loading

موسوعة قانون العقوبات​

شرح خبراء القانون

 تنص المادة 300 على أنه "من أكره شاهداً على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زوراً يعاقب بمثل عقوبة شاهد الزور مع مراعاة الأحوال المقررة فى المواد السابقة" وهي تقيم جريمة على حدة غير شهادة الزور تتطلب أن يقع على شخص معين إكراه مادي أو أدبي لإرغامه على عدم أداء الشهادة اطلاقاً أو أدائها زوراً والشاهد الذي يذعن للإكراه أو التهديد فيمتنع عن الشهادة أو يشهد زوراً لايعفي من العقوبات المقررة له ولا يمكن أن يدفع بالإكراه المعلم للمسئولية طالما كان في مقدوره الاحتماء في الوقت المناسب برجال السلطة العامة.

ويستفاد من النص أن الجريمة لا تتم إذا امتنع الشاهد عن أداء الشهادة فعلاً أو أدى شهادة مزورة ولكن ما دامت هذه الجريمة مستقلة عن جريمة شهادة الزور وليست صورة من صور الاشتراك فيها تقوم بقيامها وتسقط بسقوطها فلا يوجد ما يمنع قانوناً من عقاب من يكره شاهداً على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زوراً بعقوبة الشروع في الجريمة إذا لم ينتج الإكراه أثره المطلوب غير أنه لا يعاقب على الشروع بطبيعة الحال إلا حيث تكون الجريمة التامة جناية. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 746)

قررت المادة محل التعليق عقوبة الشهادة زوراً لمن أكره شاهداً على عدم الشهادة أو على الشهادة الزور، ويفسر الإكراه هنا بأنه إكراه معنوي إذ لا يتصور في الشهادة كسلوك مادي ذو مضمون نفسي أن تكون وليدة إكراه مادي، ومن قبيل الإكراه على عدم الشهادة أو على الشهادة الزور تهديد الشخص بقتل إبنه مثلاً أو خطف شخص عزيز عليه إن تقدم بالشهادة أو شهد بالحق، ويلزم لاعتبار الإكراه متوافراً أن يكون التهديد جدياً وبضرر جسيم وألا يكون في الواسع الإستنجاد بالسلطة العامة لعدم معرفة شخص المكره مثلاً، ومن البديهي أن المكره هو الذي يعاقب، وأما الشخص الذي امتنع عن الشهادة أو تقدم بها مزورة فلا يعاقب لوقوعه تحت تأثير الإكراه المعنوي ولعدم النص، ومكره الشاهد على عدم الشهادة أو على الشهادة الزور يعاقب بالحبس إذا كانت الشهادة الزور أو كان الامتناع عن الشهادة في جناية. ويعاقب بالسجن المشدد أو السجن إذا ترتب على جريمته الحكم على المتهم فعلاً بهذه العقوبة، ويعاقب بالإعدام إذا ترتب على الجريمة الحكم بإعدام المتهم وتنفذ هذا الإعدام فعلاً، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين إذا وقعت جريمته ضد أو لصالح متهم بجنحة أو مخالفة، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين إذا وقعت جريمته في دعوى مدنية، ويعاقب بالعقوبة الأشد من بين عقوبة الرشوة وعقوبة الشهادة الزور إذا وقعت جريمته على طبيب أو جراح أو قابلة امتنع أحدهم عن الشهادة أو شهد زوراً تحت تأثير الإكراه.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 35)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 214

(مادة 428)

 يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من استعمل الإكراه أو التهديد، أو قدم عطية أو منفعة أو ميزة - أياً كانت -، أو وعداً بشيء من ذلك؛ لحمل غيره على الشهادة زوراً أمام المحكمة، أو للإمتناع على أدائها ولم يبلغ مقصده . 

