الأطباء والجراحون والقابلات والشهود :
مد الشارع حكم الرشوة في نطاق الموظفين العموميين إلى طائفة من الأشخاص تسهم في الخدمة العامة. وقد رأى أن صدق هؤلاء في أعمالهم أمر يقتضيه الأمن الاجتماعي، مما يتعين معه توفير الحماية الكاملة لهذا الأمن عن طريق تشديد العقاب. وقد راعى المشرع هذا الاعتبار حين نص في المادة 222 على أن كل طبيب (أو جراح) أو قابلة أعطى شهادة أو بياناً مزوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة مع علمه بتزوير ذلك - يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة، إذا طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للقيام بشيء من ذلك أو وقع منه فعل نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة». ويلاحظ أنه لا يشترط في الطبيب أن يكون موظفاً عاماً، وإلا فإن فعله يخضع للقواعد العامة. ويستوي أن يكون الغرض من تحرير الشهادة أو البيان المزور تقديمه إلى المحاكم أو إلى أية جهة أخرى.
كما نصت المادة 298/ 1 عقوبات على أنه «إذا قبل من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعداً بشيء ما - يحكم عليه هو والمعطي أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو الشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة أو الشهادة الزور. وأضاف القرار بقانون رقم 112 لسنة 1957 فقرة ثانية على هذه المادة تنص على أنه إذا كان الشاهد طبيباً (أو جراحاً) أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء الشهادة زوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة - يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب الشهادة الزور، أيهما أشده ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً.
ويشترط لتطبيق هذا الحكم أن تكون الشهادة المزورة سبب الرشوة قد أبديت أو يتعين إبداؤها شفاهة أمام القضاء في دعوى قائمة. فلا يكفي مجرد إعطاء مستند أو بيان للتمسك به أمام أية جهة ولو كانت من المحاكم كما هو الشأن بالنسبة إلى المادة 222 عقوبات سالفة الذكر. كما لا يكفي مجرد إبداء الشهادة أمام سلطة التحقيق، وذلك باعتبار أن المادة 298/ 2 عقوبات قد وردت في باب شهادة الزور التي تطلب القانون للعقاب عليها أن تحصل أمام القضاء.
على أنه يلاحظ أنه وإن كان القانون لم يعاقب على شهادة الزور إلا إذا أصر عليها الشاهد حتى قفل باب المرافعة، إلا أن جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 298 عقوبات تقع كاملة ولو عدل الشاهد عن شهادته قبل قفل باب المرافعة، وذلك باعتبار أن الجريمة تقع وتتم بمجرد الطلب أو القبول أو الأخذ ولو لم يعقبه أداء فعلي للشهادة المزورة، فيكون من باب أولى إذا كان الجاني قد شهد زوراً ثم عدل قبل قفل باب المرافعة. على أنه إذا كانت الشهادة المزورة التي طرأ عليها العدول المذكور لم تقع إلا نتيجة للرجاء أو التوصية أو الوساطة، وكان القانون لا يعاقب على هذه الجريمة في المادة 105 مكرراً إلا بالاستجابة فعلاً إلى هذا الرجاء وما نحوه - فإنه لا تتوافر الجريمة المنصوص عليها في المادة 298/ 3 إذا كان الجاني لم يعدل قبل قفل باب المرافعة عن الشهادة المزورة التي أبداها إلا استجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 314 )
نصت المادة 298 من قانون العقوبات على أنه إذا قبل من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعدا بشيء ما، يحكم عليه هو والمعطى أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو لشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة.
يقرر هذا النص أن شاهد الزور يخضع لنصوص الرشوة ، كأنه موظف عام ، والشرط الذي تطلبه لذلك أن تتوافر بالنسبة له أركان جريمة شهادة الزور : فيتعين أن يكون قد أدى شهادة ، وأن يكون ذلك أمام القضاء ، وأن تكون الشهادة مغايرة للحقيقة، وأن يتوافر لديه القصد . فلا تطبق نصوص الرشوة على من قبل الوعد أو العطية نظير إعطاء ورقة مكتوبة قرر فيها بعض الوقائع أو الآراء ، إذ لا يصدق على هذه الورقة أنها شهادة ، إذ الشهادة بطبيعتها شفوية ولا تطبق نصوص الرشوة على من قبل الوعد أو العطية نظير أداء شهادة شفوية أمام جهة غير قضائية كسلطة إدارية ولا تطبق هذه النصوص على من قبل الوعد أو العطية نظير شهادة مطابقة للحقيقة أو كانت شهادة مخالفة للحقيقة ، ولكنه لا يعلم ذلك ، فلم يكن القصد متوافراً لديه. ويتعين لتوقيع عقوبة الرشوة أن تكون الشهادة قد أديت فعلاً، فالشارع استعمل تعبير « من شهد زوراً » ، وهو تعبير ينصرف إلى شهادة أديت، فلا تطبق نصوص الرشوة على من قبل العطية أو الوعد لكي يؤدي الشهادة الزور ولكن لم يؤدها. ويلاحظ أن الشارع قد قصر النشاط الإجرامي على قبول العطية أو الوعد، أي حصره في صورتي الأخذ والقبول . فاستبعد بذلك صورة «الطلب».
وقد أضاف الشارع إلى ذلك أنه « إذا كان الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء الشهادة زوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو باب شهادة الزور أيهما أشد ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً» . يريد الشارع بهذا النص أن يشير إلى شاهد الزور إذا توافرت له صفة الطبيب أو الجراح أو القابلة وكان موضوع شهادته حملاً أو مرضاً أو عاهة أو وفاة ، فيقرر تطبيق نصوص الرشوة عليه أسوة بسائر شهود الزور الذين نص عليهم في الفقرة الأولى من ذات النص ولكنه ميز هذا الوضع في الأحكام التي يخضع لها : فمن ناحية لا يشترط أن تؤدي الشهادة بالفعل، وإنما يكفي أن يكون المقابل لأجل أداء الشهادة، أي يكفي قيام الرابطة الذهنية لدى المرتشي بين المقابل وأداء الشهادة زوراً؛ ومن ناحية ثانية تقوم الجريمة في حالات الأخذ والقبول والطلب على السواء، بل أنها تقوم بالرجاء أو الوساطة أو التوصية، ولكن لا توقع في هذه الحالات الأخيرة عقوبة بالرشوة ، وإنما توقع العقوبة التي تنص عليها المادة 105 مكرراً من قانون العقوبات، إذ هي عقوبة وقعت كذلك في باب الرشوة .
