loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، 

وقد جاء بتعليقات الحقانية تعليقاً على المادة المقابلة للنص الحالى أن المادة تشترط فيما ينسب من الأفعال أن يكون الغرض من نسبتها إلى الموظف تأييد طعن صادر من حسن نية على أعماله أما إذا أثبت أن هذا الطعن لم يكن عن نية حسنة فلا يترتب على إمكان إقامة الدليل على صحة تلك الأفعال عدم الحكم بعقوبة ومن جهة أخرى إذا كان الطعن صادرا عن سلامة نية لا يشترط أن تكون تلك الأفعال تتعلق مباشرة بأعمال الموظف إذا كانت تؤيد هذا الطعن والانتقاد هو عبارة عن إظهار رأي ويشترط القانون أن يكون هذا الانتفاد خاصاً بأداء واجبات الموظف فكون الشخص موظفا عموميا لايترتب عليه أن يكون لأحد حق الانتقاد عليه في معيشته أو أحواله الخصوصية أسوة على تهمة القنف لم يشترط فيها ذكر سوء القصد بل يكتفى بلفظ القذف الوارد فيها لأنه يشمل ضمناً سوء القصد.

وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقا على ذلك التعديل بأن الدستور أراد بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابعها بما يحول دون تشويهها وإساءة الحق في استعمالها فنص في المادة 47 على أن النقد الذاتي والنقد البناء ضمان في سلامة البناء الوطني و بهذا النص جمع النص الدستوري بين حق النقد وضمان عدم إساءة استعمال هذا الحق فالنقد هو حكم على واقعة ثابتة أو مسلمة أو غير مذكورة تتعلق بموضوع يهم الجمهور توخيا لتحقيق المصلحة العامة فليس من النقد إسناد واقعة غير صحيحة. نعم قد يكشف الناقد الواقعة المستورة التي تهم الجمهور ويعلق عليها وينقدها في الوقت ذاته لكنه لا يكشفها حين يكشفها بمقتضى حقه في نقدها بل هو على الضد لا ينقدها إلا بمقتضى حقه في كشفها فإن لم يكن له الحق في كشفها فلا يسمع منه إلا احتجاج يحق النقد باعتبار أن النقد ليس إلا الرأي الذي يستند إلى واقعة ثابتة فلا مجال للحديث عن حق النقد في إطار حرية التعبير إلا إذا كان من حق صاحب الشأن أن يكشف الواقعة محل النقد فإذا كانت الواقعة كاذبة أو مختلقة بنى الرأي على أمور خاطئة ودخل في دائرة الباطل مما يخرجه من نطاق النقد المباح.

وإذا كان المشرع يشترط في المادة 302 المشار إليها الإباحة جريمة القذف في حق الموظف العام أن يكون القذف قد حصل بسلامة نية وأن يثبت المتهم حقيقة الفعل المسند إلى المجنى عليه فإن ذلك يجعل من تطلب اعتقاد المتهم الواقعة التي ينسبها إليه باعتباره عنصراً من عناصر حسن النية تزيداً ذلك أن إثبات صحة الواقعة يتضمن اعتقاد المتهم بصحتها كما أن العجز عن إثباتها ينفي الإباحة. وبهذا يتوافر الضمان لحق النقد وتعلو قيمة حرية التعبير فالحقائق لا يجوز إخفاؤها والآراء لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها بل يتعين أن تطرح الآراء والأفكار في حرية متى كانت مبنية على وقائع ثابتة تتعلق بتصرفات الموظف العام مما يهم الجمهور توخيا لتحقيق الصالح العام وبهذه يتم التوفيق بين مقتضيات المحافظة على سلامة الوظيفة العامة والصفة النيابية العامة وكرامتها وهيبتها وحرية التعبير بما في ذلك حق النقد متوخيا في ذلك تحقيق الصالح العام والرغبة في إفادة الجمهور بإرشاده إلى الصواب أو تنبيهه إلى الباطل.

شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،

جاء في تعليقات الحقانية توضيحا لهذا الشرط أنه «يجب من جهة أخرى» أن يكون القذف صادراً عن نية حسنة فإذا توفر هذا الشرط لا يلزم لتبرئة المتهم أن يكون القاضي موافقاً فيما أبداه من الانتقاد وشرط حسن النية هو مسألة من المسائل المتعلقة بالوقائع لا يمكن أن تقرر لها قاعدة ثابتة، لكن يلزم على الأقل أن يكون موجة الانتقاد يعتقد في ضميره صحته حتى يمكن أن يعد صادراً عن سلامة نية وأن يكون قدر الأمور التي نسبها إلى الموظف تقديراً كافياً وأن يكون انتقاده للمصلحة العامة لا لسوء قصد.

الأحكام

1- العلانية فى جريمة القذف المنصوص عليها فى المادة 302 من قانون العقوبات لا تتحقق إلا بتوافر عنصرين ، أولهما توزيع الكتابة المتضمنة عبارات القذف على عدد من الناس بغير تمييز ، وثانيهما انتواء الجاني إذاعة ما هو مكتوب ، ولا يتطلب القانون أن يكون التوزيع بالغاً حداً معيناً ، بل يكفى أن يكون المكتوب قد وصل إلى عدد من الناس ولو كان قليلاً ، سواء أكان ذلك عن طريق تداول نسخة واحدة منه ، أم بوصول عدة نسخ أو صور منها مادام ذلك لم يكن إلا بفعل المتهم ، أو كان نتيجة حتمية لعمله لا يتصور أنه كان يجهلها . ولما كان مفاد ما أورده الحكم فى مدوناته من أن الطاعن أقدم على إرسال مذكرة فى الدعويين رقمى ..... ، ..... لسنة ..... ق استئناف عالى ..... إلى المطعون ضده المدعى بالحقوق المدنية عن طريق قلم كتاب محكمة استئناف ..... مأمورية ..... تضمنت أن المطعون ضده المذكور متعدد الخصومات وسبق أن لفق اتهاماً كيدياً فى جناية رشوة وهو أسلوبه المعتاد للإضرار بالآخرين، فإن هذا من الحكم يتوافر به عنصر العلانية فى جريمة القذف لما هو معلوم بالضرورة من أن هذه المذكرة قد تداولتها أيدى الموظفين المختصين باستلامها وإجراء إعلانها للمطعون ضده سالف الذكر ، كنتيجة حتمية لإرسال هذه المذكرة إلى هذا الأخير وضرورة الاطلاع عليها من هؤلاء الموظفين ، ومن ثم يكون النعى على الحكم فى هذا الصدد على غير سند .

(الطعن رقم 11556 لسنة 65 جلسة 2004/12/21 س 55 ع 1 ص 862 ق 127)

2- لا يُقبل قانوناً من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به ، طبقاً للفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات ، إلا إذا كان كان القذف طعنا فى أعمال موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان حاصلاً بسلامة نية وغير متعد لأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة ، فإذا تجرد المجنى عليه من أى من الصفات السابقة فلا يُباح القذف ضده ، ولو كان المتهم حسن النية واستطاع إثبات وقائع القذف ، إذ لا يُقبل منه هذا الإثبات وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 302 سالفة الذكر . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد رد على ما دفع به المحكوم عليهما فى هذا الخصوص بقوله : " ..... ولا يغنى المتهمين ما أورداه بدفاعهما من أن المدعى المدنى شخص ذى صفة نيابية عامة إذ الثابت من الأوراق أنه لا يتمتع بهذه الصفة وكان من مرشحى ........ فضلاً عن أن ما أسنده إليه فى المقال يتعلق بحياة المدعى المدنى الخاصة أى بصفته فرداً ولا يجوز إثباتها قانوناً ويضحى استنادهما إلى الإعفاء المنصوص عليه فى المادة 302/2 من قانون العقوبات غير سديد " ، فإنه يكون قدطبق القانون تطبيقاً صحيحاً وبمنأى عن قالة الخطأ فى تطبيق القانون . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة المقدمة من الطاعن الأول وإلزامه المصاريف المدنية .

(الطعن رقم 12771 لسنة 65 جلسة 2004/04/11 س 55 ع 1 ص 393 ق 51)

3- لما كان القانون فى سبيل تحقيق مصلحة عامة قد استثنى من جرائم القذف بنص صريح فى المادة 302 من قانون العقوبات . وأباح الطعن فى أعمال الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوى الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة متى توافرت فيه ثلاثة شروط : الأول : أن يكون الطعن حاصلاً بسلامة نية أى لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها . والثانى : ألا يتعدى الطاعن أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة . والثالث : أن يقوم الطاعن بإثبات حقيقة كل أمر أسنده إلى المطعون ضده . فكلما اجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع ونجا الطاعن من العقاب ، أما إذا لم يتوافر واحد منها فلا يتحقق هذا الغرض ويحق العقاب .

(الطعن رقم 33006 لسنة 69 جلسة 2003/06/05 س 54 ص 720 ق 94)

4- تحرى ألفاظ المعانى التى استخلصتها المحكمة وتسميتها باسمها المعين فى القانون سباً أو قذفاً هو من التكييف القانونى الذى يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التى تهيمن على الاستخلاص المنطقى الذى يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة . لما كان ذلك ، وكان ما تضمنته اللافتات المنسوب إلى الطاعنين إعدادها ووضعها فى الطريق العام من عبارات إعلان عن بيع المحل المملوك للمدعى بالحقوق المدنية بيعاً جبرياً بالمزاد العلنى فضلاً عن أنها وعلى ما يبين من المفردات المضمومة قد صادفت حقيقة الواقع وجاءت على نحو يتفق وصحيح إجراءات القانون الخاصة بالإعلان عن البيع الجبرى ، ليس من شأنها أن تحط من قدر المدعى بالحقوق المدنية أو تجعله محلاً للاحتقار والازدراء بين أهل وطنه ، أو تستوجب عقابه أو خدش شرفة أو اعتباره ، ومن ثم فهى لا تقع تحت نصالمادة 302 من قانون العقوبات ولا تشكل أى جريمة أخرى معاقب عليها قانوناً ، فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة الطاعنين عن تلك الواقعة ودانهما بجريمة القذف يكون قد بنى على خطأ فى تأويل القانون ، وكان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة الطاعنين عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً .

(الطعن رقم 2990 لسنة 64 جلسة 2003/03/06 س 54 ص 369 ق 38)

5- لما كانت العلانية فى جريمة القذف المنصوص عليها فى المادة 302 من قانون العقوبات لا تتحقق إلا بتوافر عنصرين، أولهما توزيع الكتابة المتضمنة عبارات القذف على عدد من الناس بغير تمييز، وثانيهما انتواء الجاني إذاعة ما هو مكتوب، ولا يتطلب القانون أن يكون التوزيع بالغا حدا معينا، بل يكفي أن يكون المكتوب قد وصل إلى عدد من الناس ولو كان قليلا، سواء أكان ذلك عن طريق تداول نسخة واحدة منه، أم بوصول عدة نسخ أو صور منها، ما دام ذلك لم يكن إلا بفعل المتهم، أو كان نتيجة حتمية لعمله لا يتصور أنه كان يجهلها، ولما كان مفاد ما أورده الحكم فى مدوناته من أن الطاعن أقدم على إرسال إنذار على يد محضر إلى ...... بوزارة الداخلية - والذي تم تسليم أصله للطاعن شخصيا لعدم إعلانه - تضمن استغلال المجني عليه لأفراد الحرس الخاص فى عرقلة ما يريده وقيامهم بتنفيذ أوامره بطرد الشخص غير المرغوب فيه، وأن اثنين من أفراد هؤلاء الحرس قد أقدما على الاعتداء على حرمة منزله واقتحامه عنوة لطرد أحد ضيوفه، وأن الطاعن تقدم بشكوى لقسم حراسات ....... بسبب بعض المشاكسات ولما قد يطرأ من تطورات أخرى مع المجني عليه - المسئول شخصيا وسياسيا أمام الوطن والمواطن عن وزارة فى حكومة البلاد - ومن تستر على تصرفاته الجنائية أو سمح بها - فإن هذا من الحكم يتوافر به عنصر العلانية فى جريمة القذف، لما هو معلوم من أن ذلك الإنذار - الذي تسلم الطاعن أصله لعدم إعلانه - قد تداولته أيدي الموظفين المختصين باستلامه وإجراء إعلانه للمنذر إليه، كنتيجة حتمية لإرسال هذا الإنذار وضرورة الاطلاع عليه منهم، ومن ثم، يكون النعي على الحكم فى هذا الصدد على غير سند.

(الطعن رقم 21022 لسنة 62 جلسة 2001/01/09 س 52 ع 1 ص 112 ق 15)

6- العلانية فى جريمة القذف المنصوص عليها فى المادة 302 من قانون العقوبات , لا تتحقق الا بتوافر عنصرين , أولهما توزيع الكتابة المتضمنة عبارات القذف على عدد من الناس بغير تمييز , وثانيهما انتواء الجاني إذاعة ما هو مكتوب , ولا يتطلب القانون أن يكون التوزيع بالغاً حداً معيناً ، بل يكفي أن يكون المكتوب قد وصل الى عدد من الناس ولو كان قليلاً , سواء أكان ذلك عن طريق تدوال نسخة واحدة منه , أم بوصول عدة نسخ أو صور منها , ما دام ذلك لم يكن الا بفعل المتهم , أو كان نتيجة حتمية لعمله لا يتصور أنه كان يجهلها , ولما كان مفاد ما أوردة الحكم فى مدوناته من أن الطاعن أقدم على تقديم شكوى الى جهة عمل المجنى عليه تضمنت اغتصابه أرضاً ليست له وإنكاره لديونه وأنه يحمل معول التخريب هو وزوجته وأن التحاقه وظيفياً بمركز البحوث قد جاء وفقا لتقديرات خاطئة فإن هذا من الحكم يتوافر عنصراً العلانية فى جريمة القذف , لما هو معلوم بالضرورة من أن تلك الشكوى تداولتها أيدى الموظفين المختصين زملاء المجنى عليه بالعمل , كنتيجة حتمية لإرسال الشكوى وضرورة الاطلاع عليها منهم ومن ثم يكون النعى على الحكم فى هذا الصدد على غير سند .

(الطعن رقم 11632 لسنة 60 جلسة 1996/12/15 س 47 ع 1 ص 1351 ق 194)

7- لما كانت المادة 310من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت فى كل حكم بالادانة أن يشتمل على بيان واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التى وقعت فيها، والأدلة التى إستخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم، وأن تلتزم بايراد مؤدى الأدلة التى استخلصت منها الإدانة حتى يتضح وجه إستدلالها وسلامة مأخذها وإلا كان الحكم قاصراً، وكانت جريمة القذف المؤثمة بالمادة 302 من قانون العقوبات يشترط لقيامها توافر أركان ثلاثة : (1) اسناد واقعة معينة لو صحت لأوجبت عقاب من أسندت إليه أو إحتقاره (2) حصول الإسناد بطريقة من طرق العلانية المنصوص عليها فى المادة 171 من قانون العقوبات. (3) القصد الجنائي. لما كان ذلك، وكان الحكم الإبتدائى -المأخوذ بأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه-قد خلا من بيان واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة، ولم يورد مؤدى الأدلة التى استخلص منها ثبوت الواقعة فى حق الطاعنين، أو يعنى بإستظهار أركان جريمة القذف- كما هى معرفة به فى القانون-وتوافرهافى حقهما، فإن الحكم المطعون قيه يكون معيباً بالقصور فى التسيب الذى يبطله ويوجب نقضه والإعادة.

(الطعن رقم 20431 لسنة 59 جلسة 1994/01/26 س 45 ص 161 ق 24)

8- لما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص استخلاص استخلاصا سائغا من الأدلة التى أوردها وما اعتنقه من أسباب الحكم المستأنف ثبوت جريمتى القذف والسب فى حق الطاعن وأنه كان سىء القصد حين وجه مطاعنه إلى المدعى بالحقوق المدنية - وهو موظف عام - مما ينتفى معه شرط حسن النية الواجب توافره للاعفاء من العقوبة، فإن ما يثيره الطاعن من مجادلة حول تطبيق الفقرة الثانية منالمادة 302 من قانون العقوبات لا يكون له محل .

(الطعن رقم 5886 لسنة 59 جلسة 1992/12/18 س 43 ع 1 ص 1168 ق 183)

9- إن الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه "يجب على المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق النشر فى إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم المحقق عند أول استجواب له وعلى الأكثر فى الخمسة أيام التالية بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة وإلا سقط حقه فى إقامة الدليل المشار إليه فى الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات فإذا كلف المتهم بالحضور أمام المحكمة مباشرة وبدون تحقيق سابق وجب عليه أن يعلن النيابة العامة والمدعي بالحق المدني بيان الأدلة فى الخمسة أيام التالية لإعلان التكليف بالحضور وإلا سقط حقه فى إقامة الدليل. لما كان ذلك وكانت الفقرة الثالثة من المادة 302 من قانون العقوبات أجازت للقاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به فى الحالة المبينة فى الفقرة الثانية منها وهي الطعن فى أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة إذا ما حصل القذف بحسن نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة وذلك فى الميعاد المنصوص عليه فى المادة 123/2 من قانون الإجراءات الجنائية على نحو ما سلف بسطه، وكان انقضاء هذا الميعاد يترتب عليه سقوط الحق فى إقامة الدليل لإثبات وقائع القذف بحسبانه جزاءً إجرائياً على عدم ممارسة الحق فى مباشرة العمل الإجرائي خلال المدة التي حددها القانون.

(الطعن رقم 1046 لسنة 59 جلسة 1991/04/22 س 42 ع 1 ص 677 ق 97)

10- لما كانت العبارات التى سطرها الطاعن و المحكوم عليه الآخر حسبما جاءت بمدونات الحكم لا تقع تحت نص المادة 302 من قانون العقوبات و لا تشكل أى جريمة آخرى معاقب عليها قانوناً فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه - فيما قضى به فى الدعوى الجنائية - عملاً بنص المادة 1/304 من قانون الإجراءات الجنائية و إلغاء الحكم المستأنف و براءة الطاعن الأول ...... و المحكوم عليه الآخر ..... الذى كان طرفا فى الخصومة الاستئنافية و ذلك عملاً بنص المادة 42 من قانون حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ,لاتصال وجه الطعن به ووحدة الواقعة .

(الطعن رقم 5736 لسنة 58 جلسة 1989/01/05 س 40 ص 5 ق 1)

11- العلانية فى جريمة القذف المنصوص عليها فى المادة 302 من قانون العقوبات، لا تتحقق إلا بتوافر عنصرين، أولهما توزيع الكتابة المتضمنة عبارات القذف على عدد من الناس بغير تمييز، وثانيهما، انتواء الجاني إذاعة ما هو مكتوب، ولا يتطلب القانون أن يكون التوزيع بالغاً حداً معيناً، بل يكفي أن يكون المكتوب قد وصل إلى عدد من الناس، ولو كان قليلاً، سواء أكان ذلك عن طريق تداول نسخة واحدة منه، أم بوصول عدة نسخ أو صور منها، ما دام ذلك لم يكن إلا بفعل المتهم، أو كان نتيجة حتمية لعمله لا يتصور أنه كان يجهلها، ولما كان مفاد ما أورده الحكم فى مدوناته من إقدام الطاعن على إرسال برقيتين إلى كل من رئيس الجمهورية ووزير العدل، تضمنتا أن المجني عليه خرج على نزاهة القضاء واستغل نفوذه وتوسط لدى المحاكم للحصول على حكم طرد ضده، ودون دليل يظاهر ذلك، وعلى الرغم من إقراره أنه لم يحصل التجاء إلى القضاء، وإقرار بتسلم كافة حقوقه، فإن هذا من الحكم يتوافر به عنصراً العلانية فى جريمة القذف، لما هو معلوم بالضرورة من أن كلتا البرقيتين تداولتها أيدي الموظفين المختصين فى رياسة الجمهورية ووزارة العدل بحكم وظائفهم، كنتيجة حتمية للإبراق بهما وضرورة الإطلاع عليهما منهم، ومن ثم يكون النعي على الحكم فى هذا الصدد على غير سند.

(الطعن رقم 6297 لسنة 55 جلسة 1986/06/04 س 37 ع 1 ص 622 ق 119)

12- لما كانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصى أسباب أعفاء المتهم من العقاب فى حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها ، فإذا هو لم يتمسك أمام المحكمة بسبب الأعفاء فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عنه - و إذ كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه فى الإعفاء من العقوبة إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات فليس له من بعد هذا لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 4527 لسنة 51 جلسة 1982/04/08 س 33 ص 468 ق 95)

13- إن الدفع الذي تلتزم المحكمة بالرد عليه هو الدفع الذي يبدى صراحة أمامها دون غيره من القول المرسل، - لما كان ذلك - وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة إن الطاعن لم يتمسك بموجب الإباحة المقررة فى المادة 302 من قانون العقوبات، فليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفع لم يبد أمامها.

(الطعن رقم 277 لسنة 47 جلسة 1977/06/20 س 28 ع 1 ص 786 ق 164)

14- المقصود بالتهديد بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدشة بالشرف و المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة 327 من قانون العقوبات ، هو إفشاء أمور أو نسبة أمور لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه أو أوجبت إحتقاره عند أهل وطنه ، و هى الأمور التى أشير إليها فى جريمة القذف المنصوص عليها فىالمادة 302 من قانون العقوبات ، و التهديد فى هذا المعنى يشمل التبليغ عن جريمة سواء أكانت صحيحة وقعت بالفعل أو كانت مختلفة .

(الطعن رقم 176 لسنة 26 جلسة 1956/05/21 س 7 ع 2 ص 758 ق 213)

15- إن القانون لا يتطلب فى جريمة القذف قصداً جنائياً خاصاً بل يكتفى بتوافر القصد الجنائي العام الذى يتحقق فيها متى نشر القاذف أو أذاع الأمور المتضمنة للقذف و هو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف فى حقه أو إحتقاره عند أهل وطنه . و لا يؤثر فى توافر هذا القصد أن يكون القاذف معتقداً صحة ما رمى المجنى عليه به من وقائع القذف . غير أن القانون - فى سبيل تحقيق مصلحة عامة - قد إستثنى من جرائم القذف بنص صريح فى المادة 302 من قانون العقوبات الطعن الذى يحصل فى حق الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوى الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة إذ أباح هذا الطعن متى توافرت فيه ثلاثة شروط : " الأول " أن يكون حاصلاً بسلامة نية أى لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الإعتقاد بصحة الطاعن وقت إذاعتها . " و الثانى " ألا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة . " و الثالث " أن يقوم الطاعن بإثبات حقيقة كل أمر أسنده إلى المطعون فيه . فكلما إجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع و نجا الطاعن من العقاب . أما إذا لم يتوافر و لو واحد منها فلا يتحقق الغرض و يتعين العقاب . فإذا كان الحكم قد بين أن عبارات القذف التى تضمنتها عرائض الطاعن هى من الصراحة و الوضوح بحيث لا يخفى عليه مدلولها ، كما أوضح أنه " أى المتهم " لم يستطع أن يثبت ما أدعاه من أن القاضى دس عليه إعترافاً مزوراً فى محضر الجلسة أو أنه أعان عليه خصومه على صورة من الصور ، بل قامت الأدلة على عكس ذلك ، و كان واضحاً من مراجعة العبارات التى ذكرها الحكم نقلاً عن العرائض المذكورة أنه لا يمكن أن يكون قد قصد بها مجرد رد القاضى بل أنها بطبيعتها عبارات قذف قصد بها النيل منه ، فإن الحكم يكون قد تضمن بيان القصد الجنائي فى جريمة القذف على وجهه الصحيح . 2) إن القانون قد نص فى المادة 171 من قانون العقوبات على أن العلانية فى الكتابة و الرسوم و غيرها من طرق التمثيل تتوافر متى وزعت بغير تميز على عدد من الناس ، أو متى عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون فى الطريق العام أو أى مكان مطروق ، أو إذا بيعت أو عرضت للبيع فى أى مكان . و مقتضى هذا النص أن التوزيع يتحقق قانوناً بجعل المكاتيب و نحوها فى متناول عدد من الجمهور بقصد النشر و نية الإذاعة . و وسائل العلانية الواردة بالمادة المذكورة ليست على سبيل الحصر و التعيين بل هى من قبيل التمثيل و البيان ، مما مقتضاه أن تقديرها يكون من سلطة قاضى الموضوع . فإذا إستخلص الحكم توافر ركن العلانية من الكيفية التى قدم بها المشتكى شكواه ضد القاضى ، و هى إرساله إلى المجنى عليه ، و إلى المحكمة الإبتدائية الأهلية التى يشتغل فيها ، و إلى الإدارة القضائية الأهلية بوزارة العدل ، و إلى وزارة العدل ، عدة عرائض سماها رداً للقاضى المجنى عليه ، على إعتبار أن هذا منه يدل دلالة واضحة على أنه أراد إذاعة ما نسبه إليه إذ أنه لم يقصد الإذاعة لإقتصر على إرسال الشكوى للقاضى وحده دون الجهات الأخرى التى يعلم بالبداهة أن كل جهة منها تحوى عدداً من الموظفين من الضرورى أن تقع الشكوى تحت حسهم و بصرهم ، فإنه لا يكون قد أخطأ . 3) إن القصد الجنائي فى جريمة البلاغ الكاذب يتكون من عنصرين : هما علم المبلغ بكذب الوقائع التى بلغ عنها ، و إنتواؤه الإضرار بمن بلغ فى حقه . فإذا كان الحكم قد إستخلص توافر هذا القصد من إرسال المتهم العرائض السابقة الإشارة إليها إلى عدة جهات قائلاً إنه لو لم تكن لديه نية الإضرار به لسلك الطريق التى رسمها القانون لرد القضاة ، فإنه يكون قد إستخلصه إستخلاصاً سائغاً من وقائع مؤدية إليه .

 (الطعن رقم 1024 لسنة 14 جلسة 1944/05/08 س 6 ع 6 ص 483 ق 350)

16- الأصل فى القذف الذى يستوجب العقاب قانوناً هو الذى يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية أو يوجب إحتقار المسند إليه عند أهل وطنه . و إذا كان من حق قاضى الموضوع أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى فإن لمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها و إستظهار مرامى عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح . و لما كان الحكم المطعون فيه بما أورده من أن المطعون ضده نسب للمدعى بالحق المدنى أنه يؤجر شقة مفروشة " لمن هب و دب " و أنه يقيم بها أحياناً حفلات صاخبة و لعب ميسر يمتد إلى ما قبل الفجر ، هو بلا شك مما ينطوى على مساس بكرامة المدعى بالحق المدنى و يدعو إلى إحتقاره بين مخالطيه و من يعاشرهم فى الوسط الذى يعيش فيه و تتوافر به جريمة القذف كما هى معرفة به فى القانون .

(الطعن رقم 615 لسنة 40 جلسة 1970/05/31 س 21 ع 2 ص 756 ق 178)

17- متى كانت العبارات المنشورة - كما يكشف عنوانها و ألفاظها و ما أحاط بها من علامات و صور - دالة على أن الناشر إنما رمى بها إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعية بالحقوق المدنية هى أنها تشتغل بالجاسوسية لمآرب خاصة و تتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء و أنه كان لها أتصال غير شريف بآخرين فإن إيراد تلك العبارات بما إشتملت عليه من وقائع مقذعة يتضمن بذاته الدليل على توافر القصد الجنائي . ولا يغنى المتهم أن تكون هذه العبارات منقولة عن جريدة إفرنجية و أنه ترك للمجنى عليها أن تكذب ما ورد فيها من وقائع أو تصححها ، فإن الإسناد فى القذف يتحقق و لو كان بصيغة تشكيكية متى كان من شأنها أن تلقى فى الأذهان عقيدة و لو وقتية أو ظناً أو إحتمالاً و لو وقتيين فى صحة الأمور المدعاة .

(الطعن رقم 1168 لسنة 19 جلسة 1950/01/16 س 1 ص 251 ق 83)

18- لما كان الأصل فى القذف الذى يستوجب العقاب قانوناً ، هو الذى يتضمن إسناد فعلاً يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية ، أو يوجب إحتقار المسند إليه عند أهل وطنه ، و من حق القاضى أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ، و لمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها و مرامى عبارتها ، لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح ، و كان الحكم الغيابى الإستئنافى الذى تبناه لأسباب الحكم المطعون فيه ، قد أورد أن الطاعن نسب إلى المجنى عليهم فى صحيفتى الدعويين المرفوعتين منه قبلهما ، أن أحدهم و هو القاضى الذى حرر مسودة الحكم فى الدعاوى أرقام .......... قد تعمد التزوير فى هذه المسودة و شاركه رئيس و عضو الدائرة و هى عبارات مهينة شائنة تنطوى بذاتها على المساس بكرامة القضاة المذكورين و شرفهم و إعتبارهم ، و تدعو إلى عقابهم قانوناً بجنايتى التزوير فى الأوراق الرسمية و الإشتراك فيها المعاقب عليهما بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن عملاً بالمادة 211 من قانون العقوبات فضلاً عما فى تلك العبارات من دعوة إلى إحتقارهم بين مخالطيهم و من يعاشرهم فى الوسط الذى تتوافر به فى حق الطاعن جريمتا القذف و الإهانة كما هما معرفتان به فى القانون ، فإن النعى على الحكم فى هذا المعنى يكون غير سديد .

(الطعن رقم 2037 لسنة 53 جلسة 1983/11/30 س 34 ص 1015 ق 205)

19- حكم المادة 309 من قانون العقوبات ، ليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام ، هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه ، و أن هذا الحق أشد ما يكون إرتباطاً بالضرورة الداعية إليه ، و أن الفصل فيما إذا كانت عبارات السب و القذف بما يستلزمه الدفاع ، متروك لمحكمة الموضوع ، التى رأت أن عبارات الطاعن ، على السياق المتقدم فى حكمها ، لا يستلزمها الدفاع فى القضيتين سالفتى الذكر ، و هو ما تقرها عليه هذه المحكمة ، فضلاً عن أن الدفع بإباحة القذف أو السب إعمالاً لحكم المادتين 2/302 ، 309 من قانون العقوبات ، و إن كان دفاعاً جوهرياً ، على المحكمة أن تعرض له فى حكمها إيرادها و رداً ، إلا أنه من الدفوع القانونية المختلطة بالوقائع ، فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض - ما لم تكن وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم ، ترشح لقيامه لأنه يتطلب تحقيقاً تنحسر عنه وظيفتها ، و إذ كان ذلك ، و كان البين من محاضر جلسات المحاكمة فى الدرجتين أنها خلت من إثارة هذا الدفاع ، و لم يدع الطاعن فى طعنه أنه أثاره فى مذكرته المقدمة أمام محكمة ثانى درجة ، و خلت مدونات الحكم المطعون فيه مما يظاهر دعوى الطاعن فى الإعتصام بهذا الحق ، فإنه لا يجوز له من بعد إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة .

(الطعن رقم 2037 لسنة 53 جلسة 1983/11/30 س 34 ص 1015 ق 205)

20- الأصل فى القذف الذى يستوجب العقاب قانوناً هو الذى يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية أو يوجب إحتقار المسند إليه عند أهل وطنه و أنه من حق قاضى الموضوع أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى و لمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها و إستظهار مرامى عبارتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح . لما كان ذلك ، وكان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه و المكمل بالحكم المطعون فيه قد أورد أن الطاعن الأول نسب إلى المدعى بالحقوق المدنية فى المذكرة المقدمة منه أنه طابت نفسه لآخذ مال الغير و أنه ليس له أن يطمع فيما لا يطمع فيه غيره من الخصوم و أنه ليس قاضياً فحسب بل شريك فى جراج للسيارات و أنه ليس قاضياً خالصاً للقضاء بل يعمل بالتجارة و هى عبارات تنطوى على مساس بكرامة المدعى بالحق المدنى و تدعو إلى إحتقاره بين مخالطيه و من يعاشرهم فى الوسط الذى يعيش فيه و تتوافر به جريمة القذف كما هى معرفة فى القانون . و من ثم فإن منعى الطاعن بخطأ الحكم فى تطبيق القانون بمقولة إن القانون لا يؤثم جمع القاضى بين مهنته و بين الإشتغال بالتجارة ، و أن ذلك و إن كان يشكل مخالفة مهنية تستوجب المؤاخذة التأديبية ، إلا أنها لا تكون أية جريمة و لا تقوم بها جريمة القذف ، غير صحيح فى القانون .

(الطعن رقم 772 لسنة 42 جلسة 1972/10/08 س 23 ع 3 ص 995 ق 221)

21- كنه حسن النية فى جريمة قذف الموظفين هو أن يكون الطعن عليهم صادراً عن حسن نية أى عن إعتقاد بصحة وقائع القذف و لخدمة مصلحة عامة لا عن قصد التشهير و التجريح شفاء لضغائن أو دوافع شخصية - و لا يقبل من موجه الطعن فى هذه الحالة إثبات صحة الوقائع التى أسندها إلى الموظف بل يجب إدانته حتى و لو كان يستطيع إثبات ما قذف به .

(الطعن رقم 4527 لسنة 51 جلسة 1982/04/08 س 33 ص 468 ق 95)

22- لما كانت المادة 215 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن " تحكم المحكمة الجزئية فى كل فعل يعد بمقتضى القانون مخالفة أو جنحة عدا الجنح التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طريق النشر على غير الأفراد " وكانت المادة 216 من القانون ذاته تنص على أن " تحكم محكمة الجنايات فى كل فعل بعد بمقتضى القانون جناية وفى الجنح المضرة بأفراد الناس " لما كان ذلك، وكان البين من أوراق الطعن أن المدعى بالحقوق المدنية أقام دعوى الجنحة المباشرة ضد المتهم - الطاعن _ أمام محكمة جنايات الإسكندرية متهما إياه بالقذف فى حقه بطريق النشر، وإثناء نظر الدعوى أقام المدعى بالحقوق المدنية جنحة مباشرة أخرى أمام ذات المحكمة متهما الطاعن السب والقذف فى حقه أثناء عرضه لدفاعه فى الدعوى الأصليه . لما كان ذلك وكانت الوقائع التى نسب المدعى بالحق المدنى إلى المتهم إرتكابها بجلسة المحاكمة من سب وقذف لم تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر فإنه لا إختصاص لمحكمة الجنايات بالفصل فيها وإذ كان الحكم من طريق النشر فإنه لا إختصاص لمحكمة الجنايات بالفصل فيها . وإذ كان الحكم المطعون فيه إلتزم هذا النظر وقضى بعدم إختصاص محكمة الجنايات بنظر دعوى الجنحة المباشرة - التى أقيمت أثناء نظر الدعوى الأصلية - وبإحالتها إلى محكمة الجنح المختصة يكون قد أصاب صحيح القانون ولما كان هذا القضاء غير منه الخصومة فى موضوع الدعوى الثانية ولا ينبنى عليه منع السير فيها فإن الطعن فيه بطريق النقض يكون غير جائز ، ولا يغير من هذا النظر ما ذهب إليه الطاعن من قيام الارتباط بين الواقعتين ذلك أنه بفرض قيام الارتباط فإن ذلك لا يسلبه حقه فى إبداء دفاعة عند نظر الدعوى أمام محكمة الجنح فى شان الارتباط الذى يدعيه وبين الجنحة الأخرى - التى تختص محكمة الجنايات بنظرها - والتى سبقت محاكمته وإدانته من أجلها أمام محكمة الجنايات إذا تبين لمحكمة الجنح من التحقيق الذى تجريه أن الجنح مرتبطة بالفعل المكون لتلك الجنحة - التى اختصت بها محكمة الجنيات - إرتباطا لا يقبل التجزئه فإنها لا توقع عليه عقوبة أخرى مستقلة لعدم جواز معاقبة المتهم عن ذات الفعل مرتين لما كان ما تقدم فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن.

(الطعن رقم 14415 لسنة 60 جلسة 1992/02/20 س 43 ع 1 ص 259 ق 31)

23- إذا كان الجاني قد احتاط ولم يذكر اسم المجنى عليه صراحة فى العبارات المنشورة ، فإن لمحكمة الموضوع أن تتعرف على شخص من وجهت إليه من واقع العبارات ذاتها وظروف الواقعة والملابسات التى اكتنفتها . ولما كانت مدونات الحكم المطعون فيه تفيد أن المحكمة قد استخلصت أن المدعى بالحقوق المدنية هو المقصود بعبارات القذف والسب ، وكانت العبارات التى أوردها الحكم تسوغ النتيجة التى رتبها الحكم عليها فإن مايثيره الطاعن فى هذا الشأن لايعدو أن يكون جدلاً فى تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب .

(الطعن رقم 8334 لسنة 61 جلسة 1998/02/22 س 49 ص 286 ق 45)

24- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت بمدوناته عبارات القذف والسب وأن الإنذارات والشكوى المقدمة لجهاز المدعى الاشتراكى _ التى تضمنت هذه العبارات _ قدمت لجهات عديدة وكانت الطاعنة تعلم أنها تتداول من شخص إلى آخر ، وكان القصد الجنائي فى جرائم القذف والسب يتحقق متى كانت الألفاظ الموجهة إلى المجنى عليه شائنة بذاتها _كما هو الحال فى الدعوى المطروحة _ ولا حاجة فى هذه الحالة إلى الاستدلال عليه بأكثر من ذلك . ولا على المحكمة إن هى لم تتحدث عن قصد الإذاعة على استقلال طالما أن هذا القصد يستفاد من علانية الإسناد التى استظهرها الحكم بأدلة سائغة ومن ثم يكون منعى الطاعنة فى هذا الصدد فى غير محله .

(الطعن رقم 13784 لسنة 60 جلسة 1998/03/05 س 49 ص 311 ق 48)

25- المرجح فى تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي فى تحصيله لفهم الواقع فى الدعوى إلا أن حد ذلك ألا يخطئ فى التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم أو يمنح دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها إذ أن تحري مطابقة الألفاظ للمعنى الذي استخلصه الحكم وتسميتها باسمها المعين فى القانون سبا أو قذفا أو عيبا أو إهانة أو غير ذلك، هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض وأنها هي الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي ينتهي إليه الحكم من مقدماته.

(الطعن رقم 3087 لسنة 62 جلسة 2000/05/08 س 51 ص 458 ق 84)

26- القصد الجنائي فى جرائم القذف والسب والإهانة لا يتحقق إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة للمجني عليه شائنة بذاتها وقد استقر القضاء على أن جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر فإذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير للمحكمة فى هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدير أيهما كانت له الغلبة فى نفس الناشر.

(الطعن رقم 3087 لسنة 62 جلسة 2000/05/08 س 51 ص 458 ق 84)

27- الشارع بما نص عليه فى المادتين 189 ، 190 من قانون العقوبات أن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التى تصدر علناً ، وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى فى الجلسات غير العلنية ، ولا إلى ما يجرى فى الجلسات التى قرر القانون أو المحكمة الحد من علنيتها ، كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة ، ولا تمتد إلى التحقيق الابتدائى ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية ، لأن هذه كلها ليست علنية إذ لا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم . لما كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وعاقب الطاعن بمقتضى نص المادة 189 من قانون العقوبات تأسيساً على قيام الطاعن بنشر موضوع شكوى المدعية بالحقوق المدنية ضد زوجها عن تهمة سب وقذف وقعت فى حقها وأن هذه الجريمة لا يجوز فيها إقامة الدليل على الأمور المدعى بها . إذ أنها وقعت ضد أحد الأفراد وذلك دون طلب منها أو بإذنها فإنه يكون صحيحاً فى القانون ويكون ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن لا محل له .

