loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كانت المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 والمعدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 قد نصت على عدم جواز الطعن بالنقض فى الأحكام الصادرة فى مواد الجنح المعاقب عليها بالغرامة التى لا تجاوز عشرين ألف جنيه , ومن ثم فإن مناط عدم جواز الطعن , هو قدر العقوبة المقررة بالحدود التى تضمنها النص , تقديراً من المشرع أن العقوبة المذكورة فى قصارى حدها الأقصى ليست من الخطورة أو الأهمية التى تتناسب مه إجازة الطعن فيها بطريق النقض , ومن ثم فإن الحكم الصادر فى هذه الجرائم إذا لم يلتزم الحد الأقصى للعقوبة المقررة , بأن جاوزه أو وقع عقوبة أشد منها فلا يسوغ أن يغلق أمام المحكوم عليه طريق هذا الطعن بعد أن أهدر الحكم الاعتبارات التى قدرها المشرع , وكانت أساس هذا الخطر , والقول بغير ذلك أمر تأباه العدالة وينفر منه منطق القانون , لما فيه من التسليم بعقوبة محكوم بها نهائياً لم ينص عليها القانون وهو أمر يخالف قاعدة شرعية الجرائم والعقاب ويجب إستدراكه بإجازة الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض . لما كان ذلك , وكان الحكم المطعون فيه , قد دان الطاعن بجريمة البلاغ الكاذب والمعاقب عليها بغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه , إلا أنه لم يلزم الحد الأقصى للعقوبة المقررة , بل جاوزها إلى عقوبة نوعية أخرى أشد بأن عاقبة بالحبس , فإنه يكون من المتعين إجازة الطعن فيه بطريق النقض باعتبار أنه السبيل القانونى أمام المحكوم عليه لتصحيح الخطأ الذى تروى فيه الحكم . لما كان ذلك , وكان الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون فغنه يكون مقبولاً شكلاً .وحيث إن الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه قد أوقع على الطاعن كما سلف القول عقوبة الحبس وهى عقوبة لم يعد لها وجود فىالمادة 305 من قانون العقوبات التى دانه بها بعد إلغائها وقصر العقوبة المقررة إلى مثليهما بموجب القانون رقم 147 لسنة 2006 والذى جرى العمل به فى 16/7/2006 فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون , ولما كانت المادة 35 من حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تحول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبنى على مخالفة للقانون أو على خطأ فى تطبيقه أو تأويله فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه , وإذ كان تقدير العقوبة فى حدود النص المنطبق من اختصاص محكمة الموضوع فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة .وذلك بغير حاجة إلى النظر فيما يثيره الطاعن فى اسباب طعنه .

(الطعن رقم 8907 لسنة 4 جلسة 2014/02/23)

2- لما كان من المقرر أنه ليس لزاماً على محكمة الموضوع أن تتقيد بالوصف القانوني الذى أسبغته النيابة العامة على الواقعة محل الدعوى بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة بجميع كيوفها وأوصافها وصولاً إلى إنزال حكم القانون صحيحاً عليها ، وكان الإخبار بوقائع تغاير الحقيقة فى صحيفتي الجنحتين سالفتي البيان هو مما ينطبق عليه حكم المادة 305 من قانون العقوبات ، والتي يشترط لتحققها توافر ركنين الأول : ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها ، والثاني : علم الجاني بكذبها وانتواؤه السوء والإضرار بالمجني عليه ، وهو ما لم يستظهر الحكم المطعون ، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب متعيناً نقضه والإعادة بالنسبة للتهمتين المسندتين للطاعن لأن الحكم اعتبرهما جريمتين مرتبطتين ، وقضى بالعقوبة المقررة لأشدهما طبقاً للمادة 32/2 من قانون العقوبات ، وذلك دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن .

(الطعن رقم 61247 لسنة 76 جلسة 2009/09/27)

3- لما كانت جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بمقتضى المادة 305 من قانون العقوبات ليست فى عداد الجرائم المشار إليها فى المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى بشأنها على شكوى فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون فى غير محله .

(الطعن رقم 3127 لسنة 55 جلسة 1987/10/27 س 38 ع 2 ص 858 ق 154)

4- مناط العقاب فى جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها نص المادة 305 من قانون العقوبات أن تكون الواقعة أو الوقائع المبلغ عنها كاذبة كلها أو بعضها و أن يعلم الجاني كذبها و يقدم على الإبلاغ بها منتوياً السوء و الإضرار بالمجني عليه ، فإن انتفى الإسناد الكاذب أو سوء القصد أحدهما أو كلاهما ، انتفت الجريمة .

(الطعن رقم 6352 لسنة 56 جلسة 1987/04/01 س 38 ع 1 ص 522 ق 86)

5- جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بنص المادة 305 من قانون العقوبات ليست إحدى الجرائم التى عددت حصراً فى المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية و التى يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجنى عليه أو من وكيله الخاص .

(الطعن رقم 6978 لسنة 53 جلسة 1984/04/26 س 35 ص 483 ق 106)

6- لم يرسم القانون فى المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لتحرير الأحكام شكلاً خاصاً ينبنى البطلان على مخالفته . و لما كان ما أثبته الحكم فى مساقه و إستدلاله واضح الدلالة بينها على توافر أركان جريمة البلاغ الكاذب كما هى معرفة فى المادة 305 من قانون العقوبات من كذب بلاغ الطاعن فى حق المطعون ضده من أنه يحرز مخدراً ، و علمه بكذبه و إنتوائه السوء و الإضرار بالمبلغ ضده إذ هو الذى دس عليه المخدر و أرشد عن مكانه و كون الأمر المبلغ به مما يستوجب عقوبة فاعله و لو لم تقم دعوى بما أخبر به ، فإن النعى على الحكم بالقصور فى التسبيب يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 182 لسنة 37 جلسة 1967/04/04 س 18 ع 2 ص 496 ق 94)

7- متى كان الحكم الإبتدائى قد أشار إلى المادة 305 من قانون العقوبات، و كانت هذه المادة لم تقتصرعلى بيان أركان جريمة البلاغ الكاذب و إنما نصت أيضاً على وجوب العقاب عليها ، و لما كانت العقوبة المقضى بها هى المقررة فى القانون لهذه الجريمة  وكانت إحالة الحكم المطعون فيه على الحكم الإبتدائى و أخذه بأسبابه تشمل فيما تشمله مادة العقاب فإنه لا شىء يعيب الحكم من هذه الناحية ولامحل للنعى على الحكمين بإغفالهما إيراد النص الذى عوقب المتهم بموجبه .

(الطعن رقم 2187 لسنة 32 جلسة 1963/02/04 س 14 ع 1 ص 67 ق 15)

8- ينبغى لتوافر أركان جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ عالماً علماً يقينياً لا يداخله أى شك فى أن الواقعة التى أبلغ بها كاذبة و أن المبلغ ضده برئ منها و أن يقدم على تقديم البلاغ منتوياً السوء و الإضرار بمن أبلغ فى حقه مما يتعين معه أن يعنى الحكم القاضى بالإدانة فى هذه الجريمة بيان هذا القصد ، و كان الحكم المطعون فيه قد إقتصر على مجرد قوله أنه لا يوجد ما يبرر إتهام الطاعن للمدعية بالحقوق المدنية بالسرقة و أنه أصر على إتهامه لها دون أن يدلل على توافر علمه بكذب البلاغ و يستظهر قصد الإضرار بالمبلغ فى حقها بدليل ينتجه عقلاً ، فإنه يكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون مشوباً بالقصور فى البيان 

(الطعن رقم 179 لسنة 50 جلسة 1981/11/18 س 32 ص 934 ق 160)

9- مجرد تقديم شكوى فى حق شخص إلى جهات الإختصاص و إسناد وقائع معينة إليه لا يعد قذفاً معاقباً عليه ما دام القصد منه لم يكن إلا التبليغ عن هذه الوقائع لا مجرد التشهير للنيل منه .

(الطعن رقم 179 لسنة 50 جلسة 1981/11/18 س 32 ص 934 ق 160)

10- لا تتقيد المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب بأسباب قرار الحفظ الصادر من النيابة، ومن باب أولى لا تتقيد بقرار الحفظ الصادر من هيئة أخرى " كلجنة الكسب غير المشروع"، بل عليها أن تعيد تحقيق الوقائع بمعرفتها وتستوفي كل ما تراه نقصاً فى التحقيق لتستخلص ما تطمئن إليه فتحكم به.

(الطعن رقم 151 لسنة 28 جلسة 1958/12/30 س 9 ع 3 ص 1126 ق 273)

11- لا يكفي فى قيام الوقائع المسندة إلى المتهم فى دعوى البلاغ الكاذب مجرد الإحالة على عريضة سبق تقديمها فى هذا الشأن، إذ يجب أن يبدو واضحاً من الحكم ذاته ما هى الواقعة التي حصل التبليغ عنها والتي اعتبرتها المحكمة واقعة مكذوبة بسوء القصد من جانب المتهم.

(الطعن رقم 151 لسنة 28 جلسة 1958/12/30 س 9 ع 3 ص 1126 ق 273)

12- تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التي تنظر فى دعوى البلاغ الكاذب بشرط أن تكون قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها و أحاطت بمضمونها، وأن تذكر فى حكمها الأمر المبلغ عنه ليعلم إن كان من الأمور التي يرتب القانون عقوبة على التبليغ عنها كذباً أم لا.

(الطعن رقم 151 لسنة 28 جلسة 1958/12/30 س 9 ع 3 ص 1126 ق 273)

13- إن التبليغ فى جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل ولا يؤثر فى ذلك أنه إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق ما دام هو تعمد أن يجئ التبليغ على هذه الصورة ومفاد ذلك أنه يشترط لتوافر الجريمة أن يقوم المتهم بعد إخبار السلطة المختصة بتوجيه الاتهام لمن أراد اتهامه، ولما كانت الطاعنة لا تجادل فيما أورده الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضدها الأولى لم تسأل بالتحقيقات وبالتالي لم توجه إليها اتهاماً فإن ما انتهى إليه الحكم فى هذا الخصوص يكون صحيحاً فى القانون .

(الطعن رقم 677 لسنة 46 جلسة 1977/01/17 س 28 ع 1 ص 97 ق 21)

14- إن القضاء بالبراءة فى تهمة التبديد لتشكك المحكمة فى أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم المطعون فيه أنه لم يتقيد بالحكم الذي قضى ببراءة الطاعن من تهمة التبديد طالما أنه لم يقطع بكذب بلاغ المطعون ضدها.

الطعن رقم 1874 لسنة 44 جلسة 1975/02/03 س 26 ص 132 ق 29)

15-إن القضاء بالبراءة فى تهمة الضرب لتشكك المحكمة فى أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد.

(الطعن رقم 17299 لسنة 63 جلسة 1999/04/27 س 50 ص 244 ق 58)

16- يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجاني عالما بكذبها ومنتويا السوء والإضرار بالمجني عليه أن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقوبة فاعله ولو لم تقم دعوى بما أخبر به مما يتعين معه أن يعنى الحكم القاضي بالإدانة فى هذه الجريمة ببيان أركان هذه الجريمة وكان الحكم المطعون فيه إذ تحدث عن توافر القصد الجنائي لدى الطاعن اقتصر على مجرد القول بأن النيابة العامة انتهت إلى حفظ البلاغ لعدم صحته وهو لا يكفي للتدليل على علمه بكذب البلاغ وإنه كان منتويا السوء بالمبلغ فى حقه والإضرار به، لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد قصر فى إثبات القصد الجنائي فى الجريمة التي دان الطاعن بها مما يعيبه .

(الطعن رقم 17444 لسنة 63 جلسة 1999/09/28 س 50 ص 484 ق 111)

17- لما كان القانون يشترط فى جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد بادر من تلقاء نفسه إلى الإخبار بالأمر المستوجب لعقوبة فاعله ، و ذلك دون طلب من الجهة التى حصل لها الإخبار ، و بغير أن يكون إقدامه عليه فى مقام الدفاع عن نفسه فى موضوع يتصل به ، و كان الثابت مما أورده الحكم أن الطاعن لم يتخذ المبادرة بإبلاغ لجنة تقدير أتعاب المحاماة بالأمر الذى نسبه إلى المدعى بالحقوق المدنية ، بل أدلى به فى مقام الدفاع عن نفسه بصدد الطلب المقدم إليه ، و هو متعلق بموضوع هذا الطلب ، فإن تلقائية الإخبار كشرط لازم لقيام جريمة البلاغ الكاذب التى دان الحكم الطاعن بها لا تكون متوافرة ، و إذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، و قضى فى الوقت ذاته ببراة الطاعن عن تهمتى السب و القذف فى شأن الواقعة نفسها ، فإنه يكون بمعاقبته الطاعن عن جريمة البلاغ الكاذب قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه و القضاء ببراءة الطاعن من تهمة البلاغ الكاذب المسندة إليه .

(الطعن رقم 13711 لسنة 59 جلسة 1991/05/08 س 42 ص 750 ق 107)

18- القانون لا يعاقب على البلاغ الكاذب إذا لم يتضمن أمراً مستوجباً لعقوبة فاعله ، و كان ما أسنده المتهم إلى المدعى بالحقوق المدنية من أنه إشترى منه كمية من قطع غيار السيارات لم يسدد له باقى ثمنها بالكامل لا ينطوى على أية جريمة تستوجب معاقبته جنائياً ، إذ لم يتعد بلاغه المطالبة بباقى ثمن المبيع و هى منازعة مدنية تسرى عليها أحكام البيع المنصوص عليها فى المادة 418 و ما بعدها من القانون المدنى الأمر الذى تنتفى معه تهمة البلاغ الكاذب ، و من ثم تكون المعارضة الإستئنافية فى محلها و يتعين تبعاً لذلك القضاء بإلغاء الحكم المستأنف و براءة المتهم مما أسند إليه و رفض الدعوى المدنية مع إلزام رافعها مصروفاتها عن الدرجتين و مقابل أتعاب المحاماة عملاً بالمواد 1/304 ، 309 ، 320 من قانون الإجراءات الجنائية و المادة 1/184 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 7828 لسنة 58 جلسة 1991/02/21 س 42 ع 1 ص 382 ق 52)

19- الأمر الصادر من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى الجريمة المبلغ عنها ليس له حجية أمام المحاكم الجنائية فى دعوى البلاغ الكاذب عن هذه الجريمة .

(الطعن رقم 2931 لسنة 55 جلسة 1987/01/29 س 38 ع 1 ص 168 ق 27)

20- إذا بنيت براءة المبلغ على إنتفاء أى ركن من أركان جريمة البلاغ الكاذب فينبغى بحث مدى توافر الخطأ المدنى المستوجب للتعويض من عدمه فى واقعة التبليغ ذاتها ، فالتبليغ خطأ مدنى يستوجب التعويض إذا كان صادراً من قبيل التسرع فى الاتهام أو بقصد التعريض بالمبلغ ضده والإساءة إلى سمعته أو فى القليل عن رعونة وعدم تبصر . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد إستند فى قضائه ببراءة المطعون ضدهما من جريمة البلاغ الكاذب إلى عدم توافر القصد الجنائي إذ لم يتوافر هذا القصد من علم بكذب الوقائع المبلغ بها ونية الاضرار بالمجنى عليه دون أن يستظهر ما إذا كان هناك خطأ مدنى ضار يستوجب مساءلة المطعون ضدهما بالتعويض عنه أو لا فإنه يكون معيباً .

(الطعن رقم 29196 لسنة 59 جلسة 1995/06/11 س 46 ص 904 ق 138)

21- لا ينهض أمر الحفظ الذي تصدره النيابة بحفظ دعوى السرقة لعدم معرفة الفاعل دليلاً على صحة الوقائع التي أبلغ بها المتهم ، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة من غير أن تتقيد به ، وعليها أن تفصل فى الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها .

(الطعن رقم 1551 لسنة 26 جلسة 1957/04/09 س 8 ع 2 ص 387 ق 105)

22- يتوفر القصد الجنائي فى جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف فى القانون متى كان المبلغ عالماً بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وكان منتوياً الكيد والإضرار بالمبلغ ضده .

(الطعن رقم 1551 لسنة 26 جلسة 1957/04/09 س 8 ع 2 ص 387 ق 105)

23- لا يتطلب القانون فى البلاغ الكاذب إلا أن يكون التبليغ من تلقاء نفس المبلغ ، يستوى فى ذلك أن يكون قد تقدم خصيصا للإدلاء به ، أو أن يكون قد أدلى به فى أثناء تحقيق أجرى معه فى أمر لا علاقة له بموضوع البلاغ فإذا كان يبين من الأوراق أن المتهم ذكر ذكرا مفصلا الوقائع التى أوردها الحكم الابتدائى المؤيد استئنافيا لأسبابه ، وأنه وإن كان قد قدم بلاغه الأصلى متظلما من نقله من عمله إلى عمل آخر لم يرقه ، إلا أنه أدلى فى هذا التحقيق بأمور ثبت كذبها أسندها إلى المدعى بالحقوق المدنية ، وهى مما يستوجب عقابه ولا علاقة لها بموضوع بلاغه ولم يكن عندما مثل أمام المحقق متهما يدافع عن نفسه ، وإنما كان متظلما يشرح ظلامته ، فإن ما انتهى إليه الحكم من إدانة المتهم بجريمة البلاغ الكاذب يكون صحيحاً من ناحية القانون .

(الطعن رقم 169 لسنة 29 جلسة 1959/05/19 س 10 ع 2 ص 550 ق 122)

24- يشترط فى القانون لتحقيق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها ، و أن يكون الجاني عالماً بكذبها و منتوياً السوء و الإضرار بالمجنى عليه . و لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد الأدلة التى إستند إليها فى ثبوت كذب البلاغ ، و إذ تحدث عن توافر القصد الجنائي لدى الجاني قصر قوله على أن المتهم قد أصر على إتهام المدعية بالحق المدنى كذباً مع سوء القصد بسرقته . و هذا القول لا يدل فى الفعل و المنطق على أن الطاعن قصد من التبليغ الكيد للمدعية بالحق المدنى و الإضرار بها . لما كان ذلك ، فإن الحكم يكون قد قصر فى إثبات القصد الجنائي لدى الطاعن بما يشوبه بالقصور و يستوجب نقضه بالنسبة إلى الطاعن و إلى المتهمتين الآخرتين اللتين لم تطعنا فى الحكم لوحدة الواقعة .

(الطعن رقم 2117 لسنة 32 جلسة 1963/01/14 س 14 ع 1 ص 20 ق 3)

25- لا يعاقب القانون على البلاغ الكاذب إذا لم يتضمن أمراً مستوجباً لعقوبة فاعله . و لما كان ما أسنده المتهم إلى الطاعنين من أنهم أثبتوا فى عقد زواجه بالطاعنة الأولى على غير الحقيقة أنها بكر لا ينطوى على جريمة تزوير إذ لم يعد عقد الزواج لإثبات هذه الصفة ، كما أن ما أسنده إليهم إن صح على ما ورد بتقرير الطعن من أنهم إستولوا منه على هدايا و مبالغ على ذمة هذا الزواج لا ينطوى على جريمة نصب ، إذ أنه من المقرر شرعاً أن إشتراط بكارة الزوجة لا يؤثر فى صحة عقد الزواج بل يبقى العقد صحيحاً و يبطل هذا الشرط . و لما كان الحكم المطعون فيه إذ إنتهى إلى أن ما أسنده المتهم إلى الطاعنين لا يستوجب معاقبتهم جنائياً أو تأديبياً ، فضلاً عن إنتفاء سوء القصد و قضى تبعاً لذلك ببراءة المتهم من تهمة البلاغ الكاذب و رفض الدعوى المدنية الناشئة عنها فإنه لا يكون معيباً فى هذا الخصوص .

(الطعن رقم 2060 لسنة 33 جلسة 1964/03/09 س 15 ع 1 ص 176 ق 36)

26- متى كان الفعل الذى وقع من المتهم كون جريمتى البلاغ الكاذب والقذف اللتين رفعت بهما الدعوى عليه وكانت العقوبة المقررة لكلتا الجريمتين واحدة  فإن إغفال المحكمة التحدث عن ركن العلانية فى جريمة القذف لايعيب حكمها ما دامت أسبابه وافية لا قصورفيها بالنسبة لجريمة البلاغ الكاذب التىعوقب المتهم عليها .

(الطعن رقم 696 لسنة 26 جلسة 1956/06/11 س 7 ع 2 ص 865 ق 238)

27- للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع دعوى البلاغ الكاذب إلى محكمة الجنح بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها - عملاً بالحق المخول له بموجب المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - دون انتظار تصرف النيابة العامة فى هذا البلاغ, لأن البحث فى كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك إنما هو أمر موكول إلى تلك المحكمة تفصل فيه حسبما يؤدي إليه اقتناعها. وإذ كان ذلك فإن دفع الطاعن بعدم جواز إقامة الدعوى بالطريق المباشر, يضحى دفعا قانونيا ظاهر البطلان بعيدا عن محجة الصواب, وإذ انتهى الحكم إلى رفضه فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ومن ثم فلا جدوى للطاعن من منعاه على تقريرات الحكم فى مقام رده على هذا الدفع.

(الطعن رقم 1534 لسنة 48 جلسة 1979/01/11 س 30 ع 1 ص 60 ق 9)

28- من المقرر وفق المادتين 221 و457 من قانون الإجراءات الجنائية, أن الحكم الصادر فى دعوى مدنية لا تأثير له على الدعوى الجنائية ولا يقيد القاضي الجنائي عند نظره الدعوى. لما كان ذلك وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن القائم على صدور حكم من المحكمة المدنية بشأن ملكية جهاز التلفزيون المبلغ بسرقته بقوله: "ومن جماع ما سبق تستبين كذلك تلك الرواية ولا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه المتهم - الطاعن - وهو بصدد الدفاع عن نفسه من صدور حكم القضاء بملكيته لجهاز التلفزيون بعدما اطمأنت المحكمة من شهادة الشهود إلى أنه هو الذي نقله إلى المكان الذي ضبط فيه". وإذ كان مفاد هذا الذي رد به الحكم ثبوت كذب واقعة السرقة التي تضمنها البلاغ بغض النظر عن ملكية الجهاز المذكور - التي يتحدى بها الطاعن - فإن الحكم يكون بمنأى عما يعيبه عليه الطاعن فى هذا الصدد.

(الطعن رقم 1534 لسنة 48 جلسة 1979/01/11 س 30 ع 1 ص 60 ق 9)

29- وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضي بالبراءة متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة فى صحة عناصر الإثبات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يورد مؤدى التحقيقات والدعوى الجنائية المباشرة التي استخلص منها عدم ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها ضد الطاعن ولم يشر حتى إلى رقمها ومن ثم فإنه يكون قد استند فى طرح أدلة الثبوت إلى عبارات مجملة لا يبين منها أن المحكمة حين استعرضت الدليل المستمد من تلك التحقيقات أو الدعوى الجنائية المشار إليها كانت ملمة بهذا الدليل إلماما شاملا يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة مما يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح.

(الطعن رقم 1945 لسنة 48 جلسة 1979/03/25 س 30 ع 1 ص 378 ق 78)

30- تقدير صحة التبليغ من كذبه وتوافر سوء القصد أمر متروك لمحكمة الموضوع بشرط أن تكون قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها، وأن تذكر فى حكمها الأمور المبلغ عنها وما يفيد توافر كذب البلاغ وسوء قصد المتهم، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد ما يدل على إحاطته بالوقائع التي نسب للطاعن الإبلاغ عنها وما يدل على كذب الوقائع التي ضمنها بلاغه ضد المطعون ضده، وأنه لم يقصد من الإبلاغ سوى السوء والإضرار بالمطعون ضده، فإن ما أورده الحكم من بيان فى هذا الشأن يعد كافياً للإحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بما يستوجب الحكم على مقارفه بالتعويض إعمالاً لحكم المادة 163 من القانون المدني .

(الطعن رقم 1249 لسنة 48 جلسة 1978/12/03 س 29 ع 1 ص 858 ق 174)

31- لا تثريب على المحكمة إن هي لم تتحدث صراحة وعلى استقلال عن توافر أركان جريمتي البلاغ الكاذب أو القذف المنسوبتين للطاعن ذلك أن الحكم المطعون فيه قد اقتصر على الفصل فى الدعوى المدنية التي رفعت بالتبعية للدعوى الجنائية التي قضي بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الخصوص غير سديد .

(الطعن رقم 1249 لسنة 48 جلسة 1978/12/03 س 29 ع 1 ص 858 ق 174)

32- لما كان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن ركن القصد الجنائي فى جريمة البلاغ الكاذب بقوله: "إن الثابت من التحقيقات ومن أقوال المتهم التي تتسم بروح التحدي والعداء الذي ليس له ما يبرره أنه كان يعلم بكذبه عندما أبلغ السيد وزير العدل أنه ... ... ومن هذا يظهر بوضوح ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المتهم تعمد الإساءة إلى شخص المجني عليه، فإن هذا الذي أورده الحكم يكفي للتدليل على توافر القصد الجنائي بعنصريه لدى الطاعن وهما العلم بكذب الوقائع وقصد الإساءة إلى المجني عليه.

(الطعن رقم 289 لسنة 48 جلسة 1978/06/11 س 29 ع 1 ص 587 ق 112)

33- القصد الجنائي فى جريمة البلاغ الكاذب يتوافر بعلم المبلغ بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وانتوائه الكيد والإضرار بالمبلغ ضده، وتقدير هذه الأمور من شأن محكمة الموضوع التي لها مطلق الحق فى استظهارها من الوقائع المطروحة عليها، لما كان ذلك, وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد برر قضاءه بالبراءة بقوله "وحيث أنه يشترط لقيام جريمة البلاغ الكاذب فضلاً عن القصد العام أن يكون الجاني قد أقدم على التبليغ وهو يعلم بكذب الوقائع المبلغ عنها وأن المبلغ فى حقه بريء مما نسب إليه، ويشترط القانون أيضا قصدا خاصا وهو أن يكون المبلغ قد أقدم على الإبلاغ بنية الإضرار بمن أبلغ ضده، وإذ كان الثابت من مطالعة الشكوى المشار إليها سلفا أن المتهمة وهي شقيقة المدعي بالحق المدني أبلغت ضده لنزاع بسبب الخلف على الميراث وأنها كانت تبغي ألا ينازعها فى الشقة التي تقيم بها ويرد إليها نقودها دون أن تنصرف نيتها إلى الإضرار به والزج به فى جريمة، ومن ثم ترى المحكمة أن جريمة البلاغ الكاذب غير متوافرة الأركان فى حقها ويتعين القضاء ببراءتها منها، كما أن ركن العلانية فى جريمة القذف المنسوبة لها لا يمكن اعتباره متوافرا لأنها لم تقصد إذاعة ما أبلغت به ضد شقيقها أو التشهير به بل كل ما رمت إليه هو إبلاغ جهة الشرطة للعمل على استرداد نقودها وحتى لا ينازعها الإقامة أو يطردها من الشقة ويوقف اعتداءه عليها، لما كان ذلك فإن ما نسب إلى المتهمة يكون غير متكامل الأركان ويتعين من ثم القضاء ببراءتها منه ..." ثم عرض الحكم للدعوى المدنية وأسس قضاءه برفضها على قوله "وحيث إن الدعوى المدنية تتحد فى ركن الخطأ مع الدعوى الجنائية التي قضي ببراءة المتهمة فيها، ومن ثم تكون الدعوى المدنية هي الأخرى غير متكاملة الأركان ويتعين القضاء برفضها". فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويضحى منعى الطاعن ولا محل له.

(الطعن رقم 2070 لسنة 48 جلسة 1957/04/15 س 30 ع 1 ص 481 ق 101)

34- لما كان كذب الوقائع المبلغ عنها ركن من أركان جريمة البلاغ الكاذب بحيث يجب للحكم بالإدانة أن يثبت كذب البلاغ ، و لا يصح القول بأنه إذا عجز المبلغ عن الإثبات فإن بلاغه يعتبر كاذباً ، إذ العبرة فى كذب البلاغ أو صحته هى بحقيقة الواقع . و كان الأمر الذى تصدره الجهة الإدارية بحفظ بلاغ قدم إليها ، أو بحفظ التحقيق الإدارى الذى أجرته فى شأنه لا ينهض دليلاً على عدم صحة الوقائع التى إنطوى البلاغ عليها ، و لا يقيد المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب أو يحجبها عن واجبها فى تمحيص الوقائع المبلغ عنها لتقدر بنفسها مدى صحتها أو كذبها ، لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه لم يعتمد فى إثبات كذب الوقائع المبلغ عنها إلا على أن الطاعن لم يقدم دليل صحتها و أن الجهة الإدارية قد أمرت بحفظ البلاغ المقدم إليها فى شأنها ، فإنه يكون معيباً بالقصور المبطل له .

(الطعن رقم 823 لسنة 52 جلسة 1982/03/16 س 33 ص 367 ق 74)

35- لما كان إستبعاد الحكم المطعون فيه وقوع الجريمة من الطاعن أثناء تأدية وظيفته أو بسببها و إلزامه - فى نفس الوقت - وزارة الداخلية بالتعويض على أساس مسئوليته المدنية عن أعمال تابعها - ليس فيه مخالفة للقانون أو تناقض ذلك أن المسئولية المدنية للمتبوع عن أعمال تابعه أوسع نطاقاً فتشمل فضلاً عن وقوع الخطأ من التابع أثناء تأديته وظيفته أو بسببها حالة أن تكون وظيفة التابع قد ساعدته على إتيان الفعل أو هيأت له بأى طريقة كانت فرصة إرتكابه . لما كان ذلك ، و كان الطاعن لا يجادل فى صحة إسناد الحكم للأسس التى بنى عليها قضاءه فى كلا الدعويين يضحى ما يثيره فى هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد دلل على كذب الوقائع التى أبلغ بها الطاعن ضد المجنى عليه و على إنتوائه الكيد و الإضرار به بأسباب سائغة و كانت العقوبة التى أوقعها على الطاعن داخلة فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة البلاغ الكاذب التى دانه بها فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص و ما يدعيه من أن الحكم المطعون فيه إقتصر فى أسبابه على إدانته جريمة القبض على المجنى عليه بغير حق دون جريمة البلاغ الكاذب يكون على غير أساس أما منعاه بأن الحكم لم يعرض لتفصيلات دفاعه المبداه فى مذكرته من وجود إتهامات للمجنى عليه تتعلق بنشاط له فى تزويج أبناء الدول العربية من فتيات مصريات فمردود بما هو مقرر أن المحكمة غير ملزمة بتعقب كل جزئية يثيرها المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى للرد عليها على إستقلال إذ فى قضائها بالإدانة إستناداً إلى الأدلة التى أوردتها ما يفيد إطراحها له .