وقد قرر الشارع في جميع الحالات التي نصت عليها المادة 298 من قانون العقوبات أن تطبق عقوبات الرشوة أو شهادة الزور أيهما أشد ، ويفسر ذلك أن الجريمة في أصلها شهادة زور، وقد اعتبرت رشوة استثناء ، وكان ذلك من قبيل التشديد على المجرم، فلا يجوز أن يحول ذلك دون الرجوع إلى الأصل إن كان يقرر العقوبة الأشد .
وعلة تطبيق نصوص الرشوة على شاهد الزور، وإعتباره بذلك كما لو كان موظفاً عاماً أن شهادته تؤثر على عمل القاضي، وتكاد رشوته لا تقل في الخطورة عن رشوة القاضي نفسه.
وهؤلاء يعتبرون في حكم الموظفين العموميين فقط بالنسبة للرشوة المتعلقة بالشهادة الزور. أما باقي جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة فلا يعتبرون كذلك.
والأطباء والجراحون والقابلات نصت عليهم المادة 298 عقوبات فى باب الشهادة الزور واعتبرهم المشرع في حكم الموظفين العموميين بالنسبة إلى ما يدلون به من بيانات أو شهادات حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أمام المحاكم ، ومعنى ذلك أن صفة الموظف العمومي في نظر المشرع الجنائي لا تثبت لهم إلا بصدد أعمال معينة يقومون بها بحكم صفتهم وهي الإدلاء بالشهادة الخاصة بالحمل والمرض والعاهة والوفاة، وذلك نظراً لاتصال تلك الأعمال بالنشاط القضائي للدولة، ومن أجل ذلك نصت المادة 298 عقوبات والخاصة بالشهادة الزور على أنه إذا كان الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء الشهادة زورا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب الشهادة الزور أيهما أشد ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً.
ويلاحظ على هذا النص أن المشرع قد طبق على الواقعة المجرمة به القواعد الخاصة بالتعدد الحقيقي المتعلقة بالجرائم المرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة حيث يطبق بشأنها العقوبة المقررة للجريمة الأشد. فالواقعة هنا تتضمن جريمتين : الأولى هي الرشوة والثانية هي الشهادة الزور، ولا يمكن اعتبار الحالة التي نحن بصددها صورة من صور التعدد المعنوي للجرائم نظراً لوجود فعلين كل منهما يكون جريمة مستقلة. فإن طلب الرشوة بشأن بيان أو شهادة زور خاصة بالحمل أو الوفاة أو المرض أو العاهة يعتبر جريمة رشوة مستقلة على أساس أن الطبيب أو الجراح أو القابلة يعتبرون في حكم الموظفين العموميين في بياناتهم وشهادتهم أمام المحاكم بخصوص المرض والعمل والوفاة والعاهة. ولذلك فمجرد الطلب الأداء الشهاد زوراً تتوافر به أركان جريمة الرشوة وإن كان الإدلاء بالشهادة الزور يعتبر شرطاً للعقاب عليها يكون في حد ذاته جريمة مستقلة بفعل مستقل. وكون الإدلاء بالشهادة الزور هو شرط العقاب على الرشوة في هذه الحالة، فمعنى ذلك أن صفة الموظف العام قد ثبتت سلفاً للطبيب أو الجراح أو القابلة منذ اللحظة التي استدعى فيها للإدلاء بشهادته.
ثامناً : الشهود:
لم تنص المادة 111 عقوبات على اعتبار الشهود في حكم الموظفين العموميين بالنسبة لما يدلون به من بيانات ووقائع أمام المحكمة. إلا أنه يستفاد من نصوص أخرى أن المشرع قد اعتبرهم كذلك نظرا لأهمية الشهادة بالنسبة للنشاط القضائي للدولة . فالمادة 298 فقرة أولى عقوبات تنص في باب الشهادة الزور على أنه إذا قبل من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعداً بشيء ما يحكم عليه هو والمعطى أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو الشهادة الزور كانت هذه أشد من عقوبتا الرشوة. ونظراً لأن الرشوة لا تقع إلا من موظف عمومي أو من في حكمه بسبب عمل من أعمال الوظيفة فمفاد ذلك أن المشرع اعتبر الإدلاء الشهادة يضفي على الشخص صفة الموظف العمومي بالنسبة للرشوة. وغنى عن البيان أن تلك الصفة تثبت للشهود بمجرد صدور قرار المحكمة باستدعائهم وتنتفى بانتهاء الشهادة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 26)
يتطلب المشرع لتوقيع عقوبة الرشوة على الشاهد، أن يؤدي شهادة، والشهادة يجب أن تكون شفهية، وعلى ذلك لا يسرى النص على من اقتصر فعله على إعطاء ورقة دون فيها بعض الوقائع الكاذبة إذ لا يصدق عليها وصف الشهادة؛ وأن تكون الشهادة في دعوى أي أمام هيئة قضائية فلا يسرى النص إذا أديت أمام جهة غير قضائية كجهة إدارية مثلاً . كما لا يكفي أن تؤدي أمام سلطة التحقيق كالنيابة أو قاضي التحقيق، إذ أن المادة 298 قد وردت في باب شهادة الزور التي تطلب المشرع للعقاب عليها أن تقع أمام القضاء، فضلا عن أن جريمة شهادة الزور لا تقع إذا عدل الشاهد أمام المحكمة عن أقواله إلى حين إقفال باب المرافعة، فيكون من باب أولى العدول عن الأقوال التي ذكرها أمام سلطة التحقيق.
ويجب أن تكون الشهادة كاذبة، فلا توقع العقوبة إذا كانت الشهادة حقيقية أو كان الشاهد يعتقد صدقها إذ ينتفي لديه القصد في هذه الحالة. ويجب أخيراً أن يكون الشاهد قد قبل - لأداء الشهادة الكاذبة - عطية أو وعداً بشيء ما، فإذا تخلف شرط قبول العطية أو الوعد، سئل الفاعل عن جريمة شهادة الزور دون الرشوة.
ويلاحظ أن المشرع قد تطلب أن يكون الشاهد قد أدى الشهادة فعلاً ، فلا تسري نصوص الرشوة ولو كان المتهم قد قبل العطية أو الوعد لأداء الشهادة الزور ومع ذلك لم يؤدها. كما يلاحظ أن المشرع قد قصر توقيع عقوبة الرشوة على صورتى القبول والأخذ، فلا توقع هذه العقوبة في حالة الطلب على خلاف الوضع بالنسبة لجريمة الرشوة.