 المساس بسير التحقيق والعدالة 

المواد (422) : (438) :  

رأى المشروع - تقديراً منه لقداسة العدالة والقضاء ، وبعداً به عن أن يكون مجالاً لعبث عابث ، وحفاظاً على حرمة الهيئات والقائمين عليها ، وبإعتبار أن الحقيقة القضائية عنواناً للحقيقة الواقعية - أن يجمع في هذا الفصل شتات نصوص القانون القائم مع تعديلها على نحو يتفق والغرض المنشود ، وإضافة ما تقضي به المصلحة العامة من أحكام ، وقد قسم المشروع هذا الباب إلى فصلين: الأول: في الجرائم المتعلقة بالمساس بسير التحقيق والعدالة ، بمثابة أن التحقيق هو أول عمل ينير للحقيقة والعدالة الباحثة عنها الطريق . 

1- المادة (422) من المشروع وهي تعاقب الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة عهد إليه بالبحث عن الجرائم وضبطها ، إذا أهمل أو أرجأ الإخبار عن جريمة وصلت إلى علمه . 

2- المادة (423) من المشروع تعاقب على جريمة عدم إبلاغ الجهة المختصة بوجود ما يشير بمناسبة الكشف على مصاب إلى أن إصابته جنائية . 

٣- المادة (424) من المشروع تعاقب على جريمة البلاغ الكاذب - ولو كان البلاغ بطريق مباشر أو غير مباشر - بأمر يستوجب عقوبة من أسند إليه ، أو بمجازاته تأديبياً أو إدارياً ، فإذا كان الإبلاغ عن جناية عد ذلك ظرفاً مشدداً ، والنص يقابل في عمومه نص المادة (305) من القانون القائم مع النص على البلاغ بطريق غير مباشر ، وفق ما استقر عليه القضاء. وقد ترتب على ذلك أن أصبح النص المقترح في مكانه الصحيح ، وقد كان مع جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار التي يتضمنها الباب السابع من القانون الحالي . 

هذا وقد بين النص أن الكشف عن الكذب قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات الإستدلال ، أو التحقيق ، أو المحاكمة - لیس بمانع عن توقيع العقوبة . 

کا استحدث في الفقرة الأخيرة ظرفاً مشدداً يجعل الجريمة جناية إذا ترتب على الإبلاغ الحكم بعقوبة جناية ، على ألا يحكم بالإعدام إلا إذا نفذت عقوبة الإعدام في المحكوم عليه نتيجة الإبلاغ الكاذب. 

4 المادة (425) من المشروع تعاقب على شهادة الزور أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بعد حلف اليمين ، فإن لم يحدث حلف فلا جريمة . وجعلت من أداء الشهادة الزور مقابل الحصول على منفعة ، أو ميزة من أي نوع ، أو وعد بذلك ، جناية عقوبتها السجن الذي لا يزيد على خمس سنوات . 

كما بينت المادة الظرف المشدد الموجب لتغليظ العقوبة ، ورفعها إلى عقوبة الجناية التي قد تصل إلى الحكم بالإعدام ، وأخيراً أجاز المشروع للمحكمة إعفاء الشاهد من العقاب أو تخفيفه ، إذا عاد إلى قول الحق قبل الحكم النهائي في موضوع الدعوى التي شهد فيها ، ومن المعلوم أن هذا النص لا يسري في فقرته تلك أمام محكمة النقض ، إلا إذا كانت تنظر موضوع الدعوى الجنائية عند الطعن لثاني مرة ، إذا نقضت الحكم وحددت جلسة لنظر الموضوع . أن هذه هي الحالة الوحيدة التي تنظر فيها هذه المحكمة الدعوى الجنائية كما لو كانت قضاء الموضوع . 

5- المادة (426) من المشروع تقضي بسريان المادة السابقة على كل من كلف من قبل جهة قضائية في دعوى بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة، فغير الحقيقة بأية حقيقة والجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال مهما بلغ مرتبة العمد . 