(الطعن رقم 18346 لسنة 65 جلسة 2004/12/22 س 55 ع 1 ص 879 ق 129)

28- الدفع بالإعفاء من العقاب لحسن النية فى جريمة القذف فى حق موظف عام - المطعون ضده - يعد دفاعاً جوهرياً ، لما يرتب على ثبوت أو عدم ثبوت صحته من تغير وجه الرأى فى الدعوى . لأن القاذف فى حق الموظفين العمومين يعفى من العقاب إذا أثبت صحة ما قذف به المجنى عليه من جهة ، و كان من جهة أخرى حسن النية ، بأن كان يعتقد صحة الإسناد و أنه يقصد إلى المصلحة العامة لا إلى إشفاء الضغائن و الأحقاد الشخصية . هذا إلى أنه يشترط فى جريمة البلاغ الكاذب - التى دين بها الطاعن كذلك - أن يكون الجاني سئ القصد عالماً بكذب الوقائع التى أبلغ عنها ، و أن يكون أيضاً قد أقدم على تقديم البلاغ منتوباً السوء و الإضرار بمن أبلغ عنه ، و لذلك يجب أن يعنى الحكم القاضى بالإدانة من هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصرية المذكورين بإيراد الوقائع التى إستخلص منها توافره - و إذ إقتصر الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه على مجرد القول بسوء نية الطاعن دون أن يبين العناصر التى إستخلص منها خبث القصد الذى رمى إلى تحقيقه من وراء البلاغ الكاذب الذى قدمه ، و دون تعرض إلى الدفع بأنه كان حسن النية - و هو دفاع جوهرى لتعلقه يركن من أركان جريمة البلاع الكاذب ، فإنه يكون معيباً بالقصور فى البيان فضلاً عما ينظوى عليه من إخلال بحق الدفاع ، مما يعيبه و يجب نقضه .

(الطعن رقم 4394 لسنة 52 جلسة 1982/11/28 س 33 ص 926 ق 192)

29- القصد الجنائي فى جرائم القذف والسب والإهانة لا يتحقق إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليه شائنة بذاتها، وقد استقر القضاء على أنه فى جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها، فإذا تبين أن ما اشتمل عليه المقال من نقد يراد به المصلحة العامة - وهو إبداء الرأي فى أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته - وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه فى تقديره، فلا جريمة. لما كان ذلك، وكان المرجع فى ذلك كله إلى ما يطمئن إليه قاضي الموضوع من حصيلة تفهمه لواقعة الدعوى، فإن المنازعة، فى ذلك تنحل إلى جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، بما يتعين الالتفات عنه.

(الطعن رقم 4933 لسنة 62 جلسة 2000/05/15 س 51 ص 477 ق 89)

30- القصد الجنائي فى جريمة القذف يتوافر إذا كانت المطاعن الصادرة من القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار، فيكون علمه عندئذ مفترضا. إضافة إلى قيام الدفاع لدى الطاعن بإسناد واقعة القذف - بطريق النشر- إلى المجني عليه، بإقراره فى التحقيقات بوجود خلافات فقهية فى الرأي الشرعي ورسالة ......... بينه وبين ..............- المجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية - واعتقاده - أي الطاعن- الشخصي بأن ............. هو الذي حل جبهة العلماء التي كان هو أمينا لها، وما اطمأنت إليه المحكمة من أن الطاعن اتجهت إرادته إلى إسناد الأمور التي ذكرها- ونشرها المتهم الآخر على لسانه - إلى ......... مع علمه بها وأنها لو صحت لاستوجبت عقابه أو احتقاره لكونها عبارات شائنة فى ذاتها لأنها وصفت .............. الذي هو رمز من رموز الإسلام فى مصر، وشيخ المسلمين بها- بأنه انشغل عن مهام منصبه بتدمير .................. ومطاردة الناصحين له- واتهامه فى عبارات تهكمية بأنه لا ينظر إلا لذاته ومنصبه ........ وقام بتأميم جبهة العلماء وزعم بأنه يستطيع القيام بعملها ولم يفعل ما تقاعس هو عن فعله، ومن ثم فإن العلم يكون قائما فى حقه، وأنه سيئ النية فيما قذف به المجني عليه فلم يكن يبغي تحقيق مصلحة عامة، وهو ما يكفي لإدانته حتى لو كان فى مقدوره إقامة الدليل على صحة وقائع القذف.

(الطعن رقم 27549 لسنة 69 جلسة 2001/07/01 س 52 ع 1 ص 610 ق 109)

31- تحرى الألفاظ للمعنى الذى إستخلصته المحكمة و تسميتها بإسمها المعين فى القانون - سبا أو قذفا - هو من التكييف القانونى الذى يخضع لرقابة محكمة النقض بإعتبارها الجهة التى تهيمن على الإستخلاص المنطقى الذى يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة .

(الطعن رقم 5736 لسنة 58 جلسة 1989/01/05 س 40 ص 5 ق 1)

32- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها ، وكان الحكم قد خلص إلى إدانة الطاعن بقوله : " ...... إن المتهم ....... محرر بجريدة ...... وقام بتحرير المقال موضوع الدعوى ، ولما كانت عبارات المقال المنشورة كما يكشف عنوانها " ....... " ، وما تضمنه من إسناد وقائع تزوير وسرقة شيكات وتسجيل محادثات ، وما تضمنه المقال من ذكر اسم المدعى المدنى وبياناته دالة على أن المتهمين إنما رميا بهذا المقال إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعى المدنى هى أنه مزور وسبق سجنه واعتقاله ويقوم بتسجيل محادثات للسيدات مما يوجب احتقاره عند أهل وطنه وتتضمن هذه العبارات بذاتها الدليل على توافر القصد الجنائي لدى المتهمين ........ ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد اشتمل بذاته على بيان ألفاظ القذف والسب وتنحسر عنه من ثم دعوى القصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 12771 لسنة 65 جلسة 2004/04/11 س 55 ع 1 ص 393 ق 51)

33- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعن بها و أورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الصحيح فى الأوراق و تؤدى إلى ما رتبه عليها . و ذلك فى قوله : " و حيث إنه عن الدعوى المباشرة الفرعية و لما كان الثابت مما إنتهت إليه المحكمة على النحو متقدم الذكر أن المدعى المدنى فى الدعوى ............ الطاعن قد نسب إلى المتهم فى تلك الدعوى - و هو المدعى المدنى فى الدعوى الفرعية - بواسطة إحدى الطرق المبينة فى المادة 171 عقوبات و ذلك بأن سطر صحيفة الدعوى المباشرة و تداولتها الأيدى و جاء بها على خلاف الحقيقة التى يفصح عنها الإيصال سند الدعوى و يختلف ما جاء فيه عما ورد بصحيفة الإدعاء المباشر و لا يعن أن المتهم قد إقترف جريمة التبديد المنسوبة إليه و هو على إختلاف جذرى واضح للوهلة الأولى فليس فى الإيصال ما يعنى أن المتهم تسلم من المدعو .................... ذلك المبلغ على سبيل الأمانة لتوصيله إلى المدعى المدنى كما جاء بصحيفة الإدعاء المباشر فمن ثم تكون أركان الجريمة المؤثمة بالمادة 302 عقوبات قد قامت إذ أن ما نسبه المدعى المدنى إلى المتهم لو كان صادقاً لوجب عقاب الأخير طبقاً للمادة 341 عقوبات ، كما و أن أركان جريمة البلاغ الكاذب قائمة بإعتبار أن ما أبلغ به المدعى المدنى أمر ثبت كذبه على النحو المقدم البيان ، كما ثبت مما تقدم أن المدعى المدنى لابد و أن يعلم من الوهلة الأولى أن ما يسطره يخالف الحقيقة و لا يمكن أن يكون ما سطره على النحو الموضح فيه عدم الصدق إلا أن يكون قد قصد به إلحاق الضرر بالمتهم .............. " . و إذ كان هذا الذى أورده الحكم يكفى للتدليل على توافر القصد الجنائي بعنصريه لدى الطاعن - بالنسبة لجريمة البلاغ الكاذب - و هو العلم بكذب الوقائع و قصد الإساءة إلى المجنى عليه . فضلاً عن توافر أركان جريمة القذف بكافة عناصرها و أركانها .

الطعن رقم 4287 لسنة 57 جلسة 1988/01/14 س 39 ع 1 ص 156 ق 18)

34- القانون - فى سبيل تحقيق مصلحة عامة - قد إستثنى من جرائم القذف الطعن فى أعمال الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوى الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة متى توافرت فيه ثلاثة شروط " الأول " أن يكون الطعن حاصلاً بسلامة نية أى لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الإعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها " الثانى " ألا يتعدى الطعن أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة " الثالث " أن يقوم الطاعن بإثبات كل أمر أسنده إلى المطعون فيه ، فكلما إجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع و نجا الطاعن من العقاب أما إذا لم يتوافر و لو واحد منها ، فلا يتحقق هذا الغرض و يحق العقاب ، و كانت عبارات القذف موضوع الجريمة - المشار إليها بمدونات الحكم المطعون فيه - لا تتعلق بعمل المطعون فيه بل بحياته الخاصة أى بصفته فرداً فإنه لا يجوز إثباتها قانوناً ، و يكون دفاع الطاعن من أنه يتمتع بالإعفاء المنصوص عليه بالمادة 2/302 من قانون العقوبات بمقولة أنه قدم المستندات الدالة على صحة ما أسنده للمدعى بالحق المدنى من وقائع ليس من شأنه - بفرض صحته - نفى مسئولية الطاعن عن الجريمة التى قارفها و من ثم فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن يكون على غير سند .

(الطعن رقم 2264 لسنة 49 جلسة 1980/05/21 س 31 ع 1 ص 654 ق 127)

35- إسناد الاختصاص بنظر جنح القذف التي تقع بطريق النشر على موظف عام أو من في حكمه بسبب أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، هو مراعاة ما يستوجبه القضاء في هذه الجريمة من الوقوف على حدود إباحة الفعل – إن توافرت شرائطها القانونية – التي تتساند في جوهرها إلى حرية الرأي والحق في التعبير، وهما من بين الحقوق الشخصية التي لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا – على ما جرى به نص المادة (92) من الدستور - ولا كذلك الحال بالنسبة لجريمة القذف في حق آحاد الناس، التي يقضى في شأنها على ضوء أحكام الفقرة الأولى من المادتين (302 و303) من قانون العقوبات، دون أن يكون مطروحًا على محكمة الجنح تقصي أسباب الإباحة التي انتظمها نص الفقرة الثانية من المادة (302) من القانون ذاته، أو المادة (32) من القانون رقم 180 لسنة 2018، بحسب الأحوال؛ ومن ثم أسند المشرع إلى محكمة الجنايات الاختصاص بنظر الجنح التي تقع بواسطة الصحف، عدا الجنح المضرة بآحاد الناس، على النحو الذي انتظمته نصوص قانون الإجراءات الجنائية المطعون عليها، لما يتمتع به قضاتها من خبرات قضائية متراكمة، تؤهلهم للفصل في جريمة خصها المشرع بسبب إباحة لم يقرره لغيرها من جرائم الباب السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات. لما كان ذلك؛ فإن إسناد الاختصاص إلى محكمة الجنايات بنظر الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون العقوبات، على ما تجري به نصوص المواد (214/1 و215 و216) من قانون الإجراءات الجنائية، يكون واقعًا في إطار السلطة التقديرية للمشرع، وقام على أسباب موضوعية تبرره.

(حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 60 لسنة 22 ق" دستورية" المنشور بتاريخ 7/7/ 2024 )
شرح خبراء القانون

ويبين من هذا النص المتقدم أن هذه الجريمة تتطلب ركنين، أحدهما مادي قوامه عناصر ثلاثة هي الإسناد وأن يكون قد ورد على واقعة معينة لو صحت لأوجبت عقاب من أسندت إليه أو احتقاره، وعلانية الإسناد. الركن الآخر رکن معنوي هو القصد الجنائي.

الركن المادي: يتحقق هذا الركن بتوافر ثلاثة عناصر:

1- الإسناد.

2- موضوع الإسناد.

3- علانية الإسناد.

أولاً، الإسناد

القذف جريمة تقع بإسناد واقعة معينة تمس الشرف والاعتبار إلى شخص معين. وفي ضوء ذلك يرتكز الركن المادي للقذف على الواقعة المسندة، وإلى مساسه بالشخص. فالواقعة والشخص هما المحوران اللذان ترتكز عليهما جريمة القذف. وقد قضت محكمة النقض أنه إذا كان ما صدر من المطعون ضده هو مجرد رأي قانوني يحتمل الخطأ أو الصواب وليس من شأن مجرد إبداء الرأي في ذاته أن يحط من قدر الطاعن أو يجعله محلا للاحتقار أو الازدراء بين أهل وطنه أو يستوجب عقابه أو خدش شرفه أو اعتباره – فإن ما أسند إلى المطعون ضده لا جريمة فيه.

وبناء على ذلك، يتحقق الإسناد بنسبة أمر إلى شخص معين. ويستوي نسبة الواقعة إلى الشخص على سبيل اليقين أو بصورة تشكيكية أو على سبيل الظن والاحتمال. ويتحقق الإسناد بمجرد الإخبار بواقعة معينة تحتمل الصدق والكذب، وذلك لأن هذا الإخبار من شأنه أن يلقي في روع الجمهور ولو بصفة مؤقتة احتمال صحة الواقعة، وهو ما يكفي وحده للمساس بشرف المجني عليه واعتباره.

ويستوي أن ينسب الجاني الواقعة إلى المجني عليه على أنها من معلوماته الخاصة أو بوصفها رواية ينقلها عن الغير أو إشاعة يرددها. ولا يحول دون وقوع هذا الإسناد أن تكون الواقعة المسندة إلى المجني عليه قد سبق إعلانها من قبل أو سبق نشرها وقد أكدت محكمة النقض هذا المبدأ في قضائها الذي انتهى إلى أنه لا يعني المتهم من المسئولية أنه أعاد نشر العبارات المهينة بعد ترجمتها عن جريدة تصدر في روسيا.

ويستوي أن يكون المعنى السيئ واضحاً لا يحتاج إلى تفسير أو مختفياً في لفظ بريء، أو يكون في صورة تلميح"، أو كناية، ولو على سبيل الاستفهام أو التساؤل. وفي ذلك المعنى قضت محكمة النقض أنه ليس للقاذف أن يتعلل يكون المقال الذي عوقب من أجله موضوعاً في قالب أسئلة. وبوجه عام، فإنه لا عبرة بالأسلوب الذي تصاغ فيه عبارات القذف مادام أنه يثير لدى المتلقي الشك في شرف المجني عليه.

ويتحقق الإسناد بطريق القول أو الكتابة أو الرسم أو الفعل أو الإشارة أو أية طريقة من طرق التعبير .

ثانياً، موضوع الإسناد:

يتعين لتحقق جريمة القذف ورود الإسناد على موضوع معين، هو أن يسند الجاني إلى المجني عليه واقعة معينة لو صحت لأوجبت عقابه جنائياً أو احتقاره عند أهل وطنه.

والشرف والاعتبار قيمتان ترتبطان بالكرامة، ويقصد بالشرف كل ما يتعلق بالصفات الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان والتي تتمثل في الأدب والأمانة والفضيلة والإخلاص، أو هو قيمة أخلاقية يتمتع بها الشخص كلما كان سلوكه متفقاً مع واجباته الأخلاقية. ومن ثم يعد ماساً بالشرف كل ما يؤدي إلى اعتبار المجني عليه لصاً أو قاتلاً أو خائناً للأمانة أو مزوراً أو فاسداً.

أما الاعتبار فيقصد به ما يتعلق بتقدير المجتمع للفرد في ضوء سلوكه الاجتماعي ومكانته وسمعته، فمن حصيلة ذلك كله ينبني الاعتبار الاجتماعي للشخص. فالاعتبار على هذا النحو يعكس قيمة ذات أبعاد اجتماعية، لأنها تنطوي على تقدير الغير للشخص سواء من حيث حياته الخاص أو المهنية أو العامة.

وقد لخص البعض الفرق بين الشرف والاعتبار بأن الأول هو عين الضمير والثاني هو عين الهيئة الاجتماعية.

ويشترط في موضوع الإسناد ثلاثة عناصر، هي تعيين الواقعة، وتحديد طبيعتها، وتحديد الشخص الموجه إليه القذف.

 ثالثاً: تعيين الواقعة

يشترط في الأمر المسند إلى المجني عليه أن يكون معيناً ومحدداً على نحو يمكن إقامة الدليل عليه، لا أن يكون في صورة مرسلة مطلقة غير منضبطة. وفي هذا الشرط يتميز القذف عن السب، فهذا الأخير يتحقق بمجرد إسناد العيب دون أن يتضمن واقعة معينة، فلا يعد قذفاً تمني الشر للشخص أو توقع الضرر له في المستقبل، ولو كان الشر أو الضرر محدداً، مادام أنه لا يتعلق بواقعة محددة. ومثال تعيين الواقعة أن يسند الجاني إلى المجني عليه أنه سرق منه مبلغاً من المال أو أنه يزني بامرأة معينة أو أنه احتال على فلان. أما قوله بأن المجني عليه لص أو زان أو نصاب فلا يعدو أن يكون إسناداً لعيب لا يحوي واقعة معينة، الأمر الذي يعد سباً فقط. وبعبارة أخرى، فإن الواقعة موضوع الإسناد تعبر عن حقيقة يمكن إدراكها وإثباتها، وذلك بغض النظر عن مدى سماح القانون في إثبات صحة الواقعة، حيث يقصر القانون ذلك على القذف في حق الموظف العام ومن في حكمه كما سنبين فيما بعد.

ولا يشترط في تحديد الواقعة أن يكون كاملاً بحيث يتضمن جميع عناصرها في أذهان الغير. أما اللفظ الغامض العام الذي لا ينطوي على نسبة وقائع معينة فلا يتوافر به القذف ويمكن أن يتوافر به السب. ولا يشترط أيضاً ذكرها بتفاصيل معينة، بل يكفي استخلاص هذا التحديد على نحو مفهوم، ولو كان هذا الفهم في محيط ضيق.

ويفصل قاضي الموضوع في مدى تعيين الواقعة في حدود سلطته الموضوعية على ضوء الظروف التي وقع فيها القذف. ومن هذه الظروف أن يكون الحديث دائراً عن سرقة مال معين فيسند خلاله أحد الحاضرين إلى آخر أنه لص، فإنه يغلب على قول الجاني أنه أراد نسبة سرقة المال الذي يدور حوله الحديث إلى المجني عليه، مما يعد قذفاً.

طبيعة الواقعة

يشترط في الواقعة أن يكون من شأنها عقاب من نسبت إليه أو احتقاره. ومعنى ذلك أن الواقعة يجب أن تكون من طبيعتها إحداث هذا الأثر.

ولا صعوبة بالنسبة إلى الواقعة المعاقب عليها جنائياً، إذ المناط في تحديد مدلولها هو قانون العقوبات والقوانين الجنائية المكملة. ويدق الأمر إذا كانت الواقعة معاقباً عليها تأديبياً. والراجح أن القذف يتوافر في هذه الحالة، لأن الجزاء التأديبي يمس الاعتبار الوظيفي للمجني عليه، وقد يكون أقسى عليه من الحكم بغرامة بسيطة. هذا بالإضافة إلى أن القذف يمس اعتبار الإنسان الاجتماعي بوجه عام ويدخل في إطاره الاعتبار المهني أو الوظيفي.

ولم يحصر القانون الأمر في أن تكون الواقعة جريمة معاقباً عليها، بل يكفي أن يكون من شأنها احتقار المجني عليه عند أهل وطنه. ويلاحظ أن كلمة الاحتقار تتسع لقابلية الواقعة للعقاب عليها، لأن كل ما يعاقب عليه أمر محتقر، ولا عكس. والمراد بالاحتقار هو ما يمس الشرف أو الاعتبار. وقد عني قانون العقوبات الفرنسي الصادر في 29 يولية سنة 1881 بالنص صراحة على هذا الوصف لقيام جريمة القذف.

ويتحقق الاحتقار بكل ما من شأنه الحط من كرامة الشخص وإضعاف قدره لدى الناس. وبعبارة أخرى، هو كل ما يمس شرفه واعتباره بوجه عام في نظر المجتمع سواء بوصفه عضواً في المجتمع (الاعتبار الاجتماعي) أو بالنظر إلى مهنته (الاعتبار المهني) أو بالنظر إلى وظيفته (الاعتبار الوظيفي). ومن أمثلة ذلك أن ينسب شخص إلى آخر أنه يغش في الامتحان، أو أنه يرتكب أفعالا غير مشروعة مع بعض الفتيات بمكتبه، أو أنه يعاشر امرأة معاشرة غير شرعية، أو أنه مريض بمرض معد، أو أنه طبيب يتعمد إطالة فترة العلاج ليتقاضى ربحاً أكبر، أو أنه محام يهمل قضاياه، أو أنه قاض يجمع بين عمله والمحاماة)، أو ينسب إلى شخص أنه ورث عن أهله ضعفا في العقل، أو أنه يحمل أسماً غير الذي ورد في شهادة ميلاده، أو أنه ارتد عن الإسلام، أو أنه أشهر إفلاسه، أو أنه شخص غير سوي.

ولا يتحقق القذف (أو السب) بمجرد الرأي القانوني، لأنه يحتمل الخطأ والصواب، وليس من شأنه أن يحط من قدر ما باشر العمل الذي دار حوله هذا الرأي، أو يجعله محلاً للاحتقار أو الازدراء بين أهل وطنه، أو يستوجب عقابه أو خدشاً لشره أو اعتباره.

ولما كان اعتبار الشخص وشرفه هو حصيلة الرصيد الذي يتكون من صفاته وأخلاقه وتصرفاته وسمعته سواء ما يمس منها شخصه كفرد في المجتمع أو ما يمس مهنته التي يمارسها، فإن الواقعة الموجبة للاحتقار يجب أن تنصرف إلى واحد من عناصر هذا الرصيد. ولا يشترط أن تكون الواقعة المسندة إلى المجني عليه غير مشروعة.  قانوناً، فهناك من الأفعال المشروعة ما يعد وصمة خلقية في المجتمع. كالمعاشرة غير المشروعة للنساء ولعب القمار. كما لا يشترط أن تكون الواقعة المسندة إلى الشخص الموجه إليه القذف فعلاً مرتكباً يكون به جانیاً، فقد يسند إليه أنه كان مجنياً عليه في واقعة معينة بصورة قد تمس اعتباره وكرامته وتحط من قدره بين الناس .

ولا يشترط أن تكون الواقعة محتقرة في نظر جميع أهل الوطن الذي ينتمي إليه المجني عليه، كما قد توحي بذلك خطأ عبارة المادة 302 عقوبات، بل يكفي أن يكون من طبيعة الواقعة المنسوبة إلى المجني عليه تحقيره عند أهل الجماعة التي يعيش فيها أو المهنة أو الوظيفة التي ينتمي إليها، سواء كان المجني عليه من أهل الوطن أو أجنبياً. وبالتالي فإن المحكمة لا تبحث في المعتقدات الشخصية للمجني عليه حول معنى الشرف أو الاعتبار، فهو معنی موضوعي بحت بالنسبة إلى المجتمع المصري، فلا يصلح دفاعاً أفكار المجني عليه عن الواقعة وكونها غير محتقرة لديه، فالعبرة هي بنظرة المجتمع لمعنى الشرف أو الاعتبار لا بنظرة المجني عليه. وقد قضي أن إسناد واقعة مهينة إلى المجني عليها مضمونها أنها تشتغل بالجاسوسية لمآرب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء - تتحقق بها جريمة القذف.

ومن ناحية أخرى، فإن تقدير الواقعة لا يتحدد في ضوء الباعث من نسبتها إلى المجني عليه، فلا لتقدير الجاني ولا لتقدير المجني عليه لمعنى الواقعة أثر في تحديد طبيعتها.

ولا يشترط في الواقعة المسندة أن تكون كاذبة، إذ يستوي في نظر القانون أن تكون صحيحة أو كاذبة. ولا يسمح للجاني أن يثبت صحة الواقعة إلا في حالة القذف في حق موظف عام، كما سنبين فيما بعد.

ويلاحظ أنه إذا كان من سلطة محكمة الموضوع أن تستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ومعناها، لكن حد ذلك ألا تخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو تمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها، وتحري مطابقة الألفاظ للمعنى الذي استخلصته المحكمة و تسميها باسمها المعين في القانون سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غيرها، كل ذلك هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض، فهي الجهة التي تراقب محكمة الموضوع فيما ترتبه من النتائج القانونية على بحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامي عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح.

تعيين الشخص الموجه إليه القذف:

تفترض جريمة القذف الإخلال باعتبار شخص معين، ومن ثم وجب تعيين هذا الشخص تعييناً كافياً. ولا يشترط لهذا التعيين تحديده بالاسم أو تعيينه صراحة، بل يكفي معرفة شخصية من يعنيه القاذف من واقع العبارات وظروف الواقعة والملابسات التي اكتنفتها، كالزمان والمكان والمهنة وغير ذلك من معالم الشخصية ولمحكمة الموضوع أن تتعرف على شخصية من وجهت إليه العبارات من الواقعة ذاتها ومن ظروفها والملابسات التي اكتنفتها، ومتى استخلصت المحكمة أن القذف وجه إلى شخص معين بالذات فلا تحوز إثارة الجدل حول اقتناع المحكمة بذلك أمام محكمة النقض.

وقد يعمد بعض الكتاب في محاولة للتهرب من المسئولية إلى إخفاء الشخص المقذوف في حقه بعدم ذكر اسمه صراحة وطرح الوقائع المنسوبة إليه في عبارات منمقة وأسلوب جذاب يحتمل أكثر من معنى، حتى إذا ما وقع تحت طائل المسئولية ادعى أنه كان يريد المعنى الحسن لا المعنى السيئ، أو أن مراده لم ينصرف إلى شخص معين. على أن لمحكمة الموضوع أن تتعرف على المجني عليه سواء من عبارات المقال أو من ظروف خارجة عن المقال الذي يحتوي على القذف.

ويستوي في الشخص الموجه إليه القذف أن يكون طبيعياً أو معنوياً. وبالنسبة إلى الشخص الطبيعي، فإن الحماية الجنائية لاعتباره تمتد إليه بغض النظر عن سنه وجنسه وأهليته المدنية وجنسيته، ذلك أن الاعتبار لصيق بصفته عضواً في المجتمع، وهو أمر يثبت له بحكم كونه إنساناً يعيش في هذا المجتمع.

وبالنسبة إلى الشخص المعنوي، فإن هذه الصفة لا تثبت له ما لم يكن متمتعاً بالشخصية القانونية. وفي هذه الحالة يعد هذا الشخص وحده هو المجني عليه في جريمة القذف بغض النظر عن أعضائه من الأشخاص الطبيعيين. هذا إلا إذا ثبت أن القاذف قد مس كذلك بعض أعضاء معينين ممن يديرون هذا الشخص المعنوي (شركة مساهمة مثلاً)، فإنه في هذه الحالة يكون هؤلاء بدورهم محنياً عليهم ويحق لكل منهم الادعاء المباشر على الجاني، استقلالاً عن الشخص المعنوي نفسه الذي يحق له الادعاء المباشر أيضاً بسبب ما أصابه من ضرر نتيجة لهذا القذف.

فإذا وجه القذف إلى مجموعة من الأشخاص لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فإنه لا تقع جريمة القذف على هذه المجموعة مادامت لا تتمتع بشخصية قانونية. ولكن يثور البحث عما إذا كان كل عضو من أعضاء هذه المجموعة يمكن أن يعد القذف موجهاً إليه أم لا. ذهب رأي إلى أن القذف يعد في هذه الحالة موجهاً إلى كل عضو من أعضاء هذه المجموعة. ووفقاً لذلك قضت محكمة النقض أن عبارات القذف الموجهة إلى مجموعة من الناس كمجلس الأقباط الملي مثلاً - تعد موجهة إلى أفراد ذلك المجموع، فيكون لكل فرد من أفراده الحق في طلب تعويض عما ناله من ضرر بسبب هذا القذف. وخلافاً لذلك اتجه رأي آخر إلى عدم المعاقبة على القذف بحسب أن الإسناد لا يتعلق بأفراد المجموعة بصفتهم الشخصية وإنما بصفتهم أعضاء فيها. ونرى أن تحديد المجني عليه في جريمة قذف مجموعة من الناس لا تتمتع بالشخصية القانونية يتوقف على اعتبارين: الأول هو مضمون عبارات القذف، والثاني هو عدد أفراد المجموعة. فإن كان الظاهر من عبارات القذف أنها تنصرف إلى أفراد المجموعة كافة أو أنها تنصرف فقط إلى مجلس إدارتها - وقعت جريمة القذف سواء على سائر أفراد المجموعة أو على أفراد مجلس الإدارة فقط على حسب الأحوال. أما إذا لم يتضح ذلك من عبارات القذف وجب النظر إلى عدد أعضاء المجموعة، فإن كان العدد محدوداً بحيث يمكن معرفة أعضائه بسهولة - يعد القذف واقعاً على كل فرد منهم. فإذا كان العدد كبيراً بحيث لا يسهل معرفة أفراده لا تقع جريمة القذف.

ويخرج عن نطاق القذف ما يوجه ضد الآراء أو المنتجات أو الخدمات، مادام أنه لا يوجه ضد الشخص الطبيعي أو المعنوي صاحب الرأي، أو صانع المنتج أو بائعه، أو مقدم الخدمة.

ولا تتوافر الجريمة إذا صدر القذف في حق الموتى، لأن الميت لا وجود له وتنقضي شخصيته بوفاته. ومع ذلك، تقع الجريمة إذا مس القذف أحد أقارب المتوفى بطريق غير مباشر، وذلك بناء على أن من عناصر اعتبار الشخص في المجتمع صفاته الوراثية واعتبار أسرته التي ينتمي إليها. مثال ذلك أن يقال عن امرأة متوفاة أنها كانت تعاشر غير زوجها وأنجبت ولداً غير شرعي، فهذا القذف يمس ابن المتوفاة ويعد مسنداً إليه.

الركن المعنوي: هذه جريمة عمدية يتعين فيها توافر القصد الجنائي، فيتعين أن تتجه إرادة الجاني إلى إسناد عبارات القذف قاصدا علانيتها مع علمه بذلك. ونحلل هذا القصد إلى عنصرين:

(1) قصد الإسناد.  (2) قصد العلانية.

أولاً : قصد الإسناد

يتعين أن تتجه إرادة الجاني إلى إسناد واقعة القذف إلى المجني عليه مع علمه بذلك وأنا لو صحت لاستوجبت عقابه أو احتقاره. فينتفي هذا القصد إذا وقع الجاني على الخطاب الذي يتضمن عبارات القذف دون قراءته. كما لا يتحقق إذا جهل أن الواقعة التي أسندها للمجني عليه - ولا تثريب عليه في ذلك - معاقب عليها؛ إذ إن قانون العقوبات يكون في هذه الحالة أساساً لتكييف عنصر في الركن المادي للجريمة لا خالقاً للتجريم أي مصدراً لكنها الشرعي، وبالتالي يتعين العلم به. ولا يكفي مجرد افتراض هذا العلم، لأن هذا الافتراض لا يتحقق إلا عند الرجوع لقانون العقوبات كمصدر لتجريم القذف نفسه. وقد استقر قضاء محكمة النقض على أنه إذا كانت العبارات موضوع القذف أو السب شائنة في ذاتها فإن علمه يكون مفترض"، وأنه إذا حصل الحكم عبارات قصد منها النيل من المجني عليه يعد كافياً لبيان القصد الجنائي. وقد قضت محكمة النقض أنه إذا كانت العبارة موضوع الاتهام تشتمل على نسبة أمور إلى المجني عليه تتضمن مساسا بشرفه واعتباره لو كانت صادقة لأوجبت عقابه واحتقاره عند أهل وطنه، فإن العلم مفترض إذا كانت هذه العبارات بذاتها شائنة ومفزعة.

وإذا كان الجاني قد احتاط ولم يذكر اسم المجني عليه صراحة في العبارات المنشورة والتي تضمنت قذفاً فإن محكمة الموضوع أن تتعرف على شخص من وجهت إليه من واقع العبارات ذاتها وظروف الواقعة والملابسات التي اكتنفتها.  

ثانياً : قصد العلانية

لما كانت العلانية عنصراً جوهرياً في الركن المادي للقذف، فيتعين توافر قصد العلانية. ولا يكفي أن يكون الجاني قد أراد القول أو الكتابة أو الفعل، وإنما يتعين أن يكون أيضاً قد تعمد هذا إعلان ذلك وقد حكم أنه لا يكفي لتوافر قصد العلانية أن يكون المتهم قد أرسل برقية يشكو فيها المجني عليه إلى جهة الاختصاص لأنهما قبضا عليه دون وجه حق وإذا أسر شخص لآخر حديثاً، لا يسأل عما تضمنه هذا الحديث من قذف لانتفاء قصد العلانية، إلا إذا علم أن هذا الأخير سوف يذيع ما يخبره به وأراد تحقيق هذه الإذاعة، فعندئذ يتوافر في حقه هذا القصد. ويكفي مجرد القصد الاحتمالي للعلانية، كما إذا أرسل شخص إلى آخر مكتوبا يتضمن بعض عبارات القذف وهو يعلم أن عددا كبيراً غير متميز من الجمهور سوف يطلع على هذا المكتوب وقبل هذه النتيجة. ولكن لا تجوز مساءلة الجاني عن النتائج المترتبة على قذفه مادام لم يحط بها قصده الجنائي في صورتيه المباشرة والمحتملة، كما إذا جهر بالقذف في مكان خاص فأذاع الحاضرون ما قذف به، أو يكون قدم شكوى تدوولت بين أيدي الموظفين بحكم عملهم لكنه لم يكن يقصد من شكواه إذاعة ما أسنده إلى المجنى عليه.

ويستفاد هذا القصد من تعمد السلوك المحقق للعلانية، ولذا قضت محكمة النقض أنه ليس على محكمة الموضوع أن تتحدث عن قصد العلانية على استقلال مادام القصد مستفاداً من علانية الإسناد التي استظهرها الحكم.

عدم اشتراط حسن النية

متى توافر القصد الجنائي في القذف وقعت الجريمة دون اشتراط تحقق نية الإضرار فيه فلا أثر للباعث على الجريمة خبيثاً كان أو شريفاً، وبالتالي ليس للمتهم أن يدفع عنه التهمة بدعوى أنه كان حسن النية. فلا يشفع للجاني ادعاؤه بصحة الواقعة المسندة إلى المجني عليه، إلا في حالة القذف في حق الموظف العام، وذلك لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة إذا أفلح المتهم في إقناع المحكمة بسلامة نيته في الطعن بأن كان يبغي به الدفاع عن مصلحة عامة، واستطاع أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى إلى المجني عليه، كما سنبين فيما بعد ولا يشفع للجاني كذلك أن يكون باعثه على القذف هو تبصير الناس بحقيقة المجني عليه وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بتوافر جريمة القذف في حق محرر بإحدى الصحف نشر خبراً ينطوي على خطأ في ذكر اسم المتهم نتيجة الخلط بين اسمه الحقيقي واسم رجل آخر.

وقد ترددت محكمة النقض المصرية في تقرير هذا المبدأ، فبعد أن أرسته في فجر قضائها، عادت وتطلبت في جريمة القذف أن يتجه قصد الجاني إلى الإضرار بالمجني عليه لا إلى خدمة المصلحة العامة، لكنها لم تلبث أن عادت إلى قضائها الأول مقررة أن القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً خاصاً، بل يكتفي بتوافر القصد العام الذي يتحقق بمجرد إسناد عبارات القذف. ولا يؤثر في توافر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية، أي معتقداً صحة ما رمى به المجني عليه من وقائع القذف، وأنه متى تحقق القصد على هذا النحو لا يكون هناك محل للخوض في مسألة سلامة النية إلا في حدود ما يكون القذف موجها إلى موظف عام. وفي هذا الصدد قالت محكمة النقض إن حرية الصحفي هي جزء من حرية الفرد العادي، ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص، وأن القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً خاصاً، بل يكتفي بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف .

وهذا المبدأ الأخير هو الذي يتفق مع حكم القانون، ذلك أن المشرع قد نص في المادة 302/ 2 عقوبات على إباحة القذف في حق الموظف العام أو من في حكمه إذا كان القذف موجها إليه بحسن نية، فيكون بمفهوم لمخالفة قد وضع حكماً مخالفاً بشأن القذف الموجه إلى غير الموظفين العموميين أو من في حكمهم. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني،  الصفحة: 327)

القذف

القذف هو إسناد واقعة محددة تستوجب عقاب من تنسب إليه أو احتقاره إسناداً علنياً عمدياً وقد عرف الشارع القذف في المادة 302 من قانون العقوبات (الفقرة الأولى التي نصت على أن يعد قاذفاً كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه .

ويتضح من هذا التعريف أن قوام القذف فعل الإسناد الذي ينصب على واقعة محددة من شأنها عقاب المجني عليه أو احتقاره . والقذف جريمة عمدية دائماً والأصل فيه أن يكون علنياً، وإن ثار التساؤل حول ما إذا كان القانون يعاقب على القذف غير العلني  وقد أردف الشارع النص السابق بنصوص حدد فيها عقوبة القذف في صورته البسيطة (المادة 303، الفقرة الأولى) وفي صورة المشددة . المواد 303، الفقرة الثانية، 307، 308) ونص بعد ذلك على أسباب الإباحة التي تسري على القذف (المواد 302، الفقرة الثانية، 304، 309)، وهذه الأسباب تضاف إليها أسباب أخرى للإباحة تستخلص من المبادئ القانونية العامة.

علة تجريم القذف: علة تجريم القذف هي مساسه بشرف المجني عليه واعتباره . ويتخذ هذا المساس  صورة خطيرة : فالإسناد موضوعه واقعة محددة مما يجعل تصديقها أقرب إلى الاحتمال، إذ يفترض تحديدها أن لدى المتهم أدلة تثبتها، أو على الأقل لم يصدر عنه الإسناد إلا بعد أن اقتنع به والواقعة موضوع الإسناد خطيرة من حيث تأثيرها على الشرف والاعتبار، إذ هي في بعض صورها على الأقل تهدد المجني عليه بالعقوبة والإسناد بعد ذلك علني مما يتيح له مجالاً كبيراً من الذيوع، فيهبط بشرف المجني عليه لدى عدد كبير - بل وغير محدود - من الأشخاص، ويعني ذلك جسامة الضرر الذي يحتمل نزوله به . وهذه الاعتبارات جعلت القذف أشد جسامة من سائر جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار . وقد يؤلم القذف نفس المجني عليه إذا ارتكب في حضرته أو نمی إلى علمه، وهو ما يغلب حدوثه وقد ينزل القذف بالمجنى عليه أفدح الأضرار المادية أو المعنوية إذا اختلت ثقة مجتمعه فيه وقد يؤدي إلى تبادل الاعتداء بين المتهم والمجنى عليه مما يهدد الأمن العام بالاضطراب .

أركان القذف

بيان أركان القذف: يفترض القذف فعل إسناد ؛ وينصب هذا الفعل على واقعة يشترط فيها شرطان: أن تكون محددة، وأن يكون من شأنها عقاب من اسندت إليه أو احتقاره؛ ويتعين أن يكون هذا الإسناد علنياً ؛ وهذه العناصر كافة يقوم بها الركن المادي للقذف ويتطلب القذف بالإضافة إلى ذلك ركناً معنوياً يتخذ صورة القصد الجنائي ويعني ذلك أن للقذف رکنین : رکن مادی ورکن معنوی .

