1- لما كانت واقعة الدعوى حسبما هي مستخلصة من سائر الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بجلسات المحاكمة يتحصل فى أن المتهم قد سب المجني عليها سباً علنياً أمام المارة فى المحل الذي يستأجره منها بألفاظ تحمل معاني الإهانة والسخرية " ........ " وتخدش شرفها واعتبارها ، وقد استقام الدليل على صحة الواقعة وإسنادها للمتهم لدى هذه المحكمة من أقوال المجني عليها والتي لا تخرج فى مضمونها عما استخلصته المحكمة فى بيانها لواقعة الدعوى على النحو المار ذكره ، ومن شهادة شاهد الإثبات .... فى المحضر الإداري رقم .... لسنة .... إداري .... المرفق صورته الرسمية والذي قرر أنه شاهد وسمع المتهم وهو يسب المجني عليها بالألفاظ المار ذكرها بواقعة الدعوى . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل أو قرينة ترتاح إليها ، وأن القانون لم يجعل لإثبات جريمة السب طريقاً خاصاً ، وكان الثابت من المحضر الإداري السالف الإشارة إليه سواء من أقول المجني عليها أو شاهد الإثبات أن المتهم قد سبها علانية فى المحل الذي يستأجره منها بألفاظ تخدش شرفها وتمس اعتبارها ، ومن ثم فقد توافرت فى الأوراق أركان الجريمة المسندة إليه ، ولا يؤثر فى ذلك أو يقدح فيه ما ذهب إليه المتهم فى دفاعه من تلفيق الاتهام وكيديته ، ووجود خلافات سابقة دلل عليها بمستندات ، ذلك لأن المحكمة وقد اطمأنت إلى أقوال المجني عليها وشاهد الإثبات ، فإنها لا تأخذ بدفاع المتهم فى هذا الشأن الذي لم يكن القصد منه سوى التشكيك فى أدلة الثبوت التي استقرت فى يقين هذه المحكمة ، ومن ثم تنتهي المحكمة وقد استقر فى يقينها ارتكاب المتهم للجرم المسند إليه معاقبته بالعقوبة المبينة بالمنطوق وعملاً بالمادة 306 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة المتهم بجريمة السب سالفة الذكر ، فإن مؤدى ذلك توافر أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية ، ومن ثم فإن المحكمة تقضي بإلزام المتهم بأن يؤدي للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه تعويضاً نهائياً والمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة . وكان الثابت من المحضر الإداري السالف الإشارة إليه سواء من أقول المجني عليها أو شاهد الإثبات أن المتهم قد سبها علانية فى المحل الذي يستأجره منها بألفاظ تخدش شرفها وتمس اعتبارها ، ومن ثم فقد توافرت فى الأوراق أركان الجريمة المسندة إليه ، ولا يؤثر فى ذلك أو يقدح فيه ما ذهب إليه المتهم فى دفاعه من تلفيق الاتهام وكيديته ، ووجود خلافات سابقة دلل عليها بمستندات ، ذلك لأن المحكمة وقد اطمأنت إلى أقوال المجني عليها وشاهد الإثبات ، فإنها لا تأخذ بدفاع المتهم فى هذا الشأن الذي لم يكن القصد منه سوى التشكيك فى أدلة الثبوت التي استقرت فى يقين هذه المحكمة ، ومن ثم تنتهي المحكمة وقد استقر فى يقينها ارتكاب المتهم للجرم المسند إليه معاقبته بالعقوبة المبينة بالمنطوق وعملاً بالمادة 306 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة المتهم بجريمة السب سالفة الذكر ، فإن مؤدى ذلك توافر أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية ، ومن ثم فإن المحكمة تقضي بإلزام المتهم بأن يؤدي للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه تعويضاً نهائياً والمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة .
(الطعن رقم 24055 لسنة 67 جلسة 2006/12/07 س 57 ص 947 ق 110)
2- لما كان يبين من مدونات الحكم الابتدائى المأخوذ بأسبابه أن الطاعن أعلن المدعى بالحق المدنى بصحيفة جنحة مباشرة وقد أضاف إلى اسمه عبارة – الشهير .......– . لما كان ذلك ، وكانت المادة 306 من قانون العقوبات التى دين الطاعن بمقتضاها قد نصت على أن " كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأى وجه من الوجوه خدشاً للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه فى الأحوال المبينة بالمادة 171 بالحبس مدة لا تتجاوز سنه وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين " والمراد بالسب فى أصل اللغة الشتم سواء بإطلاق اللفظ الصريح الدال عليه أو باستعمال المعاريض التى تومئ إليه ، وهو المعنى الملحوظ فى اصطلاح القانون الذى اعتبر السب كل إلصاق لعيب أو تعبير يحط من قدر الشخص عند نفسه أو يخدش سمعته لدى غيره . وإذ كان من المقرر أن المرجع فى تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضى فى تحصيله لفهم الواقع فى الدعوى ، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ فى التطبيق القانونى على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم أو بمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها ، إذ أن تحرى مطابقة الألفاظ للمعنى الذى استخلصه الحكم وتسميتها باسمها المعين فى القانون سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غير ذلك هو من التكييف القانونى الذى يخضع لرقابة محكمة النقض كما أنها هى الجهة التى تهيمن على الاستخلاص المنطقى الذى يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة . ولما كان يبين أن لفظ – الشهير .......– الذى وجهه الطاعن بصحيفة الجنحة المباشرة التى أعلنها إلى المطعون ضده لا يعد سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة ، يدل على ذلك معنى اللفظ ومنحاه والمساق الطبيعى الذى ورد فيه ، ومن ثم فإن الحكم إذ اعتبر ما أورده الطاعن بصحيفة دعواه سباً يكون قد مسخ دلالة اللفظ كما أورده فضلاً عن خطئه فى التكييف القانونى . ومن ثم فإن ما وقع منه لاجريمة فيه ولا عقاب عليه ، مما يتعين معه نقض الحكم وبراءته مما نسب إليه ورفض الدعوى المدنية المرفوعة عليه وإلزام رافعها بمصاريفها .
(الطعن رقم 14270 لسنة 66 جلسة 2005/10/20 س 56 ص 511 ق 77)
3- لما كانت جريمة السب العلني المنصوص عليها فى المادة 306 من قانون العقوبات التي رفعت بها الدعوى الجنائية على الطاعن وجرت المحاكمة على أساسها تختلف فى أركانها وعناصرها عن جريمة التعدي على الأديان التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 160, 161 من ذات القانون, وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى الطاعن مما تملك المحكمة إجراءه بغير تعديل فى التهمة بل يجاوزه إلى إسناد واقعة جديدة إلى الطاعن وإلى تعديل فى التهمة نفسها لا تملكه المحكمة إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى وبشرط تنبيه المتهم ومنحه أجلا لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية أما وهي لم تفعل فإن حكمها المطعون فيه يكون قد بنى على إجراء باطل أخل بحق الطاعن فى الدفاع بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة.
(الطعن رقم 5986 لسنة 65 جلسة 2001/04/23 س 52 ع 1 ص 445 ق 75)
4- لما كانت المادة 306 من قانون العقوبات تعاقب على كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشا للشرف والاعتبار ويسند العقاب إذا ارتكبت الجريمة بطريق النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات، وكان وصف من يعمل بالقضاء بعدم النزاهة ومؤاكله الخصوم مما ينطوي على خدش لشرف واعتبار المعنى بالعبارات حتى ولو وقعت الجريمة بعد مفارقته وظيفة القاضي.
(الطعن رقم 12952 لسنة 60 جلسة 2000/02/22 س 51 ص 222 ق 41)
5- إذا كان الحكم قد إقتصر فى التحدث عن ركن العلانية بقوله " إن المتهمة وجهت إليه ( المدعى بالحقوق المدنية ) الألفاظ سابقة الذكر علنا من الشباك . . . " فإن هذا الذى قاله الحكم لا يبين منه تحديد لموقع النافذة التى كانت تطل منها المتهمة ، و لا كيف تحقق بوقوعه على هذه الصورة ركن العلانية الذى تتطلبه المادة 306 من قانون العقوبات ، و من ثم يكون الحكم قاصراً قصورا يعيبه و يوجب نقضه .
(الطعن رقم 1079 لسنة 24 جلسة 1954/11/01 س 6 ع 1 ص 158 ق 53)
6- إنه يبين من مطالعة المادة 306 من قانون العقوبات التى تعاقب على السب بإعتباره جنحة ، و المادة 394 التى تعاقب على السب بإعتباره مخالفة ، أن السب ، جنحة كان أو مخالفة ، يكفى فى العقاب عليه أن يكون متضمناً بأى وجه من الوجوه خدشاً للشرف أو الإعتبار . و هو يكون جنحة إذا وقع بوجه من وجوه العلانية الواردة فى المادة 171 ع . فضابط التمييز فى القانون الجنائي بين الجنحة و المخالفة هو العلانية فقط .
(الطعن رقم 529 لسنة 13 جلسة 1943/02/15 س 6 ع 6 ص 160 ق 108)
7- المراد بالسب فى أصل اللغة الشتم سواء باطلاق اللفظ الصريح الدال عليه أو باستعمال المعاريض التي تؤمئ إليه، وهو المعنى الملحوظ فى اصطلاح القانون الذي اعتبر السب كل إلصاق لعيب أو تعيير يحط من قدر الشخص عند نفسه أو يخدش سمعته لدى غيره.
(الطعن رقم 42 لسنة 45 جلسة 1975/02/17 س 26 ص 175 ق 39)
8- المرجع فى تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي فى تحصيله لفهم الواقع فى الدعوى، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ فى التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم أو يمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها، إذ أن تحري مطابقة الألفاظ للمعنى الذي استخلصه الحكم وتسميتها باسمها المعين فى القانون، سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غير ذلك، هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض وإنها هي الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة.
(الطعن رقم 42 لسنة 45 جلسة 1975/02/17 س 26 ص 175 ق 39)
9- لما كانت المادة 215 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن " تحكم المحكمة الجزئية فى كل فعل يعد بمقتضى القانون مخالفة أو جنحة عدا الجنح التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طريق النشر على غير الأفراد " وكانت المادة 216 من القانون ذاته تنص على أن " تحكم محكمة الجنايات فى كل فعل بعد بمقتضى القانون جناية وفى الجنح المضرة بأفراد الناس " لما كان ذلك، وكان البين من أوراق الطعن أن المدعى بالحقوق المدنية أقام دعوى الجنحة المباشرة ضد المتهم - الطاعن _ أمام محكمة جنايات الإسكندرية متهما إياه بالقذف فى حقه بطريق النشر، وإثناء نظر الدعوى أقام المدعى بالحقوق المدنية جنحة مباشرة أخرى أمام ذات المحكمة متهما الطاعن السب والقذف فى حقه أثناء عرضه لدفاعه فى الدعوى الأصليه . لما كان ذلك وكانت الوقائع التى نسب المدعى بالحق المدنى إلى المتهم إرتكابها بجلسة المحاكمة من سب وقذف لم تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر فإنه لا إختصاص لمحكمة الجنايات بالفصل فيها وإذ كان الحكم من طريق النشر فإنه لا إختصاص لمحكمة الجنايات بالفصل فيها . وإذ كان الحكم المطعون فيه إلتزم هذا النظر وقضى بعدم إختصاص محكمة الجنايات بنظر دعوى الجنحة المباشرة - التى أقيمت أثناء نظر الدعوى الأصلية - وبإحالتها إلى محكمة الجنح المختصة يكون قد أصاب صحيح القانون ولما كان هذا القضاء غير منه الخصومة فى موضوع الدعوى الثانية ولا ينبنى عليه منع السير فيها فإن الطعن فيه بطريق النقض يكون غير جائز ، ولا يغير من هذا النظر ما ذهب إليه الطاعن من قيام الارتباط بين الواقعتين ذلك أنه بفرض قيام الارتباط فإن ذلك لا يسلبه حقه فى إبداء دفاعة عند نظر الدعوى أمام محكمة الجنح فى شان الارتباط الذى يدعيه وبين الجنحة الأخرى - التى تختص محكمة الجنايات بنظرها - والتى سبقت محاكمته وإدانته من أجلها أمام محكمة الجنايات إذا تبين لمحكمة الجنح من التحقيق الذى تجريه أن الجنح مرتبطة بالفعل المكون لتلك الجنحة - التى اختصت بها محكمة الجنيات - إرتباطا لا يقبل التجزئه فإنها لا توقع عليه عقوبة أخرى مستقلة لعدم جواز معاقبة المتهم عن ذات الفعل مرتين لما كان ما تقدم فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن.
(الطعن رقم 14415 لسنة 60 جلسة 1992/02/20 س 43 ع 1 ص 259 ق 31)
10- العلانية فى جريمة السب لا تتحقق إلا بتوافر عنصرين أولهما توزيع الكتابة المتضمنة عبارات السب على عدد من الناس بغير تمييز، وثانيهما انتواء الجاني إذاعة ما هو مكتوب .
(الطعن رقم 10068 لسنة 59 جلسة 1992/06/04 س 43 ع 1 ص 591 ق 87)
11- يجب لسلامة الحكم بالإدانة فى جريمة السب العلنى أن يبين عنصر العلانية وطريقة توافرها فى واقعة الدعوى حتى يتسنى لمحكمة النقض القيام بوظيفتها فى مراقبة القانون على الوجه الصحيح .