(الطعن رقم 1769 لسنة 53 جلسة 1983/11/01 س 34 ص 913 ق 181)

36- إن القصد الجنائي فى جريمة البلاغ الكاذب يتوافر بعلم المبلغ بكذب الوقائع التى أبلغ عنها و بأنتوائه الكيد و الإضرار بالمبلغ ضده ، و تقدير هذه الأمور من شأن محكمة الموضوع التى لها مطلق الحق فى إستظهارها من الوقائع المطروحة عليها . لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد نفى بتبرير سائغ توافر القصد الجنائي لدى المطعون ضده إستناداً إلى أن الحكم الصادر فى الدعوى رقم 6122 لسنة 1979 جنح السويس قد قضى ببراءة الطاعن من تهمة ضرب المطعون ضده لعدم إطمئنان المحكمة لأقوال هذا الأخير دون كذب الإتهام أو عدم صحته - و هو يتفق و ما يثبت من مطالعة ذلك الحكم و يغاير ما ذهب إليه الطاعن فى هذا الصدد - و ينبئ عن إلمام المحكمة بالدعوى و بظروفها عن بصر و بصيرة ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى و إستنباط معتقدها و هو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 928 لسنة 54 جلسة 1985/01/27 س 36 ص 163 ق 22)

37- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعن بها و أورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الصحيح فى الأوراق و تؤدى إلى ما رتبه عليها . و ذلك فى قوله : " و حيث إنه عن الدعوى المباشرة الفرعية و لما كان الثابت مما إنتهت إليه المحكمة على النحو متقدم الذكر أن المدعى المدنى فى الدعوى ............ الطاعن قد نسب إلى المتهم فى تلك الدعوى - و هو المدعى المدنى فى الدعوى الفرعية - بواسطة إحدى الطرق المبينة فى المادة 171 عقوبات و ذلك بأن سطر صحيفة الدعوى المباشرة و تداولتها الأيدى و جاء بها على خلاف الحقيقة التى يفصح عنها الإيصال سند الدعوى و يختلف ما جاء فيه عما ورد بصحيفة الإدعاء المباشر و لا يعن أن المتهم قد إقترف جريمة التبديد المنسوبة إليه و هو على إختلاف جذرى واضح للوهلة الأولى فليس فى الإيصال ما يعنى أن المتهم تسلم من المدعو .................... ذلك المبلغ على سبيل الأمانة لتوصيله إلى المدعى المدنى كما جاء بصحيفة الإدعاء المباشر فمن ثم تكون أركان الجريمة المؤثمة بالمادة 302 عقوبات قد قامت إذ أن ما نسبه المدعى المدنى إلى المتهم لو كان صادقاً لوجب عقاب الأخير طبقاً للمادة 341 عقوبات ، كما و أن أركان جريمة البلاغ الكاذب قائمة بإعتبار أن ما أبلغ به المدعى المدنى أمر ثبت كذبه على النحو المقدم البيان ، كما ثبت مما تقدم أن المدعى المدنى لابد و أن يعلم من الوهلة الأولى أن ما يسطره يخالف الحقيقة و لا يمكن أن يكون ما سطره على النحو الموضح فيه عدم الصدق إلا أن يكون قد قصد به إلحاق الضرر بالمتهم .............. " . و إذ كان هذا الذى أورده الحكم يكفى للتدليل على توافر القصد الجنائي بعنصريه لدى الطاعن - بالنسبة لجريمة البلاغ الكاذب - و هو العلم بكذب الوقائع و قصد الإساءة إلى المجنى عليه . فضلاً عن توافر أركان جريمة القذف بكافة عناصرها و أركانها .

(الطعن رقم 4287 لسنة 57 جلسة 1988/01/14 س 39 ع 1 ص 156 ق 18)

38- لما كان البين من الحكم الإبتدائى الذى إعتنق أسبابه الحكم المطعون فيه أنه عول فى إدانة الطاعن على مجر صدور الحكم ببراءة المدعيين بالحقوق المدنية فى الدعوى رقم ........................ أمن الدولة الجزئية التى إتهمها فيها الطاعن بتقاضى خلو رجل ، دون أن يستظهر ما إذا كان حكم البراءة قد أقيم على عدم صحة الإتهام فيكون له حجية فى دعوى البلاغ الكاذب ، أم أنه أقيم على الشك فى الإتهام ، فلا يكون له هذه الحجية ، كما أنه لم يدلل البتة على توافر القصد الجنائي قبل الطاعن ، متمثلاً فى تعمد الكذب فى التبليغ عن علم و يقين لا يداخله شك بأن الواقعة كاذبة منتوياً السوء و الإضرار بمن أبلغ فى حقه . لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد تعيب بالقصور الذى يبطله و يوجب نقضه فيما قضى به فى الدعويين الجنائية و المدنية .

(الطعن رقم 296 لسنة 57 جلسة 1988/02/17 س 39 ع 1 ص 303 ق 41)

39- لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة و الظروف التى وقعت فيها ، و الادلة التى استخلصت منها المحكمة الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها و سلامة مأخذها تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة صحة التطبيق القانونى على الواقعة كما صار اثباتها بالحكم و إلا كان قاصراً ، و كان من المقرر قانوناً أنه يشترط لتحقيق جريمة البلاغ الكاذب ، توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها ، و أن يكون الجاني عالما بكذبها و منتويا السوء و الاضرار بالمجنى عليه ، و أن يكون الأمر المبلغ به مما يستوجب عقوبة فاعله ، و لو لم تقم دعوى بما أخبر به ، و كان الحكم المطعون فيه لم يبين واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة ، و لم يستظهر أركان جريمة البلاغ الكاذب - كما هى معرفة به فى القانون - و لم يدلل على توافرها فى حق الطاعن ، كما الزم الطاعن بالتعويض المدنى المؤقت ، دون أن يحيط بأركان المسئولية المدنية من خطأ و ضرر و علاقة السببية ، فإنه يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 494 لسنة 58 جلسة 1989/02/22 س 40 ص 310 ق 49)

40- يشترط فى القانون لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها، وأن يكون الجاني عالما بكذبها ومنتويا السوء والإضرار بالمجني عليه. وكان ما ساقه الحكم - على النحو المار ذكره - لا يدل فى العقل والمنطق على أن الطاعن قصد من التبليغ الكيد للمدعيين بالحقوق المدنية والإضرار بهما. فإن الحكم يكون قد قصر فى إثبات القصد الجنائي لدى الطاعن بما يشوبه بالقصور ويوجب نقضه والإعادة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.

(الطعن رقم 2296 لسنة 65 جلسة 2000/02/12 س 51 ص 164 ق 30)

41 لما كان ذلك ، وكانت جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بتغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق عنه ضرر يلحق شخصًا بعينه ، لأن هذا التغيير نتج عنه حتما حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور ، وليس من هذا القبيل إدلاء الشاهد بأقوال تغاير الحقيقة في محاضر جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي لأن مثل هذه الشهادة مما يحتمل الصدق والكذب ، ولا ينال كذبها من قيمة المحرر وحجيته ما دام أنه لا يتخذ حجة في إثبات صحة مضمونها ، فإن الإبلاغ في محضر الشرطة المشار إليه سلفاً بإيصال الأمانة المزور لا تقوم به جريمة التزوير في محرر رسمي ولا تكون المساعدة عليها المنسوبة للطاعنة اشتراكاً في تلك الجريمة . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس لزاماً على محكمة الموضوع أن تتقيد بالوصف القانوني الذي أسبغته النيابة العامة على الواقعة محل الدعوى بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة بجميع كيوفها وأوصافها وصولاً إلى إنزال حكم القانون صحيحاً عليها ، وكان الإبلاغ بأمر كاذب مع سوء القصد هو ما ينطبق على حكم المادة 305 من قانون العقوبات ، فإن الحكم المطعون فيه إذا اعتبر جريمة الإخبار بوقائع كاذبة في محضر الشرطة التي قارفتها الطاعنة جناية اشتراك في تزوير محرر رسمي وقضى عليها بعقوبتها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يعيبه ويستوجب نقضه . لما كان ذلك ، وكان يبين من الأوراق أنه انقضى على الدعوى من تاريخ التقرير بالطعن وإيداع أسبابه وحتى تاريخ نظره بجلسة اليوم مدة تزيد على الثلاث سنين المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة في مواد الجنح دون اتخاذ أي إجراء قاطع لهذه المدة ، ومن ثم تكون الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة ويتعين لذلك أن يكون نقض الحكم مقروناً بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة بالنسبة للطاعنة وحدها دون المحكوم عليه الآخر والذي صدر الحكم بالنسبة له غيابياً فلا يمتد إليه أثر النقض .

 

(الطعن رقم 10427 لسنة 90 جلسة 26 / 12 / 2022)

شرح خبراء القانون

(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)

الركن المادي في جريمة البلاغ الكاذب

شروطه

يشترط لقيام الركن المادي في جريمة البلاغ الكاذب توافر ثلاثة عناصر، هي:

1- الإخبار ضد شخص معين.  

2- الواقعة الكاذبة مضمون الخبر .

3- السلطة التي تتلقى الإخبار، وهي السلطة القضائية أو الإدارية .

أولاً : الإخبار ضد شخص معين

ماهيته: يتحقق الإخبار فيما يتعلق بهذه الجريمة بتبليغ السلطة العامة بنسبة واقعة معينة إلى شخص معين، فهو على هذا النحو ينقل إلى السلطة التي تتلقى التبليغ فكرة معينة عن الشخص المبلغ ضده ومضمون هذه الفكرة هي ارتكاب هذه الشخص واقعة معاقب عليها قانوناً.

شخصية المبلغ: ولا يشترط صفة معينة في المبلغ، فيستوي أن يكون موظفاً عاماً أو فرداً عادياً، وإذا صدر التبليغ من شخص معنوي فلا تقع الجريمة في حق الشخص المعنوي في غير الحالات الاستثنائية التي يقرر فيها القانون مسئوليته. ولا كفي مجرد الإخبار بوقوع جريمة ما دون إسنادها إلى شخص معين. ولا يشترط في هذا الإسناد تعيين اسم المسند إليه، بل يكفي ذكر الأمارات أو الظروف التي تكفل تعيينه، وهو أمر موضوعي يدخل في إطلاقات محكمة الموضوع.

شكل الإخبار: لا يشترط القانون شكلاً معيناً في الإخبار، فيستوي أن يكون كتابة أو شفاهة. على أنه في حالة الإخبار الشفوي يفترض أن يكون من تلقي البلاغ قد أثبته كتابة حتى ولو لم يوقعه من صدر منه الإخبار. فإثبات البلاغ في هذه الحالة كتابه هو الذي يسمح باتخاذ الإجراءات ضد المبلغ ضده، الأمر الذي يتحقق به الاعتداء على المصلحة المحمية. وإذا كان البلاغ مكتوباً فيستوي أن يكون بخط يد صاحبه أو غيره، أو مطبوعاً. ويستوي أن يكون باللغة العربية أو بلغة أجنبية. ولا يشترط أن يكون البلاغ موقعاً ممن ثبت أنه قد صدر عنه. بل يكفي أن يكون في صورة مقال أو خبر منشور في الصحف.

ولا يشترط في الإخبار أن يكون على سبيل التأكيد، بل يكفي أن يكون في صيغة الإشاعة أو بطريق الرواية عن الغير.

من المقرر أنه يشترط : لتحقيق جريمة البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقوبة فاعله ولو لم تقم دعوى بما أخبر به. ويستوي أن يكون العقاب المقرر عن هذا الأمر جنائياً أو تأديبياً.

ولا يشترط للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المبلغ عنه قد أسند إلى المبلغ ضده على سبيل التأكيد أو بناء على ما يعلمه المبلغ نفسه، بل يصح العقاب ولو كان الأمر المذكور قد أسند إلى المبلغ ضده في صيغة الإشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير، وإنما يجب أن يكون عن واقعة ارتكبت بالفعل لا عن واقعة مستقبلية لم تقع بعد.

ثانياً: الواقعة الكاذبة مضمون الإخبار:

يجب لتوافر جريمة البلاغ الكاذب أن يتضمن وقائع مكذوبة. ولا يشترط لذلك أن تكون جميع الوقائع التي تضمنها البلاغ مكذوبة برمتها، بل يكفي أن يكون قد كذب في بعضها أو شوه الحقائق أو أضاف إليها أموراً ذات وصف جنائي أو غفل عن ذكر بعض أمور مهمة يتعين ذكرها. مثال ذلك أن يدعي المبلغ في بلاغه أن أشخاصاً سرقوا منه ثمانية جنيهات بالإكراه في الطريق العام أو أن الإكراه ترك أثر جروح به ثم يثبت أن واقعة السرقة بالإكراه مكذوبة برمتها وأن الواقعة لم تكن إلا تعدياً بالضرب يعد البلاغ كاذباً ويستحق المبلغ العقاب.

ولا يشترط لإثبات كذب البلاغ سبق صدور حكم بالبراءة أو أمر بالحفظ (أو بألا وجه لإقامة الدعوى) في موضوعه، بل للمحكمة أن تستخلص كذب البلاغ بناء على التحقيقات المطروحة عليها أو التي تكون قد أجرتها، بل ولا يشترط في هذا الإثبات أن تقام الدعوى عما أخبر به المتهم في البلاغ الكاذب ولو كان ذلك بسبب عدم تقديم الشكوى أو الإذن أو الطلب حين يتطلبها القانون لرفع الدعوى، أو لأي سبب آخر.

ولا تتقيد المحكمة عند نظر دعوى البلاغ بأمر الحفظ (أو الأمر بألا وجه)، ولو كان صادرا لعدم صحة الواقعة موضوع البلاغ. فللمحكمة رغم هذا الأمر أن تقول بصحة الواقعة التي صدر عنها الأمر إذا اقتنعت هي بذلك، فالحجية التي يتمتع بها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية هي حجية سلبية تحول دون محاكمة المتهم عن الواقعة التي كانت محلا لهذا الأمر، وليست حجية إيجابية بالحقيقة. وقد قضي أنه يتعين على المحكمة حين تنظر دعوى البلاغ الكاذب ألا تتقيد بأمر الحفظ وألا تقيم اقتناعها بكذب البلاغ على مجرد الحفظ، بل عليها أن تفصل في الدعوى المطروحة أمامها بحسب ما ينتهي إليه تحقيقها ولها في سبيل ذلك أن تقتنع بكذب البلاغ من الأسانيد التي وردت في قرار الحفظ، بشرط أن يكون هذا الاقتناع منقطع الصلة بقرار الحفظ الذي لا يتمتع في ذاته بأدنى حجية.

على أن الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم يقيد المحكمة التي تفصل في الدعوى التي ترفع بالبلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث صحة البلاغ أو كذبه، متى حاز هذا الحكم قوة الأمر المقضي. ففي هذه الحالة يكون الحكم عنوانا للحقيقة التي يجب أن يؤخذ بها احتراما للأحكام الجنائية وللحيلولة دون تناقضها. على أنه إذا لم يفصل الحكم في الواقعة وإنما أبدى في أسبابه تشككه فيها، ففي هذه الحالة لا يجوز الاعتماد على الحكم بالبراءة وحده للقطع بكذب البلاغ إذا اعتمد في أسبابه على عدم كفاية الأدلة وحدها باعتبار أن الأسباب مكملة للمنطوق. هذا ما لم تقتنع المحكمة من ظروف الواقعة بعدم صحة الواقعة موضوع البلاغ. فكما قالت محكمة النقض، يكون الحكم البراءة الذي أقيم على عدم صحة الامام الحجية في دعوى البلاغ الكاذب.

ولا يشترط للمحاكمة عن جريمة البلاغ الكاذب صدور حكم أو أمر قضائي بشأن الأمر المبلغ عنه، فليس من اللازم أن يكون ثبوت عدم صحة البلاغ بحكم نهائي ببراءة المبلغ ضده أو بأمر بألا وجه لإقامة الدعوى قبله، فالأمر متروك للمحكمة في إثبات مدی کذب البلاغ ولو لم يحصل في هذا الشأن أي تحقيق قضائي من قبل.

ويلاحظ أن عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها ليس دليلا على كذبها، لأن التبليغ عن الجرائم من الحقوق المخولة للأفراد، وتحقيق البلاغات والبحث في صحتها أو كذبها من شأن السلطة المختصة بإجراء التحقيق الجنائي. والمقصود بالواقعة هنا هو الفعل المادي أو إسناده إلى المبلغ ضده، فقد تكون الواقعة صحيحة ولكن إسنادها إلى المبلغ ضده غير صحيح. ولا يقاس البلاغ عن الجريمة ضد موظف عام على القذف في حقه، لأن القانون في صدد هذا النوع من القذف قد أباحه إذا استطاع من نشر عبارات القذف أن يقيم الدليل على صحتها، وذلك على خلاف التبليغ عن الجرائم، فإن الشارع لم يقصد منع التبليغ إلا إذا كان المبلغ واثقاً من صحة البلاغ بناء على أدلة لديه.

وعلى ذلك فإن تشكك المحكمة في الأمر المبلغ به لا يقطع في صحة البلاغ المقدم عنه أو كذبه والأمر في النهاية متروك لتقدير محكمة الموضوع، بشرط أن تكون قد اتصلت بالوقائع المنسوبة إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها. فالقضاء بالبراءة في الأمر المبلغ عنه لتشكك المحكمة في أدلة الثبوت بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه بشأن الواقعة أو إسنادها إلى المبلغ ضده، لا يقيد المحكمة المطروحة أمامها دعوى البلاغ الكاذب في بحث الواقعة (أو إسنادها إلى المبلغ ضده) موضوع البلاغ بل هي طليقة من كل قيد، كما أن القضاء بالبراءة لسبب قانوني لا يدل بحال على أن المحكمة تعرضت لصحة الواقعة موضوع البلاغ أو كذبها.

وإذا أقيمت الدعوى الجنائية عن الواقعة محل البلاغ الكاذب، فإن المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب تلتزم بوقف هذه الدعوى إلى حين الفصل في الدعوى الجنائية المتعلقة بالواقعة محل البلاغ الكاذب طبقاً للمادة 222 إجراءات التي نصت على أنه «إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية»، وذلك حرصاً على عدم التناقض بين الأحكام.

الركن المعنوي في جريمة البلاغ الكاذب

السلطة التي تتلقى الأخبار:

يجب أن تتلقى الأخبار إحدى السلطات العامة بجميع أنواعها. ولا يشترط أن تكون السلطة التي تتلقى الإخطار من جهات التحقيق الجنائي، بل يستوي أن تكون من جهات التحقيق الإداري أو غيرها من سلطات الدولة. ذلك أن القانون يجب على كل موظف عام يعلم بوقوع جريمة أن يبلغ عنها، ومن ثم فإن مخاطبة سائر سلطات الدولة ببلاغ عن جريمة يوجب عليها أن تخطر به الجهة المختصة، مما يعرض المبلغ ضده كذباً للخطر.

وهذه الجريمة عمدية، ومن ثم يتخذ الإثم الجنائي في ركنها المعنوي شكل القصد الجنائي، وتتميز هذه الجريمة بوجوب توافر قصد جنائي خاص بها.

القصد الجنائي العام:

يجب لتوافر القصد الجنائي العام في هذه الجريمة أن يكون الجاني قد أقدم على تبلیغ مع علمه بأن الواقعة التي أبلغ عنها مكذوبة (أو أن الشخص المبلغ ضده بريء مما نسب إليه)، وأن هذه الواقعة تستوجب معاقبة مرتكبها. ولا يحتج في ذلك - عندما تكون الواقعة جريمة جنائية - بأن العلم بالتجريم والعقاب أمر مفترض، لأن العلم المطلوب هنا ليس في محال مساءلة مرتكب الواقعة وإنما في مجال إسنادها كذباً إلى شخص آخر، مما يجعل هذا الوصف القانوني ينزل منزلة الواقع لا منزلة القانون، ولهذا يكفي مجرد العلم بأن الواقعة لو صحت لاستوجبت عقاب مرتكبها دون اشتراط العلم بأركان الجريمة ولا بقدر العقوبة.

ويجب أن يكون علم الجاني بذلك يقينياً، فإذا كان المبلغ يعتقد بناء على أسباب معينة بصحة الواقعة التي أبلغ عنها فلا إثم عليه حتى ولو كانت هذه الأسباب واهية، مادام لم يثبت أنه كان عالماً بكذب البلاغ أو ببراءة من أبلغ ضده.

القصد الجنائي الخاص:

أوجب القانون توافر قصد جنائي خاص في هذه الجريمة، وعبر عنه بسوء القصد. وقد عبرت عنه محكمة النقض بأنه يعني انتواء السوء والإضرار، أو انتواء الكيد والإضرار بالمجني عليه. فمتى أثبتت محكمة الموضوع أن المبلغ بالإضافة إلى علمه بكذب الواقعة التي أبلغ عنها قد انتوى الكيد والإضرار بالمبلغ ضده، كان ذلك كافياً لاستظهار القصد الخاص من الوقائع المطروحة عليها. فلا يكفي القول بأن الشكوى قدمت بقصد الإضرار ما لم يستظهر الحكم أن نية الإضرار يتضمنها تمام الغير بواقعة غير صحيحة معاقب عليها قانوناً.

وتقدير توافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب من إطلاقات محكمة موضوع بشرط أن يكون وليد تدليل كاف واستدلال سائغ، ويجب على محكمة موضوع في الحكم الصادر بالإدانة في جريمة البلاغ الكاذب أن تثبت صراحة أو ضمنا توافر القصد الجنائي بعنصرية العام والخاص، ولكنها غير ملتزمة بالتحدث عنه استقلالاً متى كان استخلاصه واقعا وكانت الوقائع التي أثبتتها المحكمة تفيد توافره في غير لبس. 

ولا عبرة بالباعث على البلاغ الكاذب في تحقق القصد الجنائي، متى توافرت نية الإضرار.

ماهية العقوبة

عاقب القانون مرتكب البلاغ الكاذب بالعقوبة المقررة للقذف، وهو ما يتضح من إحالة المادة 305 عقوبات الخاصة بالبلاغ الكاذب ضمناً إلى المادة 303 عقوبات التي حددت عقوبة القذف استكمالاً لما جاء في المادة 304 التي أباحت القذف عند استعمال حق التبليغ. والعقوبة المحددة في المادة 303 عقوبات المشار نيها هي الغرامة التي لا تقل عن سبعة آلاف وخمسمائة جنيه ولا تزيد على اثنين وعشرين ألفاً وخمسمائة جنيه. فإذا قدم البلاغ الكاذب ضد موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو خدمة العامة، تكون العقوبة هي الغرامة التي لا تقل عن خمسة عشر ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه (المادة 303 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 93 لسنة 1995، والمستبدلة بالقانون رقم 95 لسنة 1996).

ولا تسري عقوبة الحبس الجوازية التي كانت المادة 303/ 2 عقوبات بشأن عقوبة القذف تحيزها لأنها ألغيت بالقانون رقم 147 لسنة  2006.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني،  الصفحة: 409)

هل يتطلب القانون اجتماع شرطي الصدق وعدم سوء القصد ؟ : يبدو من ظاهر نص المادة 304 من قانون العقوبات أن الشارع يتطلب اجتماع هذين الشرطين، فقد تطلب أن يكون الإخبار « بالصدق وعدم سوء القصد » والصدق يعنی صحة الواقعة في ذاتها؛ وعدم سوء القصد يعني حسن النية في المدلول الذي نحدده فيما بعد ولكن هذا التفسير لا يعبر عن قصد الشارع، ذلك أنه أقام علاقة وثيقة بين شروط هذه الإباحة وأركان جريمة البلاغ الكاذب، فجعل توافر شروط الإباحة معلقة على انتفاء أركان جريمة البلاغ الكاذب، وجعل نطاق هذه الجريمة مقتصراً على المجال الذي لا تتوافر فيه شروط الإباحة؛ وتتضح هذه العلاقة من العبارة التي افتتح بها المادة 305 من قانون العقوبات التي حددت أركان هذه الجريمة، وهي قوله « وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ... ». وتفيد هذه العبارة العطف من حيث اللغة والارتباط الوثيق من حيث الأحكام القانونية . ومن المسلم به أن جريمة البلاغ الكاذب تتطلب کذب البلاغ وتوافر سوء القصد : فإذا كان البلاغ كاذباً ولكن نية المبلغ حسنة أو كان البلاغ صحيحاً ونية المبلغ سيئة، فلا تتوافر في الحالين أركان جريمة البلاغ الكاذب  وإذا قلنا إن سبب الإباحة يعد متوافراً حين لا تتوافر كل أركان البلاغ الكاذب استتبع ذلك القول بأن سبب الإباحة يعد متوافراً إذا كانت نية المبلغ حسنة ولو ثبت كذب البلاغ، ويعد متوافراً كذلك إذا ثبتت صحة البلاغ ولو كانت نية المبلغ سيئة ويعني ذلك أن الإباحة تقوم بتوافر أحد الشرطين فقط ويبرر الإباحة في الحالة الأولى إخلاص المبلغ للمصلحة العامة وإن كان لم يوفق إلى خدمتها؛ ويبررها في الحالة الثانية أنه أسدي إلى المجتمع خدمة وحقق له مصلحة ترجح على حق المجني عليه في الشرف والاعتبار.

الصدق :

يعني صدق الواقعة صحتها في ذاتها، ومن ثم كانت لهذا الشرط طبيعة موضوعية، وتتحقق المحكمة التي أقيمت أمامها دعوى القذف من توافر هذا الشرط معتمدة على الأدلة التي يتقدم بها المتهم، والأدلة التي تتكشفها السلطات التي قدم البلاغ إليها، بل وما قد يتكشف للمحكمة ذاتها من أدلة، فإذا خلصت إلى صحة الواقعة تعين عليها أن تقرر الإباحة دون بحث في نية المبلغ : ولا يجوز القول بأن صدق الواقعة يجب أن يثبت بالأدلة التي يتقدم بها المبلغ، فالقانون لا يوجب عليه جمع الأدلة قبل التقدم ببلاغه ؛ وإنما يرخص له أو يوجب عليه إبلاغ السلطات العامة عن الجرائم، وعلى هذه السلطات أن تتخذ في شأنها الإجراءات التي تستهدف تكشف الأدلة على صحتها " وتطبيقاً لذلك، فإن المتهم يستفيد من الإباحة إذا تقدم ببلاغه ودعمه بما يعلمه من الأدلة؛ أو لم يدعمه بأي دليل، ولكن تحققت صحته بناء على الإجراءات التي اتخذتها السلطات العامة .

حسن النية : 

حسن النية يعنى استهداف المبلغ تحقيق الغرض الذي من أجله قرر الحق له، وهو معاونة السلطات العامة على التعرف على الجرائم واتخاذ الإجراءات ضد المسئولين عنها، ويفترض ذلك اعتقاده صحة الواقعة، إذ لا يتصور أن يتوافر لديه هذا الغرض الاجتماعي إذا كان يعتقد كذب الواقعة فكان غرضه من بلاغة التشهير بالمجني عليه وينتفي حسن النية إذا كان المتهم يعلم بكذب الواقعة، أو كان يعتقد صحتها ولكن كان يهدف إلى التشهير بالمجنى عليه  ويجوز أن يستخلص قصد التشهير من عنف العبارات التي صيغ فيها البلاغ وعدم التناسب بينها وبين الوقائع التي كان التبليغ في شأنها، أو اقحام وقائع مشينة لا صلة بينها وبين موضوع البلاغ، أو تعمد إعطاء البلاغ علانية ليس لها مقتض .

ولكن هل من عناصر حسن النية التثبت والتحري ؟ فيعد سيء النية من كان معتقداً صحة وقائع البلاغ، ولكن اعتقاده كان مستنداً إلى خفة وطيش لا نعتقد ذلك، فالإبلاغ عن الجرائم يقتضي بطبيعته السرعة حتى تتخذ في شأنها الإجراءات في الوقت الملائم، ومن شأن الإلزام بالتحرى أن يعرقل ذلك، ولو أن القاضي قد لا يسلم بادعاء المتهم اعتقاده صحة الواقعة إذا تبين له طيشه الظاهر.

وإذا ثبت حسن نية المتهم استفاد من الإباحة ولو لم يثبت صحة بلاغه : فقوله إنه يحصر شبهته في شخص معين أو في بعض أشخاص يعتقد أن أحدهم هو الذي ارتكب الجريمة يفيده من سبب الإباحة إذا ثبت حسن نيته ولو لم تثبت صحة هذا الاتهام .

البلاغ الكاذب

تعريف البلاغ الكاذب إخبار بواقعة غير صحيحة تستوجب عقاب من تسند إليه موجه إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين ومقترن بالقصد الجنائي .

وقد نص الشارع على جريمة البلاغ الكاذب في المادة 305 من قانون العقوبات، وهذا النص مرتبط بالنص السابق عليه بحيث يتعين الجمع بينهما للكشف عما يعنيه الشارع بهما، وخاصة لتحديد أركان جريمة البلاغ الكاذب وعقوبتها . وقد نص الشارع في المادة 304 من قانون العقوبات على سبب الإباحة الذي يتوافر لجريمة القذف في حالة استعمال حق التبليغ، فقرر أنه «لا يحكم بهذا العقاب - أي عقاب القذف - على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب العقوبة فاعله »، وقد جرم الشارع بعد ذلك البلاغ الكاذب في المادة 305  من قانون العقوبات جاعلا نطاق هذه الجريمة مقتصراً على الحالات التي لا تتوافر فيها شروط الإباحة السابقة ومحيلاً في تحديد أركان الجريمة إلى النص الخاص بالإباحة فقال « وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقاب ولو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور ولم تقم دعوى بما أخبر به »، وقد فرض الشارع بهذا النص لجريمة البلاغ الكاذب ذات عقوبة جريمة القذف.

علة تجريم البلاغ الكاذب :

العلة الأولى لتجريم البلاغ الكاذب أنه اعتداء على شرف المجني عليه واعتباره، إذ تنسب إليه واقعة تستوجب عقابه، ومثل هذه الواقعة من شأنها في أغلب الأحوال أن تسيء إلى مكانته الاجتماعية، بل وقد تعرضه دون حق الإجراءات جنائية أو تأديبية فتنزل بمكانته ضرراً فعلياً؛ وهو ضرر يظل قائماً ولو ثبتت فيما بعد براءته مما نسب إليه ولكن علة تجريم البلاغ الكاذب لا تقتصر على ذلك، فهذا البلاغ يدخل الاضطراب على عمل السلطات العامة المنوط بها الاتهام أو التحقيق أو المحاكمة، فهو اعتداء على حق المجتمع في أن يسير مرفق القضاء - والهيئات الملحقة أو المشبهة به - على الوجه السليم الذي تقتضيه المصلحة العامة : فمن ناحية يقوم الاحتمال في أن تصدر أحكام إدانة في غير موضعها، ومن ناحية أخرى فإن البلاغ الكاذب يضيع وقت القضاء وجهده في عمل لا جدوى منه اجتماعياً.

ولكل من هاتين العلتين النتائج التي تتصل بأحكام هذه الجريمة : فإذا كانت اعتداء على شرف المجني عليه واعتباره اقتضى ذلك وجود مجني عليه معين تعييناً كافياً، ومن ثم فلا قيام للبلاغ الكاذب إذا أبلغ المتهم كذباً عن جريمة ولكنه لم يسندها إلى شخص ما، أو لم يعين المجني عليه تعييناً كافياً أو أسندها إلى شخص قد مات وبالنظر إلى أن هذه الجريمة تمس السير السليم لمرفق القضاء، أي تهدر حقاً للمجتمع، فإن رضاء المجنى عليه بتوجيه البلاغ ضده ليس سبباً لإباحتها؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عنها غير متوقف على شكوى المجنى عليه .

وتمثل أحكام جريمة البلاغ الكاذب الحدود الفاصلة بين الاستعمال المشروع لحق التبليغ وإساءة هذا الاستعمال : فالاستعمال المشروع لهذا الحق لا تقوم به جريمة (بل أن الإبلاغ قد يكون إلزاماً في بعض الحالات)، وذلك ما حرص الشارع على تقريره في المادة 304 من قانون العقوبات، بل إن الإبلاغ عن واقعة صحيحة يظل مشروعاً ولو ثبت أن المبلغ قد استهدف به غرضاً غير مشروع كالانتقام  ولكن ليس كل إبلاغ خارج نطاق الإستعمال المشروع الحق التبليغ تقوم به الجريمة، فهذه الجريمة تتطلب قصداً جنائياً خاصاً، ومن ثم فإن البلاغ الكاذب الذي لم يتوافر له هذا القصد، سواء اقترن بقصد عام فقط أم تجرد من القصد فكان صادراً عن خفة وطيش فحسب (أي اقترن بالخطأ فقط) لا تقوم به سوى المسئولية المدنية وإذا لم يقترن البلاغ الكاذب بقصد أو خطأ انتفت المسئولية عنه في جميع صورها.

أركان البلاغ الكاذب :

أركان جريمة البلاغ الكاذب ثلاثة : الركن المادي، ونعني به النشاط الذي صدر عن المتهم متعلقاً بواقعة من نوع خاص؛ والشخص الذي يتعين أن يتجه إليه الإخبار، ونعني به أحد الحكام القضائيين أو الإداريين؛ والركن المعنوي الذي يتخذ صورة القصد الخاص.

ونتناول بالدراسة فيما يلى كل ركن من هذه الأركان، ثم نعقب ذلك ببيان العقوبة التي يقررها القانون لهذه الجريمة .

الركن المادي للبلاغ الكاذب

عناصر الركن المادي للبلاغ الكاتب : ويقوم الركن المادي للبلاغ الكاذب على عنصرين: الإخبار، وفيه يتمثل النشاط الإجرامي؛ والواقعة الكاذبة التي تستوجب عقاب من تسند إليه، وتمثل هذه الواقعة موضوع ذلك النشاط .

الإخبار

تعريف و الإخبار هو إخطار السلطات العامة بنسبة واقعة إلى شخص، وهو من حيث جوهره نشاط من شأنه إتاحة علم السلطات العامة بواقعة . وبتحليل عناصر الإخبار يتضح أنه تعبير عن فكرة يستهدف جعل الخير يعلم بها، ويعني ذلك أن الجاني تدور في ذهنه فكرة ويريد أن يعلم بها غيره فيخرجها من طيات نفسه بالإفصاح عنها على نحو يتيح للغير هذا العلم، والفكرة التي يعبر عنها الإخبار هي كون الصلة قائمة بين شخص وواقعة تستوجب بصدورها عنه عقابه .

عناصر الإخبار:

يقوم الإخبار على عناصر ثلاثة : أنه تعبير عن فكرة، وأنه تلقائي، وأنه يتضمن إسناد واقعة إلى شخص معين .

 التعبير عن فكرة : جوهر الإخبار كما قدمنا أنه تعبير يتضمن نقل معلومات إلى السلطات العامة، وهذه المعلومات تقوم بها الفكرة، ومن ثم كان بالضرورة متخذاً صورة إحدى وسائل التعبير كالقول الشفوي أو الكتابة أو الإشارة إذا كانت لها دلالة مفهومة والتعبير يفترض اتصالاً بالسلطات العامة لنقل معلومات إليها، فإن لم يصدر عن المتهم هذا الاتصال ولم يكن نشاطه تبعا لذلك متضمناً الإفضاء بمعلومات فلا يقوم بذلك الإخبار وتطبيقاً لذلك، فمن يضع مادة مخدرة أو أشياء مسروقة في ملابس خصمه أو منزله لا يعد بذلك مخبراً أحد بواقعة تستوجب العقاب، ولو كان قد استهدف بفعله أن يعرض خصمه لاتهام بحيازة مواد مخدرة أو إخفاء أشياء مسروقة .

ولكن لا يشترط أن يكون ما ينقله المتهم من معلومات إلى السلطات العامة مجهولا لها من قبل، فيعد مخبراً من يفضي إلى السلطات بواقعة علمت بها من قبل بوسيلة ما، أي سواء كان علمها ببلاغ سابق أو بناء على تحرياتها الخاصة، إذ ينطوى نشاطه على تدعيم هذا العلم لديها، ودفعها إلى اتخاذ الإجراءات المترتبة عليه . ومن باب أولى، فإن الإخبار يتحقق إذا كان علم السلطات بالواقعة محوطا بالشك فأكدها المتهم، أو كانت في صورة إشاعة فصورها المتهم على أنها حقيقة ثابتة.

تلقائية الإخبار:

تفترض جريمة البلاغ الكاذب أن نشاط المتهم كان نتاج بواعث ذاتية وثمرة إرادة حرة، أي أنه اتخذ المبادرة بإبلاغ السلطات العامة، ويعني ذلك أنه تلقائي، إذ في هذه الصورة يمكن أن ينسب إليه اعتداء على شرف المجني عليه والإخلال بالسير السليم للقضاء . أما إذا كان قد دفع إلى هذا الإخبار، فكان اقدامه عليه متفقا مع السير العادي للأمور، وكان يمثل بذلك رداً طبيعية على اتهام وجه إليه أو دفعا لضرر يوشك أن ينزل به أو استجابة لضغط مارسته عليه السلطات العامة، فإن نشاطه تنتفي عنه تلقائيته، ويمثل تصرفاً عادياً مما يدخل في إطار ما يسمح به المجتمع لأفراده، وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يرتكب جريمة البلاغ الكاذب من يتهم بجريمة فيتهم - أثناء إجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة – شخصاً أخر بارتكابها "، ولا يغير من هذا الحكم أن يترتب على ذلك اتخاذ الإجراءات ضد من اتهم كذباً، ولو ثبتت فيما بعد براءته بل إنه لا يرتكب جريمة البلاغ الكاذب من أفضى بإخباره بناء على طلب أو تكليف من السلطات العامة، إذ لم يكن إخباره تلقائياً، مثال ذلك شخص أدلى بأقواله المتضمنة الاتهام الكاذب أمام ممثل السلطة العامة بناء على استدعائه له . وتطبيقاً لذات الفكرة فإنه لا يرتكب جريمة البلاغ  الكاذب الشاهد الذي يضمن شهادته اتهامه كاذباً، ذلك أنه لم يفض باخباره من تلقاء نفسه، ولكن بناء على استدعائه كشاهد.

والوقت الذي يعتد به في تقدير الصفة التلقائية للإخبار هو وقت تقديمه، فإذا ثبتت له هذه الصفة في ذلك الوقت ظلت له، ولو استدعت السلطات العامة مقدمة فأفضى إليها بمعلومات تكميلية بناء على ذلك الاستدعاء، ويعني ذلك أن انتفاء الصفة التلقائية لهذه المعلومات التكميلية لا ينفي هذه الصفة عن الإخبار التي ثبتت له ابتداء؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن إبداء هذه المعلومات يكون مع الإخبار وحدة غير قابلة للتجزئة، والعبرة في صفة هذا المجموع هي بصفة الإخبار باعتباره الإجراء الأول والأساسي فيه والذي انبنى عليه اتخاذ سائر الإجراءات.

تضمن الإخبار اسناد واقعة إلى شخص معين : يفترض الإخبار إسناد واقعة غير صحيحة تستوجب العقاب إلى شخص معين، ويعني ذلك أن قوام هذا العنصر أمران : تعلق الإخبار بواقعة غير صحيحة تستوجب العقاب، وتضمنه نسبة هذه الواقعة إلى شخص معين . ويمثل الأمر الأول موضوع الإخبار، أما الأمر الثاني فيشير إلى المجنى عليه بهذا الإخبار . ونخصص للواقعة موضوع الإخبار دراسة تالية على حدة، ونقتصر في هذا الموضع على تحديد الشروط التي يتطلبها القانون في المجني عليه .

تتطلب جريمة البلاغ الكاذب وجود مجني عليه نال الاعتداء حقه في الشرف والاعتبار، فإن لم يوجد فلا وجود تبعاً لذلك لحق ناله الاعتداء، ومن ثم تنتفي علة التجريم وتطبيقاً لذلك فلا يسأل عن بلاغ كاذب من أخبر عن ارتكاب جريمة ما ولم يسند ارتكابها إلى شخص معين أو أسنده إلى مجهول ولا يسأل عنها كذلك من أسند الجريمة إلى شخص خيالي أو أسندها إلى شخص قد مات، إذ لا وجود في جميع هذه الحالات لشخص ينسب إليه الحق المعتدى عليه ولا يرتكب جريمة البلاغ الكاذب من اتهم نفسه كذباً بارتكاب جريمة، إذ الاعتداء على الشرف يفترض صدوره من شخص غير الشخص الذي يناله الاعتداء ولكن إذا حرض شخص آخر على أن يتهمه كذبا (أي أن يوجه الاتهام إلى المحرض) فإن كلا منهما يسأل عن البلاغ الكاذب، فالفرض أن الإخبار قد وجهه شخص ضد آخر، وذلك كاف لقيام الجريمة؛ وإذا كان المجني عليه راضياً بالاعتداء الذي نال شرفه، فذلك لا ينفي الجريمة، إذ لا يقتصر الاعتداء الذي تقوم به على حق المجنى عليه، وإنما ينال كذلك السير السليم لمرفق القضاء، وهو ما لا يحق للمجني عليه التصرف فيه .

وتتطلب جريمة البلاغ الكاذب تعيين المجني عليه تعييناً كافياً کي يمكن التحقق من أن الاعتداء قد نال شخصاً بالذات . ولكن تعيين المجني عليه لا يقتضي ذكر إسمه، وإنما يكفي أن يشار في البلاغ إلى بعض صفاته وخصائصه بالقدر الذي يجعل تعيينه ممكناً، فالقانون يكتفي بإمكان التعيين ولا يتطلب التعيين الفعلی  ويكتفي القانون بتعيين نسبي، ولا يتطلب تعييناً دقیقاً وتطبيقاً لذلك فإنه يكفى لقيام الجريمة أن يذكر انتماء المجني عليه المجموعة من الأشخاص إذا أضيف إلى ذلك ذكر ظروف تكفل تعيينه من بينهم  والقول بكفاية التعيين لقيام الجريمة من شأن قاضي الموضوع.

شكل الإخباري لا يتطلب القانون في الإخبار شكلاً معيناً، ومن ثم كانت جميع صوره وأشكاله لدى القانون سواء : فيستوي أن يكون كتابياً أو شفوياً، ويستوي أن يكون علنياً أو سرياً، ويستوى في النهاية أن يكون صريحاً أو ضمنياً.

فالبلاغ الكتابي والشفوي سواء وإذا قدم البلاغ كتابة فإن جميع صور الكتابة سواء : فلا يشترط أن يكون بخط المتهم، فقد يحرره غيره بناء على تحريضه، ويجوز أن يدون بالآلة الكاتبة أو يكون مطبوعاً. وفي جميع هذه الحالات يستوي أن يوقعه المتهم وأن يكون غفلاً من توقيعه طالما قد ثبت صدوره عنه وسواء أن يكون الإخبار علنيا، كما لو نشره المتهم في إحدى الجرائد وأعطاه صورة خطاب مفتوح موجه إلى السلطات المختصة، أو أن يكون سرياً كما لو ضمنه المتهم خطابا شخصيا إلى ممثل السلطة العامة واحتاط فدون على المظروف تنبيها بألا يفتحه سواه.

ويجوز أن يكون الإخبار صريحاً أو ضمنياً كما لو ذكر المتهم في بلاغه أن مالاً قد خرج من حيازة مالكه وأنه شوهد بعد ذلك في حيازة شخص معين، أو ذكر أن شخصاً قد قتل وأن فلاناً كان آخر من شوهد معه قبل موته بل يجوز أن يكون الإخبار غير مباشر كما لو دبر المتهم الأمور ورتبها على نحو تستخلص منه السلطات العامة نسبة جريمة إلى شخص معين ولا يشترط أن يكون الإخبار على سبيل التأكيد، بل يجوز أن يكون على سبيل الإشاعة أو على وجه التشكيك أو الظن أو الاحتمال ولا يشترط أن يفضى المتهم ببلاغه على أنه معلومات شخصية، بل يجوز أن يفضي به على سبيل النقل عن الغير والرواية عنه. وسواء أن يصدر الإخبار ممن يدعي أنه المجنى عليه أو أن يكون مصدره شخصاً يدعي أنه شهد ارتكاب الجريمة ضد غيره.

الواقعة موضوع الإخبار

تمهيد: يتطلب الشارع في الواقعة موضوع الإخبار أن تستوجب عقوبة من أسندت إليه، وأن تكون بالإضافة إلى ذلك كاذبة أي غير صحيحة والشرط الأول مستخلص من وصف الشارع موضوع الإخبار بأنه  أمر مستوجب لعقوبة فاعله، أما الشرط الثاني فهو مستخلص من وصفه له بأنه « أمر كاذب » ونحدد فيما يلى دلالة كل شرط ممهدين لذلك باستظهار مدلول الواقعة .

مدلول الواقعة :

تعني الواقعة - وقد عبر عنها الشارع بلفظ «الأمر» - حادثة ذات کیان مادی محدد، أو في تعبير آخر فعلاً له بطبيعة الحال ذلك الكيان. وهذا المدلول مستخلص من افتراض الشارع أن هذه الواقعة تستوجب عقوبة من تسند إليه، ولا يستوجب العقوبة - وفقاً للتشريع الحديث - إلا فعل مادي محدد.

ويترتب على ذلك أن جريمة البلاغ الكاذب لا تقوم إذا نسب المتهم إلى شخص وصفاً عاماً أو أسبغ حكماً قانونياً أو أخلاقياً عاماً لا ينطوي على تحديد فعل يسنده إليه، كما لو نسب إليه أنه مزور أو سارق، إذ القانون لا يعاقب على مثل هذا الوصف أو الحكم العام  ولكن إذا أضاف المتهم إلى الوصف أو الحكم العام بيان الواقعة التي استخلصه منها كان كافياً لقيام الجريمة  ويتعين أن تتخذ الواقعة صورة مادية، ومن ثم لا قيام الجريمة البلاغ الكاذب إذا نسب المتهم إلى المجني عليه حالة معينة، كقوله عنه إنه مجنون أو مريض ولا تقوم هذه الجريمة بنسبة أمر نفسي إلى آخر كما لو أسند المتهم إلى المجنى عليه أنه تدور في نفسه فكرة إجرامية أو انعقد لديه تصميم إجرامی، إذ لا يستوجب ذلك عقاباً ويتعين أن تنتمي هذه الواقعة إلى الماضي، إذ العقاب يفترض واقعة تحققت فعلاً؛ ومن ثم لا تقوم جريمة البلاغ الكاذب إذا أسند شخص إلى آخر احتمال إقدامه على ارتكاب جريمة في المستقبل ويكفي أن يسند المتهم إلى المجني عليه واقعة، فلا يشترط بالإضافة إلى ذلك أن يقدم الأدلة التي تدعم صدورها عنه .

 کون الواقعة تستوجب عقاب من أسندت إليه

مدلول العقاب التي تستوجبه الواقعة علة تطلب القانون أن تكون الواقعة المسندة إلى المجنى عليه مستوجبة عقابه، أنها في هذه الحالة فقط يكون من شأنها المساس بشرفه واعتباره والإخلال بالسير السليم للسلطات المنوط بها توقيع العقاب . أما إذا لم تكن الواقعة مستوجبه عقاب المجني عليه، وإنما تقوم بها المسئولية المدنية فحسب، أو تجعله موضع احتقار المجتمع وازدرائه فلا تقوم بذلك جريمة البلاغ الكاذب وقد استقر الرأي في الفقه والقضاء على أن العقاب الذي تستوجبه الواقعة لا يقتصر على العقوبة الجنائية وإنما يتسع كذلك للعقوبة التأديبية، والحجة في امتداد نطاق جريمة البلاغ الكاذب إلى المجالين الجنائي والتأديبي مما أن الشارع قد جمع - في هذه الجريمة - بين إخبار يقدم إلى أحد الحكام القضائيين وإخبار يقدم إلى أحد الحكام الإداريين (المادة 304 من قانون العقوبات) . وإذا كان الحكام القضائيون يختصون بتلقي البلاغات في شأن الوقائع التي تعد جرائم في المدلول الجنائي، فإن أغلب الموظفين الإداريين ليس لهم في هذا الشأن اختصاص، ويعني ذلك أن ذكر القانون لهم مؤداه أنه يتصور البلاغ الكاذب في شأن واقعة لا تعد جريمة في هذا المدلول والوقائع التي يختص الحكام الإداريون بتلقي البلاغات فيها هي تلك التي تعد جرائم تأديبية.

الواقعة التي تستوجب العقوبة الجنائية : تعتبر الواقعة مستوجبة للعقوبة الجنائية إذا كانت خاضعة لنص تجريم ورد في قانون العقوبات أو أحد القوانين المكملة له ولم يتطلب القانون في الواقعة جسامة معينة من حيث وصفها الجنائي : فيجوز أن تكون مخالفة أو جنحة غير عمدية  أو مجرد شروع، أو تنسب إلى المجنى عليه باعتباره مجرد شريك فيها. والعبرة في وصف الواقعة بأنها تستوجب العقوبة الجنائية إنما يكون بتطبيق القواعد القانونية، ولا عبرة باعتقاد المتهم إذا ابتعد عن حكم هذه القواعد وتطبيقاً لذلك، فإن قدم المتهم بلاغه معتقداً أن الواقعة التي أسندها إلى المجني عليه تستوجب عقابه ولم تكن مستوجبة ذلك وفقا للقانون، فلا تقوم بذلك جريمة البلاغ الكاذب.

ويكفي لقيام جريمة البلاغ الكاذب أن تكون الواقعة في ظاهرها مستوجبة العقوبة الجنائية ولو ثبت فيما بعد أنها لا تستوجبها لعدم خضوعها النص تجريم أو لانتفاء أحد أركان الجريمة أو لتوافر سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب، فالعبرة بظاهر صياغة البلاغ وكونها تمس - في نظر المطلع عليه لأول وهلة - شرف المجنى عليه واعتباره، ولا عبرة بما يتكشف في شأنه بعد التحقيق فيه : فيسأل عن هذه الجريمة من أبلغ عن شخص أنه ارتكب قتلاً ثم ثبت بعد التحقيق أنه كان في حالة دفاع شرعي أو كان مصاباً بجنون حينما ارتكب هذا القتل وأن الواقعة تبعا لذلك لا تستوجب عقاباً أما إذا كانت الواقعة في ظاهرها لا تستوجب عقاباً فلا تقوم بإسنادها كذبا إلى المجني عليه جريمة البلاغ الكاذب، كما لو أخبر شخص كذباً عن آخر أنه على صلة جنسية بامرأة بالغة غير متزوجة أو نسب إليه في بلاغه أنه يدمن الخمر.

الواقعة التي تستوجب العقوبة التأديبية :

إذا كانت الواقعة التي نسبها المتهم كذباً إلى المجنى عليه لا تستوجب عقوبة جنائية، ولكنها تستوجب عقوبة تأديبية كان ذلك كافياً لقيام جريمة البلاغ الكاذب . ويفترض ذلك أن المجني عليه موظف عام أو من في حكمه، إذ هو الذي يخضع للسلطة التأديبية للدولة ولا يشترط أن تكون العقوبة التأديبية التي استوجبتها الواقعة ذات جسامة خاصة، والعبرة في وصف الجزاء بأنه عقوبة تاديبية هي بالرجوع إلى قواعد القانون الإداري . ويترتب على ذلك أن الإجراءات الإدارية التي تتخذ ضد الموظف ولا يكون لها وصف العقوبة التأديبية كنقله أو حرمانه من ترقية أو مكافأة لا تكفي في هذا الشأن، ولو انطوت على فقد ثقة الإدارة في الموظف أو ألحقت به ضرراً جسيماً.

عدم صحة الواقعة :

الأهمية القانونية لاشتراط عدم صحة الواقعة : يعتبر عدم صحة الواقعة التي أسندها المتهم إلى المجنى عليه أحد العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب، فإن ثبت عدم توافره بأن كانت الواقعة صحيحة فإن المبلغ يعتبر مستعملا حقا قرره له القانون، فلا تقوم بفعله جريمة ولا تقوم جريمة البلاغ الكاذب ولو ساعت نية المتهم فاعتقد عدم صحة الواقعة، إذ لا تقوم بمجرد توافر ركنها المعنوي.

وإذا كانت الواقعة صحيحة فلا تقوم بالإبلاغ عنها جريمة ولو قدم المبلغ لتدعيمها دليلا غير صحيح، ولا يغير من هذا الحكم أن يكون فحوى هذا الدليل واقعة، فعدم الصحة يتطلبه القانون في الواقعة المستوجبة العقاب التي أسندت إلى المجنى عليه لا في الدليل عليها.

يستوى الكذب الكلى والكذب الجزئي : لا شك في أن جريمة البلاغ الكاذب تقوم إذا كان ما نسبه المتهم إلى المجنى عليه كذباً خالصاً، كما لو أسند إليه واقعة خيالية، أي نسب إليه واقعة لم تحصل قط، أو حصلت ولكن لم تكن له بها صلة على الإطلاق  ولكن مجال الجريمة لا يقتصر على هذا النطاق، بل تقوم إذا كان ما نسبه المتهم إلى المجنى عليه يتضمن في شق منه ما يطابق الحقيقة وفي شق ثان ما يناقضها، ولو كان الشق الأول غالباً على الثاني؛ وتعد الواقعة غير صحيحة في حدود ذلك القدر، وهو ما يكفي لوصف البلاغ بالكذب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكذب الجزئي قد يصعب اكتشافه فيكون إضراره بشرف المجنى عليه أشد مما لو كان كذباً كلياً مفضوحاً.

وأوضح حالات الكذب الجزئي أن يذكر المتهم وقائع صحيحة ولكنه يعرضها في صورة تتصف فيها بالجريمة  كما لو نسب إلى موظف عام أنه تلقى هدية على وجه يفهم منه أنها على سبيل الرشوة في حين أنها هدية بريئة تبررها صلات القربى أو الصداقة ؛ أو نسب إلى شخص أنه تسلم منه مالاً وعرض ذلك على نحو يفهم منه أنه تسلمه احتيالاً في حين أنه تسلمه تنفيذاً لعقد صحيح يربط بينهما  وقد يقتضى هذا التشويه في الوصف القانوني للواقعة أن يضيف المتهم إليها ظروفا غير صحيحة أو يغفل بیان ظروف صحيحة، كما لو نسب إلى المجني عليه أنه تسلم مالا على سبيل العارية (وكان ذلك صحيحاً) ثم أضاف إليه كذبا أنه قد بدد هذا المال، أو أغفل ذكر أنه قد رد هذا المال ويتحقق الكذب الجزئي كذلك إذا نسب المتهم إلى المجنى عليه واقعة تعتبر جريمة (وكان ذلك صحيحاً) ولكنه أضاف إليها كذباً وقائع يقوم بها ظرف مشدد لها، كما لو نسب إليه سرقة بإكراه وكان ما صدر عنه هو سرقة بسيطة أو مجرد ضرب ويتحقق الكذب الجزئي إذا نسب المتهم إلى المجني عليه واقعة صحيحة، ولكنه أغفل ذكر وقائع يقوم بها سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب، كما لو نسب إليه أنه ارتكب قتلاً وأغفل ذكر الظروف التي يستفاد منها أنه كان في حالة دفاع شرعى  وقد يتعلق الكذب الجزئي بمعنويات الواقعة دون مادياتها، كما لو نسب المتهم إلى المجنى عليه أنه ارتكب قتلاً عمدياً في حين أن ما صدر عنه هو قتل خطأ.

الاختصاص بإثبات عدم صحة الواقعة: عدم صحة الواقعة التي تضمنها البلاغ هو أحد العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب، ومن ثم كان إثباته شرطا للإدانة بهذه الجريمة وتختص بالفصل في صحة الواقعة المحكمة التي تنظر في الاتهام بالبلاغ الكاذب، ذلك أن عدم صحة الواقعة عنصر الجريمة البلاغ الكاذب، فيكون شأنه شأن أي ركن أو عنصر فی جريمة تختص بإثبات توافره المحكمة التي تنظر في هذه الجريمة، ولا خروج في ذلك على قواعد الاختصاص أو مبدأ الفصل بين السلطات، لأن هذه المحكمة لا تفصل في الواقعة بصفة أصلية، ولا تقرر في شأنها إدانة أو براءة، وما تقرره في شأن صحتها لا يلزم المحكمة أو السلطة الإدارية المختصة بها أصلاً وتطبيقاً لذلك نصت المادة 305 من قانون العقوبات على توقيع عقوبة البلاغ الكاذب ولو لم  تقم دعوى بما أخبره به  المتهم، مما يعني أن المحكمة التي تنظر في البلاغ الكاذب تفصل في هذه الجريمة دون أن تنتظر قيام دعوى في شأن الواقعة التي قام البلاغ الكاذب بإسنادها إلى المجنى عليه ونرى أنه يتعين التمييز بين فروض ثلاثة : الفرض الأول، محله ألا تكون قد أقيمت دعوى أو صدر حكم في شأن الواقعة موضوع البلاغ ؛ والفرض الثاني، محله أن تكون قد أقيمت دعوى في شأن هذه الواقعة؛ والفرض الثالث، محله أن يكون قد صدر حكم بات في شأنها.

إذا لم تكن قد أقيمت دعوى أوصار حكم في شأن الواقعة موضوع البلاغ : هذا الفرض هو أبسط الفروض، وتتمتع فيه المحكمة التي تنظر في جريمة البلاغ الكاذب بكل سلطاتها في تحرى عدم صحة الواقعة ثم تفصل في هذه الجريمة وفق ما يثبت لها بعد التحقق الذي تجريه : فإن تبين لها صحتها قضت بالبراءة، وإن ثبت لها عدم صحتها قضت بالإدانة إن توافرت سائر أركان الجريمة .

وثمة قواعد تحكم عمل المحكمة في هذا الفرض :

تنظر المحكمة في عدم صحة الواقعة دون أن تنظر صدور قرار من سلطة أخرى قضائية كانت أو إدارية، ومن ثم لا يجوز لها أن توقف النظر في الدعوى وتكلف سلطة الإتهام إقامة دعوى أخرى في شأن الواقعة موضوع البلاغ للفصل في مدى صحتها . ويعني ذلك أن دعوى البلاغ الكاذب تكون مقبولة ولو لم يحصل أي تحقيق قضائي بشأن الواقعة الحاصل عنها التبليغ »، وسند ذلك أن لفظ «دعوى » الذي ورد في المادة 305 من قانون العقوبات التي قررت العقاب على البلاغ الكاذب « ولو لم تقم دعوى بما أخبر به المتهم » تعني الدعوى بمراحلها المختلفة، بما في ذلك مرحلة التحقيق الإبتدائي . وتتمتع المحكمة بكل السلطات في تحقيق صحة الواقعة موضوع البلاغ، وتتذرع بجميع وسائل الإثبات التي يرخص بها القانون، والقاعدة أن القانون لم يرسم طريقاً خاصاً للقاضي في تحري أدلة الدعوى، وإنما وكل الأمر إلى مطلق اقتناعه وتتمتع المحكمة بهذه السلطة ولو كانت الواقعة موضوع البلاغ جناية، ومن ثم تخطيء المحكمة إذا قضت بعدم قبول دعوى البلاغ الكاذب لأن الواقعة موضوعه جناية لا تختص بها باعتبارها محكمة جنح، ذلك لأنها لا تنظر في الجناية بصفة أصلية ولا تقضى بعقوبة من أجلها، وإنما تنظر فيها باعتبارها مجرد عنصر في جنحة البلاغ الكاذب، وهي تقضي بعقوبة هذه الجنحة فحسب.

وإزاء هذه السلطة التي تتمتع بها المحكمة التي تنظر في دعوى البلاغ الكاذب، وهي سلطة يرتبط بها واجبها في تحقيق الواقعة موضوع - البلاغ، فإنه لا يجوز لها أن تستخلص من عجز المتهم عن إثبات صحة الواقعة الدليل القاطع على عدم صحتها، بل مازال واجبا عليها أن تحققها مستعينة في ذلك بالوسائل التي وضعها القانون تحت تصرفها، فقد كان متصوراً أن ينتهي بها تحقيقها إلى اعتبار الواقعة صحيحة على الرغم من عجز المتهم عن إثباتها وتقضي بناء على ذلك ببراءته.

إذا أقيمت الدعوى في شأن الواقعة موضوع البلاغ : إذا كانت الدعوى الجنائية في شأن الواقعة موضوع البلاغ الكاذب قائمة في الوقت الذي أقيمت فيه دعوى البلاغ الكاذب فإنه يتعين إيقاف النظر في هذه الدعوى حتى يفصل في الدعوى الأولى، وتتقيد محكمة البلاغ الكاذب بالحكم الذي يصدر فيها وتستند هذه القاعدة إلى المادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه « إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية » . وعلة هذه القاعدة هي الحرص على تفادي التناقض في الأحكام، إذ يخشى أنه إذا لم توقف دعوى البلاغ الكاذب على هذا النحو أن يصدر فيها حكم يقرر في شأن صحة الواقعة غير ما يقرره في هذا الشأن الحكم الذي تصدره المحكمة التي تنظر في هذه الواقعة بصفة أصلية، فيتناقض بذلك الحكمان ولا يعترض على هذه القاعدة بأن القانون يقرر العقاب على البلاغ الكاذب « ولو لم تقم دعوى بما أخبر به المتهم »، إذ موضع تطبيق هذا النص ألا تكون قد أقيمت دعوى في شأن الواقعة موضوع البلاغ، أما إذا أقيمت هذه الدعوى فإن الإيقاف يكون متعيناً وغني عن البيان أنه لا يجوز رفض الإيقاف بحجة أن صحة الواقعة أو عدم صحتها ثابتة على نحو لا شك فيه، إذ ليس للمحكمة سلطة تقديرية في تقرير الإيقاف أو رفضه  وعلى الرغم من الإيقاف، فإن محكمة البلاغ الكاذب تظل محتفظة باختصاصها، ويحق لها أن تأمر بإجراءات تحقيق تستهدف بها الإعداد لقرارها .

إذا صدر حكم بات في شأن الواقعة موضوع البلاغة إذا صدر حكم بات في شأن الواقعة موضوع البلاغ الكاذب يقرر صحتها أو عدم صحتها فإن محكمة البلاغ الكاذب تلتزم به فإذا قرر هذا الحكم صحة الواقعة التزمت محكمة البلاغ الكاذب أن تقضى ببراءة المتهم، إذ قد انتفى أحد أركان جريمة البلاغ الكاذب ؛ وإذا قرر هذا الحكم عدم صحة هذه الواقعة قضت بالإدانة من أجل جريمة البلاغ الكاذب إذا توافرت سائر أركان هذه الجريمة ولا تستند هذه القاعدة إلى نص صريح، وإنما تستند إلى مبدأ أساسي، هو الحرص على تفادي التناقض بين الأحكام، واحترام قوة الشيء المحكوم فيه التي تتمتع بها الأحكام الباتة . وهذه القاعدة تمثل توسعاً في هذا المبدأ، إذ بموجبها يكون الحكم جنائي قوة في غير الدعوى التي صدر فيها، أي تكون له قوة الشيء المحكوم فيه على الرغم من اختلاف الأطراف والموضوع والسبب .

ولتطبيق هذه القاعدة يجب أن يكون الحكم الصادر في شأن الواقعة موضوع البلاغ حكماً باتاً، فإن لم يكن قد بلغ بعد هذه المرحلة تعين إيقاف دعوى البلاغ انتظاراً لبلوغه لها وحين تثبت للحكم الصفة الباته، فإن محكمة البلاغ الكاذب تتقيد به دون أن يكون لها أن تبحث فيما يكون قد شابه من عيوب موضوعية أو إجرائية، إذ الصفة الباتة توصد السبل إلى البحث في عيوب الحكم .

ويتعين لتكون للحكم هذه القوة أن يكون قد تصدى لصحة الواقعة، ففصل فيها إثباتاً أو نفياً جاعلاً من ذلك أساس القضاء الذي انتهى إليه. فلا تكون له هذه القوة إذا اقتصر على التشكك في صحة الواقعة، ومن ثم لم تكن هذه القوة لحكم بالبراءة اعتمد على عدم كفاية الأدلة على حصول الواقعة.

ويتمتع بهذه القوة القرار بألا وجه لإقامة الدعوى الذي يصدر عن سلطة التحقيق، إذ يصدر بعد تحقيق، ويجوز الطعن فيه، ويكتسب حجبة إذا لم يطعن فيه ولكن قرار الحفظ الصادر من النيابة العامة ليست له هذه القوة، فلا تتقيد به محكمة البلاغ الكاذب، وإنما تظل لها جميع سلطاتها في تحقيق صحة الواقعة، فيجوز لها أن تقول بصحة الواقعة على الرغم من هذا القرار وتقضى بالبراءة من البلاغ الكاذب.

توجيه البلاغ إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين

تمهيد: تطلب الشارع أن يوجه المتهم بلاغه إلى أحد « الحكام القضائيين أو الإداريين »، فإن وجهه إلى شخص سواهم فلا تقوم جريمة البلاغ الكاذب . وعلة اشتراط هذا الركن أن توجيه البلاغ إلى أحد هؤلاء الموظفين هو الذي يخل بالسير السليم للسلطات المنوط بها توقيع العقوبات الجنائية والتأديبية، وهو الشرط الأساسي للمساس بشرف المجني عليه واعتباره في الصورة التي تفترضها جريمة البلاغ الكاذب .

أما إذا وجه البلاغ إلى شخص ليس من الحكام القضائيين أو الإداريين، فإن الجريمة لا تقوم، ولو توافرت سائر أركانها فلا تقوم الجريمة بإبلاغ المجني عليه كذباً عن إسم سارقه، أو بإبلاغ رب عمل أو مدير مشروع خاص أياً كان بواقعة مسندة كذباً إلى موظف أو عامل لديه .

الحكام القضائيون :

يراد بالحكام القضائيين رجال السلطة القضائية على تنوع اختصاصهم واختلاف درجاتهم وألقابهم القضائية ولما كان النص قد ورد مطلقاً، فلا محل لحصرهم في رجال القضاء الجنائي، فكما يتسع للقضاة المدنيين، فهو يشمل كذلك رجال القضاء الإداري والقضاء العسكري ولا يقتصر نطاق هذا التعبير على من يختصون بالفصل في الدعاوى، بل يشمل كل من يمارسون عملاً قضائياً وإن اقتصر على الإجراءات السابقة على دخول الدعوى في حوزة القضاء، فيشمل رجال النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي، سواء أكان اختصاصهم عاماً يشمل كل الجرائم أم كان خاصاً يقتصر على أنواع محددة من الجرائم .

الحكام الإداريون :

يراد بالحكام الإداريين الرؤساء في المرافق العامة الذين يحوزون سلطة تأديبية على مرءوسين لهم، أي الذين لهم سلطة توقيع عقوبات تأديبية عليهم، سواء مباشرة أو عن طريق إحالتهم إلى الهيئات التأديبية المختصة وتفترض سلطة التأديب سلطة الرقابة والإشراف ويتضح بذلك أن الضابط في اعتبار موظف عام من الحكام الإداريين هو أن تكون له سلطة التأديب على موظفين آخرين، ولا عبرة بدرجته في السلم الإداري أو نوع الاختصاص الأصلي الذي يمارسه .

وتطبيقاً لذلك يعتبر حاكماً إدارياً الوزير بالنسبة لموظفي وزارته، ومدير المصلحة بالنسبة لموظفي مصلحته، والمحافظ ورئيس المدينة أو الحي ورئيس المؤسسة العامة، ورئيس الجامعة وعميد الكلية، رجال الجيش أو الشرطة الذين لهم سلطة تأديب من هم أدنى منهم درجة  ويعتبر حاكماً إدارياً رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء باعتبارهما قمتي السلطة التنفيذية.

البلاغ الموجه إلى السلطة التشريعية :

يبدو للوهلة الأولى أن البلاغ الكاذب الموجه إلى السلطة التشريعية، سواء إليها في مجموعها أو إلى رئيسها أو أحد أعضائها لا تقوم به جريمة باعتبار أن هذه السلطة ليس لها اختصاص قضائي أو إداري، ومن ثم لا يصدق على من وجه إليه البلاغ أنه حاكم قضائي أو إداري . ولكن الإجماع منعقد على غير ذلك : فمصير البلاغ الذي يقدم إلى السلطة التشريعية هو أن يحال إلى الوزير المختص، ومن ثم يكون حكم البلاغ أنه مقدم إليه بطريق غير مباشر؛ وحين يكون موضوع البلاغ هاماً فإن السلطة التشريعية قد تجرى في شأنه تحقيقاً وتبلغ نتيجته إلى الوزير المختص، وفي الحالتين يلقي البلاغ من الوزير اهتماماً يزيد عما لو قدم إليه - أو إلى أحد مرءوسيه - مباشرة .

يستوي أن يقدم البلاغ مباشرة أو بطريق غير مباشرة يستوي أن يقدم المتهم البلاغ إلى الحاكم القضائي أو الإداري مباشرة، كأن يسلمه له أو يبعث به إليه في رسالة خاصة أو يكلف شخصاً بتسليمه إليه أو أن يقدمه إليه في صورة غير مباشرة كأن يسلمه أو يبعث به إلى موظف ما إذا كان واجبه الوظيفي أو كان المجرى العادي للأمور هو أن ينقله إلى الحاكم القضائي أو الإداري المختص، وتوافرت لدى المتهم إرادة توصيل البلاغ إلى ذلك الحاكم  ويقود ذلك إلى تقرير قاعدة هامة : هي أنه إذا قدم البلاغ إلى أحد مساعدي الحاكم كان ذلك كافياً لقيام الجريمة باعتبار أن من واجب هذا المساعد أن ينقل البلاغ إلى رئيسه، فإذا لم ينقل البلاغ فالجريمة خائبة ولا عقاب عليها  ويتصل بهذه القاعدة أنه تستوى ص ور اتصال المتهم بالحاكم : فسواء أن يقدمه إليه شفوياً أو يبعث به إليه في رسالة خاصة أو ينشره في صحيفة دورية في صورة خطاب مفتوح أو شكوى أو رسالة إليه أو إلى محرر الجريدة، إذ أن المجرى العادي للأمور هو أن يطلع الحاكم أو أحد مساعديه عليه.

ولا يشترط أن يقدم البلاغ إلى الحاكم القضائي أو الإداري المختص : فإذا قدم المتهم بلاغه إلى حاكم قضائي أو إداري غير مختص قامت الجريمة على الرغم من ذلك، إذ أن من واجب الحاكم غير المختص - والتصرف العادي له - أن ينقله إلى زميله المختص، فكأن المتهم قد قدمه إلى الأخير بطريق غير مباشر.

الركن المعنوي للبلاغ الكاذب

صورة الركن المعنوي للبلاغ الكاذب، البلاغ الكاذب في جميع صوره جريمة عمدية، فيتخذ ركنه المعنوي صورة القصد الجنائي ولا يغني الخطأ عن القصد، إذ لا يعرف القانون جريمة بلاغ كاذب غير عمدية.

نوع القصد الجنائي المتطلب في البلاغ الكاتب : « يجب لتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التي أبلغ عنها مكذوبة وأن الشخص المبلغ في حقه بريء مما نسب إليه، وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده.

ويتضح من ذلك أن القصد الذي يتطلبه القانون في هذه الجريمة قصد خاص، فهو يفترض توافر القصد العام أولا ثم يتطلب بعد ذلك أن تتوافر نية يقوم عليها القصد الجنائي، هي « نية الإضرار».

القصد العام في البلاغ الكاذب، يقوم القصد العام في البلاغ الكاذب على عنصرين : العلم والإرادة .

فالعلم يتعين أن ينصرف إلى عناصر الجريمة كافة : فيتعين أن يعلم المتهم بأن الواقعة غير صحيحة وأنها تستوجب عقاب المجني عليه، وأن يعلم باتجاه بلاغه إلى شخص له صفة الحاكم القضائي أو الإداري والعلم بعدم صحة الواقعة يتعين أن يكون علماً يقينياً ثابتاً، فيدرك المتهم الاختلاف بين ما أسنده المجني عليه وبين الحقيقة، وأي قدر من الاختلاف يعلم به يكفي لتوافر القصد لديه، وسواء أن يعلم أنه ينسب إليه واقعة خيالية، أو أنه ينسب واقعة صحيحة ولكنها لم تصدر عنه، أو أن ينسب إليه واقعة صحيحة صدرت عنه ولكن بعد أن أدخل عليها من التعديلات التي أصابت جوهرها أو ظروفها بما جعلها في جملتها مشوهة ولا يكفي القول بأنه كان في استطاعة المتهم أن يعلم بعدم صحة الواقعة وأن ذلك كان واجباً عليه، فالعلم المتطلب لتوافر القصد علم يقيني، فلا يقوم مقامه علم مفترض أو علم مستطاع أو واجب ذلك أن العلم المفترض يقوم به الخطأ، وهو غير

كاف لتوافر أركان جريمة البلاغ الكاذب  والعلم بعدم صحة الواقعة يفترض أن الواقعة في ذاتها غير صحيحة، ولكن مجرد عدم صحتها غير كاف لتوافر القصد، وإنما ينبغي أن يعلم المتهم بذلك . وإذا اعتقد المتهم عدم صحة الواقعة في حين كانت في ذاتها صحيحة فلا تقوم الجريمة، فقد انتفى أحد عناصر ركنها المادي واستحالت إلى جريمة ظنية .

ويتعين أن يعلم المتهم بأن الواقعة التي أسندها إلى المجنى عليه تستوجب العقوبة، ولا يعترض على ذلك بأن العلم باستحقاق الواقعة للعقاب لا يتطلبه القانون باعتباره علما بقواعد قانون العقوبات فيفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس : فمن ناحية لا محل لهذا الافتراض حين تكون الواقعة مستوجبة عقوبة تأديبية ؛ ومن ناحية ثانية فإن العلم باستحقاق الواقعة للعقاب الجنائي هو علم بأحد عناصر الجريمة فيجب أن يتوافر فعلاً تطبيقاً للقواعد العامة التي تتطلب العلم الفعلي الحال بجميع عناصر الجريمة، أما العلم المفترض فمحله الصفة الإجرامية للفعل . ولا يعني اشتراط العلم باستحقاق الواقعة للعقاب أن يكون المتهم عالماً بتكييفها القانوني ومقدار العقاب المحدد لها، وإنما يكفي أن يعلم بمخالفتها للنظام القانوني على نحو تستوجب به جزاء على قدر من الأهمية .

ويتعين أن يعلم المتهم باتجاه بلاغه إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين، ولا يعني ذلك اشتراط علمه على نحو دقیق باختصاص هذا الحاكم وأن له هذه الصفة في القانون، وإنما يكفي أن يعلم أن من شأن اتجاه بلاغه إليه أن يعطيه سيره القانوني، أي أن من شأنه اتخاذ الإجراءات التي تنشأ عن علم السلطات العامة بالواقعة فإن جهل ذلك فقد انتفى القصد لديه : فإذا قدم إخباره إلى موظف صغير (ليس من الحكام القضائيين أو الإداريين) الإعلامه شخصياً أو لطلب مساعدته، ولكن هذا الموظف نقل البلاغ إلى الحاكم المختص؛ أو أرسل إخباره إلى محرر صحيفة لكي يساعده بصفة خاصة ولكنه نشر البلاغ في صحيفته فالقصد لا يعتبر في الحالتين متوافراً لدى المتهم .

ويتطلب القصد اتجاه الإرادة إلى تقديم البلاغ متضمناً الواقعة غير الصحيحة التي تستوجب العقاب إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين .

القصد الخاص في البلاغ الكاذب : يقوم القصد الخاص في البلاغ الكاذب على  نية الإضرار وقد عبر عنها الشارع بقوله مع سوء القصد، وقد وصفتها محكمة النقض بأنها  انتواء السوء والإضرار أو انتواء الكيد والإضرار بالمجنى عليه، وليس من اليسير تحديد ماهية نية الإضرار، ولكننا نرى تحديدها - في ضوء العلة من تجريم البلاغ الكاذب - بأنها نية إنزال العقاب الجنائى أو التأديبي بالمجنى عليه: فالمتهم يستهدف ببلاغه الكاذب أن ينال المجني عليه عقاب لا يستحقه، وفي نزول هذا العقاب إضرار به، والمتهم ينتوي إنزاله به . فإذا انتفت هذه النية فلا قيام الجريمة البلاغ الكاذب : فمن يبلغ كذباً عن ارتكاب إبنه جريمة ويكون مستهدفا بذلك حمل السلطات العامة على الاهتمام بالبحث عنه بعد أن استعصى عليه أن يعثر عليه فلم تكن نيته بذلك متجهة إلى إنزال عقاب به لا يسأل عن البلاغ الكاذب .

ولكل من القصد العام والقصد الخاص كيانه المستقل عن الآخر، فلا تلازم بينهما : فمن المتصور أن يتوافر القصد العام دون أن تتوافر نية الإضرار، كالوضع في مثال الأب الذي يبلغ كذباً عن ارتكاب إبنه جريمة الحمل السلطات العامة على الاهتمام بالبحث عنه ومن المتصور أن تتوافر نية الإضرار دون أن يتوافر القصد العام، ومثال ذلك أن يعتقد المبلغ صحة الواقعة التي ينسبها إلى غيره وتكون نيته من الإبلاغ منصرفة إلى إنزال العقاب بمن أبلغ ضده .

معاصرة القصد الجنائي لتقديم البلاغ :

يخضع القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب للقاعدة العامة التي تتطلب معاصرة القصد للحظة تقديم البلاغ فإذا قدم المتهم بلاغه معتقداً صحة الواقعة التي تضمنها لا يعتبر القصد متوافراً لديه، ولو علم بعد ذلك بعدم صحة الواقعة ؛ ولا يغير من هذا الحكم أنه لم يسترجع بلاغه حينما علم بكذبه ولم يخطر السلطات العامة، ولا يغير منه كذلك أن علمه بالحقيقة كان لاحقاً بوقت قليل على تقديم البلاغ. ولا يتوافر القصد كذلك لدى من لم تكن لديه نية الإضرار بالمجني عليه وقت تقديمه البلاغ ثم توافرت لديه هذه النية فيما بعد .

البواعث في البلاغ الكاذب :

يخضع القصد الجنائي في البلاغ الكاذب للقاعدة العامة القاضية بأن البواعث ليست من عناصر القصد، وأنه إذا كان الباعث نبيلا فهو لا ينفي القصد : فسواء أن يكون الباعث إلى البلاغ هو الانتقام من المجني عليه أو تهديده أو مجرد الضغط عليه لحمله على أن يؤدي حقاً.

إثبات القصد الجنائي في البلاغ الكاذب :

تحري توافر القصد واستظهاره من عناصر الدعوى والقول بتوافره هو من شأن محكمة الموضوع ولا تلتزم هذه المحكمة بالتحدث عنه صراحة واستقلالاً إذا كانت الوقائع التي أثبتتها تفيده في غير لبس أو إبهام  ولكنها تلتزم بأن يكون استخلاصها له سائغاً، أي مستخلصاً من قرائن تقود إليه عقلاً ويعتبر الحكم قاصر التسبيب إذا لم يعن باستخلاص القصد في عنصريه وإثبات توافره صراحة أو ضمناً؛ أو اكتفى باستخلاص أحدهما فقط، كما لو قرر علم المتهم بعدم صحة الواقعة التي أسندها إلى المجنى عليه دون أن يثبت توافر نية الإضرار لديه، أو اقتصر على تقرير توافر هذه النية دون أن يثبت علمه بعدم صحة الواقعة.

عقوبة البلاغ الكاذب

مقدار العقوبة : حدد القانون لجريمة البلاغ الكاذب ذات العقوبة التي حددها لجريمة القذف، ويتضح ذلك من إحالته في المادة 305 من قانون العقوبات الخاصة بالبلاغ الكاذب إلى المادة 304 الخاصة بإباحة القذف عند استعمال حق التبليغ ثم إحالته في هذا النص الأخير إلى المادة 303 التي حدد فيها عقوبة القذف والعقوبة التي يقررها القانون لكل من الجريمتين هي الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه (المادة 303 من قانون العقوبات، الفقرة الأولى). وإذا قدم البلاغ الكاذب ضد موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة فالعقوبة هي الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه (المادة 303 من قانون العقوبات، الفقرة الثانية).

ولا يتوقف تحريك الدعوى الناشئة عن هذه الجريمة على شكوى المجني عليه  .

تمام الجريمة، تتم جريمة البلاغ الكاذب بوصول البلاغ إلى الحاكم القضائي أو الإداري، أما قبل هذه اللحظة فهي في مرحلة الشروع، ولا عقاب عليه . وتطبيقاً لذلك فإنه إذا سلم المتهم البلاغ إلى شخص كلفه بأن يوصله إلى الحاكم ولكنه لم يفعل فلا عقاب عليه، وكذلك لا عقاب عليه إذا ضمنه رسالة بريدية ولكنها فقدت فلم تصل إليه، ولا عقاب عليه من باب أولى إذا كان قد حرر البلاغ ووقع عليه ثم عدل عن تسليمه إلى الحاكم .

ويبدأ سريان التقادم المسقط للدعوى في اليوم التالى لوصول البلاغ إلى الحاكم، وإذا أوقف نظر دعوى البلاغ الكاذب لقيام الدعوى في شأن صحة الواقعة موضوع البلاغ أوقف سريان التقادم خلال مدة الإيقاف .

بيانات حكم الإدانة. يجب أن يتضمن هذا الحكم بيانا لجميع أركان الجريمة : فبين الواقعة التي أسندها المتهم إلى المجني عليه، ويثبت أنها غير صحيحة وتستوجب العقوبة، ويبين الحاكم الذي وجه إليه البلاغ، ويثبت توافر القصد في عنصريه بأن يقرر علم المتهم بعدم صحة الواقعة وتوافر نية الإضرار لديه . فإن أغفل الحكم أحد هذه البيانات كان قاصراً فيعتبر قاصراً الحكم الذي لا يبين الواقعة التي أسندها المتهم إلى المجني عليه بياناً واضحاً؛ أو لا يثبت كذب البلاغ؛ أو لا يعين بصورة ما المجني عليه کی تقتنع محكمة النقض بأن ثمة شخصاً كان البلاغ موجهاً إليه؛ أو لا يعين الجهة التي قدم البلاغ إليها ؛ أو لا يثبت توافر القصد في أي من عنصریه، كما لو أغفل التحدث عنه صراحة أو ضمناً أو استخلصه من قرينة لا تؤدى إليه، ويعد من هذا القبيل الحكم الذي يكتفي في إثبات القصد بتقرير کذب الواقعة، إذ لا يستفاد من ذلك بالضرورة علم المتهم بهذا الكذب وتوافر نية الإضرار لديه  ويعتبر الحكم قاصراً إذا أثبت علم المتهم بعدم صحة الواقعة ولم يقرر توافر نية الإضرار لديه، أو أثبت توافر هذه النية دون أن يثبت علم المتهم بعدم صحة الواقعة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:   774)

ويمكن من هذين النصين أن نستخلص تعريفاً للبلاغ الكاذب وهو أنه تعمد إخبار أحد الحكام القضائيين أو الإداريين كذباً بأمر يستوجب عقوبة فاعله.

علة التجريم :

وترجع علة تجريم البلاغ الكانب من ناحية إلى أنه يعتبر اعتداء على شرف المجنى عليه واعتباره، ومن ناحية أخرى إلى أنه يمثل نوعاً من الاستهانة بالسلطات القضائية والإدارية حيث يقتطع من وقت القائمين عليها ومن جهدهم ما يستغل في تحقيق نوايا الجاني السيئة في الإضرار بالمجني عليه.

 التمييز بين البلاغ الكاذب والقذف :

تختلف جريمة البلاغ الكاذب عن جريمة القذف من عدة وجوه، فالعلانية تعتبر ركنا من أركان جريمة القذف، بينما تقع جريمة البلاغ الكاذب بإبلاغ الواقعة المسندة إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين ولو دون علانية حيث ذكرت المادة 305 « ولو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور ». كذلك تقع جريمة القذف بإسناد واقعة تستوجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه، أما جريمة البلاغ الكاذب فلا تقع إلا إذا كانت الواقعة المسندة مما يستوجب عقاب المجني عليه. ولا يشترط كذب الواقعة في القذف، فتقع الجريمة سواء كانت الواقعة المسندة صحيحة أو غير صحيحة، بينما لا تقع جريمة البلاغ الكاذب إلا إذا كانت الواقعة المسندة غير صحيحة.

ويترتب على هذا الاختلاف الجوهري بين الجريمتين أنه قد تقوم بالفعل إحدى الجريمتين دون الأخرى، فقد يسند المتهم إلى آخر علنا واقعة توجب احتقاره دون أن يكون معاقبا عليها، فتقع بالفعل جريمة القذف دون البلاغ الكاذب، وقد يبلغ المتهم أحد الحكام القضائيين أو الإداريين عن واقعة مكذوبة يسندها إلى المجنى عليه دون علانية، فتقع بالفعل جريمة البلاغ الكاذب دون القذف .

على أن ذلك لا يمنع من أن تقوم بالفعل كل من الجريمتين، مثال ذلك أن ينشر الجاني بلاغه إلى أحد الحكام علناً عن طريق الجرائد مثلاً، فنكون عندئذ بصدد تعدد معنوی بين جريمتي القذف والبلاغ الكاذب، ولما كان المشرع يقرر لكل من الجريمتين ذات العقوبة فلا توقع على المتهم إلا عقوبة واحدة.

أركان جريمة البلاغ الكاذب :

تقوم جريمة البلاغ الكاذب على أركان ثلاثة : رکن مادی، يتمثل في الإبلاغ الكاذب عن أمر يستوجب عقوبة فاعله، ثم توجيه البلاغ الكاذب إلى جهة معينة هي أحد الحكام القضائيين أو الإداريين، وأخيراً الركن المعنوي، ويتخذ صورة القصد الجنائي الخاص.

عناصر الركن المادي :

يقوم الركن المادي لجريمة البلاغ الكاذب على عدة عناصر :

1- أن يقع فعل التبليغ أي الإخبار، 2- أن يكون تلقائياً، 3- أن يكون موضوعه واقعة معاقباً عليها، 4- أن تكون الواقعة منسوبة إلى شخص معين، 5- أن يكون البلاغ كاذباً.

أولاً : التبليغ أو الإخبار:

استعمل المشرع في المادتين 304، 305 لفظ « أخبر »، ويقصد بالإخبار إبلاغ السلطة العامة المختصة بوقوع فعل معاقب عليه ولم يتطلب المشرع تقديم البلاغ من شخص ذي صفة معينة، كما لم يشترط أن يكون كتابياً، فالجريمة تقع ولو كان البلاغ شفوياً، وإذا كان البلاغ مكتوباً فإنه يستوي أن يكون مكتوبة بخط اليد أو مطبوعا، موقعاً عليه من المبلغ، أو غير موقع عليه، كما يستوي أن يقدم بطريقة سرية أو أن يتم علنا بنشر خطاب مفتوح إلى السلطة المختصة في الجرائد، ويستوي أخيراً أن يقدم في صورة خطاب أو شكوى أو في صورة عريضة دعوى مباشرة، كذلك يقع التبليغ ولو كانت السلطة التي قدم إليها قد علمت بالواقعة موضوع البلاغ من قبل، سواء بجهودها الخاصة أو بناء على بلاغ سابق من شخص آخر.

ويعتبر التبليغ متوافراً ولو لم يحصل من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل .

ثانياً : أن يكون التبليغ تلقائياً:

ينبغي لوقوع جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد بادر بتقديم البلاغ تلقائياً دون أن يطالب بذلك ويترتب على هذا الشرط أن الجريمة لا تقع إذا كان المتهم قد دفع إلى التبليغ سواء تحت تأثير ضغط مارسته السلطة عليه، أو بناء على سماع أقواله كمجنى عليه، أو لاتهامه بارتكاب جريمة، أو لاستدعائه لأداء الشهادة.

ولكن يشترط لعدم وقوع جريمة البلاغ الكاذب في الحالات السابقة الشروط الآتية :

الشرط الأول، أن يكون للأقوال المكذوبة علاقة بالواقعة محل التحقيق، وبناء على ذلك قضى بأنه إذا كان المتهم عند سؤاله أمام المحقق فى دعوی مشاجرة قد أقحم في أقواله أن المدعي بالحق المدني قد سب الحكومة ورئيسها والعمدة، ولم يكن لذلك علاقة بموضوع التحقيق، ثم ثبت أنه كان كاذبا في هذا القول قاصدا الإضرار بالمدعى لضغينة بينهما، فإن معاقبته عن جريمة البلاغ الكاذب تكون صحيحة (أ) . كذلك قضى بأنه إذا كان المتهم قد قدم بلاغه الأصلي متظلماً من نقله، إلا أنه أدلى في تحقيق البلاغ بأمور ثبت كذبها أسندها إلى المدعى بالحقوق المدنية، وهي مما يستوجب عقابه ولا علاقة لها بموضوع بلاغه، ولم يكن عندما مثل أمام المحقق متهما يدافع عن نفسه، وإنما كان متظلما يشرح ظلامته، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من إدانة المتهم بجريمة البلاغ الكاذب يكون صحيحاً.

والشرط الثاني : ألا يكون من أدلى بالأقوال المكذوبة متواطئاً مع من أبلغ كذباً عن الواقعة، إذ يجوز اعتباره في هذه الحالة شريكاً له في جريمته بالاتفاق والمساعدة، وتطبيقا لذلك قضى بأنه : « متى تقدم شخص لأداء شهادة تعزيزاً لبلاغ كاذب سبق تقديمه من آخر، وكان ذلك بناء على تدبير سابق بين المبلغ والشاهد صح اعتبار الشاهد شريكاً بالاتفاق والمساعدة في جريمة البلاغ الكاذب مع سوء القصد التي ارتكبها المبلغ».

والشرط الثالث : ألا يكون من أدلى بالأقوال المكذوبة هو الذي هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة، فإذا كان هو الذي هيأ هذه المظاهر فإنه يسأل عن جريمة البلاغ الكاذب، ولا يؤثر في ذلك أنه إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق.

 ثالثاً : أن يكون موضوع البلاغ واقعة معاقباً عليها :

يشترط لقيام جريمة البلاغ الكاذب أن يكون موضوع الإخبار أمراً مستوجباً لعقوبة فاعله، والرأي منعقد في الفقه على أنه يستوي في قيام جريمة البلاغ أن تكون الواقعة المبلغ عنها مما يستوجب توقيع عقوبة جنائية أو مما يستوجب عقوبة تأديبية . والحجة في ذلك ليست في كون إطلاق لفظ عقوبة يعنى امتدادها إلى كل من العقوبة الجنائية والتأديبية، فقد سبق لنا القول بأن إطلاق لفظ عقوبة إنما يقصد به العقوبة الجنائية وحدها . وإنما الحجة في ذلك هي أن المادة 304 قد نصت على الإخبار المقدم إلى الحكام القضائيين أو الاداريين، وإذا كان الحكام القضائيون هم المختصون بتلقي البلاغات عن الجرائم، أي عن الوقائع التي يعاقب عليها بعقوبات جنائية، فإن الحكام الإداريين، وإن كان لبعضهم صفة الضبطية القضائية، يختصون أساساً بتلقي البلاغات عن المخالفات الإدارية التي تستوجب توقيع عقوبة تأديبية وغني عن البيان أن من تسند إليهم هذه المخالفات هم الموظفون العموميون.

وإذا كانت الواقعة مما يستوجب توقيع العقاب فإن الإبلاغ عنها يتحقق به هذا الشرط أيا كانت درجة جسامتها سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة، وسواء كانت عمدية أو غير عمدية، جريمة تامة أو مجرد شروع معاقب عليه.

ويكفي لتحقق هذا الشرط أن يكون للواقعة المبلغ عنها مظهر الجريمة المعاقب عليها، ولو تبين فيما بعد أن الواقعة لو كانت صحيحة لما استوجبت العقاب، لانتفاء أحد أركان الجريمة كركن الضرر فى جريمة التزوير، أو ملكية المال محل السرقة للغير، أو سبق الحصول على ترخيص في جريمة حمل السلاح بدون ترخيص، أو لتوافر سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب . فالعبرة بظاهر البلاغ وليس بما يكشف عنه التحقيق فيما بعد.

كذلك يكفي أن تكون الواقعة المبلغ عنها مما يستوجب عقابا، ولو كانت على فرض صحتها قد سقطت الدعوى الجنائية الناشئة عنها بالتقادم، أو كانت من الجرائم التي يعلق القانون رفع الدعوى عنها على شكوى أو إذن أو طلب، مثال ذلك أن يبلغ عن زنا، أو عن سرقة بين الأصول أو الفروع أو الأزواج.

ويستوي في الواقعة المبلغ عنها أن تكون قد اسندت إلى المبلغ ضده على سبيل التأكيد أو الاحتمال، أو على سبيل الرواية عن الغير أو الإشاعة وتتشابه فيما يتعلق بهذه الجزئية كل من جريمة البلاغ الكاذب والقذف والسب.

رابعاً : أن يكون البلاغ ضد شخص معين :

يجب أن يكون البلاغ مقدماً ضد شخص معين حتى يمكن القول بوقوع اعتداء على حق شخص ما في شرفه واعتباره، ولكن لا يشترط التعيين شخص والمبلغ ضده أن يذكر اسمه في البلاغ، فقد يكون تعيينه بذكر بيانات أو صفات معينة لا تصدق إلا عليه، إذا ثبت أن المبلغ كان يقصد شخصاً معيناً .

خامساً : أن يكون البلاغ كاذباً :

ينبغي أن يكون موضوع البلاغ واقعة مكذوبة، إذ أن التبليغ عن واقعة صحيحة يعاقب عليها القانون يعتبر حقاً لكل شخص يحقق استعماله مصلحة للمجتمع في الكشف عن هذه الوقائع وملاحقة مرتكبيها، ولذلك لا يجوز أن يعاقب القانون على استعمال هذا الحق، بل إن التبليغ عن هذه الوقائع قد يكون واجباً مفروضاً، ولا يتصور أن يطالب القانون الناس بالإبلاغ ثم يعاقبهم عليه.

والإبلاغ عن الواقعة الصحيحة لا تقوم به الجريمة ولو كان المبلغ سيء النية معتقداً عدم صحة هذه الواقعة، إذ لا يتوافر في هذه الحالة إلا الركن المعنوي للجريمة وهو لا يكفي وحده لقيامها.

أما إذا كانت الواقعة المبلغ عنها صحيحة في مجموعها، فإن جريمة البلاغ الكاذب لا تقوم ولو كان البلاغ قد اتسم بعدم الدقة في ذكر تفصيلات الواقعة، أو كان مشوباً ببعض المبالغة التي لا تخرج الواقعة عن إطارها الصحيح.

إثبات كذب البلاغ :

إذا كان كذب البلاغ يعتبر عنصراً من عناصر جريمة البلاغ الكاذب، فإنه لا يجوز الحكم بالإدانة إلا إذا ثبت أن الواقعة المبلغ عنها واقعة مكذوبة. وهنا يثور التساؤل عن الجهة التي تختص بالفصل في صحة أو كذب الواقعة محل البلاغ. هل تختص بذلك السلطة المختصة بالنظر في هذه الواقعة، فإذا كانت جريمة، كان الاختصاص بالفصل فيها المحكمة الجنايات إذا كانت جناية، أو لمحكمة الجنح إذا كانت جنحة، وإذا كانت مخالفة إدارية تقتضي عقوبة تأديبية كان الاختصاص بها للسلطة الإدارية المختصة ؟ وفي هذه الحالة لا يحكم في دعوى البلاغ الكاذب إلا إذا فصلت جهة الاختصاص أولاً في الواقعة المبلغ عنها ؟ أم تختص بالبحث في مدى صحة هذه الواقعة المحكمة التي تنظر في دعوى البلاغ الكاذب .

أخذ المشرع المصري بالوجهة الثانية فقرر في المادة 305 من قانون العقوبات المعاقبة على البلاغ الكاذب « ولو لم تقم دعوى بما أخبر به » . والأمر لا يخرج عن أحد الفروض الآتية :

الفرض الأول :

أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب قبل أن ترفع الدعوى عن الواقعة المبلغ عنها وقبل أن يتخذ فيها أي إجراء من إجراءات التحقيق : في هذه الحالة تقبل دعوى البلاغ الكاذب، ويكون تقدير صحة الواقعة المبلغ عنها أو كذبها لمحكمة الموضوع الناظرة في دعوى البلاغ الكاذب، بشرط أن تكون المحكمة قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها، وأن تذكر في حكمها الأمر المبلغ عنه للعلم إن كان من الأمور التي يرتب القانون عقوبة التبليغ عنها كذباً أم لا ويجب على المحكمة أن تحقق في الواقعة المبلغ عنها بنفسها، وتستمع إلى دفاع المتهم، لتصل إلى الاقتناع بصحة الواقعة أو كذبها، ولا يجوز لها أن تعتبر عجز المتهم عن إثبات صحة الواقعة دليلاً قاطعاً على كذب الواقعة، فقد يثبت للمحكمة أن الواقعة صحيحة فتقضى ببراءة المتهم . كذلك قد تقضى بالبراءة على الرغم من عجز المتهم عن إثبات صحة الواقعة إذا كانت لم تستطع القطع بكذبها.

وتختص محكمة دعوى البلاغ الكاذب بالنظر في صحة أو كذب الواقعة المبلغ عنها ولو كانت جناية، ذلك أنها لا تنظر فيها لتوقيع عقوبة من أجلها وإنما تنظر فيها باعتبارها عنصراً من عناصر جريمة البلاغ الكاذب، ولذلك قضى بأنه : « إذا حكمت محكمة الجنح الاستئنافية بعدم قبول الدعوى العمومية لأن البلاغ الكاذب كان عن جريمة هي جناية لا شأن القاضي الجنح بها كان حكمها باطلا واجبا نقضه ».

الفرض الثاني :

أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب بعد أن تكون النيابة قد أصدرت فيما يتعلق بالواقعة المبلغ عنها أمراً بحفظ الأوراق : يصدر أمر الحفظ من النيابة العامة باعتبارها سلطة إدارية وليس باعتبارها سلطة قضائية، ولذلك لا يكون له أي حجية، أيا كانت الأسباب التي يستند إليها، فلا تتقيد به المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب، وإنما تظل لها سلطتها كاملة في التحقق من صحة أو كذب الواقعة المبلغ عنها، فإذا تبين لها صحة الواقعة تقضي بالبراءة من البلاغ الكاذب رغم قرار الحفظ، وتطبيقاً لذلك قضی بأنه إذا كانت المحكمة لم تعتمد في قضائها بكذب البلاغ إلا على الأمر الصادر من النيابة بحفظ الشكوى إدارياً فإن حكمها يكون معيباً لقصوره في بيان الأسباب التي أقيم عليها.

وإذا كان الأمر بالحفظ الصادر من النيابة لا يقيد المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب، فإن هذه المحكمة لا تتقيد من باب أولى بقرار الحفظ الصادر من هيئة أخرى كلجنة الكسب غير المشروع .

الفرض الثالث :

أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب بعد أن تكون سلطة التحقيق قد أصدرت قراراً بألا وجه لإقامة الدعوى عن الواقعة المبلغ عنها : ذهب رأي إلى القول بأنه مادام هذا القرار يصدر بعد تحقيق، ويحوز حجية الشيء المقضي فيه إذا استنفد طرق الطعن فيه أو إذا لم يطعن فيه في المدة المحددة للطعن، فإنه إذا كان قد بني على عدم صحة الواقعة المبلغ عنها فإن المحكمة التي تنظر في دعوى البلاغ الكاذب تتقيد به ويتعين عليها أن تحكم بالإدانة إذا توافر باقي أركان جريمة البلاغ الكاذب.

ويذهب رأي آخر - نميل إلى تأييده - إلى القول بعدم حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى عن الواقعة المبلغ عنها على دعوى البلاغ الكاذب، فلا يتقيد به القاضي الذي ينظر في دعوى البلاغ الكاذب، وذلك – من ناحية - لأن هذا الأمر يبنى على بحث المحقق للمدلول الظاهر للدلائل دون تعمق فيها، بينما لا يكون القاضي عقيدته إلا بعد تغلغل في بحث أدلة الدعوى، وبعد إتاحة الفرصة أمام الخصوم لإبداء دفاعهم ومن ناحية أخرى، فإن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يعتبر مؤقتاً، ولو استنفد طرق الطعن فيه، إذ يجوز لسلطة التحقيق إلغاءه إذا ظهرت دلائل جديدة، وهو لا يقيد القاضي المدني عند النظر في دعوى التعويض، فيكون من غير المنطقي أن يقيد القاضي الجنائي في حكمه بالعقوبة، هذا الحكم الذي لا يجوز العدول عنه إذا استنفد طرق الطعن فيه حيث يكون له حجية دائمة . ومن ناحية ثالثة، فإن الحكم الصادر بالبراءة في الواقعة المبلغ عنها لا يقيد المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب إلا في حدود معينة في ضوء الأسباب التي استند إليها، فكيف يقبل المنطق أن تتقيد محكمة البلاغ الكاذب بالأمر بألا وجه الذي قد يكون غير مسبب أو قاصر التسبيب، وهو أمر متصور حيث لم يوجب القانون تسبيب الأمر بألا وجه.

وقد مالت محكمة النقض إلى هذا الرأي، فقضت بأن قوة الأمر المقضي أمام المحاكم الجنائية أو المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة متى توافرت شرائطها القانونية . والأمر الصادر من النيابة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى في الجريمة المبلغ عنها لا حجية له أمام المحكمة الجنائية في دعوى البلاغ الكاذب عن هذه الجريمة.

الفرض الرابع :

أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب بعد تحريك الدعوى عن الواقعة المبلغ عنها، وسواء في ذلك أكانت الدعوى جنائية أو تأديبية، في هذه الحالة يكون الفصل في مدي صحة أو كذب الواقعة المبلغ عنها مسألة فرعية فيجب على المحكمة التي رفعت إليها دعوى البلاغ الكاذب أن توقف النظر في هذه الدعوى حتى يفصل في هذه المسألة الفرعية من جهة الاختصاص، وفي ضوء ما يقضى به في شأن الواقعة محل البلاغ يكون الحكم في دعوى البلاغ الكاذب . ويعتبر ذلك تطبيقا للمادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقضي بأنه : « إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية »، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه : « وإن كان القانون أباح معاقبة من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد ولو لم تقم دعوى بما أخبر به إلا أن هذا مفروض عند عدم إقامة الدعوى بشأن موضوع الإخبار، أما إذا رفعت به دعوى صار من الواجب انتظار الفصل فيها وبعد ذلك تنظر دعوى البلاغ الكاذب، وذلك خشية تناقض الأحكام تناقضاً معيباً، والسير على خلاف ذلك يوجب بطلان الإجراءات والحكم ».

الفرض الخامس :

أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب بعد صدور حکم بات فى الدعوى الخاصة بالواقعة المبلغ عنها أو قرار إداري نهائي في شأنها، وعندئذ يجب التفرقة بين حالتين : الحالة الأولى، إذا كان الحكم الجنائي أو القرار الإداري قد صدر بالإدانة فإنه يتعين الحكم في دعوى البلاغ الكاذب بالبراءة، الحالة الثانية، إذا كان الحكم الجنائي أو القرار الإداري قد صدر بالبراءة فيجب التمييز هنا بين عدة أوضاع : الأول، إذا كان سبب البراءة هو عدم صحة الواقعة فإنه يتعين الحكم بالإدانة في دعوى البلاغ الكاذب إذا توافر باقی أركان الجريمة  والثاني، إذا كان سبب البراءة هو عدم كفاية الأدلة، فإن هذا الحكم لا تكون له حجية أمام المحكمة التي تنظر في دعوى البلاغ الكاذب، وبالتالي لا يمنعها من أن تبحث تهمة البلاغ الكاذب طليقة من كل قيد . وتطبيقاً لذلك قضى بأن : « تشككت المحكمة في تهمة السرقة لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث، هذه التهمة طليقة من كل قيد» والوضع الثالث : إذا كان سبب البراءة توافر سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب أو انقضاء الدعوى الجنائية سواء قبل التبليغ أو بعده، ففي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تقضى بالإدانة في دعوى البلاغ الكاذب إذا توافر باقى أركان الجريمة.

ولما كان الحكم في دعوى البلاغ الكاذب يتوقف على السبب الذي استند إليه الحكم بالبراءة في دعوى الواقعة المبلغ عنها، فإنه يكون من المتعين على المحكمة التي تنظر في دعوى البلاغ الكاذب أن تراجع أسباب الحكم بالبراءة حتى تتعرف سبب البراءة، فإن تقيدت بحجية منطوق هذا الحكم دون تناول أسبابه كان حكمها معيباً .

الركن المعنوي

جريمة البلاغ الكاذب جريمة عمدية، يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، والقصد المتطلب في هذه الجريمة هو القصد الخاص، فلا يكفي لقيامها تحقق القصد العام، والقصد الخاص يتمثل في نية الإضرار بالمجني عليه.

 القصد العام :

يقوم القصد العام على عنصري العلم والإرادة، فيجب أن يكون الجاني عالما وقت تقديم بلاغه أن الواقعة المبلغ عنها تستوجب عقاب من اسندت إليه، وأنه يقدم بلاغه إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين، ويجب أن يكون عالماً علماً يقينياً لا يداخله أي شك بأن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة، وأن المبلغ ضده بريء منها فلا يكفي أن تكون الواقعة كاذبة في ذاتها، وإنما يجب أن يكون الجاني عالماً علماً يقينياً بأنها كذلك، كذلك يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى تقديم البلاغ الكاذب إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين.

القصد الخاص:

لا يكفي لتحقق الركن المعنوي في جريمة البلاغ الكاذب أن يتوافر القصد العام، وإنما يجب أن يثبت بالإضافة إليه توافر القصد الخاص، وهو يتمثل في اتجاه نية المبلغ إلى الإضرار بالمبلغ عنه، وقد عبر المشرع عن ذلك « بسوء القصد »، وعبر عنها القضاء بأنها « إرادة إيقاع العقاب بالمبلغ في حقه ».

ولما كان الركن المعنوي لا يقوم في جريمة البلاغ الكاذب إلا إذا توافر القصد العام والخاص، فإن حكم الإدانة يجب أن يعني ببيان القصد بعنصريه وعلى ذلك يكون الحكم قاصراً إذا اقتصر على بيان توافر القصد العام دون أن يبين توافر نية الإضرار بالمجنى عليه، أو إذا اقتصر على إثبات توافر نية الإضرار دون أن يبين أن المبلغ كان يعلم بكذب الواقعة المبلغ عنها وقت تقديم البلاغ.

وتقدير توافر القصد الجنائي أمر موضوعی تفصل فيه محكمة الموضوع.

وإذا انتفى القصد فإن مسئولية الجاني لا تقوم عن جريمة البلاغ الكاذب ولو اتسم سلوكه بالخطأ، كأن كان نتيجة تهور أو تسرع. على أن عدم قيام المسئولية الجنائية في حالة توافر الخطأ لا يمنع من قيام المسئولية المدنية.

وغني عن البيان أن الباعث لا يعتبر من عناصر القصد الجنائي، وتطبيقاً لذلك قضى بأنه متى ثبتت إرادة إيقاع العقاب بالمبلغ في حقه، ف لا يقبل الطعن ممن بلغ كذباً بأنه لم يقصد من بلاغه إلا تأييد حقوقه في دعوى مدنية مقامة بينه وبين المجني عليه، لأن الأغراض المشروعة لا يجوز تأييدها بالمفتريات، والباعث على العمل الجنائي لا أهمية له متى استوفت الجريمة أركانها.

عقوبة البلاغ الكاذب

تحدید عقوبة البلاغ الكاذب :

يستخلص من المادتين 304، 305 من قانون العقوبات أن العقوبة التي يقررها المشرع الجريمة البلاغ الكاذب هي عقوبة القذف المنصوص عليها في المادة 1/303، وهي الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه . وإذا قدم البلاغ الكاذب ضد موظف عام أو شخدم ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة فإن العقوبة تكون الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه .

وجريمة البلاغ الكاذب جنحة ولذلك لا عقاب على الشروع فيها بغير نص، ولم يورد المشرع نصاً يعاقب على الشروع فيها، وتطبيقاً لذلك قضى بأن : «جريمة الإخبار بالأمر الكاذب لا تقع بمجرد تحرير البلاغ والتصميم بعد تحريره على تقديمه والسعي فيه إلى باب الحاكم ثم الوقوف بين يديه، بل لابد لوقوعها من إيصال الإخبار إليه وتقريره لديه بحيث لو عدل المخبر عن إتمام الفعل بتسليم البلاغ فلا يعاقب على شيء من هذه الأعمال ولا على مجموعها، إذ هي في الحقيقة من التحضير والشروع الذي لا عقاب عليه ».

 إباحة البلاغ الكاذب :

تقرر المادة 309 من قانون العقوبات سبباً لإباحة البلاغ الكاذب حيث تقضي بأن : « لا تسري أحكام المواد ...، 305، ... على ما يسنده أحد الأخصام لخصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية ». ونحيل في صدد هذا السبب للإباحة إلى ما سبق تفصيله بصدد جريمة القذف.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  643)

ومن هذين النصين يمكن تعريف جريمة البلاغ الكاذب بأنها تعمد أخبار إحدى السلطات العامة كذباً ما يتضمن إسناد فعل معاقب عليه إلى شخص معين بنية الأضرار به.

وفي تعريف آخر قيل بأن البلاغ الكاذب هو أخبار بواقعة غير صحيحة تستوجب عقاب من تسند إليه موجه إلى أحد الحكام القضائيين أو الإداريين ومقترن بالقصد الجنائي.

العلة في تجريم البلاغ الكاذب :

وقد استهدف المشرع من تجريم البلاغ الكاذب ضمان شرف الناس واعتباره في مواجهة اساءة استعمال الحق في التبليغ عن الجرائم المكفول للناس جميعاً في مواجهة الشكاوى الكيدية وواقع الأمر أن المصلحة المحمية في هذه الجريمة هي مصلحة مزدوجة فهي من ناحية خاصة للأفراد في حماية شرفهم واعتبارهم في مواجهة البلاغات الكاذبة. وهي من ناحية أخرى مصلحة عامة تبدو في حماية السلطات الإدارية والقضائية من شرح التضليل عن طريق مدها بالبلاغات الكاذبة التي تعطل وظيفتها وتشوه مقصدها.

يستفاد من نص المادتين 304، 305 أن جريمة البلاغ الكاذب لا تتكون إلا بتوافر خمسة أركان هي:  أن يكون هناك بلاغ أو أخبارعن أمر مستوجب لعقوبة فاعله أن يكون البلاغ قد قدم إلى الحكام القضائيين أو الإداريين أن يكون الأمر المبلغ عنه كاذباً أن يكون البلاغ قد حصل بسوء قصد وفيما يلي تفصيل لكل ركن:

 الركن الأول : البلاغ أو الأخبار : 

المادة 305 عقوبات تنص بصفة عامة على عقاب (من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد) مما يفيد أن الجريمة يمكن وقوعها من أي شخص مهما كانت صفته وينبني على ذلك أن العقاب ليس مقصوراً على البلاغ الذي يقدمه شخص عن جريمة يدعي أنها وقعت على غيره بل يتناول الشكوى التي يرفعها المجني عليه عن جريمة يزعم أنها وقعت عليه هو حتى ولو أدعي فيها بحق مدني. ويعاقب على البلاغ الكاذب حتى ولو كان حاصلاً من موظف عمومي في أثناء تأدية وظيفته. ويعاقب على البلاغ الكاذب سواء حصل شفاهاً أو بالكتابة كما يستوي أن يكون مرفوعاً على صورة خطاب أو عريضة أو مدوناً في مذكرة مقدمة للقضاء. ويستوي أن يكون البلاغ مسطور بيد المبلغ أو بيد غيره موقعاً عليه باسم المبلغ أو خالياً من التوقيع مطبوعاً أو مخطوطاً وكل ما يكفي هو أن يكون صادراً من المبلغ.

ويشترط أن يكون البلاغ الكاذب صادراً عن محض إرادة المبلغ ومن تلقاء نفسه وإلا فلا جريمة ولا عقاب وهذا مبدأ ثابت قرره القضاء في أحكام كثيرة فلا يعد مرتكباً لجريمة البلاغ الكاذب الشخص الذي يتهم بجريمة فيقرر عند استجوابه في التحقيق معلومات كاذبة يسند فيها التهمة إلى غيره دفاعاً عن نفسه.

وإذا ثبت أن البلاغ لم يقدم إلا بالتواطؤ بين المبلغ والشاهد جازت معاقبة هذا الأخير على اعتبار أنه شريك بالاتفاق في جريمة البلاغ الكاذب لكن مما تجب ملاحظته أن البلاغ الكاذب يعد صادراً عن محض إرادة المبلغ ومن تلقاء نفسه وإلى أن السلطة التي قدم إليها سألت المبلغ بعد ذلك وطلبت إليه إبداء معلومات جديدة أو دعته لبيان أو تكميل ما أورده في بلاغه فإن هذه الأقوال تعتبر أنها تكون مع البلاغ نفسه مجموعاً لا يتجزأ ومن هذا المجموع يجب تفهم معنى الاتهام ومرماه وبناء عليه يعد مرتكباً لجريمة البلاغ الكاذب من يقدم بلاغاً خالياً من أسماء أشخاص المبلغ ضدهم إذا كان عند التحقيق الذي عمل عقب هذا البلاغ قرر أنه يعرفهم وذكر أسماؤهم فعلاً. وأخيراً فإنه لايلزم أن يكون الأخبار غير مسبوق بأي تبليغ آخر إذ القانون لا يشترط أن يكون الأخبار حاصلاً عن أمر مجهول لدى ذوي السلطة.

 الركن الثاني الأمر المبلغ عنه :

أشار نص المادة 304 عقوبات إلى التبليغ إلى الحكام القضائيين أو الإداريين فلذا من المستقر عليه أن التبليغ الكاذب معاقب عليه سواء أنصب على واقعة تستوجب عقوبة جنائية أم مجرد عقوبة تأديبية عن مجرد مخالفة إدارية وذلك عندما يكون التبليغ ضد موظف عمومي أو مكلف بخدمة عامة إلى رئيسه الإداري. أما إذا كان التبليغ عن أمور لاتخضع للعقاب فلا يتوافر الركن المادي لهذه الجريمة. ويكفى للعقاب أن تكون للواقعة المبلغ عنها مظاهر الجريمة ولو تبين بعد التحقيق أن القانون لا يعاقب عليها لفقدان ركن من أركانها كمن يبلغ عن شخص كذباً أنه قد زور عليه خطاباً أو سنداً عرفياً ويتضح بعد البحث أن التزوير على فرض صحة حصوله عقاب عليه لانتفاء ركن الضرر أو كمن يبلغ عن آخر بسوء نية أنه يحرز سلاحاً بغير ترخیص وهو يعلم أن الترخيص موجود ثم تتضح الحقيقة بعدئذ أو أنه يخفي أشياء متحصلة من جناية أو جنحة وبعد التحقيق يبين أنها متحصلة من طريق مشروع يعرفه المبلغ والعبرة هي دائماً بإثبات سوء نية المبلغ مع قصد الأضرار بالمبلغ ضده كما تتحقق الجريمة ولو تبين أن الواقعة المكذوبة على فرض صحتها تكون قد سقطت بمضي المدة أو أنه يلزم فيها شكوى أو طلب أو إذن لتحريك الدعوى عنها.

الركن الثالث : الجهة المقدم إليها البلاغ :

يشترط أن يرفع البلاغ إلى أحد موظفي السلطتين القضائية أو الإدارية فهاتان السلطتان هي اللتان تملكان حق العقاب والتأديب ويدخل في هاتين السلطتين رجال الضبطية القضائية ذوو الاختصاص العام وذوو الاختصاص الخاص فيما يتعلق بالأعمال المنوطة بهم وأعضاء النيابة العمومية والقضاة والمديرون وعلى العموم جميع الموظفين القضائيين أو الإداريين المختصين بإجراء التحريات والتحقيقات الجنائية أو الإدارية عن الوقائع المبلغ عنها أو تقرير العقوبات عند ثبوت صحة البلاغ.

ولا يشترط أن يقدم البلاغ إلى الرئيس المختص مباشرة بل يكفي أن يكون قصد المبلغ تقديم البلاغ إلى الرئيس المختص ولو من طريق غير مباشر ومن هذا القبيل رفع البلاغ عن طريق النشر في الصحف السيارة على صورة خطاب مفتوح إلى الرئيس المختص بتحقيق الوقائع التي يتضمنها البلاغ فمثل هذا البلاغ يعاقب عليه متى كان كاذباً وصادراً عن سوء قصد لأن الطريقة التي أتبعت في التبليغ كافية لإيصال البلاغ إلى علم الجهة المختصة ولو عن طريق غير مباشر. ولم يتعرض القانون للبلاغ الكاذب الذي يرفع إلى السلطة التشريعية استناداً إلى المادة 22 من الدستور ولا نزاع في أن البلاغ يعاقب عليه في هذه الحالة إذا البلاغات التي ترسل إلى البرلمان تبلغ إلى الجهات المختصة فالتبليغ على هذه الصورة من قبيل التبليغ غير المباشر وهو لا يمنع العقاب كما تقدم ولكن لاعقاب على من يقدم بلاغاً كاذباً إلى إحدى السلطات الأهلية فمن يبلغ كذباً سيداً عن جريمة ارتكبها خادمه أو والداً عن جريمة ارتكبها ولده فلا تقع الجريمة. وخلاصة ما تقدم أنه يجب التطبيق أحكام البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ قد رفع إلى السلطة القضائية أو الإدارية ولو من طريق غير مباشر فإذا كان البلاغ لم يرفع إلى إحدى هاتين السلطتين فلا عقاب كما أنه يجب النص في الحكم على البلاغ قد رفع إلى إحدى السلطتين المذكورتين وإلا كان الحكم باطلاً.

الركن الرابع : كذب البلاغ :

ينبغي أن يكون التبليغ عن واقعة مكذوبة وهي تعد كذلك إذا كانت مختلفة من أساسها أو إذا كان اسنادها إلى المبلغ ضده متعمداً فيه الكذب ولو كان للواقعة أساس من الواقع.

ولايلزم أن يكون الإسناد إلى المبلغ ضده على سبيل الجزم والتأكيد بل يكفي أن يكون على سبيل الإشاعة أو الظن والاحتمال أو حتى بطريق الرواية عن الغير مادام وقع ذلك بسوء قصد وبنية الأضرار كما لا يلزم أن تكون الوقائع المبلغ عنها مكذوبة بل يكفي أن يكون بعضها كذلك متى توافرت الأركان الأخرى كما يكفي المسخ أو التشويه أو الأخفاء مادام من شأنه الإيقاع بالمبلغ ضده وإلا لأمكن المبلغ أن يدس في بلاغه ما يشاء من الأمور الشائنة ضمن أشياء صحيحة ويفر من العقاب على أن مجرد عدم الدقة في بعض التفاصيل أو المبالغة الطبيعية المألوفة في بعضها الآخر لا يكفي لتوافر البلاغ الكاذب مادامت الواقعة الجنائية صحيحة في جملتها وفي أركانها الضرورية.

ودعوى البلاغ الكاذب تكون مقبولة حتى ولو لم يحصل أي تحقيق قضائي بشأن الواقعة الحاصل عنها التبليغ ولكن يجب أن يلاحظ أنه وأن كان القانون أرباح معاقبة من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد ولو لم تقم دعوى بما أخبر به إلا أن هذا مفروض عند عدم إقامة الدعوى بشأن موضوع الأخبار أما إذا رفعت به دعوى صار من الواجب انتظار الفصل فيها وبعد ذلك تنظر دعوى البلاغ الكاذب وذلك خشية تناقض الأحكام تناقضاً معيباً وعلى هذا يمكن القول بأن الأمر في دعوى البلاغ الكاذب لايخرج عن إحدى حالات ثلاث :

الحالة الأولى: أن تكون الدعوى قد رفعت بعد صدور حكم نهائي من المحكمة المختصة ببراءة المبلغ ضده مما أسند إليه أو بعد صدور قرار من قاضي التحقيق أو من قاضي الإحالة بأن لاوجه لاقامة الدعوى العمومية أو بعد صدور أمر من النيابة بحفظ أوراق القضية ففي هذه الحالة يكون الحكم البراءة قوة الشئ المحكوم به فيما يتعلق بكذب البلاغ ويجب على المحكمة أن تحكم بعقاب المبلغ متى كانت الأركان الأخرى للجريمة متوفرة.

أما أمر الحفظ أو القرار بأن لاوجه فلا يقيدان المحكمة ولها الحق في إعادة التحقيق والحكم بما يظهر لها ذلك أن أمر الحفظ الصادر من النيابة لا حجية فيه على قاضی جنحة البلاغ الكاذب الذي يجب عليه حتما أن يستمع لدفاع المتهم وأن يحقق الأمر المخبر به تحقيقاً يقتنع هو معه بكذب البلاغ في الواقع أو عدم كذبه.

الحالة الثانية : أن تكون الدعوى قد رفعت أثناء نظر الدعوى الجنائية الخاصة بموضوع الأخبار نفسه وفي هذه الحالة يجب على المحكمة التي رفعت إليها دعوى البلاغ الكاذب انتظار الفصل في دعوى موضوع الأخبار قبل الحكم في دعوى البلاغ الكاذب.

الحالة الثالثة : أن تكون الدعوى قد رفعت قبل إجراء أي تحقيق عن الوقائع التي تضمنها البلاغ وفي هذه الحالة لا تكون المحكمة ملزمة بإيقاف الفصل في دعوى البلاغ الكاذب إلى أن يثبت كذب البلاغ لدى السلطة المختصة بل يكون لها أن تحقق بنفسها الوقائع التي تضمنها البلاغ وأن تأخذ في إثبات كذبها بكل ما تراه مؤديا لاقتناعها ويكون الحكم كذلك ولو كان الأمر المبلغ عنه جناية فيجوز للمحكمة الجزئية المختصة بالحكم في دعوى البلاغ الكاذب أن تتولى بنفسها تحقيق صحة التهمة المرفوع عنها البلاغ أو كذبها ولو أنها بحسب القواعد الأصولية غير مختصة بالفصل في الجنايات.

الركن الخامس : القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب يتكون من عنصرين هما علم المبلغ بكذب الوقائع التى بلغ عنها وانتواؤه الإضرار بمن بلغ فى حقه وليس في قيام أحد هذين العنصرين ما يفيد قيام الآخر حتما.

يعاقب على جريمة البلاغ الكاذب بعقوبة القذف المنصوص عليها بالمادة 303 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 93 لسنة 1995 وهي الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد خمسة عشر ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

فإذا وقعت جريمة البلاغ الكاذب في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة كانت العقوبة الحبس مدة لاتقل عن سنتين ولا يجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولاتزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث،  الصفحة: 800)

جريمة البلاغ الكاذب 

مع زيادة التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات وما يواكبه من تطور في أجهزة الاتصالات وتنوعها فقد أصبح من السهل ارتكاب جريمة البلاغ الكاذب بواسطة هذه الأجهزة التي تتصل بالإنترنت من خطوط تليفونية سواء أكانت سلكية "كالراوتر " الذي يتصل بخط تليفون منزلي" أو لاسلكية مثل شرائح التليفونات المحمولة المشتركة في الانترنت عن طريق شبكات المحمول. 

فقد أصبح من الميسور بعد أن أصبح الهاتف المحمول أو الكومبيوتر المحمول اللاب"توب أو التابلت" في أيدي الناس علي مدار الساعة فمنهم من يقوم بالإبلاغ عن وقائع لم تحدث نكاية في غيرهم أو إرهاقا لجهاز الشرطة أو كما يفعل بعض تجار المخدرات من تكليف أحد من ذويهم لإبلاغ الشرطة كذباً وبطريق التليفون أنه تم القبض عليه صباح اليوم الذي خرج فيه لممارسة نشاطه في ترويج المخدرات حتى إذا ما تم القبض عليه والجريمة متلبسا بها يظن أنه يستفيد من مثل هذا البلاغ بعد الحصول علي صورة رسمية منه ولكن المحاكم اكتشفت هذه الحيل وأصبحت تطرح مثل هذه الألاعيب ولا تعول عليها. 

وفي ذات الوقت فإن هذه الجريمة تتعدد أوصافها بحيث تعتبر إزعاجاً عن طريق أجهزة الاتصالات وهي الجريمة المؤثمة بموجب القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن الاتصالات وفي هذه الحالة تطبق المحكمة عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات. 

- تعريف البلاغ الكاذب: 

فالبلاغ الكاذب هو إخبار أحد الحكام القضائيين أو الإداريين مع سوء القصد بواقعة غير صحيحة تستوجب عقاب من تسند إليه. 

أركان جريمة البلاغ الكاذب: 

تقوم جريمة البلاغ الكاذب على ركنين هما الركن المادي وهو الفعل المادي المكون للجريمة وهو الإبلاغ أي الإخبار والواقعة المبلغ بها وكذبها وشخص المبلغ ضده والجهة المقدم إليها البلاغ ثم الركن المعنوي وهو القصد الجنائي. 

- الركن المادي: 

يقوم الركن المادي لجريمة البلاغ الكاذب علي عدة عناصر الإبلاغ أو الإخبار (أي النشاط الإجرامي) والواقعة الكاذبة المستوجبة لعقاب المبلغ ضده وهي موضوع هذا النشاط والمبلغ إليه وهو أحد الحكام القضائيين أو الإداريين وسوء القصد من البلاغ. 

(1) البلاغ أو الإخبار:

المقصود بالإبلاغ أو الإخبار هو إخطار السلطات العامة بنسبة واقعة تستوجب العقاب إلى شخص ما أي التعبير عن فكرة في ذهن المبلغ. والقانون لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ مكتوباً فيعاقب المبلغ سواء أحصل التبليغ منه شفاها أو بالكتابة وإذن فإذا تقدم المتهم إلى مخفر البوليس وأخبر الضابط بما أثبته في مذكرة الأحوال فهذا بلاغ بالمعني الذي يقصده القانون إذ البوليس من الجهات الحكومية المختصة بتلقي البلاغات عن الوقائع الجنائية. 

ومن ثم فإن التلفيق لا يعد إخبار عن واقعة حتى لو استهدف الملفق تعريض خصمه لاتهام ما فمن يضع مادة مخدرة في ملابس خصمه أو في منزله لا يعد مبلغاً بواقعة تستوجب العقاب. 

والتبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متي كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة بقصد إيصال خبرها إلي السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل ولا يؤثر في ذلك أنه إنما أبدي أقواله بالتحقيقات بناء علي سؤال وجهه إليه المحقق ما دام هو قصد أن يجيء التبليغ علي هذه الصورة.

ولا يشترط للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المبلغ عنه قد أسند إلى المبلغ ضده علي سبيل التأكيد أو بناء علي ما يعلمه المبلغ هو نفس بل يصح العقاب ولو كان الأمر المذكور قد أسند إلى المبلغ ضده في صيغة الإشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير.

ولا يتطلب القانون في البلاغ الكاذب إلا أن يكون التبليغ من تلقاء نفس المبلغ يستوي في ذلك أن يكون قد تقدم خصيصاً للإدلاء به أو أن يكون قد أدلى به في أثناء تحقيق أجري معه في أمر لا علاقة له بموضوع البلاغ فإذا كان يبين من الأوراق أن المتهم ذكر ذكراً مفصلاً الوقائع التي أوردها الحكم الابتدائي المؤيد استئنافاً لأسبابه وأنه وإن كان قد قدم بلاغه الأصلي متظلماً من نقله من عمله إلى عمل آخر لم يرقه إلا أنه أدلى في هذا التحقيق بأمور ثبت كذبها أسندها إلي المدعي بالحقوق المدنية وهي مما يستوجب عقابه ولا علاقة لها بموضوع بلاغه و لم يكن عندما مثل أمام المحقق متهما يدافع عن نفسه وإنما كان متظلماً يشرح ظالمته فإن ما انتهي إليه الحكم من إدانة المتهم بجريمة البلاغ الكاذب يكون صحيحاً من ناحية القانون. 

ويشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يقدم البلاغ بمحض إرادة المبلغ فلا عقاب علي المبلغ إذا كان ما أبلغ به قد حصل منه أثناء استجوابه في تحقيق مادة سيق من أجلها إلى مركز البوليس وسمعت أقواله فيها كمجني عليه. 

2- الواقعة المبلغ عنها وكذبها : 

- الواقعة 

إن إسناد واقعة جنائية إلى شخص لا يصح العقاب عليه إذا لم يكن القصد منه إلا تبليغ جهات الاختصاص عن هذه الواقعة إذ التبليغ عن الجرائم حق بل فرض على كل فرد فإذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المتهم أبلغ النيابة بأن زوجته حملت سفاحا وأنها وضعت طفلة ونسبتها إليه زوراً وكان المتهم قد تمسك بأنه قدم بلاغه ضد زوجته معتقداً صحة ما جاء فيه وأن العلانية غير متوافرة ومع ذلك جاء الحكم خلوا من الرد علي هذا الدفاع فإنه يكون قاصراً. 

فالقانون لا يعاقب على البلاغ الكاذب إذا لم يتضمن أمراً مستوجباً لعقوبة فاعله ولا يصح القول بأنه إذا عجز المبلغ عن الإثبات فإن بلاغه يعتبر كذباً إذ العبرة في كذب البلاغ أو صحته هي بحقيقة الواقع . 

فإذا كان ما أسنده المتهم إلى الطاعنين من أنهم أثبتوا في عقد زواجه بالطاعنة الأولى علي غير الحقيقة أنها بكر فإنه لا ينطوي علي جريمة تزوير إذ لم يعد عقد الزواج لإثبات هذه الصفة فمن المقرر شرعاً أن اشتراط بكارة الزوجة لا يؤثر في صحة عقد الزواج بل يبقى العقد صحيحاً ويبطل هذا الشرط . 

أما إذا كان الإبلاغ عن واقعة لا تستوجب العقاب وإنما الاحتقار فلا نكون بصدد جريمة بلاغ كاذب وإنما بصدد جريمة قذف وإذا أبلغ ظناً منه أنها تستوجب عقاباً ثم تبين لا تستوجب ثمة عقاب فلا تقوم الجريمة. ولا يتطلب القانون جسامة معينة في الواقعة فقد تكون مخالفة أو جنحة غير عمدية أو كانت جريمة تامة أو مجرد شروع.

والتبليغ الكاذب معاقب عليه سواء انصب علي واقعة تستوجب عقوبة جنائية أم مجرد عقوبة تأديبية عن مجرد مخالفة إدارية وذلك عندما يكون التبليغ ضد موظف عمومي أو مكلف بخدمة عامة إلي رئيسه الإداري أما إذا كان التبليغ عن أمور لا تخضع للعقاب فلا يتوافر الركن المادي للجريمة ويكفي للعقاب أن تكون للواقعة المبلغ عنها مظاهر الجريمة ولو تبين بعد التحقيق أن القانون لا يعاقب عليها لفقدان ركن من أركانها كمن يبلغ عن شخص كذباً أنه قد زور خطاباً أو سنداً عرفياً ويتضح بعد البحث أن التزوير علي فرض صحة حصوله لا عقاب عليه لانتفاء ركن الضرر أو كمن يبلغ عن آخر بسوء نية أنه يحرز سلاحاً بغير ترخيص وهو يعلم أن الترخيص موجود ثم تتضح الحقيقة بعدئذ أو أنه يخفي أشياء متحصلة من جناية أو جنحة وبعد التحقيق يبين أنها متحصلة من طريق مشروع يعرفه المبلغ والعبرة هي دائماً بإثبات سوء نية المبلغ مع قصد الإضرار بالمبلغ ضده كما تتحقق الجريمة ولو تبين أن الواقعة المكذوبة علي فرض صحتها تكون قد سقطت بمضي المدة أو أنه يلزم فيها شكوى أو طلب أو إذن لتحريك الدعوى عنها.

ولا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ كله كاذباً بل يكفي أن تشوه فيه الحقائق أو تمسخ فيه الوقائع كلها أو بعضها مسخاً يؤدي إلي الإيقاع بالمبلغ ضده ومن ثم فإن ما قاله الحكم المطعون فيه من أن بلاغ المطعون ضدهما قبل الطاعن لم يكن مكذوباً من أساسه بدلالة الحكم بإدانة المطعون ضدها الثانية ينطوي علي تقرير قانوني خاطئ مما يعيبه ويستوجب نقضه. 

2- كذب الواقعة 

الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في التبليغ وهذا يقتضي أن يكون المبلغ عالماً علماً يقينياً لا يداخله أي شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة وأن المبلغ ضده بريء منها كما أنه يلزم لصحة الحكم بكذب البلاغ أن يثبت للمحكمة بطريق الجزم توافر هذا العلم اليقيني وأن تستظهر ذلك في حكمها بدليل ينتجه عقلاً. 

وكما يشترط في القانون لتحقيق جريمة البلاغ الكاذب توافر كذب الوقائع المبلغ عنها فإنه يشترط أيضاً أن يكون الجاني عالماً بكذبها ومنتوياً السوء والإضرار بالمجني عليه. 

ولا يشترط لتوقيع العقاب في جريمة البلاغ الكاذب أن تكون جميع الوقائع التي تضمنها البلاغ مكذوبة برمتها بل يكفي أن يكون المبلغ قد كذب في بعضها أو شوه الحقائق أو أضاف إليها أمورا صبغتها جنائية أو أغفل ذكر بعض أمور يهم ذكرها فإذا أدعي المبلغ في بلاغه أن المدعين بالحق المدني سرقوا منه ثمانية جنيهات بالإكراه في الطريق العام وأن الإكراه ترك أثر جروح به ثم ثبت أن واقعة السرقة بالإكراه مكذوبة برمتها وأن الواقعة لم تكن إلا تعدياً بالضرب عُدَّ البلاغ كاذباً واستحق المبلغ العقاب.

أما إذا ثبتت بعض التهم بينما لم تتحقق جميع العناصر القانونية في البعض الآخر فإن هذا يكفي للقضاء ببراءة القائم بالتبليغ لأن التبليغ عن الوقائع الجنائية حق للناس بل هو واجب مفروض عليهم فلا تصح معاقبتهم عليه واقتضاء تعويض منهم عنه إلا إذا كانوا قد تعمدوا الكذب فيه. 

- المحكمة تتحقق من صحة التبليغ:

إن إثبات عدم صحة الواقعة التي تضمنها البلاغ الكاذب من العناصر القانونية لهذه الجريمة ومن ثم كان إثباته شرطاً للإدانة والمحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب هي المختصة بالفصل في مدى صحة الواقعة من كذبها.

وتقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع بشرط أن تكون قد اتصلت بالواقعة المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر في حكمها الأمر المبلغ عنه للعلم إن كان من الأمور التي يرتب القانون عقوبة التبليغ عنها كذباً أم لا. 

فإذا كانت الواقعة المبلغ بها صحيحة فلا تقوم جريمة البلاغ الكاذب لأن عدم صحة الواقعة هو المستوجب للعقاب.

وعجز المبلغ عن إثبات الوقائع التي تضمنها البلاغ لا ينهض دليلاً على كذبها وكان البحث في كذب البلاغ أو صحته أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها. 

ومجرد تقصير المتهم في إقامة الدليل علي صحة البلاغ وتسرعه فيه لا يؤدي في العقل والمنطق إلى ثبوت علم المتهم بكذب البلاغ ولا يدل على أنه قصد به الكيد للمبلغ ضده والإضرار به و إذن فالحكم الذي يدلل على توافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب بتقصير المتهم في إقامة الدليل علي صحة البلاغ وتسرعه فيه يكون قد شابه قصور يبطله ويستوجب نقضه. 

مدى الفصل في صحة الواقعة ولم ترفع بها دعوي أو يصدر فيها حكم: 

إذا تبين للمحكمة التي تنظر دعوي البلاغ الكاذب أن الواقعة موضوع التبليغ لم ترفع بشأنها دعوي أو رفعت ولكن لم يصدر فيها حكم فلها تحري مدى صحتها من كذبها لتتمكن من قول كلمتها في تهمة البلاغ الكاذب فإن ثبت لها صحتها قضت بالبراءة وإن ثبت لها كذبها أو عدم صحتها قضت بالإدانة متي توافرت باقي أركانها. 

فالمحاكمة على جريمة البلاغ الكاذب لا تتوقف علي اتخاذ أي إجراء قضائي بشأن الأمر المبلغ عنه فليس من اللازم أن يكون ثبوت عدم صحة البلاغ بحكم نهائي ببراءة المبلغ ضده أو بقرار بأن لا وجه لإقامة الدعوي قبله أو بأمر حفظ بل تكون الدعوى مقبولة ويحكم فيها ولو لم يحصل أي تحقيق قضائي بشأن الأمر المبلغ عنه. 

فلا يشترط إذن للفصل في دعوي البلاغ الكاذب أن تكون الجريمة المبلغ عنها قد صدر بشأنها حكم نهائي يدل على كذب البلاغ.

وسند ذلك أن لفظ "دعوي" الذي ورد في المادة 305 من قانون العقوبات التي قررت العقاب على البلاغ الكاذب ولو لم تقم دعوي بما أخبر به المتهم تعني الدعوي بمراحلها المختلفة بما في ذلك مرحلة التحقيق الابتدائي. 

وإقامة الدعوى في هذه العبارة ليس معناها تقديم الدعوى فعلاً لمحكمة الموضوع ولكن معناها اتخاذ الإجراءات القضائية بشأن الأمر المبلغ عنه فهي تشمل التحقيق الذي تجريه النيابة وإجراءات قاضي الإحالة إن كانت كما تشمل تقديم الدعوى فعلاً ونظرها بمعرفة محكمة الموضوع ومن هذا يعلم أن دعوى البلاغ الكاذب تكون مقبولة حتى ولو لم يحصل أي تحقيق قضائي بشأن الواقعة الحاصل عنها التبليغ. 

كما لا تتقيد المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب بأسباب قرار الحفظ الصادر من النيابة ومن باب أولي لا تتقيد بقرار الحفظ الصادر من هيئة أخرى كلجنة " الكسب غير المشروع بل عليها أن تعيد تحقيق الوقائع بمعرفتها وتستوفي كل ما تراه نقصا في التحقيق لتستخلص ما تطمئن إليه فتحكم به. 

ولا ينهض أمر الحفظ الذي تصدره النيابة بحفظ دعوى السرقة لعدم معرفة الفاعل دليلا علي صحة الوقائع التي أبلغ بها المتهم ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة من غير أن تتقيد به وعليها أن تفصل في الواقعة المطروحة أمامها حسبما ينتهي إليه تحقيقها. 

إذن يجب حتماً علي قاضي جنحة البلاغ الكاذب أن يستمع لدفاع المتهم وأن يحقق الأمر المخبر به تحقيقاً يقتنع هو معه بكذب البلاغ في الواقع أو عدم كذبه ولا يمنعه من ذلك احترام مبدأ فصل السلطات وأن قاضي الجنح ليس له نظر الجنايات والتقرير بصحة وقائعها أو كذبها فإذا حكمت محكمة الجنح الاستئنافية بعدم قبول الدعوى العمومية لأن البلاغ الكاذب كان عن جريمة هي جناية لا شأن لقاضي الجنح بها كان حكمها باطلاً واجباً نقضه. 

- مدى الفصل في صحة الواقعة إذا أقيمت دعوى عن موضوع البلاغ : 

إذا كانت الدعوى الجنائية عما تبلغ به قائمة في ذات الوقت الذي أقيمت فيه دعوى البلاغ الكاذب ضد المتهم فإنه يتعين وقف الدعوى الأخيرة لحين الفصل في الدعوى الأولي وتتقيد محكمة البلاغ الكاذب بالحكم الذي يصدر فيها وذلك عملاً بنص المادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه "إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية". 

ولا يعترض على هذه القاعدة بأن القانون يقرر العقاب على البلاغ الكاذب ولو لم تقم دعوى بما أخبر به المتهم إذ موضوع تطبيق هذا النص ألا تكون قد أقيمت دعوى في شأن الواقعة موضوع البلاغ أما إذا أقيمت هذه الدعوى فإن الإيقاف يكون متعيناً. 

- مدى الفصل في صحة الواقعة إذا صدر حكم بات فيها : 

من المقرر أن الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم يقيد المحكمة التي تفصل في الدعوى التي ترفع بالبلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث صحة البلاغ وكذبه. 

فإذا صدر حكم بات في شأن الواقعة موضوع البلاغ الكاذب يقرر صحتها أو عدم صحتها فإن محكمة البلاغ الكاذب تلتزم به فإذا قرر هذا الحكم صحة الواقعة كان على محكمة البلاغ الكاذب أن تقضي ببراءة المتهم وإذا قرر هذا الحكم عدم صحة هذه الواقعة قضت بالإدانة من أجل جريمة البلاغ الكاذب متى توافرت سائر أركانها فإذا لم يكن الحكم باتا وجب وقف الدعوى لحين صيرورته باتاً. 

كما يكون للقرار الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوي الجنائية ذات الحجية إذا لم يطعن فيه في حين أن " الأمر الصادر من النيابة بحفظ أوراق التحقيق ضد متهم لا تتقيد به المحكمة عند نظرها في جريمة التبليغ كذباً في حق هذا المتهم وذلك لأن القانون يوجب علي المحكمة في هذه الجريمة أن تبحث الوقائع المثبتة لكذب البلاغ وتقدر كفايتها في الإثبات وإذن فإذا كانت المحكمة لم تعتمد في قضائها بكذب البلاغ إلا على الأمر الصادر من النيابة بحفظ الشكوى إدارياً فإن حكمها يكون معيبا لقصوره في بيان الأسباب التي أقيم عليها . 

3- شخص المبلغ ضده: 

جريمة البلاغ الكاذب تتطلب وجود مجني عليه ينسب إليه من يقوم بالتبليغ كذبا واقعة محددة مع سوء القصد وهو عالم بكذبها فإذا كان التبليغ عن حصول جريمة ولكنه لم يتهم أحدا ثم تبين كذب البلاغ فلا تقوم هذه الجريمة وإن كان من الممكن أن تثير شبهة جريمة ازعاج السلطات ببلاغ غير صحيح المؤثمة بنص المادة 135 عقوبات .

ولا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ مصرحاً فيه باسم المبلغ ضده بل يكفي أن يكون ما فيه من البيان معيناً بأية صورة للشخص الذي قصده المبلغ وإذن فإذا كان الثابت بالحكم أن المبلغ أبلغ جهة البوليس عن سرقة ادعي حصولها واتهم فيها إنساناً ذكر عنه ما لا يصدق إلا على شخص بعينه لم يذكر اسمه بالكامل لغاية في نفسه وكان ذلك منه بقصد الإيقاع به فإن جميع العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب تكون متوافرة في حقه. 

ولا عبرة بما يبديه المبلغ في بلاغه عن الإجراءات التي يرى اتخاذها ضد المبلغ في حقه لأن هذه الإجراءات لا شأن فيها لإرادة المبلغ بل هي من شأن السلطات الحكومية تتخذ ما تراه فيها ولو لم يطلب المبلغ في بلاغه اتخاذها. 

ولا يشترط للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المبلغ عنه قد أسند إلى المبلغ ضده علي سبيل التأكيد أو بناء على ما يعلمه المبلغ هو نفسه بل يصح العقاب ولو كان الأمر المذكور قد أسند إلي المبلغ ضده في صيغة الإشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير . 

4- الجهة المقدم إليها البلاغ : 

نصت المادة 304 عقوبات على أن يوجه البلاغ إلى "أحد الحكام القضائيين أو "الإداريين ومن ثم فإذا تم توجيهه إلي غيرهم فلا تقوم جريمة البلاغ الكاذب. 

والمقصود بالحكام القضائيين هم رجال السلطة القضائية والقضاء الإداري والعسكري ورجال النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي. 

ويقصد بالحكام الإداريين الموظفين الذين لهم سلطة التأديب على موظفين آخرين كالوزير والمحافظ ورئيس المدينين ورئيس الجامعة وعميد الكلية ورجال الجيش والشرطة ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. 

- الركن المعنوي: 

جريمة البلاغ الكاذب جريمة عمدية ومن ثم يتخذ الركن المعنوي صورة القصد الجنائي أي العلم بالكذب مع سوء القصد أي انتواء السوء والإضرار بالمجني عليه. 

فيشترط إذن لتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون الجاني سيء القصد عالماً بكذب الوقائع التى بلغ عنها وأن يكون أيضاً قد  أقدم على تقديم البلاغ منتويا السوء والإضرار بمن بلغ عنه ولذلك يجب أن يعني الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصريه المذكورين وبإيراد الوقائع التي استخلص منها توافره فإذا اقتصر الحكم علي بيان كذب الوقائع المبلغ بها وعلى ذكر ما يفيد علم المبلغ بكذب إحداها فهذا لا يكفي وحده لإثبات توافر القصد الجنائي كما عرفه القانون بل يجب أن يعرض الحكم أيضا لعنصر هام من عناصر هذا القصد وهو إثبات الغرض السيء الذي رمي المبلغ إلي تحقيقه من وراء البلاغ الكاذب الذي نقضه. 

قدمه وفي إغفال الحكم ذلك قصور يعيبه ويوجب ويتوفر هذا القصد متى كان المبلغ قد أقدم على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التي بلغ عنها مكذوبة وأن الشخص المبلغ في حقه بريء مما نسب إليه وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده وتقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التي لها الحق المطلق في استظهاره من الوقائع المعروضة عليها. 

ويتضح من ذلك أن القصد الذي يتطلبه القانون في هذه الجريمة قصد خاص فهو يفترض توافر القصد العام أولا ثم يتطلب بعد ذلك أن تتوافر نية يقوم عليها القصد الجنائي هي "نية الإضرار. 

وسوء القصد لا يدل علي مجرد العلم بالكذب وإنما نية الإضرار ومن ثم إذا انتفت نية الإضرار تخلف القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب فحين تجيش في صدر المبلغ الكاذب نيتان إحداهما سيئة والأخرى خيرة تكون العبرة بالنية الغالبة فإذا كانت النية الراجحة هي النية الخيرة تعين القول عندئذ بتخلف نية الإضرار من هذا القبيل أن يبلغ والد كذباً بأن ابنه سيء السلوك ومارق من سلطته وذلك ليصل إلى إدخاله إصلاحية يتعلم فيها حرفة أو أن تبلغ زوجة تغيَّب عنها زوجها دون أن تعثر له على مقر بجريمة وهمية ارتكبها هذا الزوج وذلك لتستعين بالبوليس في البحث عنه والعثور عليه. 

ولا يعد عالما بكذب الواقعة من يشك في صحتها مجرد شك فالتبليغ عن الوقائع الجنائية حقا لكل إنسان بل هو واجب مفروض عليه فلا تصح معاقبته عليه واقتضاء التعويض منه إلا إذا كان قد تعمد الكذب فيه. 

ومن ثم فإن مجرد تقصير المتهم في إقامة الدليل علي صحة البلاغ وتسرعه فيه لا يؤدي في العقل والمنطق إلي ثبوت علم المتهم بكذب البلاغ ولا يدل على أنه قصد به الكيد للمبلغ ضده والإضرار به وإذن فالحكم الذي يدلل على توافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب بتقصير المتهم في إقامة الدليل علي صحة البلاغ وتسرعه فيه يكون قد شابه قصور .

- إثبات القصد الجنائي في البلاغ الكاذب: 

القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب يتكون من عنصرين هما علم المبلغ بكذب الوقائع التى بلغ عنها وانتوائه الإضرار بمن بلغ في حقه وليس في قيام أحد هذين العنصرين ما يفيد قيام الآخر حتماً فإذا اكتفي الحكم بإثبات توافر نية الإضرار لدي المبلغ فهذا لا يكفي في إثبات قيام القصد الجنائي لديه بل لابد من أن يعني الحكم أيضاً بإثبات أن المبلغ كان يعلم وقت التبليغ أن ما اشتمل عليه بلاغه من الوقائع مكذوب وإلا كان الحكم مشوباً بالقصور ووجب نقضه. 

والقول في جريمة البلاغ الكاذب بأن عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها يؤخذ دليلاً على كذبها ليس صحيحاً على إطلاقه لأن التبليغ عن الجرائم من الحقوق المخولة للأفراد بل هي من الواجبات المفروضة عليهم. 

