ.

وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا زَنَى فِي عَسْكَرٍ لأِمِيرِهِ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحَدِّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَى؛ لأِنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَالْقُدْرَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ خَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى ثُمَّ عَادَ إِلَى الْعَسْكَرِ فَإِنَّهُ لاَ يُقِيمُهُ، وَكَذَا لَوْ زَنَى فِي الْعَسْكَرِ وَالْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيَّامِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَهَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِمَا إِذَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، بِخِلاَفِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَوِ السَّرِيَّةِ لأِنَّهُ إِنَّمَا فَوَّضَ لَهُمَا تَدْبِيرَ الْحَرْبِ لاَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلإْمَامِ، وَوِلاَيَةُ الإْمَامِ مُنْقَطِعَةٌ ثَمَّةَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً مِنْ نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْتِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ، لِمَا رَوَى جُنَادَةُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي الْبَحْرِ، فَأُتِيَ بِسَارِقٍ يُقَالُ لَهُ: مَصْدَرٌ، قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: «لاَ تُقْطَعُ الأْيْدِي فِي السَّفَرِ» وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَقَطَعْتُهُ.

وَنَقَلُوا إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى رَجَعَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعُمُومِ الآْيَاتِ وَالأْخْبَارِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ، وَقَدْ زَالَ.

وَإِذَا أَتَى حَدًّا فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأِنَّ هَا مِنْ بِلاَدِ الإْسْلاَمِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إِلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ.

هـ -  أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُسْلِمًا:

- اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُسْلِمًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَافِرِ إِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ طَائِعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَيُرَدُّ إِلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَتُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ. وَإِنِ اسْتَكْرَهَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ عَلَى الزِّنَى قُتِلَ.

 وَقَدْ وَافَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأْخْرَى مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَقَطْ.

وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي الْمَذَاهِبِ نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي: فَفِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، وَيُحَدُّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: يُحَدُّ الْجَمِيعُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.

فَإِذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْلِمَةِ أَوِ الذِّمِّيَّةِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلاَ حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ لأِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ، وَإِنْ زَنَى الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيَّةِ الْمُسْتَأْمَنَةِ حُدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدَّانِ جَمِيعًا.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا بِالأْحْكَامِ، وَيُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لاِلْتِزَامِهِ بِالأْحْكَامِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  رَجَمَ رَجُلاً وَامْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ زَنَيَا». وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْيَوْمَ لاَ يُحَدُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْمُسْتَأْمَنِ، لأِنَّهُمْ لاَ يُجَدَّدُ لَهُمْ عَهْدٌ، بَلْ يَجْرُونَ عَلَى ذِمَّةِ آبَائِهِمْ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَى، «لأِنَّ  الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَرُجِمَا» وَيَلْزَمُ الإْمَامَ إِقَامَةُ الْحَدِّ فِي زِنَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ؛ لاِلْتِزَامِهِمْ حُكْمَنَا. وَلاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى مُسْتَأْمَنٍ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ حُكْمَنَا.

وَلأِنَّ  زِنَى الْمُسْتَأْمَنِ يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَلاَ يَجِبُ مَعَ الْقَتْلِ حَدٌّ سِوَاهُ. وَهَذَا إِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ. أَمَّا إِذَا زَنَى الْمُسْتَأْمَنُ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ نَاطِقًا:

اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ نَاطِقًا. فَلاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عِنْدَهُمْ عَلَى الأْخْرَسِ مُطْلَقًا، حَتَّى وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَوْ إِشَارَةٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالزِّنَى لاَ تُقْبَلُ لِلشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هَذَا الشَّرْطَ فَيَجِبُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الأْخْرَسِ إِذَا زَنَى.

ثُبُوتُ الزِّنَى:

يَثْبُتُ الزِّنَى بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: بِالشَّهَادَةِ، وَالإْقْرَارِ، وَالْقَرَائِنِ.

أ - الشَّهَادَةُ:

- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:  ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) وقوله تعالي : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْيَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) وقوله تعالي : ( لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْيَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ».

وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّهُودِ عَلَى الزِّنَى بِالإِْضَافَةِ إِلَى الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ لِلشَّهَادَةِ (الْمَذْكُورَةِ فِي مُصْطَلَحِ شَهَادَةٍ) أَنْ تَتَوَافَرَ فِيهِمْ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ الزِّنَى، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: الذُّكُورَةُ:

31 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي شُهُودِ الزِّنَى، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونُوا رِجَالاً كُلَّهُمْ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ.

وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الزِّنَى بِحَالٍ؛ لأِنَّ  لَفْظَ الأْرْبَعَةِ اسْمٌ لِعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ بِأَرْبَعَةٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الأْرْبَعَةَ إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً لاَ يُكْتَفَى بِهِمْ، وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ خَمْسَةٌ، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ:  ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى)وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزِّنَى لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ؛ وَلأِنَّ  الزِّنَى مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ فَغُلِّظَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَمُلُوا أَرْبَعَةً حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْمُلُوا فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ، لقوله تعالي : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْيَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) وَلأِنَّ  عُمَرَ رضي الله عنه حَدَّ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَى. وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، وَلِئَلاَّ يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إِلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ.

وَعِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ لاَ يُجْلَدُ الشُّهُودُ إِذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ؛ لأِنَّهُمْ جَاءُوا شَاهِدِينَ لاَ هَاتِكِينَ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ:

اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ الأْرْبَعَةِ فِي مَجْلِسٍ، وَبَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ. كَمَا اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَأْتِيَ الشُّهُودُ مُجْتَمِعِينَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعُوا خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، أَمَّا لَوْ كَانُوا قُعُودًا فِي مَوْضِعِ الشُّهُودِ فَقَامَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَشَهِدَ، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ بَعْدَ إِتْيَانِهِمْ مَحَلَّ الْحَاكِمِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمْ يُفَرَّقُونَ وُجُوبًا لِيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا أَوْ بَعْضُهُمْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَحُدُّوا.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَابِلَةُ إِتْيَانَهُمْ مُجْتَمِعِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتُوا مُتَفَرِّقِينَ لِقِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ، وَسُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنَّمَا حُدُّوا لِعَدَمِ كَمَالِهَا. عَلَى أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ فَهُمْ قَذَفَةٌ؛ لأِنَّ  شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلاَ صَحِيحَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَنْ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَجْلِسٍ، لقوله تعالي : ( لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ). وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَجْلِسَ. وَقَالَ تَعَالَى:  ( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ). وَلأِنَّ  كُلَّ شَهَادَةٍ مَقْبُولَةٌ إِنِ اتَّفَقَتْ، تُقْبَلُ إِذَا افْتَرَقَتْ فِي مَجَالِسَ، كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ:

يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى التَّفْصِيلُ، فَيَصِفُ الشُّهُودُ كَيْفِيَّةَ الزِّنَى، فَيَقُولُونَ: رَأَيْنَاهُ مُغَيِّبًا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا - إِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا - فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، أَوِ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ، لأِنَّهُ إِذَا اعْتَبَرَ التَّصْرِيحَ فِي الإْقْرَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ وَلأِنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًى زِنًى، فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ. كَمَا يُبَيِّنُ الشُّهُودُ كَيْفِيَّتَهُمَا مِنَ اضْطِجَاعٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ قِيَامٍ، أَوْ هُوَ فَوْقَهَا أَوْ تَحْتَهَا.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا سَأَلَهُمُ الْقَاضِي فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا زَنَيَا، فَإِنَّهُ لاَ يَحُدُّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَلاَ الشُّهُودَ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ، فَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لاَ يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ؛ لاِحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ.

كَمَا لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْبَلَدِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَكَذَا تَعْيِينُ الْمَكَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، كَكَوْنِهَا فِي رُكْنِ الْبَيْتِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ، أَوْ وَسَطِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَكَانِ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِيهِ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ لاِخْتِلاَفِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالاِنْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالاِضْطِرَابِ، أَوْ لأِنَّ  الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ، وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ، وَهَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ، أَمَّا فِي الْبَيْتِ الْكَبِيرِ فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ.

وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ الزَّمَانِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمْ غَيْرَ مَا شَهِدَ بِهِ الآْخَرُ. فَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا يَوْمَ السَّبْتِ فَإِنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي سَاعَةٍ أُخْرَى.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَصَالَةُ الشَّهَادَةِ:

اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي شُهُودِ الزِّنَى الأْصَالَةَ، فَلاَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى؛ لأِنَّ  الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السِّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا اجْتِمَاعُ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْكَذِبِ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الأْصْلِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لاَ يُوجَدُ فِي شُهُودِ الأْصْلِ، وَلأِنَّ  الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إِنَّمَا تُقْبَلُ لِلْحَاجَةِ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الْحَدِّ، لأِنَّ  سِتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ فَتَجُوزُ عِنْدَهُمُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ شَاهِدٍ أَصِيلٍ شَاهِدَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَنْ شَاهِدَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدَيْنِ النَّاقِلَيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا أَصِيلاً، فَيَجُوزُ فِي الزِّنَى أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، أَوْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، أَوْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، أَوْ يَشْهَدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ، وَيَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ الرَّابِعِ، وَإِذَا نَقَلَ اثْنَانِ عَنْ ثَلاَثَةٍ وَعَنِ الرَّابِعِ اثْنَانِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلاَفًا لاِبْنِ الْمَاجِشُونِ؛ وَوَجْهُ عَدَمِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْفَرْعُ إِلاَّ حَيْثُ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأْصْلِ لَوْ حَضَرَ، وَالرَّابِعُ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الاِثْنَانِ الآْخَرَانِ لَوْ حَضَرَ مَا صَحَّتْ شَهَادَتُهُ مَعَ الاِثْنَيْنِ النَّاقِلَيْنِ عَنِ الثَّلاَثَةِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ؛ لأِنَّ  عَدَدَ الْفَرْعِ فِيهَا نَاقِصٌ عَنْ عَدَدِ الأْصْلِ حَيْثُ نَقَلَ عَنِ الثَّلاَثَةِ اثْنَانِ فَقَطْ، وَالْفَرْعُ لاَ يَنْقُصُ عَنِ الأْصْلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَنِيَابَتِهِ مَنَابَهُ. كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّلْفِيقُ بَيْنَ شُهُودِ الأْصْلِ وَالْفَرْعِ، كَأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الزِّنَى، وَيَنْقُلَ اثْنَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ.

شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى الزِّنَى:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَى لِلتُّهْمَةِ، إِذْ أَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهَا مُقِرٌّ بِعَدَاوَتِهِ؛ وَلأِنَّ هَا دَعْوَى خِيَانَتِهَا فِرَاشَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ؛ لأِنَّ  التُّهْمَةَ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلاَدٌ صِغَارٌ.

وَانْظُرِ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَى الْقَدِيمِ، فِي مُصْطَلَحِ (حُدُودٍ ف 24)

وَأَمَّا بَقِيَّةُ مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ كَرُجُوعِ الشُّهُودِ، وَظُهُورِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشُّهُودِ، وَاخْتِلاَفِ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ، وَتَعَارُضِ الشَّهَادَاتِ، وَأَثَرِ تَعَهُّدِ النَّظَرِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ).

ب - الإْقْرَارُ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالإْقْرَارِ، لأِنَّ  «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارَيْهِمَا». وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الإْقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلاَ يُكْتَفَى بِالإْقْرَارِ مُرَّةً وَاحِدَةً، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبَ حَيْثُ لاَ يَرَاهُ ثُمَّ يَجِيءَ فَيُقِرَّ، وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ تَكُونَ الأْقَارِيرُ الأْرْبَعَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى الاِكْتِفَاءِ بِالإْقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لأِنَّ  النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  اكْتَفَى مِنَ الْغَامِدِيَّةِ بِإِقْرَارِهَا مُرَّةً وَاحِدَةً.

وَيُشْتَرَطُ فِي الإْقْرَارِ أَنْ يَكُونَ مُفَصِّلاً مُبَيِّنًا لِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَالشُّبْهَةُ. «وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ ؟ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا ؟» لاَ يُكَنِّي فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَى ؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ حَلاَلاً».

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حُدُودٍ) ف 26، وَمُصْطَلَحَ: (إِقْرَارٍ) ف 12 وَمَا بَعْدَهَا، ، وَانْظُرْ أَيْضًا الشُّبْهَةَ بِتَقَادُمِ الإْقْرَارِ، وَالرُّجُوعَ فِي الإْقْرَارِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٍ) ف 57 وَمَا بَعْدَهَا

الْبَيِّنَةُ عَلَى الإْقْرَارِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ - الشَّهَادَةِ - عَلَى الإْقْرَارِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الإْقْرَارِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الإْقْرَارِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلاَ يُحَدُّ، مِثْلُ الرُّجُوعِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى أَرْبَعًا، يَثْبُتُ الزِّنَى لِوُجُودِ الإْقْرَارِ بِهِ أَرْبَعًا، وَلاَ يَثْبُتُ الإْقْرَارُ بِالزِّنَى بِدُونِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الإْقْرَارِ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ. فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الإْقْرَارَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، لأِنَّ  إِنْكَارَهُ وَتَصْدِيقَهُ دُونَ أَرْبَعٍ رُجُوعٌ عَنْ إِقْرَارِهِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِهِ. قَالُوا: لَوْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى فَقَالَ: مَا أَقْرَرْتُ، أَوْ قَالَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِقْرَارِهِ: مَا أَقْرَرْتُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ؛ لأِنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي.

ج - الْقَرَائِنُ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِعِلْمِ الإْمَامِ وَالْقَاضِي، فَلاَ يُقِيمَانِهِ بِعِلْمِهِمَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى ثُبُوتِهِ بِعِلْمِهِ. وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف 28

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْلِ وَاللِّعَانِ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي:

أ - ظُهُورُ الْحَمْلِ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْلِ فِي امْرَأَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا وَأَنْكَرَتِ الزِّنَى؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إِلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ، وَسَأَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى نَزَعَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: إِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ «لَعَلَّ» «وَعَسَى» فَهُوَ مُعَطَّلٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا تُسْأَلُ، وَلاَ يَجِبُ سُؤَالُهَا. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ حَمْلِ امْرَأَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، فَتُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْغَصْبَ عَلَى ذَلِكَ بِلاَ قَرِينَةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ، أَمَّا مَعَ قَرِينَةٍ تُصَدِّقُهَا فَتُقْبَلُ دَعْوَاهَا وَلاَ تُحَدُّ، كَأَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً مِنْهُ، أَوْ تَأْتِيَ الْبِكْرُ تَدَّعِي عَقِبَ الْوَطْءِ، وَكَذَا لاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهَا أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ مَنِيٍّ شَرِبَهُ فَرْجُهَا فِي الْحَمَّامِ، وَلاَ مِنْ وَطْءِ جِنِّيٍّ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ مِثْلُ كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْعِفَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجِ زَوْجٌ يُلْحَقُ بِهِ الْحَمْلُ فَيَخْرُجُ الْمَجْبُوبُ وَالصَّغِيرُ، أَوْ أَتَتْ بِهِ كَامِلاً لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ فَتُحَدُّ. وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا الأْمَةُ الَّتِي أَنْكَرَ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا فَتُحَدُّ.

اللِّعَانُ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِاللِّعَانِ إِذَا لاَعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنْهُ، فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى حِينَئِذٍ وَتُحَدُّ، أَمَّا إِذَا لاَعَنَتْ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ اللِّعَانِ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا؛ لأِنَّ  زِنَاهَا لَمْ يَثْبُتْ؛ وَلأِنَّ  الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَحْبِسُهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلاَعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (لِعَانٍ).

إِقَامَةُ حَدِّ الزِّنَى:

مَنْ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْحُرِّ إِلاَّ الإْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف 36

عَلاَنِيَةُ الْحَدِّ:

اسْتَحَبَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُسْتَوْفَى حَدُّ الزِّنَى بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنَ الْحُدُودِ الزَّجْرُ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُلُ إِلاَّ بِالْحُضُورِ.

وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ حُضُورَ طَائِفَةٍ لِيَشْهَدُوا حَدَّ الزِّنَى. لقوله تعالي : ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

كَيْفِيَّةُ إِقَامِهِ الْحَدِّ:

سَبَقَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْجَلْدِ وَالأْعْضَاءِ الَّتِي لاَ تُجْلَدُ، وَبَيَانُ إِذَا كَانَ الْمَحْدُودُ مَرِيضًا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ ضَعِيفًا لاَ يَحْتَمِلُ الْجَلْدَ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَلْدٍ) ف 12

كَمَا أَنَّ تَفْصِيلَ كَيْفِيَّةِ الرَّجْمِ فِي مُصْطَلَحِ: (رَجْمٍ) ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنْ تَكُونَ الْحِجَارَةُ فِي الرَّجْمِ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّ - تَمْلأَ الْكَفَّ - فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَمَ بِصَخَرَاتٍ تُذَفِّفُهُ (أَيْ تُجْهِزُ عَلَيْهِ فَوْرًا) فَيَفُوتُ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ، وَلاَ بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلاَّ يَطُولَ تَعْذِيبُهُ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَيَخُصُّ بِالرَّجْمِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي هِيَ مَقَاتِلُ مِنَ الظَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى مَا فَوْقُ، وَيُتَّقَى الْوَجْهُ وَالْفَرْجُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنْ يَتَّقِيَ الرَّاجِمُ الْوَجْهَ لِشَرَفِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوفِ الرَّاجِمِينَ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُصَفُّوا عِنْدَ الرَّجْمِ كَصُفُوفِ الصَّلاَةِ، كُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمْ فَرَجَمُوا. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَالدَّائِرَةِ إِنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لأِنَّهُ لاَ حَاجَةَ إِلَى تَمْكِينِهِ مِنَ الْهَرَبِ، وَلاَ يُسَنُّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ لاِحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ فَيُتْرَكَ وَلاَ يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُحِيطُ النَّاسُ بِهِ.

مُسْقِطَاتُ حَدِّ الزِّنَى:

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالشُّبْهَةِ، إِذِ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ». وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى الشُّبْهَةِ ف 14

كَمَا أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالرُّجُوعِ عَنِ الإْقْرَارِ إِذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِالإْقْرَارِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ ف 14)

كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى بِرُجُوعِ الشُّهُودِ الأْرْبَعَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ).

- وَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى أَيْضًا بِتَكْذِيبِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِلآْخَرِ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَى مِنْهُمَا، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنِ الْمُكَذِّبِ فَقَطْ دُونَ الْمُقِرِّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ مُؤَاخَذَةً بِإِقْرَارِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَكَذَّبَتْهُ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْمُقِرِّ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا لَوْ سَكَتَتْ، أَوْ لَمْ تُسْأَلْ عَنْ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى سُقُوطِ الْحَدِّ عَنِ الْمُقِرِّ أَيْضًا، لاِنْتِفَاءِ الْحَدِّ عَنِ الْمُنْكِرِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّفْيِ عَنْهُ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، لأِنَّ  الزِّنَى فِعْلٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ بِهِمَا. فَإِذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ تَعَدَّتْ إِلَى طَرَفَيْهِ لأِنَّهُ مَا أُطْلِقَ، بَلْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِمَنْ دَرَأَ الشَّرْعُ الْحَدَّ عَنْهُ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ: زَنَيْتُ، فَإِنَّهُ لاَ مُوجِبَ شَرْعًا يَدْفَعُهُ.

وَبَقَاءُ الْبَكَارَةِ مُسْقِطٌ لِحَدِّ الزِّنَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ بِشُبْهَةِ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، حَيْثُ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَكْفِي شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعُذْرَتِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَوْ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ، كَأَنْ يُقِرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِفُلاَنَةَ حَتَّى كَانَ إِقْرَارُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ تَزَوَّجَنِي، أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ كَذَلِكَ بِالزِّنَى مَعَ فُلاَنٍ، وَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ تَزَوَّجْتُهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لأِنَّ  دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ عَلَى النِّكَاحِ. فَلَوْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: زَنَيْتُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، فَأَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَكَذَّبَتْهُ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ، أَمَّا حَدُّهَا فَظَاهِرٌ لإِقْرَارِهَا بِالزِّنَى، وَأَمَّا حَدُّهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُوَافِقْهُ عَلَى النِّكَاحِ وَالأْصْلُ عَدَمُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ. قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ وَلَوْ حَصَلَ فُشُوٌّ، وَمِثْلُهُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى الرَّجُلُ وَطْءَ امْرَأَةٍ وَأَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ قَالاَ: عَقَدْنَا النِّكَاحَ وَلَمْ نُشْهِدْ وَنَحْنُ نُشْهِدُ الآْنَ - وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فُشُوٌّ يَقُومُ مَقَامَ الإْشْهَادِ - فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ يُحَدَّانِ لِدُخُولِهِمَا بِلاَ إِشْهَادٍ.

وَكَذَا لَوْ وُجِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ طَرِيقٍ - وَالْحَالُ أَنَّهُمَا غَيْرُ طَارِئَيْنِ - وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ وَالإْشْهَادَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا بِذَلِكَ وَلاَ فُشُوَّ يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ، لأِنَّ  الأْصْلَ عَدَمُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ، فَإِنْ حَصَلَ فُشُوٌّ أَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ، قُبِلَ قَوْلُهُمَا وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لأِنَّهُمَا لَمْ يَدَّعِيَا شَيْئًا مُخَالِفًا لِلْعُرْفِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى عَلَى الْمُقِرِّ فَقَطْ دُونَ مَنِ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ فَلاَ يُحَدُّ؛ لأِنَّ  دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ؛ وَلاِحْتِمَالِ صِدْقِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها  مَرْفُوعًا «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» فَإِذَا أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ حُدَّتْ وَحْدَهَا، وَلاَ مَهْرَ لَهَا مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا.

وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيَّةُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْمُقِرِّ أَيْضًا. فَلَوْ قَالَ: زَنَيْتُ بِفُلاَنَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ تَزَوَّجَنِي، صَارَ مُقِرًّا بِالزِّنَى وَقَاذِفًا لَهَا، فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَى وَحَدُّ الْقَذْفِ.

وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اعْتِرَاضَ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ مُسْقِطٌ لِحَدِّ الزِّنَى، بِأَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - وَهِيَ إِحْدَى ثَلاَثِ رِوَايَاتٍ عَنْهُ - وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ الاِسْتِمَاعِ، فَحَصَلَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ فَيَصِيرُ شُبْهَةً، كَالسَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْوَطْءَ حَصَلَ زِنًى مَحْضًا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلًّا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَحَصَلَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَالْعَارِضُ وَهُوَ الْمِلْكُ لاَ يَصْلُحُ مُسْقِطًا لاِقْتِصَارِهِ عَلَى حَالَةِ ثُبُوتِهِ؛ لأِنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ لِلْحَالِ، فَلاَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ إِلَى وَقْتِ وُجُودِ الْوَطْءِ، فَبَقِيَ الْوَطْءُ خَالِيًا عَنِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ زِنًى مَحْضًا لِلْحَدِّ، بِخِلاَفِ السَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ لأِنَّ  هُنَاكَ وُجِدَ الْمُسْقِطُ وَهُوَ بُطْلاَنُ وِلاَيَةِ الْخُصُومَةِ؛ لأِنَّ  الْخُصُومَةَ هُنَاكَ شَرْطٌ، وَقَدْ خَرَجَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ، لِذَلِكَ افْتَرَقَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّ اعْتِرَاضَ الشِّرَاءِ يُسْقِطُ وَاعْتِرَاضَ النِّكَاحِ لاَ يُسْقِطُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْبُضْعَ لاَ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا إِذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَالْعُقْرُ بَدَلُ الْبُضْعِ، وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْمُبْدَلُ فَلَمْ يَحْصُلِ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلاَ يُورِثُ شُبْهَةً، وَبُضْعُ الأْمَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِالشِّرَاءِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لِلْمَوْلَى فَحَصَلَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فَيُورِثُ شُبْهَةً، فَصَارَ كَالسَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الإْمْضَاءِ.

كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَطْ بِمَوْتِ الشُّهُودِ أَوْ غَيْبَتِهِمْ أَوْ مَرَضِهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَطْعِ أَيْدِيهِمْ؛ لأِنَّ  الْبِدَايَةَ بِالشُّهُودِ شَرْطُ جَوَازِ الإْقَامَةِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ، فَسَقَطَ الْحَدُّ ضَرُورَةً. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ ف 38).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 23

الْوَطْءُ الْمَحْظُورُ

لِلْوَطْءِ الْمَحْظُورِ صُوَرٌ: مِنْهَا الزِّنَا، وَاللِّوَاطَةُ، وَوَطْءُ الْحَلِيلَةِ وَالأْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا، وَوَطْءُ الْمَيْتَةِ، وَوَطْءُ الْبَهِيمَةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلاً: الزِّنَا:

الزِّنَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).

(ر: زِنًا ف 5)

ثَانِيًا: اللِّوَاطُ:

أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ اللِّوَاطَ مُحَرَّمٌ مُغَلَّظُ التَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَاللِّوَاطُ أَغْلَظُ الْفَوَاحِشِ تَحْرِيمًا.

(ر: لِوَاط ف 3).

وَجَرِيمَةُ اللِّوَاطِ لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ).

عُقُوبَةُ اللِّوَاطِ:

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ - الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ - كَالزِّنَا، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ الْبِكْرُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ» وَلأِنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى طَبْعًا

مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ قِيَاسًا عَلَى قُبُلِ الْمَرْأَةِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَدِّ، لأِنَّهُ إِتْيَانٌ فِي مَحَلٍّ لاَ يُبَاحُ الْوَطْءُ فِيهِ بِحَالٍ، وَالْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ كَالزِّنَا.

الثَّانِي: لأِبِي حَنِيفَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَكَمِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ. وَلَوِ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ أَوْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ، قَتَلَهُ الإْمَامُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، سِيَاسَةً.

وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدُّ الزِّنَا، لأِنَّهُ لَمْ يَنْطَلِقْ عَلَيْهِ اسْمُهُ، فَكَانَ كَالاِسْتِمْتَاعِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلأِنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لاَ يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدٌّ، كَالاِسْتِمْتَاعِ بِمِثْلِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ، وَلأِنَّ أُصُولَ الْحُدُودِ لاَ تَثْبُتُ قِيَاسًا. وَأَيْضًا: فَلأِنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ لاَ تَشْتَهِيهِ الطِّبَاعُ، بَلْ رَكَّبَهَا اللَّهُ عَلَى النَّفْرَةِ مِنْهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَزْجُرَ الشَّارِعُ عَنْهُ بِالْحَدِّ، كَأَكْلِ الْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشُرْبِ الْبَوْلِ... غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْصِيَةً مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَمْ يُقَدِّرِ

الشَّارِعُ فِيهَا حَدًّا مُقَدَّرًا، كَانَ فِيهِ التَّعْزِيرُ.

الثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ الرَّجْمُ مُطْلَقًا، فَيُرْجَمُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ».

وَبِأَنَّهُ إِيلاَجٌ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ يُقْصَدُ الاِلْتِذَاذُ بِهِ غَالِبًا كَالْقُبُلِ، فَكَانَ الرَّجْمُ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَالْمَرْأَةِ، وَلأِنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا إِنَّمَا وُضِعَ زَجْرًا وَرَدْعًا لِئَلاَّ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ، وَوَجَدْنَا الطِّبَاعَ تَمِيلُ إِلَى الاِلْتِذَاذِ بِإِصَابَةِ هَذَا الْفَرْجِ كَمَيْلِهَا إِلَى الْقُبُلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الرَّدْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُبُلِ، بَلْ إِنَّ هَذَا أَشَدُّ وَأَغْلَظُ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الإْحْصَانُ كَمَا اعْتُبِرَ الزِّنَا، إِذِ الْمَزْنِيُّ بِهَا جِنْسٌ مُبَاحٌ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا أُتِيَتْ عَلَى خِلاَفِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَالذَّكَرُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَطْؤُهُ، فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا.

الرَّابِعُ: لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَلُ اللُّوطِيُّ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ.

قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ هَذَا سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ». حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بَيْنَ مُحْصَنٍ وَغَيْرِ مُحْصَنٍ. وَلأِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّمَا تَغَلَّظَتْ، تَغَلَّظَتْ عُقُوبَتُهَا، وَوَطْءُ مَنْ لاَ يُبَاحُ بِحَالٍ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ وَطْءِ مَنْ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ حَدُّهُ أَغْلَظَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا.

الْخَامِسُ: يُحْرَقُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ بِالنَّارِ.

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم، فَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ سَلِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلاً يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه الصَّحَابَةَ فِيهِ، فَكَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ قَوْلاً فِيهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا إِلاَّ أُمَّةٌ مِنَ الأْمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهَا، أَرَى أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ فَحَرَقَهُ.

وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ رَأَى الإْمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ.

السَّادِسُ: يُعْلَى اللُّوطِيُّ أَعْلَى الأَْمَاكِنِ مِنَ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَى مَنْكُوسًا فَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً).

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.