(الطعن رقم 10068 لسنة 59 جلسة 1992/06/04 س 43 ع 1 ص 591 ق 87)
12- لما كان ما حصله الحكم فى صدد بيانه واقعة الدعوى وفحوى الشكوى المقدمة من الطاعن لا يتوافر فيه عنصر العلانية ذلك بأنه لا يكفى لتوافر العلانية ان تكون عبارات السب قد تضمنتها شكوى تداولها أيدى موظفين بحكم عملهم، بل يجب أن يكون الجاني قد قصد إلى إذاعة ما أسنده إلى المجنى عليه، وكان الحكم قد أغفل بيان ما إذا كانت الشكوى قد تداولها أيدى عدد من الناس بلا تمييز فضلاً عن بيان مقصد الطاعن من فعله، فان الحكم يكون مشوبا بالقصور بما يوجب نقضه والإعادة .
(الطعن رقم 10068 لسنة 59 جلسة 1992/06/04 س 43 ع 1 ص 591 ق 87)
13- لما كانت العبارات التى تضمنتها صحيفة الادعاء المباشر التى صاغها الطاعنان الثانى والثالث بمجردها سبا ولا يساغ القول بانها بذاتها تعد من الوقائع التى ينقلها الدفاع عن موكلته الطاعنة الاولى وعلى مسئوليتها . لما كان ذلك ، وكان الزام الطاعنة الاولى بالتعويض المدنى قائم فقط على افتراض خاطئ من الحكم المطعون فيه بانها مسئولة عن عبارات السب التى اقترفها الطاعنان الثانى والثالث والتى لاتسأل هى عنها - على فرض حصوله فانه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لها وتأييد الحكم الصادر من محكمة اول درجة برفض الدعوى المدنية قبلها
(الطعن رقم 15474 لسنة 60 جلسة 1997/11/11 س 48 ع 1 ص 1225 ق 186)
14- إذا كان الجاني قد احتاط ولم يذكر اسم المجنى عليه صراحة فى العبارات المنشورة ، فإن لمحكمة الموضوع أن تتعرف على شخص من وجهت إليه من واقع العبارات ذاتها وظروف الواقعة والملابسات التى اكتنفتها . ولما كانت مدونات الحكم المطعون فيه تفيد أن المحكمة قد استخلصت أن المدعى بالحقوق المدنية هو المقصود بعبارات القذف والسب ، وكانت العبارات التى أوردها الحكم تسوغ النتيجة التى رتبها الحكم عليها فإن مايثيره الطاعن فى هذا الشأن لايعدو أن يكون جدلاً فى تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب .
(الطعن رقم 8334 لسنة 61 جلسة 1998/02/22 س 49 ص 286 ق 45)
15- إشتراط تقديم الشكوى من المجنى عليه أو من وكيله الخاص فى الفترة المحددة بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية عن الجرائم المبينة بها و من بينها جريمة السب هو فى حقيقته قيد وارد عن حرية النيابة العامة فى إستعمال الدعوى الجنائية و لا يمس حق المدعى بالحقوق المدنية فى أن يحرك الدعوى أمام محكمة الموضوع مباشرة خلال الثلاثة أشهر التالية ليوم علمه بالجريمة و مرتكبيها و كان البين من مدونات الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه و المكمل بالحكم المطعون فيه أن الواقعة حدثت يوم 1983/7/25 و أن المدعى بالحقوق المدنية تقدم بشكواه ضد الطاعن إلى قسم الشرطة و تحرر عن ذلك المحضر رقم ................ إدارى مصر القديمة لسنة 1983 و ذلك قبل إيداع صحيفة الدعوى المباشرة قلم الكتاب فى 1983/9/14 فإن منعى الطاعن يكون غير سديد .
(الطعن رقم 5322 لسنة 57 جلسة 1988/10/25 س 39 ع 1 ص 944 ق 142)
16- الأمر الصادر من النيابة العامة بالحفظ هو إجراء إداري صدر عنها بوصفها السلطة الإدارية التي تهيمن على جمع الاستدلالات عملاً بالمادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية وما بعدها وهو على هذه الصورة لا يقيدها ويجوز العدول عنه فى أي وقت بالنظر إلى طبيعته الإدارية البحتة. ولا يقبل تظلماً أو استئنافا من جانب المجني عليه والمدعي بالحق المدني وكل ما لهما هو الالتجاء إلى طريق الادعاء المباشر فى مواد الجنح والمخالفات دون غيرها - إذا توافرت له شروطه وفرق بين هذا الأمر الإداري وبين الأمر القضائي بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة بوصفها إحدى سلطات التحقيق بعد أن تجري تحقيق الواقعة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي بناء على انتداب منها على ما تقضي به المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية فهو وحده الذي يمنع من رفع الدعوى ولهذا أجيز للمدعي بالحق المدني الطعن فيه أمام غرفة المشورة .
(الطعن رقم 5194 لسنة 56 جلسة 1987/11/19 س 38 ع 2 ص 1008 ق 183)
17- يجب لسلامة الحكم بالادانة فى جريمة السب العلنى أن يبين العلانية وطريقة توافرها فى واقعة الدعوى حتى يتسنى لمحكمة النقض القيام بوظيفتها فى صدد مراقبة تطبيق القانون على الوجه الصحيح .لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن عن هذه الجريمة دون أن يتحدث عن توافر ركن العلانية وكيفية توافره فى حقه من حيث طبيعة المكان الذى حدث فيه السب ( المنزل الذى تقطن به المدعية بالحق المدنى) وما إذا كان قد حصل الجهر به بين سكان ذلك المنزل وما إذا كانوا من الكثرة بحيث تجعل مكان الحادث محلاً عاماً فإنه يكون قاصر البيان عن توافر أركان الجريمة التى دان الطاعن الأول بها مما يوجب نقضه.
(الطعن رقم 20867 لسنة 59 جلسة 1994/01/27 س 45 ص 164 ق 25)
18- يشترط لتوافر جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء وقوع فعل مادي يخدش فى المرء حياء العين أو الأذن. أما مجرد الأقوال مهما بلغت من درجة البذاءة والفحش فلا تعتبر إلا سباً. وإذن فإذا كان الحكم قد اعتبر أن ما وقع من الطاعن من قوله بصوت مسموع لسيدتين يتعقبهما "تعرفوا إنكم ظراف تحبوا نروح أي سينما"جريمة فعل فاضح مخل بالحياء فإنه يكون قد أخطأ والوصف القانوني الصحيح لهذه الواقعة أنها سب منطبق على المادتين 306 و171من قانون العقوبات
(الطعن رقم 440 لسنة 23 جلسة 1953/06/16 س 4 ع 3 ص 996 ق 355)
19- القصد الجنائي فى جريمة السب أو القذف يتوفر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسه بالاعتبار فيكون علمه عندئذ مفترضاً ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك ثمة محل للتحدث عن النقد المباح الذى هو مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغيته التشهير به أو الحط من كرامته فإذا ما تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى مدوناته من عبارات دالة بذاتها على معنى السباب كما هو معرف به فى القانون لما تضمنته من إسناد وقائع لو صحت لأوجبت إحتقار المجنى عليه عند أهل وطنه ونالت من سمعته ونزاهته فإن ما استخلصه الحكم من توافر القصد الجنائي للأول بصفته رئيس تحرير جريدة الحزب التى نشر فيها المقال يكون استخلاصاً سديداً فى القانون وما يثيره الطاعنان فى هذا الصدد يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 27354 لسنة 59 جلسة 1994/11/15 س 45 ص 1001 ق 157)
20- العلانية فى جريمة القذف لا تتحقق إلا بتوافر عنصرين أولهما توزيع الكتابة المتضمنة عبارات القذف على عدد من الناس بغير تمييز والأخرى انتواء الجاني اذاعة ما هو مكتوب ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه لا يفيد سوى افتراض علم الطاعن بتداول المذكرة التى قدمها إلى مجلس نقابة المحامين بالبحيرة بين أيدى الموظفين ، وكان هذا الذى ذهب إليه الحكم لا يفيد حتما وبطريق اللزوم أن الطاعن انتوى ما هو ثابت فى المذكرة ، فإنه يكون قد خلا من استظهار هذا القصد ، الأمر الذى يعيبه بالقصور ويوجب نقضه .
(الطعن رقم 40031 لسنة 59 جلسة 1994/12/07 س 45 ص 1099 ق 173)
21- إذا كان الحكم قد أسس ركن العلانية فى القذف والسب على أن المنزل الذي وقع فيه هو محل عام لأن به سكاناً آخرين فذلك منه قصور فى البيان، إذ المنزل هو بحكم الأصل محل خاص وما ذكره الحكم من سماع السكان الآخرين لا يجعل منه محلاً عاماً بالصدفة ولا يتحقق به ركن العلانية فيما يجهر به من القذف والسب فى المحال الخاصة.
(الطعن رقم 1893 لسنة 20 جلسة 1951/03/26 س 2 ع 2 ص 851 ق 318)
22- حرية الصحفي هي جزء من حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص ، كما أن حرية الإعراب عن الفكر شأنها شأن ممارسة سائر الحريات لا يمكن قيامها بالنسبة إلى جميع الأفراد إلا في حدود احترام كل منهم لحريات غيره حتى لا يكون من وراء استعمال هذه الحريات الاعتداء على حريات الغير ، ولما كانت أحكام المادتين 171 ، 306 من قانون العقوبات التي دين الطاعن بموجبهما لا تمس حرية الصحفي ولا تتجاوز ممارسة الفرد لحرية التعبير عن فكره في الحدود التي تضمن عدم المساس بحريات غيره ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون في محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن النقد مباحاً إذا كان لإبداء الرأي في أمر أو عمل ، دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من قدره أو كرامته ، فإذا تجاوز النقد هذا الحد ، وجب العقاب عليه ، باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف ، ولا يشفع في تجاوز حدود النقد المباح أن تكون العبارات المهينة التي استعملها المتهم هي مما جرى العرف على المساجلة بها ، وإذ كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن العبارات التي استظهرها الحكم وقررها الطاعن ونشرها على قناته على موقع .....، من شأنها لو صحت استیجاب عقاب المجني عليه واحتقاره عند أهل وطنه ، فإن ما يثيره الطاعن على الحكم بقالة أن ما نشر هو من قبيل النقد المباح يكون غير قويم . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دان الطاعن بجرائم تعمد إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات والسب والقذف بطريق وسائل الاتصال وأعمل في حقه نص المادة32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة ، هي تلك المقررة للجريمة الأولى باعتبارها الجريمة الأشد والمعاقب عليها بالمادة 76 / 2 من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، وكانت تلك الجريمة ليست من الجرائم التي عددت حصراً في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجني عليه أو وكيله الخاص ، ومن ثم يكون نعي الطاعن في هذا الشأن غير سديد .
(الطعن رقم 2317 لسنة 92 ق - جلسة 24 / 10 / 2023)
السب:
تعريف: السب هو خدش شرف شخص واعتباره عمداً دون أن يتضمن ذلك اسناد واقعة معينة إليه .
وقد عرف الشارع السب وحدد عقوبته في المادة 306 من قانون العقوبات – المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 2006، التي نصت على أن « كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشاً للشرف والاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 بغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه » وقد عاقب الشارع كذلك على السب غير العلني، فنصت المادة 378 من قانون العقوبات (الفقرة 9) على أن « يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسين جنيها من ابتدر إنساناً بسب غیر علنی».
وقد وضع الشارع نصاً في شأن سب الموظف العام شدد فيه عقوبته وقرر بالنسبة له سبب إباحة، فنصت المادة 185 من قانون العقوبات على أن «يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه كل من سب موظفاً عاماً أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة أو مكلفاً بخدمة عامة بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 302 إذا وجد ارتباط بين السب وجريمة قذف ارتكبها ذات المتهم ضد نفس من وقعت عليه جريمة السب .
وللسب صلة وثيقة بجريمة إهانة الموظف العام (المادتان 133 ، 134 من قانون العقوبات) وجريمة الإخلال بمقام قاض أو هيبته أو سلطته في صدد دعوی (المادة 186 من قانون العقوبات)، إذ قد تتخذ الإهانة أو الإخلال صورة السب، وإن لم يكن ذلك حتمياً وللسب كذلك صلة بجريمة التعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها (المادة 306 مكرراً من قانون العقوبات)، ولذلك جرمهما الشارع في نصين متعاقبين.
ونجمل الصلة بين السب والقذف في أن كلا منهما « اعتداء على شرف المجني عليه واعتباره بإسناد ما يشينه إليه » ، ومن ثم كان بينهما تماثل في عديد من الأحكام . ولكن الفارق الأساسي بينهما أن القذف يتضمن إسناد واقعة محددة إلى المجنى عليه في حين لا يتضمن السب ذلك ، إذ هو خدش للشرف أو الاعتبار « بأي وجه من الوجوه ». ويفسر ذلك شدة عقوبة القذف بالقياس إلى السب، وتوافر ظروف مشددة وأسباب إباحة بالنسبة للأول لا محل لها في الثاني وتعد جريمة السب بالقياس إلى القذف، بل وسائر جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار، الجريمة الأساسية باعتبارها أبسطها أركانا، وتضمنها النواة الأولى التي تفترضها سائر هذه الجرائم وعلة تجريم السب هي بذاتها علة تجريم القذف : فهى الاعتداء على شرف المجني عليه واعتباره، بالإضافة إلى ما قد ينطوي عليه من إيلام لنفسه وإضرار مادي أو معنوی به، وما يحتمل أن يفضي إليه من تبادل الاعتداء بينه وبين مرتكب السب.