ومن ثم يجب أن يعنى الحكم القاضى بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصريه المذكورين وبإيراد الوقائع التي استخلص منها توافره فإذا اقتصر على بيان كذب الوقائع المبلغ بها وعلى ذكر ما يفيد علم المبلغ بكذب إحداها فهذا لا يكفي وحده لإثبات توافر القصد الجنائي كما عرفه القانون بل يجب أن يعرض الحكم أيضا لعنصر هام من عناصر هذا القصد وهو إثبات الغرض السيء الذي رمي المبلغ إلي تحقيقه من وراء البلاغ الكاذب الذي قدمه وفي إغفال الحكم ذلك قصور يعيبه ويوجب نقضه.

فإذا كان الحكم الصادر بالإدانة لم يتحدث عن علم المبلغ بكذب الوقائع التى بلغ عنها ولا عن قصده من التبليغ - الذي حصل – في حق المجني عليه فهذا قصور يستوجب نقضه. 

ولكن لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة عن توافر سوء قصد المتهم في جريمة البلاغ الكاذب إذا كانت الوقائع التي أثبتها تفيد ذلك. (موسوعة المٌري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المُري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 405-422)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 213 ، 96 

(مادة 424) 

يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين - كل من أبلغ كذباً وبنية الإساءة السلطات القضائية أو الإدارية - ولو بطريق غير مباشر - بأمر يستوجب عقوبة من أسند إليه أو مجازاته تأديبياً أو إدارياً . 

وتكون العقوبة الحبس والغرامة، إذا كان الإبلاغ عن جناية . 

ولا يمنع من توقيع العقوبة الكشف عن الكذب قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات الإستدلال أو التحقيق أو المحاكمة . 

وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت ، إذا ترتب على الإبلاغ الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت ، على ألا يحكم بالإعدام إلا إذا نفذت عقوبة الإعدام في المحكوم عليه .

 المساس بسير التحقيق والعدالة 

المواد (422) : (438) :  

رأى المشروع - تقديراً منه لقداسة العدالة والقضاء ، وبعداً به عن أن يكون مجالاً لعبث عابث ، وحفاظاً على حرمة الهيئات والقائمين عليها ، وبإعتبار أن الحقيقة القضائية عنواناً للحقيقة الواقعية - أن يجمع في هذا الفصل شتات نصوص القانون القائم مع تعديلها على نحو يتفق والغرض المنشود ، وإضافة ما تقضي به المصلحة العامة من أحكام ، وقد قسم المشروع هذا الباب إلى فصلين: الأول: في الجرائم المتعلقة بالمساس بسير التحقيق والعدالة ، بمثابة أن التحقيق هو أول عمل ينير للحقيقة والعدالة الباحثة عنها الطريق . 

1- المادة (422) من المشروع وهي تعاقب الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة عهد إليه بالبحث عن الجرائم وضبطها ، إذا أهمل أو أرجأ الإخبار عن جريمة وصلت إلى علمه . 

2- المادة (423) من المشروع تعاقب على جريمة عدم إبلاغ الجهة المختصة بوجود ما يشير بمناسبة الكشف على مصاب إلى أن إصابته جنائية . 

٣- المادة (424) من المشروع تعاقب على جريمة البلاغ الكاذب - ولو كان البلاغ بطريق مباشر أو غير مباشر - بأمر يستوجب عقوبة من أسند إليه ، أو بمجازاته تأديبياً أو إدارياً ، فإذا كان الإبلاغ عن جناية عد ذلك ظرفاً مشدداً ، والنص يقابل في عمومه نص المادة (305) من القانون القائم مع النص على البلاغ بطريق غير مباشر ، وفق ما استقر عليه القضاء. وقد ترتب على ذلك أن أصبح النص المقترح في مكانه الصحيح ، وقد كان مع جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار التي يتضمنها الباب السابع من القانون الحالي . 

هذا وقد بين النص أن الكشف عن الكذب قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات الإستدلال ، أو التحقيق ، أو المحاكمة - لیس بمانع عن توقيع العقوبة . 

کا استحدث في الفقرة الأخيرة ظرفاً مشدداً يجعل الجريمة جناية إذا ترتب على الإبلاغ الحكم بعقوبة جناية ، على ألا يحكم بالإعدام إلا إذا نفذت عقوبة الإعدام في المحكوم عليه نتيجة الإبلاغ الكاذب. 

4 المادة (425) من المشروع تعاقب على شهادة الزور أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بعد حلف اليمين ، فإن لم يحدث حلف فلا جريمة . وجعلت من أداء الشهادة الزور مقابل الحصول على منفعة ، أو ميزة من أي نوع ، أو وعد بذلك ، جناية عقوبتها السجن الذي لا يزيد على خمس سنوات . 

كما بينت المادة الظرف المشدد الموجب لتغليظ العقوبة ، ورفعها إلى عقوبة الجناية التي قد تصل إلى الحكم بالإعدام ، وأخيراً أجاز المشروع للمحكمة إعفاء الشاهد من العقاب أو تخفيفه ، إذا عاد إلى قول الحق قبل الحكم النهائي في موضوع الدعوى التي شهد فيها ، ومن المعلوم أن هذا النص لا يسري في فقرته تلك أمام محكمة النقض ، إلا إذا كانت تنظر موضوع الدعوى الجنائية عند الطعن لثاني مرة ، إذا نقضت الحكم وحددت جلسة لنظر الموضوع . أن هذه هي الحالة الوحيدة التي تنظر فيها هذه المحكمة الدعوى الجنائية كما لو كانت قضاء الموضوع . 

5- المادة (426) من المشروع تقضي بسريان المادة السابقة على كل من كلف من قبل جهة قضائية في دعوى بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة، فغير الحقيقة بأية حقيقة والجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال مهما بلغ مرتبة العمد . 

6- المادة (427) من المشروع تعاقب الطبيب أو القابلة ، إذا طلب أيها لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أيا كان نوعها ، أو وعدا بشيء من ذلك ، في مقابل تحریر بیان غير صحيح ، أو مقابل أداء الشهادة زوراً أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة ، أو غير ذلك مما يتصل بمهنة الجاني ، ولو كان قيامه بذلك نتيجة رجاء أو توجيه ، على أنه في حالة أداء الشهادة فعلاً يطبق حكم الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة (425) من المشروع ، كما يطبق حكم الإعفاء المشار إليه في الفقرة الأخيرة منها . 

7- المادة (428) من المشروع تعالج إستخدام الإكراه أو التهديد أو تقديم عطية أو منفعة أو ميزة أيا كانت ، أو وعد بشيء من ذلك ، لحمل الغير على الشهادة زوراً أمام المحاكم ، أو الإمتناع عن آدائها ، ولم يبلغ مقصده . 

8- المادة (429) من المشروع تعاقب من ألزم بحلف اليمين في دعوى ردت عليه فحلفها كذباً ، مع إجازة إعفائه من العقوبة إذا رجع إلى الحق قبل الحكم النهائي في الدعوى . 

9- المادة (430) من المشروع تعاقب بعقوبة الجنحة من يمتنع عن الشهادة بعد تكليفه بها - أمام جهة التحقيق أو الحكم - بغير عذر مقبول بعد تكليفه بالحضور قانوناً أمامها . 

10- المادة (431) من المشروع تعاقب من يغير - بقصد تضليل جهة التحقيق أو الحكم - حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة . 

11- مادة (432) من المشروع تعاقب على إخفاء جثة شخص مات نتيجة حادث جنائي ، أو قام بدفنها دون إخطار الجهة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق أسباب الوفاة . 

12 - المادة (433) من المشروع تعاقب على مجرد التوسط لدى قاض بأي وسيلة لصالح أحد الخصوم ، أو للإضرار به . 

13 - المادة (435) من المشروع تجرم النشر بإحدى طرق العلانية أمراً من شأنه التأثير فيمن يتولى التحقيق أو القضاء أو القيام بأعمال الخبرة ، أو يدعى للشهادة في دعوى مطروحة أمام جهة التحقيق أو الحكم ، أو نشر أموراً من شأنها منع الشخص من الإفضاء بمعلومات للجهة المختصة بذلك ، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو ضده . فإذا كان النشر بقصد إحداث التأثير المذكور ، أو كانت الأمور المنشورة كاذبة -ضوعفت العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة . 

14- المادة (436) من المشروع تعاقب كل من أذاع ، أو نشر بإحدى طرق العلانية أمرا من الأمور الواردة في البنود من (أ) – (ز) من المادة . 

15 - المادة (437) من المشروع تعاقب من افتتح إكتتاباً ، أو أعلن عنه بإحدى طرق العلانية ، قاصداً من ذلك التعويض عن الغرامات أو المصاريف أو التعويضات المحكوم بها في جريمة ، أو أعلن بإحدى هذه الطرق عن قيامه أو غيره بالتعويض المشار إليه أو جزء منه ، أو عزمه على ذلك. 

16 - المادة (438) من المشروع تعرض لجريمة إنكار العدالة ، وهي لا تقع إلا من قاض امتنع بغير مبرر عن الحكم في دعوى دخلت في حوزته قانوناً ، ويجوز أن يكون مع العقوبة الأصلية ، وبالإضافة إليها عقوبة العزل ، وهي في هذه الحال عقوبة تكميلية لا تقع إلا بحكم من المحكمة . 

(مادة 150)

إثبات جريمة القذف المعاقب عليها حدا، يكون في مجلس القضاء، بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

الأول: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غیر متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ولا يقبل الرجوع عن الإقرار. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين غير متهمين في شهادتهما مبصرين قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها. 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة. 

ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة، ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها. 

ولا يعد المجني عليه شاهداً إلا إذا شهد لغيره. 

مادة (150): 

إثبات القذف المعاقب عليه حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: الأول: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون بالغًا عاقلاً مختاراً وقت الإقرار غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ولا يقبل الرجوع عن الإقرار. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين غير متهمين في شهادتها، مبصرين قادرين على التعبير قولا أو كتابة عند تحمل الشهادة وعند أدائها. 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة. 

ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة. 

ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة لا نقلا عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها. 

ولا يعد المجني عليه شاهدا إلا إذا شهد لغيره . 

الإيضاح 

يجب أن يكون الإثبات بمجلس القضاء؛ لأنه وسيلة الحكم والمؤدي إلى القضاء في 

الدعوى، ويثبت القذف بإحدى وسيلتين: الإقرار أو البينة. 

والإقرار: هو إخبار الشخص بها عليه من الحقوق، أو إظهار مکلف مختار ما عليه لفظاً الزيلعي (5)/ (2)، المهذب (2)/ (362))، وهو حجة شرعية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. وهو سيد الأدلة؛ لأن العاقل لا يقر على نفسه كذباً بما فيه ضرر على نفسه وماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه لعدم التهمة، ولكمال الولاية، ولأنه إذا وجب الحكم بإشهاده وهي مظنة الريبة، فلان يجب بالإقرار أولى؛ لأنه من الريبة أبعد (المهذب (2)/ (362)). 

ولقد أجمعت الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أن الإقرار حجة في حق المقر نفسه، فتقام عليه الحدود، ويقتص منه بموجب إقراره. وعلى ذلك عمل أصحابه والتابعين دون مخالفة لهم من أحد، واشترطوا أن يكون المقر مكلفا (بالغاً، عاقلاً) مختاراً قادراً على الكلام على التفصيل الوارد في كتب الفقه، وأشرنا إليه في إيضاح المادة (146) من هذا المشروع، كما اشترطوا أيضا ألا يكون المقر منها في إقراره؛ لأن التهمة تخل برجحان جانب الصدق على جانب الكذب في الإقرار، کما اشترطوا في المقر له أن يكون معلوماً، فلو كان مجهولاً لا يصح الإقرار؛ لأن شرط إقامة الحد في القذف مطالبة المقذوف، فإذا كان مجهولاً لا تتأتى المطالبة (البدائع (7)/ (223)). ويجب أن يكون الإقرار صريحاً منصباً على الجريمة بأركانها، فلا يقبل فيه الكتابة أو التعريض ولا الإجمال في ذكر واقعة القذف، حتى يكون إقراره مؤدياً للحكم ومطابقاً للدعوى. 

ويكفي في الإقرار بالقذف أن يقر به القاذف مرة واحدة؛ لأنه إخبار، والمخبر به لا يزداد بتكرر الخبر، وذكر صاحب البدائع الإجماع على عدم التعدد، والاكتفاء بالإقرار مرة واحدة (البدائع (7)/ (223))، وهذا مذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأهل الظاهر، وقال البعض - ومنهم أحمد والزيدية وأبو يوسف -: إن الإقرار يجب أن يكون مرتين؛ ليقام به الحد اعتباراً بالشهادة، فلو أقر مرة لا يحد بل يعزر. 

وقد اختارت اللجنة رأي الجمهور للأسباب التي ذكرت آنفاً. 

وغني عن البيان أن إقرار القاذف يبطل بتكذيب المقر له (المقذوف)؛ لأن الإقرار دلیل لزوم المقر به وتكذيب المقذوف دلیل عدم اللزوم، واللزوم لم يعرف ثبوته بعد، فلا يثبت بالشك خاصة فيما يدرأ بالشبهات ولأن في تكذيب المقذوف للمقر إسقاطاً للخصومة وحد القذف لا يجب استيفاؤه إلا بخصومة المقذوف، ولا يبطل الإقرار بالقذف بالرجوع عنه؛ لأنه حق وجب لصيانة حق الآدمي، فلا يقبل فيه الرجوع (کشاف القناع (4)/ (63)، المهذب (2)/ (164))، ولأن المقر إذا رجع يكون متهماً في رجوعه، فلا يصح الرجوع في الإقرار بحد القذف أسوة بسائر الحقوق المستحقة للعباد (البدائع (7)/ (233)) ولوجود من يكذبه فيه. 

هذا بخلاف إنكاره الإقرار في سائر الحدود، فإنه يبطله؛ لأن إنكاره الإقرار فيه خبر محتمل للصدق وللكذب كالإقرار ولا مكذب له فيه، فتحققت شبهة كافية في إسقاط الحد (ابن عابدين (3)/ (157)). 

الشهادة 

الوسيلة الثانية لإثبات القذف هي البينة الشرعية، وحجية الإثبات بالبينة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، ويجب على الحاكم الحكم بمقتضاها إذا تمت بأركانها وشرائطها (التاج والإكليل (6)/ (150)، الزيلعي (4)/ (207)، ابن عابدین (4)/ (407) و(408)). 

ورأت اللجنة أن يكون الأصل هو شهادة رجلين، إلا أنه عند الضرورة يجوز الإثبات بشهادة رجل وامرأتين، أو أربع نسوة، وذلك على النحو الذي أخذت به اللجنة في حد السرقة، ويشترط أن يكونا بالغين، ولأن الشهادة من باب الولاية والصبي لا ولاية له على نفسه، فلا ولاية له على غيره من باب أولى، وقد سبق بيان سن البلوغ في المادة رقم (31) من هذا المشروع. 

كما يشترط أن يكون الشاهدان عاقلين، فلا تقبل شهادة المجنون؛ لأنه لا يعقل ما يقول ولا يضبطه، فلا يلتفت إلى قوله، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأنه: «رفع القلم عن ثلاث...». ذكر منهم المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق (سنن أبي داود (4)/ (140))، كما يشترط في الشاهدين أن يكونا مبصرین، فلا تقبل شهادة الأعمى في القذف، ولا في غيره من الحدود (الزيلعي (4)/ (217)/ (218)، مواهب الجليل (6)/ (154)، المهذب (2)/ (354)، المغني (12)/ (61) و(62)، المحلى (9)/ (433)، شرائع الإسلام (2)/ (236) و (237)). 

کا اشترط الفقهاء قدرة شاهد القذف على الكلام والسمع؛ لأن في إشارة الأخرس شبهة تدرأ الحد. ويرى الحنابلة أن شهادة الأخرس كتابة بخطه مقبولة؛ لأن الخط يدل على اللفظ وكذلك الإشارة، وهو ما أخذت به اللجنة، ولأن الشهادة تعتمد على تمييز الأصوات في القذف، فكان اشتراط السمع ضروریاً. 

كما اشترط الفقهاء عدالة شاهدي القذف ظاهراً وباطناً، ولا يكتفى بظاهر عدالته. احتيالا لدرء الحد المطلوب في قوله صلى الله عليه وسلم : «ادرءوا الحدود بالشبهات». ويرى أبو حنيفة اقتصار الحاكم على عدالة الشاهد المسلم الظاهرة. ولا يسأل عنه إلا إذا طعن الخصم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف». ولأن الظاهر الانزجار عما هو محرم في دينه، وبالظاهر كفاية؛ إذ لا وصول إلى القطع إلا في الحدود والقصاص، فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يطعن الخصم؛ لأنه يحتال لإسقاطها، فيشترط الاستقصاء فيها، وإن طعن الخصم في الشهود سأل القاضي عنهم؛ لأنه تقابل الظاهران، فيسأل طلباً للترجيح. هذا إذا لم يعلم القاضي حالهم، أما إذا علم بجرح أو عدالة فلا يسأل عنهم. وقال الصاحبان: لا بد للقاضي أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق، طعن الخصم فيهم أم لا؛ لأن الحكم إنها يجب بشهادة العدل، فوجب البحث عن العدالة. وقيل: هذا اختلاف عصر وأوان. والفتوى على قولها في هذا الزمان (ومثله في الجوهرة، وشرح الإسبيجابي، وشرح الزاهدي والينابيع، وقال صدر الشهيد: والفتوى اليوم على قولها. ومثله في شرح المنظومة والحقائق، وقاضیخان، ومختارات النوازل، والبرهاني، وصدر الشريعة، (اللباب في شرح القدوري (343)). 

ومن هذا يعلم أن تعديل شهود الحدود عامة ظاهراً وباطناً - شرط في قبول شهادتهم عند الحنفية ويرى المالكية أن يكتفى بظاهر عدالة الشاهد، ولا تسأل عنه المحكمة إلا إذا طعن الخصم في عدالته. وقالوا: إن العدل هو الذي يجتنب الكبائر من المعاصي، ويتقي في أغلب الحالات الصغائر منها؛ لقول عمر رضي الله تعالى عنه: «المسلمون عدول بعضهم على بعض». 

وقد اختارت اللجنة الأخذ بمذهب المالكية؛ لأنه أيسر في العمل خاصة في زماننا هذا الذي انتشر فيه الفساد، وعمت الفتنة، وتعذر القطع بمعيار العدالة الدقيق فيهم، مما قد يختلط معه الأمر على القضاء، ويؤثر في الأحكام (حاشية الدسوقي (4)/ (319)). 

ومن ثم نص في المادة على أنه يفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك. كما رأى الفقهاء في شاهدي القذف أن يكونا قادرين على حفظ الشهادة، فاهمين لها، مأمونين على ما يدلیان به، فإذا كان الشاهد مغفلاً لا تقبل شهادة كبير الغلط؛ لعدم ائتمان الغلط في شهادته، فإن كان غلطه قليلاً قبلت شهادته لعدم انفكاك أحد عنه، ولا تقبل شهادة من يعرض له غالبا؛ لجواز سماعه شيئا نسي بعضه، وكذا الأبله لعدم تفطنه الأمور (التاج والإكليل (6)/ (154)، المهذب (2)/ (342)، منتهى الإرادات (4)/ (321)، الزيلعي (4)/ (207)). 

ويشترط أن تكون شهادة كل من الشاهدين صريحة في الدلالة على الجريمة ووقوعها من الجاني بأركانها، وألا تكون بالتسامع، بل عن معاينة حتى تكون شهادة صحيحة مستوفية لأركانها الشرعية مؤدية للقضاء بموجبها. 

مادة (151): 

لا يحكم بحد القذف في الأحوال الآتية: 

1- ثبوت صحة الواقعة المقذوف بها بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

(أ) تصديق المقذوف قاذفه فيها رماه به. 

(ب) إثبات القاذف صحة الواقعة بشهادة أربعة رجال. 

2- زوال إحصان المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى. 

3- إذا كان القاذف زوجاً وليس لديه شهداء وطلب اللعان. 

الإيضاح 

تقدم أن القذف فيه حق للعبد، ومن أجل ذلك اشترط الفقهاء فيه قيام الدعوى به من المقذوف أو من وكيله أو من أحد الورثة عن غير طريق الزوجية، إذا كان القاذف ميتاً على النحو السابق بيانه في المادة (148)، ولا بد أن تكون الدعوى به قائمة إلى أن يتم تنفيذ الحد (کشاف القناع (4)/ (63)). ولكن دعوى القذف قد يرد عليها ما يستوجب سقوطها مما يستوجب سقوط حد القذف تبعا لذلك، وقد أوضحت المادة الحالات التي تسقط فيها دعوى حد القذف. 

الحالة الأولى: التي تثبت فيها واقعة القذف إما بأن يأتي القاذف باربعة رجال يشهدون بصحة ما رمی به المقذوف من الزنا، وحينئذ تسقط دعوى الحد على القاذف، فلا يقام عليه حد القذف؛ لأنه بعد ثبوت واقعة القذف ظهر أنه صادق فيما رمی به المقذوف، ولأن المقذوف بعد ثبوت الزنا عليه سقطت عفته ووجب حده للزنا، فلا يحد قاذفه؛ حيث لا يعد كاذبا، والله تعالى يقول:لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) [النور: 13]. فإذا أتى القاذف بالشهداء الأربعة الذين يشهدون بصدق واقعة القذف - لم يعد كاذباً، ويسقط الادعاء عليه بالقذف، وهذا باتفاق الفقهاء. 

كذلك إذا صدق المقذوف قاذفه في واقعة الزنى التي رماه بها، تسقط دعوى حد القذف؛ لظهور صدق القاذف بإقرار المقذوف بالزنى، فلم يعد كاذبا . (المغني (10)/ (204)، (205)). 

الحالة الثانية: إذا زال إحصان المقذوف بسقوط عفته، وقد تقدم في إيضاح المادة (147) أن إحصان المقذوف شرط لإقامة الحد على القاذف؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، وذلك باتفاق الفقهاء. وتقدم أنهم متفقون كذلك على أن معنى الإحصان في آية القذف العفة، وإن اختلفوا في المعنى المقصود من العفة على أقوال رأت اللجنة الأخذ منها برأي الحنابلة الذين قالوا: إن العفة هنا معناها البعد عن الزنا ظاهراً. ومعنى هذا يكفي أن يكون المقذوف بعيدا في الظاهر عن ارتكاب جريمة الزنا حتى ولو كان تائبا من زنا ليكون عفيفاً عندهم يجد قاذفه. 

فإذا زالت عفة المقذوف بالمعنى المذكور بأن ارتكب جريمة الزنا - فإن عفته تسقط وتسقط، تبعا لذلك دعواه على قاذفه؛ لأنه هو الذي فرط في سمعته وشرفه بارتكابه جريمة الزنى، وكشف ستر الله عنه بارتكاب جريمة الزنا المحرم، فلم يعد أهلا لأن يقام على قاذفه الحد؛ لأنه فقد عفته التي شرع حد القذف للحفاظ عليها. 

الحالة الثالثة: إذا كان قذف الرجل زوجته بالزنا دون أن يتوفر لديه الدليل الشرعي - لا يقام عليه حد القذف إذا طلب اللعان. وجاء في تفسير زاد المسير (6)/ (14)، طبعة المكتب الإسلامي: إذا قذف الرجل زوجته بالزنا لزمه الحد، وله التخلص منه بإقامة البينة أو باللعان الدعوى. 

مادة (152): تسقط دعوى القذف بعفو المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى. 

الإيضاح 

للفقهاء في جواز عفو المقذوف عن قاذفه أقوال مختلفة، ومرد الخلاف إلى اختلافهم في تكييف طبيعة حد القذف هل هو حق الله تعالى خالصاً كالزنى، أو حق لله وللعبد. فذهب الظاهرية إلى أنه حد خالص لله تعالى ولا حق فيه للعبد (المحلى (11)/ (288)، (290)). 

ولم يختلف باقي الفقهاء في أن الحد من الحدود التي اجتمع فيها الحقان حق الله وحق العبد، فمن حيث كونه شرع لصيانة عرض العبد ولدفع العار عن المقذوف، وأنه هو الذي ينتفع به على الخصوص صار حقاً للعبد، ومن حيث أنه شرع للانزجار وإخلاء الأرض من الفساد صار حقاً الله تعالى، وإنما الخلاف بينهم في ترجيح أحد الحقين على الآخر. 

فذهب الحنفية إلى تغليب حق الله تعالى (فتح القدير (4)/ (198)، الزيلعي (3)/ (203)). 

وذهب الشافعي وأحمد ومحمد من الحنفية إلى تغليب حق العبد؛ لأنه هو المنتفع به على الخصوص. (المهذب (3)/ (292)، المغني (10)/ (204)، الزيلعي (3)/ (204)). 

وذهب الإمام مالك إلى عدم تغليب أي من الحقين على الآخر، بل ذهب إلى تغليب حق الله تعالى بعد شكوى المقذوف إلى الإمام وإلى تغليب حق العبد قبل ذلك. 

وقد ترتب على هذا الخلاف اختلافهم في جواز العفو عن القاذف على أقوال: 

الأول: أنه يجوز العفو عن القاذف إلى وقت إقامة الحد. وإليه ذهب الشافعي وأحمد والشيعة الجعفرية، وبه قال أبو يوسف (فتح القدير (4)/ (198)، المهذب (2)/ (292)، المغني (10)/ (205)، المختصر النافع (2)/ (220)). 

الثاني: أنه لا يجوز العفو عن القاذف. وإليه ذهب أبو حنيفة والأوزاعي والحسن البصري في رواية عنه (المحلى (11)/ (288)، فتح القدير (4)/ (198)). 

الثالث: أنه يجوز العفو في حالات منها قبل بلوغ الشكوى للإمام، وقيل: إلى ما قبل سماع الشهود. وقيل: إلى ما قبل بلوغ الإمام أو بعده إذا قصد المقذوف الستر، أو كان المقذوف أبا للقاذف، أو أنها له أو جدا. وإليه ذهب الإمام مالك (الدسوقي (4)/ (331)، (332)، الباجي (7)/ (148)، تبصرة الحكام (2)/ (262)، الزرقاني (8)/ (90)). 

ورأت اللجنة الأخذ بمذهب الإمام الشافعي وأحمد والشيعة الجعفرية؛ اعتباراً بتغليب حق العبد على حق الله تعالى في حد القذف؛ وتقديماً لحق العباد لحاجتهم إليه وغنى الله عنه، ولأن العبد هو المنتفع به على الخصوص ومن ثم يجوز للمقذوف أن يعفو عن قاذفه في أية حالة كانت عليها الدعوى؛ لأن حق الادعاء شرع لصيانة عرضه وشرفه وذلك شأنه، وله شرعا حق استعماله، فإذا عفا عن الجاني فقد تنازل عن هذا الحق، والمعروف أن من يملك حقا يملك التنازل عنه، ولأن المقذوف قد يلجأ إلى الستر وعدم التمادي في خصومة القاذف لما يراه من مصلحة له في ذلك، فوجب ألا يضار برد قصده . 

وإذا كان هذا حقه، له أن يستعمله في أية حالة كانت عليها الدعوى، فله كذلك إذا رأى العفو عن القاذف أثناء تنفيذ الحد عليه أن يوقف تنفيذ عقوبة الجلد إلى ما قبل إتمامه، طالما تأكد حقه في العفو وإسقاط الحد، ولأنه لا يستوف كله إلا بطلب المقذوف، فله العفو عما بقي منه من باب أولى. 

مادة (153): يعاقب القاذف حداً بجلده ثمانين جلدة، ولا يجوز إبدال هذه العقوبة، كما لا يجوز لغير المقذوف العفو عنها، وللمقذوف أن يوقف تنفيذ الحد إلى ما قبل إتمامه، ويترتب على تنفيذ الحد عدم قبول شهادة المحكوم عليه ما لم يثبت، وللمحكوم عليه بعد التنفيذ أن يطلب إلى المحكمة إثبات توبته في محضر الجلسة بتكذيبه نفسه في جلسة علنية يعلن بها الشاكي، ويلحق هذا المحضر بالحكم. 

الإيضاح 

يشترط لإقامة حد القذف أن يعجز القاذف عن أن يقيم البينة على ما قذف به من الزنى، ونصاب الشهادة فيه أربعة رجال تتوافر فيهم شروط الشهادة على الزنى، مصداقا لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) . فإذا لم يأت القاذف باربعة رجال يشهدون عند القذف والخصومة على صدق ما رمي به المقذوف من الزنى، وطلب المقذوف إقامة الحد على القاذف - أقيم عليه الحد عند توافر الشروط وانتفاء الموانع. 

مقدار الحد 

قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا) 

فمقدار حد القذف ثمانون جلدة باتفاق، لا فرق في ذلك بين كون القاذف ذكرا أو أنثى إذا كان حرا، ولا بين كون المقذوف كذلك ذكراً أو أنثى؛ لأن ما يتعير به أحدهما يتعير به الآخر، ولأن الله تعالى يقول: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)، فذكر كلمة: (مِنَ النِّسَاءِ) بعد كلمة المحصنات دل على أن لفظ المحصنات ليس خاصا بالنساء فقط؛ إذ لو كان ذلك لما كان ذكر: (مِنَ النِّسَاءِ) فائدة بعدها، وحاشا لله تعالى أن يأتي في كلامه بلفظ لا معنى له. فدل ذلك على أن المراد بالمحصنات في آية القذف الأنفس أو الفروج المحصنات (الزيلعي (3)/ (199)، المتقي (7)/ (146)، مغني المحتاج (4)/ (156)، کشاف القناع (4)/ (262)، القرطبي (4)/ (456)، المحلى (11)/ (269)، (271)، فتح القدير (4)/ (6)). أما اختصاص النساء بالذكر في الآية؛ لأنهم أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكي للنفوس، والعار فيهن أعظم. 

وقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم حد القذف ثمانين جلدة على الحر، وأجمعت الأمة من لدنه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أن مقدار حد القاذف الحر ثمانون جلدة، ولم يعلم في هذا مخالفة من أحد، فكان إجماعاً. 

وغني عن البيان أن هذه العقوبة بجلد القاذف حد شرعه الله تعالى، وبين مقداره، وأمر بألا يتعداه أحد، ومن ثم فلا يجوز الأمر بوقف تنفيذه ولا استبدال غيره به، ولا تخفيضه، كما لا يجوز لغير المقذوف العفو عنه. 