الركن المادي للقذف

عناصر الركن المادي للقذف : قوام الركن المادي للقذف عناصر ثلاثة : نشاط إجرامي، هو فعل الإسناد؛ وموضوع لهذا النشاط؛ هو الواقعة المحددة التي من شأنها عقاب من تسند إليه أو احتقاره؛ وصفة لهذا النشاط، هي كونه علنياً.

فعل الإسناد

ماهية فعل الإسناد : الإسناد هو تعبير عن فكرة أو معنى فحواه نسبة واقعة إلى شخص ويتضح بذلك أن جوهر الإسناد أنه  تعبير، ومن ثم وصف القذف بأنه  جريمة تعبير، والتعبير يعني الكشف عما يدور في الذهن کی يعلم به الغير، فهو وسيلة لنقل الفكر من شخص إلى آخر ويفهم القانون الإسناد في مدلول متسع  فتستوي وسائل التعبير : أكانت القول أم الكتابة أم مجرد الإشارة وتستوي أساليب التعبير : أكانت نسبة الواقعة إلى المجنى عليه على سبيل اليقين أم على سبيل الشك؛ أكانت تصريحاً أم على وجه ضمني، أكانت سرداً لمعلومات شخصية أم مجرد نقل عن الغير.

وتقوم جريمة القذف بفعلين : الإفصاح عن الواقعة، أي التعبير عنها؛ وإذاعتها، أي إعطائها العلانية التي تفترضها الجريمة وفي الغالب يرتكب الفعلين شخص واحد، ولكن إذا ارتكب كلا منهما شخص على حدة فهما فاعلان للجريمة، ويعني ذلك أن من اقتصر نشاطه على مجرد إعطاء العلانية لواقعة ذكرها غيره يعد معه فاعلاً للقذف.

وسائل التعبير: وسائل التعبير قد تكون القول الشفوي أو الكتابة أو مجرد الإشارة.

فالقول الشفوي نعني به أصوات تعبر اصطلاحاً عن معنى، سواء أكانت معروفة في لغة من اللغات أم كانت صياحاً له - في العرف أو بالنظر إلى الظروف التي صدر فيها - دلالة معينة . ولا عبرة بحجم القول : فسواء أن يكون جملاً عديدة أو جملة واحدة أو جزءاً من جملة أو لفظاً أو مقطعاً من لفظ إذا كانت له دلالة ذاتية؛ ولا عبرة بشكله أكان نشراً أم نظماً. ويعد من قبيل القول الصياح أياً كانت صورته، أكان صراخاً أم دمدمة أم ولولة أم صفيراً .

وإذا كان التعبير عن طريق الكتابة فسواء لغتها، وسواء شكلها، أكانت مخطوطة أم مطبوعة ؛ وسواء المادة التي أفرغت فيها، أكانت ورقاً أم قماشاً (كاللافتات) أم معدناً أم خشباً ويدخل في نطاق الكتابة الرموز والرسوم (وخاصة الرسوم الكاريكاتورية والصور . ويراد بالرموز العلامات الاصطلاحية التي لها دلالة عرفية لدى فئة من الناس وإن كانت محدودة، وأبرز مثال لها رموز الشفرة . أما الصور فتتسع لكل ما تنتجه فنون التصوير . فتدخل في ذلك الأفلام السينمائية والتليفزيونية وتطبيقاً لذلك يرتكب جريمة القذف من يؤلف رواية سينمائية أو تليفزيونية تتضمن وقائع مشينة ينسبها إلى شخص معين معروف، سواء حدده باسمه أو بصفاته أو بظروف معينة يعرف بها أو اختار لتمثيل شخصيته ممثلاً يشبهه، سواء كان شبهه به خلقياً أو جعل شبيهاً به باستعمال فن المكياج؛ ويحمل مع المؤلف المسئولية عن القذف مخرج الرواية ومنتجها وممثلوها طالما توافر لديهم القصد الجنائي المتطلب في هذه الجريمة، وتطبق في هذه الحالة القواعد الخاصة بالمساهمة الجنائية .

وتعد الإشارة من وسائل التعبير، وتعني إيماء يكشف - بالنظر إلى ظروف معينة - عن دلالة عرفية خاصة، فإذا كانت هذه الدلالة هي نسبة واقعة محقرة إلى شخص قام بها القذف ويدخل في نطاق الإشارة الرواية المسرحية التي تنطوي على نسبة وقائع مشينة إلى شخص معين.

الإسناد على سبيل القطع والإسناد على سبيل الظن : قد يسند المتهم الواقعة إلى المجنى عليه على سبيل الجزم واليقين، وقد يسندها إليه على سبيل الشك والاحتمال . فالإسناد لا يحتمل في الحالة الأولى كذباً، وهو في الحالة الثانية يحتمله . ويرتكب القذف في الحالتين،

وتطبيقاً لذلك فإن من يذكر أنه يرجح أو يظن أو يشك أو أن لديه احتمالاً قليلاً في أن شخصاً تنسب إليه واقعة يعد في حكم من يقرر أنه متیقن أو متأكد أو جازم أو قاطع بأن هذا الشخص تنسب إليه هذه الواقعة ويرتكب القذف كذلك من ينسب الواقعة إلى المجنى عليه أنها إشاعة تتردد، ولكن من يردد هذه الإشاعة ثم ينفيها، كمن يقرر أن الورقة التي كان يشك في تزوير المجني عليه لها قد ثبتت صحتها لا يرتكب قذفا.

وعلة المساواة بين الإسناد على سبيل القطع والإسناد على سبيل الظن أن هذا الأخير يهدد شرف المجنى عليه بالخطر، وهو ما يكفي لتحقيق علة التجريم . وسواء أن يتعلق الشك بحصول الواقعة أو بنسبتها إلى المجنى عليه.

الإسناد الصريح والإسناد الضمني : القاعدة أنه لا عبرة بالأسلوب الذي صاغ فيه المتهم عباراته : أكان صريحاً بحيث لا يحتاج السامع أو القارئ إلى مجهود ذهني لاستخلاص المعنى المقصود به، أم كان ضمنياً بحيث يتطلب فهمه مجهوداً يتكشف به المعنى الحقيقي الذي يستتر خلف معناه الظاهر، وسواء الأسلوب الذي أفرغ فيه الإسناد الضمني : أكان الاستعارة أم الكناية أم التورية أم التلميح  وقد يفرغ المتهم عبارته في صيغة استفهامية أو افتراضية، أو يصوغها في قالب مدائح، وفي هذه الأحوال كافة تقوم الجريمة . ويتحقق الإسناد بلفظ « نعم » أو « بلی » إذا كان رداً على سؤال متضمن استفهاماً عن نسبة الواقعة إلى المجنى عليه، إذ ينصرف الرد إلى المعنى الذي يعبر عنه السؤال فيكون وضع المجيب وضع من نطاق بعبارات السؤال ثم أثبتها : فمن أجاب بلفظ « نعم » على سؤال محدثه : هل تقطع أو ترجح أو تظن أن فلاناً قد ارتكب هذه السرقة ؟ يعد بدوره مسنداً إليه هذه السرقة.

سرد المعلومات الخاصة والرواية عن الغير: يستوي لدى القانون أن يذكر القاذف عباراته سرداً لمعلوماته الخاصة أو رواية عن الغير، ففي الحالين يتحقق المساس بشرف المجنى عليه، خاصة وأن من يروي عن غيره إنما يعطي معلومات غير علانية لم تكن لها من قبل، أو على الأقل يوسع من نطاق العلانية التي كانت لها، وقد يكون نشاطه من هذه الوجهة أشد خطورة على شرف المجني عليه من نشاط من أدلي ابتداء بهذه المعلومات وتطبيقا لذلك فإن الصحفي الذي ينشر في جريدته مقالاً أو خبراً سبق أن نشرته جريدة أخرى وتضمن إسناد واقعة إلى شخص يعد بنشره مسندا ذات الواقعة إلى الشخص نفسه، ومن يقرأ علنا مقالاً في جريدة متضمناً قذفاً – أو يقرأ رسالة وردت إليه وتضمنت قذفاً في حق شخص يسأل بدوره عن قذف ويعني ذلك أن حرص المتهم على أن يؤكد أنه ينقل ما سمعه أو قرأه وأنه لا يضمن صحة ما يذكره وأن العهدة على من روى له هذه الوقائع لا ينفي عنه مسئولية القذف .

 موضوع الإسناد

بیان موضوع الإسناد: موضوع الإسناد هو الواقعة التي يسندها المتهم إلى المجنى عليه ويكون من شأنها المساس بشرفه واعتباره . وقد تطلب القانون في هذه الواقعة شرطين : أن تكون محددة، وأن يكون من شأنها لو كانت صادقة عقاب المجني عليه أو احتقاره عند أهل وطنه . ونرى قبل دراسة كل من هذين الشرطين أن نعرف الواقعة موضوع الإسناد .

تعريف الواقعة الواقعة هي كل حادثة، فهي كل ما يتصور حدوثه، سواء حدث فعلاً أو كان حدوثه ممكناً . وتحديد فكرة الواقعة يقتضي التمييز بينها وبين الحكم القيمي : فالواقعة هي موجود ذو کیان مستقل بذاته، أما الحكم القيمي فهو رأي وإن يكن مستخلصاً من واقعة والتمييز بين الواقعة والحكم القيمي هو الذي يرسم الفاصل بين مجالي القذف والسب : فمن يسند إلى غيره واقعة سرقة أو تزوير يرتكب قذفاً؛ ولكن من يحكم على آخر بأنه سارق أو مزور يرتكب سباً، وإن يكن استخلص هذا الحكم من واقعة سرقة أو تزوير يعلمها ولكن لم يصرح بها . والواقعة تنتمي بطبيعتها إلى الماضي أو الحاضر؛ أما إذا ذكر المتهم أنه يتوقع أن يرتكب المجني عليه في المستقبل سرقة أو تزویراً فليس ذلك نسبة واقعة إليه، وإنما هو يعادل حكماً قيمياً بأنه سارق أو مزور.

ونطاق الواقعة متسع : فهو يتسع للواقعة الإيجابية والسلبية فمن نسب إلى شخص أنه لم يسدد دينه يعد قاذفاً في حقه كما لو نسب إليه أنه ارتكب سرقة ويتسع نطاق الواقعة كذلك للوقائع النفسية، كما لو نسب شخص إلى آخر أنه قد عقد التصميم على ارتكاب سرقة وأنه أفضى إليه بذلك، فالتصميم في ذاته واقعة نفسية تنتمي إلى الماضي.

1- تحديد الواقعة

أهمية اشتراط تحديد الواقعة تحديد الواقعة هو الوسيلة إلى التمييز بين مجالي القذف والسب، وهو يفسر أهم الفروق القانونية بين الجريمتين : فشدة عقوبة القذف بالقياس إلى السب يفسرها أن تحديد الواقعة يجعل تصديقها أقرب إلى الاحتمال وتأثيرها على شرف المجني عليه أشد وطأة . ووجود أسباب إباحة في القذف لا محل لها في السب يفسره أن أغلب هذه الأسباب يفترض إثبات صحة الوقائع المسندة إلى المجنى عليه، وهو ما لا يتصور إلا إذا كانت محددة .

ضابط تحديد الواقعة، بعض الحالات لا يثير صعوبة، إذا تكون الواقعة محددة في صور تفصيلية، كما لو نسب المتهم إلى المجني عليه سرقة مال معين وأردف ذلك بتحديد نوع هذا المال وإسم مالكه وظروف الزمان والمكان التي ارتكبت فيها، أو نسب إليه تزوير عقد وحدد نوعه وتاريخه وأسماء المتعاقدين والشهود، إذا لا يثور شك في أن الجريمة التي تقوم بهذا الإسناد هي قذف . وفي بعض الحالات يكون ما يسنده المتهم إلى المجني عليه محض حكم قیمی مجرد عن أية واقعة تسانده، كقوله عنه إنه لص أو مزور أو مرتش أو نصاب، ولا يثور شك في أن ما يقوم بهذا الإسناد هو سب، ولكن أغلب الحالات يدق فيها الحكم، ومرجع ذلك أن تحديد الواقعة لا يشترط فيه أن يكون تفصيلياً، وإنما يكتفي القانون بتحديد نسبي تذكر فيه العناصر الأساسية للواقعة ومن ناحية ثانية، فإن الأوصاف العامة قد ترتبط في ذهن قائلها بوقائع محددة، وقد يكون متيسراً بالاستعانة ببعض الظروف أن تستظهر هذه الوقائع وأن يسبغ التحديد تبعاً لذلك على ما أسنده المتهم إلى المجني عليه لذلك يكون متعيناً البحث عن ضابط يبين القدر من التحديد الذي يكفى لقيام القذف.

نرى أن يكتفي بتحديد نسبي للواقعة، وأن يوكل إلي قاضی الموضوع القول بهذا التحديد . والصلة مع ذلك وثيقة بين هذا الضابط والضابط الذي يجعل العبرة في تحديد الواقعة بقابليتها للإثبات : فتقبل الواقعة للإثبات يفترض أنه قد أمكن تحديد الظروف التي أحاطت بها والتي يرد عليها الإثبات ويستخلص منها ثبوت الواقعة ؛ وإذا قيل بترك الفصل في تحديد الواقعة إلى قاضى الموضوع فإن قابلية الواقعة للإثبات هي أهم اعتبار يمكن أن يسترشد به في القول بأن الواقعة محددة .

وتطبيقاً لهذا الضابط، فإنه إذا نسب المتهم إلى المجنى عليه أنه سارق، ولكن القاضي رجح أنه يريد بذلك الإشارة إلى واقعة سرقة محددة ارتكبت في ظروف يعلمها كلاهما فإنه يسأل عن قذف ويتعين على القاضي أن يسترشد بالدلالة العرفية لألفاظ المتهم وما إذا كان من شأنها أن تضفي عليها التحديد المطلوب : فمن يصف آخر بأنه « ابن زنا » يغلب أن يعد قوله سباً، إذ أن العرف يجعل دلالة هذا التعبير مقتصرة على الإعراب عن الازدراء، ولكن إذا ثبت أن المتهم يريد أن ينسب إلى المجنى عليه أنه « ابن غير شرعي » فمؤدي ذلك أنه أراد واقعة محددة، فيعد قوله قذفاً ومن ينسب إلى آخر أنه سرق مال أخيه أو أنه لم يسدد ديونه يرتكب قذفاً ولو لم يعين نوع المال المسروق وتاريخ سرقته، أو لم يحدد عدد الديون أو مقدارها أو إسم الدائنين ولكن من ينسب إلى آخر أنه ينتهج نهجا يأباه القانون أو الأخلاق أو الدين أو أنه منحل جنسياً لا يرتكب غير سب  ومن ينسب إلى آخر وصفاً مذهبياً أو عقائدياً معيناً كقوله عنه إنه «رجعي » أو «شیوعی» أو «فوضوي» يرتكب سباً وإذا نسب المتهم إلى المجنى عليه وصفاً عاماً ثم أردف ذلك بذكر واقعة يدعمه بها، فإن على القاضي أن ينظر أي الأمرين هو الغالب في قصد المتهم وخطته الإجرامية ويحدد على أساسه وصف جريمته : فإذا نسب المتهم إلى المجني عليه وصفاً أو عدداً من الأوصاف وأفاض في بيانها ثم ذكر على وجه عارض واقعة أو جملة وقائع يدلل بها على ثبوت هذه الأوصاف، كانت جريمته مجرد سب ويرتبط بتحديد الواقعة البحث في تحديد شخص المجني عليه.

تحديد شخص المجنى عليه : تحديد شخص المجني عليه مستفاد من تعريف الشارع للقذف الذي افترض فيه أن القاذف أسند « لغيره »، أي أسند الواقعة إلى شخص معين بالذات . ويفسر هذا الإشتراط بأن الحق في الشرف لا يكون إلا لشخص، لأن هذا الحق فرع عن الشخصية وفي النهاية فإن تحديد شخص المجنى عليه عنصر في تحديد الواقعة على النحو الذي يرشحها ليقوم بها القذف . ويؤدي اشتراط تحديد شخص المجنى عليه إلى حصر نطاق القذف باستبعاد بعض الحالات منه : فإذا تناول شخص مذهباً سياسياً أو اقتصادياً أو فكرياً ... أو رأياً علمياً أو اتجاهاً فنياً بالنقد فهو لا يرتكب قذفاً ولو استعمل في نقده عبارات عنيفة وقاسية، ذلك لأن عباراته لم تكن موجهة إلى شخص معين  ولا يغير من هذا الحكم أن يكون لهذا المذهب أو الرأي أو الاتجاه مؤسس أو أنصار معروفون، بل إنه لا يغير منه أن يسمى المتهم هؤلاء الأشخاص  ولكن يرتكب المتهم قذفاً إذا ذكر أن هذه المذاهب أو الآراء تدعو أنصارها إلى أفعال تستوجب العقاب أو الاحتقار، وأن هذه الأفعال قد صدرت عن أشخاص عينهم بالذات .

القذف ضد الشخص المعنوي وسائر تجمعات الأشخاص إذا وجه القذف ضد شخص معنوي فلا شك في العقاب عليه، إذ أن لهذا الشخص حقه في الشرف والاعتبار على ما تقدم وإذا وجه القذف ضد هيئة أو تجمع لا يتمتع بالشخصية المعنوية، ولكن القانون يعترف به ويعهد إليه بوظيفة اجتماعية تقتضي صيانة مكانته الاجتماعية فإن العقاب عليه ليس محلاً للشك، وهو ما يستفاد من خطة الشارع (المادة 184 من قانون العقوبات) .

وإذا وجه القذف إلى الشخص المعنوي أو هيئة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فإنه لا يعد بالضرورة موجهاً إلى الأشخاص الطبيعيين الذين يكونون الشخص المعنوي، ولكنه يعد كذلك بالنسبة لمن عينت أشخاصهم وثبت امتداد الواقعة إليهم وإذا وجه القذف إلى أحد الأفراد الذين يتكون منهم الشخص المعنوي أو الهيئة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فإنه لا يعد موجها إلى ذلك الشخص المعنوي أو الهيئة إلا إذا كانت الواقعة منسوبة في الوقت ذاته إلى الشخص المعنوي أو الهيئة، باعتبارها ذات كيان مستقل عن الأفراد الذين تتكون منهم. 

صفة الواقعة :

يفترض القذف أن يكون من شأن الواقعة التي أسندها المتهم إلى المجني عليه الهبوط بمكانته الاجتماعية . وقد تصور الشارع لذلك صورتين : الأولى، أن يكون من شأن الواقعة عقاب المجنى عليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً والثانية، أن يكون من شأنها احتقار المجنى عليه عند أهل وطنه . والصورتان مستقلتان فيما بينهما على الرغم من اختلاطهما في بعض الحالات : فقد تستوجب الواقعة العقاب ولا تستوجب الاحتقار، وقد تستوجب الاحتقار ولا تستوجب العقاب .

 الواقعة المستوجبة للعقاب:

الضابط في اعتبار الواقعة مستوجبة للعقاب : يريد الشارع بالواقعة المستوجبة العقاب الواقعة التي تقوم بها جريمة، والأمر واضح حين ينسب المتهم إلى المجنى عليه ارتكاب جريمة ماسة بالشرف كرشوة  أو اختلاس أو هتك عرض أو سرقة ..، إذ يكون تأثير ذلك على شرف المجنى عليه خطيراً وغني عن البيان أن نسبة مثل هذه الجريمة إلى المجنى عليه تستوجب كذلك احتقاره ولكن يقوم القذف كذلك إذا نسب المتهم إلى المجني عليه ارتكاب جريمة غير عمدية أو جريمة عمدية لا تخالف القيم الأخلاقية، ومن ثم لا تستوجب احتقاراً كمحاولة الخروج من البلاد بمبلغ يزيد على المرخص به.

ويلاحظ أن الشارع قد عبر عن الجريمة بأنها  أمر لو كان صادقاً الأوجب العقاب، ويعني ذلك أنه لا يتطلب توقيع العقاب فعلاً بدليل أنه إذا كانت الواقعة غير صحيحة فإن العقاب يستحيل توقيعه، ولذلك يقوم القذف بنسبة  فعل إجرامي  إلى المجنى عليه ولو استحال توقيع العقاب من أجله المانع مسئولية أو مانع عقاب ولكن إذا نسب إليه الفعل في ظروف يتوافر فيها سبب إباحة فلا يقوم القذف في هذه الصورة، وإن ساغ أن يقوم إذا كان الفعل على الرغم من ذلك يستوجب الاحتقار .

الواقعة التي تستوجب العقاب التأديبي : هل يرتكب القذف من نسب إلى المجنى عليه واقعة لا تستوجب عقاباً جنائياً أو احتقاراً ولكنها تستوجب عقاباً تأديبياً ؟ نعتقد ذلك : فعبارة  العقوبات المقررة لذلك قانوناً التي استعملها الشارع تتسع للعقوبات التأديبية، وبالإضافة إلى ذلك فقد فسرت عبارة  عقوبة فاعله  التي وردت في شأن سبب الإباحة الذي قرره القانون في القذف ونصت عليه المادة 304 من قانون العقوبات على أنها تشمل العقوبة التأديبية، ويتعين أن يفسر ذات اللفظ في شأن جريمة واحدة تفسيراً واحداً.

ب -الواقعة المستوجبة للاحتقار:

الضابط في اعتبار الواقعة مستوجبة للاحتقار: الضابط في اعتبار الواقعة مستوجبة الاحتقار أنها تقلل من مقدار الاحترام الذي يحق للمجني عليه - وفق ظروفه على تنوعها - أن يتمتع به في المجتمع. وتطبيق هذا الضابط يدخل في نطاق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع الذي عليه أن يدرس ظروف المجني عليه ويتصور مقدار الاحترام الذي يرتبط بها، ويرى ما إذا كانت نسبة الواقعة إليه قد هبطت بهذا القدر من الاحترام  وظروف المجني عليه لا تقبل حصراً، فمنها ما يتصل بمركزه العائلي أو مهنته أو مقدار إخلاصه لوطنه ..، وعلى القاضي أن يضع جميع ما يقدم إليه من ظروف للمجني عليه موضع اعتباره ليقدر مدى صلاحية ما أسند إليه ليقوم به القذف .

وثمة إرشادات تعين القاضي على تقدير الواقعة : فمن ناحية تستوجب الواقعة الاحتقار إذا كانت تخالف الأخلاق، وهي تستوجبه كذلك إذا كانت تثير النفور  ويختلف تطبيق هذين الإرشادين باختلاف المجال الذي تتصل به الواقعة المسندة إلى المجني عليه : وأهم هذه المجالات هي : مجال العقيدة الدينية والعقيدة السياسية ومجال الحالة الصحية ومجال المهنة.

كون الواقعة تستوجب الاحتقار عند أهل الوطن : تطلب الشارع في الواقعة التي يقوم القذف بإسنادها إلى المجنى عليه أن تكون قد « أوجبت احتقاره عند أهل وطنه » ولا تعني هذه العبارة أن القذف لا تتوافر له أركانه إلا إذا أجمع أهل الوطن على الاعتراف للواقعة بهذا الوصف، بل يكفي أن يكون من شأن الواقعة الإخلال بمكانة المجنى عليه في عرف جماعة من الناس ينتمي إليها؛ إذ تعد هذه الجماعة  وطناً، وإن قل عدد أبنائه . فالشارع لا يعني بالوطن المجتمع الكبير، وإنما يريد به المجتمع الصغير الذي يحدد بيئة المجنى عليه، وقد يكون بيئة قريته أو الحي الذي يعيش فيه أو بيئة زملاء مهنته وتترتب على هذا التحديد نتيجتان : الأولى، أنه من المتصور أن تستوجب الواقعة احتقاراً عند جماعة من الناس ولا تستوجب ذلك عند جماعة أخرى منهم، ولا يحول ذلك بطبيعة الحال دون أن يعد إسنادها قذفاً والثانية، أنه لا يشترط أن يكون المجني عليه من أبناء الوطن، فمن الجائز أن يكون أجنبياً ويكون من شأن الواقعة أن تستوجب احتقاره في المجتمع الذي يعيش فيه فعلاً، وإن كانت لا تستوجبه في عرف المجتمع الذي ينتمي إليه أصلاً.

ما لا يشترط في الواقعة : لم يتطلب القانون في الواقعة أن تقضي فعلا إلى توقيع العقاب على المجنى عليه أو إلى احتقاره فعلاً، وإنما يكفي أن يكون من شأنها كذلك، وذلك واضح من تعبير القانون بأنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه ...، ويتسق ذلك مع ما قدمناه من أن جرائم الشرف والاعتبار يكفي لقيامها مجرد تهديد ذلك الحق بالخطر . ويتضح من عبارة القانون أنه سواء أن تكون الواقعة صحيحة أو غير صحيحة : فالقذف يقوم ولو أسندت إلى المجني عليه واقعة صحيحة على نحو لا شك فيه، بل ولو كانت ثابتة بورقة رسمية كحكم بات .

وتطبيقا ً لذلك فإن القول عن لص إنه يرتزق من السرقات يعد قاذفاً . وإذا لم تكن صحة الواقعه في ذاتها حائلة دون قيام القذف، فإن مجرد اعتقاد صحتها لا ينفى أحد أركانه.

3- علانية الإسناد 

تمهيد : لا يقوم القذف إلا إذا كان إسناد الواقعة التي تستوجب عقاب المجنى عليه أو احتقاره عند أهل وطنه " إسناد علنياً "، ومن ثم كانت علانية الإسناد أحد عناصر الركن المادي للقذف . وعلتها أنها وسيلة علم أفراد المجتمع بعبارات القذف، وشرط لتصور إخلالها بالمكانة الاجتماعية للمجني عليه .

طرق العلانية، أحال الشارع في نص القذف إلى المادة 171 من قانون العقوبات البيان الوسائل التي تتحقق عن طريقها علانية القذف . وقد حددت الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من هذا النص طرق العلانية على الوجه التالي « يعتبر القول أو الصياح علنيا إذا حصل الجهر به أو ل ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى . ويكون الفعل أو الإيماء علنياً إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو في أي مكان آخر مطروق أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كل في مثل ذلك الطريق أو المكان . وتعتبر الكتابة والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان ». ويضاف التليفون إلى هذه الوسائل، فقد نصت المادة 308 مكرراً على أن « كل من قذف غيره بطريق التليفون يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 303» .

وهذا البيان لطرق العلانية قد ورد على سبيل المثال  : فالفقرة الأولى من هذه المادة أردفت الإشارة إلى طرق التمثيل التي جعلها المتهم علنية بالقول « أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية »، وأردفت الإشارة إلى الإذاعة بطريق اللاسلكي بقولها « أو أية طريقة أخرى ».

حالات العلانية: نص الشارع على حالات ثلاث للعلانية : علانية القول، وعلانية الفعل، وعلانية الكتابة ؛ وتضاف إليها حالة رابعة هي « العلانية عن طريق التليفون » التي نصت عليها المادة 308 مكرراً من قانون العقوبات وأساس هذا التقسيم هو اختلاف هذه الحالات في طبيعتها، أي طبيعة أسلوب تعبير المتهم عن رأيه أو فكرته.

1- علانية القول

حالات علانية القول : عبر الشارع عن هذه الحالات بأنه : « يعتبر القول أو الصياح علنياً إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو أية طريقة أخرى.

وقد رد هذا النص علانية القول إلى حالات ثلاث : الأولى : هی الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق . والثانية، هي الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من مكان في مثل المكان السابق . والثالثة، هي إذاعته بطريق اللاسلكي أو أية طريقة أخرى . وهذه الحالات متعادلة في الأهمية القانونية . وقد أضاف الشارع إلى هذه الحالات إعتبار القذف عن طريق « التليفون » في حكم القذف العلني من حيث العقوبة (المادة 308 مكرراً من قانون العقوبات، الفقرة الأولى) .

ونفصل فيما يلي هذه الحالات، على أن نمهد لذلك ببيان ما يعنيه القانون بالجهر بالقول أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية .

الجهر بالقول أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية، يعني الجهر بالقول النطق بعبارات القذف بصوت مرتفع بحيث يستطيع أن يسمعها عدد من الناس بغير تمييز ممن يوجدون في المكان العام الذي صدرت فيه عن المتهم عباراته . أما ترديد القول بوسيلة ميكانيكية فيعني الاستعانة بهذه الوسيلة لجعل الصوت مسموعا في أرجاء المكان العام بحيث يستطيع أن يسمعه عدد من الناس بغير تمييز في هذا المكان . ويعني ذلك أن النتيجة في صورتي النشاط واحدة، وهي جعل الصوت مسموعاً في نطاق واسع. ولكنهما تختلفان في أن الجاني يقتصر في أولاهما على الاستعانة بصوته مع رفعه إلى الدرجة التي يراها كافية لإسماعه لمن يوجدون في المكان العام ؛ ولكنه في الصورة الثانية يتكلم بصوت منخفض ويستعين بوسيلة ميكانيكية لرفع صوته وجعله مسموعة على النحو السابق، والوسيلة الميكانيكية التي يعنيها القانون هي الميكروفون، ولكن تعادلها أية وسيلة أخرى – كشف عنها العلم أو سوف يكشف عنها - لها ذات الاستعمال.

يترتب على ذلك أن العلانية لا تعد متوافرة إذا نطق المتهم بعباراته في المكان العام، ولكن بصوت منخفض بحيث لم يسمعها إلا شخص واحد أو أشخاص محدودون كان يقصر حديثه عليهم . ومن باب أولى لا تتحقق العلانية إذا كان المتهم يهمس بعباراته في المكان العام في أذن أحد أخصائه أو كان يحدث بها نفسه  وقد استعمل الشارع لفظي القول والصياح مسوياً بينهما، ليقرر أنه لا يشترط أن يكون ما صدر عن الجاني هو ألفاظ ذات دلالة في لغة من اللغات، وإنما يجوز أن يكون مجرد صوت له دلالة عرفية .

الحالة الأولى : الجهر بالقول أو ترديده في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق : يستمد القول صفته العلنية في هذه الحالة من طبيعة المكان الذي صدر فيه . وقد استعمل الشارع تعبيرات ثلاثة للدلالة على هذا المكان هي : المحفل العام، والطريق العام، وأي مكان مطروق . وهذه التعبيرات كافة تجمعها فكرة  المكان العام .

المكان العام : سلف توضيح فكرة المكان العام عند دراسة الفعل الفاضح العلني، ولا تختلف هذه الفكرة باختلاف الجريمة التي تطبق فيها المكان العام يميزه حق جمهور الناس في ارتياده، سواء أكان ذلك على وجه دائم أم في أوقات محددة، وسواء أكان ذلك بغير قيد أو شرط أم كان بقيود وشروط محددة.

والمكان العام أنواع ثلاثة : مكان عام بطبيعته ومكان عام بالتخصيص ومكان عام بالمصادفة . فالمكان العام بطبيعته هو كل مكان يستطيع أي شخص في أي وقت أن يدخل فيه أو يمر منه، سواء أكان ذلك دون قيد أم كان نظير أداء رسم أو استيفاء شرط ما، ومثاله الطرق العامة والميادين والحدائق العامة . والمكان العام بالتخصيص هو مكان يباح الجمهور الناس الدخول فيه خلال أوقات معلومة ويحظر عليه ذلك فيما عدا هذه الأوقات، ومثاله المساجد والكنائس والمدارس والمسارح ودور السينما ومقار المرافق العامة التي تتصل أعمالها بالجمهور ويسمح له خلال وقت العمل بارتيادها والمكان العام بالمصادفة هو في أصله مكان خاص، ولكن يباح لجمهور الناس على وجه عارض الدخول فيه، ومثاله المطاعم والمقاهي والمحال التجارية.

وتختلف القواعد التي تحدد علانية القول في تطبيقها على هذه الأنواع من الأماكن العامة : فإذا جهر المتهم بالقول أو الصياح في مكان عام بطبيعته توافرت له العلانية حتماً، ولو كان جهره به في وقت كان هذا المكان خاليا تماما من الناس وثبت أنه لم يسمعه بالفعل أحد، فثمة احتمال في أن يسمعه شخص وإذا جهر المتهم بقوله أو صياحه في مكان عام بالتخصيص فإن العلانية تتوافر إذا صدر عنه فعله في الوقت الذي كان مصرحا فيه لجمهور الناس بالدخول فيه وفي أجزاء المكان التي يصرح لهم بالدخول فيها، ولا عبرة بعدد الأشخاص الذين كانوا موجودين فيه، بل تتوافر العلانية في اعتقادنا ولو لم يكن موجوداً فيه أي شخص، فقد ثبتت للمكان صفة العمومية في هذا الوقت فتتصف بالعلانية الأقوال التي صدرت فيه وينبني على ذلك أن العلانية لا تتوافر للقول الذي يصدر في مكان عام بالتخصيص في وقت لا يصرح لجمهور الناس بالدخول فيه، أو خلال ذلك الوقت ولكن في أجزاء المكان التي لا يصرح لجمهور الناس بالدخول فيها . وإذا جهر المتهم بقوله أو صياحه في مكان عام بالمصادفة تحققت العلانية إذا صدر عنه نشاطه في خلال الوقت الذي اجتمع فيه جمهور الناس في هذا المكان، ويعني ذلك أن العلانية لا تتوافر إذا صدر نشاطه في وقت كان المكان فيه خالياً من الناس أو كان فيه شخص واحد أو عدد قليل من الناس لا يصدق عليهم أنهم جمهور من الناس، وقاضي الموضوع هو الذي يحدد - بالنظر إلى ظروف كل حالة على حدة - ما إذا كان عدد الحاضرين قد بلغ من الأهمية القدر الذي يجعل منه جمهوراً .

الحالة الثانية، الجهر بالقول أو ترديده بحيث يستطيع أن يسمعه من كان في المكان العامة اعتبر الشارع علانية القول متحققة إذا جهر المتهم بقوله أو صياحه أو ردده في مكان خاص ولكن بحيث يستطيع أن يسمعه من كان في مكان عام، ويعني ذلك أن العبرة في تحديد العلانية ليست بطبيعة المكان الذي صدر فيه عن الجاني نشاطه (كالوضع في الحالة الأولى)، وإنما بطبيعة المكان الذي تحققت فيه آثاره (وهي الاستماع إلى القول) . وليس ثمة فارق كبير بين هذه الحالة والحالة الأولى، إذ العبرة بأن يسمع القول في مكان عام، فيتحقق بذلك علم جمهور الناس بالواقعة التي تمس شرف المجني عليه واعتباره، وإذا كان الشارع قد ذكر في الحالة الأولى جهر الجاني بقوله في مكان عام فلان مؤدي ذلك أنه يسمع بالضرورة في هذا المكان . ويستخلص من عبارة الشارع بمفهوم المخالفة أنه إذا جهر المتهم بقوله في مكان خاص بحيث كان في استطاعة من يوجدون في مكان خاص آخر سماعه فإن العلانية لا تتوافر بذلك، إذ قد تطلب الشارع استطاعة سماعه في مكان عام  ونلاحظ أن الشارع لم يتطلب استطاعة سماع القول في مكان عام بطبيعته (فقد جاءت إشارته منصرفة إلى كل أنواع الأماكن العامة التي سبق أن أشار إليها ومن ثم يكفي استطاعة سماعه في مكان عام بالتخصيص أو بالمصادفة، ولكن يتعين أن تكون هذه الاستطاعة في الوقت أو الظروف التي يعتبر المكان فيها عاماً ولم يتطلب الشارع سماع القول فعلاً في المكان العام، وإنما اكتفى باستطاعة سماعه، وأهمية ذلك أنه إذا جهر المتهم بقوله بحيث كان في الاستطاعة سماعه في المكان العام ولم تكن عمومية المكان متوقفة على وجود أشخاص به فعلاً فقد توافرت لقوله العلانية، ولو كان المكان خالياً من الناس تماماً وتحقق أنه لم يسمعه بالفعل أحد.

الحالة الثالثة، الإذاعة بطريق اللاسلكي أو أية طريقة أخرى :اعتبر الشارع من صور العلانية أن يذيع المتهم قوله أو صياحه عن طريق اللاسلكي أو أية طريقة أخرى . ولا يعدو اللاسلكي أن يكون وسيلة فنية لنقل الصوت وإتاحة سماعه لأشخاص يوجدون في مكان بعيد عن المكان الذي ينطق فيه المتهم بالقول أو يصدر عنه الصياح فيه . والوضع في هذه الحالة شبيه بحالة من يجهر بالقول أو يصدر عنه الصياح في مكان خاص بحيث يستطيع سماعه من يكونون في مكان عام، والاختلاف بين الحالتين في موطنه أنه في حالة الإذاعة عن طريق اللاسلكي لا يشترط استطاعة سماع القول أو الصياح في مكان عام، بل يكفي أن يستطيع الاستماع إليه من يوجدون في أماكن خاصة، ويرى الشارع أن العلانية تتحقق على الرغم من ذلك بالنظر إلى تعدد الأشخاص الذين يتاح لهم الاستماع إلى القول أو الصياح  واللاسلكي تعبير عام يتسع لكل وسيلة فنية من شأنها أن تستعمل لنقل الصوت عبر الأثير، سواء في ذلك أجهزة الإذاعة المسموعة الراديو أو المرئية التليفزيون " . وقد أردف الشارع لفظ  اللاسلكي  بعبارة  أو أية طريقة أخرى  لكي يدخل في نطاق النص كل وسيلة لنقل الصوت قد يكشف عنها التقدم العلمي في المستقبل ولا يصدق عليها لفظ « اللاسلكي» .

علانية القول في غير الحالات التي نص عليها القانون : قدمنا أن طرق العلانية لم ينص عليها القانون على سبيل الحصر، ومن ثم كان متصوراً توافرها في غير الحالات المحدودة التي نص عليها القانون، وقاضي الموضوع هو المنوط بفحص نشاط المتهم والتحقق من أنه قد حقق العلانية لهذا النشاط . 

والضابط في اعتبار العلانية متوافرة أن يكون المتهم قد أتاح لعدد من الناس بغير تمييز العلم بعباراته على النحو الذي يهبط بمكانة المجنى عليه لديهم ويمس بشرفه واعتباره في الصورة التي يجرمها القانون، وتطبيقا لذلك فقد اعتبرت العلانية متحققة « إذا كان المتهم قد ردد عبارات القذف أمام عدة شهود في مجالس مختلفة بقصد التشهير بالمجني عليه وتم له ما أراد من استفاضة الخبر وذيوعه، وذلك بغض النظر عن مكان هذا الترديد ».

وإذا لم تتوافر لقول المتهم أو صياحه إحدى حالات العلانية التي نص عليها القانون، ولم يستظهر القاضي من الظروف التي جهر فيها بالقول أو الصياح ما يوفر لها العلانية في معنى إتاحة العلم بها لعدد من الناس بغير تمييز، فإن العلانية تنتفي بذلك.

2- علانية الفعل أو الإيماء

 ضابط علانية الفعل أو الإيماء حدد الشارع ضابط علانية الفعل أو الإيماء في قوله « يكون الفعل أو الإيماء علنيا إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو في أي مكان آخر مطروق أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان » (المادة 171 من قانون العقوبات، الفقرة الرابعة) . ونادراً ما يرتكب القذف عن طريق الفعل أو الإيماء، إذ الجريمة في أصلها قولية أو كتابية، ومع ذلك يتصور أن يرتكب القذف عن طريق الإيماء في الصورة التالية : يوجه شخص إلى جماعة من الناس السؤال التالي : من ارتكب جريمة التزوير هذه ؟ فيشير أحدهم إلى شخص من الحاضرين إشارة يفهم منها أن المشار إليه هو مرتكب هذا التزوير، في هذا المثال تعد الإشارة إسناداً لواقعة التزوير إلى ذلك الشخص.