تقسيم الدراسة: السب كما قدمنا نوعان : علني وغير علني، ونميز بينهما في الدراسة ، والسب العلني أهم الجريمتين : فبالإضافة إلى كونه الأشد عقاباً والأكثر وقوعاً، فهو يتضمن أركان السب في ذاته، أي الأركان المشتركة بين نوعي السب.
السب العلني
تمهيد: النص الأساسي الذي أورده الشارع في شأن السب العلني هو المادة 306 من قانون العقوبات التي نصت على أن «كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشاً للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 بغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه ». وتتطلب دراسة السب العلني تحديد أركانه وبيان عقوبته وأسباب الإباحة فيه.
أركان السب العلني
بيان أركان السب العلني : يقوم السب العلني على ركنين : ركن مادي هو « خدش الشرف والاعتبار بأي وجه من الوجوه دون أن يشتمل ذلك على إسناد واقعة معينة»؛ وركن معنوي يتخذ دائماً صورة «القصد الجنائي»
الركن المادي للسب العلني
عناصر الركن المادي للسب العلني : يقوم هذا الركن على عنصرين : نشاط من شأنه خدش الشرف أو الاعتبار بأي وجه من الوجوه ؛ وصفة هذا النشاط الذي يتعين أن يكون علنياً وثمة عنصر سلبي في هذا الركن يميز بينه وبين الركن المادي في القذف، هو ألا يتضمن نشاط المتهم إسناد واقعة محددة إلى المجني عليه .
خدش الشرف أو الاعتبار: دراسة هذا العنصر تقتضي تفصيل أمرين : طبيعة النشاط الخادش للشرف أو الاعتبار، والضابط في اعتبار هذا النشاط خادشاً للشرف والاعتبار.
طبيعة النشاط الإجرامي في السب:
لا تختلف طبيعة النشاط الإجرامي في السب عنه في القذف، فجوهر النشاط الإجرامي في السب أنه تعبير عن رأي للمتهم في المجنى عليه، وهو رأي ينطوي على مساس بشرفه واعتباره؛ ومن ثم كان السب بدوره « جريمة تعبير ». وتستوي وسائل التعبير، أكانت الكتابة أم القول الشفوي أم الإشارة إذا كانت لها في العرف دلالة وإذا كان التعبير عن طريق الكتابة فسواء لغتها وشكلها : أكانت مخطوطة أم مطبوعة؛ وسواء المادة التي أفرغت فيها : أكانت ورقاً أو قماشاً أو معدناً أو خشباً ويدخل في نطاق الكتابة الرموز والرسوم والصور وسواء أن يصوغ المتهم عباراته على نحو يقيني قاطع أو في صورة من الشك والظن؛ وسواء أن يكون أسلوب المتهم صريحاً أو ضمنياً قوامه الاستعارة أو الكناية أو التورية أو التلميح وسواء أن يورد المتهم رأيه على أنه رأى شخصى في المجنى عليه أو يورده على أنه رأى للغير يرويه عنه ويخضع النشاط الإجرامي في السب لذات القواعد التي سلف تفصيلها في شأن القذف، ولذلك نكتفي بالإحالة إليها وقد طبقت محكمة النقض هذه القواعد فقضت بأنه «لا عبرة في الجرائم القولية بالمداورة في الأسلوب مادامت العبارات مفيدة بسياقها معنى الإهانة» وبناء على ذلك فإن القول عن شخص إنه طويل اليد أو عريض القفا يعتبر سباً له إذا ثبت أن المتهم يعني بالتعبير الأول وصف المجنى عليه بعدم الأمانة ويريد بالتعبير الثاني أن ينسب إليه الغباء.
الضابط في اعتبار نشاط المتهم خادشاً للشرف أو لاعتباره يستلهم هذا الضابط من الدلالة القانونية للشرف والاعتبار وما يتفرع عنها من تحديد للعناصر التي يقوم عليها وقد سبق أن حددنا دلالة الشرف والاعتبار - من وجهة نظر موضوعية - بأنه المكانة التي يحتلها الشخص في المجتمع وما يتفرع عنها من حق في أن يعامل على النحو الذي يتفق مع هذه المكانة، أي أن يعطى الثقة والاحترام اللذين تقتضيهما؛ وسبق كذلك أن حددنا عناصر فكرة الشرف والاعتبار فإذا كان من شأن فعل الجاني المساس بأحد هذه العناصر على نحو من شأنه الإقلال من المكانة الاجتماعية للمجنى عليه، أي الإقلال مما يحق له أن يحظى به من ثقة واحترام في المجتمع كان هذا النشاط خادشاً لشرفه أو اعتباره ونستطيع أن نرد خدش الشرف والاعتبار إلى الحالات التالية : نسبة عيب معين؛ ونسبة عيب غير معين؛ ومجرد التعبير عن الازدراء ؛ وتمنى الشر؛ والغزل وهذه الحالات لم تذكر على سبيل الحصر، وإنما ذكرت باعتبارها أهم أمثلة لحالات تخدش فيها عبارات المتهم شرف المجنى عليه واعتباره ، ومن ثم كان للقاضي أن يعتبر السب متحققاً في غيرها إذا ثبت له أن الألفاظ التي أسندت إلى المجنى عليه قد خدشت شرفه واعتباره.
إسناد عيب معين :
يعني العيب « النقيصة »، أي وصف المجني عليه بأنه « دون ما هو عليه »، أي دون ما يتمتع به من مؤهلات المركز الاجتماعي ، ويعني ذلك أنه لا يشترط وصفه بأنه دون الشخص العادي، ذلك أنه إذا كان المجني عليه أرفع شأناً من الشخص العادي، فإن نسبة عيب إليه يهبط به إلى مستوى الشخص العادي هو سب له.
وقد يكون العيب نقيصة أخلاقية، أي صفة تشير إلى سلوك لا يتفق وتعاليم الأخلاق، وذلك ما عنته محكمة النقض حين قالت إن مراد الشارع من تعريف السب بأنه «لصق عيب أخلاقي معين بالشخص بأي طريقة من طرق التعبير » وتطبيقاً لذلك فإن القول عن المجني عليه إنه لص أو نصاب أو مزور أو هاتك للأعراض أو عربيد أو فاسق أو سكير هو سب له ولكن نطاق هذه الصورة لا يقتصر على نسبة عيب أخلاقي ، بل يتسع لأي عيب كان . فيعتبر سباً نسبة عيب بدني إليه، كالقول عنه إنه أعمى أو أعرج أو قبيح الوجه ويعتبر سباً كذلك أن ينسب المتهم إلى المجني عليه مرضاً منفراً ، كالقول عنه إنه أبرص أو مسلول.
إسناد عيب غير معين أو مجرد التعبير عن الإزدراء :
يقوم السب إذا أسند المتهم إلى المجنى عليه عيبا غير معين بما يتضمن ازدرائه ووصفه بالضعة والحقارة، مثال ذلك القول عنه إنه شر الناس أو إنه بعيد عن الفضيلة أو مصدر للشرور والآثام أو أنه شخص لا يعتمد عليه ولا يرجى منه نفع أو إنه مصدر ضرر لكل من يعرفه ويرتكب السب ولو لم ينسب المتهم إلى المجني عليه عيباً معيناً أو غير معين ، وإنما عبر فحسب عن ازدرائه له، كقوله عنه إنه حيوان أو كلب أو ابن كلب أو حمار أو مغفل.
تمنى الشر:
يعد خدشاً للشرف والاعتبار ، ومن ثم يقوم به السب أن يتمنى المتهم الشر للمجنى عليه في صورة الهلاك أو السقوط أو الخراب ، إذ يعني ذلك التعبير عن رأيه فيه بأنه غير جدير بمركزه الاجتماعي الحالي وما يفترضه من مؤهلات وما يرتبط به من نجاح، وهذا الرأي ينطوي على إزدراء له وتطبيقاً لذلك فالقول « ليمت فلان أو ليسقط أو ليخرب بيته أو ليهلك أولاده »، كل ذلك يعد سباً له .
الغزل :
توجيه عبارات الغزل إلى امرأة هو سب لها ، سواء اتخذ ذلك صورة الإطراء المجرد ، أم جاوز ذلك إلى حثها على سلوك مخل بحيائها . وعلة اعتبار الغزل سباً على الرغم مما في ظاهرة من إطراء أنه يتضمن افتراض ابتذال المرأة وأنها تتقبل إطراء محاسنها من أي شخص، وهو غير سلوك المرأة الشريفة، والأمر أكثر وضوحاً إذا تضمن الغزل حثاً على سلوك مخل بالحياء .
دور العرف في تحديد ضابط خدش الشرف أو لاعتباره يتعين على القاضي أن يحتكم إلى العرف لكي يحدد دلالة العبارات التي صدرت عن المتهم : ذلك أن لبعض الألفاظ معنی لغوياً لا يشين المجني عليه ، ولكن لها مدلولا عرفيا يخدش من شرفه أو اعتباره وللقاضي أن يفترض في المتهم أنه أراد الدلالة العرفية لألفاظه باعتبار أن الناس قد تعارفوا عليها وغدت أقرب إلى أذهانهم من الدلالة اللغوية ؛ ولكن إذا ثبت أنه أراد الدلالة اللغوية التي لا تشين المجني عليه فلا تقوم بذلك جريمة السب . وتطبيقا لذلك فإن نسبة شخص إلى دين معين ليس فيها أصلاً ما يشين هذا الشخص، إذ الأديان لدى القانون سواء؛ ولكن العرف قد يجعل لذلك دلالة خاصة ويربط بين هذا الدين وبين عيب معين فتقوم بذلك جريمة السب ، مثال ذلك القول عن شخص إنه « يهودي »، إذ قد يعني المتهم بذلك أن ينسب البخل إلى المجني عليه ونسبة شخص إلى حرفة معينة لا يخدش شرفه أو اعتباره طالما كان النظام القانوني يعترف بهذه الحرفة ، ولكن العرف قد يجعل في هذه النسبة ما يمس الشرف ، كقول شخص عن آخر إنه جزار أو حانوتی.
تحديد شخص المجنى عليه :
لا تقوم جريمة السب إلا إذا تضمنت عبارات المتهم تحديداً الشخص المجنى عليه، ويعلل ذلك بأن الاعتداء على الشرف والاعتبار غير متصور ما لم يوجد شخص يكون له هذا الحق ولكن الشارع لا يتطلب أن يكون هذا التحديد تفصيليا دقيقا ، وإنما يكتفي بأن يكون نسبياً ؛ وضابطه أن يكون ممكناً لفئة من الناس التعرف على المجني عليه . وقاضي الموضوع هو المختص بأن يحدد مدى كفاية البيانات التي ذكرها المتهم للقول بأنه حدد المجنى عليه التحديد الكافي ليقوم به السب وتطبق في هذا الشأن قواعد مماثلة للقواعد التي تطبق في جريمة القذف ويترتب على ذلك أن إغفال الجاني بعض معالم شخصية المجنى عليه أو أغلبها لا يحول دون قيام الجريمة ، طالما أن ذلك لا يحول دون تحديد هذه الشخصية ويترتب على اشتراط تحديد شخص المجني عليه أنه لا قيام للسب إذا وجه المتهم عباراته - مهما كانت مقذفة بذيئة - إلى مذهب أو رأي أو فكرة . ولا تقوم هذه الجريمة إذا وجهت الألفاظ البذيئة إلى أشخاص خياليين، وتطبيقاً لذلك فإن السكران الذي يوجه في مكان عام عبارات بذيئة غير قاصد شخصاً معيناً لا يرتكب جريمة السب .
ولا يتطلب القانون أن تصدر عبارات السب في حضور المجني عليه أو أن تصل إلى علمه، فقد هدف الشارع بتجريم السبت إلى حماية المكانة الاجتماعية للمجنى عليه، لا صيانة نفسه من الإيلام الذي قد تتعرض له.
علانية النشاط الإجرامي :
علانية النشاط الإجرامي أحد عناصر الركن المادي في السب ، ولها ذات دلالتها في القذف ، وذلك واضح من إحالة المادة 306 المختصة بالسب إلى المادة 171 التي حددت وسائل العلانية على ذات النحو الذي فعلته المادة 302 الخاصة بالقذف .
وتتخذ العلانية في الأصل صورة إحدى الوسائل التي حددتها المادة 171 من قانون العقوبات مع ملاحظة ما سلف ذكره من أن هذه المادة قد نصت على وسائل العلانية على سبيل المثال والعلانية قد تكون عن طريق القول أو الكتابة أو الإيماء، وتضاف إليها حالة رابعة هي « العلانية عن طريق التليفون » التي نصت عليها المادة 308 مكرراً من قانون العقوبات (الفقرة الثانية).
وتتحقق علانية القول بالجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في مكان عام ، كما تتحقق بالجهر به أو ترديده في مكان خاص بحيث يستطيع سماعه من يكون في مكان عام، وتتحقق في النهاية بإذاعته عن طريق اللاسلكي أما علانية الإيماء فتفترض صدوره في مكان عام أو بحيث يستطيع أن يراه من يكون في مكان عام وتتحقق علانية الكتابة بتوزيع المطبوعات أو الرسوم أو الصور على عدد من الأفراد بغير تمييز أو عرضها بحيث يستطيع أن يراها من يكون في مكان عام أو بيعها أو عرضها للبيع.
وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا ارتكب السب في الطريق العام توافرت له العلانية باعتباره ارتكب في مكان عام بطبيعته، وإذا ارتكب في قاعة جلسة محكمة توافرت له العلانية كذلك باعتباره ارتكب في مكان عام بالتخصيص، وإذا ارتكب في فناء منزل دخل فيه جمهور الناس بسبب مشادة حدثت بين طرفين توافرت له العلانية باعتباره ارتكب في مكان عام بالمصادفة ولكن إذا ارتكب السب في مكان خاص فلا تتوافر له العلانية إلا إذا استطاع أن يسمعه من كان في مكان عام : ولذلك فإن ألفاظ السب الصادرة من المتهم وهو في داخل المنزل تعتبر علنية إذا سمعها من يمرون في الشارع العمومي، وتعتبر علانية إذا صدرت عنه هذه الألفاظ في شرفه مسكنه المطلة على طريق عام وعلى مسمع من كثيرين أما إذا ارتكب السب في مكان خاص فلم يسمعه إلا من كانوا في أماكن خاصة أخرى فلا تتوافر له العلانية . فالسب الذي يرتكب في فناء منزل لا يعتبر علنياً إذا لم يسمعه غير سكان المنزل وهم في مساكنهم الخاصة.
ومن باب أولى فإنه إذا جهر بألفاظ السب في مكان خاص فلم يكن من الممكن أن تسمع في خارجه فإن العلانية لا تتوافر لها : كما لو جهر بها في مكتب محام؛ أو في مندرة عمدة؛ أو في غرفة ناظر المدرسة، وذلك ما لم تتحول إلى مكان عام بالمصادفة أو تكون فيها آلة تنقل الصوت إلى من يوجدون في مكان عام وإذا دون المتهم عبارات السب في خطاب أرسله إلى صديق أو إلى المجنى عليه نفسه أو زوجته أو رئيسه في العمل، فإن العلانية لا تتوافر بذلك.
الركن المعنوي للسب العلني
تمهيد : السب في جميع حالاته جريمة عمدية ، ومن ثم يتخذ ركنه المعنوي صورة القصد الجنائي . والقصد في السب قصد عام عنصراه العلم والإرادة، وليس من عناصره توافر باعث معين أو نية متجهة إلى غاية ليست في ذاتها من عناصر الركن المادي في السب.
العلم :
يتعين ثبوت علم المتهم بمعنى الألفاظ التي صدرت عنه وإدارکه ما يتضمنه هذا المعنى من خدش لشرف المجني عليه واعتباره وإذا كانت هذه الألفاظ تحتمل معنيين، أحدهما يمس الشرف والاعتبار وثانيهما لا يمسه، فإنه يتعين علم المتهم بالمعنى الذي يتضمن خدشاً لشرف المجني عليه واعتباره ويفترض هذا العلم إذا كانت الألفاظ في ذاتها شائنة بحيث تفيد السب في ذاتها)، خاصة إذا كانت دلالتها العرفية تتضمن من المعاني ما يمس شرف من وجهت إليه وكان المتهم نفسه ينتمي إلى البيئة التي تقرر للألفاظ هذه الدلالة ؛ ولكن يجوز للمتهم أن يثبت أنه لم يقصد هذه الدلالة وإذا كانت الألفاظ غير شائنة في ذاتها، فيتعين إثبات علمه بدلالتها الماسة بشرف المجني عليه وإرادته هذه الدلالة، فإن لم يثبت ذلك فإن القصد لا يعد متوافراً لديه.
ولا يتوافر القصد إلا إذا علم المتهم بعلانية نشاطه، ويفترض هذا العلم إذا صدرت عبارات السب في مكان عام أو قام بنفسه بتوزيع المادة التي تحمل عبارات السب على عدد غير محدود من الأشخاص أو عرضها على من يوجدون في مكان عام أو قام ببيعها أو عرضها للبيع ولكن له أن يدحض هذه القرينة ، كما لو أثبت أنه نطق بعباراته في المكان الخاص وهو يجهل تحوله إلى مكان عام بالمصادفة ، أو أن توزيع المكتوب على عدد من الناس بغير تمييز إنما قام به من أرسل إليه خلافاً لما توقعه.
الإرادة :
يتعين أن تتوافر لدى الجاني الإرادة المتجهة إلى النطق بعبارات السب أو تسجيلها كتابة ، فإن كان مكرها على ذلك، أو ثبت أن لسانه قد انزلق إليها دون أن تتجه إليها إرادته ، أو تبين أنه كان يريد بها معنى غير المعنى الذي خدش شرف المجنى عليه واعتباره فإن القصد يعد غير متوافر لديه .
ويتعين أن تتوافر لدى الجاني « إرادة الإذاعة»، أي الإرادة المتجهة إلى ذيوع عبارات السب وإتاحة العلم بها لجمهور الناس : فإن انتفت هذه الإرادة ، كما لو أفضى شخص بعبارات السب في مكان عام لصديقه مريداً إسماعه وحده هذه العبارات ولكن ازدحام المكان بجمهور الناس وارتفاع صوت الصديق الذي ردد ما سمعه جعل عدداً غير محدود من الناس يعلمون بهذه العبارات فإن القصد لا يعد متوافراً لديه .
البواعث على السب :
ليست البواعث من عناصر القصد الجنائي في السب ، ولا يعدو ذلك أن يكون تطبيقا للقواعد العامة على السب وتترتب على استبعاد الباعث من عداد عناصر القصد نتيجتان : الأولى ، أن الاستفزاز لا ينفي المسئولية عن السب العلني ، فهو لا ينفي أحد أركانه ولا يعتبر عذراً ، إذ هو مجرد باعث، وإنما يجوز اعتباره ظرفاً مخففاً؛ وقد قصر الشارع تأثير الاستفزاز على السب غير العلني حين اعتبر من أركانه « الابتدار » بالسب ، وهو ما ينتفي بالاستفزاز أما النتيجة الثانية ، فهي أن جرى عبارات السب على الألسن في بيئة المجنى عليه والمتهم واستهدافه بها المزاح لا ينفي السب ، طالما أنه يعلم بما لهذه العبارات من معنى يمس الشرف، وقد اتجهت إرادته إليه باعتبار أن المزاح لا يتحقق إلا عن طريقه.
عقوبة السب العلني البسيط :
حدد الشارع عقوبة السب العلني البسيط بالغرامة التي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه المادة 306 من قانون العقوبات.
ولا عقاب على الشروع في السب العلني ، إذ لم ينص القانون عليه .
ويتوقف تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن السب على شكوى المجني عليه المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية .
بيانات حكم الإدانة ورقابة محكمة النقض :
يجب أن يتضمن حكم الإدانة بيان عبارات السب وصفتها العلانية؛ أما القصد الجنائي فلا تلتزم المحكمة بإثباته إذا كانت العبارات التي صدرت عن المتهم شائنة في ذاتها، أما إذا كانت غير شائنة فيتعين أن يثبت الحكم توافره : فبالنسبة لعبارات السب، استقر قضاء محكمة النقض على وجوب أن « يذكر بالحكم ألفاظ السب التي فاه بها المتهم »واستقر قضاؤها كذلك على وجوب أن يثبت الحكم علانية عبارات السب حتى تستطيع محكمة النقض أن تراقب توافر هذا الركن من أركان الجريمة، ويجب أن يكون هذا البيان واضحاً مفصلاً، وإذا كانت العلانية مستمدة من مكان السب فيجب أن يبين هذا المكان على وجه يتيح تحديد ما إذا كان مكاناً عاماً أو خاصاً .
ولقاضي الموضوع السلطة في تحديد العبارات التي يقوم بها السب، وله كذلك السلطة في تحديد الوقائع التي تستخلص منها العلانية ، ولكن لمحكمة النقض رقابة تكييف هذه العبارات والفصل فيما إذا كان يقوم بها السب أو أنها لا تتضمن خدشاً لشرف المجنى عليه واعتباره ولمحكمة النقض كذلك أن تراقب وصف عبارات السب بالعلانية وترى ما إذا كانت الوقائع التي ذكرت محكمة الموضوع أنه تستخلص منها العلانية تصلح لذلك أم لا تصلح . وإذا دفع المتهم بانتفاء العلانية كان دفعه جوهرياً والتزمت محكمة الموضوع بالرد عليه قبولاً أو رفضاً رداً مدعماً بالدليل، فإن أغفلت ذلك كان حكمها قاصراً وإذا قضت محكمة الموضوع بتوافر ظرف مشدد للسب، فقضاؤها بثبوت الواقعة التي يقوم بها هذا الظرف نهائي، ولكن تقديرها صلاحية هذه الواقعة ليقوم بها الظرف يخضع لرقابة محكمة النقض .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 793)
تقوم جريمة السب العلني على أركان ثلاثة : الأول ، الركن المادي ، والثاني ، الركن المعنوي ، والثالث ، ركن العلانية .
الركن المادي
عناصر الركن المادي :
يقوم الركن المادي في جريمة السب على عنصرين : الأول ، نشاط يصدر عن الجاني من شأنه أن يخدش شرف المجنى عليه أو اعتباره بأى وجه من الوجوه، دون أن يتضمن واقعة معينة. والثاني : أن يكون المجني عليه في السب معيناً.
النشاط الذي يخدش الشرف أو الاعتبار
يتمثل نشاط الجاني في السب - كما هو الشأن في القذف - في تعبير معين قد يتخذ صورة القول أو الكتابة أو الإيماء ، ونحيل في ذلك إلى التفصيل الذي تقدم بيانه في صدد جريمة القذف ويشترط أن يكون من شأن هذا التعبير أن يخدش شرف المداني عليه أو اعتباره، أي يحط من قدره أو ينال من سمعته .
ويتحقق النشاط بهذا المعنى إذا أسند الجاني إلى المجنى عليه عيباً معيناً دون أن يحدد واقعة معينة، كأن يقول عن المجني عليه إنه مرتش أو لص أو مزور أو نصاب أو سكير.
تعيين شخصية المقصود بالسب :
يجب أن يكون السب موجهاً إلى شخص معين أو أشخاص معينين حتى يمكن القول بتحقق خدش الشرف أو الاعتبار وعلى ذلك لا يقوم السب إذا وجهت العبارات إلى مذهب معين أو فكرة معينة، أو إذا وجهت إلى شخص غير موجود في الواقع، من أمثلة ذلك السكران الذي يوجه في الطريق العام ألفاظاً تخدش الشرف أو الاعتبار إلى شخص لا وجود له إلا في خياله.
على أنه لا يقصد بهذا العنصر أن يكون المجني عليه معيناً بالإسم، وإنما يكفي أن يكون في الظروف التي وقع فيها لسد ما يسمح للمحكمة بالتعرف على شخصه وقد قضى تطبيقاً لذلك بأنه إذا كان الجاني قد احتاط ولم يذكر إسم المجنى عليه صراحة في عبارات السب، فإن لمحكمة الموضوع أن تتعرف شخص من وجه إليه السب من واقع عبارات السب وظروف حصوله والملابسات التي اكتنفته.
نقض 13 أبريل سنة 1964 مجموعة أحكام محكمة النقض 15 رقم 59 ص 298.
الركن المعنوى
القصد الجنائي :
جريمة السب العلني جريمة عمدية ، يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، وهو قصد عام يقوم على عنصري العلم والإرادة.
العلم :
يجب أن يكون الجاني عالماً بمعنى العبارات المتضمنة السب، وبأن من شأنها خدش شرف أو اعتبار المجني عليه وهذا العلم يكون مفترضاً طالما كانت العبارات شائنة ومقذعة في ذاتها ولكنه افتراض يقبل إثبات العكس، إذ يستطيع المتهم أن ينفي القصد الجنائي إذا أثبت أنه كان يجهل المعنى الشائن الذي تضمنته عبارته، كما لو كانت تستعمل في بيئته دون أن تنال شرف أو اعتبار المقصود بها أما إذا كانت العبارات غير شائنة في ذاتها فيجب أن يثبت أن المتهم قد قصد بها النيل من شرف أو اعتبار المجني عليه.
الإرادة:
يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى التعبير عن المعنى الذي ينسبه للمجني عليه، فإذا انتفت هذه الإرادة ، كما لو كان المتهم مكرها على القيام بالنشاط انتفى القصد كذلك يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إذاعة ما يصدر عنه من تعبير خادش للشرف أو الاعتبار، فإذا انتفت هذه الإرادة بأن كان يريد إسماع شخص يسير إلى جواره في الطريق العام فارتفع صوته ليتغلب على الضوضاء مما أدى إلى أن يسمع هذه العبارات عدد غير محدود من الناس، فإن القصد ينتفي في هذه الحالة، وذلك على التفصيل المتقدم في صدد القصد الجنائي في جريمة القذف.
الباعث على السب :
إذا توافرت عناصر القصد قام الركن المعنوى للجريمة أياً كان الباعث على ارتكابها، فالباعث ليس عنصراً من عناصر القصد، وتطبيقاً لذلك قضى بأن جريمة السب تقوم ولو كان الباعث عليه « إظهار الاستياء من أمر مكدر » كذلك تقع الجريمة ولو كان الباعث عليها هو استفزاز المجنى عليه، فمادام السب قد وقع علناً، فلا يكون للمتهم أن يدفع بأن المجني عليه هو الذي ابتدره بالسب، إذ هذا الدفع لا يكون له محل إلا إذا كانت الجريمة التي أدين فيها هي جريمة السب غير العلنى.
ركن العلانية
يتطلب المشرع لقيام جريمة السب العلني أن يقع التعبير الخادش للشرف أو الاعتبار علانية بإحدى الطرق التي حددتها المادة 171 من قانون : العقوبات . وهذا الركن هو الذي يميز السب العماني عن السب غير العلني الذي لا يتطلب فيه المشرع العلانية ويتفق السبت العلني مع القذف في هذا الركن، ولذلك نكتفي بالإحالة إلى هذا الركن فيما يتعلق بجريمة القذف.