6- المادة (427) من المشروع تعاقب الطبيب أو القابلة ، إذا طلب أيها لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أيا كان نوعها ، أو وعدا بشيء من ذلك ، في مقابل تحریر بیان غير صحيح ، أو مقابل أداء الشهادة زوراً أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة ، أو غير ذلك مما يتصل بمهنة الجاني ، ولو كان قيامه بذلك نتيجة رجاء أو توجيه ، على أنه في حالة أداء الشهادة فعلاً يطبق حكم الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة (425) من المشروع ، كما يطبق حكم الإعفاء المشار إليه في الفقرة الأخيرة منها . 

7- المادة (428) من المشروع تعالج إستخدام الإكراه أو التهديد أو تقديم عطية أو منفعة أو ميزة أيا كانت ، أو وعد بشيء من ذلك ، لحمل الغير على الشهادة زوراً أمام المحاكم ، أو الإمتناع عن آدائها ، ولم يبلغ مقصده . 

8- المادة (429) من المشروع تعاقب من ألزم بحلف اليمين في دعوى ردت عليه فحلفها كذباً ، مع إجازة إعفائه من العقوبة إذا رجع إلى الحق قبل الحكم النهائي في الدعوى . 

9- المادة (430) من المشروع تعاقب بعقوبة الجنحة من يمتنع عن الشهادة بعد تكليفه بها - أمام جهة التحقيق أو الحكم - بغير عذر مقبول بعد تكليفه بالحضور قانوناً أمامها . 

10- المادة (431) من المشروع تعاقب من يغير - بقصد تضليل جهة التحقيق أو الحكم - حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة . 

11- مادة (432) من المشروع تعاقب على إخفاء جثة شخص مات نتيجة حادث جنائي ، أو قام بدفنها دون إخطار الجهة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق أسباب الوفاة . 

12 - المادة (433) من المشروع تعاقب على مجرد التوسط لدى قاض بأي وسيلة لصالح أحد الخصوم ، أو للإضرار به . 

13 - المادة (435) من المشروع تجرم النشر بإحدى طرق العلانية أمراً من شأنه التأثير فيمن يتولى التحقيق أو القضاء أو القيام بأعمال الخبرة ، أو يدعى للشهادة في دعوى مطروحة أمام جهة التحقيق أو الحكم ، أو نشر أموراً من شأنها منع الشخص من الإفضاء بمعلومات للجهة المختصة بذلك ، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو ضده . فإذا كان النشر بقصد إحداث التأثير المذكور ، أو كانت الأمور المنشورة كاذبة -ضوعفت العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة . 

14- المادة (436) من المشروع تعاقب كل من أذاع ، أو نشر بإحدى طرق العلانية أمرا من الأمور الواردة في البنود من (أ) – (ز) من المادة . 

15 - المادة (437) من المشروع تعاقب من افتتح إكتتاباً ، أو أعلن عنه بإحدى طرق العلانية ، قاصداً من ذلك التعويض عن الغرامات أو المصاريف أو التعويضات المحكوم بها في جريمة ، أو أعلن بإحدى هذه الطرق عن قيامه أو غيره بالتعويض المشار إليه أو جزء منه ، أو عزمه على ذلك. 

 

16 - المادة (438) من المشروع تعرض لجريمة إنكار العدالة ، وهي لا تقع إلا من قاض امتنع بغير مبرر عن الحكم في دعوى دخلت في حوزته قانوناً ، ويجوز أن يكون مع العقوبة الأصلية ، وبالإضافة إليها عقوبة العزل ، وهي في هذه الحال عقوبة تكميلية لا تقع إلا بحكم من المحكمة . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة /  340

أَدَاءُ الشَّهَادَةِ

حُكْمُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:

أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)  وَقَوْلِهِ: ( وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)  فَإِذَا تَحَمَّلَهَا جَمَاعَةٌ وَقَامَ بِأَدَائِهَا مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الأْدَاءُ عَنِ الْبَاقِينَ، لأِنَّ  الْمَقْصُودَ بِهَا حِفْظُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَعْضِهِمْ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْكُلُّ أَثِمُوا جَمِيعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)  وَلأِنَّ  الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ الأْدَاءُ عِنْدَ الطَّلَبِ.