وقد نص الشارع على صورتين لعلانية الفعل أو الإيماء : الأولى أن يقع في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان مطروق؛ والثانية أن يقع بحيث يستطيع رؤيته من مكان في مثل ذلك المكان أو الطريق في الصورة الأولى يكون مرجع العلانية إلى طبيعة مكان ارتكاب الفعل، وفي الصورة الثانية يكون مرجعها إلى طبيعة المكان الذي رؤى فيه الفعل والمكان في الصورتين هو مكان عام وفقاً لذات الضوابط التي سلف بيانها في شأن علانية القول .

3- علانية الكتابة:

تمهيد : نص الشارع على علانية الكتابة في قوله « وتعتبر الكتابة والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان ». وطرق العلانية التي حددها هذا النص هي : التوزيع بغير تمييز؛ وعرض الكتابة أو ما يماثلها بحيث يستطيع أن يراها من يكون في مكان عام، والبيع، والعرض للبيع.

وهذه الطرق لم ينص عليها القانون على سبيل الحصر، ولذلك كان سائغا أن تستخرج حالات أخرى من العلانية غير الحالات السابقة وتعبير الكتابة يفهم في مدلوله الواسع على النحو الذي سبق تفصيله، فيشمل الرموز والصور على اختلاف أنواعها، وهو ما حرص النص على التصريح به.

المكتوب على عدد من الناس بغير تمييز يحقق علم عدد غير محدود من الناس بالكتابة المتضمنة لما يمس شرف المجنى عليه وتقوم هذه الطريقة على عنصرين : أولهما التوزيع؛ وثانيهما أن هذا التوزيع كان بغير تمييز .

والتوزيع يعني تسليم المادة التي تحمل الكتابة إلى عدد من الأشخاص؛ والتسليم يعني بدوره نقل الحيازة، أي يفترض أن المتهم نقل حيازة المادة إلى أشخاص آخرين کي يطلعوا على ما تحمله من كتابة . فإذا انتفى التوزيع في هذا المعنى فلا تتحقق هذه الطريقة : فإذا أفضى المتهم إلى عدد من الناس بفحوى المادة المكتوبة، أو أكتفي بمجرد أن جعل غيره يلقي بنظره على هذه المادة دون أن يسلمها إليه، فلا تتوافر العلانية بهذه الطريقة.

ويتعين أن يكون التوزيع على عدد من الناس بغير تمييز، وهو ما يفترض أمرين: الأول، تعدد من يتجه التوزيع إليهم ؛ والثاني، كونهم اختيروا لذلك دون تمييز فلا تتحقق العلانية بهذه الطريقة إذا أعطى المتهم نسخة واحدة إلى شخص واحد ولكن هل يكفي أن يكون التوزيع على شخصين فقط ؟ وفي تعبير آخر : ما العدد من الناس الذي يمثل القدر الأدنى الذي ينبغي أن يتجه التوزيع إليه ؟ نعتقد أن تحديد ذلك من شأن قاضی الموضوع، ويجوز له أن يكتفي بكون التوزيع قد اتجه إلى شخصين فقط، ويتعين كما قدمنا أن يتجه التوزيع إلى عدد من الناس بغير تمييز، أي ألا تكون ثمة رابطة من نوع ما تجمع بينهم وتجعل منهم وحدة من الناس، إذ لو تحقق ذلك لكان العلم بالكتابة محصوراً في نطاق ضيق، وهو ما يتعارض مع فكرة العلانية .

فإذا توافر هذان الشرطان تحققت العلانية دون أن يرتهن ذلك بشروط أخرى : فلا يتطلب القانون أن تتعدد نسخ المكتوب ؛ فمن الجائز أن يستعين المتهم بنسخة واحدة يجعلها تتداول بين أيدي أشخاص متعددين ويطلع كل منهم على ما تضمنته ولا أهمية للكيفية التي حصل بها التوزيع : فسواء أن تسلم مادة المكتوب يدا بيد، أو أن ترسل بالبريد في مظروفات مفتوحة أو مغلقة، أو أن تلقى في صناديق البريد الخاصة، أو أن يلقى بها على قارعة الطريق لكى يلتقطها من يسوقه محض المصادفة إلى ذلك.

انتفاء هذه الحالة من حالات علانية الكتابة، حددنا فيما تقدم عنصري هذه الحالة، فإذا انتفى أحدهما - أو انتفياً معاً من باب أولى - فلا تتوافر العلانية التي تحددها هذه الحالة وأهم صور انتفاء هذه الحالة أن يرسل المتهم المادة التي تتضمن المكتوب إلى شخص معين، قد يكون المجني عليه نفسه أو إلى أشخاص تربط بينهم صلة خاصة تنفي عن الإرسال إليهم أن يقال عنه إنه «توزیع بغير تمييز» ولا تتوافر العلانية بهذه الطريقة إذا طبع من أرسلت إليه المادة المكتوبة نسخاً منها ثم وزعها بغير تمييز، ذلك أن المرسل لا يتحمل مسئولية عمل غيره ولكن يختلف الحكم إذا كان المرسل قد توقع ذلك وأراده أو قبله؛ إذ يتوافر لديه «قصد الإذاعة» .

ولا يعتبر توثيق عمل قانونی علانية لما يتضمنه من وقائع، إذ لا يطلع عليه إلا عدد محدود جداً من الموظفين الذين يختصون بالتوثيق.

والأصل أن مجرد تقديم شكوى في شأن شخص إلى الموظف المختص لا يحقق علانية الواقعة التي تضمنتها، إذ لا يطلع عليها إلا هذا الموظف وعدد محدود من مساعديه عينتهم وظائفهم؛ ولا يغير من هذا الحكم أن يكون عدد هؤلاء الموظفين كبيراً، إذ لا يصدق عليهم أن علمهم بمضمون الشكوى كان « بغير تمييز » ولكن يسأل مقدم الشكوى عن القذف إذا أعطى العلانية لشكواه دون مقتض لذلك من إجراءات الشكوى ودون أن يكون من شأن ذلك تحقيق مصلحة مشروعة له، إذ يكون ذلك كاشفاً عن إساءة استعماله حقه، وإنه لم يقصد مجرد رفع الظلم الذي نزل به، وإنما قصد التشهير بشخص وإيذاءه في شرفه.

الحالة الثانية، عرض الكتابة بحيث يستطيع أن يراها من يكون في مكان عام: اعتبر الشارع عرض المادة التي تحمل الكتابة بحيث يستطيع أن يراها من يكون في مكان عام محققاً علانيتها؛ وقد عبر الشارع عن المكان العام بعبارة «الطريق العام أو أي مكان مطروق»، وهي عبارة تعني في إيجاز « المكان العام »؛ وسواء أن يكون مكاناً عاماً بطبيعته أو بالتخصيص أو بالمصادفة، بشرط أن تتوافر الشروط التي تحقق عمومية المكان بالتخصيص أو بالمصادفة وتضم هذه الحالة صورتين : الأولى، عرض الكتابة – أو ما في حكمها - في المكان العام بحيث يستطيع أن يطلع عليها من يكون في هذا المكان؛ والثانية، عرض الكتابة – أو ما في حكمها - في مكان خاص ولكن بحيث يستطيع أن يطلع عليها من يكون في مكان عام  وقد اقتصر الشارع على الإشارة إلى « عرض الكتابة بحيث يستطيع أن يراها من يكون في مكان عام » باعتبارها تشمل الصورتين بالضرورة وقد اكتفى الشارع باستطاعة أن يرى الكتابة من يكون في مكان عام، ولم يتطلب أن يكون قد رآها فعلاً.

وتفترض هذه الحالة عرضا فعلياً على الأنظار، ومن ثم لا يكفي أن يأتي المتهم فعلاً يكون بداية التسلسل سببی يفضي في النهاية إلى تعريض الكتابة الأنظار الناس . وتطبيقاً لذلك لا تتحقق هذه الحالة بفعل من أودع المكتوب في مظروف مغلق ثم تركه على قارعة الطريق، أو بفعل من دون عبارات القذف في بطاقة بريد أو في ورقة أودعها في مظروف غير مغلق ثم أرسلها بالبريد، أو بفعل من سجل عباراته في دفتر للشكايات في إحدى المصالح الحكومية.

الطريقة الثالثة، البيع: يفهم البيع في مدلولة القانوني على أنه « نقل الملكية نظير ثمن »، ويرد البيع على المادة التي تحمل الكتابة أو ما في حكمها . ويعقب البيع التسليم - باعتباره أحد الالتزامات المتولدة عنه - بما يعنيه من انتقال الحيازة إلى المشتري وإطلاعه على الكتابة . وفي هذه الحالة يمتزج البيع حين يرد على عدد كبير من النسخ بالتوزيع دون تمييز ولكن الفرق بينهما يتضح في أن مجرد البيع يكفي لتحقيق العلانية ولو لم يعقبه تسليم، وفي أنه يكفي لذلك ولو ورد على نسخة واحدة.

ويجب أن يفسر البيع على أنه وسيلة علانية، وهو ما يفترض - حين يكون المبيع نسخة واحدة - أن لدى البائع نسخة أخرى وأنه على استعداد لأن يبيعها لمن يقبلون دفع الثمن . وتطبيقاً لذلك فإن العلانية لا تتحقق بهذا الطريق إذا باع المتهم من مكتبته الخاصة نسخة لا يمتلك سواها، ومن باب أولى لا تتحقق العلانية إذا باع المؤلف أصول كتابة الناشر، إذ هي ليست في نية أطراف البيع معدة للتداول مباشرة ولا يشترط أن يكون البيع في مكان عام، فمن الجائز أن يكون في مكان خاص كمنزل المتهم، وقد عبر الشارع عن ذلك بقوله أن البيع « يكون في أي مكان.

الطريقة الرابعة، العرض للبيع : يعني العرض للبيع إيجاب المتهم على نفسه بيع المادة التي تحمل الكتابة إلى من يقبل دفع الثمن المطلوب ويدخل في ذلك العرض الصريح سواء أكان شفوياً أم كتابياً، والعرض الضمني المتمثل في وضع المادة التي تحمل الكتابة في واجهة المحل أو في أرفف الكتب المعروضة للبيع  ويعد عرضاً للبيع مجرد نشر إعلان عن الكتاب في الصحف أو إرسال نشرة عنه بالبريد أو ذكره في قائمة مطبوعات وليس من عناصر العرض للبيع أن يحوز المتهم المكتوب أو المطبوع : فمن الجائز الإعلان عن كتاب تحت الطبع أو عن كتاب ينوي المتهم استيراده أو شراءه من ناشره ولا عبرة بمكان العرض للبيع، فقد يكون مكاناً خاصاً.

ولا يعد عرضاً للبيع مجرد اختزان المتهم المخطوطات أو المطبوعات دون أن يصطحب ذلك بالإعلان عن وجودها وإبداء الاستعداد لبيعها.

الركن المعنوي في القذف

صورة الركن المعنوي في القذف، القذف في جميع حالاته جريمة عمدية، ولذلك يتخذ ركنه المعنوي صورة « القصد الجنائى » . وقد استقر القضاء على اعتبار القصد المتطلب في القذف قصداً عاماً : فقضت محكمة النقض بأن « القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً جنائياً خاصاً، بل يكتفي بتوافر القصد الجنائي العام الذي يتحقق فيها متى نشر القاذف أو أذاع الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره عند الناس، ولا يؤثر في توافر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية أي معتقداً صحة ما رمی به المجنى عليه من وقائع القذف.

وإذا كان القذف متطلبا القصد في جميع صوره، فمؤدى ذلك أن الخطأ غير العمدي - في أجسم صوره - لا يكفي لقيامه : فمن أسند إلي غيره واقعة محقرة جاهلا دلالتها لا يسأل عن قذف، ولو كان جهله مستنداً على خطأ جسيم، ولا يسأل كذلك عن قذف من دون في مذكرة خاصة عبارة قذف فاطلع عليها بإهماله شخص أعطاها بعد ذلك علانية .

عناصر القصد الجنائي في القذف: تنصرف عناصر القصد إلى جميع أركان الجريمة : فيتعين أن يعلم المتهم بدلالة الواقعة التي يسندها إلى المجنى عليه، ويتعين أن يعلم بعلانية هذا الإسناد، ويتعين أن تتوافر لديه إرادة الإسناد، وإرادة العلانية . ولما كان القصد عاماً فإنه ليس من عناصره نية المتهم الإضرار بالمجنى عليه  أو علمه بكذب الواقعة المسندة إلى المجني عليه .

العلم بدلالة الموقعة المستندة إلى المجنى عليه : تفترض جريمة القذف أن الواقعة المسندة إلى المجنى عليه أحد تكييفين : أنها تستوجب عقابه أو أنها تستوجب احتقاره . ويعتبر التكييف في ذاته أحد أركان الجريمة، ومن ثم تقضى القواعد العامة في القصد بأن يحيط العلم به والعلم المطلوب يتعين أن يكون علما فعليا، فلا يكفي علم مفترض، ولا تكفي استطاعة العلم وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا ثبت أن المتهم كان يعتقد أن الواقعة لا تستوجب عقاباً أو احتقاراً، فإن القصد لا يعد متوافرة لديه، وذلك متصور إذا كانت للعبارة دلالة عرفية محقرة في بيئة المجنى عليه، ولكن المتهم يجهلها لأنه لا ينتمي إلى هذه البيئة .

وإذا كان من شأن الواقعة عقاب من أسندت إليه فلا يجوز القول بافتراض هذا العلم باعتباره علما بقانون العقوبات، ذلك أن محل افتراض هذا العلم هو قاعدة تجريم الفعل؛ أما التكييف القانوني الذي يعد مجرد عنصر من عناصر الجريمة فله حكم سائر الأركان، فلا يفترض العلم به وإنما يتعين إثباته، ولا فرق في هذا الصدد بين تكييف يعتمد على قاعدة من قواعد قانون العقوبات وتكييف يعتمد على قاعدة تنتمي إلى قانون آخر ويلاحظ أن العلم بأن الواقعة تستوجب العقاب لا يتطلب العلم بنص قانون العقوبات الذي تستمد منه الواقعة هذه الصفة، فقد لا يكون ذلك في وسع المتهم، بالنظر إلى انعدام أو ضآلة ثقافته القانونية، وإنما يكفي علمه بأن الواقعة تنطوي على مساس بحقوق أساسية للأفراد أو المجتمع لا يتصور شخص ذو تفكير متوسط أن القانون يتركها دون جزاء يغلب أن يتخذ شكل العقاب وكون الواقعة تستوجب احتقار من أسندت إليه إنما يتحدد بالنظر إلى القيم الاجتماعية السائدة في بيئة المتهم، ولذلك يكفي علمه بهذه القيم، وإثبات هذا العلم يسير لأنه يتوافر بالضرورة لدى كل شخص ذى تفكير معتاد ينتمي إلى هذه البيئة.

العلم بالعلانية: علانية الإسناد من أهم عناصر القذف، ولذلك كان متعيناً علم المتهم بها، أما إذا جهل ذلك فاعتقد أن نشاطه متجرد من العلانية، ولكنه في حقيقته كان علنيا فإن القصد لا يعد متوافراً لديه وتطبيقاً لذلك فإنه إذا جهر المتهم بقول أو صياح تعين أن يحيط علمه بأن محل هذا الجهر هو مكان عام أو أن صوته يسمع في مكان عام أو أنه ينتقل عن طريق اللاسلكي إلى أشخاص آخرين . فلا يتوافر القصد إذا جهر المتهم بالقول أو الصياح في مكان خاص وهو يجهل تحوله إلى مكان عام بالمصادفة لدخول أشخاص عديدين فيه؛ أو ثبت جهله أن عباراته تسمع في الطريق العام، إذ قد وضع في المكان الخاص دون علمه جهاز ينقل صوته إلى من يوجدون في الطريق العام؛ أو تبين أنه لم يدر شيئاً عن وجود جهاز الإرسال اللاسلكي على مقربة منه بحيث انتقل به صوته إلى أشخاص آخرين . وإذا كان القذف عن طريق الكتابة فإنه يتعين علم المتهم بأن المادة التي تحمل عبارات القذف توزع على الناس دون تمييز أو تعرض الأنظار من يوجدون في مكان عام أو تباع أو تعرض للبيع، فإن جهل ذلك كمن أعطى الورقة التي دون فيها عبارات القذف الصديق کي يحتفظ بها لنفسه خاصة فاستخرج منها نسخاً عديدة ووزعها على الناس دون تمييز، أو من ترك هذه الورقة في مسكنه الذي تحول بعد ذلك إلى مكان عام بالمصادفة لدخول أشخاص عديدين فيه اندفعوا إليه بسبب اشتعال النار فيه، فإن القصد الجنائي لا يعد متوافراً لديه.

إرادة الإسناد :

إرادة الإسناد هي إرادة الفعل الإجرامي، وهي - وفقاً للقواعد العامة - أحد عناصر القصد الجنائي . ويفترض هذا العنصر أن إرادة المتهم قد اتجهت إلى النطق بالعبارات التي تتضمن وقائع القذف أو إلى تسجيلها كتابة أو إلى إتيان الإيماء الذي يتضمن القذف . فإذا ثبت أنه كان مكرها على القول أو الكتابة أو الإيماء، فلا يتوافر القصد الجنائي لديه. وإذا تبين أن لسانه أو قلمه قد انزلق إلى ألفاظ لم يكن يريدها، إذ كانت ثمرة ثورة نفسية، أو نتيجة الجهل باللغة، وتبين أن ألفاظا سابقة أو لاحقة تنفسی المعنى المستخلص منها، فإن القصد يعد منتفياً.

إرادة الإذاعة :

يعد ذيوع عبارات القذف بحيث يعلم بها جمهور الناس فتهبط بذلك المكانة الاجتماعية للمجنى عليه  النتيجة الإجرامية  للقذف وتطبيقاً للقواعد العامة يتعين أن تتجه إليها إرادة المتهم حتى يعد القصد الجنائي متوافراً لديه، ونرى التعبير عن هذه الإرادة بإرادة الإذاعة أو « قصد الإذاعة » ولا يغني عن هذه الإرادة علم الجاني أن المكان الذي أفضى فيه بعبارات القذف هو مكان عام، إذ قد تنتقى الإرادة على الرغم من هذا العلم فلا يعد القصد متوافراً لديه : مثال ذلك من يفضي في مكان عام بعبارات القذف إلى صديق قاصداً إسماعه وحده هذه العبارات، ولكن إزدحام المكان بجمهور الناس وارتفاع صوت الصديق الذي استوضح محدثه معنى بعض ألفاظه جعل الناس يستطيعون سماع عبارات القذف  وتطبيقاً الذات الفكرة، فإن من يبعث بالمحرر الذي دون فيه عبارات القذف إلى شخص يشغل منصباً عاماً ويثبت علمه أن الأوراق التي ترسل إلى هذا الشخص يطلع عليها موظفو مكتبه وأنه يغلب أن يعلم بها الصحفيون، ولكن يتحقق أن إرادته كانت متجهة إلى إبلاغ المرسل إليه وحده وقائع القذف وقد عبر عن إرادته بوضع المحرر في مظروف مغلق ومسجل عليه سرية الرسالة وصفتها الخاصة ورجاءه إلا يطلع عليها سوى المرسل إليه، فإن القصد الجنائي لا يعد متوافر لديه، ولو تحقق غير ما كان يريد فاطلع على المحرر أشخاص عديدون.

بيانات حكم الإدانة، يجب أن يتضمن حكم الإدانة بيانات "الأركان القذف حتى تستطيع محكمة النقض أن تمارس سلطتها في التحقق من استناد الإدانة إلى أسباب تدعمها وما يتعين إثباته في حكم الإدانة أمران عبارات القذف، وعلانية الإسناد أما القصد الجنائي فقد سبق بيان أنه يفترض إذا كانت العبارات شائنة في ذاتها؛ وكذلك يفترض قصد العلانية إذا ثبت توافر العلانية في ذاتها، كما لو جهر المتهم بعباراته في مكان عام .

فيتعين أن يثبت الحكم ألفاظ القذف حتى يتسنى لمحكمة النقض أن « تراقبه فيما رتبه من النتائج القانونية ببحث الواقعة محل القذف .. لتبين مناحيها واستظهار مرامی عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح»، وفي تعبير آخر فإن علة الإلتزام بذكر هذه الألفاظ هي إتاحة السبيل لمحكمة النقض کی تتحقق من صحة تكييف هذه العبارات من أنها تتضمن إسناد واقعة تستوجب عقاب المجنى عليه أو احتقاره فإذا أغفل الحكم بيان هذه الألفاظ كان قاصر التسبيب.

ويلتزم الحكم بأن يثبت علانية إسناد المتهم واقعة القذف إلى المجنى عليه، ويلتزم كذلك بأن يبين تفصيلا الوقائع التي تستخلص منها هذه العلانية حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تتحقق مما إذا كانت تصلح أساساً لهذه العلانية : فإذا كانت وسيلة العلانية هي القول تعين أن تبين المحكمة ما إذا كان محل الجهر بالقول أو الصياح « عاما أو خاصا » وإذا كانت العلانية عن طريق النشر في الجرائد تعين أن يشير الحكم إلى عدد الجريدة الذي تضمن ذلك النشر ولكن إذا كانت الوقائع قاطعة بتوافر العلانية فلا تلتزم المحكمة بأن تقرر على استقلال توافرها .

رقابة محكمة النقض :

تحديد محكمة الموضوع لألفاظ القذف والوقائع التي استنبطت منها العلانية هو فصل في مسألة موضوعية، ومن ثم لا رقابة لمحكمة النقض عليها : وتطبيقاً لذلك فإذا أثبتت محكمة الموضوع أن العبارات جهر بها في محفل عام لم يكن المحكمة النقض أن تناقشها في ذلك؛ ومحكمة الموضوع هي التي تحدد - دون معقب عليها - ما إذا كانت الرابطة الجامعة بين من اتجه إليهم خطاب المتهم تنفي العلانية عن أقواله أم تبقيها متوافرة.

ولكن محكمة النقض لها الرقابة على التكييف الذي تخلعه محكمة الموضوع على عبارات المتهم، وما إذا كانت تعتبر مستوجبة عقاب المجني عليه أو احتقاره على الوجه الذي يرشحها ليقوم بها القذف، فإن تبين لها أن محكمة الموضوع أخطأت هذا التكييف كان لها أن تردها إلى الصواب ولمحكمة النقض أن تراقب وصف الإسناد بالعلانية، وخاصة ما إذا كانت الوقائع التي استخلصت منها تدخل في عداد إحدى الحالات التي نص عليها القانون وتطبيقاً لذلك كان لمحكمة النقض أن تبطل حكم الإدانة إذا استنتج العلانية من مقدمات لا تؤدى إليها أو نفي العلانية « دون أن يبين المقدمات التي رتب عليها هذه النتيجة.

وإذا دفع المتهم بانتفاء العلانية كان دفعه جوهريا والتزمت محكمة الموضوع بالرد عليه بالقبول أو الرفض رداً مدعماً بالدليل، فإن « جاء حكم الإدانة خلوا من الرد على هذا الدفاع فإنه يكون قاصراً ».

الطعن في أعمال موظف عام أو من في حكمه تمهيد : نصت على هذا التطبيق لاستعمال الحق الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات  في قولها ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة (أي النص الخاص بالقذف) إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة وبشرط أن يثبت المتهم حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه . ولسلطة التحقيق أو المحكمة بحسب الأحوال، أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من أوراق أو مستندات معززة لما يقدمه المتهم من أدلة لإثبات حقيقة تلك الأفعال » ونصت الفقرة الثالثة على أن : « لا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة ».

علة إباحة الطعن في عمل الموظف العام : علة هذه الإباحة أن الموظف العام - وكذلك ذي الصفة النيابية العامة والمكلف بخدمة عامة - يقومون بأعمال ذات أهمية اجتماعية كبيرة، إذ هي في صميمها ممارسة الاختصاص الدولة في ميادينه المتنوعة؛ وللمجتمع مصلحة جوهرية في أن تؤدي هذه الأعمال على الوجه السليم، ولذلك كان من يكشف عن خلل شاب هذه الأعمال مؤدياً خدمة اجتماعية : فمن ناحية يتيح للدولة مواجهة خطر أو تفادي ضرر يحتمل أن ينال المجتمع من جراء ذلك الخلل ؛ ومن ناحية ثانية يتيح لها تأديب الموظف المسئول عن الخلل کي لا يعود إليه أو لا يقلده فيه سواه . وقد رأى الشارع أن تحقيق هذه المصلحة الاجتماعية أهم من شرف واعتبار الموظف الذي ناله الفعل المحقق لهذه المصلحة، خاصة وأن القيمة الاجتماعية لشرفه قد هبطت بالنظر إلى علاقته بالعمل الذي شابه الخلل .

شروط الإباحة: هذه الشروط أربعة :

توجيه القذف إلى موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف، بخدمة عامة؛ وتعلق وقائع القذف بأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة؛ وحسن النية ؛ وإثبات صحة وقائع القذف وترد هذه الشروط إلى فكرة واحدة، هي حرص الشارع على التحقق من أن القذف قد صان مصلحة اجتماعية تربو قيمتها على حق المجنى عليه في الشرف والاعتبار ؛ وبعض هذه الشروط تطبيق الشروط متطلبة في استعمال الحق بوجه عام، وذلك واضح بالنسبة لشرط «حسن النية»، فقد صرحت به المادة 60 من قانون العقوبات.

صفة المقوف في حقه : تطلب الشارع فيمن يوجه إليه القذف أن يكون موظفاً عاماً أو ذا صفة نيابية عامة أو مكلفاً بخدمة عامة وعلة هذا الشرط افتراض الشارع أن من لا تتوافر فيه إحدى هذه الصفات لا يقوم بعمل ذي أهمية اجتماعية، ومن ثم لا تقوم الحاجة إلى إباحة القذف الموجه ضده.

وأهم ما يثيره هذا الشرط هو تحديد ما يعنيه القانون « بالموظف العام »، « والشخص ذي الصفة النيابية العامة »، « والمكلف بخدمة عامة » والملحوظ على هذا البيان أن الشارع لم يجد في تعبير « الموظف العام » الكفاية لتحديد الصفة السابقة فأضاف إليه التعبيرين الآخرين ونستطيع أن نستخلص من تعدد التعبيرات على هذا النحو خطة الشارع : فهو يريد إباحة القذف ضد كل شخص يؤدي عملاً تبلغ أهميته الاجتماعية القدر الذي يقتضي أن تكون للسلطات العامة رقابة دقيقة شاملة عليه، وأن يتيح بذلك للأفراد معاونة السلطات العامة في إحكام هذه الرقابة بالكشف عن أوجه الخروج على القانون أو الإخلال بالمصلحة العامة.

يريد الشارع « بذوي الصفة النيابة العامة » أعضاء المجالس النيابية العامة والمحلية، أي المجالس ذات الصفة التمثيلية التي تنوب عن مجموع المواطنين أو عن جماعة منهم في التعبير عن إرادتهم الجماعية في الشئون العامة، وسواء في ذلك أن تكون هذه المجالس عامة أو محلية، وسواء أن يكون العضو منتخباً أو معيناً) . ويريد الشارع « بالمكلف بخدمة عامة » من عهدت إليه سلطة مختصة بأداء عمل مؤقت وعارض لحساب الدولة أو شخص معنوي عام، ولا أهمية لكون هذا التكليف نظير مكافأة أو بدون مقابل، مثال ذلك المرشد الذي تستعين به الشرطة في الكشف عن جريمة، و المترجم في دعوى أو تحقيق تجريه السلطات المختصة.

ولكنا نلاحظ أنه إذا وضع للموظف العام تعریف مستمد من علة  الإباحة، فإنه قد يشمل ذوي الصفة النيابية العامة والمكلفين بخدمة عامة : هذه العلة أن الشارع أراد تمكين الأفراد من رقابة أعمال الأشخاص الذين يمارسون اختصاص الدولة کی يكشفوا عن أوجه الخلل فيها، إذ الأعمال التي تمارس بها هذه الاختصاصات هي التي تعني المجتمع في المقام الأول وتتسم بأهمية اجتماعية واضحة، وتحرص الدولة على أن تؤدي وفقاً للقانون، ومن ثم يتعين أن يباح القذف الموجه إلى هؤلاء الأشخاص فيما يتعلق بممارستهم هذه الاختصاصات وعلى أساس من هذه العلة نرى أن نضع للموظف العام التعريف التالي : أنه كل شخص يباشر طبقاً للقانون جزءاً من اختصاص الدولة وهذا التعريف هو بعينه التعريف الذي وضعناه للموظف العام في تطبيق المادة 63 من قانون العقوبات التي اعتبرت  استعمال السلطة سبب إباحة والعلاقة بين النصين واضحة : فأحدهما يقرر إباحة العمل الذي يمارس به اختصاص الدولة وإن أهدر بعض الحقوق التي يحميها القانون عادة، وثانيهما يعرض لهذه الأعمال ذاتها فيحرص على اتساقها مع القانون ويقرر إباحة من يكشف عن عيوبها وإن انطوى ذلك على ما يمس شرف واعتبار من مارس هذا العمل . والتعريف الذي قلنا به متسع : فهو يشمل - إلى جانب ذوي الصفة العامة والمكلفين بخدمة عامة - الموظفين الفعليين .

فإذا تجرد المجنى عليه من الصفة السابقة فلا يباح القذف ضده، ولو كان المتهم حسن النية واستطاع إثبات وقائع القذف ؛ بل إنه لا يقبل منه هذا الإثبات، وهو ما حرصت على تأكيده الفقرة الأخيرة من المادة  302.

وتطبيقاً لذلك فإن القذف الذي يوجه إلى محام أو طبيب أو مدير مكتب تخديم  أو تاجر أو مستخدم لدى شخص معنوى خاص لا يخضع لهذا السبب للإباحة .

اتصال وقائع القذف بأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة : تطلب الشارع هذا الشرط في نصه على ألا يتعدى الطعن « أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة ». وتوضيح هذا الشرط يقتضي ملاحظة أن حياة الموظف العام أو من في حكمه ذات شقين : شق عام، مجاله الأعمال التي تدخل في نطاق الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبها يتميز عن غيره ممن لا يشغلون هذه الوظيفة أو لا يحملون الصفة أو التكليف السابق؛ وشق خاص، يكون وضعه فيه وضع أي فرد عادی، وهو الشق المتعلق بحياته الخاصة كإدارته أمواله الخاصة وتنظيمه علاقاته العائلية . ونطاق الإباحة مقتصر على القذف الذي يتعلق بوقائع منتمية إلى الشق الأول : ذلك أن العلة التي تقوم عليها الإباحة هي تمكين السلطات العامة من العلم بالوقائع التي تتضمن إخلالا بواجبات الوظيفة، ومن ثم يقتصر نطاق الإباحة على القدر الذي يحقق هذه العلة ؛ أما الحياة الخاصة للموظف فالفرض أنها لا تعنی المجتمع، وأن وضعه بالنسبة لها وضع شخص عادي، ومن ثم يعاقب على القذف المتعلق بها، ولو استطاع المتهم إقامة الدليل على صحة وقائعه .

وليس التمييز بين أعمال الوظيفة وشئون الحياة الخاصة ميسورا دائما : فقد تكون الصلة بينهما وثيقة، وفي هذه الحالة يباح القذف المتعلق بالحياة الخاصة في القدر الذي تكون له فيه صلة بأعمال الوظيفة، وقاضي الموضوع هو المختص بتقدير هذه الصلة، والقول بأنها بلغت من التوثيق القدر الذي يقتضي إباحة القذف المتعلق بها  ولهذه الصلة صور متعددة، أهمها أن يكون لشئون الحياة الخاصة تأثيرها على أعمال الوظيفة العامة، أو أن يكون التعرض لها ضرورياً لتوضيح الوقائع المتعلقة بأعمال الوظيفة أو إقامة الدليل عليها، مثال ذلك أن يسند شخص إلى موظف عام أن زوجته تسيطر عليه مريداً بذلك الإشارة إلى أنها تتدخل في أعمال الوظيفة وتدفعه إلى توجيهها على النحو الذي يحقق مصلحتها الخاصة أو مصلحة ذوي قرباها وإذا كان الواقعة جانبان : جانب متعلق بالحياة الشخصية وجانب متعلق بأعمال الوظيفة العامة غلب الجانب الثاني واعتبرت الواقعة في مجموعها متعلقة بأعمال الوظيفة، مثال ذلك القول عن رئيس مصلحة إنه على صلة بزوجة أحد مرءوسيه، وأنه بناء على ذلك حاباه في ترقية وقد لا تتصل الواقعة موضوع القذف بعمل من أعمال الوظيفة اتصالاً مباشراً، ولكنها تكشف عن أخلاق الموظف في جانب يؤثر على أعمال الوظيفة، مثال ذلك القول عن موظف إنه حصل على وظيفته عن طريق الرشوة.

وتمتد الإباحة إلى القذف الذي يرتكب بعد انتهاء شغل الموظف العام منصبه إذا كان ينصب على وقائع تتعلق بأعمال الوظيفة العامة التي كان يباشرها : فالعبرة بالوقت الذي صدرت فيه عن المجني عليه الواقعة موضوع القذف، وليست العبرة بالوقت الذي صدر فيه عن المتهم الإسناد الذي يقوم به القذف .

 حسن النية: لا يباح القذف ضد الموظف العام أو من فی حكمه إلا إذا كان المتهم « حسن النية »، وقد عبر الشارع عنه باشتراط أن يكون القذف قد  حصل بسلامة نية .

وقد حددت محكمة النقض دلالة حسن النية، فقالت إنه اعتقاد المتهم بصحة الوقائع التي ينسبها لغيره وأن يكون قصده مما يقترفه من ذلك مصلحة البلاد لا مجرد التشهير، وأضافت إلى ذلك وجوب أن يكون المتهم قد  قدر الأمور التي نسبها إلى المتهم تقديراً كافياً.

ويقتضي تحديد عناصر حسن النية بیان موضعه القانوني : إن موضع  حسن النية  في نظرية إباحة الطعن في عمل الموظف أو من في حكمه أنه عنصر في استعمال المواطن حقاً أقره له القانون في رقابة هذا العمل وتنبيه السلطات العامة إلى مواطن الخلل فيه، وبذلك يكون المرجع في تحديد مدلوله إلى المادة 60 من قانون العقوبات التي قررت المبدأ العام في اعتبار استعمال الحق سبباً للإباحة، واشترطت لذلك أن يكون هذا الاستعمال « بنية سليمة ». وأساس اعتبار « حسن النية » شرطاً عاماً الاستعمال الحق أن الحقوق جميعاً غائية، أي يقررها القانون لإستهداف أغراض معينة، إذ لا يعرف القانون حقوقاً مجردة من الغاية، أي يستطيع أصحابها مباشرتها دون أن يسألوا عن الهدف الذي يريدونه بها. وعلى أساس من هذه الفكرة نستطيع تحديد دلالة حسن النية : إنه يعني « استهداف صاحب الحق بفعله ذات الغرض الذي من أجله قرر الحق له »، إذ يثبت بذلك أنه كان مؤدياً باستعماله الحق « الوظيفة الاجتماعية » التي هي جوهر الحق . أما إذا ثبت أنه يريد به غرضاً سوى ذلك - ولو كان غير مرذول في ذاته – فهو سيء النية، وليس له أن يحتج لإباحة فعله بذلك الحق، إذ لم يكن الفعل مؤدياً وظيفته الاجتماعية التي تحددها غاية الحق  وتطبيق ذلك على القذف في حق الموظف العام أنه يتعين أن يكون المتهم مستهدفاً بفعله خدمة المصلحة العامة بالكشف عن عيب شاب عمل الموظف بغية تمكين السلطات العامة من التعرف على هذا العيب في الوقت الملائم ودفع الضرر أو الخطر الذي قد يتهدد المجتمع من جرائه . ويقتضي ذلك ألا يكون المتهم مستهدفاً بفعله غرضا آخر، كالتشهير بالموظف انتقاماً منه أو إحراج المصلحة أو الحزب الذي ينتمي إليه، أو إحراز سبق صحفي.

وهذا العنصر الحسن النية يفترض توافر أمرين : أولهما، اعتقاد المتهم صحة الوقائع التي أسندها إلى المجنى عليه؛ وثانيهما، أن يكون المتهم قد قدر الأمور التي نسبها إلى المجنى عليه تقديراً كافياً، أي أن يكون قد بذل ما في وسع شخص معتاد في مثل ظروفه من أسباب التحرى لكي يتحقق من صحة هذه الوقائع . وهذان الشرطان غير متطلبين لذاتيهما، وإنما باعتبارهما مفترضين لسعي المتهم إلى تحقيق المصلحة العامة بطعنه : فغير متصور أن يستهدف المصلحة العامة من يعلم بعدم صحة ما ينسبه إلى المجنى عليه ؛ ومن ناحية ثانية فإن المصلحة العامة تتأذى باستاد الوقائع عن خفة وطيش، بل أنها تفرض على من يسعى إليها أن يتحرى ويتثبت من صحتها.

وينتفی حسن النية إذا انتفت عناصره السابقة كلها أو بعضها : فإذا ثبت أن المتهم لم يكن يستهدف المصلحة العامة فهو سيء النية، ويعد كذلك إذا كان يعلم بعدم صحة الوقائع التي أسندها إلى المجنى عليه، أو كان اعتقاده صحتها لا يستند إلى تقدير كاف للأمور وإذا استهدف المتهم بعباراته المصلحة العامة والتشهير معا، فعلى المحكمة أن توازن بين الغايتين وترجح إحداهما، فإن كان استهداف المصلحة العامة هو الغالب اعتبر عنصر حسن النية متوافراً.

فإذا ثبت أن المتهم سيء النية فتجب إدانته، ولو كان يستطيع إثبات الوقائع التي أسندها إلى المجنى عليه، إذ لم يعد مؤدياً الوظيفة الاجتماعية التي تقوم الإباحة عليها.

إثبات الوقائع المسندة : تطلب الشارع هذا الشرط صراحة في قوله  وبشرط أن يثبت المتهم حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه ؛ وإجازة إثبات وقائع القذف وترتيب الإباحة على ذلك هو استثناء من الأصل العام الذي قررته الفقرة الأخيرة من المادة 302 من قانون العقوبات في قولها  ولا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة، وعلة تطلب هذا الشرط أنه الوسيلة إلى التحقق من أن المتهم قد أدى خدمة إلى المجتمع يستحق بسببها الإباحة، وهذا الشرط يتصل بعلة الإباحة، فإثبات هذه الوقائع ذات الأهمية الاجتماعية هو الذي يضع في يد السلطات العامة الوسيلة لتدارك ما قد تنطوي عليه من أضرار أو مخاطر على المجتمع.

ويخضع هذا العنصر للقواعد التالية : يعني إثبات هذه الوقائع أن يقدم المتهم إلى المحكمة التي تنظر في جريمة القذف الأدلة المثبتة لهذه الوقائع، فتزنها المحكمة وتقدر كفايتها لإقناعها بثبوت هذه الوقائع ويعني ذلك أن المتهم هو الذي يحمل عبء الإثبات، ولا يعتبر المتهم موفياً بهذا الشرط إذا تقدم بأدلة قدرت المحكمة أنها غير كافية لذلك، أو قدرت أنها غير منتجة في إثبات هذه الوقائع أو غير متعلقة بها  وإثبات وقائع القذف جائز بجميع الطرق بما في ذلك  شهادة الشهود و قرائن الأحوال، ذلك أنها وقائع مادية، وهی بالإضافة إلى ذلك من وقائع الدعوى فتخضع لمبدأ إقناعية الأدلة، وما يرتبط به من وضع جميع طرق الإثبات على قدم المساواة وإذا اتخذ قرار إداري في شأن وقائع القذف فليست لهذا القرار حجية أمام المحكمة التي تنظر في جريمة القذف : فإذا كان هذا القرار قد خلص إلى ثبوت الواقعة فللمحكمة الجنائية ألا تقتنع بذلك ولها أن تطلب من المتهم أدلة أخرى، وإذا خلص إلى نفيها فإن ذلك لا يحرم المتهم من تقديم أدلة على ثبوتها.