ويعاقب القاذف أيضا بعقوبة تبعية تترتب على تنفيذ الحد عليه، وذلك برد شهادته إذا حد. ولم يتب باتفاق الفقهاء. أما بعد جلده وبعد توبته فقد اختلف الفقهاء في قبول شهادته، فذهب عمر بن الخطاب وأبو الدرداء وابن عباس إلى أن شهادته تقبل في هذه الحالة ولا ترد. 

وبهذا قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، والشعبي، والزهري، وعبد الله بن عقبة، وجعفر بن أبي ثابت، وأبو الزناد، ومالك، والشافعي، وابن المنذر، وغيرهم. وبه قال أيضا الحنابلة والظاهرية والشيعة الجعفرية، مجمعين على أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا) راجع إلى الجمل الثلاث في الآية السابقة عليها وهي: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)) لأنها في حكم الجملة الواحدة لتعاطفها على بعضها بالواو، ثم تكون العقوبة عامة في الشهادة، أي: فلو تاب المحدود في القذف قبلت شهادته. 

وترى اللجنة الأخذ بهذا الرأي لقوة أدلته، خلافاً للإمام أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وزفر، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح، وأحد قولي الشعبي، والنخعي، وابن المسيب، والحسن البصري، ومجاهد، ومسروق، وعكرمة، الذين يرون أن التوبة في الآية عامة في الفسق فقط، ولا أثر لها في قبول الشهادة ولا في مقدار الحد؛ لأن لكل جملة من الجمل المتعاطفة بالواو حكم نفسها في الاستقلال، ولذلك فهم يقولون بعدم قبول شهادة القاذف بعد جلده وتوبته (الجصاص (3)/ (336)، (337)، أحكام القرآن للقرطبي (4570)/ (4574)). تفسير فتح القدير للشوكاني (4)/ (7)، (8)، تفسير النور لابن تيمية (28) و(65)، إعلام الموقعين (1)/ (147) - (152)، المغنی (12)/ (74) - (77)، الأحكام لابن حزم (1)/ (408) - (411)، المحلل (9)/ (231) - (433)). وتوبة القاذف تكون بتكذيبه نفسه، وبهذا قال عمر بن الخطاب، والشعبي، والضحاك، وأهل المدينة، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، وإسحاق، وأبو عبيد، والشافعي، وظاهر کلام أحمد والخرقي والشيعة الجعفرية (المغني (12)/ (77)، المهذب (2)/ (348)، القرطبي (4571)، شرائع الإسلام (2)/ (222)، منتهى الإرادات (4)/ (323))، واحتجوا بها رواه الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) قال: «توبته إكذاب نفسه». وبأن القاذف قد لوث عرض المقذوف، وبالتكذيب يزول ذلك التلويث، فتكون التوبة به. 

ورأت اللجنة الأخذ بهذا الرأي دون الأخذ برأي مالك وابن جرير وأبي الزناد وغيرهم. (القرطبي (4571)، القسطلاني (4)/ (381))، الذين رأوا أنه يكتفى في توبة القاذف بصلاح العمل وحسن الحال، ولم يشترطوا تكذيبه نفسه؛ لقوة وصراحة أدلة القائلين بالرأي الأول التي هي نص في بيان توبة القاذف، ولتحديد التوبة تحديدا يمكن ضبطه، خلاقا لرأي الآخرين. وكيفية التوبة أن يقول: كذبت فيها قلت، ولا أعود لمثله. وبهذا قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية، تمسكا بظاهر نص الحديث الذي رواه الزهري عن سعيد بن المسيب، ولأن الله تعالى يقول: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) . فالقاذف کاذب في حكم الله تعالى، وتوبته تكون بتكذیب نفسه. 

وترى اللجنة حرصاً على توافر العلانية في التوبة، وحتى تكون محققة لأهدافها وإزالة للشين والعار الذي ألحقه القاذف بالمقذوف - أن تكون وسيلتها تكذيب القاذف نفسه علانية بناء على طلب يتقدم به إلى المحكمة التي أصدرت الحكم بجلد القاذف، ويعلن به المقذوف، ويسمع القاضي طلب التوبة، ويثبته في محضر يلحق بالحكم في جلسة علنية. 

مادة (154): 

يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة: 

(أ) من رمى زوجته بالزنا إذا عجز عن إثبات ما رماها به، وامتنع عن ملاعنتها، أو كذب نفسه بعد الملاعنة. 

ويجري اللعان قولاً أو بكتابة الأخرس، ولو كانت الزوجة غير مسلمة أو غير عفيفة. و يترتب على اللعان انقضاء الدعوى. 

(ب) غير الزوجين إذا رمى كل منهما الآخر بالزنى. 

الإيضاح 

لم يسو الشرع الإسلامي بين قذف الزوجات وقذف الأجنبيات؛ إدراكاً منه بأن الزوج لا يقدم على قذف زوجته أو نفي ولدها منه إلا لضرورة تدفعه إلى ذلك دفعا، ولهذا فرق بينهما في الصفة وفي الحكم، فبينما يصف قذف الأجنبيات بأنه حرام وكبيرة، نرى أن قذف الزوجات قد يكون واجباً، كما إذا رأى زوجته تزني في طهر لم يمسسها فيه، فيعتزلها ثم تلد ما يمكن أنه من الزاني، ففي هذه الحالة يجب عليه قذفها ونفي ولدها؛ لأنه لو لم يفعل ذلك لحقه المولود وورثه وورث أقاربه، ونظر إلى بناته وأخواته، وكل ذلك حرام يجب درؤه، ولا يتأتى ذلك إلا بالقذف. 

وقد يكون قذف الزوج لزوجته مباحا، كما إذا رأى زوجته تزني ولم تلد، ما يلزم نفيه، أو استفاض زناها بين الناس، أو أخبره بزناها ثقة، ففي هذه الحالة يغلب على ظنه فجورها، ولا يجب عليه قذفها؛ لأنه يمكنه درء العار بفراقها، وهو أستر من قذفها، ويكون قذف الزوجة حراما إذا أتت بولد مخالف في اللون أو الشبه لوالديه، أو أخبره بزناها من لا يوثق بخبره، أو رأى رجلاً يخرج من عندها دون أن يستفیض زناها مع قرينة تسانده، فقذف الزوج لها في ذلك كله حرام؛ إذ إن لون الولد أو شبهه ليس دليلاً على زنا الزوجة. 

ويترتب على قذف الزوج زوجته، أن يلاعن بينها إذا لم يستطع الزوج أن يأتي بأربعة رجال يشهدون با رمی به زوجته وصيغة اللعان أفصحت عنها الآية الكريمة في قوله تعالى:وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ َشهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 9) وأحكام اللعان مفصلة في كتب الفقه، فإذا امتنع الزوج عن ملاعنة - زوجته وجب إقامة حد القذف عليه، فإن طالب بلعان امرأته أثناء إقامة الحد عليه أجيب طلبه، وسقط عنه ما تبقى من الحد. 

وبهذا الرأي قال الشافعية والمالكية والحنابلة والشيعة ومن وافقهم (المهذب (2)/ (128)، كشاف القناع (3)/ (240)، المختصر النافع (2)/ (212)، الدسوقي (2)/ (466)، الشرح الكبير للدردير (1)/ (466))، واستدلوا بآية القذف: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) [النور، الآية: 4، 5]، فأوجب الله حد القذف على كل قاذف للمحصنة دون تفريق زوجاً كان أو أجنبياً، إلا أن الزوج لما كان قد يبتلى بقذف امرأته دفعاً للعار وتنقية لفراش الزوجية جعل الله اللعان مخلصاً من الحد إذا عجز عن إقامة البينة، فقال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ َشهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 9) [النور: 6- 9]. الآيات. فدلت الآيتان (آية القذف، وآية اللعان) على أن موجب قذف الرجل امرأته الحد، إلا أن يلاعن، واستدلوا كذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية وقذف زوجته بشريك بن سحماء في حضرة الرسول، فقال له: «البينة أو حد في ظهرك». فقال يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول «البينة أو حد في ظهرك». فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت آيات اللعان، وتلاعنا كما جاء بالحديث، فدل ذلك على أن قذف الزوجات موجب للحد إن لم يأت الزوج بالبينة أو يلاعن. 

وقد رأت اللجنة الأخذ بهذا الرأي؛ لقوة حجته، ولأن الزوج إذا قذف زوجته فهو قاذف المحصنة، فيحد إذا امتنع عن اللعان؛ إعمالا لعموم نص آية القذف، ولأن الزوج إذا كذب نفسه بعد الملاعنة، فإن ذلك يكون بمثابة إقرار بعدم صحة ما حلف به، الأمر الذي يعتبر معه قاذا في حق زوجته يتعين معه حده للقذف؛ لأنه قذف محصنة زورا باعترافه بكذب ما رماها به، خلاقا لرأي الحنفية القائلين بأن قذف الزوج لزوجته موجب للملاعنة فقط، فإذا امتنع أحد الزوجين عن اللعان حبس حتى يلاعن، ولا حد عليه، وكيفية اللعان تكون طبقا لما أوردته آيات اللعان في قوله تعالى:وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ َشهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 9) ولا يمنع إجراء اللعان أن تكون الزوجة غير مسلمة أو غير عفيفة. وبهذا قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وربيعة ومالك والشافعي وأحمد في رواية ابن منصور، وهو المذهب، وبه قال الظاهرية، وهو أحد قولي الشيعة. (المهذب (2)/ (134)، المغني (9)/ (50)، المحلى (11)/ (417)، أحكام القرآن لابن العربي (2)/ (91)، المختصر النافع (2)/ (211))، إلا أن المالكية يشترطون في الكافرين أن يترافعا إلينا، راضين بحكمنا. (الدسوقي (2)/ (458)). 

ويرى الزهري والثوري والأوزاعي وحماد والحنفية أنه يشترط الإسلام في الزوجين والنطق والعفة، فلا لعان بين الكافرين، أو الأخرس، أو المحدودين في قذف، أو أحدهما. 

ومنشأ الخلاف اختلاف الفقهاء في اعتبار اللعان يمينا أو شهادة، فمن ذهب إلى أنه يمين بلفظ الشهادة اكتفى في المتلاعنين بأهلية اليمين، فلم يشترط الإسلام والنطق والعفة، ومن ذهب إلى أنه شهادة مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن وبالغضب - اشترط في المتلاعنين أن يكونا من أهل الشهادة واليمين، فاشترط فيها الإسلام والنطق والعفة. 

واللجنة ترى الأخذ برأي القائلين بعدم اشتراط أهلية الشهادة في المتلاعنين، وأنه يمين لا شهادة؛ لقوة أدلتهم، ولأن آية اللعان لم تفرق بين زوج وآخر، ولأن في القول باشتراط أهلية الشهادة في المتلاعنين رضي باختلاط الأنساب، وإدخالاً على الغير من ليس منهم، فإن الكافر إذا تحقق من زنا امرأته لم يكن له نفي ولده باللعان؛ لعدم كونه من أهل الشهادة، وفي ذلك مفسدة لا يقول بها أحد، فوجب القول بعدم اشتراط أهلية الشهادة، ولأن إطلاق اسم الشهادة عليه لا يفيد كونه شهادة؛ لأنه يمكن القول بأن ذلك يفيد أنه لا يكتفى فيه بالظن، بل لا بد من وجود علم كل منهما بالآخر علماً يصح معه أن يشهد. 

وبذلك يترجح رأي القائلين بعدم اشتراط أهلية الشهادة، وبأنه يمين ويكون لعان الأخرس بالكتابة بخطه؛ لأنه يدل على ما يقصده، ولا كذلك الإشارة، وذلك أخذا بمذهب الحنابلة. 

كما أنه غني عن البيان أنه متى تم اللعان على الوجه السابق أمام المحكمة سقط الحد عن القاذف وانتهى الأمر عند هذا الحد من الناحية الجنائية، وتحكم المحكمة بسقوط الدعوى. أما آثار اللعان فإنها بطبيعة الحال تترتب على إجرائه من الناحية الشرعية وفقا لأحكام اللعان الواجب تطبيقها في مسائل الأحوال الشخصية أمام المحكمة المختصة، كما أنه مما تجدر الإشارة إليه أن باقي أحكام اللعان وشروطه يرجع إليها في مواضعها في كتب الفقه الإسلامي؛ إذ لا سبيل إلى تقصيها في هذا المقام، هذا ولم تر اللجنة أن تعرض لتفصيلات اللعان لما رأته من أنها ألصق بقضاء الأحوال الشخصية، لما يترتب عليه من تفريق ونفي نسب وحقوق لكل من الزوجين تختص بها محاكم الأحوال الشخصية، كذلك يعاقب بحد القذف الأجنبيان غير الزوجين إذا تقاذفا - أي: رمى كل منهما الآخر بالزنا - فإن كلا منهما يحد حد القذف السابق بيانه في المادة السابقة إذا كان القذف بصريح الزنا. 

وهذا قول جمهور الفقهاء مستدلين: 

1- بأن كلا من المتقاذفين قد ارتكب في حق غيره ما نهى الله عنه، وقذف غيره صريحاً. 

۲- أن الآية الكريمة في القذف بعمومها لم تفرق في وجوب الحد على القاذف بين ما إذ قيلت عبارة القذف ابتداء أو رداً على قذف مسبق له أوجب الله فيها الحد على كل قاذف. 

٣- أنه لا يمكن القول بالتقاص بينها؛ لأن شرط التقاص اتحاد الجنس والصفة وهو متعذر هنا؛ لاختلاف تأثير الحدين باختلاف القاذف والمقذوف في القوة والضعف والخلقة غالبا. (البدائع (7)/ (243)، الزرقاني (8)/ (90)، نهاية المحتاج (7)/ (140) - (141)، المحلى (11)/ (291)، مغني المحتاج (4)/ (157)). وهذا ما رأت اللجنة أن تأخذ به خلافاً لرأي الشيعة الذين يرون أن في القاذف تعزيراً، ولا حد فيه (شرائع الإسلام (2)/ (251))؛ لقوة أدلة الجمهور وعدم وجود حجة تناهضها عند الشيعة. 

مادة (155): 

لا يتداخل حد القذف فيما سواه من الحدود. 

وإذا تعددت جرائم القذف قبل تمام تنفيذ الحد في أي منها، فلا ينفذ على القاذف إلا 

حد واحد. 

ولا تسقط عقوبة الحد قضاء بها بمضي أية مدة. 

الإيضاح 

لا خلاف بين جمهور الفقهاء في أن حد القذف لا يتداخل فيها سواه من الحدود، إنما الخلاف بينهم في تعدد الحد بتكرر القذف. وقد فرقوا بين تكرار القذف قبل إقامة الحد أو بعده . 

فبالنسبة لتكرار القذف قبل إقامة الحد، فقد ذهب الحنفية والمالكية وابن حزم الظاهري والثوري والشعبي والنخعي والزهري وقتادة وطاوس إلى عدم تكرار الحد بتكرر القذف في هذه الحالة، وإنها يكتفى في ذلك بحد واحد دون تفريق بين كون المقذوف جماعة أو واحدا قذفهم بكلمة أو بكلمات، قذفاً واحداً أو متعدداً (فتح القدير (4)/ (208)، والزرقاني (8)/ (88)، والمحلى (11)/ (134))، ذلك لأن المقصود من الحدود هو الانزجار من ارتكاب أسبابها مستقبلا، واحتمال حصول انزجار القاذف بالحد الواحد المقام عليه بعد القذف المتكرر - قائم، فتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني، والحدود تدرأ بالشبهات إجماعاً. 

كما أن تكرر الحد بتكرر القذف يتنافى مع القول بأنه إذا قذف واحدا ثم عاد فقذفه 

مراراً بنفس الزنا، فإنه لا يحد مرتين (فتح القدير (4)/ (209)). 

وقد رأت اللجنة الأخذ بهذا الرأي؛ لأن ظاهر الكتاب والسنة تشهد للقائلين به، ولتحقيق شرعية المقصود من إقامة الحدود بما لا يدع مجالا للقول بغير ذلك، خلافا لما ذهب إليه الشافعية والحنابلة والظاهرية عدا ابن حزم. (المحلى (33) أو (143)). 

ولما كانت إقامة الحدود فريضة، والفريضة لا يجوز تأخيرها بغير عذر؛ لأن في تأخيرها اعتداء عليها، وهو منهي عنه شرعاً قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}، فإذا كان الزمان معتدلاً والقاذف ليس به ما يدعو إلى تأخير الحد عنه - أقيم عليه الحد فور ثبوته بالقضاء النهائي، ويوقف تنفيذ الحد إذا خشي على القاذف - أثناء إقامته - الهلاك، ويجب إتمامه عند استطاعة تحمله، أما إذا كان الحر شديداً، أو كان البرد شديداً، أو كان القاذف مريضا يرجى برؤه، أو كان مقطوعا، أو أقيم عليه حد آخر، أو كانت المرأة القاذفة حاملاً أو نفساء - فإن القاذف في كل هذه الأحوال يترك ولا يقام عليه الحد، حتى يعتدل الزمان ويبرأ المريض المقطوع، أو يسكن ألم الحد السابق، أو تبرأ المرأة من نفاسها، أو تضع حملها، فقد روي عن علي كرم الله وجهه قال: «إن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها، فأتيتها فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت أن أجلدها فأقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:  «أحسنت، اتركها حتى تماثل» (نیل الأوطار (7)/ (117)). 

ومن ذلك يعلم أنه إنها أخر على كرم الله وجهه إقامة الحد على الجارية؛ لعذر طارئ وهو النفاس؛ حتى لا يكون جلدها حال نفاسها مفضياً لهلاكها، وأنه بزوال العذر يقام الحد. 

وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وبعض فقهاء الحنابلة منهم الخرقي (فتح القدير (4)/ (127)، والتاج والإكليل (6)/ (296)، المهذب (2)/ (288))، واختارت اللجنة الأخذ بهذا الرأي؛ لسلامة حجته، ولأن في تأخير إقامة الحد على المريض الذي يرجى برؤه إلى أن يبرأ أو يصح من - مرضه إقامة الحد على الكال من غير إتلاف، فكان أولى. 

وخالف في ذلك الظاهرية وبعض الفقهاء الحنابلة، وهو قول إسحاق وأبي ثور، فرأوا عدم جواز تأخير الحد على القاذف المريض في هذه الحالة إلى أن يبرأ، وأوجبوا إقامة الحد عليه فوراً، محتجين بأن عمر رضي الله عنه أقام الحد على قدامة بن مظعون وكان مريضاً ولم يؤخره وانتشر ذلك في الصحابة، ولم ينكروه فكان إجماعاً، ولأن الحد واجب فلا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة (المحلى (11)/ (176)، المغني (10)/ (130)، (131)). وأجيب على هذا بأن عمر رضي الله عنه يحتمل أنه لم يؤخر الحد على قدامة؛ لأن مرضه كان خفيفاً لا يمنع إقامة الحد عليه على الكال، ولهذا لم ينقل عنه أنه خفف عنه في السوط، وإنما اختار له سوطا كالذي يضرب به الصحيح، ثم إن فعل النبي مقدم على فعل عمر، ومن ثم رجحت كفة الرأي الأول الذي أخذت به اللجنة. وكذلك الحكم في تأخير الحد للحر والبرد المفرطين. (فتح القدير (4)/ (128)، المغني (8)/ (171)- (173)) هذا إذا كان المريض يرجى برؤه وشفاؤه، أما إذا كان القاذف مريضاً بمرض لا يرجى شفاؤه کالأمراض المستعصية، أو كان ضعيف الخلقة - أقيم الحد عليه بسوط يؤمن معه التلف، أو بقضيب صغير، أو شمراخ النخل، ولا يؤخر إقامته عليه، فإن خيف عليه من ذلك، أقيم الحد عليه بعثكول فيه ثمانون شمراخاً يضرب ضربة واحدة، ولا بد أن يكون مبسوطاً، وأن يصل كل شمراخ فيه إلى جسد المحدود، وبهذا قال الشافعي والحنفية، وأنكر مالك هذا، وقال: إن الله تعالى يقول: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ - أي: في حد الزنا - وهذه جلدة واحدة . - وأجيب عليه بأن أبا أمامة بن سبیل بن حنيف روی عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : «أن رجلا اشتكى حتى ضنى، فدخلت عليه امرأة فهشت له فوقع بها، فسأل الصحابة له النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه ضربة واحدة» . رواه داود والنسائي .

 

والحكمة في ضربه بالعثكول أو العثكال (وهو عنقود النخل) أنه لا يمكن ضربه بالسوط؛ لأنه يتلف به ولا يمكن ترکه؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل حد الله، وذلك لأن المريض الذي لا يرجى برؤه لا يخلو حاله من حيث إقامة الحد عليه من أمور ثلاثة: 

الأول: أن يقام الحد عليه کاملا مثل الصحيح. وهذا مفضي إلى هلاکه وإتلافه، وهو 

منهي عنه؛ لأنه قتل بها لا يوجب القتل. 

الثاني: ألا يقام عليه الحد أصلا. وفي هذا تعطيل الحد من حدود الله تعالى. 

الثالث: أن يقام عليه الحد بعثكول النخل. وهو كما سبق بيانه متعين لتعزير الأولين، 

وهو أولى من ترکه مطلقا أو إتلافه بالقتل. 

يقول الشافعي رحمه الله تعالى: «ولأنه إذا كانت الصلاة تختلف باختلاف حاله فالحد بذلك أولى» (شرائع الإسلام (2)/ (246)، نيل الأوطار (7)/ (110)، المهذب (2)/ (288)، الشرح الكبير (10)/ (132)، ابن عابدين (3)/ (153)، المغني لابن قدامة (8)/ (173)). 

وقد رأت اللجنة أن تأخذ بهذا الرأي (رأي الجمهور)؛ لقوة حجتهم دون رأي المالكية. 

وغني عن البيان أن ادعاء قيام عذر لدى المحكوم عليه تفصل فيه المحكمة التي أصدرت الحكم بعد طرحه عليها؛ لأنها أقدر على تفهمه ومدى صلاحيته للقبول، وهي التي استوعبت جنایته وألمت بها، فإذا استبان لها صدق عذره قبلته وأخرت الحد عليه إلى الوقت الذي تراه ملائماً لزوال العذر، وإلا رفضته وأمرت بالتنفيذ. 

ولا يمنع من إقامة الحد على القاذف بعد الحكم به مضي أية مدة كانت، فإن عقوبة هذا الحد لا تسقط بتقادم الزمان؛ أخذا بمذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وزفر من الحنفية (التاج والإكليل (6)/ (197)، (198)، المهذب (2)/ (355)، المغني (۱۰)/ (۱۸۷)، البدائع (۷)/ (46))، وذلك لأن تأخير إقامة الحد على الجاني إنما هو لعذر هربه مثلاً، وقد زال العذر فيقام عليه الحد. وهؤلاء الأئمة يعتبرون الشهادة على القذف قائمة ما لم يطرأ عليها ما ينقضها من الرجوع، فلا يؤثر التقادم في تنفيذ الحد، كما أن موت الشهود أو غيبتهم بعد سماع شهادتهم لا يمنع جواز الحكم بها. 

ورأت اللجنة أن تأخذ بهذا الرأي؛ صيانة الحدود الله وحق المقذوف، وتطهيراً للمجتمع من الفساد، خلافاً لجمهور الحنفية الذين يرون سقوط الحد بالتقادم؛ لسقوط الشهادة عندهم بالتقادم، ولما يرونه من وجوب قيامها حتى يستوفي الحد. وبالتقادم لم تبق الشهادة قائمة فلا يقام الحد لعدم صحة القضاء الذي هو الاستيفاء، وهو من تتمة القضاء. 

وحجة جمهور الفقهاء - وهو ما أخذت اللجنة برأيهم - أقوى، ودليلهم أبين. 

مادة (156): إذا لم يتوافر أي من الشروط المنصوص عليها في المادتين (147) و (150) أو زال إحصان المقذوف - یعزر الجاني بجلده من عشر جلدات إلى خمسين جلدة. 

الإيضاح 

قدمنا أن الفقهاء متفقون على أن الرمي بالزنا قذف موجب للحد على القاذف. 

أما إذا كان الرمي بغير ذلك، مثل: الرمي بنفي النسب، فهذا وإن اعتبره غير الظاهرية من الفقهاء قذفا موجبا للحد، فقد خالف فيه الظاهرية (المحلى (11)/ (266))، ولذلك لم يوجبوا الحد على القذف به؛ لأنهم لم يعتبروه قذفاً موجباً للحد. 

وقد يكون الرمي بغير ذلك من كل ما فيه إيذاء وإيلام للمقذوف، وهو لم يعد سباً أو شتماً. 

والسب إما أن يرمى فيه المجني عليه بما هو معصية كالكفر أو القتل أو السرقة أو الزندقة أو شرب الخمر أو أكل الربا أو خيانة الأمانة أو ما شابه ذلك من سائر المعاصي، أو ما يرمي فيه المجني عليه بغيرها مما هو معصية، سواء أكان الجاني صادقاً فيما رماه به، كأن ينادي من به سواد أو صمم أو عته أو عرج بقوله: يا أسود، يا أصم، يا أعرج، يا معتوه. أو يقول للأعمى: يا أعمى. 

أو غير صادق كان يقول لعاقل: يا مجنون. أو يقول لصحيح: یا أشل. أو يقول الإنسان: یا کلب یا حمار... إلى غير ذلك من الأوصاف التي يكذبه الواقع فيها. فإن الرمي بهذه الأوصاف في هذه الأحوال لا يعتبر قذفاً موجباً للحد، وإنما هو سب أو شتم يتناوله الكتاب الثالث من هذا المشروع وهو الخاص بالجرائم التعزيرية. 

أما إذا كان الرمي بالزنا، ولكن لم يتوافر شرط من الشروط المنصوص عليها في المادة (147) التي أوضحت شروط المقذوف، وهي البلوغ والعقل، وأن يكون معينا محصنا عفيفا، أو لم تتوافر أركان الإثبات بإحدى الوسيلتين المنصوص عليها في المادة (150) وهما الإقرار والبينة الشرعية بأركان كل منها وشرائطه المفصلة في تلك المادة، أو زال إحصان المقذوف بعد ثبوته وقبل إتمام تنفيذ الحد – ففي هذه الأحوال يعزر القاذف بجلده من عشر جلدات إلى خمسين جلدة بحيث لا تصل إلى عقوبة الحد التي شرعها الله وهي ثمانون جلدة، طالما لم يثبت القذف بالزنا الموجب له، فالقاذف وإن أفلت من عقوبة الحد المقدر، فإنه يجب ألا يفلت من عقوبة التعزير تطهيراً للمجتمع من الفساد. 

ومنعاً للتضارب في الأحكام، وتحديداً المقدار العقوبة في هذا المقام، وحتى تكون الأحكام أشد زجراً وأكثر انضباطاً، رأت اللجنة أن تكون العقوبة التعزيرية بالجلد لما فيه من الردع الكافي، خاصة في هذا الزمان الذي لم يعد الحبس أو السجن فيه محققا لكل أهدافه في درء تلك المفاسد، وحددت مجال تقدير العقوبة ما بين عشر جلدات إلى خمسين جلدة، ويترك للقاضي حرية إنزال ما يراه مناسباً لحالة الجاني ومكانته وجريمته وندرة وقوعها في المجتمع وآثارها فيه، وما يكون رادعاً له ولأمثاله عن ارتكاب هذه الجناية في حدود المقادير المحددة في هذه المادة، وفرق بين التعزيرات و الحدود، فالحدود عقوبة مقدرة ومرتكبو أسبابها أمام الشرع سواء تنزل بهم عقوبة واحدة إذا ما اتحد حدهم، لا فرق بين شريف ووضيع، ولا بين أمير ومأمور، فالكل أمام الحد سواء. 

أما التعزير فعقوبته متفاوتة يراعى فيها حجم الجريمة وأثرها، فمن يسرق نصاباً من 

غير حرز، تكون عقوبته أشد ممن يسرق دون النصاب، ويشدد على معتاد الجريمة بخلاف من يرتكبها لأول مرة، ولا يغفل في التعزير حال المجني عليه ومكانته الأدبية والاجتماعية . 

كما أن الحدود لا تجوز فيها الشفاعة بخلاف التعزيرات، فتقبل فيها الشفاعة، ويجوز 

لولي الأمر العفو عن الجاني فيها إذا لم يتعلق بحق الآدمي. 

كما أن ما يحدث من التلف للمحدود في الحد لا ضان فيه عند الفقهاء، أما ما يحدث 

من التلف في التعزير ففيه ضمان عند الشافعية (الأحكام السلطانية (238)). 

والحد لا يتجزأ بحال من الأحوال، والتعزير تتجزأ فيه العقوبة إذا كانت معهودة في 

نوع من الذنوب كالتعزير بالحبس والضرب معا، فيجوز الاقتصار على أحدهما. 

والحدود يحتاط في إثباتها وتدرأ بالشبهات بخلاف التعزيرات. وترك تحديد العقوبة التعزيرية نوعاً وكا للقاضي؛ ليختار ولاة الأمور من العقوبات ما يناسب مع كل عصر وبيئة؛ تحقيقاً لمصالح الناس المتغيرة المتبدلة التي تتغير وتتبدل بتغير الأشخاص والأزمان والمجتمعات وحتى يبقى التشريع الإسلامي على الدوام متجدداً 

حافظاً لكل مقومات البقاء والتفوق والصلاحية. 

وأسباب التعزير مبسوطة في كتب الفقه كافة في إطناب وتفصيل. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 281

الشَّكْوَى بِغَيْرِ حَقٍّ :

ذَكَرَ صَاحِبُ (تَبْصِرَةُ الْحُكَّامِ) أَنَّ مَنْ قَامَ بِشَكْوَى بِغَيْرِ حَقٍّ يُؤَدَّبُ. وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: إِنَّهُ  إِذَا ظَهَرَ كَذِبُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ بِمَا يُؤْذِي بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِكَذِبِهِ وَإِيذَائِهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 305

حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :

مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