وَقَدْ يَكُونُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضَ عَيْنٍ إِذَا كَانَ لاَ يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَتَوَقَّفَ الْحَقُّ عَلَى شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الأْدَاءُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ إِلاَّ بِهِ.

إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَسْبَابِهَا أَيْ فِي مَحْضِ حَقِّ الآْدَمِيِّ، وَهُوَ مَا لَهُ إِسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ فَلاَ بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِوُجُوبِ الأَْدَاءِ، فَإِذَا طُلِبَ وَجَبَ عَلَيْهِ الأْدَاءُ، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ بَعْدَ الطَّلَبِ يَأْثَمُ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَ طَلَبِ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» .. وَلأِنَّ  أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَلاَ يُسْتَوْفَى إِلاَّ بِرِضَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا اسْتُحِبَّ لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ إِعْلاَمُ رَبِّ الشَّهَادَةِ بِهَا.

وَإِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا سِوَى الْحُدُودِ، كَالطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرُمَاتِ فَيَلْزَمُهُ الأْدَاءُ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الأَْدَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ.

وَأَمَّا فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَالسَّتْرُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ»  وَلأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَرْءِ الْحَدِّ. وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الأْوْلَى السَّتْرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْجَانِي مُتَهَتِّكًا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ .

وَإِذَا وَجَبَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى إِنْسَانٍ وَلَكِنَّهُ عَجَزَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، كَأَنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ كَانَ سَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ الأْدَاءُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)  وَقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» . وَلأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ.

كَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لاَ يَجِبُ الأْدَاءُ إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ، قَالَ الإْمَامُ أَحْمَدُ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلاً، لاَ أَشْهَدُ .

كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:

يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي أَدَائِهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَذَا وَنَحْوَهُ؛ لأِنَّ  الشَّهَادَةَ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الإْتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهَا؛ وَلأِنَّ  فِيهَا مَعْنًى لاَ يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الأْلْفَاظِ، وَلَوْ قَالَ: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ أَوْ أَعْرِفُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لأِدَاءِ الشَّهَادَةِ صِيغَةً مَخْصُوصَةً بَلْ قَالُوا: الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِمَا شَهِدَ بِهِ كَرَأَيْتُ كَذَا أَوْ سَمِعْتُ كَذَا وَهُوَ الأْظْهَرُ عِنْدَهُمْ . وَلِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا شُرُوطٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 253

شَهَادَةُ الزُّورِ

التَّعْرِيفُ:

شَهَادَةُ الزُّورِ: مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ يَتَكَوَّنُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا: الشَّهَادَةُ، وَالزُّورُ.

أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي اللُّغَةِ، فَمِنْ مَعَانِيهَا: الْبَيَانُ، وَالإِْظْهَارُ، وَالْحُضُورُ، وَمُسْتَنَدُهَا الْمُشَاهَدَةُ إِمَّا بِالْبَصَرِ أَوْ بِالْبَصِيرَةِ.

وَأَمَّا الزُّورُ فَهُوَ الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَقِيلَ: هُوَ شَهَادَةُ الْبَاطِلِ، يُقَالُ: رَجُلٌ زُورٌ وَقَوْمٌ زُورٌ: أَيْ مُمَوِّهٌ بِكَذِبٍ.

وَشَهَادَةُ الزُّورِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلاَفِ نَفْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلاَلٍ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا، قَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي كِتَابِهِ مَعَ نَهْيِهِ عَنِ الأْوْثَانِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الأْسَدِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا، فَقَالَ: عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإْشْرَاكَ بِاللَّهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآْيَةَ: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ).

وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ - رضي الله عنه  - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ ثَلاَثًا: الإْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ».

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَنْ تَزُولَ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ».

فَمَتَى ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا عَزَّرَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْزِيرِ،وَسَيَأْتِي آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِيهَا.

بِمَ تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ؟

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِالإْقْرَارِ؛ لأِنَّهُ لاَ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ بِأَنْ يَشْهَدَ بِمَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ: بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ بِفِعْلٍ فِي الشَّامِ فِي وَقْتٍ، وَيَعْلَمَ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الْعِرَاقِ، أَوْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ فِي يَدِ هَذَا مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ وَسِنُّهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَهُ وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهِ وَيُعْلَمُ تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ.

وَلاَ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لأِنَّهَا نَفْيٌ لِشَهَادَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ لِلإْثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، وَقَدْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ فَلاَ يُعَزَّرُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، أَوْ ظُهُورِ فِسْقِهِ أَوْ غَلَطِهِ فِي الشَّهَادَةِ، لأِنَّ الْفِسْقَ لاَ يَمْنَعُ الصِّدْقَ، وَالتَّعَارُضُ لاَ يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، وَالْغَلَطُ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ وَلاَ يَتَعَمَّدُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).

قَالَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ فَرْحُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَ مَا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ.

وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَمْ بَعْدَهُ.

كَيْفِيَّةُ عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ:

لَمَّا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ لَمْ تُقَدِّرْ عُقُوبَةً مُحَدَّدَةً لِشَاهِدِ الزُّورِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ هِيَ التَّعْزِيرُ، قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلاَتُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ لاَ مِنْ حَيْثُ مَبْدَأُ عِقَابِ شَاهِدِ الزُّورِ بِالتَّعْزِيرِ، إِذْ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْزِيرِهِ. إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا عَزَّرَهُ وُجُوبًا وَشَهَّرَ بِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه  - وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالأْوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْزِيرِ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: تَأْدِيبُ شَاهِدِ الزُّورِ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ إِنْ رَأَى تَعْزِيرَهُ بِالْجَلْدِ جَلَدَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَحْبِسَهُ، أَوْ كَشْفَ رَأْسِهِ وَإِهَانَتَهُ وَتَوْبِيخَهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلاَ يَزِيدُ فِي جَلْدِهِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّشْهِيرِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ: فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُوقِفُهُ فِي السُّوقِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، أَوْ مَحَلَّةِ قَبِيلَتِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبَائِلِ، أَوْ فِي مَسْجِدِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ، وَيَقُولُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: إِنَّ الْحَاكِمَ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: هَذَا شَاهِدُ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ.

وَلاَ يُسَخَّمُ وَجْهٌ (أَيْ يُسَوِّدُهُ) لأِنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُثْلَةِ،وَلاَ يُرْكِبُهُ مَقْلُوبًا، وَلاَ يُكَلِّفُ الشَّاهِدَ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ مِمَّا يَرَاهُ - مَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى مُخَالَفَةِ نَصٍّ أَوْ مَعْنَى نَصٍّ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِالزُّورِ عُوقِبَ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه  - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ زُورٍ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ. وَعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه  كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ: إِذَا أَخَذْتُمْ شَاهِدَ الزُّورِ فَاجْلِدُوهُ بِضَرْبِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَسَخِّمُوا وَجْهَهُ وَطَوِّفُوا بِهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُطَالُ حَبْسُهُ؛ لأِنَّهُ أَتَى كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.

وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ، فَقَالَ: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)وَلأِنَّ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إِلَى الْعِبَادِ بِإِتْلاَفِ أَنْفُسِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

7 م - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا أَقَرَّ الشَّاهِدُ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا: يُشَهَّرُ بِهِ فِي الأْسْوَاقِ إِنْ كَانَ سُوقِيًّا، أَوْ بَيْنَ قَوْمِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ فِي مَكَانِ تَجَمُّعِ النَّاسِ، وَيَقُولُ الْمُرْسَلُ مَعَهُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ، وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ، وَلاَ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ أَوِ الْحَبْسِ؛ لأِنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ شَاهِدَ الزُّورِ وَلاَ يُعَزِّرُهُ، وَكَانَ قَضَايَاهُ لاَ تَخْفَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ؛ وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى الاِنْزِجَارِ؛ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَعْظَمَ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الضَّرْبِ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنِ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إِلَى هَذَا الْوَجْهِ.

 

وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلاً عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَامَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُعْلَمَ رُجُوعُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ فَإِنَّهُ عَلَى الاِخْتِلاَفِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا؛ لأِنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لأِنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ، وَلاَ يُزِيلُ شَيْئًا عَنْ صِفَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ الْعُقُودُ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفُسُوخُ، فَلاَ يَحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: يَنْفُذُ قَضَاءٌ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلاً، وَالْقَاضِي غَيْرَ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رضي الله عنه  - لاِمْرَأَةٍ أَقَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَنْكَرَتْ فَقَضَى لَهُ عَلِيٌّ - رضي الله عنه  - فَقَالَتْ لَهُ: لِمَ تُزَوِّجُنِي؟ أَمَا وَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي، فَقَالَ: لاَ أُجَدِّدُ نِكَاحَكَ، الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكَ؛ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بَاطِنًا بِالْقَضَاءِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا.

وَأَمَّا فِي الأْمْلاَكِ الْمُرْسَلَةِ (أَيِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ) فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا؛ لأَنَّ الْمِلْكَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الأْسْبَابِ بِأَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلاَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الاِقْتِضَاءِ.

تَضْمِينُ شُهُودِ الزُّورِ:

مَتَى عُلِمَ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِالزُّورِ: تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بَاطِلاً، وَلَزِمَ نَقْضُهُ وَبُطْلاَنُ

 

مَا حُكِمَ بِهِ، وَيَضْمَنُ شُهُودُ الزُّورِ مَا تَرَتَّبَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مِنْ ضَمَانٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالاً: رُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ إِتْلاَفًا: فَعَلَى الشُّهُودِ ضَمَانُهُ؛ لأِنَّهُمْ سَبَبُ إِتْلاَفِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ إِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، كَأَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ أَوْ بِرِدَّةٍ أَوْ بِزِنًى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَقُتِلَ الرَّجُلُ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا وَأَقَرَّا بِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ، وَقَالاَ: تَعَمَّدْنَا الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ لِيُقْتَلَ أَوْ يُقْطَعَ: فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، لِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ بِتَزْوِيرِ الشَّهَادَةِ، لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ: أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه  - عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَهُ ثُمَّ عَادَا فَقَالاَ: أَخْطَأْنَا، لَيْسَ هَذَا هُوَ السَّارِقَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعَتْكُمَا، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، وَإِنَّهُمَا تَسَبَّبَا إِلَى قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِهِ بِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ غَالِبًا فَلَزِمَهُمَا كَالْمُكْرَهِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالأْوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا شَهِدُوا زُورًا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ قِصَاصًا، فَقُطِعَ أَوْ فِي سَرِقَةٍ لَزِمَهُمَا الْقَطْعُ، وَإِذَا سَرَى أَثَرُ الْقَطْعِ إِلَى النَّفْسِ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، كَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قَضَى زُورًا بِالْقِصَاصِ، وَكَانَ يَعْلَمُ بِكَذِبِ الشُّهُودِ.

وَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ إِذَا قَالاَ: تَعَمَّدْنَا الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَذَا، وَكَانَا مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْهَلاَ ذَلِكَ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا لأِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ وَلاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لأِنَّهُ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِمَا وَالْعَاقِلَةُ لاَ تَحْمِلُ الاِعْتِرَافَ.

وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوْ شُهُودُ الْحَدِّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ وَقَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ، لَمْ يُسْتَوْفَ الْقَوَدُ وَلاَ الْحَدُّ؛ لأِنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ عُقُوبَةٌ لاَ سَبِيلَ إِلَى جَبْرِهَا إِذَا اسْتُوْفِيَتْ بِخِلاَفِ الْمَالِ، وَلأِنَّ رُجُوعَ الشُّهُودِ شُبْهَةٌ لاِحْتِمَالِ صِدْقِهِمْ، وَالْقَوَدُ وَالْحَدُّ يُدْرَآنِ بِالشُّبْهَةِ، فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَلاَ غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ بَلْ يُعَزَّرُونَ.