ولكن إذا كانت الواقعة المسندة إلى المجني عليه جريمة جنائية وصدر في شأنها حكم بات، كانت له حجية لدى المحكمة التي تنظر في تهمة القذف : فإذا كان ذلك الحكم قد قضي بثبوت الواقعة موضوع القذف كان تقديمه إلى محكمة القذف كافياً لإثباتها، ولا أهمية لكونه لم يقض بالعقوبة لمانع مسئولية أو مانع عقاب ؛ وإذا كان قد قضى بعدم ثبوتها - وهو ما يفترض فصله في الموضوع - كانت له كذلك حجيته، فلا يسمح للمتهم بإثبات الواقعة.

 حرص الشارع على الحد من جرائم القذف ضد الموظفين أو من في حكمهم وإشعار القاذف بجدية التزامه بتقديم الدليل على واقعة القذف، فأوجب عليه - في المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية - إذا كان قذفه بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له وعلى الأكثر فى الخمسة الأيام التالية الأدلة على كل فعل أسنده إلى المجنى عليه وإلا سقط حقه في إقامة الدليل؛ وإذا كلف المتهم بالحضور أمام المحكمة مباشرة وبدون تحقيق سابق وجب عليه أن يعلن إلى النيابة العامة والمدعي المدني بيان الأدلة فى الخمسة الأيام التالية لإعلان التكليف بالحضور وإلا سقط حقه كذلك في إقامة الدليل؛ ولا يجوز تأجيل نظر الدعوى في هذه الأحوال أكثر من مرة واحدة لمدة واحدة لا تزيد على ثلاثين يوماً. ولكن المحكمة الدستورية العليا قضت في 6 فبراير سنة 1993 بعدم دستورية هذا النص لأنه « ينحدر بالحق في النقد العام إلى منزلة الحقوق محدودة الأهمية »، وأنه « ينال من ضمانة الدفاع التي لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة، بل تمتد مظلتها كذلك وما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها »، وأنه «يصادم المفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، ويناهض بالتالى القواعد المبدئية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها» وخلصت المحكمة إلى مخالفة هذا النص لأحكام المواد 47، 67، 69 من الدستور  .

وإذا تعددت الوقائع موضوع القذف تعين على المتهم إثباتها جميعاً، فإن استطاع إثباتها عدا واحدة منها أو أكثر، فهو لا يستفيد من الإباحة، إذ لم يكن بالنسبة للواقعة التي لم يقم الدليل عليها محققاً العلة التي يستند إليها سبب الإباحة.

وإذا عجز المتهم عن إثبات صحة وقائع القذف تعينت إدانته ولو ثبت حسن نيته، ذلك أنه لم يؤد للمجتمع الخدمة التي تبرر استفادته من سبب الإباحة؛ بل إنه إذا لم يستطع ذلك الإثبات ابتداء فلا يجوز البحث في حسن نيته، فيتعين أن تؤدي الخدمة فعلا ثم يبحث فى نية المتهم ومدى استهدافه مصلحة المجتمع.

ثبوت حسن النية والعجز عن إثبات الوقائع المسندة، ينصح من صریح نص القانون أن الشارع يتطلب - الاستفادة المتهم من سبب الإباحة - توافر حسن النية لديه وإثباته صحة الوقائع التي أسندها إلى المتهم، ويعني ذلك أنه يتطلب توافر الشرطين معاً؛ والنتيجة الحتمية لذلك أنه إذا توافر أحدهما فقط فإن المتهم لا يستفيد من الإباحة : فإذا كان حسن النية ولكنه عجز عن إثبات الوقائع ؛ أو استطاع إثباتها ولكنه كان سيء النية فهو في الحالتين لا يستفيد من الإباحة .

إثبات الوقائع مع سوء النية: ما حكم مرتكب القذف ضد الموظف العام إذا استطاع أن يثبت صحة الوقائع التي أسندها إلى المجني عليه، لكن يثبت أنه كان سيء النية، بأنه كان يعتقد عدم صحة هذه الوقائع، أو كان على الرغم من اعتقاده صحتها يستهدف التشهير والانتقام إلا المصلحة العامة ؟ ذهب رأى إلى أن عمله يكون في هذه الحالة مبرراً « ذلك أن المصلحة العامة تكتسب من الكشف عن سيئات ذوي الصفة العمومية ولو كان من كشفها سيء النية »ولكنا لا نميل إلى الموافقة على هذا الرأي : فالإباحة المقررة للقذف ضد الموظف العام هي تطبيق لاستعمال الحق كسبب للإباحة، ومن ثم كان متعينا أن تتوافر لها شروط استعمال الحق جميعا، ومن بينها « حسن النية » الذي يعني استهداف المتهم بفعله تحقيق ذات الغرض الذي من أجله قرر الحق له وهذه الإباحة قررت ابتغاء المصلحة العامة، وهو ما يفترض الاعتقاد بصحة الواقعة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،   الصفحة : 702)

ويعني ذلك أن هذا الركن يقوم على عناصر ثلاثة : الأول، فعل الإسناد، والثاني، موضوع هذا الإسناد، وهو الواقعة الشائنة، الثالث، المسند إليه هذه الواقعة أي المقذوف أو المجنى عليه.

 أولاً : فعل الإسناد :

يقصد بالإسناد نسبة واقعة معينة إلى شخص معين، وهو يتحقق بأية وسيلة من وسائل التعبير كالقول أو الكتابة أو الرسم أو الإشارة.

ويقصد بالقول كل تعبير عن المعنى عن طريق الصوت سواء اتخذ صورة الكلام أو الصياح . ويستوي في الكلام أن يكون باللغة الوطنية أو بغيرها، وأن يكون نثراً أو شعراً، وأن يكون بعبارات عديدة أو بعبارات مقتضبة أو بلفظ واحد مادام يؤدي المعنى المقصود.

ويقصد بالكتابة كل إفراغ للمعنى في حروف متعارف عليها، يستوى في ذلك اللغة التي تمت بها الكتابة، والوسيلة التي تحققت بها، عن طريق اليد أو عن طريق المطبعة، والمادة التي انصبت عليها ورقا كانت أو قماشاً أو حائطاً أو معدناً أو خشباً.

ويقصد بالرسم إفراغ المعنى في أشكال معينة أو رموز خاصة فيدخل في هذا النطاق الرسوم الكاريكاتورية، والصور والأفلام و علامات الشفرة.

أما الإشارة فتعنى حركة معينة تعبر عن معنى خاص فإذا سأل شخص آخر عمن سرق ساعته فأشار إلى ثالث فإن الإسناد يتحقق بهذه الإشارة .

ويستوي في إسناد أمر إلى شخص معين أن يكون ذلك من إنشاء الجاني أي بناء على معلوماته الخاصة أو أن يكون نقلاً أي إخباراً عن الغير أو أن يردده على أنه مجرد إشاعة كما يستوي أن يتحقق الإسناد بصيغة توكيدية أو بصيغة تشكيكية من شأنها أن تلقى في أذهان الجمهور عقيدة ولو وقتية أو ظناً أو احتمالاً ولو وقتياً في صحة الأمور المدعاة .

كذلك يستوي أن يكون الإسناد صريحاً أو أن يكون ضمنياً يفهم من سياق الكلام الذي تضمن هذا المعنى، عن طريق التعريض أو التورية أو الكناية (أ) أو صب المعنى المقصود في قالب من المديح  وقد عبرت محكمة النقض عن ذلك بقوها : « إن المداورة في الأساليب الإنشائية بفكرة الفرار من حكم القانون لا نفع فيها للمداور ما دامت الإهانة تتراءى للمطلع خلف ستارها وتستشعرها الأنفس من خلالها، إنما تلك المداورة مخبثة أخلاقية شرها أبلغ من شر المصارحة فهي أحرى منها بترتيب حكم القانون».

كما يستوي أن تكون العبارات التي وقع بها الإسناد قد سيقت على سبيل الاستفهام أو على سبيل الفرض لا على أنها حقيقة، أو كانت رداً على استفهام موجه إلى الجاني، فمن يجيب بلفظ « نعم» على من سأله « هل نسبت إلى فلان أنه سرق ؟ » أو « هل نسبت إلى فلان الموظف أنه اختلس مالاً مما عهد إليه ؟ » يعتبر كل من السائل والمجيب مرتكبا جريمة القذف إذا توافر باقي الأركان.

وإذا تحقق الإسناد بالمعنى المتقدم فإنه لا يجدى المتهم في نفی مسئوليته الإستناد إلى أن العبارات التي نشرها كان قد سبق نشرها، فإعادة النشر تعتبر قذفاً جديداً، أو أن يكون قد أضاف إلى عبارات الإسناد عبارة « والعهدة على الراوي » فترديد القذف يعد قذفاً كذلك لا يجدي في نفى المسئولية أن يكون قد أضاف إلى ما نشره أنه لا يضمن صحة الخبر.

 ثانياً : موضوع الإسناد 

يجب القيام الركن المادي في جريمة القذف أن يكون موضوع الإسناد واقعة يتحقق فيها صفتان : الأولى، أن تكون محددة . والثانية، أن يكون من شأنها لو كانت صادقة أن توجب عقاب من أسندت إليه أو توجب احتقاره عند أهل وطنه.

 أن تكون الواقعة محددة :

يجب أن يكون موضوع الإسناد واقعة معينة ومحددة بحيث تكون صالحة لإقامة الدليل عليها، وهذا الشرط هو الذي يميز القذف عن السب، فالمشرع يتطلب في القذف أن ينصب الإسناد على واقعة معينة، كأن ينسب الجاني إلى المجنى عليه أنه سرق ساعة زميله، أو أنه أخذ مبلغاً من آخر كمقابل لأداء عمل من أعمال وظيفته، أو أنه احتال على شخص واستولى على بعض ماله أما السب فلا يشترط لتحققه أن يكون موضوع الإسناد واقعة محددة، وإنما صفة معينة تنسب إلى المجنى عليه أو تقييماً معيناً السلوكه . أو حكماً عاماً على شخصه، مثال ذلك أن يقول الجاني إن المجني عليه لص، أو مرتش أو نصاب، أو جبان أو منحل.

وإذا كان يشترط في الواقعة موضوع الإسناد أن تكون محددة، فإنه لا يقصد بذلك أن تكون محددة تحديداً دقيقاً تفصيلياً من حيث مكان حدوث الواقعة وزمانها وطبيعة ونوع وكمية المحل الذي انصبت عليه و إسم المجني عليه، وإنما يكفي في ذلك أن تحدد الواقعة تحديداً نسبياً، فيتحقق القذف إذا نسب شخص لآخر أنه سرق مبلغاً من المال، وإن لم يحدد المبلغ المسروق أو مكان ارتكاب السرقة أو زمانها ويترك لتقدير قاضي الموضوع القول بتوافر شرط تحديد الواقعة أو عدم توافره، وهو يستعين في ذلك بالظروف التي وقع فيها الإسناد.

وإذا توافر شرط تحديد الواقعة فإنه يستوي بعد ذلك أن تكون هذه الواقعة المحددة إيجابية كارتكاب جريمة سرقة، أو سلبية كعدم سداد الدين، مادية كإفشاء سر مهني أو معنوية كانتواء ارتكاب جريمة معينة.

 أن تكون الواقعة مستوجبة العقاب أو الاحتقار ارتأى المشرع أن الواقعة المسندة تكون شائنة في حالتين :

 الحالة الأولى : إذا كانت الواقعة توجب عقاب من أسندت إليه :

والواقعة التي توجب العقاب هي الواقعة التي يعتبرها القانون جريمة أيا كانت جسامتها، فيستوي أن تكون جناية أو جنحة أو حتى مخالفة، ويستوي أن تكون عمدية أو غير عمدية، كما يستوي أن تكون جريمة تامة أو مجرد شروع فالشرط الوحيد الذي يتطلبه المشرع في هذه الحالة هو أن يكون الفعل المسند جريمة توجب عقاب من أسندت إليه، سواء كانت منافية القيم الأخلاقية كالقول عن أحد القضاة إنه يقبل مبالغ من النقد من أرباب القضايا على سبيل الرشوة، أو كانت غير منافية للأخلاق كجريمة غير عمدية.

فإذا كان الفعل لا يعتبر جريمة فإنه لا يقوم بإسناده جريمة القذف، إذا لم تتحقق الصورة الثانية وهي أن تكون الواقعة موجبة للاحتقار، فلا يرتكب قذفاً من يذكر أن شخصاً معيناً قد عدد زوجاته.

كذلك لا يقوم القذف ولو كانت الواقعة المسندة جريمة إذا كانت في ظروف ارتكابها لا توجب عقاباً فلا يرتكب قذفاً من يقول عن شخص إنه أصاب آخر دفاعاً عن نفسه، إذ يعتبر الدفاع الشرعي سبب إباحة يزيل عن الفعل صفة عدم المشروعية وبالتالي يجعله غير مستوجب العقاب.

وقد ثار التساؤل بصدد الواقعة التي توجب جزاء تأديبيا؟ يذهب جانب من الفقه إلى اعتبار إسناد مثل هذه الواقعة قذفاً على أساس أنها توجب عقوبة تأديبية وأن نص المادة 302 جاء مطلقاً من حيث تطلبه أن يكون الأمر المسند إلى المجنى عليه موجبا عقاب من أسند إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً، والعقوبة التأديبية تدخل تحت هذا النطاق، فضلاً عن أن الجزاء التأديبي قد ينال من شرف واعتبار المجنى عليه أكثر مما تفعل عقوبة جنائية بسيطة كالغرامة.

ونحن نرفض هذه الوجهة، فلفظ العقاب المنصوص عليه في المادة 302 إنما ينصرف إلى العقوبة الجنائية، ولا يجوز أن نتوسع في معنى هذا اللفظ ونحن في مجال التجريم، والسير مع نطق القول بأن لفظ العقاب يشمل الجزاء التأديبي بالإضافة إلى العقوبة الجنائية، يؤدى إلى اشتماله على الجزاء المدني أيضاً وهو ما لا يمكن قبوله ومن ناحية أخرى فإن المشرع لو كان قد أراد أن يدخل الواقعة التي توجب الجزاء التأديبي في نطاق النص الذكر ذلك صراحة كما فعل بعض التشريعات، والواقع أن إغفال هذا النص لا يعتبر نقصاً في التشريع المصري، ولا يضيق من نطاق القذف، إذ أن المشرع اعتبر الواقعة قذفاً - ليس في حالة ما إذا كانت توجب العقاب فحسب - وإنما في حالة ما إذا كانت توجب احتقار من تسند إليه، وعلى ذلك فإنه إذا كانت الواقعة مخالفة تأديبية مشينة فإن إسنادها يعتبر قذفاً وفقاً للحالة الثانية، دون حاجة إلى إرهاق النص بإدخال العقوبة التأديبية في معنى العقوبة بوجه عام.

وهذا الرأي هو الذي تميل إليه محكمة النقض المصرية، إذ قضت بأن « الأصل في القذف الذي يستوجب العقاب قانونا هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية .. الخ » .

نقض 8 أكتوبر سنة 1972 مجموعة أحكام محكمة النقض س 23 رقم 221 ص 995 .

الحالة الثانية : إذا كانت الواقعة توجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه :

لم يقتصر المشرع في اعتبار الجريمة قذفا على حالة ما إذا كانت الواقعة المسندة توجب عقاب من أسندت إليه، وإنما أضاف إلى ذلك حالة ما إذا كانت الواقعة المسندة توجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه، وهی تكون كذلك إذا هبطت بقدر المجني عليه وكرامته في نظر الناس، والوقائع التي يترتب عليها هذا الأثر لا تقع تحت حصر.

فقد تكون الواقعة منافية للقيم الأخلاقية أو التعاليم الدينية أو التقاليد الاجتماعية، من أمثلة ذلك أن ينسب الجاني إلى المجنى عليه أنه على علاقة بزوجة صديقه، أو أنه يشرب الخمر أو يلعب الميسر أو يغش في الميزان، أو أنه يبتز أموال أبيه أو ينسب إلى المجنى عليهما أن كليهما كان يعاشر الآخر معاشرة غير مشروعة قبل الزواج  أو أن ينسب إلى طبيب أنه رفض إجراء جراحة عاجلة حتى يحصل على كامل أتعابه، أو ينسب إلى زعيم ديني أنه يدين سراً بدين آخر غير الذي يجهر به، أو إلى شخص أنه مريض بمرض مشين كالزهری.

ثالثاً : المسند إليه الواقعة أو المقذوف

يجب أن يكون المجني عليه في جريمة القذف معيناً، ولكن ليس من اللازم أن يكون محدداً بإسمه، فاشتراط ذلك يؤدي إلى التضييق من نطاق القذف إلى الحد الذي يخل بالهدف من التجريم، وإنما يكفي أن يكون معيناً تعييناً نسبياً بحيث تتضمن عبارات القذف ما يفهم منه - ولو لدى فئة قليلة من الناس - من هو الشخص المقصود بها.

وتعيين المقذوف في حقه يعتبر أمراً موضوعياً تفصل فيه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، في ضوء عبارات القذف وظروفه والملابسات التي اكتنفته.

وإذا كان الغالب في المقذوف أن يكون شخصاً طبيعياً، فإنه قد يكون أحياناً شخصياً معنوياً، كالشركات التجارية، ويجب عندئذ أن يكون هذا الشخص معيناً تعييناً كافياً وفي هذه الحالة يقع الاعتداء على اعتبار هذا الشخص فيستطيع ممثله أن يرفع الدعوى المباشرة عنه للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي نال الشخص المعنوي من جريمة القذف وإذا نال القذف الموجه إلى الشخص المعنوي بعض القائمين على إدارته، كان كل من هؤلاء مجنياً عليه في جريمة القذف.

علانية الإسناد

تحديد المقصود بالعلانية .

رأى المشرع أن خطورة القذف تتمثل أساساً في إعلان عبارات القذف، إذ يتيح ذلك أن يحيط علم كثير من الناس بالواقعة الشائنة المنسوبة إلى المجنى عليه، ولذلك اعتبر العلانية ركنا من أركان هذه الجريمة في صورتها العادية، وقد حرص المشرع على ذكر وسائل معينة لهذه العلانية فأحال في المادة 302 التي تعرف القذف على المادة 171 من قانون العقوبات التي وردت في شأن الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها، والتي تنص على أن : « يعتبر القول أو الصياح علنيا إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق، أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي، او بأى طريقة أخرى.

ويكون الفعل أو الإيذاء علنياً إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو في أي مكان آخر مطروق، أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان.

وتعتبر الكتابة والرسوم والصور، والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس، أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق، أو بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان .

ويتضح من هذا النص أمران :

الأول : أن المقصود بالعلانية هو إذاعة التعبير عن المعنى الذي يتضمن القذف بحيث يعلم به جمهور من الناس مكون من أفراد غیر معينين قد يتصادف وجودهم في مكان الإعلان، ولا تربطهم بالجاني أو بالمجني عليه صلات مباشرة.

الثاني : أن وسائل العلانية التي حددتها المادة 171 وردت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، ويعني ذلك أن التعبير عن القذف يعتبر قذفاً ولو وقع في حالات غير تلك التي وردت في النص إذا تحققت فيها فكرة العلانية .

الركن المعنوي

القصد الجنائي :

جريمة القذف جريمة عمدية، يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، فلا يكفي لقيامها تسبب المتهم بإهماله في إذاعة الواقعة المسندة، والقصد الجنائي المتطلب لقيام جريمة القذف قصد عام يتحقق - على حد تعبير محكمة النقض - متى نشر القاذف، أو أذاع الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره عند الناس والقصد الجنائي العام يقوم على عنصري العلم والإرادة.

العلم :

يجب أن ينصرف علم الجاني إلى أن الواقعة التي يسندها إلى المجني عليه توجب عقابه أو احتقاره عند أهل وطنه وهذا العلم يكون مفترضا إذا كانت الواقعة المسندة شائنة بذاتها وهو افتراض قابل لإثبات العكس، إذ يستطيع المتهم أن يثبت عدم علمه بأن عبارات القذف شائنة  إذا كان لها في بيئة معنى غير شائن، وكان يجهل دلالتها الشائنة في بيئة المجني كذلك يجب أن يمتد علم الجاني إلى علانية عبارات القذف، فإذا كان يعتقد عدم توافر العلانية انتفى لديه القصد، وعلى ذاك لا يتوافر القصد الجنائي إذا كان المتهم يجهل وجود جهاز إرسال لاسلكي بجواره تنتقل عبره عبارات القذف إلى أي شخص يستقبل هذه الإذاعة؛ أو إذا كان المتهم قد أعطى صديقا له الورقة التي تضمنت عبارات القذف، ليطلع عليها وحده فأطلع الصديق عليها عدداً من الناس دون تمييز.

الإرادة :

يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إسناد الواقعة، وإلى إذاعتها.

فيجب أن تتجه الإرادة إلى ارتكاب الفعل المادي المكون لجريمة القذف وهو إسناد الواقعة الشائنة إلى المجني عليه، فإذا كان مكرها على ذكر عبارات القذف انتفى لديه القصد.

كذلك يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إذاعة الواقعة المسندة، فلا يكفي لقيام القصد الجنائي أن يجهر به الجاني في مكان عام وإنما يجب أن يكون ذلك بقصد الإذاعة ؛ فلا تقوم جريمة القذف إذا أثبت المتهم أن الإذاعة حصلت عرضاً - دون أن تتجه إليها إرادته - بسبب محادثة خاصة بصوت مسموع كذلك لا يكفى لقيام القصد توزيع المكتوب الذي يحمل عبارات القذف، وإنما يجب أن يقترن ذلك بقصد الاذاعة .

ويعتبر استخلاص القصد مسألة موضوعية تختص بها محكمة الموضوع دون معقب عليها مادام موجب الوقائع والظروف لا يتنافر عقلا مع الاستنتاج

قرر المشرع للقذف عقوبة الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه . (م 1/ 303 من قانون العقوبات)  ويعتبر القذف على هذا النحو جنحة، والقاعدة أنه لا عقاب على الشروع في الجنح إلا بنص خاص، وليس في القانون نص يعاقب على الشروع في القذف.

شروط الإباحة

ينبغي لإباحة القذف في هذه الحالة تحقق شروط أربعة : الأول : أن يكون القذف مسنداً إلى موظف عام أو من في حكمه . الثاني : أن تكون - الوقائع المسندة متعلقة بأعمال الوظيفة . الثالث : أن يكون القاذف حسن النية. الرابع : أن يثبت القاذف صحة وقائع القذف.

أن يسند القذف إلى موظف عام أومن في حكمه :

يشترط أن يكون القذف موجها إلى موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة . وقد تقدم القول بأن الموظف العام هو الشخص الذي يقوم بصفة قانونية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر ويقصد بذوي الصفة النيابية العامة أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء كانوا منتخبين أو معينين، أما المكلف بخدمة عامة فهو من تكلفة الدولة أو أي شخص معنوي عام القيام لحسابها بعمل عارض من الأعمال العامة.

فإذا تخلف هذا الشرط فإن القذف لا يكون مباحاً.

أن تكون الوقائع المسندة متعلقة بأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة : 

لا يباح القذف إلا إذا كانت الوقائع التي يسندها المتهم إلى الموظف العام أو ذي الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة متعلقة بأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، سواء كانت مما يلزم القانون الموظف ومن في حكمه بالقيام به أو كانت مما يدخل في نطاق سلطته التقديرية، كأن ينسب إلى الموظف أنه قد ارتشي لكي يختار أحد المتقدمين للتعيين في إحدى الوظائف التي يختص بالتعيين فيها.

ويترتب على هذا الشرط أنه يخرج من نطاق الإباحة القذف المتعلق بحياة الموظف الخاصة، كأن ينسب إليه الجاني أنه على علاقة غير مشروعة بجارته . مع ملاحظة أنه إذا كانت الواقعة - مع تعلقها بحياته الخاصة - ذات صلة وثيقة بأعمال الوظيفة، فإن القذف يكون مباحاً اعتداداً بالجانب المتعلق بحياة الموظف الوظيفية، باعتبار أن إباحة القذف المتعلق بها يحقق مصلحة عامة تربو من حيث الأهمية على حق الموظف في شرفه واعتباره من ذلك أن ينسب إلى الموظف أنه يتغاضى عن مخالفة إحدى مرؤوساته لمواعيد العمل لأنه على علاقة غير مشروعة بها والتحقق من توثق الصلة بين الواقعة المتعلقة بحياة الموظف الخاصة وأعماله الوظيفية أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع تحت، رقابة محكمة النقض.

حسن النية :

يشترط لإباحة القذف أن يكون القاذف حسن النية . وحسن النية معنى لا تختلف مقوماته باختلاف الجرائم، ويقصد به اعتقاد المتهم صحة الواقعة التي ينسبها لغيره اعتقاداً مبنياً عن أسباب معقولة، واستهدافه بالفعل تحقيق مصلحة عامة لا مجرد التشهير بالمقذوف ويعني ذلك أن حسن النية - وفقاً للمعنى العام - يشتمل على عنصرين : الأول : إعتقاد المتهم صحة الواقعة التي ينسبها إلى المقذوف إعتقاداً مبنياً على أسباب معقولة، والثاني : أن يستهدف بإسناد الواقعة إلى المقذوف تحقيق المصلحة العامة. ولكن، لما كان المشرع يتطلب الإباحة جريمة القذف أن يثبت المتهم حقيقة الفعل المسند إلى المقذوف، فإن ذلك يجعل تهاب اعتقاد المتهم صحة الواقعة تزيداً، ذلك أن إثبات صحة الواقعة المسندة يتضمن اعتقاد المتهم بصحتها، كما أن العجز عن إثباتها ينفي الإباحة ولا يغني عنه الاعتقاد بصحة الواقعة وعلى ذلك فإنه يكفي لتوافر حسن النية - في إباحة القذف في هذه الحالة - أن يثبت أن المتهم قد استهدف بالفعل تحقيق مصلحة عامة لا مصلحة شخصية فإذا لم يتحقق هذا الشرط انتفت الإباحة ولو كان الجاني يستطيع أن يثبت صحة الواقعة.

واستخلاص توافر حسن النية من ظروف الدعوى مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع، أما تحديدها المدلول حسن النية فيعتبر مسألة قانونية تخضع فيها لرقابة محكمة النقض ويعتبر دفع المتهم بحسن النية دفعاً جوهرياً ينبغي على المحكمة أن تحققه وترد عليه قبولاً أو رفضاً مؤيداً بالدليل وإلا كان الحكم قاصراً.

 إثبات صحة الوقائع المسندة إلى الموظف :

يتطلب المشرع - فضلاً عن الشروط السابقة - أن يثبت القاذف حقيقة كل فعل أسنده إلى المقذوف (م 2 / 302). ويعتبر ذلك استثناء من القاعدة العامة المقررة في القذف والتي تقضي بأن الجريمة تقع ولو كانت الواقعة المسندة صحيحة، فلا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به (م 3 / 302). 

وترجع علة اشتراط إثبات صحة الواقعة المسندة إلى أن هذا الإثبات هو الذي تتحقق به المصلحة العامة في الكشف عن أخطاء الموظفين ومن في حكمهم وتدارك آثار هذه الأخطاء.

ويجوز إثبات صحة الواقعة المسندة إلى الموظف بجميع طرق الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود وقرائن الأحوال وإذا تعددت الوقائع المسندة إلى الموظف وجب على المتهم أن يقيم الدليل على صحة كل منها، فإذا أثبت صحة بعضها وعجز عن إثبات صحة البعض الآخر فإنه لا يستفيد من الإباحة.

وإذا كان المشرع يفرض على المتهم أن يقدم للمحكمة الدليل على صحة الواقعة المنسوبة إلى الموظف، فإن مقتضى ذلك ألا يستفيد من الإباحة « إذا أقدم على القذف ويده خالية من الدليل معتمداً على أن يظهر له التحقيق دليلاً »، ولذلك لا يكون له أن ينعي على المحكمة أنها قصرت في تحقيق الدعوى واستخلاص أدلتها أو أن يطلب منه أن تتولى عنه هذا الإثبات.

وإذا عجز المتهم عن أن يقيم الدليل على صية الواقعة فإن هذا يكفي التخلف سبب الإباحة دون بحث في حسن النية، إذ لا يسار إلى بحث حسن نية المتهم إلا إذا ثبتت صحة الواقعة المنسوبة إلى الموظف وعندئذ تجب إدانة المتهم عن قذف مشدد وفقاً لنص المادة 2/ 303 من قانون العقوبات.

أثر حسن النية إذا لم تثبت صحة الواقعة :

لا يثور أي جدل حول انتفاء الإباحة إذا عجز المتهم عن إثبات صحة الواقعة التي أسندها إلى الموظف العام أو من في حكمه، ولو ثبت حسن نيته، ذلك أن المشرع يتطلب لتوافر الإباحة تحقق الشراطين معاً بالإضافة إلى الشروط الأخرى.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  569)

ويشترط لصحة استعمال هذا الحق ما يأتي:

1- أن يكون القذف مسندا إلى موظف عام أو من في حكمه.

2- أن تكون الواقعة المسندة إليه متعلقة بأعمال الوظيفة .

3- أن يكون الإسناد بحسن نية.

4- أن يثبت القاذف حقيقة كل أمر أسنده للموظف.

1- الموظف العام ومن في حكمه :

يراد بالموظف العام في صدد جريمة القذف:

- الموظف العام بمعناه الدقيق، وليس بمعناه في المادة 111 من قانون العقوبات بشأن جريمة الرشوة والمادة 119 مكرراً بشأن جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر.

- الشخص ذو الصفة النيابية العامة، ومن هذا القبيل أعضاء المجالس البرلمانية ومجالس المحافظات ومجالس المدن والقرى.

- المكلف بخدمة عامة، وقد سبق أن بيناً مدلوله عند التحدث عن جريمة الرشوة، فيرجع إليه.

أما عدا ذلك من الطوائف فلا يباح القذف في حقهم، كالمستخدمين في مصالح خاضعة لرقابة الحكومة. إلا إذا كانوا مكلفين بخدمة عامة، أو المحامين أو الأطباء أو غيرهم من آحاد الناس لا يباح القذف ضدهم ولو كان المتهم حسن النية واستطاع إثبات وقائع القذف. وإذا كانت الواقعة محل القذف الموجه ضد موظف عام قد أسهم فيها فرد من آحاد الناس فلا يباح ذكر اسمه ولا تحديده .

ولا يشترط أن يقع القذف في أثناء ثبوت هذه الصفة للمجني عليه، بل يحق الطعن في أعماله ولو بعد زوال هذه الصفة، مادام قد حصر الطعن على أعمال الوظيفة التي باشرها الموظف أو من في حكمه إبان تقلده إياها، وذلك بحسب أن الطعن المباح هو ما انصرف إلى أعمال الوظيفة لا إلى شخص الموظف.

2. أعمال الوظيفة العامة :

يشترط أن ينحصر الطعن في أعمال الوظيفة العامة التي يتقلدها الموظف العام أو من في حكمه، فلا يجوز للجاني أن يمد طعنه إلى الأعمال التي تمس حياته الخاصة إلا إذا تعلقت بطريق غير مباشر بأعمال وظيفته. مثال ذلك أن يسند الجاني إلى الموظف أنه سهر ليلة في أحد الملاهي على نفقة أحد أرباب المصالح الذي يترددون على مكتبه، أو أنه يرتكب أفعالا شائنة في مكتبه بالمصلحة. كما لا يشترط أن تكون الأعمال المشوبة بالقذف داخلة في اختصاصه، كمن ينسب للموظف أنه يقبل الرشوة مقابل تعيين العمال، ثم يتضح أن هذا التعيين لا يدخل في اختصاصه. وبوجه عام فإن الإباحة قاصرة على ما يتعلق بالمجني عليه، بحسبه موظفاً لا بوصفه مجرد فرد من آحاد الناس. فلا تتحقق الإباحة إذا امتد الطعن إلى ما يدخل في حياة الموظف الخاصة، كما يقتصر نطاق الإباحة على أعمال الوظيفة العامة وحدها دون الواجبات التي يجب أن يتحلى بها الموظف في حياته الخاصة، ما لم تكن طبيعة الوظيفة العامة تفرض عليه واجبات عامة تتصل بسلوكه الشخصي، ففي هذه الحالة تتداخل أعمال الوظيفة العامة مع الحياة الخاصة للموظف بالقدر الذي يؤثر في واجبات هذه الوظيفة. هذا وقد نصت المادة 21 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة على أنه لا يجوز للصحفي أو غيره أن يتعرض للحياة الخاصة للمواطنين، كما لا يجوز له أن يتناول مسلك المشتغلين بالعمل العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة إلا إذا كان التناول وثيق الصلة بأعمالهم ومستهدفاً المصلحة العامة.

3. حسن النية

يتحدد مدلول حسن النية وفقاً لمعنيين متلازمين :

الأول: الاعتقاد بصحة الواقعة المسندة إلى المجني عليه .

الثاني: حسن الباعث وابتغاء وجه المصلحة العامة.

على أنه يلاحظ أنه إذا لم يكن الجاني يعتقد بصحة الواقعة فإنه لابد أن يكون الهدف من قذفه الإضرار بالموظف، مما مؤداه أن الاعتقاد بصحة الواقعة ليس إلا مفترضا للرغبة في تحقيق المصلحة العامة. ويجب أن يقصد الجاني بالطعن في أعمال الموظف العام أداء خدمة عامة لا مجرد الانتقام أو التشهير أو التجريح أو غير ذلك من صور الإضرار. ولا يكفي مجرد الاعتقاد بصحة الواقعة دليلاً على انتفاء نية الإضرار، فقد يعتقد الجاني صحة الواقعة وينجح في إثباتها ولكنه يسندها للموظف مجرد الإضرار به، كأن يرسل خطابات إلى عدد كبير من أسرة خطيبته ينسب فيها

إلى الموظف أنه اختلس بعض أموال الدولة بقصد حملهم على فسخ خطبته.

وتحديد مدى توافر حسن النية مسألة موضوعية يفصل فيها قاضي الموضوع. وسوف نبين أن القانون قد اشترط تقديم الأدلة على صحة الواقعة في أمر معين، التأكيد حسن نية المتهم.

والواقع من الأمر أنه لما كان الطعن في أعمال الموظف العام هو حق خوله القانون للأفراد، فإنه يتعين قصر استعماله على تحقيق الهدف الذي أراده القانون بهذا الحق، وهو المصلحة العامة .

4- إثبات صحة الوقائع المسندة إلى الموظف العام :

لا يكفي مجرد الاعتقاد بصحة الوقائع المنسوبة إلى الموظف، بل لتوافر الإباحة يتعين إثبات صحة الوقائع المسندة إلى الموظف العام حتى لا يصدر منه القذف إلا بعد التثبت والتحري.

وهنا يخرج المشرع عن القاعدة العامة في القذف، حيث تقع هذه الجريمة رغم صحة الواقعة التي تضمنها القذف .

وللمتهم أن يثبت الواقعة بجميع أدلة الإثبات دون التقيد بدليل معين ولا بمدة معينة. وكان القانون يوجب على المتهم وحده أن يتولى بنفسه تقديم الأدلة إلى المحكمة، ولكن رأي المشرع - في سبيل معرفة الحقيقة - تحويل سلطة التحقيق أو المحكمة - على حسب الأحوال - أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من أوراق أو مستندات معززة لما يقدمه المتهم من أدلة لإثبات حقيقة تلك الأفعال المادة 123/ 3 إجراءات، فلابد من أن يكون لدى المتهم من الدليل ما يثبت به صحة وقائع القذف لا أن تكون يده خالية من الدليل معتمداً على أن تظهر له المحكمة دليلاً، لأن دور المحكمة هو تعزيز ما يقدمه القاذف في هذا الشأن وليس أن تتولى بنفسها نيابة عنه تقديم كل الأدلة.

وطبقاً للقواعد العامة فإن من حق المتهم أن يتقدم إلى المحكمة بطلب ضم أوراق أو سماع شهود، وعندئذ يتعين على المحكمة إجابته إلى طلبه تحقيقا لدفاعه، وإلا كان حكمها مشوباً بالإخلال بحق الدفاع. وللمتهم أن يقدم للمحكمة أدلة إضافية.

حكم الغلط في الإباحة في جريمة القذف

من المقرر أن الغلط في الإباحة يتحقق متى اعتقد الجاني بتوافر الشروط التي يقوم عليها سبب الإباحة، رغم عدم توافرها في حقيقة الواقع. ومن شأن هذا الغلط انتفاء القصد الجنائي".. فهل ينتفي القصد الجنائي إذا اعتقد المتهم خطأ بصحة الواقعة المسندة إلى الموظف؟

هذا الاعتقاد الخاطئ ليس إلا غلطاً في إحدى الوقائع التي يقوم عليها سبب الإباحة، ويترتب على ذلك انتفاء القصد الجنائي لدى المتهم متى ثبت توافرت الشروط الأخرى لسبب الإباحة المذكور وهذا المبدأ يترجم القواعد العامة وقد أقرته محكمة النقض حين قالت إن حسن النية المؤثرة في المسئولية الجنائية المنصوص عليها في المادة 63 عقوبات هو من كليات القانون. ولا تختلف مقوماته باختلاف الجرائم، وبالتالي يحل الاعتقاد بصحة الواقعة مقام الواقع. ولكن، هل خرج المشرع عن القواعد العامة في صدد الطعن في أعمال الموظف العام أو من في حكمه؟

ذهب رأي إلى أن حسن النية في هذه الجريمة لا يقوم به الغلط في الإباحة، لأنه لا يتصور الغلط في الشرط الأخير للإباحة وهو إثبات صحة الواقعة. ذلك أنه لا يكفي مجرد القول بصحة الواقعة لتوافر الإباحة، بل يتعين إقامة الدليل على هذه الصحة، فالإباحة ليست متوقفة على صحة الواقعة المنسوبة إلى الموظف، وإنما تعتمد على إثبات صحتها.

وواقع الأمر، أن اشتراط إثبات المتهم لصحة الواقعة لا يغني أبدا عن شرط اعتقاده صحتها، لأن هذا الاعتقاد ليس إلا أمراً يفترضه حسن النية، بمعنى ابتغاء وجه المصلحة العامة. فالشرطان متلازمان لا يغني أحدهما عن الآخر، فإذا كان القاذف سيئ النية لا يقبل منه إثبات صحة وقائع القذف. كما أن المشرع كان قد أضاف بالقانون رقم 93 لسنة 1995 عبارة ولا يغني عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل"، ثم جاء القانون رقم 147 لسنة 2006 فألغى هذه العبارة. وقد قضت محكمة النقض أن القانون أباح الطعن في أعمال الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوي الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة متى توافرت ثلاثة شروط مجتمعة، أولها حسن النية مع الاعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها، وثانيها ألا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وثالثها أن يثبت الطاعن حقيقة كل أمر أسنده إلى المطعون ضده. ومؤدى هذا القضاء أن شرط الاعتقاد بصحة المطاعن لا يغني عن شرط إثبات الطاعن حقيقتها. كما قضت محكمة النقض أن القصد الجنائي في جريمة القذف لا ينفيه سلامة نية القاذف واعتقاده صحة الواقعة التي أسندها إلى المقذوف في حقه بعد أن عجز عن إثبات صحة الواقعة المسندة إلى المطعون ضده. كما أن إثبات صحة الواقعة لم يعد متروكا للمتهم وحده، بل أصبح للمحكمة دور إيجابي في تحقيقه.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني،  الصفحة: 361)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 95 ، 96 ، 271 ، 272      

(مادة 145)

القذف المعاقب عليه حداً هو الرمي بالزنا أو بنفي النسب، بتعبير صريح قولاً أو كتابة. 