وتضيف المادة 298 في فقرتها الثانية أنه: «إذا كان الشاهد طبيباً أوجراحاً أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء الشهادة زوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب شهادة الزور أيهما أشد. ويعاقب الراشي أو الوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً».
وتثير الفقرة الثانية التساؤل عن المقصود منها، لا سيما إذا لاحظنا أن نص الفقرة الأولى من المادة 298 يسرى على كل من شهد زوراً... إلخ فيدخل في هذا النطاق الشاهد إذا كان طبيباً أو جراحاً أو قابلة، وسواء كانت الشهادة الزور بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو غير ذلك، والواقع أن نص الفقرة الثانية لم يضف إلى الفقرة الأولى إلا أمرين: الأول، أن حكمه لا يقتصر على حالة قبول أو أخذ الوعد أو العطية وإنما يمتد إلى طلب شيء من ذلك بشرط أن يكون أداء الشهادة متعلقة بحمل أو مرض أو عاهة أو وفاة. الثاني: أنه إذا وقعت الشهادة من الطبيب بشأن أمر من الأمور المحددة بالنص نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة فإنه يعاقب بعقوبة شهادة الزور أو العقوبة المنصوص عليها في المادة 105 في باب الرشوة أيهما أشد.
ويذهب الفقه إلى القول بأن المشرع لا يشترط - وفقا لهذه الفقرة - أن تؤدي الشهادة فعلاً، وإنما يكتفي لوقوع الجريمة بأن يكون المقابل لأجل أداء الشهادة ويرتب على ذلك – ومن باب أولى - أن الجريمة تقع إذا كان الجاني قد أدى الشهادة زورا ثم عدل عنها قبل إقفال باب المرافعة، بينما من المقرر أنه لا عقاب عن جريمة شهادة الزور إلا إذا أصر عليها الشاهد حتی قفل باب المرافعة.
ونحن نرفض هذه الوجهة من النظر، ونرى أن الجريمة لا تقع وفقاً للفقرة الثانية من المادة 298 - كما هو الشأن بالنسبة للفقرة الأولى من نفس المادة - إلا إذا أديت الشهادة فعلاً وأصر عليها الشاهد إلى قفل باب المرافعة. ونستند في ذلك إلى حجتين:
الحجة الأولى، أن المشرع استعمل في مطلع الفقرة الثانية لفظ الشاهد في عبارة «وإذا كان الشاهد طبيباً أو .... إلخ» وهذا اللفظ، من حيث المعنى اللغوي له، لا يطلق إلا على شخص أدى الشهادة فعلا إذ لا يعتبر شاهداً قبل ذلك، ومن حيث موضعه من النص، يكون المقصود من هذا اللفظ الشاهد الذي تكلمت عنه الفقرة الأولى إذا توافرت فيه صفة معينة والفقرة الأولى تتكلم عن الشخص الذي أدى الشهادة فعلاً.
والحجة الثانية، أن المشرع يفترض في هذا النص بفقرتيه أننا بصدد جريمة شهادة زور وقعت فعلاً واستحق فاعلها عقوبة شهادة الزور، كل ما في الأمر أن المشرع يقرر أن توقع عليه حينئذ بدلا من عقوبة شهادة الزور عقوبة الرشوة إذا كانت هي العقوبة الأشد. أما قبل أداء الشهادة أو بعد أدائها وقبل باب المرافعة فإن جريمة شهادة الزور لا تكون قد وقعت، وبالتالي لا يمكن أن توقع عنها العقوبة، فكيف يتصور أن يستبدل المشرع بالعقوبة المقررة لها عقوبة الرشوة إذا كانت هي الأشد.
في ضوء هاتين الحجتين نرى أن نص المادة 2/928 لا يطبق إلا إذا وقعت جريمة شهادة الزور، أما إذا لم تؤد الشهادة فإنه يتعين الرجوع إلى قواعد الرشوة، ومقتضى ذلك أن نميز بين حالتين: الحالة الأولى، إذا طلب الطبيب أو من في حكمه أو قبل أو أخذ عطية أو وعداً لأداء الشهادة زوراً ولم يؤدها، لا توقع عليه عقوبة الرشوة إلا إذا أمكن القول بأنه مكلف بخدمة عامة، إذ الفرض هنا أن صفة الموظف العام غير متوافرة لديه. الحالة الثانية: إذا قبل رجاء أو توصية أو وساطة لأداء الشهادة زوراً ثم لم يؤدها
فلا توقع عليه العقوبة التي نصت عليها في باب الرشوة المادة 105 مكرراً لأن هذه المادة تتطلب لوقوع الجريمة القيام بالفعل استجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة الأمر الذي لم يتحقق في هذا الفرض.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 27 )
وهذا الظرف مشترك بين جرائم شهادة الزور كلها وينطبق على شهادة الزور في الدعاوى الجنائية كما ينطبق على شهادة الزور في الدعاوى المدنية وهذا ظاهر من قول المادة "من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية" ويتحقق هذا الظرف إذا قبل شاهد الزور عطية أو وعداً بشئ ما فمجرد الوعد الشفهي يكفي لتشديد العقوبة إذ القانون لم يفرق بين الوعود التحريرية والوعود الشفهية ويجب أن يكون الشاهد قد قبل العطاء أو الوعد فلا محل لتشديد العقوبة إذا لم يكن قبله وكما يجوز أن يقدم العطاء أو الوعد إلى الشاهد من المتهم نفسه ليشهد الصالحه زوراً يجوز أن يقدم من شخص آخر غير المتهم ليحمل الشاهد على يشهد على المتهم وزراً.
أما الأثر الذي يترتب على هذا الظرف المشدد فهو الحكم على الشاهد ومن تقدم إليه بالعطاء أو الوعد بالعقوبة المقررة للرشوة هذا إذ لم تتوفر شروط المادة 295 ع أما إذا كانت شروطها متوفرة بأن كان الشاهد الذي قبل العطية أو الوعد شهد على متهم في جناية وحكم على المتهم بسبب ذلك فإن شاهد الزور يعاقب في هذه الحالة بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 295 ع بحسب نوع الحكم الصادر على المتهم ويعاقب معه بنفس هذه العقوبات من تقدم إليه بالعطاء أو الوعد ليحمله على أداء هذه الشهادة وذلك ما يستفاد من نص المادة 298 الذي يقضي بتوقيع أشد العقوبتين عقوبة الرشوة وعقوبة شهادة الزور.
وعند تطبيق عقوبة الرشوة يحكم بالمصادرة طبقاً للمادة 30 ع.
أما بالنسبة للفقرة الثانية من المادة 298 عقوبات فإنه يشترط لتطبيقها توافر أربعة شروط هي :
1- أن يكون الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابلة أو من حكمهم.
۲- أن يطلب هذا الشاهد لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعداً أو عطية لأداء شهادة زوراً أو أن يؤدي تلك الشهادة بناء على رجاء أو توصية أو وساطة.
3- أن يؤدي الطبيب أو الجراح أو القابلة الشهادة الزور بالفعل نتيجة للطلب أو الوعد أو العطية أو الرجاء أو التوصية أو الوساطة.
4- أن تكون الشهادة متعلقة بحمل أو مرض أو عاهة أو وفاة.
فإذا توافرت هذه الشروط يحكم على الطبيب ومن في حكمه بالعقوبة المقررة للرشوة إذا لم تتوفر شروط تطبيق المادة 295 عقوبات أما إذا توافرت شروط تطبيق المادة 295 عقوبات بأن كان الطبيب أو الجراح أو القابلة قد شهد على متهم في جناية وحكم على المتهم بسبب ذلك فإن شاهد الزور في هذه الحالة يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 295 عقوبات بحسب نوع الحكم الصادر على المتهم ويعاقب بنفس العقوبات السابقة الراشي والوسيط وعند تطبيق أي من العقوبتين عقوبة الرشوة أو الشهادة الزور يحكم بالمصادرة طبقاً للمادة 30 عقوبات.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 744)
إذا قبل الشاهد زوراً عطية أو وعداً بها في سبيل أن يشهد بالكذب، فإنه يعاقب هو ومعطى العطية والواعد بها بالعقوبة الأشد بين عقوبة الرشوة وعقوبة الشهادة الزور، وقد عبر القانون هنا عن الركن المادي في جريمة ارتشاء الشاهد زوراً بأنه قبول العطية أو الوعد بها، ولم يذكر طلب العطية أو أخذها كما ذكر ذلك في رشوة الموظف العمومي (مادة 103 وما بعدها) ويفهم من ذلك أن السلوك المكون لجريمة الرشوة في حق الشاهد زوراً هو قبول العطية أو الوعد بها، وكذلك أخذها بالفعل لأن هذا الأخذ هو في ذاته قبول. ولكن مجرد الطلب لم يتناوله القانون بذكر، ويعني ذلك أن الشاهد زوراً الذي يطلب عطية في سبيل الشهادة الزور ويؤديها بالفعل دون أن ينال العطية المطلوبة أو الوعد بها يعاقب على شهادة زور فقط ولا يطبق عليه نص جريمة الرشوة، لأنه لا عقوبة بغير نص.
وعملاً بالمبدأ ذاته فإنه إذا قبل الشاهد عطية أو وعداً بها كي يشهد بالحق وشهد به فعلاً، لا يعتبر شاهد زور ولا يطبق عليه لا نص الشهادة الزور ولا نص جريمة الرشوة.
ومن المعلوم أن نصوص جريمة الرشوة تسري على الموظفين العموميين ومن في حكمهم طبقاً للمادة (103) وما بعدها والمادة (111). وإذ تقرر بالمادة محل التعليق عقاب الشاهد الزور بعقوبة الرشوة جعل بذلك في حكم الموظف العمومي ولو كان تاجراً أو أي شخص لا يشغل وظيفة عمومية وليس مكلفاً بخدمة عامة ولا يعتبر الشهادة أمام القضاء خدمة عامة، أي مهمة تستلزم خبرة فنية أو سيراً على أصول أو قواعد معينة، وإنما واجبا عاما في خدمة القضاء لا خدمة عمومية بالمعنى المقصود في المادة (111) عقوبات.
أما الطبيب أو الجراح أو القابلة، فقد قررت المادة محل التعليق معاقبتهم بعقوبة جريمة الرشوة ولو اقتصر الواحد منهم على مجرد طلب العطية ثمن شهادته زوراً ولو لم تعط له العطية بالفعل أو لم يصدر له الوعد بها. ذلك لأن تلك المادة عبرت عن الركن المادي المكون لجريمتهم بذات التعبير المستخدم في رشوة الموظف العمومي وهو "طلب لنفسه أو غيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء الشهادة زورا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة" ويستفاد من ذلك أنه حتى لو كان الطبيب أو الجراح أو القابلة من غير الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عمومية، بأن كانوا يباشرون مهنة حرة، تطبق عليهم عقوبة الرشوة المقررة للموظفين العموميين أو من في حكمهم إذا أدوا الشهادة زوراً بعد طلب أو قبول أو أخذ عطية أو وعد بها بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة. على أنه لا جريمة في حقهم إذا طلبوا أو قبلوا أو أخذوا العطية أو الوعد بها للشهادة أمام القضاء بالحق لأنه لا جريمة بغير نص، والمادة محل التعليق تتطلب صراحة لعقابهم أن يشهدوا زوراً وأضافت المادة محل التعليق أنه إذا وقعت الشهادة منهم - ويراد بها هنا أيضاً الشهادة الزور نتيجة رجاء أو توصية أو وساطة يعاقبون بالعقوبات المقررة في باب الرشوة، أي بالعقوبة المقررة في المادة (105 مكرراً) عن جناية قبول الموظف العمومي الرجاء أو التوصية أو الوساطة وهي السجن وغرامة لا تقل عن مائتي جنية ولا تزيد على خمسمائة جنية إذا كانت أشد من العقوبة المقررة لشهادة الزور. وحرصت المادة محل التعليق على أن تقرر لمعطي العطية أو الوعد بها ذات عقوبة الشاهد زوراً الذي قبلها أو قبل الوعد بها، وهي عقوبة الرشوة أو الشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبة الرشوة.