السب بطريق التليفون :
استثناء من تطلب ركن العلانية قرر المشرع المعاقبة على السب عن طريق التليفون بذات العقوبة المقررة للسب العلني (م 308 مكرراً/ 2 من قانون العقوبات).
عقوبة السب العلني
تحديد عقوبة السب العلني :
حدد المشرع الجريمة السب العماني عقوبة الغرامة التي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه (المادة 306 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 2006).
ويعلق المشرع رفع الدعوى الجنائية الناشئة عن جريمة السب العلني - كما هو الشأن بالنسبة للقذف - على شكوى المجنى عليه المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية.
تشديد عقوبة السب العلني :
قرر المشرع تشديد عقوبة السب العلني - كما هو الشأن في القذف - إذا توافر أحد الظروف المشددة الآتية :
أولاً : إذا كان المجني عليه موظفاً عاماً أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة أو مكلفاً بخدمة عامة وكان السب، متعلقاً بأداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وحينئذ تصبح العقوبة الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه (م 185 ع المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 2006 ، وكان قد سبق تعديلها بالقانون رقم 95 لسنة 1996 والقانون رقم 93 لسنة 1995). ويتمثل التشديد في رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة.
ثانياً : إذا كان السب قد وقع على مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو غيرهما من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة، تكون العقوبة الحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، ويتمثل التشديد في إضافة عقوبة الحبس، وفي رفع الحدين الأدنى والأقصى العقوبة الغرامة (المادة 184 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 95 لسنة 1969).
ثالثاً: إذا ارتكب السب المنصوص عليه في المواد 184 ، 185 ، 306 ع بطريق النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات اقتصر التشديد على عقوبة الغرامة المنصوص عليها في هذه المواد وترفع حدودها الدنيا والقصوى إلى ضعفيها (م 307 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 93 لسنة 1995 ).
رابعاً : إذا تضمن السب طعناً في الأعراض أو خدشاً لسمعة العائلات فإن التشديد يتمثل في وجوب الجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة معاً . فإذا كان ذلك عن طريق النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات وجب ألا تقل الغرامة عن نصف الحد الأقصى، وألا يقل الحبس عن ستة شهور (م 308 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 95 لسنة 1996 ).(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 627)
عدل الحد الأقصى لعقوبة الغرامة إلى مائتي جنيه بعد أن كان مائة جنيه وذلك بموجب القانون رقم 29 لسنة 1982 الصادر في 14/4/1982 والمنشور في 22/4/1982 – ثم عدلت عقوبة جريمة السب العلني بموجب القانون رقم -: لسنة 1995 وكما سلف إلى الحبس وغرامة لاتقل عن خمسة آلاف جنيه وتزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
نشر القانون رقم 93 لسنة 1995 بالجريدة الرسمية العدد رقم 21 مكرراً في 28 مايو 1995 .
ثم ألغيت عقوبة الحبس ورفع الحدين الأدنى والأقصى العقوبة الغرامة المقررة إلى مثليها وذلك بموجب القانون رقم 147 لسنة 2006 .(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة: 3 )
أركان الجريمة:
أركان السب العلني ثلاثة:
(1) خدش الشرف أو الإعتبار بأي وجه.
(2) العلانية.
(3) القصد الجنائي.
الركن الأول : خدش الشرف أو الإعتبار
هذا العنصر هو الذي يميز القذف عن السب، فالقذف لا يكون إلا بإسناد أمر معين، أما السب فيتوافر بكل ما يتضمن خدشاً للشرف أو الإعتبار، أي بكل ما يمس قيمة الإنسان عند نفسه أو يحط من كرامته أو شخصيته عن غيره. وهذا المعنى على إطلاقه يدخل فيه نسبة أمور معينة، وعلى ذلك فكل قذف يتضمن في نفس الوقت سبا، ولكن قد يخدش الشرف أو الإعتبار بغير إسناد واقعة معينة، وقد يكون ذلك بإسناد عيب معين دون تعيين واقعة، كمن يقول عن آخر أنه لص أو مزور أو نصاب أو فاسق، وهنا قد يختلط القذف بالسب وتكون العبرة في التفرقة بينهما بتعيين الوقائع حسب ظروف الأحوال. على أن الإسناد إذا تضمن عينيا غير معين كان سبا بلا شبهة كمن يقول عن آخر أنه أسوأ خلق الله أو أنه لا يتحرك الفعل الخير أو أنه لا يرجي منه نفع. وقد يكون خدش الشرف أو الإعتبار بغیر إسناد عيب معين أو غير معين، كمن يقول عن آخر أنه حيوان أو كلب أو ابن كلب. ومن قبيل السب كل دعاء على الغير بشر، كالدعاء بالموت أو الهلاك أو الخراب أو السقوط، فهذا وما من قبيله خادش للشرف أو الاعتبار.
تعيين المقصود بالسب:
ويجب أن يوجه السب إلى شخص أو أشخاص معينين، فإذا كانت ألفاظ السباب عامة أو موجهة إلى أشخاص خياليين فلا جريمة، ومن هذا القبيل السكران الذي يدفعه سكره إلى التفوه في الطريق العام بألفاظ السباب غير قاصد بذلك شخصاً.
الركن الثاني : العلانية :
لا يعاقب على السب بمقتضى المادة محل التعليق إلا إذا إرتكب علانية بإحدى الطرق المبينة بالمادة (171) عقوبات، وفي هذا الركن يتفق السب العلني مع القذف وبه يتميز عنه مخالفة السب غير العلني.
وعلى المحكمة أن تبين في حكمها ركن العلانية، بذكر المكان والظروف التي وقعت فيها الجريمة، حتى تتمكن محكمة النقض من مراقبة التطبيق القانوني على
الوقائع.
الركن الثالث: القصد الجنائي:
قصد الإسناد :
يتحقق هذا القصد بمجرد الجهر بالألفاظ الخادشة للشرف أو الاعتبار مع العلم بمعناها. ولا عبرة بعد هذا بالبواعث.
والقصد الجنائي لا تكتمل عناصره إلا بإنصراف إرادة الجاني إلى إذاعة ما يصدر منه ماستا بالشرف أو الإعتبار، فتكون التبرئة واجبة إذا أثبت المتهم أن ما صدر منه علنا لم يقصد به أن يسمع الناس ما يؤذي المجني عليه.
عقوبة السب العلني :
يعاقب على السب العلني بغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 123)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات :271 ، 272 ، 95 ، 96
(مادة 555)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين ، وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين - كل من سب غيره بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة (547) من هذا القانون بها يخدش شرفه ، أو إعتباره دون إسناد واقعة معينة إليه .
وتكون العقوبة الحبس إذا توافر في السب أحد الظروف المشار إليها في المادة السابقة .
وإذا وقع السب بطريق النشر في إحدى الصحف أو المطبوعات - تضاعف العقوبة المقررة على حسب الأحوال .
(مادة 556)
يعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال ، كل من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ، أو مطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات ، أو رسوماً ، أو صوراً ، أو علامات تنطوي على قذف أو سب متى كان عالماً بذلك .
(مادة 557)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه إذا وقع القذف أو السب بغیر إستفزاز في مواجهة المجني عليه ، وبحضور غيره .
وتكون العقوبة الغرامة السابقة وحدها ، إذا وقعت الجريمة بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه ودون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف .
وتضاعف العقوبات السابقة إذا توافر أحد الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من هذا القانون.
الجرائم الماسة بالإعتبار والآداب العامة وإستراق السمع وإفشاء الأسرار
المواد من (554) - (566) :
تقابل هذه المواد بصفة عامة المواد (181)، (182)، ومن (302) - (310) من القانون الحالي معدلة بالقوانين (617) لسنة 1953، (97) لسنة 1955، (112) لسنة 1957، (37) لسنة 1972، وقد نقل المشروع أحكام المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وكانتا واردتين في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني ضمن مواد الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها ، وذلك لأن أحكام هاتين المادتين من صور جرائم هذا الفصل الذي يشمل في معظم الجرائم الماسة بالإعتبار وغيرها ، وقد استهدف المشروع من ذلك تبسيط الأحكام المتماثلة أو المتشابهة وتجميعها في مكان واحد ، هذا ومن أهم سمات المشروع ما يلي :
1- المادة (554) من المشروع بينت الوقائع التي تشكل جريمة القذف ، وبينت الظروف المشددة التي يترتب على توافرها تغليظ العقوبة ، ثم بينت كذلك ما يعد من قبيل القذف ، وأفصحت أن ذكر أخبار أو تعليقات أو نشر صور تتصل بأسرار الحياة الخاصة للأسر والأفراد - تعد كذلك ، ولو كانت صحيحة ، ما دام من شأن هذا النشر الإساءة إليهم .
2- المادة (555) من المشروع نهجت ذات نهج المادة السابقة عليها في تبيان ما يشكل الجريمة ، والظروف المشددة لها .
3- المادة (556) من المشروع ذات حکم مستحدث؛ إذ تعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ومطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات أو رسماً أو صوراً أو علامات تنطوي على قذف أو سب ، والجريمة عمدية تتطلب علم الجاني بما تتضمنه هذه الوسائل .
4- المادة (557) من المشروع تعرض لصورة القذف أو السب بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه أو بحضور غيره ، وجعلت عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، فإن وقع ما تقدم في مواجهة المجني عليه دون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف والتليفون - عد ذلك ظرفاً مخففاً ، فتقتصر العقوبة على الغرامة فقط ، فإن توافر ظرف من الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من المشروع - تضاعف العقوبات السابقة.
5- المادة (558) من المشروع ، أفرد المشروع هذه المادة كسبب لإباحة القذف في حق الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة ، أو المكلف بخدمة عامة متى أثبت الفاعل صحة الواقعة المسندة وإرتباطها بأعمال الوظيفة والنيابة ، أو الخدمة العامة وتعلقها بها ، وقد وسع النص الوارد في المشروع فشمل بالإباحة السب إذا وجه إلى أحد من تقدم ذکر هم متى كان مرتبطاً بواقعة القذف ، واستبعد المشروع شرط حسن نية الجاني كموجب من موجبات التمتع بالإباحة ، ذلك بأن العبرة في الإباحة هي ثبوت الواقعة لتعلقها بالصالح العام ، فمناط الإباحة إذن هو ثبوت الواقعة المتعلقة بالصفة العامة ؛ حتى يسلك القائمون بالوظائف العامة أو ما شابهها مما ورد به النص النهج القديم الذي يخدم الصالح العام ، فإن جنحوا عن ذلك ، حق عليهم ما تقدم دون تثريب على الجاني.
وكذلك أباح نص المشروع في فقرته الثانية القذف أو السب ، إذ تضمنه دفاع الخصوم شفاهة أو كتابة أمام جهات الإستدلال أو التحقيق والحكم ، وبهذا النص قضى المشروع على الخلاف حول ما إذا كانت الإباحة تشمل ما يسبق المحاكمة أم لا ، إذ إن النص القائم يجعل الإباحة مقصورة على القذف والسب أمام المحاكم ، ونص المشروع بما فيه من توسعة الإباحة وفق ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في هذا الصدد.
والفقرة الثالثة من المادة تبيح أيضاً القذف أو السب في إبلاغ يقدم إلى السلطات القضائية أو الإدارية ، متى تم بحسن نية بأمر يستوجب عقوبة المبلغ ضده ، والهدف هو کشف الجرائم وإماطة اللثام عنها ؛ لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة .
كذلك فإن الفقرة الرابعة من المادة تجعل الفعل لا جريمة فيه متى كان قصد فاعله نقداً لوقائع تاريخية ، أو نقداً لعمل أدبي أو فني ، والمهم من حكم الفقرة الأخيرة هو إباحة النقد علمياً كان أم فنياً أم لوقائع تاريخية .
والفقرة الأخيرة من المادة تبيح تردد ما حدث في إجتماع عقد على نحو قانوني ، أو سرد ما دار أمام المحاكم طالما لم تحظر النشر ، وحسنت نية الفاعل وقصد الصالح العام .
6- المادة (559) من المشروع استحدث حكمها لتبادل بالعقاب بعقوبة الجنحة من ينشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المشروع أخباراً ، أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ، ولو كانت صحيحة ، متى كان من شأن نشرها الإساءة إليهم ، واستهدف المشروع من ذلك حماية سمعة الأسر والأفراد .
7- المادة (560) من المشروع تقابل المادة (309) مكرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (37) لسنة 1972، مع إستبدال لفظ «الأفراد» بلفظ «المواطن» الذي تضمنه النص القائم ، وقصد بهذا الإستبدال أن تتسع الحماية للأفراد كافة ، مواطنين أم أجانب ، حال أن لفظ المواطن يقصر الحماية على كل من يتمتع بالجنسية المصرية ، النص يشمل بالحماية الحياة الخاصة بالأفراد فيحظر الإعتداء على ما لها من حرمة ، وذلك بياناً لما يعد اعتداء على هذه الحرمة ، والفرض أنه ما دامت الحياة الخاصة للفرد لم تخرج عن النطاق الخاص ، فإن مفاد ذلك عدم رضائه بها بعد إنتهاكاً لها ، فإن جاوز الأمر النطاق الخاص - أي دائرة العمومية - افترض رضاء صاحب الحق في الحرمة ، لأنه بمسلكه هذا في مجال عام يفترض أنه تحلل بإرادته من هذه الحماية ، والأفعال المؤثمة في المشروع هي إستراق السمع أو تسجيل أو نقل محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف بواسطة أي جهاز مهما كان نوعه ، وكذلك إلتقاط صور ونقلها بأي جهاز متى كان التصوير أو النقل الصورة لشخص في مكان يتسم بصفة الخصوصية .
وقد غلظ نص المادة العقوبة إذا وقعت الجريمة من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ، فرفع حدها الأقصى ليصل إلى ثلاث سنوات حبس .
8- المادة (561) من المشروع مرتبطة بالمادة السابقة ، وتعاقب من أذاع أو سهل إذاعة أو إستعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة، أو كان الحصول عليه بغير رضاء صاحب الشأن .
والفقرتان الثانية والثالثة من المادة تبين أن الظروف المشددة التي ترفع عقوبة الجريمة من الجنحة إلى عقوبة الجناية ، وذلك إذا حصل تهدید بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق سالفة الذكر بقصد حمل شخص على القيام بعمل أو الإمتناع عنه.
وكذلك إذا كان الجاني موظفاً عاماً ومكلفاً بخدمة عامة متى إرتكب الأفعال المبينة في المادة إعتماداً على سلطة الوظيفة أو الخدمة العامة .
9- المادة (562) من المشروع تقابل بصفة عامة المادة (310) من القانون القائم مع إضافة فقرة مستحدثة إليها ، وضبط صياغتها ليتسع حكمها فيشمل كل من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو علمه أو فنه - مستودع سر فأفشى هذا السر الذي اؤتمن عليه بحكم صفته تلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، أو إستعمله لمنفعته الخاصة أو منفعة شخص آخر ، طالما لم يأذن صاحب الشأن بإفشاء السر أو إستعماله.
فإن كان من أفشى السر موظفاً عاماً ، أو مكلفاً بخدمة عامة ، أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة ، واستودع السر لديه أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة ، أو الخدمة العامة ، أو النيابة العامة ، أو بمناسبتها - كانت عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات ، وهذا النص في عمومه لا يمنع بداهة من تطبيق أي نص آخر ينص على عقوبة أشد ، وعلى سبيل المثال فإن إفشاء الإمتحانات ممن اؤتمن على سرها يدخل تحت طائلة التأثيم بهذه الفقرة ، وإفشاء أسرار الدفاع أو الحصول على رشوة مقابل إفشاء السر - يعاقب عليه كذلك بالنصوص الخاصة في هذا المنحى .
10 - المادة (563) من المشروع تجرم كل من يفض رسالة بريدية أو برقية بغير رضاء من أرسلت إليه ، وتكون العقوبة مغلظة لمن يفشي الرسالة أو البرقية للغير دون إذن من وجهت إليه ، متى كان من شأن ذلك إلحاق ضرر بالغير ، وهذا النص لا يمنع أيضاً من تطبيق أي نص خاص ، مثل نص المادة (201) من المشروع الوارد في الفصل الثالث ، وهي تحظر على الموظف العام إفشاء الرسائل والبرقيات للغير ، أو تسهيل ذلك له .
11 - المادة (564) من المشروع تجمع بين نصي المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وهي تجرم العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية ، أو ممثل لها معتمد في مصر بسبب تأدية وظيفة هذا الأخير أو بمناسبتها ، متى تم العيب في الحالتين بإحدى طرق العلانية المبينة في المادة (547) من المشروع ، وقد رئي أن الموضع المناسب لهاتين الجريمتين هو بين أحكام هذا الباب .
12 - المادة (566) من المشروع تتضمن أحكام المواد (306) مکرراً (أ) مضافة بالقانون رقم (67) لسنة 1953، (394) (378)/ (أ) معدلتين بالقرار بالقانون رقم 169 لسنة 1981 من القانون القائم ، وقد شدد المشروع العقوبة في الحالة الأولى فرفع العقوبة لهما إلى عقوبة الجنحة .
مادة (150):
إثبات القذف المعاقب عليه حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: الأول: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون بالغًا عاقلاً مختاراً وقت الإقرار غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها، ولا يقبل الرجوع عن الإقرار.
الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين غير متهمين في شهادتها، مبصرين قادرين على التعبير قولا أو كتابة عند تحمل الشهادة وعند أدائها.
وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.
ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة.
ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة لا نقلا عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها.
ولا يعد المجني عليه شاهدا إلا إذا شهد لغيره .
الإيضاح
يجب أن يكون الإثبات بمجلس القضاء؛ لأنه وسيلة الحكم والمؤدي إلى القضاء في
الدعوى، ويثبت القذف بإحدى وسيلتين: الإقرار أو البينة.
والإقرار: هو إخبار الشخص بها عليه من الحقوق، أو إظهار مکلف مختار ما عليه لفظاً الزيلعي (5)/ (2)، المهذب (2)/ (362))، وهو حجة شرعية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. وهو سيد الأدلة؛ لأن العاقل لا يقر على نفسه كذباً بما فيه ضرر على نفسه وماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه لعدم التهمة، ولكمال الولاية، ولأنه إذا وجب الحكم بإشهاده وهي مظنة الريبة، فلان يجب بالإقرار أولى؛ لأنه من الريبة أبعد (المهذب (2)/ (362)).
ولقد أجمعت الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أن الإقرار حجة في حق المقر نفسه، فتقام عليه الحدود، ويقتص منه بموجب إقراره. وعلى ذلك عمل أصحابه والتابعين دون مخالفة لهم من أحد، واشترطوا أن يكون المقر مكلفا (بالغاً، عاقلاً) مختاراً قادراً على الكلام على التفصيل الوارد في كتب الفقه، وأشرنا إليه في إيضاح المادة (146) من هذا المشروع، كما اشترطوا أيضا ألا يكون المقر منها في إقراره؛ لأن التهمة تخل برجحان جانب الصدق على جانب الكذب في الإقرار، کما اشترطوا في المقر له أن يكون معلوماً، فلو كان مجهولاً لا يصح الإقرار؛ لأن شرط إقامة الحد في القذف مطالبة المقذوف، فإذا كان مجهولاً لا تتأتى المطالبة (البدائع (7)/ (223)). ويجب أن يكون الإقرار صريحاً منصباً على الجريمة بأركانها، فلا يقبل فيه الكتابة أو التعريض ولا الإجمال في ذكر واقعة القذف، حتى يكون إقراره مؤدياً للحكم ومطابقاً للدعوى.
ويكفي في الإقرار بالقذف أن يقر به القاذف مرة واحدة؛ لأنه إخبار، والمخبر به لا يزداد بتكرر الخبر، وذكر صاحب البدائع الإجماع على عدم التعدد، والاكتفاء بالإقرار مرة واحدة (البدائع (7)/ (223))، وهذا مذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأهل الظاهر، وقال البعض - ومنهم أحمد والزيدية وأبو يوسف -: إن الإقرار يجب أن يكون مرتين؛ ليقام به الحد اعتباراً بالشهادة، فلو أقر مرة لا يحد بل يعزر.
وقد اختارت اللجنة رأي الجمهور للأسباب التي ذكرت آنفاً.
وغني عن البيان أن إقرار القاذف يبطل بتكذيب المقر له (المقذوف)؛ لأن الإقرار دلیل لزوم المقر به وتكذيب المقذوف دلیل عدم اللزوم، واللزوم لم يعرف ثبوته بعد، فلا يثبت بالشك خاصة فيما يدرأ بالشبهات ولأن في تكذيب المقذوف للمقر إسقاطاً للخصومة وحد القذف لا يجب استيفاؤه إلا بخصومة المقذوف، ولا يبطل الإقرار بالقذف بالرجوع عنه؛ لأنه حق وجب لصيانة حق الآدمي، فلا يقبل فيه الرجوع (کشاف القناع (4)/ (63)، المهذب (2)/ (164))، ولأن المقر إذا رجع يكون متهماً في رجوعه، فلا يصح الرجوع في الإقرار بحد القذف أسوة بسائر الحقوق المستحقة للعباد (البدائع (7)/ (233)) ولوجود من يكذبه فيه.
هذا بخلاف إنكاره الإقرار في سائر الحدود، فإنه يبطله؛ لأن إنكاره الإقرار فيه خبر محتمل للصدق وللكذب كالإقرار ولا مكذب له فيه، فتحققت شبهة كافية في إسقاط الحد (ابن عابدين (3)/ (157)).
الشهادة
الوسيلة الثانية لإثبات القذف هي البينة الشرعية، وحجية الإثبات بالبينة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، ويجب على الحاكم الحكم بمقتضاها إذا تمت بأركانها وشرائطها (التاج والإكليل (6)/ (150)، الزيلعي (4)/ (207)، ابن عابدین (4)/ (407) و(408)).
ورأت اللجنة أن يكون الأصل هو شهادة رجلين، إلا أنه عند الضرورة يجوز الإثبات بشهادة رجل وامرأتين، أو أربع نسوة، وذلك على النحو الذي أخذت به اللجنة في حد السرقة، ويشترط أن يكونا بالغين، ولأن الشهادة من باب الولاية والصبي لا ولاية له على نفسه، فلا ولاية له على غيره من باب أولى، وقد سبق بيان سن البلوغ في المادة رقم (31) من هذا المشروع.
كما يشترط أن يكون الشاهدان عاقلين، فلا تقبل شهادة المجنون؛ لأنه لا يعقل ما يقول ولا يضبطه، فلا يلتفت إلى قوله، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأنه: «رفع القلم عن ثلاث...». ذكر منهم المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق (سنن أبي داود (4)/ (140))، كما يشترط في الشاهدين أن يكونا مبصرین، فلا تقبل شهادة الأعمى في القذف، ولا في غيره من الحدود (الزيلعي (4)/ (217)/ (218)، مواهب الجليل (6)/ (154)، المهذب (2)/ (354)، المغني (12)/ (61) و(62)، المحلى (9)/ (433)، شرائع الإسلام (2)/ (236) و (237)).
کا اشترط الفقهاء قدرة شاهد القذف على الكلام والسمع؛ لأن في إشارة الأخرس شبهة تدرأ الحد. ويرى الحنابلة أن شهادة الأخرس كتابة بخطه مقبولة؛ لأن الخط يدل على اللفظ وكذلك الإشارة، وهو ما أخذت به اللجنة، ولأن الشهادة تعتمد على تمييز الأصوات في القذف، فكان اشتراط السمع ضروریاً.
كما اشترط الفقهاء عدالة شاهدي القذف ظاهراً وباطناً، ولا يكتفى بظاهر عدالته. احتيالا لدرء الحد المطلوب في قوله صلى الله عليه وسلم : «ادرءوا الحدود بالشبهات». ويرى أبو حنيفة اقتصار الحاكم على عدالة الشاهد المسلم الظاهرة. ولا يسأل عنه إلا إذا طعن الخصم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف». ولأن الظاهر الانزجار عما هو محرم في دينه، وبالظاهر كفاية؛ إذ لا وصول إلى القطع إلا في الحدود والقصاص، فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يطعن الخصم؛ لأنه يحتال لإسقاطها، فيشترط الاستقصاء فيها، وإن طعن الخصم في الشهود سأل القاضي عنهم؛ لأنه تقابل الظاهران، فيسأل طلباً للترجيح. هذا إذا لم يعلم القاضي حالهم، أما إذا علم بجرح أو عدالة فلا يسأل عنهم. وقال الصاحبان: لا بد للقاضي أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق، طعن الخصم فيهم أم لا؛ لأن الحكم إنها يجب بشهادة العدل، فوجب البحث عن العدالة. وقيل: هذا اختلاف عصر وأوان. والفتوى على قولها في هذا الزمان (ومثله في الجوهرة، وشرح الإسبيجابي، وشرح الزاهدي والينابيع، وقال صدر الشهيد: والفتوى اليوم على قولها. ومثله في شرح المنظومة والحقائق، وقاضیخان، ومختارات النوازل، والبرهاني، وصدر الشريعة، (اللباب في شرح القدوري (343)).
ومن هذا يعلم أن تعديل شهود الحدود عامة ظاهراً وباطناً - شرط في قبول شهادتهم عند الحنفية ويرى المالكية أن يكتفى بظاهر عدالة الشاهد، ولا تسأل عنه المحكمة إلا إذا طعن الخصم في عدالته. وقالوا: إن العدل هو الذي يجتنب الكبائر من المعاصي، ويتقي في أغلب الحالات الصغائر منها؛ لقول عمر رضي الله تعالى عنه: «المسلمون عدول بعضهم على بعض».
وقد اختارت اللجنة الأخذ بمذهب المالكية؛ لأنه أيسر في العمل خاصة في زماننا هذا الذي انتشر فيه الفساد، وعمت الفتنة، وتعذر القطع بمعيار العدالة الدقيق فيهم، مما قد يختلط معه الأمر على القضاء، ويؤثر في الأحكام (حاشية الدسوقي (4)/ (319)).
ومن ثم نص في المادة على أنه يفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك. كما رأى الفقهاء في شاهدي القذف أن يكونا قادرين على حفظ الشهادة، فاهمين لها، مأمونين على ما يدلیان به، فإذا كان الشاهد مغفلاً لا تقبل شهادة كبير الغلط؛ لعدم ائتمان الغلط في شهادته، فإن كان غلطه قليلاً قبلت شهادته لعدم انفكاك أحد عنه، ولا تقبل شهادة من يعرض له غالبا؛ لجواز سماعه شيئا نسي بعضه، وكذا الأبله لعدم تفطنه الأمور (التاج والإكليل (6)/ (154)، المهذب (2)/ (342)، منتهى الإرادات (4)/ (321)، الزيلعي (4)/ (207)).
ويشترط أن تكون شهادة كل من الشاهدين صريحة في الدلالة على الجريمة ووقوعها من الجاني بأركانها، وألا تكون بالتسامع، بل عن معاينة حتى تكون شهادة صحيحة مستوفية لأركانها الشرعية مؤدية للقضاء بموجبها.