(مادة 146)

يشترط في القاذف أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً، وألا يكون أصلاً للمقذوف من جهة الأب أو الأم. 

(مادة 147) 
يشترط في المقذوف أن يكون بالغاً عاقلاً معيناً محصناً، ويقصد بالإحصان العفة وهي البعد عن الزنا ظاهراً. 

(مادة 155) 

لا يتداخل حد القذف فيما سواه من الحدود.

وإذا تعددت جرائم القذف قبل تمام تنفيذ الحد في أي منها - فلا ينفذ على القاذف إلا في حد واحد.

ولا تسقط عقوبة الحد بعد القضاء بها بمضي أية مدة. 

(مادة 156)

إذا لم يتوافر أي من الشروط المنصوص عليها في المادتين (147) و (150)، أو زال إحصان المقذوف - يعزر الجاني بجلده من عشر جلدات إلى خمسين جلدة. 

(مادة 554) 

يعد قاذفاً كل من أسند إلى غيره بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة (547) من هذا القانون واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو الإزدراء ، ولو كانت الواقعة المسندة صادقة ، ويعاقب بالحبس ، وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين . 

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهرين إذا توافر أحد الظروف الآتية : 

1- إذا وقع القذف في حق موظف عام ، أو شخص ذي صفة نيابية عامة ، أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية الوظيفة ، أو النيابة ، أو الخدمة . 

2- إذا كان القذف ماساً بالعرض ، أو خادشاً بسمعة أو شرف الأسر ، أو تضمن تحريضاً على الفسق أو الفجور . 

3- إذا كان ملحوظاً في القذف تحقيق غرض غير مشروع . 

ويعد من قبيل القذف ذكر أخبار ، أو تعليقات ، أو نشر صور تتصل بأسرار الحياة الخاصة للأسر أو الأفراد ، ولو كانت صحيحة إذا كان من شأن ذلك الإساءة إليهم . 

وإذا وقع القذف بالنشر في إحدى الصحف أو المطبوعات - تضاعف عقوبة الجريمة على حسب الأحوال . 

(مادة 556)

 يعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال ، كل من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ، أو مطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات ، أو رسوماً ، أو صوراً ، أو علامات تنطوي على قذف أو سب متى كان عالماً بذلك . 

(مادة 557)

 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه إذا وقع القذف أو السب بغیر إستفزاز في مواجهة المجني عليه ، وبحضور غيره . 

وتكون العقوبة الغرامة السابقة وحدها ، إذا وقعت الجريمة بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه ودون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف . 

وتضاعف العقوبات السابقة إذا توافر أحد الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من هذا القانون. 

الجرائم الماسة بالإعتبار والآداب العامة وإستراق السمع وإفشاء الأسرار 

المواد من (554) - (566) : 

تقابل هذه المواد بصفة عامة المواد (181)، (182)، ومن (302) - (310) من القانون الحالي معدلة بالقوانين (617) لسنة 1953، (97) لسنة 1955، (112) لسنة 1957، (37) لسنة 1972، وقد نقل المشروع أحكام المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وكانتا واردتين في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني ضمن مواد الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها ، وذلك لأن أحكام هاتين المادتين من صور جرائم هذا الفصل الذي يشمل في معظم الجرائم الماسة بالإعتبار وغيرها ، وقد استهدف المشروع من ذلك تبسيط الأحكام المتماثلة أو المتشابهة وتجميعها في مكان واحد ، هذا ومن أهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (554) من المشروع بينت الوقائع التي تشكل جريمة القذف ، وبينت الظروف المشددة التي يترتب على توافرها تغليظ العقوبة ، ثم بينت كذلك ما يعد من قبيل القذف ، وأفصحت أن ذكر أخبار أو تعليقات أو نشر صور تتصل بأسرار الحياة الخاصة للأسر والأفراد - تعد كذلك ، ولو كانت صحيحة ، ما دام من شأن هذا النشر الإساءة إليهم . 

2- المادة (555) من المشروع نهجت ذات نهج المادة السابقة عليها في تبيان ما يشكل الجريمة ، والظروف المشددة لها . 

3- المادة (556) من المشروع ذات حکم مستحدث؛ إذ تعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ومطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات أو رسماً أو صوراً أو علامات تنطوي على قذف أو سب ، والجريمة عمدية تتطلب علم الجاني بما تتضمنه هذه الوسائل .

 4- المادة (557) من المشروع تعرض لصورة القذف أو السب بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه أو بحضور غيره ، وجعلت عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، فإن وقع ما تقدم في مواجهة المجني عليه دون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف والتليفون - عد ذلك ظرفاً مخففاً ، فتقتصر العقوبة على الغرامة فقط ، فإن توافر ظرف من الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من المشروع - تضاعف العقوبات السابقة. 

5- المادة (558) من المشروع ، أفرد المشروع هذه المادة كسبب لإباحة القذف في حق الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة ، أو المكلف بخدمة عامة متى أثبت الفاعل صحة الواقعة المسندة وإرتباطها بأعمال الوظيفة والنيابة ، أو الخدمة العامة وتعلقها بها ، وقد وسع النص الوارد في المشروع فشمل بالإباحة السب إذا وجه إلى أحد من تقدم ذکر هم متى كان مرتبطاً بواقعة القذف ، واستبعد المشروع شرط حسن نية الجاني كموجب من موجبات التمتع بالإباحة ، ذلك بأن العبرة في الإباحة هي ثبوت الواقعة لتعلقها بالصالح العام ، فمناط الإباحة إذن هو ثبوت الواقعة المتعلقة بالصفة العامة ؛ حتى يسلك القائمون بالوظائف العامة أو ما شابهها مما ورد به النص النهج القديم الذي يخدم الصالح العام ، فإن جنحوا عن ذلك ، حق عليهم ما تقدم دون تثريب على الجاني. 

وكذلك أباح نص المشروع في فقرته الثانية القذف أو السب ، إذ تضمنه دفاع الخصوم شفاهة أو كتابة أمام جهات الإستدلال أو التحقيق والحكم ، وبهذا النص قضى المشروع على الخلاف حول ما إذا كانت الإباحة تشمل ما يسبق المحاكمة أم لا ، إذ إن النص القائم يجعل الإباحة مقصورة على القذف والسب أمام المحاكم ، ونص المشروع بما فيه من توسعة الإباحة وفق ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في هذا الصدد. 

والفقرة الثالثة من المادة تبيح أيضاً القذف أو السب في إبلاغ يقدم إلى السلطات القضائية أو الإدارية ، متى تم بحسن نية بأمر يستوجب عقوبة المبلغ ضده ، والهدف هو کشف الجرائم وإماطة اللثام عنها ؛ لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة . 

كذلك فإن الفقرة الرابعة من المادة تجعل الفعل لا جريمة فيه متى كان قصد فاعله نقداً لوقائع تاريخية ، أو نقداً لعمل أدبي أو فني ، والمهم من حكم الفقرة الأخيرة هو إباحة النقد علمياً كان أم فنياً أم لوقائع تاريخية . 

والفقرة الأخيرة من المادة تبيح تردد ما حدث في إجتماع عقد على نحو قانوني ، أو سرد ما دار أمام المحاكم طالما لم تحظر النشر ، وحسنت نية الفاعل وقصد الصالح العام . 

6- المادة (559) من المشروع استحدث حكمها لتبادل بالعقاب بعقوبة الجنحة من ينشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المشروع أخباراً ، أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ، ولو كانت صحيحة ، متى كان من شأن نشرها الإساءة إليهم ، واستهدف المشروع من ذلك حماية سمعة الأسر والأفراد . 

7- المادة (560) من المشروع تقابل المادة (309) مكرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (37) لسنة 1972، مع إستبدال لفظ «الأفراد» بلفظ «المواطن» الذي تضمنه النص القائم ، وقصد بهذا الإستبدال أن تتسع الحماية للأفراد كافة ، مواطنين أم أجانب ، حال أن لفظ المواطن يقصر الحماية على كل من يتمتع بالجنسية المصرية ، النص يشمل بالحماية الحياة الخاصة بالأفراد فيحظر الإعتداء على ما لها من حرمة ، وذلك بياناً لما يعد اعتداء على هذه الحرمة ، والفرض أنه ما دامت الحياة الخاصة للفرد لم تخرج عن النطاق الخاص ، فإن مفاد ذلك عدم رضائه بها بعد إنتهاكاً لها ، فإن جاوز الأمر النطاق الخاص - أي دائرة العمومية - افترض رضاء صاحب الحق في الحرمة ، لأنه بمسلكه هذا في مجال عام يفترض أنه تحلل بإرادته من هذه الحماية ، والأفعال المؤثمة في المشروع هي إستراق السمع أو تسجيل أو نقل محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف بواسطة أي جهاز مهما كان نوعه ، وكذلك إلتقاط صور ونقلها بأي جهاز متى كان التصوير أو النقل الصورة لشخص في مكان يتسم بصفة الخصوصية . 

وقد غلظ نص المادة العقوبة إذا وقعت الجريمة من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ، فرفع حدها الأقصى ليصل إلى ثلاث سنوات حبس . 

8- المادة (561) من المشروع مرتبطة بالمادة السابقة ، وتعاقب من أذاع أو سهل إذاعة أو إستعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة، أو كان الحصول عليه بغير رضاء صاحب الشأن . 

والفقرتان الثانية والثالثة من المادة تبين أن الظروف المشددة التي ترفع عقوبة الجريمة من الجنحة إلى عقوبة الجناية ، وذلك إذا حصل تهدید بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق سالفة الذكر بقصد حمل شخص على القيام بعمل أو الإمتناع عنه. 

وكذلك إذا كان الجاني موظفاً عاماً ومكلفاً بخدمة عامة متى إرتكب الأفعال المبينة في المادة إعتماداً على سلطة الوظيفة أو الخدمة العامة . 

9- المادة (562) من المشروع تقابل بصفة عامة المادة (310) من القانون القائم مع إضافة فقرة مستحدثة إليها ، وضبط صياغتها ليتسع حكمها فيشمل كل من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو علمه أو فنه - مستودع سر فأفشى هذا السر الذي اؤتمن عليه بحكم صفته تلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، أو إستعمله لمنفعته الخاصة أو منفعة شخص آخر ، طالما لم يأذن صاحب الشأن بإفشاء السر أو إستعماله. 

فإن كان من أفشى السر موظفاً عاماً ، أو مكلفاً بخدمة عامة ، أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة ، واستودع السر لديه أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة ، أو الخدمة العامة ، أو النيابة العامة ، أو بمناسبتها - كانت عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات ، وهذا النص في عمومه لا يمنع بداهة من تطبيق أي نص آخر ينص على عقوبة أشد ، وعلى سبيل المثال فإن إفشاء الإمتحانات ممن اؤتمن على سرها يدخل تحت طائلة التأثيم بهذه الفقرة ، وإفشاء أسرار الدفاع أو الحصول على رشوة مقابل إفشاء السر - يعاقب عليه كذلك بالنصوص الخاصة في هذا المنحى . 

10 - المادة (563) من المشروع تجرم كل من يفض رسالة بريدية أو برقية بغير رضاء من أرسلت إليه ، وتكون العقوبة مغلظة لمن يفشي الرسالة أو البرقية للغير دون إذن من وجهت إليه ، متى كان من شأن ذلك إلحاق ضرر بالغير ، وهذا النص لا يمنع أيضاً من تطبيق أي نص خاص ، مثل نص المادة (201) من المشروع الوارد في الفصل الثالث ، وهي تحظر على الموظف العام إفشاء الرسائل والبرقيات للغير ، أو تسهيل ذلك له . 

11 - المادة (564) من المشروع تجمع بين نصي المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وهي تجرم العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية ، أو ممثل لها معتمد في مصر بسبب تأدية وظيفة هذا الأخير أو بمناسبتها ، متى تم العيب في الحالتين بإحدى طرق العلانية المبينة في المادة (547) من المشروع ، وقد رئي أن الموضع المناسب لهاتين الجريمتين هو بين أحكام هذا الباب . 

12 - المادة (566) من المشروع تتضمن أحكام المواد (306) مکرراً (أ) مضافة بالقانون رقم (67) لسنة 1953، (394) (378)/ (أ) معدلتين بالقرار بالقانون رقم 169 لسنة 1981 من القانون القائم ، وقد شدد المشروع العقوبة في الحالة الأولى فرفع العقوبة لهما إلى عقوبة الجنحة . 

مادة (145): القذف المعاقب عليه حذا هو الرمي بالزنا، أو بنفي النسب بتعبير صريح قولاً أو كتابة. 

الإيضاح 

القذف في اللغة هو الرمي بالحجارة: يقال: قذف بالحجارة قذفاً. أي: رمى بها. 

المصباح (2)/ (761)، لسان العرب (11)/ (174)، القاموس المحيط (3)/ (183)). 

وشرعاً، اختلفت الفقهاء في تعريف القذف، ونورد في إيجاز القول السائد في كل مذهب: 

1- فعرفه الحنفية بأنه الرمي بالزني (فتح القدير (4)/ (190)، والمختار (3)/ (181)). 

2- وعرفه المالكية بأنه نسبة آدمي غيره لزنى أو قطع نسب مسلم (الشرح الكبير (4)/ (324)، (325)، والدسوقي (4)/ (299))، وقيل: هو نسبة آدمي مكلف غيره حراً عفيفاً مسلماً، أو صغيرة تطيق الوطء. لزناً، أو قطع نسب مسلم. 

3- وعرفه الشافعية بأنه الرمي بالزنا في معرض التعبير (قليوبي (4) / (184)، مغني المحتاج (4)/ (155)). وقيل: هو قذف العاقل البالغ المختار محصناً ليس يولد له بوطء يوجب الحد. (المهذب (2)/ (272)). 

4- وعرفه الحنابلة بأنه رمي بزنا أو لواط، أو شهادة بأحدهما عليه ولم تكتمل البينة. (كشاف القناع (4)/ (62)، منتهى الإرادات (4)/ (90)). 

5- وعرفه الظاهرية بأنه الرمي بالزنا بين الرجال والنساء (المحلى (11)/ (262)). 

6- وعرفه الشيعة الإمامية بأنه الرمي بالزنا واللواط (المختصر النافع (2)/ (220)، شرائع الإسلام (2)/ (249)). وقيل : هو الرمي بالزنا أو اللواط بلفظ صریح لا يحتمل التأويل. (الإسلام سبيل السعادة والسلام ص (90)). 

ومن هذا يستبين أن الفقهاء وإن اتفقوا على أن رمي المحصن أو المحصنة بالزنا قذف، إلا أنهم فيما أضافوه إلى هذا التعريف من قطع نسب المسلم، أو اللواط، أو الشهادة بالزنا أو اللواط عند عدم اكتمال البينة عليها، واعتبار ذلك قذفاً يوجب الحد - هو محل خلاف، ولقد رأت اللجنة أن تأخذ في تعريف القذف بأنه الرمي بالزنا أو نفي النسب، کا راعت تقيد القذف بأن يكون بتعبير صريح، وهو ما يدل بوضعه على القذف بالزنا دون احتمال المعنى آخر غيره، كقول القاذف للمقذوف مثلا: یا زاني. أو: أنت زان. أو: یابن الزانية. أو وصف المرأة بلفظ فيه مادة: النون والياء والكاف، أما إذا كان التعبير يفهم منه القذف بوضعه مع احتمال معنى غيره، كقول القاذف للمقذوف مثلا: يا فاجر. أو: یا فاجرة. أو یا خبيث. أو: یا خبيثة. وغيرها من ألفاظ الكناية، وكذلك الألفاظ التي لا يفهم منها القذف بوضعها وإنها تفيد ذلك بقرائن الأحوال، كقوله لغيره: ما أنا بزان. أو: یا حلال، یابن الحلال. مما يعد من باب التعريض. 

وقد اختلف الفقهاء في حكم هاتين الحالتين (الكناية والتعريض). 

فمنهم من يرى اعتبار ألفاظ الكناية والتعريض قذفاً موجباً للحد على القاذف، ومنهم من يرى غير ذلك مما هو مفصل في كتب الفقه، ومن ثم رأت اللجنة أن تأخذ بالمتفق عليه دون ما هو محل خلاف، فاطرحتها من ألفاظ القذف الموجب للحد على القاذف بها. 

کما رأت اللجنة الاقتصار في وسيلة التعبير عن القذف على صریح التعبير بالقول أو بالكتابة، دون غيرهما من الوسائل الإشارة والرسم والصورة؛ لما قد تنطوي عليه تلك الوسائل الأخيرة من شبهات تسقط الحد، أما التعبير باللفظ الصريح قولا فلا جدال في اعتباره قذفاً موجباً للحد عند تحقيق أركانه وشرائطه. 

أما التعبير بالكتابة كالنشر في الصحف والمجلات واللافتات والكتب أو غير ذلك مما يكون لغير المقذوف أن يطلع عليه - فإن تحقق القذف بها ثبت؛ لتحقق علته من تعبير المقذوف وإيلامه وتهجينه بما يوجب احتقاره، طالما تحققت شروط القذف وانتفت الموانع. 

وإنما جرئ الخلاف بين الفقهاء في حالة ما إذا تناول القاذف المقذوف بعبارة القذف في کتاب خاص لم يعلم به غيرهما فهو حينئذ بمثابة القذف في خلوة، فقرر الشافعية أنه لا حد على القاذف في ذلك، واعتبروها صغيرة غير موجبة للحد؛ لخلو القذف من مفسدة الإيذاء (نهاية المحتاج)، وعند غير الشافعية هو قذف موجب للحد لا فرق في ذلك بين القذف في الخلوة، والقذف علانية؛ لأن ظاهر النصوص تفيد وجوب الحد على كل قاذف دون تفريق، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية؛ ولقوله : «اجتنبوا السبع الموبقات .... الحديث. وعد منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات. 

والإطلاق في إيجاب حد القذف على كل من قذف محصناً أو محصنة وإطلاق الحديث في اعتبار قذف المحصنات كبيرة دون تقييد، يدل على أنه متى وقع القذف وتحققت شروطه وجب الحد على القاذف دون نظر إلى كون القذف علم به غير المقذوف أم لا - أي: ولو في خلوة أو في العلن -، ولو كانت العلانية فيه شرطا لنص الله تعالى عليها في كتابه العزيز أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يحدث. 

وقد اختارت اللجنة الأخذ بهذا الرأي الأخير دون مذهب الشافعية؛ لقوة أدلته وسداً الباب الفساد الذي عم في زماننا، ومن هذا يعلم أن القذف بالكتابة ولو برسالة خاصة بعد قذفاً موجباً للحد بشروطه، بل إن القذف بالكتابة وخاصة بالنشر يكون أعم من غيره في نشر الرذيلة، وإشاعة الفساد، وتهجين المقذوف، والافتراء عليه على أوسع نطاق، خاصة في هذا الزمان الذي أصبح للنشر فيه الأثر الكبير في المجتمعات بعد التطور الخطير في هذا القطاع المهم من سبل الإعلام. 

وما ذكر في هذا الصدد يتفق مع ما ذهبت إليه اللجنة في المادة من عدم التقيد في تحقق القذف بحضور المقذوف أو غيبته، وكون القذف في السر أو العلانية، وغني عن البيان أن الكتابة التي يعبر بها القاذف يجب أن تكون مرسومة و مستبينة لتنتج آثارها. 

هذا والقذف بأي لسان كان بالعربية أو الفارسية أو غيرهما موجب للحد إذا تحققت أركانه وشرائطه؛ لأن المقصود رفع الشين الذي لحق المقذوف، وذلك لا يختلف باختلاف الألسن (المبسوط للسرخسي جـ (9) ص (114)) طالما كان التعبير في نطاق تلك اللغة صريحاً في الرمي بالزنا. 

وما تجدر الإشارة إليه أن المقصود بالقذف في تطبيق أحكام هذا القانون هو الموجب للحد شرعا، وقرر فقهاء الشريعة الإسلامية أحكامه، واختارت منها اللجنة ما جرت به مواد هذا القانون، وهو يختلف عن القذف والسب الواردين في كتاب الجرائم التعزيرية. 

مادة (146): يشترط في القاذف أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً، وألا يكون أصلاً للمقذوف من جهة الأب أو الأم. 

الإيضاح 

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في القاذف ليقام عليه الحد أن يكون مكلفاً - أي: بالغاً عاقلاً -؛ عملا بقوله : «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يفيق، وعن الصبي حتى يعقل أو يحتلم» (البدائع (7)/ (40)، الزرقاني (8)/ (85)، المهذب (2)/ (290)، کشاف القناع (4)/ (62)، شرائع الإسلام (2)/ (250)). والحديث له روايات كثيرة والرواية السابقة في مجمع الزوائد (6)/ (251)، وروي في سنن أبي داود بلفظ: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر». سنن أبي داود (4)/ (139) - (140)؛ ولأن العقل والبلوغ هما مناط التكليف، فإذا انعدما أو انعدم أحدهما لا يجب الحد على القاذف؛ لأن الحد عقوبة سبها الجناية، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بكونه جناية. 

أما بالنسبة لشرط البلوغ فقد اتفق الفقهاء على أن الأصل فيه أن يكون بالأمارات - أي: العلامات الدالة عليه في الذكر أو الأنثى - وهي في الذكر بالاحتلام والإحبال والإنزال وفي الأنثى بالاحتلام والحيض والحبل، فإن لم يوجد فيهما شيء من ذلك فالمعتبر البلوغ بالسن، وقد اختلف الفقهاء في تحديد سن البلوغ للذكر والأنثى. فهو عند الحنفية يكون باكتمال عمر كل منهما خمس عشرة سنة، وهو رأي أبي يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة، أما هو (أبو حنيفة) فيرى اكتمال ثماني عشرة سنة للغلام، وسبع عشرة سنة للجارية (الأنثى). وروي عنه موافقة صاحبيه، وقول الصاحبين هو المفتى به في المذهب الحنفي. أما المالكية فيرون أن سن البلوغ في الذكر والأنثى يكون باكتمال كل منهما الثامنة عشرة من العمر، وهو ما رأت اللجنة الأخذ به ولأن الأخذ به، أعدل في مثل هذه الجنايات التي تشتد فيها العقوبة حتى يكون في اكتمال هذه السن دواعي النضج المطلوب في تقدير المسئولية الجنائية (حاشية الدسوقي ج (4) ص (313) وما بعدها، ابن عابدين (5)/ (100)، اللباب في شرح القدوري (128)، شرح ملا مسكين على الكنز / (477)). 

 

ومن البين أنه عند اعتبار البلوغ بالسن إنما يكون احتسابه وقت ارتكاب جريمة القذف، وأن المراد بالسنة هي السنة الهجرية حيث حدد الفقهاء سن البلوغ بالتقويم الهجري، هذا وما تجدر الإشارة إليه أن اشتراط البلوغ في القاذف لإقامة الحد عليه لا يمنع من تعزير أو تأديب من لم يبلغ إذا قذف غيره، بما يراه القاضي رادعاً له مما يدخل في نطاق التعزير مع مراعاته لحدود السن الذي يرى فيه احتمال التعزير أو التأديب مما جرت به أحكام المادة (149) من هذا المشروع، وبالنسبة لزوال العقل إذا كان سببه الجنون فلا حد على القاذف، أما إذا كان سببه السكر بمحرم، فيقام الحد عليه، لأنه يكون كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له، ولأنه بسكره تعدى على عقله، فأزاله فوجب حده تغليظا عليه (ابن عابدين (3)/ (170))، هذا ما ذهب إليه الحنفية. 

ويرى الشافعية أن السكران مكلف ويقام عليه الحد تغليظاً عليه، ولم يفرقوا بين ما إذا كان السكر بمحرم أو لا (تحفة المحتاج بشرح المنهاج (9)/ (107)). ويرى المالكية اشتراط العقل، فلا يحد السكران مطلقا، ومثلهم الحنابلة؛ لأنه إذا سقط عن المجنون التكليف في العبادات والإثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى بالإسقاط حاشية الدسوقي (289)، المغني (217)). ويرى الظاهرية مثل المالكية والحنابلة (المحلى (11) (293) و (294)). 

ورأت اللجنة الأخذ بمذهب الحنفية في إقامة الحد على السكران، إذا كان سكره بمحرم؛ لقوة دليله، ولأنه أبلغ أثرا في تنقية المجتمع مما شاع فيه في زماننا من فساد بسبب تعاطي الخمور، وأنواع أخرى محرمة تذهب بالعقل الذي كرم به الله بني الإنسان، ومن ثم يكون إعفاء هؤلاء من الحد تشجيعاً لهم ولغيرهم ممن هم على شاكلتهم على ارتكاب الجرائم خاصة الموجبة للحدود، والتعلل بزوال العقل وسقوط التكليف بغية التهرب من العقوبات التي حددها الله جل شأنه رحمة للناس من شرورهم، كذلك اتفق الفقهاء على اشتراط أن يكون القاذف مختاراً غير مكره (نهاية المحتاج (9)/ (138)، الدسوقي (4)/ (301)، (325)، والمغني (10)/ (304)، البدائع (7)/ (40)، أسنى المطالب (4)/ (135)). فإن سلب منه الاختيار - كأن أكره على القذف - فلا حد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه». ولأن المكره لا دخل له فيما فعل؛ لأنه أمام من أكرهه كالآلة لا إرادة لها ولا اختيار، وعدل الله يقضي ألا يؤاخذ الإنسان بما فعل من غير إرادة كاملة، ولذا لم يؤاخذه بكفره حالة إكراهه، قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106]، والكفر أعظم الجرائم وأشدها فحشا، فإذا كان هذا شأن المكره عليه فأول أن يكون في غير ذلك من الجرائم التي تسقط بالشبهة، فلا يؤاخذ بها ارتكب من قذف في حالة إكراهه (الأشباه والنظائر للسيوطي (207))، كما لاحد على المكره بالسكر؛ لأنه لم يقذف. 

كذلك يشترط في القاذف ألا يكون أصلاً للمقذوف من جهة الأب أو الأم وإن علا هذا الأصل، أي: سواء كان أبا له أو جدا لأب وإن علا، أو أما أو أم أم وإن علت، ذلك لأن حد الوالد في قذف ولده منافي للإحسان المطلوب منه في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [البقرة: 83]، وتوقير الوالدين واحترامهما واجب شرعا وعقلا. وفي المطالبة بحدهما أو أحدهما ترك التعظيم والاحترام اللذين أوجبها الله للآباء على الأبناء، فلا يجب عليها الحد بسبب قذف ولدهما، وإلى هذا الرأي ذهب جمهور الفقهاء (ابن عابدين (3)/ (321)، (232)، فتح القدير (4)/ (169) و (167)، المهذب (2)/ (289)، کشاف القناع (4)/ (62))، وهو الرأي الراجح في مذهب المالكية (الدسوقي (4)/ (327)، الشرح الكبير (4)/ (321)، الزرقاني (8)/ (91)). 

ورأى بعض المالكية - وهو قول ضعيف في المذهب - عدم اشتراط هذا الشرط في القاذف، و أوجبوا حد القذف على الأب إذا قذف ابنه بصريح القذف. وقالوا بفسق الولد إذا طالب بحد أبيه، فلا تقبل للولد شهادة (حاشية الدسوقي (4)/ (394))، ورأت اللجنة الأخذ برأي الجمهور في اشتراط عدم كون القاذف أصلاً للمقذوف؛ لقوة أدلتهم وضعف أدلة المخالفين. 

المادة (147): يشترط في المقذوف أن يكون بالغاً عاقلاً معيناً محصناً، ويقصد بالإحصان العفة، وهي البعد عن الزنا ظاهراً. 

(الإيضاح) 

اشترط الفقهاء: الحنفية والشافعية والشيعة وأحمد في إحدى روايتيه، وهو قول المالكية - أن يكون المقذوف بالغاً إذا رمي بكونه فاعلاً، لأن البلوغ أحد شرطي التكليف فأشبه العقل، ولأن ما يرمى به الصغير لو تحقق منه لم يجب عليه الحد؛ لكونه عقوبة، والصبي ليس من أهل العقوبة، وما دام فعله غير موجب للعقاب فلا يجب الحد على قاذفه، كما أن الحد إنها وجب لدفع المعرة عن المقذوف، والصبي لا يلحقه عار بنسبته إلى الزنا، حتى ولو كان مراهقا لعدم التصاق العار به على وجه الكال يضاف إلى ذلك أن الصبي لقصور عقله لا يقف على عواقب الأمور فلا يلحقه الشين به، والعقل زاجر عن ارتكاب ما له عاقبة ذميمة وكاله بالبلوغ (فتح القدير (4)/ (192)، المهذب (2)/ (289)، شرائع الإسلام (2)/ (250)، الدسوقي (4)/ (326)، العمروسي (2)/ (176)، کشاف القناع (4)/ (64)، المغني (10)/ (102)، ابن عابدين (3)/ (173)). 

وذهب الظاهرية - وهو إحدى روايتين عن أحمد ومذهب المالكية - إلى أنه لا يشترط البلوغ في المقذوف، وساقوا أدلة لم تبلغ في قوتها أدلة القائلين باشتراطه، وفي رواية عن أحمد أنه يشترط أن يكون كبيراً يجامع مثله. واحتج الجميع بعموم النص في آية القذف (الدسوقي (4)/ (325)، فتح الجليل (4)/ (503)، المغني (10)/ (202)، المحلى (273)، (274)). 

فهم يقولون أن عموم النص في الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور: 4]. يدخل فيه الصغير، وإن لفظ المحصنات يشمل كل ممنوع من الزنا، والصبي ممنوع عنه، ولتوافر العلة في القذف وهي الكذب، والقاذف کاذب حتماً، ولو كان صادقاً فلا يجب عليه الحد. 

ورأت اللجنة الأخذ في ذلك برأي الحنفية والشافعية، ومن معهم، الذين يرون اشتراط بلوغ المقذوف لإقامة الحد على قاذفه؛ لقوة أدلتهم، ولأن العلة في مشروعية حد القذف دفع العار عن المقذوف؛ لئلا تشيع الفاحشة في المجتمع، وقذف غير البالغ ليس فيه إلحاق العار على نحو ما قدمنا. وإذا كانت العلة منتفية كان القول بحد القاذف في هذه الحالة غير محقق لمقصوده، فترجح القول باشتراط بلوغ المقذوف، والبلوغ يكون باكتمال عمر كل من الذكر والأنثى ثماني عشرة سنة هجرية على الوجه السابق بيانه في المادة (146) ما لم يبلغ كل منها قبل ذلك بالأمارات. 

أما اشتراط العقل في المقذوف فقد ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة، إلا أن المالكية قالوا: إن الجنون المطبق الذي يصاحب المقذوف من حين بلوغه إلى قذفه لا تتخلله إفاقة - هو الذي لا يجب الحد على قاذفه، أما إذا بلغ صحيحاً ثم جن، أو كان يفيق ويجن، فإن قاذفه يحد. ولم يشترط باقي جمهور الفقهاء الذين اشترطوا العقل في المقذوف ذلك، واكتفوا بالقول بعدم إقامة الحد على القاذف إذا كان المقذوف مجنونا وقت القذف فقط. وعلة القول باشتراط العقل أن المجنون لا يعير بالزنا لعدم تكليفه، وغير العاقل لا يلحقه شين بإضافة الزنا إليه. 

هذا إذا كان جنونه غير حادث بعد قذفه، أما إذا كان الجنون قد حدث بعد القذف وقبل طلب إقامة الحد على قاذفه - فلا يقام الحد على القاذف حتى يفيق المقذوف ويطالب به، وليس لوليه المطالبة بإقامته حذرا من فوات التشفي، فإن كان جنونه أو إغماؤه بعد طلب إقامة الحد على قاذفه أقيم الحد في الحال؛ لوجود شرطه (المراجع السابقة). 

وقد رأت اللجنة الأخذ بهذا الرأي لقوة أدلته، خلافاً لرأي الظاهرية الذين لم يشترطوا العقل في المقذوف، فيحد عندهم قاذف المجنون ولو كان الجنون مطبقاً؛ لأن المجنون عندهم محصن ممنوع من الزنا بمنع الله أو بمنع أهله، والحجة عليهم أن فعل المجنون لا يوصف بكونه جناية، فناسب ذلك القول بعدم حد قاذفه، وبذلك ترجع اشتراط كونه عاقلا، وهو مذهب الجمهور. 

كذلك اشترط الفقهاء في المقذوف أن يكون معيناً - أي: معلوماً -، فإن كان مجهولاً أو غير معين فلا حد على قاذفه، كمن يقول لجماعة: كلكم زان إلا واحدا. أو يقول: لرجلين. أحدكما زان. أو يقول لشخص: أخوك زان. وله أكثر من أخ، ولم يعين واحداً. 

وإنها يشترط الفقهاء تعيين المقذوف؛ لأن حد القاذف إنها وجب لدفع المعرة عن المقذوف، والمجهول لم يتعين فلم تلحقه معرة بالقذف، وليس للسلطان ولا نائبه أن يطلب من القاذف تعيين المقذوف إذا وقع القذف بحضرته وكان المقذوف مجهولاً؛ لوجوب الستر على المسلم، ولأن حد القذف من الحدود التي تدرأ بالشبهات. 

كذلك اتفق الفقهاء على أنه يشترط في المقذوف أن يكون محصناً، واتفقوا كذلك على 

أن المراد بالإحصان هنا هو العفة، ثم اختلفوا في المراد بالعفة: 

فذهب الحنفية إلى أن المراد بعفة المقذوف ألا يكون قد وطئ في عمره وطأ حراماً في غير ملك، ولا نكاح أصلاً، ولا في نكاح فاسد مجمع عليه (على فساده)، فإن فعل شيئاً من ذلك سقطت عفته، ولا يحد قاذفه (البدائع (7)/ (41)، ابن عابدين (3)/ (173)، الزيلعي (3)/ (206)). 

وذهب المالكية إلى أن العفة عدم كون المقذوف قد حد في زناً أو لواط قبل القذف أو بعده، فإن حد المقذوف سقطت عفته ولا حد على قاذفه (الدسوقى (3)/ (326) و(331)، مواهب الجليل (6)/ (300)، الزرقاني (86)، الشرح الكبير (4)/ (326)). 

وذهب الشافعية إلى أن العفة سلامة المقذوف قبل القذف وبعده عن فعل مما يوجب حد الزنا عليه، وعن وطء دبر حليلته، فإن فعل شيئا منها سقطت عفته، ولا يجد قاذفه (المهذب (2)/ (290)، نهاية المحتاج (6)/ (186)). 

وذهب الحنابلة إلى أن عفة المقذوف هي بعده عن الزنا ظاهراً ولو كان تائبا من زنی (كشاف القناع (4)/ (63)، المغني (10)/ (219)، الإقناع (4)/ (260)). 

وذهب الظاهرية إلى أن العفة الامتناع عن الزنا الذي لم يثبت على المقذوف وإن كان قد حد في غيره (المحلى (11)/ (268)، (273)، (282)). 

وذهب الشيعة إلى أن العفة هنا عدم تظاهر المقذوف بالزنا، ومعنى هذا أنه يكفي عندهم لعفاف المقذوف أن يكون مستور الحال غير متظاهر بالزنا، فمن قذف شخصاً لا يعلم حاله وجب عليه الحد؛ لحمل حال المسلم على الصلاح حتى يثبت العكس، ومستور الحال مسلم لم يثبت عليه ما ينافي العفة، فوجب حد قاذفه (شرائع الإسلام (2)/ (250)، المختصر النافع (2)/ (220)، الإسلام سبيل السعادة والسلام (90)). 

واللجنة بعد استعراض أقوال الفقهاء في العفة كشرط يجب تحققه في المقذوف حتى يقام الحد على قاذفه - رأت الأخذ بمذهب الحنابلة؛ تيسيراً لإثباتها (العفة) بشكل منضبط قطعاً لدابر الفساد، حتى لا تشيع الفاحشة في الناس، ومعاونة على تنقية المجتمع مما تفشى فيه من بذيء السباب، وتدعيماً لحماية الأعراض المستورة من التهجم عليها ورميها بأفحش الطعون. 

ومما تجدر الإشارة إليه أن اللجنة لم تشترط إسلام المقذوف ليحد قاذفه أخذا بمذهب الظاهرية، وحجتهم إطلاق نص الآية: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)، ونص حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات» وعد منها قول الزور، وقالوا: إن الإطلاق بنفي اشتراط الإسلام، كما أن القذف قول زور، ولو كان المقذوف غير مسلم، وعجب ابن حزم الظاهري في المحلى من القول باشتراط الإسلام: إذن لا يتأتى أن تقطع يد سارق غير المسلم على ما ذهب عليه الآخرون، ولا يحد قاذفه. ويرى فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة اشتراط إسلام المقذوف ليحد قاذفه، بحجة أن الإحصان قد ورد في القرآن بمعنى الإسلام: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) الآية. 

فوجب اعتباره شرطاً في المقذوف، ولأن حد قاذف غير المسلم فيه تكريم للمقذوف، 

ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الرأي لقوة دليل الظاهرية، ودرء المفسدة بالتفرقة إذا ما حد قاذف المسلم وأعفي قاذف غير المسلم، وتجنباً لما يترتب على ذلك من فتنة التفرقة التي تضر بمصالح العباد مما تأباه الشريعة الإسلامية (فتح القدير (2)/ (289)، المهذب (2)/ (289)، شرائع الإسلام (2)/ (250)، الدسوقي (4)/ (326)، کشاف القناع (4)/ (640)، المغني (10)/ (202)، منح الجليل (4)/ (503)، المحلى (273) و(274)). مادة (148): لا يجوز رفع الدعوى إلا بناء على شكوى بطلب إقامة الحد شفهية أو كتابية إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي من المقذوف أو وكيله الخاص أو من أحد الورثة غير طريق الزوجية، إذا كان المقذوف ميتاً. 

وترفع الدعوى من رئيس النيابة أو من يقوم مقامه بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة. 

الإيضاح 

لما كان القذف من جرائم الحدود التي شدد الله عقوبتها وشرع فيها الجلد، وهو من العقوبات البدنية التي شرعها لمن تعدى حدوده، وكانت جريمته بذلك من الجرائم الكبرى التي نهى الإسلام عن مقارفتها؛ لبشاعة آثارها في المجتمع، فضلا عن أثرها الأليم في نفس المجني عليه، يقول الله تعالى في شأن هذه الجريمة: « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) ) ولذلك أنزلتها الشريعة الإسلامية منزلة جنايات الحدود کالزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن ثم فإن اللجنة رأت أن تكون جريمة القذف جناية، تختص بنظرها محاكم الجنايات حتى تكون أقدر على الإحاطة وأكفأ في التقدير، وذلك أحوط للعدالة. 

ولما كان حد القذف فيه حق للعبد كانت الدعوى فيه لا تقام إلا بناء على شكوى المقذوف؛ لأنها تمس عرضه وسمعته أكبر مساس. 