كما حرصت المادة عينها على أن تقرر لراشي الطبيب أو الجراح أو القابلة أو الوسيط في الرشوة ذات العقوبة المقررة للمرتشي وهي عقوبة الرشوة أو عقوبة شهادة الزور أيهما أشد. غير أن المادة محل التعليق سكتت عن ذكر عقاب المتقدم إلى الطبيب أو الجراح أو القابلة بالرجاء أو التوصية أو الوساطة التي تمت الشهادة الزور بناءاً عليها ونرى أنه لا يعاقب لعدم النص، ولا يمكن اعتباره راشياً أو وسيطاً في رشوة والحكم بالعقوبة الأشد بين عقوبة الرشوة وعقوبة الشهادة الزور ويكون ذلك من اختصاص محكمة الجنايات التي يطرح عليها أمر الشاهد المرتشي أو المرتشي الطبيب أو الجراح أو القابلة أو من شهد منهم زوراً بناءاً رجاء أو توصية أو وساطة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 31 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 214
(مادة 427)
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات الطبيب أو القابلة، إذا طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة - أياً كانت - أو وعداً بشيء من ذلك مقابل تحریر بیان غير صحيح، أو في مقابل أداء الشهادة زوراً أمام محكمة قضائية أو إدارية، وذلك بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة أو وفاة، أو غير ذلك مما يتصل بمهنته، أو قام بذلك نتيجة رجاء أو توصية.
وفي حالة أداء الشهادة بالفعل يطبق حكم الظرف المشدد المشار إليه في الفقرة الثالثة من المادة (425) من هذا القانون، وكذا حكم الإعفاء المشار إليه في الفقرة الأخيرة منها.
المساس بسير التحقيق والعدالة
المواد (422) : (438) :
رأى المشروع - تقديراً منه لقداسة العدالة والقضاء ، وبعداً به عن أن يكون مجالاً لعبث عابث ، وحفاظاً على حرمة الهيئات والقائمين عليها ، وبإعتبار أن الحقيقة القضائية عنواناً للحقيقة الواقعية - أن يجمع في هذا الفصل شتات نصوص القانون القائم مع تعديلها على نحو يتفق والغرض المنشود ، وإضافة ما تقضي به المصلحة العامة من أحكام ، وقد قسم المشروع هذا الباب إلى فصلين: الأول: في الجرائم المتعلقة بالمساس بسير التحقيق والعدالة ، بمثابة أن التحقيق هو أول عمل ينير للحقيقة والعدالة الباحثة عنها الطريق .
1- المادة (422) من المشروع وهي تعاقب الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة عهد إليه بالبحث عن الجرائم وضبطها ، إذا أهمل أو أرجأ الإخبار عن جريمة وصلت إلى علمه .
2- المادة (423) من المشروع تعاقب على جريمة عدم إبلاغ الجهة المختصة بوجود ما يشير بمناسبة الكشف على مصاب إلى أن إصابته جنائية .
٣- المادة (424) من المشروع تعاقب على جريمة البلاغ الكاذب - ولو كان البلاغ بطريق مباشر أو غير مباشر - بأمر يستوجب عقوبة من أسند إليه ، أو بمجازاته تأديبياً أو إدارياً ، فإذا كان الإبلاغ عن جناية عد ذلك ظرفاً مشدداً ، والنص يقابل في عمومه نص المادة (305) من القانون القائم مع النص على البلاغ بطريق غير مباشر ، وفق ما استقر عليه القضاء. وقد ترتب على ذلك أن أصبح النص المقترح في مكانه الصحيح ، وقد كان مع جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار التي يتضمنها الباب السابع من القانون الحالي .
هذا وقد بين النص أن الكشف عن الكذب قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات الإستدلال ، أو التحقيق ، أو المحاكمة - لیس بمانع عن توقيع العقوبة .
کا استحدث في الفقرة الأخيرة ظرفاً مشدداً يجعل الجريمة جناية إذا ترتب على الإبلاغ الحكم بعقوبة جناية ، على ألا يحكم بالإعدام إلا إذا نفذت عقوبة الإعدام في المحكوم عليه نتيجة الإبلاغ الكاذب.
4 المادة (425) من المشروع تعاقب على شهادة الزور أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بعد حلف اليمين ، فإن لم يحدث حلف فلا جريمة . وجعلت من أداء الشهادة الزور مقابل الحصول على منفعة ، أو ميزة من أي نوع ، أو وعد بذلك ، جناية عقوبتها السجن الذي لا يزيد على خمس سنوات .
كما بينت المادة الظرف المشدد الموجب لتغليظ العقوبة ، ورفعها إلى عقوبة الجناية التي قد تصل إلى الحكم بالإعدام ، وأخيراً أجاز المشروع للمحكمة إعفاء الشاهد من العقاب أو تخفيفه ، إذا عاد إلى قول الحق قبل الحكم النهائي في موضوع الدعوى التي شهد فيها ، ومن المعلوم أن هذا النص لا يسري في فقرته تلك أمام محكمة النقض ، إلا إذا كانت تنظر موضوع الدعوى الجنائية عند الطعن لثاني مرة ، إذا نقضت الحكم وحددت جلسة لنظر الموضوع . أن هذه هي الحالة الوحيدة التي تنظر فيها هذه المحكمة الدعوى الجنائية كما لو كانت قضاء الموضوع .
5- المادة (426) من المشروع تقضي بسريان المادة السابقة على كل من كلف من قبل جهة قضائية في دعوى بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة، فغير الحقيقة بأية حقيقة والجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال مهما بلغ مرتبة العمد .
6- المادة (427) من المشروع تعاقب الطبيب أو القابلة ، إذا طلب أيها لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أيا كان نوعها ، أو وعدا بشيء من ذلك ، في مقابل تحریر بیان غير صحيح ، أو مقابل أداء الشهادة زوراً أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة ، أو غير ذلك مما يتصل بمهنة الجاني ، ولو كان قيامه بذلك نتيجة رجاء أو توجيه ، على أنه في حالة أداء الشهادة فعلاً يطبق حكم الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة (425) من المشروع ، كما يطبق حكم الإعفاء المشار إليه في الفقرة الأخيرة منها .
7- المادة (428) من المشروع تعالج إستخدام الإكراه أو التهديد أو تقديم عطية أو منفعة أو ميزة أيا كانت ، أو وعد بشيء من ذلك ، لحمل الغير على الشهادة زوراً أمام المحاكم ، أو الإمتناع عن آدائها ، ولم يبلغ مقصده .
8- المادة (429) من المشروع تعاقب من ألزم بحلف اليمين في دعوى ردت عليه فحلفها كذباً ، مع إجازة إعفائه من العقوبة إذا رجع إلى الحق قبل الحكم النهائي في الدعوى .
9- المادة (430) من المشروع تعاقب بعقوبة الجنحة من يمتنع عن الشهادة بعد تكليفه بها - أمام جهة التحقيق أو الحكم - بغير عذر مقبول بعد تكليفه بالحضور قانوناً أمامها .
10- المادة (431) من المشروع تعاقب من يغير - بقصد تضليل جهة التحقيق أو الحكم - حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة .
11- مادة (432) من المشروع تعاقب على إخفاء جثة شخص مات نتيجة حادث جنائي ، أو قام بدفنها دون إخطار الجهة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق أسباب الوفاة .
12 - المادة (433) من المشروع تعاقب على مجرد التوسط لدى قاض بأي وسيلة لصالح أحد الخصوم ، أو للإضرار به .
13 - المادة (435) من المشروع تجرم النشر بإحدى طرق العلانية أمراً من شأنه التأثير فيمن يتولى التحقيق أو القضاء أو القيام بأعمال الخبرة ، أو يدعى للشهادة في دعوى مطروحة أمام جهة التحقيق أو الحكم ، أو نشر أموراً من شأنها منع الشخص من الإفضاء بمعلومات للجهة المختصة بذلك ، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو ضده . فإذا كان النشر بقصد إحداث التأثير المذكور ، أو كانت الأمور المنشورة كاذبة -ضوعفت العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة .
14- المادة (436) من المشروع تعاقب كل من أذاع ، أو نشر بإحدى طرق العلانية أمرا من الأمور الواردة في البنود من (أ) – (ز) من المادة .
15 - المادة (437) من المشروع تعاقب من افتتح إكتتاباً ، أو أعلن عنه بإحدى طرق العلانية ، قاصداً من ذلك التعويض عن الغرامات أو المصاريف أو التعويضات المحكوم بها في جريمة ، أو أعلن بإحدى هذه الطرق عن قيامه أو غيره بالتعويض المشار إليه أو جزء منه ، أو عزمه على ذلك.
16 - المادة (438) من المشروع تعرض لجريمة إنكار العدالة ، وهي لا تقع إلا من قاض امتنع بغير مبرر عن الحكم في دعوى دخلت في حوزته قانوناً ، ويجوز أن يكون مع العقوبة الأصلية ، وبالإضافة إليها عقوبة العزل ، وهي في هذه الحال عقوبة تكميلية لا تقع إلا بحكم من المحكمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 253
شَهَادَةُ الزُّورِ
التَّعْرِيفُ:
شَهَادَةُ الزُّورِ: مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ يَتَكَوَّنُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا: الشَّهَادَةُ، وَالزُّورُ.
أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي اللُّغَةِ، فَمِنْ مَعَانِيهَا: الْبَيَانُ، وَالإِْظْهَارُ، وَالْحُضُورُ، وَمُسْتَنَدُهَا الْمُشَاهَدَةُ إِمَّا بِالْبَصَرِ أَوْ بِالْبَصِيرَةِ.
وَأَمَّا الزُّورُ فَهُوَ الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَقِيلَ: هُوَ شَهَادَةُ الْبَاطِلِ، يُقَالُ: رَجُلٌ زُورٌ وَقَوْمٌ زُورٌ: أَيْ مُمَوِّهٌ بِكَذِبٍ.
وَشَهَادَةُ الزُّورِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلاَفِ نَفْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلاَلٍ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا، قَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي كِتَابِهِ مَعَ نَهْيِهِ عَنِ الأْوْثَانِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الأْسَدِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا، فَقَالَ: عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإْشْرَاكَ بِاللَّهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآْيَةَ: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ).
وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ ثَلاَثًا: الإْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ».
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَنْ تَزُولَ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ».
فَمَتَى ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا عَزَّرَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْزِيرِ،وَسَيَأْتِي آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِيهَا.
بِمَ تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ؟
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِالإْقْرَارِ؛ لأِنَّهُ لاَ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ بِأَنْ يَشْهَدَ بِمَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ: بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ بِفِعْلٍ فِي الشَّامِ فِي وَقْتٍ، وَيَعْلَمَ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الْعِرَاقِ، أَوْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ فِي يَدِ هَذَا مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ وَسِنُّهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَهُ وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهِ وَيُعْلَمُ تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ.
وَلاَ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لأِنَّهَا نَفْيٌ لِشَهَادَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ لِلإْثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، وَقَدْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ فَلاَ يُعَزَّرُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، أَوْ ظُهُورِ فِسْقِهِ أَوْ غَلَطِهِ فِي الشَّهَادَةِ، لأِنَّ الْفِسْقَ لاَ يَمْنَعُ الصِّدْقَ، وَالتَّعَارُضُ لاَ يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، وَالْغَلَطُ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ وَلاَ يَتَعَمَّدُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
قَالَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ فَرْحُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَ مَا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَمْ بَعْدَهُ.
كَيْفِيَّةُ عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ:
لَمَّا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ لَمْ تُقَدِّرْ عُقُوبَةً مُحَدَّدَةً لِشَاهِدِ الزُّورِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ هِيَ التَّعْزِيرُ، قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلاَتُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ لاَ مِنْ حَيْثُ مَبْدَأُ عِقَابِ شَاهِدِ الزُّورِ بِالتَّعْزِيرِ، إِذْ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْزِيرِهِ. إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا عَزَّرَهُ وُجُوبًا وَشَهَّرَ بِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالأْوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْزِيرِ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: تَأْدِيبُ شَاهِدِ الزُّورِ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ إِنْ رَأَى تَعْزِيرَهُ بِالْجَلْدِ جَلَدَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَحْبِسَهُ، أَوْ كَشْفَ رَأْسِهِ وَإِهَانَتَهُ وَتَوْبِيخَهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلاَ يَزِيدُ فِي جَلْدِهِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّشْهِيرِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ: فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُوقِفُهُ فِي السُّوقِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، أَوْ مَحَلَّةِ قَبِيلَتِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبَائِلِ، أَوْ فِي مَسْجِدِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ، وَيَقُولُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: إِنَّ الْحَاكِمَ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: هَذَا شَاهِدُ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ.
وَلاَ يُسَخَّمُ وَجْهٌ (أَيْ يُسَوِّدُهُ) لأِنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُثْلَةِ،وَلاَ يُرْكِبُهُ مَقْلُوبًا، وَلاَ يُكَلِّفُ الشَّاهِدَ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ مِمَّا يَرَاهُ - مَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى مُخَالَفَةِ نَصٍّ أَوْ مَعْنَى نَصٍّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِالزُّورِ عُوقِبَ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ زُورٍ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ. وَعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ: إِذَا أَخَذْتُمْ شَاهِدَ الزُّورِ فَاجْلِدُوهُ بِضَرْبِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَسَخِّمُوا وَجْهَهُ وَطَوِّفُوا بِهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُطَالُ حَبْسُهُ؛ لأِنَّهُ أَتَى كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ، فَقَالَ: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)وَلأِنَّ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إِلَى الْعِبَادِ بِإِتْلاَفِ أَنْفُسِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.
7 م - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا أَقَرَّ الشَّاهِدُ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا: يُشَهَّرُ بِهِ فِي الأْسْوَاقِ إِنْ كَانَ سُوقِيًّا، أَوْ بَيْنَ قَوْمِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ فِي مَكَانِ تَجَمُّعِ النَّاسِ، وَيَقُولُ الْمُرْسَلُ مَعَهُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ، وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ، وَلاَ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ أَوِ الْحَبْسِ؛ لأِنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ شَاهِدَ الزُّورِ وَلاَ يُعَزِّرُهُ، وَكَانَ قَضَايَاهُ لاَ تَخْفَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ؛ وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى الاِنْزِجَارِ؛ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَعْظَمَ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الضَّرْبِ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنِ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إِلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلاً عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَامَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُعْلَمَ رُجُوعُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ فَإِنَّهُ عَلَى الاِخْتِلاَفِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا؛ لأِنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لأِنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ، وَلاَ يُزِيلُ شَيْئًا عَنْ صِفَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ الْعُقُودُ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفُسُوخُ، فَلاَ يَحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: يَنْفُذُ قَضَاءٌ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلاً، وَالْقَاضِي غَيْرَ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - لاِمْرَأَةٍ أَقَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَنْكَرَتْ فَقَضَى لَهُ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - فَقَالَتْ لَهُ: لِمَ تُزَوِّجُنِي؟ أَمَا وَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي، فَقَالَ: لاَ أُجَدِّدُ نِكَاحَكَ، الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكَ؛ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بَاطِنًا بِالْقَضَاءِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا.
وَأَمَّا فِي الأْمْلاَكِ الْمُرْسَلَةِ (أَيِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ) فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا؛ لأَنَّ الْمِلْكَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الأْسْبَابِ بِأَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلاَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الاِقْتِضَاءِ.
تَضْمِينُ شُهُودِ الزُّورِ:
مَتَى عُلِمَ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِالزُّورِ: تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بَاطِلاً، وَلَزِمَ نَقْضُهُ وَبُطْلاَنُ
مَا حُكِمَ بِهِ، وَيَضْمَنُ شُهُودُ الزُّورِ مَا تَرَتَّبَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مِنْ ضَمَانٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالاً: رُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ إِتْلاَفًا: فَعَلَى الشُّهُودِ ضَمَانُهُ؛ لأِنَّهُمْ سَبَبُ إِتْلاَفِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ إِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، كَأَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ أَوْ بِرِدَّةٍ أَوْ بِزِنًى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَقُتِلَ الرَّجُلُ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا وَأَقَرَّا بِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ، وَقَالاَ: تَعَمَّدْنَا الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ لِيُقْتَلَ أَوْ يُقْطَعَ: فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، لِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ بِتَزْوِيرِ الشَّهَادَةِ، لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ: أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَهُ ثُمَّ عَادَا فَقَالاَ: أَخْطَأْنَا، لَيْسَ هَذَا هُوَ السَّارِقَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعَتْكُمَا، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، وَإِنَّهُمَا تَسَبَّبَا إِلَى قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِهِ بِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ غَالِبًا فَلَزِمَهُمَا كَالْمُكْرَهِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالأْوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا شَهِدُوا زُورًا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ قِصَاصًا، فَقُطِعَ أَوْ فِي سَرِقَةٍ لَزِمَهُمَا الْقَطْعُ، وَإِذَا سَرَى أَثَرُ الْقَطْعِ إِلَى النَّفْسِ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، كَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قَضَى زُورًا بِالْقِصَاصِ، وَكَانَ يَعْلَمُ بِكَذِبِ الشُّهُودِ.
وَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ إِذَا قَالاَ: تَعَمَّدْنَا الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَذَا، وَكَانَا مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْهَلاَ ذَلِكَ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا لأِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ وَلاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لأِنَّهُ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِمَا وَالْعَاقِلَةُ لاَ تَحْمِلُ الاِعْتِرَافَ.
وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوْ شُهُودُ الْحَدِّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ وَقَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ، لَمْ يُسْتَوْفَ الْقَوَدُ وَلاَ الْحَدُّ؛ لأِنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ عُقُوبَةٌ لاَ سَبِيلَ إِلَى جَبْرِهَا إِذَا اسْتُوْفِيَتْ بِخِلاَفِ الْمَالِ، وَلأِنَّ رُجُوعَ الشُّهُودِ شُبْهَةٌ لاِحْتِمَالِ صِدْقِهِمْ، وَالْقَوَدُ وَالْحَدُّ يُدْرَآنِ بِالشُّبْهَةِ، فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَلاَ غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ بَلْ يُعَزَّرُونَ.
وَوَجَبَتْ دِيَةُ قَوَدٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ وَقَدْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا فَتَعَيَّنَ الآْخَرُ، وَيَرْجِعُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الشُّهُودِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَا أَشْهَبَ: إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ قَتْلٌ بِالسَّبَبِ، وَالْقَتْلُ تَسَبُّبًا لاَ يُسَاوِي الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً، وَلِذَا قَصُرَ أَثَرُهُ، فَوَجَبَتْ بِهِ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ.
12 م - وَيَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ إِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَى وَيُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. وَيُحَدُّونَ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَى حَدَّ الْقَذْفِ أَوَّلاً. ثُمَّ يُقْتَلُونَ إِذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ بِالرَّجْمِ.
وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالتَّدَاخُلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: فَإِنْ كَانَ فِي الْحُدُودِ قَتْلٌ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: مَا كَانَتْ حُدُودٌ فِيهَا قَتْلٌ إِلاَّ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلأَِنَّهُ لاَ حَاجَةَ مَعَهُ إِلَى الزَّجْرِ بِغَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ اسْتِيفَائِهِ قَبْلَهُ.
تَوْبَةُ شَاهِدِ الزُّورِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ وَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ تَظْهَرُ فِيهَا تَوْبَتُهُ، وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ فِيهَا وَعَدَالَتُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. لقوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا).
وَلأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ».
وَلأِنَّهُ تَائِبٌ مِنْ ذَنْبِهِ؛ فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ كَسَائِرِ التَّائِبِينَ.
وَمُدَّةُ ظُهُورِ التَّوْبَةِ عِنْدَهُمْ سَنَةٌ؛ لأِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ، فَكَانَتْ أَوْلَى الْمُدَدِ بِالتَّقْدِيرِ سَنَةً؛ لأِنَّهُ تَمُرُّ فِيهَا الْفُصُولُ الأْرْبَعَةُ الَّتِي تَهِيجُ فِيهَا الطَّبَائِعُ وَتَتَغَيَّرُ فِيهَا الأْحْوَالُ.
وَقَالَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مُدَّةُ ظُهُورِ التَّوْبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ ظَاهِرَ الصَّلاَحِ حِينَ شَهِدَ بِالزُّورِ لاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لاِحْتِمَالِ بَقَائِهِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلصَّلاَحِ حِينَ الشَّهَادَةِ فَفِي قَبُولِهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ قَوْلاَنِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 239
قَابِلَة
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَابِلَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ: الْمَرْأَةُ الَّتِي تَتَلَقَّى الْوَلَدَ عِنْدَ الْوِلاَدَةِ، وَجَمْعُهَا قَوَابِلُ، وَالْقَابِلَةُ أَيْضًا: اللَّيْلَةُ الْمُقْبِلَةُ. وَالْقَبَلُ: لُطْفُ الْقَابِلَةِ لإِِخْرَاجِ الْوَلَدِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الطَّبِيبُ:
2 - الطَّبِيبُ هُوَ: مَنْ حِرْفَتُهُ الطِّبُّ أَيِ الَّذِي يُعَالِجُ الْمَرْضَى.
وَالطِّبُّ فِي اللُّغَةِ: الْحِذْقُ وَالْمَهَارَةُ وَحُسْنُ الاِحْتِيَالِ وَالسِّحْرُ وَالدَّأْبُ وَالْعَادَةُ وَعِلاَجُ الْجِسْمِ وَالنَّفْسِ، وَطَبَّهُ يَطِبُّهُ طِبًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ: دَاوَاهُ.
وَالاِسْمُ: الطِّبُّ: بِالْكَسْرِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ طِبِّيٌّ عَلَى لَفْظِهِ.
وَالطَّبِيبُ قَدْ يَقُومُ بِعَمَلِ الْقَابِلَةِ وَيَزِيدُ فِي فُرُوعٍ أُخْرَى مِنَ الطِّبِّ.
شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَوَابِلِ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلاَّ النِّسَاءُ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ رحمه الله تعالي : مَضَتِ السُّنَّةُ فِي أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، فِيمَا يَلِينَ مِنْ وِلاَدَةِ الْمَرْأَةِ، وَاسْتِهْلاَلِ الْجَنِينِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ الَّذِي لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَلاَ يَلِيهِ إلاَّ هُنَّ، فَإِذَا شَهِدَتِ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي تَقْبَلُ النِّسَاءَ فَمَا فَوْقَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي اسْتِهْلاَلِ الْجَنِينِ جَازَتْ.
فَإِذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ أَوِ الْوَرَثَةُ وُقُوعَ الْوِلاَدَةِ، أَوْ وُجُودَ الْحَمْلِ أَوِ الاِسْتِهْلاَلِ، وَشَهِدَتِ الْقَابِلَةُ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا، فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمَوْلُودِ وَيَشْتَرِكُ فِي الإْرْثِ مَعَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتِ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهَا حَامِلٌ وَعُرِضَ عَلَيْهَا الْقَوَابِلُ، فَذَكَرْنَ أَنَّهَا حَامِلٌ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُنَّ، وَلَزِمَ عَلَى مُطَلِّقِهَا النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا أَمْ رَجْعِيًّا، لأِنَّ هَذَا مِنَ الأْمُورِ الَّتِي لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَكَذَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَالَةِ عَدَمِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ إلى أَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلاَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالِيًّا أَوْ غَيْرَ مَالِيٍّ، لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ، وَلأِنَّ هَذَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَقْوَى، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالأْقْوَى فَلاَ يَثْبُتُ بِمَا دُونَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْعَدَالَةِ، لأِنَّ هَذَا مَوْضُوعٌ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، كَشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَلِمَا رَوَاهُ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ». وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ صَاحِبَيْهِ وَمَنْ مَعَهُمَا فِي قَبُولِ قَوْلِ الْقَابِلَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ مَازَالَ قَائِمًا وَجَحَدَ الزَّوْجُ الْوِلاَدَةَ فَشَهِدَتْ بِوُقُوعِهَا، لِتَأْيِيدِهَا بِقِيَامِ الْفِرَاشِ، وَيَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِشَرْطِ أَنْ يُولَدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَلأِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لاَ يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي الأربعون ، الصفحة / 166
شَهَادَةُ الزُّورِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلاً، وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ. وَذَلِكَ فِي الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَالْفُسُوخِ كَالإْقَالَةِ وَالطَّلاَقِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَقَالَ الصَّاحِبَانِ وَزُفَرُ: يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لأِنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا، فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ.
أَمَّا إِذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشُّهُودِ فَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ أَصْلاً.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْقَضُ الْحُكْمُ إِنْ ثَبَتَ بَعْدَ الْحُكْمِ كَذِبُهُمْ إِنْ أَمْكَنَ، وَذَلِكَ قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْكَذِبُ إِلاَّ بَعْدَ الاِسْتِيفَاءِ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ غُرْمُ الشُّهُودِ الدِّيَةَ أَوِ الْمَالَ، وَلاَ يَتَأَتَّى نَقْضُ الْحُكْمِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ثَبَتَ كَوْنُ الشُّهُودِ شُهُودَ زُورٍ وَجَبَ نَقْضُ الْحُكْمِ.
انْظُرْ: (شَهَادَة الزُّورِ ف 8 - 9).