وَوَجَبَتْ دِيَةُ قَوَدٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ وَقَدْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا فَتَعَيَّنَ الآْخَرُ، وَيَرْجِعُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الشُّهُودِ.

 

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَا أَشْهَبَ: إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ؛ لأِنَّ الْقَتْلَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ قَتْلٌ بِالسَّبَبِ، وَالْقَتْلُ تَسَبُّبًا لاَ يُسَاوِي الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً، وَلِذَا قَصُرَ أَثَرُهُ، فَوَجَبَتْ بِهِ الدِّيَةُ لاَ الْقِصَاصُ.

12 م - وَيَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ إِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَى وَيُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. وَيُحَدُّونَ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَى حَدَّ الْقَذْفِ أَوَّلاً. ثُمَّ يُقْتَلُونَ إِذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ بِالرَّجْمِ.

وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالتَّدَاخُلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: فَإِنْ كَانَ فِي الْحُدُودِ قَتْلٌ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه  -: مَا كَانَتْ حُدُودٌ فِيهَا قَتْلٌ إِلاَّ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلأَِنَّهُ لاَ حَاجَةَ مَعَهُ إِلَى الزَّجْرِ بِغَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ اسْتِيفَائِهِ قَبْلَهُ.

تَوْبَةُ شَاهِدِ الزُّورِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ وَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ تَظْهَرُ فِيهَا تَوْبَتُهُ، وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ فِيهَا وَعَدَالَتُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. لقوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا).

وَلأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ».

وَلأِنَّهُ تَائِبٌ مِنْ ذَنْبِهِ؛ فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ كَسَائِرِ التَّائِبِينَ.

وَمُدَّةُ ظُهُورِ التَّوْبَةِ عِنْدَهُمْ سَنَةٌ؛ لأِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ، فَكَانَتْ أَوْلَى الْمُدَدِ بِالتَّقْدِيرِ سَنَةً؛ لأِنَّهُ تَمُرُّ فِيهَا الْفُصُولُ الأْرْبَعَةُ الَّتِي تَهِيجُ فِيهَا الطَّبَائِعُ وَتَتَغَيَّرُ فِيهَا الأْحْوَالُ.

وَقَالَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مُدَّةُ ظُهُورِ التَّوْبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ ظَاهِرَ الصَّلاَحِ حِينَ شَهِدَ بِالزُّورِ لاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لاِحْتِمَالِ بَقَائِهِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلصَّلاَحِ حِينَ الشَّهَادَةِ فَفِي قَبُولِهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ قَوْلاَنِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي الأربعون ، الصفحة / 166

شَهَادَةُ الزُّورِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلاً، وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ. وَذَلِكَ فِي الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَالْفُسُوخِ كَالإْقَالَةِ وَالطَّلاَقِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَقَالَ الصَّاحِبَانِ وَزُفَرُ: يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لأِنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا، فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ.

أَمَّا إِذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشُّهُودِ فَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ أَصْلاً.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْقَضُ الْحُكْمُ إِنْ ثَبَتَ بَعْدَ الْحُكْمِ كَذِبُهُمْ إِنْ أَمْكَنَ، وَذَلِكَ قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْكَذِبُ إِلاَّ بَعْدَ الاِسْتِيفَاءِ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ غُرْمُ الشُّهُودِ الدِّيَةَ أَوِ الْمَالَ، وَلاَ يَتَأَتَّى نَقْضُ الْحُكْمِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ثَبَتَ كَوْنُ الشُّهُودِ شُهُودَ زُورٍ وَجَبَ نَقْضُ الْحُكْمِ.

انْظُرْ: (شَهَادَة الزُّورِ ف 8 - 9).