ويسلك المدعي في دعوى القذف الطريق الذي رسمته المادة من تقديم شكوى شفوية يدلي بها صاحب الحق أمام أحد أعضاء النيابة المختصة، أو أحد مأموري الضبط القضائي، ويحرر بها المحضر اللازم، أو يتقدم بها له مكتوبة، وتقدم الشكوى من المقذوف نفسه أو من وكيله الخاص، غير أنه إذا كان المقذوف ميتاً ترفع الدعوى من أحد الورثة عن غير طريق الزوجية، ويقول فقهاء الحنفية: إنه لا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه وهو الوالد والولد، لأن العار يلتحق به لمكان الجزئية، فيكون القذف متناولاً له معنى. 

وعند الشافعي يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده، وعندنا (الأحناف) ولاية المطالبة ليست بطريق الإرث بل لما ذكرناه، ولهذا يثبت عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت، كما يثبت لولد الابن، وكذا يثبت لولد الولد حق المطالبة مع وجود الولد (فتح القدير (4)/ (195)). وقد أخذت اللجنة برأي الأحناف. 

وقد حرصت اللجنة على النص بأن يقوم رئيس النيابة المختص أو من يقوم مقامه بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات مباشرة؛ منعا لتطويل الإجراءات. 

وفي ذلك ضبط لوصف هذه الدعوى، وطريقة إقامتها وتحقيقها، والجهة المختصة بنظرها. 

مادة (149): لا تسمع الدعوى بطلب إقامة حد القذف بعد مضي ستة أشهر من يوم علم المقذوف بالجريمة وبمرتكبها وتمكنه من الشكوى. 

الإيضاح 

لما كان حد القذف فيه حق للعبد، فإن الخصومة فيه والقضاء به واستيفاءه من القاذف تتوقف كلها على المطالبة (الادعاء) به ممن له الحق فيه، ومن ثم فإن هذه المطالبة يتحتم أن تظل قائمة لحين إقامة الحد على القاذف، فإذا سقطت المطالبة بعفو المقذوف لا يقام الحد على القاذف. وبهذا قال جمهور الفقهاء والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة، خلافاً للظاهرية الذين لم يشترطوا المطالبة بإقامة الحد؛ لأن حد القذف عندهم حق لله تعالى، فيقام حسبة دون توقف على مطالبة أحد من العباد؛ أسوة بسائر الحدود. 

وإذا كان المقرر شرعاً أن الأولى للمقذوف أن يترك الخصومة والمطالبة بحد قاذفه البدائع (7)/ (52))؛ لأن المطالبة إشاعة للفاحشة وهو مندوب إلى تركها امتثالا لقوله تعالى: وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [البقرة: 237] 

وإذا كانت المطالبة شرعاً لإقامة الحد على القاذف على نحو ما قدمنا، وكان المقذوف هو صاحب الحق فيها، وكان في ترك هذا الحق له يستعمله متى شاء فيه إضرار بالقاذف الذي يبقى هذا الحق سيفاً مسلطاً على عنقه؛ لأنه قد يضار به ويلحق به من العار والشين ما يتغير به أيضا مما يمكن تفاديه لو طرح على القضاء وثبتت براءته، وترك الحق للمقذوف الإقامة دعوى القذف متى شاء - يحرم القاذف من الدفاع عن نفسه وإثبات براءته في الوقت المناسب، ومن ثم فإن اللجنة رأت قطعاً لإشاعة الفساد والسوء بين الناس أن تحدد زمناً يكون للمقذوف فيه الحق في إقامة دعوى القذف، ولا تسمع بعد فواته دعواه؛ حماية للمجتمع واتقاء الإضرار بالقاذف. 

وقد استعرضت اللجنة أقوال الفقهاء في تحديد مدة التقادم. 

وللإمام محمد صاحب الإمام أبي حنيفة رأي في ذلك حيث حددها في أحد قوليه بستة أشهر، وراعى في هذا التحديد أن الستة أشهر أحد معاني كلمة (الحين) فيما إذا حلف لا يكلمه حينا. وجاء في المبسوط: «وإن حلف لا يعطيه ماله عليه حينا فأعطاه قبل ستة أشهر - حنث. لأن الحين قد يذكر بمعنى الساعة، قال تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) [الروم: 17]. والمراد وقت الصلاة، ويذكر الحين بمعنى أربعين سنة، قال تعالى: هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) " [الإنسان: 1]. ويذكر بمعنى ستة أشهر، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 25]. أنه ستة أشهر من حين يخرج الطلع إلى أن يدرك الثمر - فعند الإطلاق يحمل على الوسط من ذلك، فإن خير الأمور أوسطها، ولأنا نعلم أنه لم يرد به الساعة، فإنه إذا قصد المماطلة ساعة واحدة لم يحلف على ذلك، ويعلم أنه لم يرد أربعين سنة، فإنه إذا أراد ذلك يقول: أبدا. فعرفنا أن المراد ستة أشهر». ومثله في ابن عابدين (3)/ (110)، المبسوط (9)/ (66) - (70). 

وتحديد مدة التقادم أوفق وأحوط وأنسب للعصر، ولا يتنافى مع المبادئ الأساسية للشريعة السمحاء التي أتاحت لولي الأمر حق تقييد القضاء بالزمان والمكان والحادثة؛ جلبا لمصلحة العباد ودرءا للمفسدة عنهم، وروي أن الإمام أبا حنيفة لم يحدد له مدة، وفوض أمر تحديده للقاضي في كل عصر وأوان، فيما يراه القاضي تفريطاً فهو تقادم، وإلا فلا، فقد روى أبو يوسف أن الإمام أبا حنيفة أبى أن يؤقت للتقادم بوقت. (فتح القدير (4)/ (164))، لكن تحديده - خاصة في هذا الزمان - أضبط وأدق ويحقق ما قدمنا من أهداف، واعتبار الشهر حداً له فيه إعنات لأرباب الدعاوى في القذف لقصر مدته. 

ومن ثم رأت اللجنة أن تحدد لتقادم الدعوى بالقذف ستة أشهر لا تسمع بعدها، لما في الادعاء بعد تلك المدة من معنى التفريط الذي يبيح لولي الأمر أن يأمر في مثله بعدم الساع؛ حسما للخصومات، ودرءا للمفاسد في هذا الزمان. 

هذا ولاحظت اللجنة أن المقذوف قد تقوم عنده من الأعذار المقبولة ما يمنعه من إقامة دعوى القذف في المدة المحددة (ستة أشهر)، وليس من العدالة مصادرة دعواه بمنع سماعها للتقادم وهو ذو عذر مقبول، والمقرر شرعا أن الضرورات تبيح المحظورات، فنصت في المادة على قيد تمكن المقذوف من إقامة الدعوى، بعد علمه بها، حيث اعتبر جهله بحادثة القذف، وعدم تمكنه من الادعاء كلاهما عذر مقبول إذا أثبته، فتقبل دعواه متى تقدم بها خلال ستة أشهر من زوال العذر. 

وغني عن البيان أنه إذا كان طریق ثبوت جريمة القذف الإقرار، فلا تأثير للتقادم عليه؛ لأنه لا محل للتهمة ولا للشك في سلامة الإقرار، لأن الإنسان لا يقر على نفسه عادة کاذباً فيما فيه ضرر عليه، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه؛ لعدم التهمة وللولاية الكاملة على نفسه، ولأنه إذا وجب الحكم بالشهادة وهي مظنة الريبة، فلأن تجب بالإقرار أولى، وهو من الريبة أبعد، فلا أثر للتقادم عليه. 

وكذلك الشهادة لا يؤثر فيها التقادم؛ لأنها لا تجب إلا حيث تكون المطالبة من المقذوف التي هي حقه، وما لم تكن المطالبة فلا تجب الشهادة، ومن ثم لا يكون لتأخيرها وتقادم العهد عليها أثر. 

مادة (158): إذا لم يكن الجاني بالغا بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة 

- يعزر على الوجه الآتي: 

(1) فإذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه، أو إلى ولي نفسه، أو إيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية. 

(ب) وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بضربه بعصا بها لا يجاوز عشرين ضربة. 

(ج) وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بجلده من عشر 

إلى أربعين جلدة. 

الإيضاح 

كما أن عقوبة غير البالغ على اقتراف هذه الجريمة يجب أن تندرج وفقاً لاختلاف سن الجاني ممن لم يكتمل له بعد سن البلوغ المنصوص عليه في هذا القانون بأن كان دون الثامنة عشرة. 

وقد رأت اللجنة أن الصبي دون السابعة لم يزل بعد طفلاً غير ممیز، ليس أهلاً للتكليف لا تجوز مساءلته. 

فإذا أتم السابعة وكان دون الثانية عشرة فمثله لا يحتمل الضرب ولا الجلد، ولكنه في حاجة إلى رعاية وتوجيه و تقویم بإيداعه إحدى المؤسسات الاجتماعية المختصة زمناً تراه المحكمة كافياً. 

فإذا بلغ الصبي الثانية عشرة وكان دون الخامسة، فإنه يكون بحالة يحتمل فيها الضرب ليرتدع عما اقترفه، ويكون للمحكمة حق تعزيره بما تراه كافياً لردعه بالضرب بعصا رفيعة بها لا يجاوز عشرين ضربة، باعتباره الطريقة المثلى في إصلاحه، فإذا بلغ الخامسة عشرة أصبح من المقدرة بحيث يحتمل الجلد، وفي هذه السن يعتبر بالغاً في رأي بعض الفقهاء، وهو الرأي المفتي به في مذهب الحنفية، واللجنة وإن لم تر الأخذ به لكنها ترى أن يكون بلوغ هذه السن حدا للترقي بالعقوبة إلى الجلد تعزيرا في النطاق المقرر في المشروع، وما تراه المحكمة رادعاً للجاني وزاجراً لغيره، مع ملاحظة احتيال كل في مثل سنه. 

وفيما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر». سند قوي وحجة متينة في هذا المقام الذي أوضح فيه صاحب الرسالة العظمى. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 20

التَّشْبِيهُ فِي الْقَذْفِ :

أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ  إِذَا صَرَّحَ الْقَاذِفُ بِالزِّنَى كَانَ قَذْفًا وَرَمْيًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ، فَإِنْ  عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ، فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ قَذْفٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لاَ يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَقُولَ: أَرَدْتُ بِهِ الْقَذْفَ. وَالدَّلِيلُ لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ هُوَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ إِنَّمَا هُوَ لإِزَالَةِ الْمَعَرَّةِ الَّتِي أَوْقَعَهَا الْقَاذِفُ بِالْمَقْذُوفِ، فَإِذَا حَصَلَتِ الْمَعَرَّةُ بِالتَّعْرِيضِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا كَالتَّصْرِيحِ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى  الْفَهْمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ قَوْمِ شُعَيْبٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ ( إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)  أَيِ السَّفِيهُ الضَّالُّ، فَعَرَّضُوا لَهُ بِالسَّبِّ بِكَلاَمٍ ظَاهِرُهُ الْمَدْحُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلاَتِ.

وَقَدْ حَبَسَ عُمَرُ رضي الله عنه  الْحُطَيْئَةَ لَمَّا قَالَ لأَِحَدِهِمْ: الْحُطَيْئَةَ لَمَّا قَالَ لأِحَدِهِمْ:

دَعِ الْمَكَارِمَ لاَ تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا

وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي 

لأِنَّهُ  شَبَّهَهُ بِالنِّسَاءِ فِي أَنَّهُنَّ يُطْعَمْنَ وَيُسْقَيْنَ وَيُكْسَيْنَ .  

وَعَلَى ذَلِكَ فَ إِذَا فُهِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ أَوِ الرَّجُلِ بِالْعَفِيفَةِ أَوِ الْعَفِيفِ اسْتِهْزَاءً، كَانَ كَالرَّمْيِ الصَّرِيحِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ.

ج - تَشْبِيهُ الرَّجُلِ غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُ :

لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَبِّهَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَا يَكْرَهُهُ، قَالَ تَعَالَى:  ( وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإْيمَانِ)  وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّشْبِيهُ بِذِكْرِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ أَوْ بِحَذْفِهَا كَقَوْلِهِ: يَا مُخَنَّثُ، يَا أَعْمَى  

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ: يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ يَا أَعْوَرُ يَا نَمَّامُ يَا كَذَّابُ يَا خَبِيثُ يَا مُخَنَّثُ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ إِيذَاءٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ أَوْ إِشَارَةِ الْيَدِ، لاِرْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا فِيهَا التَّعْزِيرُ .

وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ  إِذَا شَبَّهَهُ بِالْحَيَوَانَاتِ الدَّنِيئَةِ كَقَوْلِهِ: يَا حِمَارُ، يَا كَلْبُ، يَا قِرْدُ، يَا بَقَرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ) لأِنَّ كُلَّ مَنِ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِشَارَةٍ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ.

وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ: يَا حِمَارُ، يَا كَلْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ مَا  إِذَا كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنَ الأْشْرَافِ فَيُعَزَّرُ، أَوْ مِنَ الْعَامَّةِ فَلاَ يُعَزَّرُ، كَمَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيُّ .

وَهَذَا كُلُّهُ  إِذَا لَمْ يَصِلِ الشَّتْمُ وَالسَّبُّ إِلَى  حَدِّ الْقَذْفِ، أَمَّا  إِذَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَذْفِ: كَالرَّمْيِ بِالزِّنَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَذْفٌ) .

التَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ :

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ: إِلَى  أَنَّهُ  إِذَا عَرَّضَ بِالْقَذْفِ غَيْرُ أَبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ - إِنْ فُهِمَ الْقَذْفُ بِتَعْرِيضِهِ بِالْقَرَائِنِ، كَخِصَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، أَمَّا الأْبُ  إِذَا عَرَّضَ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُحَدُّ لِبُعْدِهِ عَنِ التُّهْمَةِ .

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلإْمَامِ أَحْمَدَ، لأِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه  اسْتَشَارَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ فِي رَجُلٍ قَالَ لآِخَرَ: مَا أَنَا بِزَانٍ وَلاَ أُمِّي بِزَانِيَةٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدْ مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَّضَ لِصَاحِبِهِ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ.  

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ، قَذْفٌ. كَقَوْلِهِ: مَا أَنَا بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُحَدُّ، لأِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ لِلشُّبْهَةِ، وَيُعَاقَبُ بِالتَّعْزِيرِ، لأِنَّ الْمَعْنَى: بَلْ أَنْتَ زَانٍ .

وَالتَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: يَا ابْنَ الْحَلاَلِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ، لأِنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُؤَثِّرُ،  إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظَ الْمَنْوِيَّ، وَلاَ دَلاَلَةَ هُنَا فِي اللَّفْظِ وَلاَ احْتِمَالَ، وَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُسْتَنَدُهُ قَرَائِنُ الأْحْوَالِ. هَذَا هُوَ الأْصَحُّ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ، أَيْ عَنِ الْقَذْفِ، لِحُصُولِ الْفَهْمِ وَالإْيذَاءِ. فَإِنْ  أَرَادَ النِّسْبَةَ إِلَى  الزِّنَى فَقَذْفٌ، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الْغَضَبِ وَغَيْرِهَا .

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.

الْقَذْفُ الَّذِي لاَ حَدَّ فِيهِ وَالسَّبُّ :

حَدُّ الْقَذْفِ لاَ يُقَامُ عَلَى الْقَاذِفِ إِلاَّ بِشَرَائِطِهِ، فَ إِذَا انْعَدَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا أَوِ اخْتَلَّ فَإِنَّ الْجَانِيَ لاَ يُحَدُّ. وَيُعَزَّرُ عِنْدَ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ؛ لأِنَّهُ  ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا.

وَمِنْ شُرُوطِ الْقَذْفِ الَّذِي فِيهِ الْحَدُّ: كَوْنُ الْمَقْذُوفِ مُحْصَنًا . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ يُحَدُّ الْقَاذِفُ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقْذِفَ مَجْنُونًا بِالزِّنَى. أَوْ صَغِيرًا بِالزِّنَى. أَوْ مُسْلِمَةً قَدْ زَنَتْ. أَوْ مُسْلِمًا قَدْ زَنَى، أَوْ مَنْ مَعَهَا أَوْلاَدٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْعِفَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلاَثَةِ الأْخِيرَةِ.

وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَقْذُوفِ مَعْلُومًا، فَإِنْ  لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ حَدَّ، بَلِ التَّعْزِيرُ؛ لأِنَّ الْفِعْلَ مَعْصِيَةٌ لاَ حَدَّ فِيهَا. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُعَزَّرُ - وَلاَ يُحَدُّ - مَنْ قَذَفَ بِالزِّنَى جَدَّ آخَرَ دُونَ بَيَانِ الْجَدِّ. أَوْ أَخَاهُ كَذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَخٍ.

وَلاَ حَدَّ فِي الْقَذْفِ بِغَيْرِ الصَّرِيحِ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْقَذْفُ بِالْكِنَايَةِ، أَوِ التَّعْرِيضِ، فَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حَدٌّ، بَلِ التَّعْزِيرُ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيَرَى مَالِكٌ: الْحَدَّ فِي الْقَذْفِ بِالتَّعْرِيضِ أَوِ الْكِنَايَةِ.

وَالَّذِينَ مَنَعُوا الْحَدَّ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ؛ لأِنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ جَرِيمَةً لاَ حَدَّ فِيهَا.

وَلاَ حَدَّ  إِذَا رَمَاهُ بِأَلْفَاظٍ لاَ تُفِيدُ الزِّنَى صَرَاحَةً. كَقَوْلِهِ: يَا فَاجِرُ، بَلْ يُعَزَّرُ.

وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ  إِذَا رَمَاهُ بِمَا لاَ يُعْتَبَرُ زِنًى، كَمَنْ رَمَى آخَرَ بِالتَّخَنُّثِ.

وَيُعَزَّرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ يَرْمِي آخَرَ بِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ لأِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لاَ يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَى عِنْدَهُ.

أَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْحَدِّ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ تَعْزِيرَ فِي ذَلِكَ، بَلْ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ.

وَمَرَدُّ الْخِلاَفِ: هُوَ فِي أَنَّ اللِّوَاطَ هَلْ هُوَ زِنًى أَمْ لاَ؟.

فَمَنْ قَالُوا: بِأَنَّهُ زِنًى، جَعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِهِ حَدَّ الْقَذْفِ. وَمَنْ قَالُوا: بِغَيْرِ ذَلِكَ، جَعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِهِ التَّعْزِيرَ.

وَمَنْ قَذَفَ آخَرَ قَذْفًا مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ أَوْ أَجَلٍ يُعَزَّرُ وَلاَ يُحَدُّ.

وَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ قَذْفًا، بَلْ مُجَرَّدُ سَبٍّ أَوْ شَتْمٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا، فَفِيهَا التَّعْزِيرُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: يَا نَصْرَانِيُّ، أَوْ يَا زِنْدِيقُ، أَوْ يَا كَافِرُ، فِي حِينِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لآِخَرَ: يَا مُخَنَّثُ، أَوْ يَا مُنَافِقُ، مَا دَامَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ. وَيُعَزَّرُ كَذَلِكَ فِي مِثْلِ: يَا آكِلَ الرِّبَا، أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، أَوْ يَا خَائِنُ، أَوْ يَا سَارِقُ، وَكُلُّهُ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لآِخَرَ: يَا بَلِيدُ، أَوْ يَا قَذِرُ، أَوْ يَا سَفِيهُ، أَوْ يَا ظَالِمُ، أَوْ يَا أَعْوَرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، أَوْ يَا مُقْعَدُ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّتْمِ.

وَعَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ يُعَزَّرُ مَنْ شَتَمَ آخَرَ، مَهْمَا كَانَ الشَّتْمُ؛ لأِنَّهُ  مَعْصِيَةٌ.

وَيُرْجَعُ فِي تَحْدِيدِ الْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْزِيرِ إِلَى  الْعُرْفِ، فَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ الْمَنْسُوبُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِمَّا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْعُرْفِ الْعَارَ وَالأْذَى وَالشَّيْنَ، فَلاَ عِقَابَ عَلَى الْجَانِي، إِذْ لاَ يَكُونُ ثَمَّةَ جَرِيمَةٌ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس عشر ، الصفحة /  117

قَذْفُ الْجَدِّ حَفِيدَهُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْجَدِّ إِذَا قَذَفَ حَفِيدَهُ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِقَذْفِ حَفِيدِهِ وَإِنْ سَفَلَ؛ لأِنَّ الأْبُوَّةَ مَعْنًى يُسْقِطُ الْقِصَاصَ فَمَنَعَتِ الْحَدَّ؛ وَلأِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَلاَ يَجِبُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ عَلَى جَدِّهِ، ولقوله تعالي : ( فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) وَالنَّهْيُ عَنِ التَّأْفِيفِ نَصًّا نَهْيٌ عَنِ الضَّرْبِ دَلاَلَةً، فَلَوْ حُدَّ الْجَدُّ كَانَ ضَرْبُهُ الْحَدَّ بِسَبَبِ حَفِيدِهِ؛ وَلأِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَذْفِ لَيْسَتْ مِنَ الإْحْسَانِ فِي شَيْءٍ فَكَانَتْ مَنْفِيَّةً نَصًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).

كَمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ لاَ يَثْبُتُ لَهُ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى جَدِّهِ، فَلَوْ قَذَفَ الْجَدُّ أُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فَمَاتَتْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ؛ لأِنَّ مَا مَنَعَ ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً أَسْقَطَهُ طَارِئًا.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْجَدَّ يُحَدُّ إِذَا قَذَفَ وَلَدَ وَلَدِهِ لِعُمُومِ الأْدِلَّةِ.

الْجَلْدُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ:

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ إِذَا قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً، فَحَدُّهُ ثَمَانُونَ جَلْدَةً، وَأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَلقوله تعالي : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً).

وقوله تعالي : ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 305

حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :

مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  189

قَذْفُ الْمُرْتَدِّ غَيْرَهُ:

إِذَا قَذَفَ الْمُرْتَدُّ غَيْرَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِشُرُوطِهِ، إِلاَّ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَيْثُ لاَ سُلْطَةَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَالْقَضِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى شَرَائِطِ الْقَذْفِ، وَلَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا إِسْلاَمُ الْقَاذِفِ،.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع والعشرون ، الصفحة / 16

الْقَذْفُ:

امْتَازَتْ صِيغَةُ الْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الصِّيَغِ بِمَجِيءِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ فِيهَا، فَالْقَذْفُ الصَّرِيحُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صَرَاحَتِهِ مِنْ قِبَلِ الْعُلَمَاءِ هُوَ أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: زَنَيْتَ، أَوْ يَا زَانِي، أَوْ لاِمْرَأَةٍ: زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِيَةَ فَهَذِهِ الأْلْفَاظُ لاَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ غَيْرَ الْقَذْفِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنَ النُّونِ وَالْيَاءِ وَالْكَافِ، وَكَذَا كُلُّ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ وَصْفُ الْحُرْمَةِ، وَكَذَا نَفْيُ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ بِقَوْلِهِ: لَسْتَ لأِبِيكَ.

وَمِنْ صَرِيحِ الْقَذْفِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ: الرَّمْيُ بِالإْصَابَةِ فِي الدُّبُرِ كَقَوْلِهِ: لُطْتَ، أَوْ لاَطَ بِكَ فُلاَنٌ، سَوَاءٌ خُوطِبَ بِهِ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ. وَأَمَّا الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ قَذْفٌ إِنْ قُلْنَا: يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَأَمَّا الْكِنَايَةُ: فَكَقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ: يَا فَاجِرُ، وَلِلْمَرْأَةِ: يَا خَبِيثَةُ.

وَأَمَّا التَّعْرِيضُ: فَكَقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَحَلُّهُ (قَذْفٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 5

قَذْفٌ

التَّعْرِيفُ:

الْقَذْفُ لُغَةً: الرَّمْيُ مُطْلَقًا، وَالتَّقَاذُفُ التَّرَامِي، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضى الله عنها  قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ فِيهِ الأْنْصَارُ مِنَ الأْشْعَارِ يَوْمَ بُعَاثٍ» أَيْ: تَشَاتَمَتْ، وَفِيهِ مَعْنَى الرَّمْيِ؛ لأِنَّ الشَّتْمَ رَمْيٌ بِمَا يَعِيبُهُ وَيَشِينُهُ.

وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: «فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ»، وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: رَمْيُ مُكَلَّفٍ حُرًّا مُسْلِمًا بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ بِزِنًا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - اللِّعَانُ:

- اللِّعَانُ لُغَةً: مَصْدَرُ لاَعَنَ كَقَاتَلَ مِنَ اللَّعْنِ، وَهُوَ الطَّرْدُ وَالإْبْعَادُ.

وَاصْطِلاَحًا: عِبَارَةٌ عَنْ كَلِمَاتٍ مَعْلُومَةٍ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إِلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْعَارَ أَوْ شَهَادَاتٍ مُؤَكَّدَاتٍ بِالأْيْمَانِ، مَقْرُونَةٍ بِاللَّعْنِ مِنْ جِهَةٍ، وَبِالْغَضَبِ مِنَ الأْخْرَى، قَائِمَةٍ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ، وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ أَنَّ اللِّعَانَ سَبَبٌ لِدَرْءِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنِ الزَّوْجِ.

ب - السَّبُّ:

- السَّبُّ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الشَّتْمُ، وَهُوَ: كُلُّ كَلاَمٍ قَبِيحٍ.

وَالصِّلَةُ: أَنَّ السَّبَّ أَعَمُّ مِنَ الْقَذْفِ.

ج - الرَّمْيُ:

- مِنْ مَعَانِي الرَّمْيِ: الْقَذْفُ وَالإْلْقَاءُ، قَالَ تَعَالَى:  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ)  أَيْ: يَقْذِفُونَ، وَيُقَالُ: رَمَيْتُ الْحَجَرَ: أَلْقَيْتُهُ.

وَالرَّمْيُ أَعَمُّ مِنَ الْقَذْفِ. 

د - الزِّنَا:

- الزِّنَا بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبِالْمَدِّ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ، وَمَعْنَاهُ الْفُجُورُ، يُقَالُ: زَنَى يَزْنِي زِنًا: فَجَرَ. وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْقَذْفَ اتِّهَامٌ بِالزِّنَا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

- قَذْفُ الْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالأْصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)  وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:  (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ».

وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ ثُمَّ يَعْتَزِلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الزِّنَى وَأَمْكَنَهُ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا.

وَمُبَاحٌ: وَهُوَ أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي، أَوْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ زِنَاهَا، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ.

صِيغَةُ الْقَذْفِ:

الْقَذْفُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَتَعْرِيضٌ.

فَاللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ: إِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وَإِلاَّ فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ، وَإِلاَّ فَتَعْرِيضٌ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَذْفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِشُرُوطِهِ.

وَأَمَّا الْكِنَايَةُ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ:

إِذَا أَنْكَرَ الْقَذْفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، لِلإْيذَاءِ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إِذَا خَرَجَ اللَّفْظُ مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُبِسَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ. 

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الأْلْفَاظِ:

فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، يَا خَبِيثُ، أَوْ لاِمْرَأَةٍ: يَا فَاجِرَةُ، يَا فَاسِقَةُ، يَا خَبِيثَةُ، أَوْ أَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، أَوْ لاَ تَرُدِّينَ يَدَ لاَمِسٍ، فَإِنْ أَنْكَرَ إِرَادَةَ الْقَذْفِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لأِنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا قَالَ لآِخَرَ: يَا فَاجِرُ، يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ، أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، يُؤَدَّبُ، فَإِذَا قَالَ: يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفًا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يُحْبَسُ، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ.

وَإِذَا قَالَ: يَا فَاجِرُ بِفُلاَنَةَ، فَفِيهِ قَوْلاَنِ: الأْوَّلُ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إِذَا قَالَ: يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ.

الثَّانِي: أَنْ يُضْرَبَ حَدَّ الْقَذْفِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَمْرٍ صَنَعَهُ مِنْ وُجُوهِ الْفُجُورِ، أَوْ مِنْ أَمْرٍ يَدَّعِيهِ، فَيَكُونُ فِيهِ مَخْرَجٌ لِقَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِذَا قَالَ لآِخَرَ: يَا مُخَنَّثُ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إِلاَّ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا، فَإِنْ حَلَفَ عُفِيَ عَنْهُ بَعْدَ الأْدَبِ، وَلاَ يُضْرَبُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ يَمِينُهُ، إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ فِيهِ تَأْنِيثٌ وَلِينٌ وَاسْتِرْخَاءٌ، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ، وَيَحْلِفُ إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَأْنِيثَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ضُرِبَ الْحَدَّ، وَلَمْ تُقْبَلْ يَمِينُهُ، إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا وَلَوْ قَالَ لاِمْرَأَةٍ: يَا قَحْبَةُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ حَدَّ إِلاَّ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ، فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لآِخَرَ: يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا فَاجِرُ، أَوْ يَا فَاجِرُ ابْنَ الْفَاجِرِ، أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ مَا نَسَبَهُ وَلاَ أُمَّهُ إِلَى صَرِيحِ الزِّنَا، فَالْفُجُورُ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِ الزِّنَا، وَالْقَحْبَةُ مَنْ يَكُونُ مِنْهَا هَذَا الْفِعْلُ، فَلاَ يَكُونُ هَذَا قَذْفًا بِصَرِيحِ الزِّنَا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ، فَقَدْ أَوْجَبْنَاهُ بِالْقِيَاسِ، وَلاَ مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحَدِّ، لَكِنَّهُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ؛ لأِنَّهُ ارْتَكَبَ حَرَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ؛ وَلأِنَّهُ أَلْحَقَ بِهِ نَوْعَ شَيْنٍ بِمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ، لِدَفْعِ ذَلِكَ الشَّيْنِ عَنْهُ.

- وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لآِخَرَ: زَنَأْتَ مَهْمُوزًا، كَانَ قَذْفًا صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لاَ يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الْقَذْفَ، فَكَانَ قَذْفًا، كَمَا لَوْ قَالَ: زَنَيْتَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ:

أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَكِنَايَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامَّةِ فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأِنَّ الْعَامَّةَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ زَنَيْتَ وَزَنَأْتَ.

وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ عَامِّيًّا فَهُوَ قَذْفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا.

- وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، لاَ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمُحَمَّدٍ يُحَدُّ؛ لأِنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلاَّمَةٍ وَنَسَّابَةٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلْحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لأِنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لأِحَدِ الْجِنْسَيْنِ، كَانَ قَذْفًا لِلآْخَرِ، كَقَوْلِهِ: زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا جَمِيعًا؛ وَلأِنَّ هَذَا خِطَابٌ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِ بِلَفْظِ الزِّنَا، وَذَلِكَ يُغْنِي عَنِ التَّمْيِيزِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَحَذْفِهَا، وَلَوْ قَالَ لاِمْرَأَةٍ: «يَا زَانِي» حُدَّ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لأِنَّ التَّرْخِيمَ شَائِعٌ، كَقَوْلِهِمْ فِي «مَالِكٍ»: «يَا مَالِ» وَفِي «حَارِثٍ»: «يَا حَارِ».

- وَإِنْ قَالَ زَنَى فَرْجُكِ، أَوْ ذَكَرُكَ، فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأِنَّ الزِّنَا يَقَعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: زَنَتْ عَيْنُكَ، أَوْ يَدُكَ، أَوْ رِجْلُكَ، فَلَيْسَ بِقَذْفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلاَنِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، إِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ كَانَ قَذْفًا، وَإِلاَّ فَلاَ؛ لأِنَّ الزِّنَا لاَ يُوجَدُ مِنْ هَذِهِ الأْعْضَاءِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ قَذْفٌ، لأِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَى عُضْوٍ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا أَضَافَهُ إِلَى الْفَرْجِ فَإِنْ قَالَ: زَنَى بَدَنُكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لأِنَّ الزِّنَا بِجَمِيعِ الْبَدَنِ يَكُونُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَذْفٌ؛ لأِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَالْفَرْجُ دَاخِلٌ فِيهِ.

وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلاَنٍ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا؛ لأِنَّ أَفْعَلَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِلْمِ، فَكَانَ مَعْنَى كَلاَمِهِ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِالزِّنَا مِنْ فُلاَنٍ، أَوْ أَنْتَ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا مِنْ فُلاَنٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَكُونُ قَذْفًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ قَذْفًا فَيُحَدُّ، وَهَلْ يَكُونُ قَاذِفًا لِلثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ، لأِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَيْهِمَا، وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا فِيهِ أَبْلَغَ مِنَ الآْخَرِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ: «أَفْعَلَ» لِلتَّفْضِيلِ، فَيَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ، وَتَفْضِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: «أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ».

وَالثَّانِي: يَكُونُ قَاذِفًا لِلْمُخَاطَبِ خَاصَّةً؛ لأِنَّ لَفْظَةَ: «أَفْعَلَ» قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:  (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَالَ لِرَجُلٍ:

يَا زَانِي، فَقَالَ آخَرُ: صَدَقْتَ، لَمْ يُحَدَّ الْمُصَدِّقُ؛ لأِنَّهُ مَا صَرَّحَ بِنِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَا، وَتَصْدِيقُهُ إِيَّاهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الزِّنَا وَفِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ فِي الزِّنَا، وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لاَ يَكْفِي لإِيجَابِ الْحَدِّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَالَ: صَدَقْتَ هُوَ كَمَا قُلْتَ، فَحِينَئِذٍ قَدْ صَرَّحَ بِكَلاَمِهِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّصْدِيقُ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الزِّنَا، فَيَكُونُ قَاذِفًا لَهُ.

وَقَالَ زُفَرُ: فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحَدَّانِ جَمِيعًا، وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ زَانٍ، وَقَالَ آخَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَيْضًا، لاَ حَدَّ عَلَى الآْخَرِ؛ لأِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ كَلاَمٌ مُحْتَمَلٌ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْقَذْفُ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا شَهِدْتَ بِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ.

وَمَنْ قَذَفَ رَجُلاً بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ إِمَّا فَاعِلاً أَوْ مَفْعُولاً، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لأِنَّهُ قَذَفَهُ بِوَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَأَشْبَهَ الْقَذْفَ بِالزِّنَا، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ قَذَفَهُ بِمَا لاَ يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً أَنَّهَا وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا، أَوْ قَذَفَ رَجُلاً بِوَطْءِ امْرَأَةٍ فِي دُبُرِهَا.

وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: «يَا لُوطِيُّ»، وَقَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ، وَمَا صَحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلاَ يُسْمَعُ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُحِيلُ الْقَذْفَ، لأِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لاَ يُفْهَمُ مِنْهَا إِلاَّ الْقَذْفُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَتْ صَرِيحَةً فِيهِ، كَقَوْلِهِ: «يَا زَانِي»، وَلأِنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلاَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِمْ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا قَالَ: نَوَيْتُ أَنَّ دِينَهُ دِينُ قَوْمِ لُوطٍ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسَّرَ كَلاَمَهُ بِمَا لاَ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ فَسَّرَهُ بِهِ مُتَّصِلاً بِكَلاَمِهِ.

حُكْمُ التَّعْرِيضِ:

وَأَمَّا التَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ قَذْفٌ، كَقَوْلِهِ: مَا أَنَا بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُحَدُّ؛ لأِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ لِلشُّبْهَةِ، وَيُعَاقَبُ بِالتَّعْزِيرِ؛ لأِنَّ الْمَعْنَى: بَلْ أَنْتَ زَانٍ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَرَّضَ بِالْقَذْفِ غَيْرُ أَبٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ فُهِمَ الْقَذْفُ بِتَعْرِيضِهِ بِالْقَرَائِنِ، كَخِصَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، أَمَّا الأْبُ إِذَا عَرَّضَ لِوَلَدِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحَدُّ، لِبُعْدِهِ عَنِ التُّهْمَةِ.

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلإْمَامِ أَحْمَدَ؛ لأِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه اسْتَشَارَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ فِي رَجُلٍ قَالَ لآِخَرَ: مَا أَنَا بِزَانٍ وَلاَ أُمِّي بِزَانِيَةٍ. فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدْ مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَّضَ لِصَاحِبِهِ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ.

وَالتَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: يَا ابْنَ الْحَلاَلِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَأُمِّي لَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ؛ لأِنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُؤَثِّرُ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظَ الْمَنْوِيَّ، وَلاَ دَلاَلَةَ هُنَا فِي اللَّفْظِ، وَلاَ احْتِمَالَ، وَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُسْتَنَدُهُ قَرَائِنُ الأْحْوَالِ، هَذَا هُوَ الأْصَحُّ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ، أَيْ عَنِ الْقَذْفِ، لِحُصُولِ الْفَهْمِ وَالإْيذَاءِ، فَإِنْ أَرَادَ النِّسْبَةَ إِلَى الزِّنَا فَقَذْفٌ، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الْغَضَبِ وَغَيْرُهَا

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.

شُرُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ:

لِحَدِّ الْقَذْفِ شُرُوطٌ فِي الْقَاذِفِ، وَشُرُوطٌ فِي الْمَقْذُوفِ:

أ - شُرُوطُ الْقَاذِفِ:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاذِفِ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالاِخْتِيَارُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي شُرُوطٍ، مِنْهَا:

1- الإْقَامَةُ فِي دَارِ الْعَدْلِ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ احْتِرَازًا عَنِ الْمُقِيمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.

2 - النُّطْقُ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَى الأْخْرَسِ.

3 - الْتِزَامُ أَحْكَامِ الإْسْلاَمِ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَى حَرْبِيٍّ، لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ.

4 - الْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَى جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإْسْلاَمِ، أَوْ بُعْدِهِ عَنِ الْعُلَمَاءِ.

5 - عَدَمُ إِذْنِ الْمَقْذُوفِ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ الأْكْثَرِينَ.

6 - أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ غَيْرَ أَصْلٍ لِلْمَقْذُوفِ: وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُحَدُّ الأْبُ بِقَذْفِ ابْنِهِ.

ب - شُرُوطُ الْمَقْذُوفِ:

كَوْنُ الْمَقْذُوفِ مُحْصَنًا:

- يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْذُوفِ - الَّذِي يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ - أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا، وَشُرُوطُ الإْحْصَانِ فِي الْقَذْفِ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالإْسْلاَمُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَا، فَإِنْ قَذَفَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ مَا رَمَى بِهِ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ لَوْ تَحَقَّقَ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحَدُّ، فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ، كَمَا لَوْ قَذَفَ عَاقِلاً بِمَا دُونَ الْوَطْءِ، وَإِنْ قَذَفَ كَافِرًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ»، وَإِنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ نَقْصَ الرِّقِّ يَمْنَعُ كَمَالَ الْحَدِّ، فَيَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِهِ، وَإِنْ قَذَفَ زَانِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  فَأَسْقَطَ الْحَدَّ عَنْهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ زَنَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَذَفَهُ وَهُوَ زَانٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا: يُحَدُّ قَاذِفُهَا، خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً، فَإِنَّ الْحَدَّ بِعِلَّةِ إِلْحَاقِ الْعَارِ، وَمِثْلُهَا يَلْحَقُهُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَان ف 15 - 19).

وُقُوعُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الإْسْلاَمِ:

- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي غَيْرِ دَارِ الإْسْلاَمِ، مَعَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْقَاذِفِ، كَمَا يَجِبُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، لأِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الإْسْلاَمِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الْحُدُودِ؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة) ، وَقَالَ تَعَالَى:  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْثَمَانِينَ جَلْدَةً) ، وَقَالَ: تعالي : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)  وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ، وَلاَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَالْحَرَامُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ حَرَامٌ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَمَنْ أَصَابَ حَرَامًا فَقَدْ حَدَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَلاَ تَضَعُ عَنْهُ بِلاَدُ الْكُفْرِ شَيْئًا، وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؛ لأِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِقَامَتِهِ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ إِذَا رَجَعَ إِلَى بِلاَدِ الإْسْلاَمِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي غَيْرِ دَارِ الإْسْلاَمِ؛ لأِنَّهُ فِي دَارٍ لاَ حَدَّ عَلَى أَهْلِهَا؛ وَلأِنَّهُ ارْتَكَبَ السَّبَبَ وَهُوَ لَيْسَ تَحْتَ وِلاَيَةِ الإْمَامِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلإْمَامِ وِلاَيَةُ الاِسْتِيفَاءِ إِذَا ارْتَكَبَ السَّبَبَ وَهُوَ تَحْتَ وِلاَيَتِهِ، وَبِدُونِ الْمُسْتَوْفَى لاَ يَجِبُ الْحَدُّ.

وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا، لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الأْوَّلِ؛ لأِنَّ الْمُغَلَّبَ فِي هَذَا الْحَدِّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلأِنَّهُ لَيْسَ لِلإْمَامِ عَلَيْهِ وِلاَيَةُ الاِسْتِيفَاءِ، حِينَ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِدُخُولِهِ دَارَنَا بِأَمَانٍ.

وَيُحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الآْخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ  رحمهم الله ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِّ مَعْنَى حَقِّ الْعَبْدِ، وَهُوَ مُلْتَزِمٌ حُقُوقَ الْعِبَادِ؛ وَلأِنَّهُ بِقَذْفِ الْمُسْلِمِ يَسْتَخِفُّ بِهِ، وَمَا أُعْطِيَ الأْمَانَ عَلَى أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا يُحَدُّ بِقَذْفِ الْمُسْلِمِ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (دَارُ الْحَرْبِ ف 5).

حَدُّ الْقَذْفِ:

حَدُّ الْقَذْفِ لِلْحُرِّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  وَيُنَصَّفُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْجَلْدِ فِي الْحَدِّ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (حُدُود ف 46، 47 وَ 48).

وَيُشْتَرَطُ لإِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ تَمَامِ الْقَذْفِ بِشُرُوطِهِ شَرْطَانِ.

الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَأْتِيَ الْقَاذِفُ بِبَيِّنَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ) ، فَيُشْتَرَطُ فِي جَلْدِهِمْ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الإْقْرَارِ مِنَ الْمَقْذُوفِ؛ لأِنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا اشْتُرِطَ امْتِنَاعُهُ مِنَ اللِّعَانِ، وَلاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا.

الثَّانِي: مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ وَاسْتِدَامَةُ مُطَالَبَتِهِ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ؛ لأِنَّهُ حَقُّهُ، فَلاَ يُسْتَوْفَى قَبْلَ طَلَبِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَدَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ يَشْتَرِطِ الْمُطَالَبَةَ، بَلْ عَلَى الإْمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ إِلَيْهِ.

مَا يَسْقُطُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ:

أَوَّلاً: عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عَنِ الْقَاذِفِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَفْوِ الْمَقْذُوفِ عَنِ الْقَاذِفِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّ لِلْمَقْذُوفِ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَاذِفِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الرَّفْعِ إِلَى الإْمَامِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ إِلَيْهِ؛ لأِنَّهُ حَقٌّ لاَ يُسْتَوْفَى إِلاَّ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ بِاسْتِيفَائِهِ، فَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ كَالْقِصَاصِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ فِي إِقَامَتِهَا طَلَبُ اسْتِيفَائِهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ، سَوَاءٌ رُفِعَ إِلَى الإْمَامِ أَوْ لَمْ يُرْفَعْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ بَعْدَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الإْمَامِ، إِلاَّ الاِبْنُ فِي أَبِيهِ، أَوِ الَّذِي يُرِيدُ سَتْرًا، عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ الْعَفْوُ مِنْ أَصْحَابِ الْفَضْلِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْعَفَافِ؛ لأِنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُدَارُونَ بِعَفْوِهِمْ سَتْرًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ حَقٌّ لِلآْدَمِيِّينَ أَوْ حَقٌّ لِكِلَيْهِمَا؟ فَمَنْ قَالَ حَقٌّ لِلَّهِ: لَمْ يُجِزِ الْعَفْوَ كَالزِّنَا، وَمَنْ قَالَ حَقٌّ لِلآْدَمِيِّينَ: أَجَازَ الْعَفْوَ، وَمَنْ قَالَ حَقٌّ لِكِلَيْهِمَا وَغَلَبَ حَقُّ الإْمَامِ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ، قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَصِلَ الإْمَامَ أَوْ لاَ يَصِلَ، وَقِيَاسًا عَلَى الأْثَرِ الْوَارِدِ فِي السَّرِقَةِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي سَرَقَ رِدَاءَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَلاَّ يُقْطَعَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «فَهَلاَّ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ»، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ الَّذِي سَرَقَ: «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  بِقَطْعِهِ، فَرَأَوْا مِنْهُ أَسَفًا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ، قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي؟ لاَ تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ، إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلإْمَامِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُقِيمَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ» .

وَعُمْدَةُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ حَقٌّ لِلآْدَمِيِّينَ - وَهُوَ الأْظْهَرُ -: أَنَّ الْمَقْذُوفَ إِذَا صَدَّقَهُ فِيمَا قَذَفَهُ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ.

ثَانِيًا: اللِّعَانُ:

وَذَلِكَ إِذَا رَمَى الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا، أَوْ نَفَى حَمْلَهَا أَوْ وَلَدَهَا مِنْهُ، وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى مَا رَمَاهَا بِهِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْهُ إِذَا لاَعَنَ زَوْجَتَهُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (لِعَان).

ثَالِثًا: الْبَيِّنَةُ:

إِذَا ثَبَتَ زِنَا الْمَقْذُوفِ بِشَهَادَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ حُدَّ الْمَقْذُوفُ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)  وَفِي بَيَانِ إِثْبَاتِ الزِّنَا بِالشَّهَادَةِ أَوِ الإْقْرَارِ انْظُرِ الْمُصْطَلَحَاتِ (إِقْرَار ف 34 - 37، وَشَهَادَة ف 29، وَزِنًى ف 30 - 41).

رَابِعًا: زَوَالُ الإْحْصَانِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا، ثُمَّ زَالَ أَحَدُ أَوْصَافِ الإْحْصَانِ عَنْهُ، كَأَنْ زَنَى الْمَقْذُوفُ أَوِ ارْتَدَّ أَوْ جُنَّ، سَقَطَ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ؛ لأِنَّ الإْحْصَانَ يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ، وَكَذَلِكَ اسْتِمْرَارُهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ: حَدَّ الْقَذْفِ يَسْقُطُ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ؛ لأِنَّ الإْحْصَانَ لاَ يُسْتَيْقَنُ بَلْ يُظَنُّ، وَلَكِنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لاَ يَسْقُطُ بِرِدَّةِ الْمَقْذُوفِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالزِّنَا أَنَّ الزِّنَا يُكْتَمُ مَا أَمْكَنَ، فَإِذَا ظَهَرَ أَشْعَرَ بِسَبْقِ مِثْلِهِ؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ لاَ يَهْتِكُ السِّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ - رضي الله عنه - وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ، وَالْعَقَائِدُ لاَ تَخْفَى غَالِبًا، فَإِظْهَارُهَا لاَ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْخَفَاءِ، وَلاَ يَسْقُطُ كَذَلِكَ بِجُنُونِ الْمَقْذُوفِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْقَذْفَ إِذَا ثَبَتَ لاَ يَسْقُطُ بِزَوَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الإْحْصَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ جُنَّ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ بِذَلِكَ.

خَامِسًا: رُجُوعُ الشُّهُودِ أَوْ بَعْضِهِمْ عَنِ الشَّهَادَةِ:

إِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، سَقَطَ الْحَدُّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ إِذَا رَجَعَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَا يَثْبُتُ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ مِنْهُمْ؛ لأِنَّ رُجُوعَهُمْ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (رُجُوع ف 37).

التَّعْزِيرُ فِي الْقَذْفِ:

لاَ يُقَامُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ إِلاَّ بِشُرُوطِهِ، فَإِذَا انْعَدَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا أَوِ اخْتَلَّ، فَإِنَّ الْجَانِيَ لاَ يُحَدُّ، وَيُعَزَّرُ عِنْدَ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ؛ لأِنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَعْزِير ف 37).

ثُبُوتُ فِسْقِ الْقَاذِفِ وَرَدُّ شَهَادَتِهِ:

إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، فَحُقِّقَ قَذْفُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِعَانٍ، أَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ أَجْنَبِيًّا، فَحُقِّقَ قَذْفُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَذْفَةِ فِسْقٌ، وَلاَ حَدٌّ، وَلاَ رَدُّ شَهَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحَقَّقْ قَذْفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِفِسْقِهِ، وَرَدِّ شَهَادَتِهِ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .

فَإِنْ تَابَ الْقَاذِفُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ، وَزَالَ الْفِسْقُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إِذَا جُلِدَ وَإِنْ تَابَ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْبَة ف 21).

تَكْرَارُ الْقَذْفِ:

إِنْ قَذَفَ رَجُلاً مَرَّاتٍ فَلَمْ يُحَدَّ، وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ قَذَفَهُ بِزِنًا وَاحِدٍ أَوْ بِزِنْيَاتٍ؛ لأِنَّهُمَا حَدَّانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلاَ كَمَا لَوْ زَنَى ثُمَّ زَنَى، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ؛ لأِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالدُّيُونِ.

وَإِنْ قَذَفَهُ فَحُدَّ ثُمَّ أَعَادَ قَذْفَهُ، نُظِرَ: فَإِنْ قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي حُدَّ مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَعُزِّرَ لِلإْيذَاءِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمَّا حُدَّ بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ، أَعَادَ قَذْفَهُ، فَلَمْ يَرَوْا عَلَيْهِ حَدًّا ثَانِيًا، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ عُمَارَةَ قَالَ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ أَنَّهُ زَانٍ  فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ وَقَالَ: شَاطَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَجَاءَ زِيَادٌ فَقَالَ: أَمَّا عِنْدَكَ؟ فَلَمْ يَثْبُتْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَجُلِدُوا، وَقَالَ: شُهُودُ زُورٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَلَيْسَ تَرْضَى إِنْ أَتَاكَ رَجُلٌ عَدْلٌ يَشْهَدُ بِرَجْمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْجَلْدَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ أَعَدْتَ عَلَيْهِ الْجَلْدَ أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ الرَّجْمَ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «فَلاَ يُعَادُ فِي فِرْيَةٍ جَلْدٌ مَرَّتَيْنِ».

فَأَمَّا إِنْ حُدَّ لَهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ بِزِنًا ثَانٍ، نُظِرَ: فَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَحَدٌّ ثَانٍ؛ لأِنَّهُ لاَ يُسْقِطُ حُرْمَةَ الْمَقْذُوفِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاذِفِ أَبَدًا، بِحَيْثُ يُمَكَّنُ مِنْ قَذْفِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ قَذَفَهُ عَقِيبَ حَدِّهِ فَفِيهِ رَأْيَانِ:

الأْوَّلُ: يُحَدُّ أَيْضًا؛ لأِنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِيهِ بِحَدٍّ، فَيَلْزَمُ فِيهِ حَدٌّ، كَمَا لَوْ طَالَ الْفَصْلُ؛ وَلأِنَّ سَائِرَ أَسْبَابِ الْحَدِّ إِذَا تَكَرَّرَتْ بَعْدَ أَنْ حُدَّ لِلأَوَّلِ، ثَبَتَ لِلثَّانِي حُكْمُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأْسْبَابِ.

الثَّانِي: لاَ يُحَدُّ؛ لأِنَّهُ قَدْ حُدَّ لَهُ مَرَّةً، فَلَمْ يُحَدَّ لَهُ بِالْقَذْفِ عَقِبَهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا الأْوَّلِ.

حُكْمُ قَذْفِ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ:

- مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهَذَا الْوَطْءِ إِحْصَانُهُ، فَإِنْ سَقَطَ بِهَذَا الْوَطْءِ إِحْصَانُهُ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ؛ لأِنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَيُعَزَّرُ لِلإْيذَاءِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلاً اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا، أَوْ قَذَفَهَا، فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ؛ لأِنَّ قَذْفَهُ لِلزَّانِي كَانَ حَقًّا، وَلأِنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، لَكِنَّ الزِّنَا بِهَا يُسْقِطُ إِحْصَانَهَا مَعَ رَفْعِ الإْثْمِ عَنْهَا.

انْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَان ف 7) وَمُصْطَلَحِ (زِنًا ف 16 - 21)

حُكْمُ مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا:

نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَسْقُطْ إِحْصَانُهُ، وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لأِنَّ الْوَطْءَ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةَ بِعَارِضٍ عَلَى احْتِمَالِ الزَّوَالِ، وَهَذَا لأِنَّ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ بِالْمَحَلِّ لاَ يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا وَلاَ فِي مَعْنَاهُ.

حُكْمُ قَذْفِ وَلَدِ الزِّنَا:

- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ: مَنْ قَذَفَ وَلَدَ الزِّنَا فِي نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّهُ مُحْصَنٌ عَفِيفٌ، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لأِبَوَيْهِ، وَفِعْلُهُمَا لاَ يُسْقِطُ إِحْصَانَهُ.

حُكْمُ قَذْفِ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ:

- وَمَنْ قَذَفَ وَلَدَ الْمُلاَعَنَةِ فَقَالَ: هُوَ وَلَدُ زِنًا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَضَى فِي الْمُلاَعَنَةِ أَنْ لاَ تُرْمَى، وَلاَ يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ»؛ وَلأِنَّهُ مُحْصَنٌ عَفِيفٌ. وَإِذَا قَالَ الْقَاذِفُ: هُوَ مِنَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ أُمُّهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، أَمَّا إِنْ قَالَ: لَيْسَ هُوَ ابْنَ فُلاَنٍ يَعْنِي الْمُلاَعِنَ، وَأَرَادَ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لأِنَّهُ صَادِقٌ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ قَالَ لاِبْنِ الْمُلاَعَنَةِ: لَسْتَ لأِبِيكَ الَّذِي لاَعَنَ أُمَّكَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.

حُكْمُ مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ:

لاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ مَنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ، وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فِي مَعْنَى الزِّنَا فَيَسْقُطُ إِحْصَانُهُ، فَلاَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ.

وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّهُ وَطْءٌ لاَ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ فَلَمْ يَسْقُطِ الإْحْصَانُ، فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ.

حُكْمُ قَذْفِ اللَّقِيطِ:

- وَمَنْ قَذَفَ اللَّقِيطَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مُحْصَنًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ قَذْفَ الْمُحْصَنِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ.

وَمَنْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الزِّنَا، فَفِيهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الأْوَّلُ: يُحَدُّ لاِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نُبِذَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ. الثَّانِي: لاَ يُحَدُّ لأِنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَنْبُوذِ أَنْ يَكُونَ ابْنَ زِنًا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ.

وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الزَّانِي، أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، فَهَذَا قَذْفٌ بِزِنَا أَبَوَيْهِ، لاَ بِنَفْيِ نَسَبٍ، فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ اتِّفَاقًا، وَعَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِجَهْلِ أَبَوَيْهِ. 

قَذْفُ الْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا:

- وَمَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ فَلاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ؛ لأِنَّهُ صَادِقٌ سَوَاءٌ قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ، أَوْ بِزِنًا آخَرَ أَوْ مُبْهَمًا؛ لأِنَّهُ رَمَى غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لأِنَّ الْمُحْصَنَ لاَ يَكُونُ زَانِيًا، وَمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ إِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ يُعَزَّرُ؛ لأِنَّهُ آذَى مَنْ لاَ يَجُوزُ أَذَاهُ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ تَابَ بَعْدَ زِنَاهُ وَصَلُحَ حَالُهُ، فَلَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا أَبَدًا، وَلَوْ لاَزَمَ الْعَدَالَةَ وَصَارَ مِنْ أَوْرَعِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَزْهَدِهِمْ، فَلاَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ، سَوَاءٌ أَقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا أَمْ بِزِنًا بَعْدَهُ أَمْ أَطْلَقَ؛ لأِنَّ الْعِرْضَ إِذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَا لَمْ يَزُلْ خَلَلُهُ بِمَا يَطْرَأُ مِنَ الْعِفَّةِ، وَلاَ يَرِدُ حَدِيثُ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ» لأِنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآْخِرَةِ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ: مِنْ شُرُوطِ الْمَقْذُوفِ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنِ الزِّنَا فِي ظَاهِرِ حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ تَائِبًا مِنْهُ؛ لأِنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، ثُمَّ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمَقْذُوفَ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا، وَلَوْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ أَوْ حُدَّ لِلزِّنَا، فَلاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَيُعَزَّرُ.

وَحُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّهُ إِنْ قَذَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا، أَوْ بِالزِّنَا مُبْهَمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ الرَّمْيَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّامِي صَادِقًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ صَادِقًا إِذَا نَسَبَهُ إِلَى ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ، فَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ كَاذِبٌ مُلْحِقٌ لِلشَّيْنِ بِهِ.

قَذْفُ الْمَرْأَةِ الْمُلاَعَنَةِ:

- وَمَنْ قَذَفَ الْمُلاَعَنَةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ؛ لأِنَّ إِحْصَانَهَا لَمْ يَسْقُطْ بِاللِّعَانِ، وَلاَ يَثْبُتُ الزِّنَا بِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا بِهِ حَدٌّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَضَى فِي الْمُلاَعَنَةِ أَنْ لاَ تُرْمَى وَلاَ يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ».

وَاتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ الْجُمْهُورِ إِذَا كَانَتِ الْمُلاَعَنَةُ بِغَيْرِ وَلَدٍ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ بِوَلَدٍ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا، وَهِيَ وِلاَدَةُ وَلَدٍ لاَ أَبَ لَهُ، فَفَاتَتِ الْعِفَّةُ نَظَرًا إِلَيْهَا، وَالْعِفَّةُ شَرْطُ الإْحْصَانِ.

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ قَاذِفَ الْمُلاَعَنَةِ إِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ كَانَ زَوْجًا وَقَذَفَهَا فِي غَيْرِ مَا لاَعَنَهَا فِيهِ حُدَّ مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ الْمُلاَعِنُ نَفْسُهُ وَقَذَفَهَا فِيمَا لاَعَنَهَا فِيهِ لَمْ يُحَدَّ، وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَطْلَقَ الْقَذْفَ.

قَذْفُ الْمَيِّتِ:

أَوْجَبَ الْجُمْهُورُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا مُحْصَنًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِذَا طَالَبَ بِالْحَدِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ لأِنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ إِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ، وَالْمَوْتُ يُقَرِّرُ الإْحْصَانَ وَلاَ يَنْفِيهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَكَانَ لَهَا ابْنٌ مُحْصَنٌ فَإِنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحَدِّ؛ لأِنَّ قَذْفَ أُمِّهِ قَذْفٌ لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلاَ يُحَدُّ.

قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ:

- مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ قَذَفَهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ لاَعَنَهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُلاَعِنْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَأَيُّهُمَا طَالَبَ حُدَّ لَهُ وَمَنْ لَمْ يُطَالِبْ فَلاَ يُحَدَّ لَهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَذْفَ لِلزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا حَقٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ وَلاَ الْحَدُّ.

حُكْمُ مَنْ قَذَفَ الأْجْنَبِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا:

- مَنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلاَ يُلاَعِنُ، لأِنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً فَوَجَبَ الْحَدُّ، وَلاَ يَمْلِكُ اللِّعَانَ لأِنَّهُ قَاذِفٌ غَيْرَ زَوْجَةٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ.

مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهَا أَوْلاَدٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ:

مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهَا أَوْلاَدٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا، وَهِيَ وِلاَدَةُ وَلَدٍ لاَ أَبَ لَهُ فَفَاتَتِ الْعِفَّةُ نَظَرًا إِلَيْهَا، وَهِيَ شَرْطُ الإْحْصَانِ وَيُعَزَّرُ لِلإْيذَاءِ.

قَذْفُ وَاحِدٍ لِجَمَاعَةٍ:

مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ طَالَبُوهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ طَالَبُوهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. فَإِنْ حُدَّ لِلأْوَّلِ لَمْ يُحَدَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ حُضُورَ بَعْضِهِمْ لِلْخُصُومَةِ كَحُضُورِ كُلِّهِمْ، فَلاَ يُحَدُّ  ثَانِيًا إِلاَّ إِذَا كَانَ بِقَذْفٍ آخَرَ مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَطَاوُسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.

وَعِنْدَ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: إِذَا قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَاتٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ؛ لأِنَّهَا حُقُوقٌ لآِدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالدُّيُونِ.

وَأَمَّا إِذَا قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، وَرَجَّحَهَا فِي الْمُغْنِي لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ؛ وَلأِنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ قَذَفُوا امْرَأَةً، فَلَمْ يَحُدَّهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه إِلاَّ حَدًّا وَاحِدًا؛ وَلأِنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجِبْ إِلاَّ حَدٌّ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَذَفَ وَاحِدًا؛ وَلأِنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وَجَبَ بِإِدْخَالِ الْمَعَرَّةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ، وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ هَذَا الْقَاذِفِ وَتَزُولُ الْمَعَرَّةُ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ قَذْفًا مُفْرَدًا فَإِنَّ كَذِبَهُ فِي قَذْفٍ لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي آخَرَ، وَلاَ تَزُولُ الْمَعَرَّةُ عَنْ أَحَدِ الْمَقْذُوفَيْنِ بِحَدِّهِ لِلآْخَرِ. 

وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ، لأِنَّهُ أَلْحَقَ الْعَارَ بِقَذْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ حَدٌّ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَذْفِ.

وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِيمَا إِذَا قَذَفَ إِنْسَانًا فَحُدَّ لَهُ وَفِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ الْحَدِّ قَذَفَ إِنْسَانًا آخَرَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يُقَامُ إِلاَّ حَدٌّ وَاحِدٌ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الضَّرْبِ إِلاَّ سَوْطٌ وَاحِدٌ، فَلاَ يُضْرَبُ إِلاَّ ذَلِكَ السَّوْطَ لِلتَّدَاخُلِ؛ لأِنَّهُ اجْتَمَعَ حَدَّانِ؛ وَلأِنَّ كَمَالَ الْحَدِّ الأْوَّلِ بِالسَّوْطِ الَّذِي بَقِيَ.

وَعِنْدَ مَالِكٍ: إِنْ كَرَّرَ أَثْنَاءَ الْجَلْدِ فَإِنْ كَانَ مَا مَضَى مِنَ الْجَلْدِ أَقَلَّهُ أُلْغِيَ مَا مَضَى، وَابْتُدِئَ الْعَدَدُ وَبِذَلِكَ يُسْتَوْفَى الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ مَا بَقِيَ قَلِيلاً فَيَكْمُلُ الأْوَّلُ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ لِلثَّانِي.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا قَذَفَ جَمَاعَةً لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ زُنَاةً عَادَةً لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا يَجِبُ لِنَفْيِ الْعَارِ، وَلاَ عَارَ عَلَى الْمَقْذُوفِ لأِنَّا نَقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَيُعَزَّرُ لِلْكَذِبِ. 

قَذْفُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ:

- مَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ: أَنَا وَلَدُ زِنًا، حُدَّ لأِنَّهُ قَذْفٌ لأِمِّهِ.

 

حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَدِّ الْقَذْفِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لاَ يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إِلاَّ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ، وَهُوَ الْوَالِدُ وَإِنْ عَلاَ وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ؛ لأِنَّ الْعَارَ يُلْتَحَقُ بِهِمَا لِلْجُزْئِيَّةِ، فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلاً مَعْنًى لَهُمَا، فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ، لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِ الْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الأْصْلُ فِي الْخُصُومَةِ؛ لأِنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ مَقْصُودًا، فَلاَ يُطَالَبُ غَيْرُهُ بِمُوجِبِهِ إِلاَّ عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا، فَلِذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلاَ لِوَالِدِهِ الْمُطَالَبَةُ لأِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغَائِبُ.

وَيَثْبُتَ لِلأْبْعَدِ مَعَ وُجُوبِ الأْقْرَبِ، وَكَذَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ؛ لأِنَّهُ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لاِبْنِهِ الْكَافِرِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلاَفًا لِزُفَرَ، إِذْ يَقُولُ: الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ طَرِيقُهُ الإْرْثَ عِنْدَنَا، كَمَا إِذَا كَانَ مُتَنَاوِلاً لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى، بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَذْفِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِعَدَمِ إِحْصَانِهِ، فَكَذَا إِذَا كَانَ مَقْذُوفًا مَعْنًى فَقَطْ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ، فَيَأْخُذُهُ بِالْحَدِّ، وَهَذَا لأِنَّ الإْحْصَانَ فِي الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى الزِّنَا شَرْطٌ لِيَقَعَ تَعْيِيرًا عَلَى الْكَمَالِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا التَّعْيِيرُ الْكَامِلُ إِلَى وَلَدِهِ، وَالْكُفْرُ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الاِسْتِحْقَاقِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا تَنَاوَلَ الْقَذْفُ نَفْسَهُ لأِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَعْيِيرٌ عَلَى الْكَمَالِ، لِفَقْدِ الإْحْصَانِ فِي الْمَنْسُوبِ إِلَى الزِّنَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ التَّعْيِيرُ الْكَامِلُ، وَهُوَ بِإِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا كَانَتِ الْمُطَالَبَةُ لَهُ، أَوْ مَيِّتًا طَالَبَ بِهِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا لَمْ يَتَحَقَّقِ التَّعْيِيرُ الْكَامِلُ فِي حَقِّهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ: لِلْوَارِثِ حَقَّ الْقِيَامِ بِحَقِّ مُوَرِّثِهِ الْمَقْذُوفِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ وَلَدٌ وَوَلَدُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَأَبٌ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ الأْخُ فَابْنُهُ. فَعَمٌّ فَابْنُهُ، وَهَكَذَا وَلِكُلٍّ مِنَ الْوَرَثَةِ الْقِيَامُ بِحَقِّ الْمُوَرِّثِ وَإِنْ وُجِدَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. كَابْنِ الاِبْنِ مَعَ وُجُودِ الاِبْنِ؛ لأِنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ الْجَمِيعَ وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ أُنْثَى خِلاَفًا لأِشْهَبَ الْقَائِلِ: يُقَدَّمُ الأْقْرَبُ فَالأْقْرَبُ فِي الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمُوَرِّثِ الْمَقْذُوفِ كَالْقِيَامِ بِالدَّمِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: إِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ وَهُوَ مِمَّنْ يُورَثُ انْتَقَلَ ذَلِكَ إِلَى الْوَارِثِ، وَفِيمَنْ يَرِثُهُ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:

الأْوَّلُ: أَنَّهُ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ، لأِنَّهُ مَوْرُوثٌ فَكَانَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ كَالْمَالِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَهُمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إِلاَّ لِمَنْ يَرِثُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لأِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ لِدَفْعِ الْعَارِ، وَلاَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ عَارٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لأِنَّهُ لاَ تَبْقَى زَوْجِيَّةٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَرِثُهُ الْعَصَبَاتُ دُونَ غَيْرِهِمْ لأِنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ، فَاخْتَصَّ بِهِ الْعَصَبَاتُ كَوِلاَيَةِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثَبَتَ لِلآْخَرِ الْحَدُّ لأِنَّهُ جُعِلَ لِلرَّدْعِ، وَلاَ يَحْصُلُ الرَّدْعُ إِلاَّ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلرَّدْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قُذِفَتْ أُمُّهُ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الاِبْنُ وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا.

أَمَّا إِذَا قُذِفَتْ وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ فَلَيْسَ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ لأِنَّ الْحَقَّ لَهَا فَلاَ يُطَالِبُ بِهِ غَيْرُهَا، وَلاَ يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا؛ لأِنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لِلتَّشَفِّي فَلاَ يَقُومُ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ مَقَامَهُ كَالْقِصَاصِ، وَتُعْتَبَرُ حَصَانَتُهَا لأِنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَتُعْتَبَرُ حَصَانَتُهَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ، وَأَمَّا إِذَا قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَإِنَّ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةَ لأِنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ؛ وَلأِنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا، وَلاَ يُسْتَحَقُّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الإْرْثِ، وَلِذَلِكَ لاَ تُعْتَبَرُ الْحَصَانَةُ فِي أُمِّهِ لأِنَّ الْقَذْفَ لَهُ.

فَأَمَّا إِنْ قُذِفَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُوَ مُشْرِكٌ أَوْ عَبْدٌ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الأْمُّ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ قُذِفَتْ جَدَّتُهُ فَهُوَ كَقَذْفِ أُمِّهِ.

فَأَمَّا إِنْ قَذَفَ أَحَدٌ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ بِقَذْفِ أُمِّهِ حَقًّا لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ لاَحِقًا لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ.

قَذْفُ الْمَجْهُولِ:

مَنْ قَذَفَ مَجْهُولاً لاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَعَرَّةِ، إِذْ لاَ يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ وَالْحَدُّ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعَرَّةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ رَجُلاَنِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَاذِبُ هُوَ ابْنُ زَانِيَةٍ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لأِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا بِالْقَذْفِ، وَإِذَا سَمِعَ السُّلْطَانُ رَجُلاً يَقُولُ: زَنَى رَجُلٌ، لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ لأِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَجْهُولٌ، وَلاَ يُطَالِبُهُ بِتَعْيِينِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ  : (لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)  وَلأِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم : «يَا هُزَالُ، لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ»، وَإِنْ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُولُ: إِنَّ فُلاَنًا زَنَى، لَمْ يُحَدَّ لأِنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَاكٍ، وَلاَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَاذِفِ؛ لأِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: أَحَدُكُمْ زَانٍ أَوِ ابْنُ زَانِيَةٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَامُوا كُلُّهُمْ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ الْمَعَرَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذْ لاَ يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ، وَهَذَا إِذَا كَثُرَتِ الْجَمَاعَةُ بِأَنْ زَادُوا عَلَى ثَلاَثَةٍ، فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً أَوِ اثْنَيْنِ حُدَّ إِنْ قَامُوا أَوْ قَامَ بَعْضُهُمْ وَعَفَا الْبَعْضُ الْبَاقِي، إِلاَّ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْقَائِمَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُدَّ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ قَامَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَمْ أُرِدِ الْقَائِمَ لَمْ يُحَدَّ سَوَاءٌ عَفَا الْبَعْضُ أَوْ لَمْ يَعْفُ، وَسَوَاءٌ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْقَائِمَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ؛ لأِنَّ الْقَذْفَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ، حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا بِالْقَذْفِ.

قَذْفُ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ وَالْفَاسِقِ:

مَنْ قَذَفَ مُرْتَدًّا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ الْمُرْتَدَّ غَيْرُ مُحْصَنٍ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ دِينِ الإْسْلاَمِ، وَإِنِ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ قَذْفِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَوْ تَابَ بِأَنْ رَجَعَ لِلإْسْلاَمِ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِنِ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ قَذْفِهِ فَإِنَّ رِدَّتَهُ لاَ تُسْقِطُ الْحَدَّ؛ لأِنَّهَا أَمْرٌ طَرَأَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ فَلاَ يَسْقُطُ مَا وَجَبَ مِنَ الْحَدِّ.

وَمَنْ قَذَفَ كَافِرًا وَلَوْ ذِمِّيًّا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُعَزَّرُ لِلإْيذَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ»، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَجُلُّ الْعُلَمَاءِ مُجْمِعُونَ وَقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الأْوَّلِ، وَلَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا وَلاَ لَقِيتُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ.

وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْفَاسِقِ إِذَا كَانَ فِسْقُهُ بِغَيْرِ الزِّنَا؛ لِكَوْنِهِ عَفِيفًا عَنِ الزِّنَا فَهُوَ مُحْصَنٌ وَقَذْفُ الْمُحْصَنِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ قَالَ تَعَالَى:  (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  الآْيَةَ.

قَذْفُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَالْمَرِيضِ مَرَضًا مُدْنِفًا وَالرَّتْقَاءِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْمَجْبُوبِ، وَكَذَلِكَ الرَّتْقَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِفِقْدَانِ آلَةِ الزِّنَا وَلأِنَّهُ لاَ يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ، فَإِنَّ الزِّنَا مِنْهُمَا لاَ يَتَحَقَّقُ وَيَلْحَقُ الشَّيْنُ الْقَاذِفَ فِي هَذَا الْقَذْفِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ قَذَفَ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ مَرِيضًا مُدْنِفًا أَوْ رَتْقَاءَ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  فَهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ الآْيَةِ، وَلأِنَّهُ قَاذِفٌ لِمُحْصَنٍ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ كَقَذْفِ الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ؛ وَلأِنَّ إِمْكَانَ الْوَطْءِ أَمْرٌ خَفِيٌّ لاَ يَعْلَمُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَلاَ يَنْتَفِي الْعَارُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِدُونِ الْحَدِّ فَيَجِبُ كَقَذْفِ الْمَرِيضِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْخَصِيِّ؛ لأِنَّ الْعَارَ مُنْتَفٍ عَنِ الْمَقْذُوفِ بِدُونِ الْحَدِّ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا يَجِبُ لِنَفْيِ الْعَارِ.

حُكْمُ مَنْ قَذَفَ وَلَدَهُ:

- إِذَا قَذَفَ وَلَدَهُ وَإِنْ نَزَلَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِ الاِبْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لإِطْلاَقِ آيَةِ  (فَاجْلِدُوهُمْ)  وَلأِنَّهُ حَدٌّ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ فَلاَ يَمْنَعُ مِنْ إِقَامَتِهِ قَرَابَةُ الْوِلاَدَةِ كَالزِّنَا.

وَالْجَوَابُ عَلَى مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ: أَنَّ الإْطْلاَقَ أَوِ الْعُمُومَ مُخْرَجٌ مِنْهُ الْوَلَدُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:  (فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)  وَالْمَانِعُ مُقَدَّمٌ، وَلِهَذَا لاَ يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَإِهْدَارُ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْوَلَدِ تُوجِبُ إِهْدَارَهَا فِي عِرْضِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَالزِّنَا أَنَّ حَدَّ الزِّنَا خَالِصٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لاَ حَقَّ لِلآْدَمِيِّ فِيهِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لآِدَمِيٍّ، فَلاَ يَثْبُتُ لِلاِبْنِ عَلَى أَبِيهِ كَالْقِصَاصِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع والثلاثون ، الصفحة /  417

 - قَذْفُ الْمَيِّتِ

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَهُ حَقُّ طَلَبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَلَبَ إِقَامَةِ الْحَدِّ يَرْجِعُ لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِسَبَبِ قَذْفِ الْمَيِّتِ وَهُمُ الأْصُولُ وَالْفُرُوعُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا، وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ مَحْجُوبًا أَوْ مَحْرُومًا عَنِ الْمِيرَاثِ بِقِتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ أَوْ كَوْنِهِ وَلَدَ بِنْتٍ. وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الأْقْرَبِ أَوْ عَفْوِهِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لِلْقَاذِفِ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ، أَيْ كَوْنُ الْمَيِّتِ جُزْءًا مِنْهُمْ أَوْ كَوْنُهُمْ جُزْءًا مِنْهُ.

وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ حَدِّ قَاذِفِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ مَنَعَهُ مِنَ الإْرْثِ مَانِعٌ كَرِقٍّ وَقَتْلٍ وَكُفْرٍ إِنْ كَانَ قَذَفَهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِحَدِّهِ لِلِحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ يَحِقُّ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ فَهُمْ: وَلَدُ الْمَقْذُوفِ وَيَشْمَلُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَأَبُ الْمَقْذُوفِ وَإِنْ عَلاَ.

فَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا كَانَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلأِبِيهِ وَإِنْ عَلاَ أَنْ يَقُومُوا بِذَلِكَ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ أَخَذَهُ بِحَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لأِنَّهُ عَيْبٌ يَلْزَمُهُمْ، وَلَيْسَ لِلإْخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَةِ قِيَامٌ مَعَ هَؤُلاَءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ فَلِلْعَصَبَةِ الْقِيَامُ، وَلِلأْخَوَاتِ وَالْجَدَّاتِ الْقِيَامُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَقْذُوفِ وَارِثٌ فَلَيْسَ لِلأْجْنَبِيِّ أَنْ يَقُومَ بِحَدِّهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَطَلَبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ لِلْوَارِثِ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ مُقَابِلَ مَالٍ يَأْخُذُهُ سَقَطَ الْحَدُّ وَلَمْ يَجِبِ الْمَالُ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلِلْبَاقِي أَنْ يَسْتَوْفُوا الْحَدَّ عَلَى الأْصَحِّ، لأِنَّهُ عَارٌ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ.

وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَنْ يَرِثُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَصَحُّهَا: جَمِيعُ الْوَرَثَةِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ.

وَالثَّانِي: جَمِيعُهُمْ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ.

وَالثَّالِثُ: رِجَالُ الْعَصَبَاتِ فَقَطْ لأِنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ كَوِلاَيَةِ التَّزْوِيجِ.

وَالرَّابِعُ: رِجَالُ الْعَصَبَةِ سِوَى الْبَنِينَ كَالتَّزْوِيجِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ.

وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ مُوَرِّثَهُ، وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَ حَائِزًا لِلإْرْثِ، وَلأِنَّ الْقَذْفَ لاَ يَمْنَعُ الإْرْثَ بِخِلاَفِ الْقَتْلِ.

وَلَوْ قَذَفَ وَلَدٌ أَبَاهُ فَمَاتَ الأْبُ وَتَرَكَ الْقَاذِفَ وَابْنًا آخَرَ فَإِنَّ فِيهِ الْخِلاَفَ فِيمَنْ يَرِثُ الْحَدَّ فَإِنْ قُلْنَا: إِذَا عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ كَانَ لِلآْخَرِ اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ فَلِلاِبْنِ الآْخَرِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ الْجَمِيعُ فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي فَلِلاِبْنِ الآْخَرِ اسْتِيفَاءُ نِصْفِ الْحَدِّ .

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَالُوا إِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الأْمُّ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ - مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً - حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الاِبْنُ وَكَانَ مُسْلِمًا حُرًّا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لأِنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ وَلأِنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنَا وَلاَ يَسْتَحِقُّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِطَرِيقِ الإْرْثِ وَلِذَلِكَ تُعْتَبَرُ حَصَانَتُهُ وَلاَ تُعْتَبَرُ حَصَانَةُ أُمِّهِ لأِنَّ الْقَذْفَ لَهُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَذْفِ مَيْتَةٍ، وَكَذَلِكَ تُقَاسُ الْجَدَّةُ عَلَى الأُْمِّ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.

وَأَمَّا إِنْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ لأِنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ بِقَذْفِ أُمِّهِ حَقًّا لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ لاَحِقًا لِلْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ.

وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ سَقَطَ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ.

وَالْحَقُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى لأِحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الإْمَامُ أَحْمَدُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُمْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ لِلْعَصَبَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَرِثُهُ الإْمَامُ أَيْضًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِلْبَاقِي كَامِلاً عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ .