loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كانت المادة 277 من قانون العقوبات قد نصت على أن "كل زوج زنى فى منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور" دون أن تضع قيوداً على الأدلة التي تقبل ضد الزوج الزاني، وكانت المادة 276 من هذا القانون بنصها على أن "الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه" إنما تكلمت فى الأدلة التي يقتضيها القانون فى حق شريك الزوجة المتهمة بالزنا، أما الزوج الزاني فلم يشترط القانون بشأنه أدلة خاصة بل ترك الأمر للقواعد العامة، بحيث إذا اقتنع القاضي من أي دليل أو قرينة بارتكابه الجريمة فقد حق عليه العقاب، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى فى قضائه على انحصار الدليل الذي قبل فى حق المطعون ضده فى ضبطه حين تلبسه بالفعل، فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه.

(الطعن رقم 5781 لسنة 55 جلسة 1986/04/09 س 37 ع 1 ص 470 ق 95)

2- يلزم قانوناً - طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية - صدور شكوى المجنى عليه أو وكيله الخاص لإمكان رفع الدعوى الجنائية فى الجرائم المنصوص عليها فى المادتين 274 ، 277 من قانون العقوبات ، وهذا البيان من البيانات الجوهرية التى يجب أن يتضمنها الحكم لاتصاله بسلامة تحريك الدعوى الجنائية ، ولا يغنى عن النص عليه بالحكم ما تبين من أن الزوج قد تقدم إلى مأمور القسم بالشكوى عن جريمة الزنا وأصر على رفع الدعوى الجنائية عنها فى تحقيق النيابة العامة .

(الطعن رقم 1132 لسنة 29 جلسة 1959/12/08 س 10 ع 3 ص 992 ق 204)

شرح خبراء القانون

استحدث المشرع نص المادة 113 مكرراً في قانون الإجراءات الجنائية وذلك بموجب القانون رقم 177 لسنة 2020 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 36 مكرر في 5/9/2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر برقم 150 لسنة 1950 ، والذي نص على أنه:

لا يجوز لمأموري الضبط أو جهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، أو في أي من المادتين (306 مكرراً / أ  ،  306/ مكرراً / ب) من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، إلا لذوي الشأن.)
مركز الراية للدراسات القانونية
 

جريمة زنا الزوج

 أركان جريمة زنا الزوج، نصت على جريمة زنا الزوج المادة 277 من قانون العقوبات في قولها « كل زوج زني في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازي بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور » وتقوم جريمة زنا الزوج على ذات الأركان التي تقوم بها جريمة زنا الزوجة مضافاً إليها ركن رابع متعلق بمكان ارتكاب الزنا، وكونه منزل الزوجية، فيتعين لإدانة الزوج بالزنا أن يثبت أنه اتصل جنسياً بامرأة غير زوجته ؛ وأن يثبت ارتباطه بعقد زواج صحيح بامرأة غير من اتصل بها، ويتعين أن يتوافر لديه القصد الجنائي، وينتفي القصد لدى الزوج إذا اعتقد أن صلة الزوجية باطلة، أو اعتقد أنها انحلت بالطلاق أو وفاة زوجته، وينتفي القصد كذلك إذا اعتقد أنه يتصل بزوجته ، كما لو كان ضريرة وحلت امرأة محل زوجته فاتصل بها معتقداً أنها زوجته، ولما كان مكان الزنا أحد أركانه فإنه يتعين علم الزوج بأن المكان الذي يأتي فيه فعله هو منزل الزوجية وتخضع الأركان الثلاثة المشتركة بين جريمتي الزنا لذات الأحكام، ولذلك نحيل في هذا الموضوع إلى ما سبق تفصيله في زنا الزوجة، ونقتصر على دراسة الركن الخاص بمكان الزنا.

علة اشتراط ارتكاب الزنا في منزل الزوجية: علة هذا الركن أن منزل الزوجية هو المكان الذي تتخذ فيه العلاقات الزوجية صورها المتعددة، ومن ثم كانت له حرمته، والزوجة ربة هذا المنزل، والتزام زوجها بالإخلاص لها يبلغ فيه أقوى درجاته، وقد أراد الشارع حماية الزوجة من الإهانة التي تلحق بها إذا نافستها فيه امرأة أخرى حقوق الزوجية.

وهذه العلة تثير التساؤل عن مدى اتساقها مع علة تجريم الزنا : فإذا كان الشارع قد أراد بتجريم الزنا حماية حقوق الزوجة وتقرير جزاء جنائي للالتزام بالإخلاص الزوجي، فقد كان ذلك مقتضياً تجريم زنا الزوج أياً كان مكان ارتكابه، والقول بأن الشارع قد هدف إلى حماية الزوجة من الإهانة المحتملة إذا زنی زوجها في منزل الزوجية يعني أن علة التجريم لم تعد حماية حق الزوجة في إخلاص زوجها لها، وإنما صارت حماية شعور الزوجة وكبريائها في منزل الزوجية، وتكشف هذه الملاحظة عن عدم صواب تطلب هذا الركن : ذلك أن شعور الزوجة لا يستحق الحماية الجنائية، وإنما الذي يستحقها هو حقها في إخلاص زوجها لها، لاتصال ذلك بفحوى الزواج وكيان العائلة ومصلحة المجتمع، ومؤدى ذلك أن التفرقة بين زنا الزوجة وزنا الزوج من هذه الوجهة ينقصها السند من زاويتي المنطق القانوني والسياسة التشريعية .

دلالة منزل الزوجية : منزل الزوجية هو كل مكان يحق للزوج أن يكلف زوجته بالإقامة فيه، ويحق للزوجة أن تقيم فيه، ويلتزم زوجها بقبولها فيه، ويعني ذلك أن منزل الزوجية هو مكان الإقامة المشتركة للزوجين، سواء أكانت إقامة حالة فعلية أم كانت إقامة احتمالية، ولما كان الزوج هو الملزم بإعداد منزل الزوجية واستقبال زوجته فيه، فإن كل مكان خصصه الزوج لإقامته - أو خصص لذلك – يعتبر منزل زوجية ، ولو كانت الزوجة لا تقيم فيه بالفعل، إذ من حقها أن تقيم فيه، بل ولو كانت لا تعلم بهذا المكان، إذ يحق لها حين تعلم به أن تقيم فيه، وبذلك يتخذ منزل الزوجية مدلولاً واسعاً يكاد يشمل كل مكان يحوزه الزوج - على أي وجه كان - بشرط ألا يكون مخصصاً لغرض يتنافى بطبيعته مع الحياة الزوجية .

فيعتبر منزل زوجية المسكن المعتاد للزوجين ، وذلك هو المدلول المتبادر إلى الأذهان لمنزل الزوجية، ولكن ينصرف هذا المدلول كذلك إلى المسكن الذي خصصه الزوجان للإقامة المؤقتة خلال فترة معينة من السنة أو في مناسبات معينة، فمنزل في مصيف أو مشتی يعتبر منزل زوجية، وإذا كان عمل الزوج يفرض عليه التردد خلال وقت معين أو في ظروف معينة على مدينه غير التي يقيم فيها عادة، فاتخذ لنفسه فيها مسكناً اعتبر هذا المسكن منزل زوجية، وتطبيقاً لذلك فالزوج الذي يملك أرضاً زراعية ويتردد عليها للإشراف على استغلالها فأنشأ بيتاً فيها يقيم فيه وحده حينما يكون فيها، والزوج الذي تضطره أعماله التجارية إلى التردد على مدينة في داخل البلاد أو في خارجها فاتخذ لنفسه فيها مسكناً، كان مسكنه في الحالتين منزل زوجية، وإذا كان الزوج يدير محلاً تجارياً أو مصنعاً تجارياً فخصص جناحاً أو غرفة فيه لكي يستريح به فترة الظهيرة أو يبيت فيه إذا اقتضت الضرورة ذلك، كان هذا المكان منزل زوجية، وإذا خصصت الدولة لموظف مسكناً في مكان عمله النائي، كان هذا المسكن منزل زوجية ،وإذا خصص أهل الزوج غرفة أو جناحاً من مسكنهم لكي يقيم فيه الزوج حين يرغب في ذلك، كانت هذه الغرفة أو الجناح منزل زوجية، وإذا أعد الزوج على غير علم من زوجته مسكناً له ولو كان قد أجره باسم مستعار، كان هذا المسكن منزل زوجية . ويحتفظ منزل الزوجية بصفته هذه ولو غادرته الزوجة مؤقتاً لسفرها مثلاً أو إقامتها في مستشفى للعلاج، بل ولو غضبت من زوجها فأقامت لدى أهلها وإن طالت إقامتها، ويحتفظ منزل الزوجية بهذه الصفة خلال عدة الطلاق الرجعي .

ولهذا التوسع حدوده حيث يثبت أن المكان بحسب طبيعته أو تخصيصه مخصص لغرض يتنافى مع الحياة الزوجية : فلا يعد منزل زوجية المسكن الخاص بعشيقة الزوج الذي يلتقي فيه بها ، أو غرفة في فندق استأجرها الزوج - ولو لمدة طويلة – لكي يلتقي فيها بعشيقته، أو بيت أعده خصيصاً للالتقاء بها وتتردد عليه أو تقيم فيه ومن ثم لا يتصور أن يكون مكاناً صالحاً للحياة الزوجية، ولا يعد منزل زوجية المتجر أو المصنع أو المكتب الحكومي الذي يعمل فيه الزوج إذا استغل فرصة خلوه من الناس بعد انتهاء مواعيد العمل فيه فمارس فيه صلته بعشيقته .

عقوبة الجريمة، حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالحبس الذي لا تزيد مدته على ستة شهور ، ولم ينص على ظروف مشددة لها، ولا عقاب على الشروع فيها .

وضع شريكة الزوج: لم يتضمن القانون نصاً يحدد وضع شريكة الزوج على مثال المادة 275 من قانون العقوبات التي حددت وضع شريك الزوجة، ولكن القواعد العامة في المساهمة الجنائية تحدد في وضوح هذا الوضع : فتعاقب شريكة الزوج طبقاً للمادة 41 من قانون العقوبات بعقوبة جريمة زنا الزوج التي اشتركت فيها، وإذا كانت بدورها متزوجة فلا يحول دون محاكمتها كشريكة أن زوجها لم يقدم شكواه ضدها، ولكن إذا قدم زوجها الشكوى تعدد بفعلها زنا الزوجة والإشتراك في زنا زوج وتعرضت للعقوبة الأزلي باعتبارها الأشد ويجب أن يتوافر لشريكة الزوج قصد الإشتراك، ومن عناصره أن تعلم بأن المكان الذي يزني بها الزوج فيه هو منزل الزوجية .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،   الصفحة : 691)

يقصد بمنزل الزوجية المسكن الذي يقيم فيه الزوجان عادة أو في أوقات معينة كمسكن في الريف أو في مصيف أو في مشتی ولو كان الزوج يقيم فيه بمفرده فكل منزل من هذا القبيل يصلح ليكون محلا لسكن الزوجية يحق لها أن تدخله من تلقاء نفسها ولزوجها أن يطلبها للإقامة به، فإذا زنى الزوج في منزل أو في مسكن من هذا القبيل حق عليه العقاب المقرر قانون الجريمة الزنا ولايعتبر منزل الخليلة المملوك لها من قبيل منزل الزوجية ولو كان الزوج يقيم فيه فعلاً وكذلك لا يعتبر منزلاً للزوجية المسكن الوقتي التي يلتقي فيه الزوج بعشيقته مهما تكرر تردده عليه، فلا يرتكب الزوج جريمة الزنا في غرفة استأجرها باسمه في فندق مادام أنه لم يسكن فيها بصفة مستمرة إذا كان يعامل تنزيل مؤقت ويدخل في سلطة قاضي الموضوع تقدير ما إذا كان للمحل صفة الدوام بحيث يعتبر مسكناً أم أن له صفة التأقيت فلا يعتبر كذلك مسترشدة في ذلك بمدة الإقامة وكيفية سداد الأجرة المستحقة وتقع جريمة الزنا فى منزل الزوجية من الزوج ولو كان قد طلق زوجته طلاقاً رجعياً طالما وقعت منه الجريمة أثناء العدة وقد تطلب المشرع لوقوع جريمة الزنا من الزوج ارتكابها في منزل الزوجية مراعاة لحكمة معينة هي حماية الزوجة من الإهانة وصونا لكرامتها وحقوقها الزوجية وقد انتقد جانب من الفقه مسلك المشرع في اشتراط وقوع الجريمة بمنزل الزوجية كركن لقيامها إذ أن حماية الزوجة وحقوقها كان يقتضی تجريم زنا الزوج أياً كان مكان ارتكابه.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 666)

استلزم المشرع لوقوع جريمة زنا الزوج ركناً إضافياً لم يتطلبه في جريمة زنا الزوجة، وهو أن يقع فعل الوطء غير المشروع من الزوج في منزل الزوجية، فإذا لم يقع فيه لا تخضع الواقعة لحكم المادة محل التعليق ولا تعتبر جريمة زنا زوج.

وإذا كان هذا العنصر المكان على هذا القدر من الأهمية في جريمة زنا الزوج فإن تحديد مدلول منزل الزوجية" يحتل مكان الصدارة في هذه الجريمة.

ويعرف منزل الزوجية بأنه كل مكان يقيم فيه الزوج ويستطيع حمل زوجته على الإقامة فيه ويكون الزوجة - بالمقابل - الحق في أن تقيم فيه بغير توقف على إرادة زوجها، فيعتبر منزلاً للزوجية المكان المعتاد الذي يقيم فيه الزوج مع زوجته، وكذلك المنزل الصيفي أو الشتوي الذي يحوزه الزوج ولو لم يقم به فعلاً أو كانت إقامته فيه لا تتجاوز أشهرة أو أياماً معدودات في العام، سواء علمت به الزوجة أو كانت جاهلة بمكانه.

ويشمل مدلول منزل الزوجية الأماكن التي يعدها لإقامته والتي يستلزمها ضرورات تنقله لأداء أعماله، وكذلك المسكن الذي توفره جهة العمل للزوج في الأماكن البعيدة عن مقر إقامته المعتاد، حتى ولو لم تقم معه زوجته بالفعل.

ويعتبر منزلاً للزوجية كل مكان أعده الزوج لإقامته ولو تحت إسم مستعار مادام قد ثبت في الواقع أنه هو المستأجر أو الحائز الحقيقي له، بينما لا يعتبر منزلاً للزوجية الغرفة التي يستأجرها في طريقه لانجاز أعماله أو حتى لقضاء عطلة.

 وخلاصة القول :

فإن تحديد ما يدخل في مفهوم "منزل الزوجية" وما يخرج عنه فيما نحن بصدده إنما يترك أمر تحديد القاضي الموضوع على ضوء الظروف والملابسات المحيطة بكل واقعة، وهو يخضع في تقديره هذا الرقابة محكمة النقض لتعلق الأمر بركن لازم في جريمة زنا الزوج.

وإذا كان حصول الزنا في منزل الزوجية ركناً لا غنى عنه في جريمة زنا الزوج، فإنه يلزم أن يشمل علم شريكته في الإثم بهذا الركن حتى يمكن مؤاخذتها بالعقاب، فإذا أثبتت جهلها بكون المكان الذي وقعت فيه المباشرة الجنسية منزلاً الزوجية انقضى عنها القصد الجنائي اللازم في الجريمة.

 ولا نرى من جانبنا مبرراً في مسلك المشرع في التمييز بين جريمتي زنا الزوج وزنا الزوجة من حيث استلزم وقوع فعل الزنا في منزل الزوجية في هذه الأخيرة، فإذا كانت العلة التشريعية من وراء تجريم الفعل تكمن في حماية حق الزوجة في الإستئثار جنسيآ بزوجها، فإن المصلحة محل الحماية تكون قد أهدرت – بما يستوجب إعمال نص التجريم وإنزال العقاب المقرر به - بوقوع فعل الوطء غير المشروع من الزوج دون أي اعتبار للمكان الذي وقع فيه، فالعلة من وراء تجريم زنا الزوج تكون قائمة في جميع الأحوال التي يثبت فيها معاشرة الزوج لغير زوجته جنسية دون أن ينال من ذلك حصول المعاشرة في منزل الزوجية أو في مكان سواه.

ومن ناحية أخرى، فإن استلزم المشرع الوضعي علاقة الزوجية كركن في جريمة الزنا بصورتيه لا يجد أساساً له في شرعنا الحنيف الذي يعتبر زنا وطء الرجل المرأة في القبل وبغير اشتراط صفة الزوجية مع الغير في طرفيها أو أحدهما. ومن ثم فإن إشتراط عنصر مكاني في جريدة زنا الزوج من جانب مشرعنا ينطوي على مبالغة منه في التضييق من نطاق هذه الجريمة التي تهتز لها السموات والأرض لما تقود إليه من انتشار وزيادة الفساد والتفكك الاجتماعي.

 العقوبة :

تعاقب المادة محل التعليق الزوج الزاني بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور، وخلافاً لمنهج مشرعنا في شأن عقاب شريك الزوجة الزانية - حيث أورد له نصاً خاصاً بعقابه كما رأينا - فإنه لم يرد في تشريعنا نص منفرد يحدد عقاب شريكة الزوج الزاني، ومن ثم يكون عقابها وفقاً للقواعد العامة في الإشتراك في الجريمة والتي تقرر للشريك ذات العقوبة المقررة لفاعل الجريمة (المادة 41 عقوبات).(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة  : 809)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 86 ، 87 .

 

 (مادة 122) 

إذا لم يكن الجاني بالغاً بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة - يعزر على الوجه الآتي: 

(أ) إذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة بالقانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بضربه بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين ضربة. 

(ج) وإذا كان قد أتم الخامسة عشر ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بالحبس من سنة 

إلى ثلاث سنوات.

(ماده 123) 

لا يتداخل حد الزنى فيها سواه من الحدود. 

وإذا تعددت عقوبات حد الزنا جلداً قبل تمام تنفيذ الحد في أي منها - فلا ينفذ على 

الزاني إلا حد واحد. 

(مادة 124)

لا تسري على جريمة الزنا المعاقب عليها حداً الأحكام المقررة في شأن انقضاء الدعوى الجنائية، أو سقوط العقوبة بمضي المدة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية. 

(مادة 125) 

إذا رجع الجاني عن إقراره إلى ما قبل إتمام تنفيذ حد الرجم عليه - يوقف تنفيذه أو ما بقي منه، ويعرض رئيس النيابة العامة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم في الموضوع؛ للنظر في سقوط الحد إذا لم يكن الحكم مبيناً إلا على الإقرار وحده، مع عدم الإخلال بالعقوبة التعزيرية المقررة قانوناً. 

(مادة 126)

1- ينفذ حد الرجم بمراعاة أحكام المواد من (471) إلى (477) من قانون الإجراءات الجنائية. 

2- يوقف تنفيذ العقوبة على الوالدة المرضع إلى أقرب الأجلين، إتمامها إرضاع وليدها أو حولين كاملين، كما يوقف التنفيذ على المجنون، أو من به عاهة في العقل حتى يعود إليه رشده، وذلك إذا لم يكن الحد ثابتاً إلا بالإقرار وحده. 

3- ويجري التنفيذ في مكان يشهده طائفة من المؤمنين، وبحضور أحد أعضاء النيابة العامة، وطبيب مختص، وذلك بالرمي بحجارة متوسطة على المقاتل، مع اتقاء الوجه، حتى الموت. 

(ماده 127) 
ينفذ حد الجلد المنصوص عليه في هذا الباب وفقاً لحكم المادة (84) من هذا القانون، في مكان يشهده طائفة من المؤمنين. 

(مادة 122): 

إذا لم يكن الجاني بالفا بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة - يعزر على الوجه الآتي: 

(أ) إذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه، أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة بالقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بضربه بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين ضربة. 

(ج) وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. 

الإيضاح 

يمر الإنسان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بمرحلتين قبل أن يصل إلى البلوغ الذي 

يفترض أنه قد اكتمل له فيه الإدراك والإرادة، وأصبح مسئولاً عن أفعاله بصورة كاملة: 

الأولي: مرحلة عدم التمييز وهي من تاريخ ولادته إلى ما قبل إتمامه السابعة من عمره، وفيها لا يجوز مساءلته قانوناً عما يرتكبه من أخطاء، وبالأولى لا يكون مسئولاً جنائياً ؛ لأنه لم يزل يعد طفلاً ، ليس أهلاً لتحمل المسئولية، ومن ثم لا تقام عليه في هذه السن الدعوى الجنائية في جريمة الزنا. 

الثانية: وتبدأ من سن السابعة إلى ما دون حد البلوغ، وفيها يعزر على الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعازير المناسبة لسنه مع العمل على إصلاح شأنه، وهذا ما بينت الفقرات (أ) و(ب) و (ج) من المادة، أحكامه على الوجه التالي: 

(أ) فإذا أتم الجاني السابعة ولم يبلغ الثانية عشرة من عمره فمثله لا يحتمل الضرب ولا الجلد؛ لأنه لا يزال بعد غضاً طرياً . 

ومن ثم رأت اللجنة أن يكون تعزیره بتسليمه إلى من له حق الولاية على نفسه، أو تأنيبه وتبيان مدى الجرم الذي اقترفه حتى يكون ولي الأمر على بينة من فعلته وسلوكه؛ ليقوم على تأديبه وإصلاح شأنه. 

ويكون للمحكمة الحق في إيداع الصغير في هذه الحالة إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تقوم على إصلاح شأنه تحت رقابة المختصين - إذا رأت المصلحة في ذلك - وذلك في نطاق القانون 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) أما إذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم تكتمل سنه الخامسة عشرة، فإنه يكون حينئذ في سن قد توفر له فيه من التمييز والنظر ما يستطيع به أن يفرق بين الحلال والحرام، وأن يدرك بعض عواقب ما يرتكبه من آثام، ومثله في حاجة إلى تشديد العقوبة، ومن أجل ذلك رأت اللجنة زيادة العقوبة التعزيرية بضربه بعصا رفيعة من الخيزران أو الخشب ونحوها، من عشر إلى خمسين ضربة ولا ريب أن ذلك في نطاق الاحتمال البدني لمثله يعتبر زاجراً له ولأمثاله عن ارتكاب مثل هذه الجريمة. 

(ج) أما إذا كان الجاني قد اكتمل له وقت ارتكاب الجريمة الخامسة عشرة من العمر، ولم يتم الثامنة عشرة - فإنه يكون في سن قد اكتمل له من العقل والإدراك ما يتمكن به من معرفة أكثر لما أحله الله وما حرمه، وما رتبه من آثار على مقارفة ارتكاب الجرائم، مما يحتاج معه إلى مزيد من الردع، وتشديد في العقوبة على ارتكاب مثل هذه الجناية الخطيرة، خاصة وقد تجاوز سناً يعتبر فيه بالغاً عند بعض الأئمة ومنهم الحنفية، ويستحق عندهم لبلوغه (15 سنة) أن يقام عليه الحد الذي شرعه الله في جريمة الزنا، ومن ثم رأت اللجنة أن تكون عقوبته على اقتراف هذه الجريمة أقسى وأشد، ولكنها مع ذلك دون عقوبة حد الزنا لغير المحصنين، حتى لاتصل في عقوبته على فعل مائل إلى ما جعله الله تعالى حداً معيناً مفروضاً لهذه الجناية. 

ورأت اللجنة لذلك أن من لم يكتمل سنه الثامنة عشرة إذا ارتكب جريمة الزنا، وكان قد بلغ الخامسة عشرة - يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات، وغير خفي أن اللجنة لم 

 

 

تر الأخذ بمذهب الحنفية في تحديد سن البلوغ ولكنها اعتبرت البلوغ بالسن باكتمال الثامنة عشرة للذكر أو الأنثى إذا لم يتحقق البلوغ قبل هذه السن بالأمارات الطبيعية حسبما أشرنا إلى ذلك في إيضاح المادة (116) أخذا بمذهب المالكية. 

لكن اللجنة رغم ذلك ترى أن يكون بلوغ الخامسة عشرة حداً للترقي بالعقوبة من الضرب إلى الحبس تعزيراً في النطاق المشروع. 

وغني عن البيان أنه إذا ثبت بلوغ الجاني قبل الثامنة عشرة بالأمارات الطبيعية، كظهور شعر اللحية والشارب للذكر، وظهور الثديين عند الأنثي أو الحبل أو الإحبال - فإنه يجري عليه ما يجري على البالغين من أحكام. 

تعدد الجرائم والعقوبات: 

(مادة 123): لا يتداخل حد الزنا فيها سواه من الحدود. 

وإذا تعددت عقوبات حد الزنا جلدا قبل تمام تنفيذ الحد في أي منها - فلا ينفذ على الزاني إلا حد واحد. 

الإيضاح 

واجهت هذه المادة حالة تعدد الجرائم وتدخل حد الزنا في غيره من الحدود. 

فإذا اجتمعت الحدود دون أن يكون فيها عقوبة القتل حداً أو تعزيراً، وهذه تحتها فرضان: الأول: أن تكون جرائم حدود، فلا يخلو الأمر مما يأتي: 

1- أن تكون العقوبات متحدة الجنس ومتساوية القدر، كأن يزني عدة مرات عقوبة كل منها الجلد ولم يقم عليه الحد، وفي هذه الحالة يقام على الزاني حد واحد. 

۲- أن تكون العقوبات متحدة الجنس، ومتفاوتة القدر، كأن يرتكب جريمة زنا معاقباً عليها بالجلد مائة جلدة، وجريمة قذف معاقباً عليها بالجلد ثمانين جلدة وفي هذه الحالة يكتفى بتوقيع العقوبة الأشد. 

3- أن تكون العقوبات مختلفة الجنس، كمن يرتكب جريمة سرقة يعاقب عليها بقطع اليد، وجريمة زنا يعاقب عليها بالجلد مائة جلدة، وفي هذه الحالة يوقع الحدان. 

الفرض الثاني: أن تتعدد الجرائم وفيها جرائم حدود وجرائم أخرى معاقب عليها تعزيراً في هذا القانون أو أي قانون آخر، وفي هذه الحالة توقع عقوبات الحدود، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى المقررة في هذا القانون أو غيره. 

أما إذا تعددت الجرائم واختلفت العقوبات وفيها عقوبة القتل (الإعدام) - فإنه يكتفى بعقوبة الإعدام، كأن يرتكب جريمة زنا معاقباً عليها بالجلد ويرتكب جريمة قتل معاقبا عليها بالإعدام قصاصاً، أو يشرب الخمر ويقتل في المحاربة، ومثل أن يسرق ويزني وهو محصن، فإنه يكتفى بعقوبة القتل وتسقط سائر العقوبات الأخرى، وبهذا قال عطاء وابن مسعود والشعبي والنخعي والأوزاعي وحماد ومالك وأبو حنيفة. 

وقال ابن مسعود فيما رواه سعید: حدثنا حسان بن علي حدثنا مجالد عن مسروق عن عبد الله - أي ابن مسعود - قال: إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط القتل بذلك. ومثل ذلك قاله إبراهيم والشعبي وعطاء، وهذه أقوال انتشرت في عصر الصحابة والتابعين ولم يظهر لها مخالف، فكانت إجماعاً. 

ولأنها حدود الله تعالى وفيها قتل، فسقط ما دونه، كالمحارب إذا قتل وأخذ المال، فإنه يقتل ولا يقطع، ولأن هذه الحدود تراد للزجر ومع القتل لا حاجة لزجره، ولا فائدة فيه فلا يشرع. 

وقال الشافعي: تستوفي العقوبات جميعها؛ لأن ما وجب مع غير القتل وجب مع القتل، كقطع اليد قصاصاً. 

وقد أخذت اللجنة برأي الجمهور لقوة أدائهما، وموافقتها للمعقول؛ إذ بالقتل يتحقق مقصود الشارع وهو الانزجار، فلا فائدة من تنفيذ باقي العقوبات فإن لم يكن في الجرائم قتل؛ فإن اتحد جنسها وتساوت عقوباتها نفذ على الجاني حد واحد، كمن يزني مراراً قبل أن يقام عليه الحد؛ لأن مقصود الشارع من الحد هو الانزجار و احتمال حصوله بالحد الواحد وارد فتمكن شبهة فوات المقصود في الحدود الأخرى، والحدود تدرأ بالشبهات. 

وهو ما أخذت به اللجنة خلافاً لأبي حنيفة والشافعي، فهما يقولان: إن كل حد يستوفي على حدة، ويبدأ بالأخف لاجتماع حق الله مع حق الآدميين، واختلاف الحدين جنساً فلا تداخل. 

فإن اختلفت العقوبات في الجنس كحد السرقة وحدها القطع، وعقوبة الزاني غير المحصن وعقوبته الجلد مائة جلدة، فإنه يجب أن يقام على الجاني الحدان معاً، فيبدأ بالأخف وهو الجلد، ثم القطع. بهذا قال الشافعي: وأخذت به اللجنة. 

وقال أبو حنيفة: للإمام الخيار بين أن يبدأ بالجلد أو القطع. 

(المغني لابن قدامة 8/ 298 - 302). 

سقوط جريمة الزنا: 

(مادة 124): لا تسري على جريمة الزنا المعاقب عليها حداً الأحكام المقررة في شأن انقضاء الدعوى الجنائية، أو سقوط العقوبة بمضي المدة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية. 

الإيضاح 

قد يقبض على الجاني بعد مضي زمن طويل متهماً بارتكاب جريمة الزنا. 

ويكون الطريق لإثباتها شهادة الشهود، أو إقرار الجاني بارتكاب هذه الجريمة. 

واختلف الفقهاء في قبول الشهادة أو الإقرار بعد تقادم المدة، وعلى وقوعها سبباً لحد خالص لله تعالى على أقوال أربعة: 

الأول: رد الشهادة وقبول الإقرار مطلقاً، سواء أكان الحد زنا أو سرقة أو شرباً، وإليه ذهب محمد بن الحسن (فتح القدير 4/ 162). 

الثاني: قبول الشهادة والإقرار دون تفريق بينهما. وإليه ذهب الأئمة مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وإسحاق وأبو ثور وأحمد والظاهرية (التاج والإكليل 6/ 197، 198، المهذب 2/ 355، کشاف القناع 4/ 62، والمغني 4/ 187، المحلى 11/ 144).

الثالث: عدم قبول الشهادة أو الإقرار. وبه قال ابن أبي ليلى. 

الرابع: رد الشهادة وقبول الإقرار فيما سوى حد الشرب وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف (البدائع 7/ 46، ابن عابدین 4/ 544، فتح القدير 4/ 164). 

وقد اختارت اللجنة العمل بالرأي الثاني، وهو قبول الشهادة والإقرار معاً دون تفريق بينهما، وهو رأي جمهور الفقهاء ، وحجتهم على ذلك: 

1- عموم النصوص الدالة على وجوب قبول شهادة الشاهد مطلقاً، وقبول المقر دون تفريق. 

قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) [الطلاق: 2]. وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ)  [النساء: 135]. وقال تعالى: «وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ» [الطلاق: 2]. وقال جل شأنه: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ » . [البقرة: 283]. وقال: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ» [البقرة: 140]. هذه النصوص عامة وصريحة في قبول شهادة الشاهد، وإقرار المقر دون تفريق بين كون الشهود أو المقر به متقادماً أو غير متقادم. 

2- إن الشهادة كالإقرار في كل منها حجة شرعية يثبت بها الحد، فكما أن الإقرار لا يبطل بالتقادم، فكذلك الشهادة لا تبطل به، يضاف إلى ذلك أن الحد يثبت على الفور، فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان كسائر الحقوق (المغني 10/ 187، 188، المحلى 11/ 145 / 146 6) والإقرار تترجح فيه جهة الصدق؛ إذ الإنسان لا يعادي نفسه بالإقرار بما يضره، فلا يبطل بالتقادم؛ لعدم تحقق التهمة. 

وقد رأت اللجنة لقوة حجة الجمهور أن تأخذ برأيهم، فنصت في المادة على أنه لا تسري علي جريمة الزنا المعاقب عليها حداً الأحكام المقررة في شأن انقضاء الدعوى الجنائية أو سقوط العقوبة بمضي المدة في قانون الإجراءات الجنائية. 

ومن ثم فإن حق إقامة الدعوى يظل قائما، ويقبل عليها الإثبات، سواء كان طريقة البينة الشرعية (بشهادة الشهود) أو الإقرار الصادر من الجاني نفسه، دون أن يكون لمضي المدة أثر في ذلك. 

وقد اختلفت الفقهاء في مسألة سقوط العقوبة المقضي بها حداً للزنا، وما إذا كان أثر 

التقادم يلحقها فيمنع تنفيذها، أم لا على قولين: 

الأول: أن التقادم يمنع إقامة هذا الحد بعد القضاء به، كما يمنع قبول الشهادة، وبهذا قال جمهور الحنفية (ابن عابدين 4/ 544، فتح القدير 4/ 164 ). 

وعللوا ذلك بأن استيفاء الحد من تتمة القضاء فيما يتعلق بحقوق الله تعالى؛ لأنه عز شأنه استناب الحاكم في استيفاء حقه إذا ثبت عنده بلا شبهة، فكان الاستيفاء من تتمة القضاء؛ لأن المقصود من القضاء فيما يتعلق بحقوق العباد أما إعلام من له القضاء أو التمكين لمن له القضاء بالاستيفاء بالقضاء، وهذان المعنيان يحصلان بمجرد القضاء، فلم يتوقف تمامه إلى الاستيفاء، ولما كان قيام الشهادة شرطاً بالإجماع عند القضاء في حقوق العباد، وجب قيامها عند الاستيفاء فيما يتعلق بحقوق الله تعالى وبتقادمها لم تبق، فلا يقام الحد؛ لعدم صحة القضاء الذي هو الاستيفاء. 

الرأي الثاني: أن التقادم لا يمنع إقامة الحد بعد القضاء به. 

وبهذا الرأي قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد (التاج والإكليل 6/ 197 / 198، المهذب 2/ 355، المغني 10/ 187، البدائع 7/ 46) وهو رأي الإمام زفر من الحنفية.  

وعلته أن تأخير إقامة الحد على المذنب إنها هو لعذر حل به، وقد زال هذا العذر فيقام عليه الحد. 

ومنشأ الخلاف: يرجع إلى اختلافهم في معنى قيام الشهادة، فمن اعتبر أن الشهادة قائمة ما لم يطرأ عليها ما ينقضها من الرجوع فيها - قال إن التقادم لا يؤثر في تنفيذ الحد، كما أن موت الشهود أو غيبتهم بعد شهادتهم لا يمنع جواز الحكم بها، وهو قول الأئمة الثلاثة وزفر. 

ومن اعتبر أن الشهادة قائمة بقيام الشهود على الحضور والأهلية وهم الحنفية، قال بأن التقادم يمنع من تنفيذ الحد. 

وقد اختارت اللجنة رأي جمهور الفقهاء الثلاثة وزفر من الحنفية في عدم تأثير التقادم على عقوبة الحد، ومن ثم فإنه يتعين تنفيذها بعد صدور الحكم النهائي بها، مهما تقادم الوقت عليها، دون أن تسقط بمضي الزمن وذلك لقوة دليل الجمهور، ولأنه أليق بزماننا، وتحقيقاَ لما لهذه الجريمة الآن من آثار سيئة تترك بصماتها على المجتمع الإسلامي، فتنشر فيه الفساد، وتستشري من خلالها الفتنة مما تجره هذه الجناية، وما قد تدفع إليه من ارتكاب جرائم أخرى ما لم يؤخذ على أيدي الجناة بحزم حتى يمكن إخلاء الأرض من الفساد؛ تحقيقاً لحكمة العليم الخبير في تشريعات الحدود. 

(المادة 125): 

رجوع المقر عن الإقرار بالزنا: 

إذا رجع الجاني عن إقراره إلى ما قبل إتمام تنفيذ حد الرجم عليه، يوقف تنفيذه أو ما بقي منه، ويعرض رئيس النيابة العامة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم في الموضوع؛ للنظر في سقوط الحد إذا لم يكن الحكم مبيناً إلا على الإقرار وحده، مع عدم الإخلال بالعقوبة التعزيرية المقررة قانوناً. 

الإيضاح 

اختلف الفقهاء في حكم رجوع المقر بالزنا في إقراره. 

فيرى الحنفية أن رجوع المقر في إقراره يدرأ عنه الحد، وحجتهم في ذلك تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للمقر بالسرقة، فقد روي أنه لقن السارق المقر عنده، فقال له: «أسرقت ما أخاله؟». وقال للسارقة: «أسرقت؟ قولي لا». فلو لم يصح رجوعه لما لقنه ذلك، ولأن الرجوع إنما لا يصح في حقوق العباد؛ لوجود خصم يصدقه في الإقرار ويكذبه في الرجوع، وذلك غير موجود في حقوق الله تعالى ومنها الزنا، فيتعارض الإقرار والرجوع عنه، وكل واحد منهما يتمثل بين الصدق والكذب، والشبهة تثبت بالمعارضة (المبسوط جـ 9 ص 94) وإنكار الإقرار رجوع فيه (ابن عابدين جـ 3 ص 149)، وجاء في فتح القدير 4/ 120 ما يأتي: (فإن رجع المقر عن إقراره قبل إقامة الحد أو في وسطه قبل رجوعه وخلي سبيله. وقال الشافعي - وهو قول ابن أبي ليلى تقيم عليه الحد؛ لأنه وجب بإقراره فلا يبطل، كما إذا وجب بالشهادة، وصار كالقصاص وحد القذف. ولنا أن الرجوع خبر محتمل للصدق كالإقرار، وليس أحد يكذبه فيه فتتحقق الشبهة في الإقرار بخلاف ما فيه حق العبد، كالقصاص وحد القذف؛ لوجود من يكذبه ولا كذلك ما هو خالص حق الشرع). انتهى .

وعند الشافعية: لو أقر بالزنا ثم رجع عنه قبل الشروع في الحد أو بعده، بنحو: كذبت. أو: رجعت. أو: ما زنيت. سقط الحد. ولو قال: اتركوني، أو: لاتحدوني. أو هرب قبل حده أو أثناءه فلا يكون رجوعاً؛ لأنه لم يصرح به، نعم يخلى وجوباً حالاً. فإن صرح به فذاك، وإلا أقيم عليه الحد (تحفة المحتاج بشرح المنهاج جـ 9 ص 113). 

والحنابلة: يرون أن من شرط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد، فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه، وبهذا قال عطاء، ويحيى بن يعمر، والزهري، وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى: يقام عليه الحد ولا يترك؛ لأن ماعا هرب فقتلوه، ولم يتركوه، ولو قبل رجوعه للزمتهم ديته، ولأنه حق وجب إقراره، فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق. 

واحتج الحنابلة بأن ماعزاً لما هرب قال لهم: ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه». ففي هذا أوضح الدلائل أنه يقبل الرجوع، ولأن رجوعه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات (المغني جـ 8 ص 197). 

وأما المالكية: فقد روي عن الإمام مالك رضي الله عنه – وبه قال، عبد الملك - إنه إن رجع عن إقراره لوجه وسبب لم يختلف أصحاب الإمام مالك رضي الله عنهم في قبول رجوعه - الباجي -، فإن رجع لغير شبهة فروى ابن وهب ومطرف أنه يقال أي يخلى سبيله، وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم، وعن الإمام مالك رضي الله عنه أنه لا يقبل منه وبه أشهب، مثال رجوعه لشبهة قوله: وطئت حليلتي حائضاً فظننت أنه زنا، فاعترفت به، فلا يجد اتفاقاً . ومثال رجوعه لغير شبهة تكذيبه نفسه بلا اعتذار، وسواء رجع في الحد أو قبله ودخل فيه إنكاره إقراره بعد شهادة البينة عليه، فلا يجد عند ابن القاسم (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج 4 ص 283، 307، شرح منح الجليل على مختصر الجليل ص 494). 

هذا وقد رأت اللجنة الأخذ برأي الحنفية في قبول رجوع المقر بالزنى في إقراره، سواء عبر عن ذلك بالقول، أو بالفعل مثل أن يهرب، وسواء كان رجوعه قبل إقامة الحد أو أثناءه. 

ومثل ذلك إنكاره الإقرار، فإنه يقبل منه، كما إذا قال بعد إقراره وبعد الحكم عليه: والله ما أقررت بشيء. فإنه يدرأ عنه الحد. 

وذلك لأن هذا الرأي يتسق مع القاعدة العامة التي تقضي بدرء الحدود بالشبهات، وقد ثبتت الشبيهة بالمعارضة بين الإقرار وبين الرجوع عنه أو إنكاره، وكل منهما محتمل للصدق والكذب على نحو ما حكاه المبسوط، وليس أحد يكذبه فيه، والشبهة تثبت بالمعارضة. 

وهذا رأي له وجاهته وسنده القوي. 

هذا وغني عن البيان أنه إذا سقط الحد عن الجاني برجوعه في إقراره - فإن ذلك لا يمنع المحكمة من توقيع العقوبة التعزيرية المنصوص عليها في هذا القانون، إذا تبين لها أن الجاني يستحق تلك العقوبة، وإثبات ذلك يكون بطرق الإثبات العادية، فيكفي فيه شهادة شاهدين أو أية وسيلة أخرى من وسائل الإثبات. 

والمحكمة التي يعرض عليها أمر المحكوم عليه هي الحكمة التي أصدرت الحكم في موضوع الدعوى، وهي محكمة الجنايات أو محكمة النقض، إذا ما أصدرت حكماً في الموضوع حال نظر الطعن للمرة الثانية. 

(مادة 126): 

تنفيذ حكم الرجم: 

1- ينفذ حد الرجم بمراعاة أحكام المواد من (471) إلى (477) من قانون الإجراءات الجنائية. 

2- يوقف تنفيذ العقوبة على الوالدة المرضع إلى أقرب الأجلين، إتمامها إرضاع وليدها أو حولين كاملين. كما يوقف التنفيذ على المجنون أو من به عاهة في العقل حتى يعود إليه رشده، وذلك إذا لم يكن الحد ثابتاً إلا بالإقرار وحده. 

٣- ويجري التنفيذ في مكان يشهده طائفة من المؤمنين، وبحضور أحد أعضاء النيابة العامة وطبيب مختص، وذلك بالرمي بحجارة متوسطة على القاتل مع اتقاء الوجه حتى الموت. 

الإيضاح 

لما كان من الأهداف السامية للشريعة الإسلامية، في تقرير الحدود ومنها حد الزنا - أن تحفظ على الناس أنسابهم وأعراضهم، وتسترجع للمجتمع قيمه وآدابه لتعم فيه الفضيلة وتقتلع منه الرذيلة، ويمتنع الناس عن الإقدام على الجرائم أو تناول أسبابها، اقتضى ذلك أن يكون لتنفيذ هذه الحدود نوع من العلانية والإشهار، حتى تبعث الرهبة في قلب كل من تسول له نفسه باقتراف جريمة منها. 

أو التعدي على حرمات الله وتخطي حدوده، وقد جاء ذلك واضحا صريحا منصوصا عليه في آية سورة النور في قوله تعالى: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ " [النور: ۲] فأمر الله تعالى أن يشهد جلد الزانية والذي سماه عذاباً طائفة من المؤمنين، والمراد بالطائفة: جمع يحصل به التشهير، زيادة في التنكيل، وزجراً للمحدود، وعبرة لغيره من المؤمنين؛ حتى يلمسوا بأنفسهم عذاب المحدود، وسوء عاقبة المجترثين على حدود الله، جاء في فتح القدير ج 4 ص 122 (ويخرجه إلى أرض فضاء). جاء في الحاشية (لأن في الحديث الصحيح قال فرجمناه – يعني: ماعزاً - بالمصلي. وفي مسلم وأبي داود: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد لأن المراد: مصلى الجنائز، فيتفق الحديثان... إلى أن قال:... ولأن الرجم بين الجدران يوجب ضرراً من بعض الناس لبعض للمضيق. 

ومن ثم يرى الفقهاء في سبيل تحقيق هذه الأهداف أن يكون تنفيذ حكم الرجم على الزاني المحصن ذكرا كان أو أنثى في أرض فضاء، وحتى لا ينفذ بين الجدران في المباني التي لا يتحقق فيها عنصر الإشهار والعلانية، والمستفاد من الآية الكريمة، وحتى يتمكن كل من يحضر التنفيذ من المؤمنين من مشاهدته ليتم الاعتبار وتتحقق العظة، وليعلم الجميع ما يجري في التنفيذ للاطمئنان على إقامة حدود الله كاملة في نطاق المقرر شرعا وقانونا؛ لأن ذلك أمكن في رجمه، ولئلا يصيب بعضهم بعضا (ابن عابدين ج 4 ص 149). ولا يفوت اللجنة في هذا المقام أن تشير إلى أنه لا يجوز تنفيذ أحكام الحدود ولا القود ولا التعزيرات في المساجد لما قد يصيبها من تلوث، ولأن المحدود قد يرفع صوته وهو منهي عنه شرعا، ولأن المساجد إنها أقيمت للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله، وإقامة الحدود فيها تنافي ذلك، ولأنه لا يؤمن أن يبول المحدود، أو يسيل منه الدم، أو يحدث من شدة الألم فينجس المسجد، والله تعالى يقول: «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» الحج: 26]. وهذا رأي جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك ابن أبي ليلى، وابن حزم الظاهري، فأجاز إقامة الحدود في المساجد. 

فتح القدير ج 4 ص 292، البدائع ج7 ص60، کشاف القناع جـ 4 ص48، المغني جـ 10 ص 339، 340، المهذب جـ 2 ص 105، سبل السلام جـ 4 ص 32، 33، المحلى جـ 11 ص 133). 

ومما تجدر ملاحظته أن الحد إذا أقيم في المسجد أجزأ في رأي الجمهور، ولا تجب إعادته؛ لأن المنع لمعنى في المسجد لا في الحد نفسه. 

كما ترى اللجنة أن دور العبادة الخاصة بغير المسلمين تلحق في الحكم المذكور بالمساجد؛ رعاية للمشاعر الدينية عند أهل الكتاب، هذا وقد نص في المادة على أن الرجم يكون بحجارة متوسطة، ومثلها ما كان من طين مستحجر، لا بحصيات خفيفة؛ لئلا يطول تعذيبه، ولا بصخرات؛ لئلا يدفنه (أي يجهز عليه)، فيفوت التنكيل المقصود، قال الماوردي من الشافعية: والاختيار أن يكون ما يرمى به ملء الكف (شرح المنهج، وحاشية الجمل جـ 5 ص 131). 

کا نص على أن يتقى الوجه أثناء الرجم، لما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم برجم الغامدية أخذ حصاة مثل الحمصة ورماها بها، ثم قال للناس: «ارموها، واتقوا الوجه» . (المبسوط جـ 9 ص 72). 

جاء في حاشية الجمال على شرح المنهج للشافعية (المرجع السابق: وأن يتقى الوجه. أي دون الرأس، وكلامه کشيخنا يقتضي أنه مستحب والمعتمد وجوب ذلك). والوجه يجمع الحواس. 

ولقد اختارت اللجنة الأخذ بوجوب اتقاء الوجه؛ أخذاً بمذهب الحنفية والشافعية، وعملا بحديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه. 

ويؤجل تنفيذ حد الرجم على الزانية الحامل حتى تضع حملها ، وكذلك يؤجل رجم الوالدة المرضع حتى تتم إرضاع وليدها أيضاً، وذلك حتى لا يهلك الجنين في بطن أمه إذا رجمت وهي حامل، أو الرضيع بسبب افتقاده المرضع إذا رجمت بعد الولادة بابنها، وقد كان ذلك صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الغامدية، إذ ردها بعد إقرارها بالزنا حتى تلد، ثم ردها بعد الولادة لترضعه حتى تفطمه. جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: 

(جاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني). وأنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لم ترددني لعلك ترددني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى. قال: «أما لا، فاذهبي حتى تلدي». فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته. قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطمیه». فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلا يا خالد، والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مکس لغفر له». ثم أمر بها، فصلى عليها ودفنت). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود (نيل الأوطار للشوكاني ج 7 ص 92). 

وكذلك يؤخر تنفيذ حكم الرجم على المجنون حتى يبرأ أو يفيق، وذلك حتى تكون له فرصة الرجوع في إقراره وهو مكتمل الأهلية بالعقل قبل التنفيذ عليه، فيسقط الحد عنه وفقا لما أخذت به اللجنة في المادة (126) من هذا القانون، والتنفيذ عليه حالة جنونه يحرمه هذا الحق. 

وقدمنا أن تنفيذ حكم الرجم يكون علنا؛ ليحقق أهدافه الشرعية من الزجر، وهذا ما نص عليه في البند (3) من هذه المادة من وجوب حضور أحد أعضاء النيابة العامة؛ ليكون نائبا عن الحاكم في التنفيذ، إذ الخطاب في قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [ النور: 2]، سورة النور، موجه لأولياء الأمر؛ ليقيموا حد الزنا على من وجب عليه؛ لأن هذا حكم يتعلق باستصلاح الناس جميعاً، وكل حكم من هذا القبيل، فتنفيذه واجب على الإمام، وقد جعل الفقهاء مثل هذا الأمر من الأدلة على وجوب نصب الخليفة؛ لأنه تعالى أمر بإقامة الحد ولا يقوم به إلا الإمام - وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب «تفسیر آیات الأحكام للأساتذة عبد الرحمن تاج، والحسيني سلطان، وعبد السلام العسكري جـ 14 ص 1933، وحضور الإمام عند تنفيذ الحد بنفسه ليس واجباً، ويكفي أن ينيب عنه من يحضر تنفيذه، وذلك ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم حينما أمر أنيساً أن ينوب عنه في رجم المرأة التي زنى بها العسيف فقال له: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها». 

وجاء في شرح المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي جـ 5 ص 135(ویسن حضوره - أي الإمام - ولو بنائبه استيفاء الحد، سواء ثبت الزنا بالإقرار أو البينة، ولا يجب لأنه صلي الله عليه وسلم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضره) جاء في حاشية الجمل تعليقا على ذلك قوله (فيه أنه حضر بنائبه وهو أنيس). انتهى.

ولما كان النائب العام بوصفه القانوني ينوب عن الحاكم في ذلك، ويمثله أعضاء النيابة الذين هم وکلاء النائب العام - فإن اللجنة قد اختارت القول بعدم وجوب حضور الإمام لتنفيذ حد الرجم، وإنما اكتفت بضرورة حضور أحد أعضاء النيابة العامة نيابة عنه، وحضور الطبيب المختص ضروري؛ لمعرفة الأعذار التي قد تطرأ وتؤخر تنفيذ الحدود لإعلان موت المحكوم عليه لوقف عملية الرجم. 

وظاهر قوله تعالى: «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. (2)» سورة النور - يقتضي وجوب الحضور على طائفة من المؤمنين، ولكن الفقهاء على أن حضور الجمع مستحب لا واجب، والتقيد بالمؤمنين؛ لأن الخطاب لهم وهم المنوط بهم تنفيذ الحدود، وهنا لا يمنع حضور غيرهم من أهل الكتاب خاصة، وقد اختارت اللجنة القول بتنفيذ الحد على غير المسلمين. 

والمقصود من حضورهم إعلان إقامة الحد للتنكيل وللعبرة والموعظة كما أسلفنا. واختلف العلماء في هذه الطائفة، فعن مجاهد والنخعي وأحمد هي الآية (واحد). 

وقال عطاء وعكرمة وإسحاق: اثنان فصاعداً. وهو القول المشهور لمالك، وقال قتادة، والزهري: ثلاثة فصاعدا. وعن الشافعي وزيد: أربعة. بعدد شهود الزنا، وقال الحسن: (عشرة). وعن أبي عباس: الطائفة: الرجل فما فوقه إلى أربعين رجلاً من المصدقين بالله. 

وأول هذه الأقوال بالصواب أن المراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، ويختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص حسبها تراه هيئة التنفيذ. 

هذا، ويسن أن يحفر للمرأة عند تنفيذ حد الرجم عليها إلى صدرها، وتشد عليها ثيابها؛ لأن في ذلك ستراً لها فلا تنكشف، ولا يحفر للرجل، ويصفون كصفوف الصلاة لرجمه، کلا رجم قوم تنحوا ورجم آخرون. 

وذلك حتى لا يصيب الرماة بعضهم بعضاً. 

هذا، وبعد رجم الزاني يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام صلى على الغامدية، فقال له عمر رضى الله عنه: (تصلي عليها یا رسول الله وقد زنت. فقال: «لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله). رواه الجماعة (الستة) إلا البخاري وابن ماجه (نيل الأوطار للشوكاني جـ 7 ص 49، ابن عابدین جـ 3 ص 151، المغني لابن قدامة ج 8 ص 166. 

(مادة 127): ينفذ حد الجلد المنصوص عليه في هذا الباب وفقاً لحكم المادة (84) 

من هذا القانون في مكان يشهده طائفة من المؤمنين. 

الإيضاح 

وتنص هذه المادة على أن تنفيذ حد الجلد يكون في مكان عام، يشهده طائفة من المؤمنين، وبحضور عضو النيابة المختص، وقد استوفي إيضاح ذلك حكماً وسنداً عند إيضاح المادة الخاصة بتنفيذ حد الرجم، فليرجع إليها. 

مادة (128): من واقع أنثى برضاها يعاقب كل منهما بالحبس. 

وفي حالة الإحصان المبين في المادة (119) من هذا القانون، أو وقوع الجريمة بين محرمين تكون العقوبة السجن، وإذا اجتمع هذان الشرطان يحكم بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن ، الصفحة / 129

بِغَاءٌ

التَّعْرِيفُ:

الْبِغَاءُ مَصْدَرُ: بَغَتِ الْمَرْأَةُ تَبْغِي بِغَاءً، بِمَعْنَى: فَجَرَتْ، فَهِيَ بَغِيٌّ، وَالْجَمْعُ بَغَايَا، وَهُوَ وَصْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَرْأَةِ، وَلاَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: بَغِيٌّ .

وَيُعَرِّفُ الْفُقَهَاءُ الْبِغَاءَ بِأَنَّهُ: زِنَى الْمَرْأَةِ. أَمَّا الرَّجُلُ فَلاَ يُسَمَّى زِنَاهُ بِغَاءً. وَالْمُرَادُ مِنْ بِغَاءِ الْمَرْأَةِ هُوَ خُرُوجُهَا تَبْحَثُ عَمَّنْ يَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ الْفِعْلَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُكْرَهَةً أَمْ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ  قوله تعالي : ( وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)  وَقَدْ ذَكَرَتْ كُتُبُ التَّفْسِيرِ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآْيَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ جَوَارٍ، وَكَانَ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَقَدْ سُمِّيَ فِعْلُهُنَّ وَهُنَّ مُكْرَهَاتٌ عَلَيْهِ بِغَاءً، فَإِطْلاَقُ هَذَا الاِسْمِ عَلَيْهِ مَعَ رِضَاهُنَّ يَصِحُّ، بَلْ أَوْلَى، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْقَيْدِ الَّذِي فِي الآْيَةِ وَهُوَ  قوله تعالي : ( إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) فَسَتَأْتِي الإْشَارَةُ إِلَيْهِ .

حُكْمُ أَخْذِ الْبَغِيِّ مَهْرًا:

نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»  فَإِنَّ مِنَ الْبَغَايَا مَنْ كُنَّ يَأْخُذْنَ عِوَضًا عَنِ الْبِغَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى مُجَاهِدٌ فِي  قوله تعالي : ( وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) قَالَ: كَانُوا يَأْمُرُونَ وَلاَئِدَهُمْ فَيُبَاغِينَ، فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ فَيُصَبْنَ، فَيَأْتِينَهُمْ بِكَسْبِهِنَّ. وَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ جَارِيَةٌ كَانَتْ تُبَاغِي، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، وَحَلَفَتْ أَلاَّ تَفْعَلَهُ، فَأَكْرَهَهَا، فَانْطَلَقَتْ فَبَاغَتَ بِبُرْدٍ أَخْضَرَ، فَأَتَتْهُمْ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآْيَةَ .

وَالْمُرَادُ بِمَهْرِ الْبَغِيِّ: مَا تُؤْجِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى الزِّنَى، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِهِ. وَتَفْصِيلُ بَقِيَّةِ الأْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبِغَاءِ مَحَلُّهَا مُصْطَلَحُ: (زِنَى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة /  277

الزِّنَى الَّذِي لاَ حَدَّ فِيهِ، وَمُقَدِّمَاتُهُ :

الزِّنَى  إِذَا تَوَافَرَتِ الشَّرَائِطُ الشَّرْعِيَّةُ لِثُبُوتِهِ فَإِنَّ فِيهِ حَدَّ الزِّنَى، أَمَّا  إِذَا لَمْ يُطَبَّقِ الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ لِوُجُودِ شُبْهَةٍ  أَوْ لِعَدَمِ تَوَافُرِ شَرِيطَةٍ مِنَ الشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ لِثُبُوتِ الْحَدِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ جَرِيمَةً شُرِعَ الْحُكْمُ فِيهَا - أَوْ فِي جِنْسِهَا - لَكِنَّهُ لَمْ يُطَبَّقْ. وَكُلُّ جَرِيمَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ قِصَاصَ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:  إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، سَوَاءٌ كَانَتْ شُبْهَةَ فِعْلٍ  أَوْ شُبْهَةَ مِلْكٍ، أَوْ شُبْهَةَ عَقْدٍ، فَإِنَّ الْحَدَّ لاَ يُطَبَّقُ. لَكِنَّ الْجَانِيَ يُعَزَّرُ؛ لأِنَّهُ  ارْتَكَبَ جَرِيمَةً لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ.

وَتُعْرَفُ الشُّبْهَةُ بِأَنَّهَا: مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. أَوْ: هِيَ وُجُودُ الْمُبِيحِ صُورَةً، مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ أَوْ حَقِيقَتِهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (اشْتِبَاهٌ).

وَ إِذَا كَانَتِ الْمَزْنِيُّ بِهَا مَيِّتَةً فَفِي هَذَا الْفِعْلِ التَّعْزِيرُ؛ لأِنَّهُ  لاَ يُعْتَبَرُ زِنًى، إِذْ حَيَاةُ الْمَزْنِيِّ بِهَا شَرِيطَةٌ فِي الْحَدِّ.

وَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ مِنْ رَجُلٍ فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، بَلِ التَّعْزِيرُ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْمُسَاحَقَةُ.

وَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ الْحَدِّ، لَكِنَّ فِيهِ التَّعْزِيرَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ فِي الدُّبُرِ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَالْقَوْلُ بِالْقَتْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ زِنًى، وَفِيهِ الْحَدُّ.

وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ اللِّوَاطَ زِنًى، وَفِيهِ حَدُّ الزِّنَى. وَمِنْ هَؤُلاَءِ: مَالِكٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ لَدَى الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ فِيهِ حَدَّ الزِّنَى: وَ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ فِي زَوْجَةِ الْفَاعِلِ فَلاَ حَدَّ فِيهِ بِالإْجْمَاعِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ.

وَمِمَّا يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ فِي هَذَا الْمَجَالِ كُلُّ مَا دُونَ الْوِقَاعِ مِنْ أَفْعَالٍ، كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالْمُحْصَنُ، وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُ أَيْضًا: إِصَابَةُ كُلِّ مُحَرَّمٍ مِنَ الْمَرْأَةِ غَيْرِ الْجِمَاعِ. وَعِنَاقُ الأْجْنَبِيَّةِ، أَمْ تَقْبِيلُهَا.

وَمِمَّا فِيهِ التَّعْزِيرُ كَذَلِكَ: كَشْفُ الْعَوْرَةِ لآِخَرَ، وَخِدَاعُ النِّسَاءِ، وَالْقَوَادَةُ، وَهِيَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلزِّنَى، وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالِ لِلِّوَاطِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 243

الْجَلْدُ فِي حَدِّ الزِّنَى:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ حَدَّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الزَّانِي الْبِكْرِ - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ - مِائَةُ جَلْدَةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، سَوَاءٌ أَزَنَى - بِبِكْرٍ أَمْ ثَيِّبٍ. لِلآْيَةِ السَّابِقَةِ.

وَحَدَّ غَيْرِ الْحُرِّ: نِصْفُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْصَنًا أَمْ غَيْرَ مُحْصَنٍ. لقوله تعالي ( فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).

وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ: الْحَرَائِرُ، وَحَدُّ الْحُرَّةِ إِمَّا الرَّجْمُ أَوِ الْجَلْدُ، وَالرَّجْمُ لاَ يَتَنَصَّفُ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ حَدَّ غَيْرِ الْحُرَّةِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ الْبِكْرِ: وَهُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَقِيسَ عَلَيْهَا الذَّكَرُ غَيْرُ الْحُرِّ؛ لأِنَّ الأُْنُوثَةَ وَصْفٌ أَلْغَاهُ الشَّارِعُ فِي الْحُدُودِ، وَنَحْوِهَا، فَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالأْنْثَى.

وَاخْتَلَفُوا فِي جَلْدِ الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ - وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ الَّذِي جَامَعَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ فِي حَدِّهِ.

وَقَالُوا: إِنَّ الآْيَةَ ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) عَامَّةٌ؛ لأِنَّ الأْلِفَ وَاللاَّمَ فِيهَا لِلْجِنْسِ، فَتَشْمَلُ الْمُحْصَنَ، وَغَيْرَ الْمُحْصَنِ، إِلاَّ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أَخْرَجَتِ الْمُحْصَنَ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدُّ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي الْبَالِغِ الْحُرِّ الْبِكْرِ: مِائَةُ جَلْدَةٍ.

وَرَجَمَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  الْغَامِدِيَّةَ، وَمَاعِزًا، وَالْيَهُودِيَّيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمْ، وَلَوْ جَلَدَهُمْ مَعَ الرَّجْمِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ حَضَرَ عَذَابَهُمَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا، وَيَبْعُدُ أَلاَّ يَرْوِيَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَ. فَعَدَمُ إِثْبَاتِهِ فِي رِوَايَةٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ مَعَ تَنَوُّعِهَا وَاخْتِلاَفِ أَلْفَاظِهَا: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعِ الْجَلْدُ.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِأَحَادِيثِ الْغَامِدِيَّةِ، وَمَاعِزٍ، وَالْيَهُودِيَّيْنِ.

وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ ثَابِتٌ عَلَى الْبِكْرِ، سَاقِطٌ عَنِ الثَّيِّبِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا الْقَتْلُ، أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ.

- وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَاعِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ تَقُولُ: إِنَّ مَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الأْمْرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لاَ يُوجِبُ أَهْوَنَهُمَا بِعُمُومِهِ. فَزِنَا الْمُحْصَنِ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الأْمْرَيْنِ - وَهُوَ الرَّجْمُ - بِخُصُوصِ كَوْنِهِ «زِنَا مُحْصَنٍ» فَلاَ يُوجِبُ أَهْوَنَهُمَا - وَهُوَ الْجَلْدُ - بِعُمُومِ كَوْنِهِ زِنًى.

وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ، ثُمَّ يُرْجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه  وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِهِ قَالَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : قوله تعالي : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) وَهَذَا عَامٌّ: يَشْمَلُ الْمُحْصَنَ وَغَيْرَ الْمُحْصَنِ، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ، وَالتَّغْرِيبِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ جَلَدْتُهَا  بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم .

وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ». وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّرِيحُ الثَّابِتُ لاَ يُتْرَكُ إِلاَّ بِمِثْلِهِ. وَالأْحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا الرَّجْمُ وَلَمْ يُذْكَرِ الْجَلْدُ، فَلاَ يُعَارَضُ بِهِ الصَّرِيحُ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّغْرِيبَ يَجِبُ لِذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الآْيَةِ؛ وَلأِنَّهُ زَانٍ فَيُجْلَدُ؛ وَلأِنَّهُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ عُقُوبَتَانِ: الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ، فَيُشْرَعُ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ أَيْضًا عُقُوبَتَانِ: الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَيَكُونُ الْجَلْدُ مَكَانَ التَّغْرِيبِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 18

زِنَى

التَّعْرِيفُ:

- الزِّنَى: الْفُجُورُ.

وَهَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: زَنَى زِنَاءً: وَيُقَالُ: زَانَى مُزَانَاةً، وَزِنَاءً بِمَعْنَاهُ.

وَشَرْعًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِتَعْرِيفَيْنِ: أَعَمُّ، وَأَخَصُّ. فَالأْعَمُّ: يَشْمَلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لاَ يُوجِبُهُ، وَهُوَ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.

قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلزِّنَى فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ.

فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَى بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْهُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ. وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ. وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ...» الْحَدِيثُ. وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لاَ يُحَدُّ لِلزِّنَا، وَلاَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لاَ يُحَدُّ بِهِ.

وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الأْخَصُّ لِلزِّنَى: هُوَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ «وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالاً أَوْ مَاضِيًا فِي قُبُلٍ خَالٍ مِنْ مِلْكِهِ وَشُبْهَتِهِ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ تَمْكِينُهَا». وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لاَ مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِلاَ شُبْهَةٍ تَعَمُّدًا.

وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِيلاَجُ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا بِلاَ شُبْهَةٍ.

وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهُ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي دُبُرٍ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْوَطْءُ، وَالْجِمَاعُ:

- أَصْلُ الْوَطْءِ فِي اللُّغَةِ: الدَّوْسُ بِالْقَدَمِ، وَمِنْ مَعَانِيهِ النِّكَاحُ، يُقَالُ: وَطِئَ الْمَرْأَةَ يَطَؤُهَا أَيْ نَكَحَهَا وَجَامَعَهَا. وَمَعْنَاهُ اصْطِلاَحًا: الْجِمَاعُ.

فَكُلٌّ مِنَ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنَ الزِّنَى، إِذْ قَدْ يَكُونُ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيَكُونُ نِكَاحًا حَلاَلاً، وَمَعَ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَكُونُ زِنًى حَرَامًا.

ب - اللِّوَاطُ:

- اللِّوَاطُ لُغَةً: إِتْيَانُ الذُّكُورِ فِي الدُّبُرِ، وَهُوَ عَمَلُ قَوْمِ نَبِيِّ اللَّهِ لُوطٍ عليه السلام. يُقَالُ: لاَطَ الرَّجُلُ لِوَاطًا وَلاَوَطَ، أَيْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ.

وَاصْطِلاَحًا: إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

ج - السِّحَاقُ:

- السِّحَاقُ وَالْمُسَاحَقَةُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: فِعْلُ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ الْمَجْبُوبِ بِالْمَرْأَةِ يُسَمَّى سِحَاقًا.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنَى وَالسِّحَاقِ، أَنَّ السِّحَاقَ لاَ إِيلاَجَ فِيهِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

الزِّنَى حَرَامٌ. وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:  ( وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَوَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). وَقَالَ تَعَالَى:  ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: قوله تعالي : ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى) أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولَ: وَلاَ تَزْنُوا. فَإِنَّ مَعْنَاهُ لاَ تَدْنُوا مِنَ الزِّنَى.

وَرَوَى «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ».

وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ. فَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ. وَلِذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ؛ لأِنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الأْعْرَاضِ وَالأْنْسَابِ. وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ، وَهِيَ حِفْظُ النَّفْسِ وَالدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ.

تَفَاوُتُ إِثْمِ الزِّنَى:

- يَتَفَاوَتُ إِثْمُ الزِّنَى وَيَعْظُمُ جُرْمُهُ بِحَسَبِ مَوَارِدِهِ. فَالزِّنَى بِذَاتِ الْمَحْرَمِ أَوْ بِذَاتِ الزَّوْجِ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ مَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا، إِذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ. فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا وَجُرْمًا مِنَ الزِّنَى بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَالأْجْنَبِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا انْضَمَّ لَهُ سُوءُ الْجِوَارِ. وَإِيذَاءُ الْجَارِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الأْذَى، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ، فَلَوْ كَانَ الْجَارُ أَخًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَقَارِبِهِ انْضَمَّ لَهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَيَتَضَاعَفُ الإْثْمُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». وَلاَ بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى بِامْرَأَةِ الْجَارِ. فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالْعِبَادَةِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْجِهَادِ، تَضَاعَفَ الإْثْمُ حَتَّى إِنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلاَّ وَقَفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنُّكُمْ ؟» أَيْ مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ ؟ قَدْ حَكَمَ فِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا لَهُ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الإْثْمُ أَعْظَمَ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا وَعُقُوبَةً، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ، أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الإْجَابَةِ تَضَاعَفَ الإْثْمُ.

أَرْكَانُ الزِّنَى:

صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رُكْنَ الزِّنَى الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَرُكْنُهُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَمُوَارَاةُ الْحَشَفَةِ؛ لأِنَّ  بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الإْيلاَجُ وَالْوَطْءُ. وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، حَيْثُ إِنَّهُمْ يُعَلِّقُونَ حَدَّ الزِّنَى عَلَى تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ تَغْيِيبٌ انْتَفَى الْحَدُّ. وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ هُوَ الَّذِي يَحْدُثُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْوَاطِئِ - مِلْكِ يَمِينِهِ وَمِلْكِ نِكَاحِهِ - فَكُلُّ وَطْءٍ حَدَثَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَهُوَ زِنًى يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ. أَمَّا إِذَا حَدَثَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْوَاطِئِ فَلاَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ زِنًى وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، حَيْثُ إِنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ. كَوَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ أَوِ النُّفَسَاءَ.

وَيُشْتَرَطُ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَكِبَ الزَّانِي الْفِعْلَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَطَأُ امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ تُمَكِّنَ الزَّانِيَةُ مِنْ نَفْسِهَا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَطَؤُهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا. وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْغَالِطِ وَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي.

حَدُّ الزِّنَى:

- كَانَ الْحَبْسُ وَالإْمْسَاكُ فِي الْبُيُوتِ أَوَّلَ عُقُوبَاتِ الزِّنَى فِي الإْسْلاَمِ لقوله تعالي : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً).

ثُمَّ إِنَّ الإْجْمَاعَ قَدِ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ مَنْسُوخٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الأْذَى هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لاَ ؟ فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ)( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا)كَانَ فِي أَوَّلِ الأْمْرِ فَنَسَخَتْهُمَا الآْيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ. وَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَالأْذَى وَالتَّعْبِيرُ بَاقٍ مَعَ الْجَلْدِ؛ لأِنَّهُمَا لاَ يَتَعَارَضَانِ بَلْ يُحْمَلاَنِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤَدَّبَا بِالتَّوْبِيخِ فَيُقَالُ لَهُمَا: فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا، وَخَالَفْتُمَا أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

وَالنَّاسِخُ هُوَ قوله تعالي : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَاطَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

وَبِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ».

- وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْتِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ. وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالي عنه أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم  بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ. فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الاِعْتِرَافُ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ. لِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه» أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: أَجْلِدُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَرْجُمُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَرِوَايَةُ الرَّجْمِ فَقَطْ هِيَ الْمَذْهَبُ.

- كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً مِائَةُ جَلْدَةٍ إِنْ كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا الْعَبْدُ أَوِ الأْمَةُ فَحَدُّهُمَا خَمْسُونَ جَلْدَةً سَوَاءٌ كَانَا بِكْرَيْنِ أَوْ ثَيِّبَيْنِ لقوله تعالي : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).

وَزَادَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) التَّغْرِيبَ عَامًا لِلْبِكْرِ الْحُرِّ الذَّكَرِ.

وَعَدَّى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ التَّغْرِيبَ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا. كَمَا زَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمُ التَّغْرِيبَ نِصْفَ عَامٍ لِلْعَبْدِ.

وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى تَعْرِيفِ الإْحْصَانِ وَشُرُوطِهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَانٍ 2 / 222).

كَمَا سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى التَّغْرِيبِ وَأَحْكَامِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَغْرِيبٍ 1 - 2).

شُرُوطُ حَدِّ الزِّنَى:

أَوَّلاً: الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا:

أ -إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا:

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الزِّنَى إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي الْفَرَجِ. فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْهَا أَصْلاً أَوْ أَدْخَلَ بَعْضَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لأِنَّهُ لَيْسَ وَطْئًا. وَلاَ يُشْتَرَطُ الإْنْزَالُ وَلاَ الاِنْتِشَارُ عِنْدَ الإْدْخَالِ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لاَ. انْتَشَرَ ذَكَرُهُ أَمْ لاَ.

 

ب- أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُكَلَّفًا:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُكَلَّفًا أَيْ عَاقِلاً بَالِغًا. فَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ لاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا إِذَا زَنَيَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ».

وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّائِمَةِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى حَدِّ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ إِذَا زَنَى.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مَسْأَلَةٌ مَا لَوْ وَطِئَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ - الْمُكَلَّفُ - مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اتِّفَاقًا؛ لأِنَّ  الْوَاطِئَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَدِّ؛ وَلأِنَّ  وُجُودَ الْعُذْرِ مِنْ جَانِبِهَا لاَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ يُوطَأُ مِثْلُهَا لاَ حَدَّ عَلَى وَاطِئَهَا.

ج - أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ شَرْطٌ فِي حَدِّ الزِّنَى. فَإِنْ كَانَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِ الزِّنَى لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإْسْلاَمِ أَوْ بُعْدِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا لَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ دَارِ الإْسْلاَمِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ. وَلِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلاً زَنَى بِالْيَمَنِ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله تعالي عنه إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَى فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ عَذَرَ رَجُلاً زَنَى بِالشَّامِ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الزِّنَى. وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا عَذَرَا جَارِيَةً زَنَتْ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةً وَادَّعَتْ أَنَّهَا لاَ تَعْلَمُ التَّحْرِيمَ. وَلأِنَّ  الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ.

وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ عَابِدِينَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ إِلاَّ مِمَّنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ نَشَأَ وَحْدَهُ فِي شَاهِقٍ، أَوْ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ مِثْلِهِ لاَ يَعْلَمُونَ تَحْرِيمَهُ، أَوْ يَعْتَقِدُونَ إِبَاحَتَهُ، إِذْ لاَ يُنْكَرُ وُجُودُ ذَلِكَ. فَمَنْ زَنَى وَهُوَ كَذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ دَارَنَا لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ، إِذِ التَّكْلِيفُ بِالأْحْكَامِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ مَنِ اشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَقْلِ الإْجْمَاعِ بِخِلاَفِ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمُعْتَقِدِينَ حُرْمَتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا فَإِنَّهُ إِذَا زَنَى يُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ بِالْجَهْلِ.

وَلاَ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِجَهْلِ الْعُقُوبَةِ إِذَا عُلِمَ التَّحْرِيمُ، لِحَدِيثِ «مَاعِزٍ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم  أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ رَجْمِهِ رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّ قَوْمِي قَتَلُونِي غَرُّونِي مِنْ نَفْسِي وَأَخْبَرُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  غَيْرُ قَاتِلِي».

انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ:

مِنَ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِحَدِّ الزِّنَى وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ».

وَقَدْ نَازَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالإْرْسَالِ تَارَةً وَبِالْوَقْفِ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الإْرْسَالَ لاَ يَقْدَحُ، وَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ لأِنَّ  إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِشُبْهَةٍ خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الثُّبُوتِ لاَ يَرْتَفِعُ بِشُبْهَةٍ فَحَيْثُ ذَكَرَهُ صَحَابِيٌّ حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ. وَأَيْضًا فِي إِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الأْمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كِفَايَةٌ. وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ. وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الأْمَّةُ بِالْقَبُولِ. وَفِي تَتَبُّعِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  وَالصَّحَابَةِ مَا يَقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَقَدْ عَلِمْنَا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام  قَالَ لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ». كُلُّ ذَلِكَ يُلَقِّنُهُ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى، وَلَيْسَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ إِلاَّ كَوْنَهُ إِذَا قَالَهَا تُرِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ فَائِدَةَ. وَلَمْ يَقُلْ لِمَنِ اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ، لَعَلَّهُ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَضَاعَتْ، وَنَحْوِهِ.

وَكَذَا قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِشُرَاحَةَ: لَعَلَّهُ وَقَعَ عَلَيْكِ وَأَنْتِ نَائِمَةٌ، لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَكِ، لَعَلَّ مَوْلاَكِ زَوَّجَكِ مِنْهُ وَأَنْتِ تَكْتُمِينَهُ.

فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ كَوْنُ الْحَدِّ يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِلاَ شَكٍّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الاِسْتِفْسَارَاتِ الْمُفِيدَةَ لِقَصْدِ الاِحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ كُلَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ؛ لأِنَّهُ كَانَ بَعْدَ صَرِيحِ الإْقْرَارِ وَبِهِ الثُّبُوتُ. وَهَذَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الآْثَارِ وَمِنْ قَوْلِهِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ». فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْطُوعًا بِثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَكَانَ الشَّكُّ فِيهِ شَكًّا فِي ضَرُورِيٍّ فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَائِلِهِ وَلاَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ أَحْيَانًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الشُّبُهَاتِ أَهِيَ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ بِهَا أَمْ لاَ.

وَعَرَّفَ الْحَنَفِيَّةُ الشُّبْهَةَ بِأَنَّهَا مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ.

وَقَدْ قَسَّمَ كُلٌّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الشُّبْهَةَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ. تَفْصِيلُهَا فِيمَا يَلِي:

أ - أَنْوَاعُ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

الشُّبْهَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ، وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْعَقْدِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى النَّوْعَيْنِ الأْوَّلَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّالِثِ.

الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ:

- وَتُسَمَّى أَيْضًا: شُبْهَةُ الْمُشَابَهَةِ، وَشُبْهَةُ الاِشْتِبَاهِ.

وَهِيَ: أَنْ يُظَنَّ غَيْرُ الدَّلِيلِ دَلِيلاً. فَتَتَحَقَّقَ فِي حَقِّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَيْ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ، وَلاَ دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ بَلْ ظَنُّ غَيْرِ الدَّلِيلِ دَلِيلاً، فَلاَ بُدَّ مِنَ الظَّنِّ، وَإِلاَّ فَلاَ شُبْهَةَ أَصْلاً، لِفَرْضِ أَنْ لاَ دَلِيلَ أَصْلاً لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الأْمْرِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ أَصْلاً، وَلَيْسَتْ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: إِنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ.

ثُمَّ إِنَّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ تَكُونُ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ: ثَلاَثَةٍ مِنْهَا فِي الزَّوْجَاتِ، وَخَمْسَةٍ فِي الْجَوَارِي.

فَمَوَاضِعُ الزَّوْجَاتِ: مَا لَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الْبَائِنَ فِي الطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، أَوِ الْمُخْتَلِعَةَ.

وَمَوَاضِعُ الْجَوَارِي: هِيَ وَطْءُ جَارِيَةِ الأْبِ أَوِ الأْمِّ أَوِ الْجَدِّ أَوِ الْجَدَّةِ وَإِنْ عَلَوْا، وَوَطْءُ جَارِيَةِ الزَّوْجَةِ، وَوَطْءُ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ فِي الاِسْتِبْرَاءِ، وَالْعَبْدُ يَطَأُ جَارِيَةَ مَوْلاَهُ، وَالْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَهُ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ.

فَالْوَاطِئُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ إِذَا ظَنَّ الْحِلَّ يُعْذَرُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الْوَطْءَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الاِشْتِبَاهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى دَعْوَاهُ وَيُحَدُّ. وَلاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَإِنِ ادَّعَاهُ؛ لأِنَّ  الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًى لِفَرْضِ أَنْ لاَ شُبْهَةَ مِلْكٍ هُنَا، إِلاَّ أَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ لِظَنِّهِ الْمَحَلَّ، فَضْلاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إِلَى الْوَاطِئِ لاَ إِلَى الْمَحَلِّ، فَكَأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ، فَلاَ يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ، وَكَذَا لاَ تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ؛ لأِنَّهُ لاَ عِدَّةَ مِنَ الزَّانِي.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا؛ لأِنَّهُ وَطْءٌ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ، فَيَكْفِي ذَلِكَ لإِثْبَاتِ النَّسَبِ. وَأُلْحِقَتْ بِهَا الْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ، وَالْمُخْتَلِعَةُ.

وَثُبُوتُ النَّسَبِ هُنَا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ السَّابِقِ عَلَى الطَّلاَقِ. وَلِذَا ذَكَرُوا أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إِلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلاَ يَثْبُتُ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ. وَيَجِبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ: وَتُسَمَّى أَيْضًا الشُّبْهَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ:

وَتَنْشَأُ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحَلِّ، فَتُصْبِحُ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ فِيهَا شُبْهَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً، نَظَرًا إِلَى دَلِيلِ الْحِلِّ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «أَنْتَ وَمَالُكَ لأِبِيكَ». فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ لأِجْلِ شُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحَلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ؛ لأِنَّ  الشُّبْهَةَ إِذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَى فَامْتَنَعَ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إِثْبَاتِهِ لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.

وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ تَكُونُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الزَّوْجَاتِ، وَالْبَاقِي فِي الْجَوَارِي.

فَمَوْضِعُ الزَّوْجَاتِ: وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ بِالطَّلاَقِ الْبَائِنِ بِالْكِنَايَاتِ، فَلاَ يُحَدُّ، لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي كَوْنِهَا رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً.

وَمَوَاضِعُ الْجَوَارِي: هِيَ وَطْءُ الأْبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَوَطْءُ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي، وَوَطْءُ الزَّوْجِ الْجَارِيَةَ الْمَجْعُولَةَ مَهْرًا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِلزَّوْجَةِ حَيْثُ إِنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْمُشْتَرِي وَالزَّوْجَةِ، وَوَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ، وَوَطْءُ الْمُرْتَهِنِ لِلْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ. وَزَادَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: وَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَوَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ، وَوَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ، وَوَطْءَ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. وَكَذَا وَطْءُ جَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الاِسْتِبْرَاءِ، وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ بِرِدَّتِهَا، أَوْ بِمُطَاوَعَتِهَا لاِبْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  بَعْضَ الأْئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ، فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يَدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدِّ. قَالَ: وَالاِسْتِقْرَاءُ يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَالاِقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ. فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ؛ لأِنَّ  الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ، وَهِيَ هَاهُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا. وَيَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ إِذَا ادَّعَى الْوَلَدَ.

- شُبْهَةُ الْعَقْدِ:

- قَالَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ.

وَهِيَ عِنْدَهُ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ النَّسَبِيَّةِ، أَوْ بِالرَّضَاعِ، أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِهِمَا، فَإِذَا وَطِئَ الشَّخْصُ إِحْدَى مَحَارِمِهِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لاَ حَدًّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ تَعْزِيرَ. فَوُجُودُ الْعَقْدِ يَنْفِي الْحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَلاَلاً كَانَ الْعَقْدُ أَوْ حَرَامًا، مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، عَلِمَ الْوَاطِئُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ بِأَنَّ الأْنْثَى مِنْ أَوْلاَدِ آدَمَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْعَقْدِ؛ لأِنَّ  مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ قَابِلاً لِمَقْصُودِهِ الأْصْلِيِّ، وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ أَوْلاَدِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ. وَإِذَا كَانَتْ قَابِلَةً لِمَقْصُودِهِ كَانَتْ قَابِلَةً لِحُكْمِهِ، إِذِ الْحُكْمُ يَثْبُتُ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَقْصُودِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الأْحْكَامِ، إِلاَّ أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إِفَادَةِ الْحِلِّ حَقِيقَةً لِمَكَانِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِنَّ بِالنَّصِّ فَيُورِثُ شُبْهَةً، إِذِ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لاَ الْحَقِيقَةَ نَفْسَهَا.

وَالأْنْثَى مِنْ أَوْلاَدِ آدَمَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لاَ يُنَافِي الشُّبْهَةَ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَالنِّكَاحُ فِي إِفَادَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، لأِنَّهُ شَرَعَ لَهُ بِخِلاَفِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَكَانَ أَوْلَى فِي إِفَادَةِ الشُّبْهَةِ؛ لأِنَّ  الشُّبْهَةَ تُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ فَمَا كَانَ أَقْوَى فِي إِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ كَانَ أَقْوَى فِي إِثْبَاتِ الشُّبْهَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّا لِذَلِكَ بِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إِلَيْهِنَّ كَإِضَافَتِهِ إِلَى الذُّكُورِ، لِكَوْنِهِ صَادَفَ غَيْرَ الْمَحَلِّ فَيَلْغُو؛ لأِنَّ  مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحِلُّ هُنَا، وَهِيَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَكُونُ وَطْؤُهَا زِنًى حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ فِيهَا. وَإِلَيْهِ الإْشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:  ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَآبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) إِلَى قَوْلِهِ:  ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) وَالْفَاحِشَةُ هِيَ الزِّنَى لقوله تعالي : ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) وَمُجَرَّدُ إِضَافَةِ الْعَقْدِ إِلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ لاَ عِبْرَةَ فِيهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْوَارِدَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لاَ يُفِيدَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُعْذَرُ بِالاِشْتِبَاهِ.

وَمَحَلُّ الْخِلاَفِ بَيْنَهُمْ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، كَالنِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ وَبِلاَ شُهُودٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُلِّ. فَالشُّبْهَةُ إِنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

ب - أَنْوَاعُ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

قَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ الشُّبْهَةَ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٍ فِي الْوَاطِئِ، وَشُبْهَةٍ فِي الْمَوْطُوءَةِ، وَشُبْهَةٍ فِي الطَّرِيقِ.

فَالشُّبْهَةُ فِي الْوَاطِئِ: كَاعْتِقَادِ أَنَّ هَذِهِ الأْجْنَبِيَّةَ امْرَأَتُهُ، فَالاِعْتِقَادُ الَّذِي هُوَ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُعْتَقِدٌ الإْبَاحَةَ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي اعْتِقَادِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ، فَحَصَلَ الاِشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ.

وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَوْطُوءَةِ: كَالأْمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إِذَا وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ. فَمَا فِيهَا مِنْ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، وَمَا فِيهَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ، فَحَصَلَ الاِشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. وَالشُّبْهَةُ فِي الطَّرِيقِ: كَاخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي إِبَاحَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنَحْوِهِ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُحَرِّمِ يَقْتَضِي الْحَدَّ، وَقَوْلَ الْمُبِيحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، فَحَصَلَ الاِشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ.

فَهَذِهِ الثَّلاَثُ هِيَ ضَابِطُ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُمْ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ. غَيْرَ أَنَّ لَهَا شَرْطًا وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُقْدِمِ عَلَى الْفِعْلِ مُقَارَنَةَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حُصُولِ السَّبَبِ كَأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ.

وَضَابِطُ الشُّبْهَةِ الَّتِي لاَ تُعْتَبَرُ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ تَتَحَقَّقُ بِأَمْرَيْنِ: إِمَّا بِالْخُرُوجِ عَنِ الشُّبُهَاتِ الثَّلاَثِ الْمَذْكُورَةِ كَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ مَبْتُوتَةً ثَلاَثًا قَبْلَ زَوْجٍ، أَوْ أُخْتَهُ مِنَ الرَّضَاعِ أَوِ النَّسَبِ أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّ الْحَدَّ لاَ يَسْقُطُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِ مُقَارَنَةِ الْعِلْمِ لِسَبَبِهِ.

ج - أَنْوَاعُ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

الشُّبْهَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: شُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةٍ فِي الْفَاعِلِ، وَشُبْهَةٍ فِي الْجِهَةِ.

فَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ، كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَأَمَتِهِ قَبْلَ الاِسْتِبْرَاءِ، وَجَارِيَةِ وَلَدِهِ. فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا، أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ، فَلاَ حَدَّ بِوَطْئِهَا فِي الأْظْهَرِ؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَأُخْتِهِ. أَمَّا مَنْ لاَ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَالأْمِّ وَالْجَدَّةِ فَهُوَ زَانٍ قَطْعًا.

وَكَذَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوِ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوِ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أَمَةُ ذِمِّيٍّ فَوَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ.

وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفَاعِلِ، فَمِثْلُ أَنْ يَجِدَ امْرَأَةً فِي فِرَاشِهِ فَيَطَؤُهَا ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ ظَنَّهَا جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَكَانَتْ غَيْرَهَا فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لأِنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ عَلَيْهِ الاِمْتِنَاعُ. وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنَ احْتِمَالَيْنِ. وَجَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِسُقُوطِهِ. وَيَدْخُلُ فِي شُبْهَةِ الْفَاعِلِ الْمُكْرَهُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْجِهَةِ: فَهِيَ كُلُّ طَرِيقٍ صَحَّحَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَ الْوَطْءَ بِهَا فَلاَ حَدَّ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ. فَلاَ حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَبِلاَ شُهُودٍ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ. وَلاَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِشُبْهَةِ الْخِلاَفِ.

ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ الْخِلاَفِ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ أَنْ لاَ يُقَارِنَهُ حُكْمٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَإِنْ قَارَنَهُ حُكْمٌ قَاضٍ بِبُطْلاَنِهِ حُدَّ قَطْعًا، أَوْ حُكْمٌ قَاضٍ بِصِحَّتِهِ لَمْ يُحَدَّ قَطْعًا.

وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الضَّابِطَ فِي الشُّبْهَةِ قُوَّةُ الْمُدْرِكِ لاَ عَيْنُ الْخِلاَفِ. فَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ حُدَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِلُّ ذَلِكَ.

وَصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ مِنْ عَالِمٍ يُعْتَدُّ بِخِلاَفِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْهُ الْفَاعِلُ.

د - الشُّبْهَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

- لَمْ يُقَسِّمِ الْحَنَابِلَةُ الشُّبْهَةَ إِلَى أَنْوَاعٍ كَالْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً فَقَالُوا: لاَ حَدَّ عَلَى الأْبِ إِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا الاِبْنُ أَوْ لاَ؛ لأِنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لأِبِيكَ». وَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فِيهَا شِرْكٌ؛ لِلْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَلاَ حَدَّ إِنْ وَطِئَ أَمَةً كُلَّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ بَعْضَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ، لأِنَّ  لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلاَ حَدَّ إِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرٍ؛ لأِنَّ  الْوَطْءَ قَدْ صَادَفَ مِلْكًا، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُقَلْ لَهُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. وَلَوْ دَعَا ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ دَعَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَدْعُوَّةُ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لأِنَّهُ لاَ يُعْذَرُ بِهَذَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلاً يَظُنُّهُ ابْنَهُ فَبَانَ أَجْنَبِيًّا. وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ أَوِ الْوَثَنِيَّةَ أَوِ الْمُرْتَدَّةَ أَوِ الْمُعْتَدَّةَ، أَوِ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا فَلاَ حَدَّ، لأِنَّ هَا مِلْكُهُ. وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالنِّكَاحِ بِلاَ وَلِيٍّ، أَوْ بِلاَ شُهُودٍ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَنِكَاحِ الأْخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَنَحْوِهَا، وَنِكَاحِ الْبَائِنِ مِنْهُ، وَنِكَاحِ خَامِسَةٍ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ لَمْ تَبِنْ، وَنِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ قَبْلَ الإْجَازَةِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ أَمْ لاَ.

هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ، أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ إِذَا اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ.

وَإِنْ جَهِلَ نِكَاحًا بَاطِلاً إِجْمَاعًا كَخَامِسَةٍ فَلاَ حَدَّ لِلْعُذْرِ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا. أَمَّا إِذَا عَلِمَ بِبُطْلاَنِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَلاَ حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوِ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ لِلشُّبْهَةِ؛ لأِنَّ  الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الأْمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَمِنْهُ الْوَطْءُ، أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ وَيَعْلَمُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ.

- مِنْ شُرُوطِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُخْتَارًا:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :  «تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ». وَلأِنَّ  هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا.

وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. 

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَى. فَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِشُبْهَةِ الإْكْرَاهِ.

وَذَهَبَ الأْكْثَرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْوَطْءَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالاِنْتِشَارِ الْحَادِثِ بِالاِخْتِيَارِ.

وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ إِكْرَاهِ السُّلْطَانِ وَإِكْرَاهِ غَيْرِهِ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فِي إِكْرَاهِ السُّلْطَانِ؛ لأِنَّ  سَبَبَهُ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرًا، وَالاِنْتِشَارُ دَلِيلٌ مُتَرَدِّدٌ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لأِنَّ  الاِنْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا لاَ طَوْعًا، كَمَا فِي النَّائِمِ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ، لأِنَّ  الإْكْرَاهَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ لاَ يَدُومُ إِلاَّ نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الاِسْتِعَانَةِ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ بِالسِّلاَحِ. وَالنَّادِرُ لاَ حُكْمَ لَهُ فَلاَ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، بِخِلاَفِ السُّلْطَانِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الاِسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ وَلاَ الْخُرُوجُ بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا.

وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ. قَالَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ: وَهَذَا اخْتِلاَفُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَفِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لاَ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالسُّلْطَانِ، وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتِ الْقُوَّةُ لِكُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا.

ثَانِيًا: الشُّرُوطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا:

أ - اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ حَيَّةً:

- اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ حَيَّةً، فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ؛ لأِنَّ  الْحَدَّ إِنَّمَا وَجَبَ لِلزَّجْرِ، وَهَذَا مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ بِحَدٍّ لِزَجْرِ الطَّبْعِ عَنْهُ. وَفِيهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَهُمْ.

وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِالْفَرْجِ الْمُشْتَهَى طَبْعًا، وَهُوَ فَرْجُ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فَيَجِبُ عِنْدَهُمُ الْحَدُّ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي قُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَ فَلاَ يُحَدُّ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمَيْتَةِ. وَاسْتَثْنَوْا كَذَلِكَ الْمَرْأَةَ إِذَا أَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيْتٍ غَيْرَ زَوْجٍ فِي فَرْجِهَا فَلاَ تُحَدُّ لِعَدَمِ اللَّذَّةِ.

ب -كَوْنُ الْمَوْطُوءَةِ امْرَأَةً:

- اشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ امْرَأَةً. فَلاَ حَدَّ عِنْدَهُ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَوِ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الإْمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مِحْصَنٍ سِيَاسَةً. أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًى وَلاَ فِي مَعْنَاهُ فَلاَ يَثْبُتُ فِيهِ حَدٌّ.

وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هَذَا الشَّرْطَ، فَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ جَلْدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ، وَرَجْمًا إِنْ أُحْصِنَ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمَا يُرْجَمَانِ حَدًّا أُحْصِنَا أَمْ لاَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْفَاعِلِ. أَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لأِنَّ  الْمَحَلَّ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِحْصَانٌ.

وَطْءُ الْبَهِيمَةِ:

ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ أَتَى بَهِيمَةً لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَقُولُهُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلأِنَّ  الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى زَجْرٍ بِحَدٍّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ: إِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: بِأَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.

وَمِثْلُ وَطْءِ الْبَهِيمَةِ مَا لَوْ مَكَّنَتِ امْرَأَةٌ حَيَوَانًا مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى وَطِئَهَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا بَلْ تُعَزَّرُ.

وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) أَنَّهُ لاَ تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ، وَإِذَا قُتِلَتْ فَإِنَّهَا يَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمَنَعَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَكْلَهَا. وَقَالاَ: تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ. وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُقْتَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ. وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ». وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهَا تُذْبَحُ إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، وَصَرَّحُوا بِحُرْمَةِ أَكْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ.

ج - كَوْنُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، لأِنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ كَالْقُبُلِ.

وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ الْحَدَّ بِالْفَاعِلِ فَقَطْ. أَمَّا الْمَفْعُولُ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْلَدُ وَتُغَرَّبُ، مُحْصَنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ؛ لأِنَّ  الْمَحَلَّ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِحْصَانٌ.

وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ فَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الأْجْنَبِيَّةِ. أَمَّا إِتْيَانُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَلاَ حَدَّ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ لاِرْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً. وَقَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ التَّعْزِيرَ عَلَى مَا إِذَا تَكَرَّرَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلاَ تَعْزِيرَ فِيهِ.

د -كَوْنُ الْوَطْءِ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ:

اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الزِّنَى فِي دَارِ الإْسْلاَمِ. فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ وَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ».

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ.

وَلأِنَّ  الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ، وَلاَ قُدْرَةَ لِلإْمَامِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلاَ وُجُوبَ وَإِلاَّ عَرَى عَنِ الْفَائِدَةِ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْهُ الاِسْتِيفَاءُ لِيَحْصُلَ الزَّجْرُ، وَالْفَرْضُ أَنْ لاَ قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلإْيجَابِ حَالَ وُجُودِهِ لَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا لَهُ حَالَ عَدَمِهِ.

وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا زَنَى فِي عَسْكَرٍ لأِمِيرِهِ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحَدِّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَى؛ لأِنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَالْقُدْرَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ خَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى ثُمَّ عَادَ إِلَى الْعَسْكَرِ فَإِنَّهُ لاَ يُقِيمُهُ، وَكَذَا لَوْ زَنَى فِي الْعَسْكَرِ وَالْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيَّامِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَهَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِمَا إِذَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، بِخِلاَفِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَوِ السَّرِيَّةِ لأِنَّهُ إِنَّمَا فَوَّضَ لَهُمَا تَدْبِيرَ الْحَرْبِ لاَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلإْمَامِ، وَوِلاَيَةُ الإْمَامِ مُنْقَطِعَةٌ ثَمَّةَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً مِنْ نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْتِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ، لِمَا رَوَى جُنَادَةُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي الْبَحْرِ، فَأُتِيَ بِسَارِقٍ يُقَالُ لَهُ: مَصْدَرٌ، قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: «لاَ تُقْطَعُ الأْيْدِي فِي السَّفَرِ» وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَقَطَعْتُهُ.

وَنَقَلُوا إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى رَجَعَ إِلَى دَارِ الإْسْلاَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعُمُومِ الآْيَاتِ وَالأْخْبَارِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ، وَقَدْ زَالَ.

وَإِذَا أَتَى حَدًّا فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأِنَّ هَا مِنْ بِلاَدِ الإْسْلاَمِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إِلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ.

هـ -  أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُسْلِمًا:

- اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُسْلِمًا، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَافِرِ إِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ طَائِعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَيُرَدُّ إِلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَتُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ. وَإِنِ اسْتَكْرَهَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ عَلَى الزِّنَى قُتِلَ.

 وَقَدْ وَافَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأْخْرَى مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَقَطْ.

وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي الْمَذَاهِبِ نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي: فَفِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، وَيُحَدُّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: يُحَدُّ الْجَمِيعُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.

فَإِذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْلِمَةِ أَوِ الذِّمِّيَّةِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلاَ حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ لأِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ، وَإِنْ زَنَى الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيَّةِ الْمُسْتَأْمَنَةِ حُدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدَّانِ جَمِيعًا.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا بِالأْحْكَامِ، وَيُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لاِلْتِزَامِهِ بِالأْحْكَامِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  رَجَمَ رَجُلاً وَامْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ زَنَيَا». وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْيَوْمَ لاَ يُحَدُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْمُسْتَأْمَنِ، لأِنَّهُمْ لاَ يُجَدَّدُ لَهُمْ عَهْدٌ، بَلْ يَجْرُونَ عَلَى ذِمَّةِ آبَائِهِمْ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُحَدُّونَ حَدَّ الزِّنَى، «لأِنَّ  الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَرُجِمَا» وَيَلْزَمُ الإْمَامَ إِقَامَةُ الْحَدِّ فِي زِنَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ؛ لاِلْتِزَامِهِمْ حُكْمَنَا. وَلاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى مُسْتَأْمَنٍ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ حُكْمَنَا.

وَلأِنَّ  زِنَى الْمُسْتَأْمَنِ يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَلاَ يَجِبُ مَعَ الْقَتْلِ حَدٌّ سِوَاهُ. وَهَذَا إِذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ. أَمَّا إِذَا زَنَى الْمُسْتَأْمَنُ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ نَاطِقًا:

اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ نَاطِقًا. فَلاَ يُقَامُ حَدُّ الزِّنَى عِنْدَهُمْ عَلَى الأْخْرَسِ مُطْلَقًا، حَتَّى وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَوْ إِشَارَةٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالزِّنَى لاَ تُقْبَلُ لِلشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ هَذَا الشَّرْطَ فَيَجِبُ حَدُّ الزِّنَى عَلَى الأْخْرَسِ إِذَا زَنَى.

ثُبُوتُ الزِّنَى:

يَثْبُتُ الزِّنَى بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: بِالشَّهَادَةِ، وَالإْقْرَارِ، وَالْقَرَائِنِ.

أ - الشَّهَادَةُ:

- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:  ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) وقوله تعالي : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْيَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) وقوله تعالي : ( لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْيَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ».

وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّهُودِ عَلَى الزِّنَى بِالإِْضَافَةِ إِلَى الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ لِلشَّهَادَةِ (الْمَذْكُورَةِ فِي مُصْطَلَحِ شَهَادَةٍ) أَنْ تَتَوَافَرَ فِيهِمْ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ الزِّنَى، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: الذُّكُورَةُ:

31 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي شُهُودِ الزِّنَى، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونُوا رِجَالاً كُلَّهُمْ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ.

وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الزِّنَى بِحَالٍ؛ لأِنَّ  لَفْظَ الأْرْبَعَةِ اسْمٌ لِعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ بِأَرْبَعَةٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الأْرْبَعَةَ إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً لاَ يُكْتَفَى بِهِمْ، وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ خَمْسَةٌ، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ:  ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى)وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزِّنَى لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ؛ وَلأِنَّ  الزِّنَى مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ فَغُلِّظَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الإْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَمُلُوا أَرْبَعَةً حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْمُلُوا فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ، لقوله تعالي : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْيَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) وَلأِنَّ  عُمَرَ رضي الله عنه حَدَّ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَى. وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، وَلِئَلاَّ يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إِلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ.

وَعِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ لاَ يُجْلَدُ الشُّهُودُ إِذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ؛ لأِنَّهُمْ جَاءُوا شَاهِدِينَ لاَ هَاتِكِينَ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ:

اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ الأْرْبَعَةِ فِي مَجْلِسٍ، وَبَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ. كَمَا اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَأْتِيَ الشُّهُودُ مُجْتَمِعِينَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعُوا خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، أَمَّا لَوْ كَانُوا قُعُودًا فِي مَوْضِعِ الشُّهُودِ فَقَامَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَشَهِدَ، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ بَعْدَ إِتْيَانِهِمْ مَحَلَّ الْحَاكِمِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمْ يُفَرَّقُونَ وُجُوبًا لِيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا أَوْ بَعْضُهُمْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَحُدُّوا.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَابِلَةُ إِتْيَانَهُمْ مُجْتَمِعِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتُوا مُتَفَرِّقِينَ لِقِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ، وَسُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنَّمَا حُدُّوا لِعَدَمِ كَمَالِهَا. عَلَى أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ فَهُمْ قَذَفَةٌ؛ لأِنَّ  شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلاَ صَحِيحَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَنْ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَجْلِسٍ، لقوله تعالي : ( لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ). وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَجْلِسَ. وَقَالَ تَعَالَى:  ( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ). وَلأِنَّ  كُلَّ شَهَادَةٍ مَقْبُولَةٌ إِنِ اتَّفَقَتْ، تُقْبَلُ إِذَا افْتَرَقَتْ فِي مَجَالِسَ، كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ:

يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى التَّفْصِيلُ، فَيَصِفُ الشُّهُودُ كَيْفِيَّةَ الزِّنَى، فَيَقُولُونَ: رَأَيْنَاهُ مُغَيِّبًا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا - إِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا - فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، أَوِ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ، لأِنَّهُ إِذَا اعْتَبَرَ التَّصْرِيحَ فِي الإْقْرَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ وَلأِنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًى زِنًى، فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ. كَمَا يُبَيِّنُ الشُّهُودُ كَيْفِيَّتَهُمَا مِنَ اضْطِجَاعٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ قِيَامٍ، أَوْ هُوَ فَوْقَهَا أَوْ تَحْتَهَا.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا سَأَلَهُمُ الْقَاضِي فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا زَنَيَا، فَإِنَّهُ لاَ يَحُدُّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَلاَ الشُّهُودَ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ، فَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لاَ يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ؛ لاِحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ.

كَمَا لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْبَلَدِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَكَذَا تَعْيِينُ الْمَكَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، كَكَوْنِهَا فِي رُكْنِ الْبَيْتِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ، أَوْ وَسَطِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَكَانِ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِيهِ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْحَدُّ لاِخْتِلاَفِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالاِنْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالاِضْطِرَابِ، أَوْ لأِنَّ  الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ، وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ، وَهَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ، أَمَّا فِي الْبَيْتِ الْكَبِيرِ فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ.

وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ الزَّمَانِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمْ غَيْرَ مَا شَهِدَ بِهِ الآْخَرُ. فَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا يَوْمَ السَّبْتِ فَإِنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي سَاعَةٍ أُخْرَى.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَصَالَةُ الشَّهَادَةِ:

اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي شُهُودِ الزِّنَى الأْصَالَةَ، فَلاَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى؛ لأِنَّ  الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السِّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا اجْتِمَاعُ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْكَذِبِ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الأْصْلِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لاَ يُوجَدُ فِي شُهُودِ الأْصْلِ، وَلأِنَّ  الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إِنَّمَا تُقْبَلُ لِلْحَاجَةِ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الْحَدِّ، لأِنَّ  سِتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ فَتَجُوزُ عِنْدَهُمُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ شَاهِدٍ أَصِيلٍ شَاهِدَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَنْ شَاهِدَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدَيْنِ النَّاقِلَيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا أَصِيلاً، فَيَجُوزُ فِي الزِّنَى أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، أَوْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، أَوْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، أَوْ يَشْهَدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ، وَيَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ الرَّابِعِ، وَإِذَا نَقَلَ اثْنَانِ عَنْ ثَلاَثَةٍ وَعَنِ الرَّابِعِ اثْنَانِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلاَفًا لاِبْنِ الْمَاجِشُونِ؛ وَوَجْهُ عَدَمِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْفَرْعُ إِلاَّ حَيْثُ تَصِحُّ شَهَادَةُ الأْصْلِ لَوْ حَضَرَ، وَالرَّابِعُ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الاِثْنَانِ الآْخَرَانِ لَوْ حَضَرَ مَا صَحَّتْ شَهَادَتُهُ مَعَ الاِثْنَيْنِ النَّاقِلَيْنِ عَنِ الثَّلاَثَةِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ؛ لأِنَّ  عَدَدَ الْفَرْعِ فِيهَا نَاقِصٌ عَنْ عَدَدِ الأْصْلِ حَيْثُ نَقَلَ عَنِ الثَّلاَثَةِ اثْنَانِ فَقَطْ، وَالْفَرْعُ لاَ يَنْقُصُ عَنِ الأْصْلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَنِيَابَتِهِ مَنَابَهُ. كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّلْفِيقُ بَيْنَ شُهُودِ الأْصْلِ وَالْفَرْعِ، كَأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الزِّنَى، وَيَنْقُلَ اثْنَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ.

شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى الزِّنَى:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَى لِلتُّهْمَةِ، إِذْ أَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهَا مُقِرٌّ بِعَدَاوَتِهِ؛ وَلأِنَّ هَا دَعْوَى خِيَانَتِهَا فِرَاشَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ؛ لأِنَّ  التُّهْمَةَ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلاَدٌ صِغَارٌ.

وَانْظُرِ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَى الْقَدِيمِ، فِي مُصْطَلَحِ (حُدُودٍ ف 24)

وَأَمَّا بَقِيَّةُ مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ كَرُجُوعِ الشُّهُودِ، وَظُهُورِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشُّهُودِ، وَاخْتِلاَفِ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ، وَتَعَارُضِ الشَّهَادَاتِ، وَأَثَرِ تَعَهُّدِ النَّظَرِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ).

ب - الإْقْرَارُ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَى بِالإْقْرَارِ، لأِنَّ  «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارَيْهِمَا». وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الإْقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلاَ يُكْتَفَى بِالإْقْرَارِ مُرَّةً وَاحِدَةً، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبَ حَيْثُ لاَ يَرَاهُ ثُمَّ يَجِيءَ فَيُقِرَّ، وَيَسْتَوِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ تَكُونَ الأْقَارِيرُ الأْرْبَعَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى الاِكْتِفَاءِ بِالإْقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لأِنَّ  النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  اكْتَفَى مِنَ الْغَامِدِيَّةِ بِإِقْرَارِهَا مُرَّةً وَاحِدَةً.

وَيُشْتَرَطُ فِي الإْقْرَارِ أَنْ يَكُونَ مُفَصِّلاً مُبَيِّنًا لِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَالشُّبْهَةُ. «وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ ؟ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا ؟» لاَ يُكَنِّي فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَى ؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ حَلاَلاً».

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حُدُودٍ) ف 26، وَمُصْطَلَحَ: (إِقْرَارٍ) ف 12 وَمَا بَعْدَهَا، ، وَانْظُرْ أَيْضًا الشُّبْهَةَ بِتَقَادُمِ الإْقْرَارِ، وَالرُّجُوعَ فِي الإْقْرَارِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٍ) ف 57 وَمَا بَعْدَهَا

الْبَيِّنَةُ عَلَى الإْقْرَارِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ - الشَّهَادَةِ - عَلَى الإْقْرَارِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الإْقْرَارِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الإْقْرَارِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلاَ يُحَدُّ، مِثْلُ الرُّجُوعِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى أَرْبَعًا، يَثْبُتُ الزِّنَى لِوُجُودِ الإْقْرَارِ بِهِ أَرْبَعًا، وَلاَ يَثْبُتُ الإْقْرَارُ بِالزِّنَى بِدُونِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الإْقْرَارِ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ. فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الإْقْرَارَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، لأِنَّ  إِنْكَارَهُ وَتَصْدِيقَهُ دُونَ أَرْبَعٍ رُجُوعٌ عَنْ إِقْرَارِهِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِهِ. قَالُوا: لَوْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى فَقَالَ: مَا أَقْرَرْتُ، أَوْ قَالَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِقْرَارِهِ: مَا أَقْرَرْتُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ؛ لأِنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي.

ج - الْقَرَائِنُ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِعِلْمِ الإْمَامِ وَالْقَاضِي، فَلاَ يُقِيمَانِهِ بِعِلْمِهِمَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى ثُبُوتِهِ بِعِلْمِهِ. وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف 28

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْلِ وَاللِّعَانِ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي:

أ - ظُهُورُ الْحَمْلِ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ الْحَمْلِ فِي امْرَأَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا وَأَنْكَرَتِ الزِّنَى؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إِلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ، وَسَأَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى نَزَعَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: إِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ «لَعَلَّ» «وَعَسَى» فَهُوَ مُعَطَّلٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا تُسْأَلُ، وَلاَ يَجِبُ سُؤَالُهَا. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِظُهُورِ حَمْلِ امْرَأَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، فَتُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْغَصْبَ عَلَى ذَلِكَ بِلاَ قَرِينَةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ، أَمَّا مَعَ قَرِينَةٍ تُصَدِّقُهَا فَتُقْبَلُ دَعْوَاهَا وَلاَ تُحَدُّ، كَأَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً مِنْهُ، أَوْ تَأْتِيَ الْبِكْرُ تَدَّعِي عَقِبَ الْوَطْءِ، وَكَذَا لاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهَا أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ مَنِيٍّ شَرِبَهُ فَرْجُهَا فِي الْحَمَّامِ، وَلاَ مِنْ وَطْءِ جِنِّيٍّ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ مِثْلُ كَوْنِهَا عَذْرَاءَ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْعِفَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجِ زَوْجٌ يُلْحَقُ بِهِ الْحَمْلُ فَيَخْرُجُ الْمَجْبُوبُ وَالصَّغِيرُ، أَوْ أَتَتْ بِهِ كَامِلاً لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ فَتُحَدُّ. وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا الأْمَةُ الَّتِي أَنْكَرَ سَيِّدُهَا وَطْأَهَا فَتُحَدُّ.

اللِّعَانُ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَى بِاللِّعَانِ إِذَا لاَعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنْهُ، فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى حِينَئِذٍ وَتُحَدُّ، أَمَّا إِذَا لاَعَنَتْ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ اللِّعَانِ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا؛ لأِنَّ  زِنَاهَا لَمْ يَثْبُتْ؛ وَلأِنَّ  الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَحْبِسُهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلاَعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (لِعَانٍ).

إِقَامَةُ حَدِّ الزِّنَى:

مَنْ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْحُرِّ إِلاَّ الإْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ) ف 36

عَلاَنِيَةُ الْحَدِّ:

اسْتَحَبَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُسْتَوْفَى حَدُّ الزِّنَى بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ. قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنَ الْحُدُودِ الزَّجْرُ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُلُ إِلاَّ بِالْحُضُورِ.

وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ حُضُورَ طَائِفَةٍ لِيَشْهَدُوا حَدَّ الزِّنَى. لقوله تعالي : ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

كَيْفِيَّةُ إِقَامِهِ الْحَدِّ:

سَبَقَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْجَلْدِ وَالأْعْضَاءِ الَّتِي لاَ تُجْلَدُ، وَبَيَانُ إِذَا كَانَ الْمَحْدُودُ مَرِيضًا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ ضَعِيفًا لاَ يَحْتَمِلُ الْجَلْدَ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَلْدٍ) ف 12

كَمَا أَنَّ تَفْصِيلَ كَيْفِيَّةِ الرَّجْمِ فِي مُصْطَلَحِ: (رَجْمٍ) ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنْ تَكُونَ الْحِجَارَةُ فِي الرَّجْمِ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّ - تَمْلأَ الْكَفَّ - فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَمَ بِصَخَرَاتٍ تُذَفِّفُهُ (أَيْ تُجْهِزُ عَلَيْهِ فَوْرًا) فَيَفُوتُ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ، وَلاَ بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلاَّ يَطُولَ تَعْذِيبُهُ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَيَخُصُّ بِالرَّجْمِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي هِيَ مَقَاتِلُ مِنَ الظَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى مَا فَوْقُ، وَيُتَّقَى الْوَجْهُ وَالْفَرْجُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنْ يَتَّقِيَ الرَّاجِمُ الْوَجْهَ لِشَرَفِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوفِ الرَّاجِمِينَ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُصَفُّوا عِنْدَ الرَّجْمِ كَصُفُوفِ الصَّلاَةِ، كُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمْ فَرَجَمُوا. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَالدَّائِرَةِ إِنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لأِنَّهُ لاَ حَاجَةَ إِلَى تَمْكِينِهِ مِنَ الْهَرَبِ، وَلاَ يُسَنُّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ لاِحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ فَيُتْرَكَ وَلاَ يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُحِيطُ النَّاسُ بِهِ.

مُسْقِطَاتُ حَدِّ الزِّنَى:

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالشُّبْهَةِ، إِذِ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ». وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى الشُّبْهَةِ ف 14

كَمَا أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَى بِالرُّجُوعِ عَنِ الإْقْرَارِ إِذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِالإْقْرَارِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ ف 14)

كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى بِرُجُوعِ الشُّهُودِ الأْرْبَعَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٍ).

- وَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى أَيْضًا بِتَكْذِيبِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِلآْخَرِ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَى مِنْهُمَا، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنِ الْمُكَذِّبِ فَقَطْ دُونَ الْمُقِرِّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ مُؤَاخَذَةً بِإِقْرَارِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَكَذَّبَتْهُ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْمُقِرِّ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا لَوْ سَكَتَتْ، أَوْ لَمْ تُسْأَلْ عَنْ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى سُقُوطِ الْحَدِّ عَنِ الْمُقِرِّ أَيْضًا، لاِنْتِفَاءِ الْحَدِّ عَنِ الْمُنْكِرِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّفْيِ عَنْهُ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، لأِنَّ  الزِّنَى فِعْلٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ بِهِمَا. فَإِذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ تَعَدَّتْ إِلَى طَرَفَيْهِ لأِنَّهُ مَا أُطْلِقَ، بَلْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِمَنْ دَرَأَ الشَّرْعُ الْحَدَّ عَنْهُ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ: زَنَيْتُ، فَإِنَّهُ لاَ مُوجِبَ شَرْعًا يَدْفَعُهُ.

وَبَقَاءُ الْبَكَارَةِ مُسْقِطٌ لِحَدِّ الزِّنَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ بِشُبْهَةِ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، حَيْثُ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَكْفِي شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعُذْرَتِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَوْ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ، كَأَنْ يُقِرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِفُلاَنَةَ حَتَّى كَانَ إِقْرَارُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ تَزَوَّجَنِي، أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ كَذَلِكَ بِالزِّنَى مَعَ فُلاَنٍ، وَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ تَزَوَّجْتُهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لأِنَّ  دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ عَلَى النِّكَاحِ. فَلَوْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: زَنَيْتُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، فَأَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَكَذَّبَتْهُ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ، أَمَّا حَدُّهَا فَظَاهِرٌ لإِقْرَارِهَا بِالزِّنَى، وَأَمَّا حَدُّهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُوَافِقْهُ عَلَى النِّكَاحِ وَالأْصْلُ عَدَمُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ. قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ وَلَوْ حَصَلَ فُشُوٌّ، وَمِثْلُهُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى الرَّجُلُ وَطْءَ امْرَأَةٍ وَأَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ قَالاَ: عَقَدْنَا النِّكَاحَ وَلَمْ نُشْهِدْ وَنَحْنُ نُشْهِدُ الآْنَ - وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فُشُوٌّ يَقُومُ مَقَامَ الإْشْهَادِ - فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ يُحَدَّانِ لِدُخُولِهِمَا بِلاَ إِشْهَادٍ.

وَكَذَا لَوْ وُجِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ طَرِيقٍ - وَالْحَالُ أَنَّهُمَا غَيْرُ طَارِئَيْنِ - وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ وَالإْشْهَادَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا بِذَلِكَ وَلاَ فُشُوَّ يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ، لأِنَّ  الأْصْلَ عَدَمُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ، فَإِنْ حَصَلَ فُشُوٌّ أَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ، قُبِلَ قَوْلُهُمَا وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لأِنَّهُمَا لَمْ يَدَّعِيَا شَيْئًا مُخَالِفًا لِلْعُرْفِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَى عَلَى الْمُقِرِّ فَقَطْ دُونَ مَنِ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ فَلاَ يُحَدُّ؛ لأِنَّ  دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ؛ وَلاِحْتِمَالِ صِدْقِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها  مَرْفُوعًا «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» فَإِذَا أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ حُدَّتْ وَحْدَهَا، وَلاَ مَهْرَ لَهَا مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا.

وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيَّةُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْمُقِرِّ أَيْضًا. فَلَوْ قَالَ: زَنَيْتُ بِفُلاَنَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ تَزَوَّجَنِي، صَارَ مُقِرًّا بِالزِّنَى وَقَاذِفًا لَهَا، فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَى وَحَدُّ الْقَذْفِ.

وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اعْتِرَاضَ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ مُسْقِطٌ لِحَدِّ الزِّنَى، بِأَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - وَهِيَ إِحْدَى ثَلاَثِ رِوَايَاتٍ عَنْهُ - وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ الاِسْتِمَاعِ، فَحَصَلَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ فَيَصِيرُ شُبْهَةً، كَالسَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْوَطْءَ حَصَلَ زِنًى مَحْضًا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلًّا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَحَصَلَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَالْعَارِضُ وَهُوَ الْمِلْكُ لاَ يَصْلُحُ مُسْقِطًا لاِقْتِصَارِهِ عَلَى حَالَةِ ثُبُوتِهِ؛ لأِنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ لِلْحَالِ، فَلاَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ إِلَى وَقْتِ وُجُودِ الْوَطْءِ، فَبَقِيَ الْوَطْءُ خَالِيًا عَنِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ زِنًى مَحْضًا لِلْحَدِّ، بِخِلاَفِ السَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ لأِنَّ  هُنَاكَ وُجِدَ الْمُسْقِطُ وَهُوَ بُطْلاَنُ وِلاَيَةِ الْخُصُومَةِ؛ لأِنَّ  الْخُصُومَةَ هُنَاكَ شَرْطٌ، وَقَدْ خَرَجَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ، لِذَلِكَ افْتَرَقَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ أَنَّ اعْتِرَاضَ الشِّرَاءِ يُسْقِطُ وَاعْتِرَاضَ النِّكَاحِ لاَ يُسْقِطُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْبُضْعَ لاَ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا إِذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَالْعُقْرُ بَدَلُ الْبُضْعِ، وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْمُبْدَلُ فَلَمْ يَحْصُلِ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلاَ يُورِثُ شُبْهَةً، وَبُضْعُ الأْمَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِالشِّرَاءِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لِلْمَوْلَى فَحَصَلَ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فَيُورِثُ شُبْهَةً، فَصَارَ كَالسَّارِقِ إِذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الإْمْضَاءِ.

- كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَى فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَطْ بِمَوْتِ الشُّهُودِ أَوْ غَيْبَتِهِمْ أَوْ مَرَضِهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَطْعِ أَيْدِيهِمْ؛ لأِنَّ  الْبِدَايَةَ بِالشُّهُودِ شَرْطُ جَوَازِ الإْقَامَةِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ، فَسَقَطَ الْحَدُّ ضَرُورَةً. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حُدُودٍ ف 38)