مادة (151):
لا يحكم بحد القذف في الأحوال الآتية:
1- ثبوت صحة الواقعة المقذوف بها بإحدى الوسيلتين الآتيتين:
(أ) تصديق المقذوف قاذفه فيها رماه به.
(ب) إثبات القاذف صحة الواقعة بشهادة أربعة رجال.
2- زوال إحصان المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى.
3- إذا كان القاذف زوجاً وليس لديه شهداء وطلب اللعان.
الإيضاح
تقدم أن القذف فيه حق للعبد، ومن أجل ذلك اشترط الفقهاء فيه قيام الدعوى به من المقذوف أو من وكيله أو من أحد الورثة عن غير طريق الزوجية، إذا كان القاذف ميتاً على النحو السابق بيانه في المادة (148)، ولا بد أن تكون الدعوى به قائمة إلى أن يتم تنفيذ الحد (کشاف القناع (4)/ (63)). ولكن دعوى القذف قد يرد عليها ما يستوجب سقوطها مما يستوجب سقوط حد القذف تبعا لذلك، وقد أوضحت المادة الحالات التي تسقط فيها دعوى حد القذف.
الحالة الأولى: التي تثبت فيها واقعة القذف إما بأن يأتي القاذف باربعة رجال يشهدون بصحة ما رمی به المقذوف من الزنا، وحينئذ تسقط دعوى الحد على القاذف، فلا يقام عليه حد القذف؛ لأنه بعد ثبوت واقعة القذف ظهر أنه صادق فيما رمی به المقذوف، ولأن المقذوف بعد ثبوت الزنا عليه سقطت عفته ووجب حده للزنا، فلا يحد قاذفه؛ حيث لا يعد كاذبا، والله تعالى يقول:لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) [النور: 13]. فإذا أتى القاذف بالشهداء الأربعة الذين يشهدون بصدق واقعة القذف - لم يعد كاذباً، ويسقط الادعاء عليه بالقذف، وهذا باتفاق الفقهاء.
كذلك إذا صدق المقذوف قاذفه في واقعة الزنى التي رماه بها، تسقط دعوى حد القذف؛ لظهور صدق القاذف بإقرار المقذوف بالزنى، فلم يعد كاذبا . (المغني (10)/ (204)، (205)).
الحالة الثانية: إذا زال إحصان المقذوف بسقوط عفته، وقد تقدم في إيضاح المادة (147) أن إحصان المقذوف شرط لإقامة الحد على القاذف؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، وذلك باتفاق الفقهاء. وتقدم أنهم متفقون كذلك على أن معنى الإحصان في آية القذف العفة، وإن اختلفوا في المعنى المقصود من العفة على أقوال رأت اللجنة الأخذ منها برأي الحنابلة الذين قالوا: إن العفة هنا معناها البعد عن الزنا ظاهراً. ومعنى هذا يكفي أن يكون المقذوف بعيدا في الظاهر عن ارتكاب جريمة الزنا حتى ولو كان تائبا من زنا ليكون عفيفاً عندهم يجد قاذفه.
فإذا زالت عفة المقذوف بالمعنى المذكور بأن ارتكب جريمة الزنا - فإن عفته تسقط وتسقط، تبعا لذلك دعواه على قاذفه؛ لأنه هو الذي فرط في سمعته وشرفه بارتكابه جريمة الزنى، وكشف ستر الله عنه بارتكاب جريمة الزنا المحرم، فلم يعد أهلا لأن يقام على قاذفه الحد؛ لأنه فقد عفته التي شرع حد القذف للحفاظ عليها.
الحالة الثالثة: إذا كان قذف الرجل زوجته بالزنا دون أن يتوفر لديه الدليل الشرعي - لا يقام عليه حد القذف إذا طلب اللعان. وجاء في تفسير زاد المسير (6)/ (14)، طبعة المكتب الإسلامي: إذا قذف الرجل زوجته بالزنا لزمه الحد، وله التخلص منه بإقامة البينة أو باللعان الدعوى.
مادة (152): تسقط دعوى القذف بعفو المقذوف في أية حالة كانت عليها الدعوى.
الإيضاح
للفقهاء في جواز عفو المقذوف عن قاذفه أقوال مختلفة، ومرد الخلاف إلى اختلافهم في تكييف طبيعة حد القذف هل هو حق الله تعالى خالصاً كالزنى، أو حق لله وللعبد. فذهب الظاهرية إلى أنه حد خالص لله تعالى ولا حق فيه للعبد (المحلى (11)/ (288)، (290)).
ولم يختلف باقي الفقهاء في أن الحد من الحدود التي اجتمع فيها الحقان حق الله وحق العبد، فمن حيث كونه شرع لصيانة عرض العبد ولدفع العار عن المقذوف، وأنه هو الذي ينتفع به على الخصوص صار حقاً للعبد، ومن حيث أنه شرع للانزجار وإخلاء الأرض من الفساد صار حقاً الله تعالى، وإنما الخلاف بينهم في ترجيح أحد الحقين على الآخر.
فذهب الحنفية إلى تغليب حق الله تعالى (فتح القدير (4)/ (198)، الزيلعي (3)/ (203)).
وذهب الشافعي وأحمد ومحمد من الحنفية إلى تغليب حق العبد؛ لأنه هو المنتفع به على الخصوص. (المهذب (3)/ (292)، المغني (10)/ (204)، الزيلعي (3)/ (204)).
وذهب الإمام مالك إلى عدم تغليب أي من الحقين على الآخر، بل ذهب إلى تغليب حق الله تعالى بعد شكوى المقذوف إلى الإمام وإلى تغليب حق العبد قبل ذلك.
وقد ترتب على هذا الخلاف اختلافهم في جواز العفو عن القاذف على أقوال:
الأول: أنه يجوز العفو عن القاذف إلى وقت إقامة الحد. وإليه ذهب الشافعي وأحمد والشيعة الجعفرية، وبه قال أبو يوسف (فتح القدير (4)/ (198)، المهذب (2)/ (292)، المغني (10)/ (205)، المختصر النافع (2)/ (220)).
الثاني: أنه لا يجوز العفو عن القاذف. وإليه ذهب أبو حنيفة والأوزاعي والحسن البصري في رواية عنه (المحلى (11)/ (288)، فتح القدير (4)/ (198)).
الثالث: أنه يجوز العفو في حالات منها قبل بلوغ الشكوى للإمام، وقيل: إلى ما قبل سماع الشهود. وقيل: إلى ما قبل بلوغ الإمام أو بعده إذا قصد المقذوف الستر، أو كان المقذوف أبا للقاذف، أو أنها له أو جدا. وإليه ذهب الإمام مالك (الدسوقي (4)/ (331)، (332)، الباجي (7)/ (148)، تبصرة الحكام (2)/ (262)، الزرقاني (8)/ (90)).
ورأت اللجنة الأخذ بمذهب الإمام الشافعي وأحمد والشيعة الجعفرية؛ اعتباراً بتغليب حق العبد على حق الله تعالى في حد القذف؛ وتقديماً لحق العباد لحاجتهم إليه وغنى الله عنه، ولأن العبد هو المنتفع به على الخصوص ومن ثم يجوز للمقذوف أن يعفو عن قاذفه في أية حالة كانت عليها الدعوى؛ لأن حق الادعاء شرع لصيانة عرضه وشرفه وذلك شأنه، وله شرعا حق استعماله، فإذا عفا عن الجاني فقد تنازل عن هذا الحق، والمعروف أن من يملك حقا يملك التنازل عنه، ولأن المقذوف قد يلجأ إلى الستر وعدم التمادي في خصومة القاذف لما يراه من مصلحة له في ذلك، فوجب ألا يضار برد قصده .
وإذا كان هذا حقه، له أن يستعمله في أية حالة كانت عليها الدعوى، فله كذلك إذا رأى العفو عن القاذف أثناء تنفيذ الحد عليه أن يوقف تنفيذ عقوبة الجلد إلى ما قبل إتمامه، طالما تأكد حقه في العفو وإسقاط الحد، ولأنه لا يستوف كله إلا بطلب المقذوف، فله العفو عما بقي منه من باب أولى.
(مادة 145)
القذف المعاقب عليه حداً هو الرمي بالزنا أو بنفي النسب، بتعبير صريح قولاً أو كتابة.
(مادة 146)
يشترط في القاذف أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً، وألا يكون أصلاً للمقذوف من جهة الأب أو الأم.
(مادة 147)
يشترط في المقذوف أن يكون بالغاً عاقلاً معيناً محصناً، ويقصد بالإحصان العفة وهي البعد عن الزنا ظاهراً.
(مادة 148)
لا يجوز رفع الدعوى إلا بناءً على شكوى بطلب إقامة الحد، شفهية أو كتابية إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي من المقذوف، أو وكيله الخاص، أو من أحد الورثة - عن غير طريق الزوجية - إذا كان المقذوف ميتاً.
وترفع الدعوى من رئيس النيابة، أو من يقوم مقامه بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة.
(مادة 149)
لا تسمع الدعوى بطلب إقامة حد القذف بعد مضي ستة أشهر من يوم علم المقذوف
بالجريمة وبمرتكبها وتمكنه من الشكوى.
مادة (145): القذف المعاقب عليه حذا هو الرمي بالزنا، أو بنفي النسب بتعبير صريح قولاً أو كتابة.
الإيضاح
القذف في اللغة هو الرمي بالحجارة: يقال: قذف بالحجارة قذفاً. أي: رمى بها.
المصباح (2)/ (761)، لسان العرب (11)/ (174)، القاموس المحيط (3)/ (183)).
وشرعاً، اختلفت الفقهاء في تعريف القذف، ونورد في إيجاز القول السائد في كل مذهب:
1- فعرفه الحنفية بأنه الرمي بالزني (فتح القدير (4)/ (190)، والمختار (3)/ (181)).
2- وعرفه المالكية بأنه نسبة آدمي غيره لزنى أو قطع نسب مسلم (الشرح الكبير (4)/ (324)، (325)، والدسوقي (4)/ (299))، وقيل: هو نسبة آدمي مكلف غيره حراً عفيفاً مسلماً، أو صغيرة تطيق الوطء. لزناً، أو قطع نسب مسلم.
3- وعرفه الشافعية بأنه الرمي بالزنا في معرض التعبير (قليوبي (4) / (184)، مغني المحتاج (4)/ (155)). وقيل: هو قذف العاقل البالغ المختار محصناً ليس يولد له بوطء يوجب الحد. (المهذب (2)/ (272)).
4- وعرفه الحنابلة بأنه رمي بزنا أو لواط، أو شهادة بأحدهما عليه ولم تكتمل البينة. (كشاف القناع (4)/ (62)، منتهى الإرادات (4)/ (90)).
5- وعرفه الظاهرية بأنه الرمي بالزنا بين الرجال والنساء (المحلى (11)/ (262)).
6- وعرفه الشيعة الإمامية بأنه الرمي بالزنا واللواط (المختصر النافع (2)/ (220)، شرائع الإسلام (2)/ (249)). وقيل : هو الرمي بالزنا أو اللواط بلفظ صریح لا يحتمل التأويل. (الإسلام سبيل السعادة والسلام ص (90)).
ومن هذا يستبين أن الفقهاء وإن اتفقوا على أن رمي المحصن أو المحصنة بالزنا قذف، إلا أنهم فيما أضافوه إلى هذا التعريف من قطع نسب المسلم، أو اللواط، أو الشهادة بالزنا أو اللواط عند عدم اكتمال البينة عليها، واعتبار ذلك قذفاً يوجب الحد - هو محل خلاف، ولقد رأت اللجنة أن تأخذ في تعريف القذف بأنه الرمي بالزنا أو نفي النسب، کا راعت تقيد القذف بأن يكون بتعبير صريح، وهو ما يدل بوضعه على القذف بالزنا دون احتمال المعنى آخر غيره، كقول القاذف للمقذوف مثلا: یا زاني. أو: أنت زان. أو: یابن الزانية. أو وصف المرأة بلفظ فيه مادة: النون والياء والكاف، أما إذا كان التعبير يفهم منه القذف بوضعه مع احتمال معنى غيره، كقول القاذف للمقذوف مثلا: يا فاجر. أو: یا فاجرة. أو یا خبيث. أو: یا خبيثة. وغيرها من ألفاظ الكناية، وكذلك الألفاظ التي لا يفهم منها القذف بوضعها وإنها تفيد ذلك بقرائن الأحوال، كقوله لغيره: ما أنا بزان. أو: یا حلال، یابن الحلال. مما يعد من باب التعريض.
وقد اختلف الفقهاء في حكم هاتين الحالتين (الكناية والتعريض).
فمنهم من يرى اعتبار ألفاظ الكناية والتعريض قذفاً موجباً للحد على القاذف، ومنهم من يرى غير ذلك مما هو مفصل في كتب الفقه، ومن ثم رأت اللجنة أن تأخذ بالمتفق عليه دون ما هو محل خلاف، فاطرحتها من ألفاظ القذف الموجب للحد على القاذف بها.
کما رأت اللجنة الاقتصار في وسيلة التعبير عن القذف على صریح التعبير بالقول أو بالكتابة، دون غيرهما من الوسائل الإشارة والرسم والصورة؛ لما قد تنطوي عليه تلك الوسائل الأخيرة من شبهات تسقط الحد، أما التعبير باللفظ الصريح قولا فلا جدال في اعتباره قذفاً موجباً للحد عند تحقيق أركانه وشرائطه.
أما التعبير بالكتابة كالنشر في الصحف والمجلات واللافتات والكتب أو غير ذلك مما يكون لغير المقذوف أن يطلع عليه - فإن تحقق القذف بها ثبت؛ لتحقق علته من تعبير المقذوف وإيلامه وتهجينه بما يوجب احتقاره، طالما تحققت شروط القذف وانتفت الموانع.
وإنما جرئ الخلاف بين الفقهاء في حالة ما إذا تناول القاذف المقذوف بعبارة القذف في کتاب خاص لم يعلم به غيرهما فهو حينئذ بمثابة القذف في خلوة، فقرر الشافعية أنه لا حد على القاذف في ذلك، واعتبروها صغيرة غير موجبة للحد؛ لخلو القذف من مفسدة الإيذاء (نهاية المحتاج)، وعند غير الشافعية هو قذف موجب للحد لا فرق في ذلك بين القذف في الخلوة، والقذف علانية؛ لأن ظاهر النصوص تفيد وجوب الحد على كل قاذف دون تفريق، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية؛ ولقوله : «اجتنبوا السبع الموبقات .... الحديث. وعد منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
والإطلاق في إيجاب حد القذف على كل من قذف محصناً أو محصنة وإطلاق الحديث في اعتبار قذف المحصنات كبيرة دون تقييد، يدل على أنه متى وقع القذف وتحققت شروطه وجب الحد على القاذف دون نظر إلى كون القذف علم به غير المقذوف أم لا - أي: ولو في خلوة أو في العلن -، ولو كانت العلانية فيه شرطا لنص الله تعالى عليها في كتابه العزيز أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يحدث.
وقد اختارت اللجنة الأخذ بهذا الرأي الأخير دون مذهب الشافعية؛ لقوة أدلته وسداً الباب الفساد الذي عم في زماننا، ومن هذا يعلم أن القذف بالكتابة ولو برسالة خاصة بعد قذفاً موجباً للحد بشروطه، بل إن القذف بالكتابة وخاصة بالنشر يكون أعم من غيره في نشر الرذيلة، وإشاعة الفساد، وتهجين المقذوف، والافتراء عليه على أوسع نطاق، خاصة في هذا الزمان الذي أصبح للنشر فيه الأثر الكبير في المجتمعات بعد التطور الخطير في هذا القطاع المهم من سبل الإعلام.
وما ذكر في هذا الصدد يتفق مع ما ذهبت إليه اللجنة في المادة من عدم التقيد في تحقق القذف بحضور المقذوف أو غيبته، وكون القذف في السر أو العلانية، وغني عن البيان أن الكتابة التي يعبر بها القاذف يجب أن تكون مرسومة و مستبينة لتنتج آثارها.
هذا والقذف بأي لسان كان بالعربية أو الفارسية أو غيرهما موجب للحد إذا تحققت أركانه وشرائطه؛ لأن المقصود رفع الشين الذي لحق المقذوف، وذلك لا يختلف باختلاف الألسن (المبسوط للسرخسي جـ (9) ص (114)) طالما كان التعبير في نطاق تلك اللغة صريحاً في الرمي بالزنا.
وما تجدر الإشارة إليه أن المقصود بالقذف في تطبيق أحكام هذا القانون هو الموجب للحد شرعا، وقرر فقهاء الشريعة الإسلامية أحكامه، واختارت منها اللجنة ما جرت به مواد هذا القانون، وهو يختلف عن القذف والسب الواردين في كتاب الجرائم التعزيرية.
مادة (146): يشترط في القاذف أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً، وألا يكون أصلاً للمقذوف من جهة الأب أو الأم.
الإيضاح
اتفق الفقهاء على أنه يشترط في القاذف ليقام عليه الحد أن يكون مكلفاً - أي: بالغاً عاقلاً -؛ عملا بقوله : «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يفيق، وعن الصبي حتى يعقل أو يحتلم» (البدائع (7)/ (40)، الزرقاني (8)/ (85)، المهذب (2)/ (290)، کشاف القناع (4)/ (62)، شرائع الإسلام (2)/ (250)). والحديث له روايات كثيرة والرواية السابقة في مجمع الزوائد (6)/ (251)، وروي في سنن أبي داود بلفظ: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر». سنن أبي داود (4)/ (139) - (140)؛ ولأن العقل والبلوغ هما مناط التكليف، فإذا انعدما أو انعدم أحدهما لا يجب الحد على القاذف؛ لأن الحد عقوبة سبها الجناية، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بكونه جناية.
أما بالنسبة لشرط البلوغ فقد اتفق الفقهاء على أن الأصل فيه أن يكون بالأمارات - أي: العلامات الدالة عليه في الذكر أو الأنثى - وهي في الذكر بالاحتلام والإحبال والإنزال وفي الأنثى بالاحتلام والحيض والحبل، فإن لم يوجد فيهما شيء من ذلك فالمعتبر البلوغ بالسن، وقد اختلف الفقهاء في تحديد سن البلوغ للذكر والأنثى. فهو عند الحنفية يكون باكتمال عمر كل منهما خمس عشرة سنة، وهو رأي أبي يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة، أما هو (أبو حنيفة) فيرى اكتمال ثماني عشرة سنة للغلام، وسبع عشرة سنة للجارية (الأنثى). وروي عنه موافقة صاحبيه، وقول الصاحبين هو المفتى به في المذهب الحنفي. أما المالكية فيرون أن سن البلوغ في الذكر والأنثى يكون باكتمال كل منهما الثامنة عشرة من العمر، وهو ما رأت اللجنة الأخذ به ولأن الأخذ به، أعدل في مثل هذه الجنايات التي تشتد فيها العقوبة حتى يكون في اكتمال هذه السن دواعي النضج المطلوب في تقدير المسئولية الجنائية (حاشية الدسوقي ج (4) ص (313) وما بعدها، ابن عابدين (5)/ (100)، اللباب في شرح القدوري (128)، شرح ملا مسكين على الكنز / (477)).
ومن البين أنه عند اعتبار البلوغ بالسن إنما يكون احتسابه وقت ارتكاب جريمة القذف، وأن المراد بالسنة هي السنة الهجرية حيث حدد الفقهاء سن البلوغ بالتقويم الهجري، هذا وما تجدر الإشارة إليه أن اشتراط البلوغ في القاذف لإقامة الحد عليه لا يمنع من تعزير أو تأديب من لم يبلغ إذا قذف غيره، بما يراه القاضي رادعاً له مما يدخل في نطاق التعزير مع مراعاته لحدود السن الذي يرى فيه احتمال التعزير أو التأديب مما جرت به أحكام المادة (149) من هذا المشروع، وبالنسبة لزوال العقل إذا كان سببه الجنون فلا حد على القاذف، أما إذا كان سببه السكر بمحرم، فيقام الحد عليه، لأنه يكون كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له، ولأنه بسكره تعدى على عقله، فأزاله فوجب حده تغليظا عليه (ابن عابدين (3)/ (170))، هذا ما ذهب إليه الحنفية.
ويرى الشافعية أن السكران مكلف ويقام عليه الحد تغليظاً عليه، ولم يفرقوا بين ما إذا كان السكر بمحرم أو لا (تحفة المحتاج بشرح المنهاج (9)/ (107)). ويرى المالكية اشتراط العقل، فلا يحد السكران مطلقا، ومثلهم الحنابلة؛ لأنه إذا سقط عن المجنون التكليف في العبادات والإثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى بالإسقاط حاشية الدسوقي (289)، المغني (217)). ويرى الظاهرية مثل المالكية والحنابلة (المحلى (11) (293) و (294)).
ورأت اللجنة الأخذ بمذهب الحنفية في إقامة الحد على السكران، إذا كان سكره بمحرم؛ لقوة دليله، ولأنه أبلغ أثرا في تنقية المجتمع مما شاع فيه في زماننا من فساد بسبب تعاطي الخمور، وأنواع أخرى محرمة تذهب بالعقل الذي كرم به الله بني الإنسان، ومن ثم يكون إعفاء هؤلاء من الحد تشجيعاً لهم ولغيرهم ممن هم على شاكلتهم على ارتكاب الجرائم خاصة الموجبة للحدود، والتعلل بزوال العقل وسقوط التكليف بغية التهرب من العقوبات التي حددها الله جل شأنه رحمة للناس من شرورهم، كذلك اتفق الفقهاء على اشتراط أن يكون القاذف مختاراً غير مكره (نهاية المحتاج (9)/ (138)، الدسوقي (4)/ (301)، (325)، والمغني (10)/ (304)، البدائع (7)/ (40)، أسنى المطالب (4)/ (135)). فإن سلب منه الاختيار - كأن أكره على القذف - فلا حد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه». ولأن المكره لا دخل له فيما فعل؛ لأنه أمام من أكرهه كالآلة لا إرادة لها ولا اختيار، وعدل الله يقضي ألا يؤاخذ الإنسان بما فعل من غير إرادة كاملة، ولذا لم يؤاخذه بكفره حالة إكراهه، قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106]، والكفر أعظم الجرائم وأشدها فحشا، فإذا كان هذا شأن المكره عليه فأول أن يكون في غير ذلك من الجرائم التي تسقط بالشبهة، فلا يؤاخذ بها ارتكب من قذف في حالة إكراهه (الأشباه والنظائر للسيوطي (207))، كما لاحد على المكره بالسكر؛ لأنه لم يقذف.
كذلك يشترط في القاذف ألا يكون أصلاً للمقذوف من جهة الأب أو الأم وإن علا هذا الأصل، أي: سواء كان أبا له أو جدا لأب وإن علا، أو أما أو أم أم وإن علت، ذلك لأن حد الوالد في قذف ولده منافي للإحسان المطلوب منه في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [البقرة: 83]، وتوقير الوالدين واحترامهما واجب شرعا وعقلا. وفي المطالبة بحدهما أو أحدهما ترك التعظيم والاحترام اللذين أوجبها الله للآباء على الأبناء، فلا يجب عليها الحد بسبب قذف ولدهما، وإلى هذا الرأي ذهب جمهور الفقهاء (ابن عابدين (3)/ (321)، (232)، فتح القدير (4)/ (169) و (167)، المهذب (2)/ (289)، کشاف القناع (4)/ (62))، وهو الرأي الراجح في مذهب المالكية (الدسوقي (4)/ (327)، الشرح الكبير (4)/ (321)، الزرقاني (8)/ (91)).
ورأى بعض المالكية - وهو قول ضعيف في المذهب - عدم اشتراط هذا الشرط في القاذف، و أوجبوا حد القذف على الأب إذا قذف ابنه بصريح القذف. وقالوا بفسق الولد إذا طالب بحد أبيه، فلا تقبل للولد شهادة (حاشية الدسوقي (4)/ (394))، ورأت اللجنة الأخذ برأي الجمهور في اشتراط عدم كون القاذف أصلاً للمقذوف؛ لقوة أدلتهم وضعف أدلة المخالفين.
المادة (147): يشترط في المقذوف أن يكون بالغاً عاقلاً معيناً محصناً، ويقصد بالإحصان العفة، وهي البعد عن الزنا ظاهراً.
(الإيضاح)
اشترط الفقهاء: الحنفية والشافعية والشيعة وأحمد في إحدى روايتيه، وهو قول المالكية - أن يكون المقذوف بالغاً إذا رمي بكونه فاعلاً، لأن البلوغ أحد شرطي التكليف فأشبه العقل، ولأن ما يرمى به الصغير لو تحقق منه لم يجب عليه الحد؛ لكونه عقوبة، والصبي ليس من أهل العقوبة، وما دام فعله غير موجب للعقاب فلا يجب الحد على قاذفه، كما أن الحد إنها وجب لدفع المعرة عن المقذوف، والصبي لا يلحقه عار بنسبته إلى الزنا، حتى ولو كان مراهقا لعدم التصاق العار به على وجه الكال يضاف إلى ذلك أن الصبي لقصور عقله لا يقف على عواقب الأمور فلا يلحقه الشين به، والعقل زاجر عن ارتكاب ما له عاقبة ذميمة وكاله بالبلوغ (فتح القدير (4)/ (192)، المهذب (2)/ (289)، شرائع الإسلام (2)/ (250)، الدسوقي (4)/ (326)، العمروسي (2)/ (176)، کشاف القناع (4)/ (64)، المغني (10)/ (102)، ابن عابدين (3)/ (173)).
وذهب الظاهرية - وهو إحدى روايتين عن أحمد ومذهب المالكية - إلى أنه لا يشترط البلوغ في المقذوف، وساقوا أدلة لم تبلغ في قوتها أدلة القائلين باشتراطه، وفي رواية عن أحمد أنه يشترط أن يكون كبيراً يجامع مثله. واحتج الجميع بعموم النص في آية القذف (الدسوقي (4)/ (325)، فتح الجليل (4)/ (503)، المغني (10)/ (202)، المحلى (273)، (274)).
فهم يقولون أن عموم النص في الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور: 4]. يدخل فيه الصغير، وإن لفظ المحصنات يشمل كل ممنوع من الزنا، والصبي ممنوع عنه، ولتوافر العلة في القذف وهي الكذب، والقاذف کاذب حتماً، ولو كان صادقاً فلا يجب عليه الحد.
ورأت اللجنة الأخذ في ذلك برأي الحنفية والشافعية، ومن معهم، الذين يرون اشتراط بلوغ المقذوف لإقامة الحد على قاذفه؛ لقوة أدلتهم، ولأن العلة في مشروعية حد القذف دفع العار عن المقذوف؛ لئلا تشيع الفاحشة في المجتمع، وقذف غير البالغ ليس فيه إلحاق العار على نحو ما قدمنا. وإذا كانت العلة منتفية كان القول بحد القاذف في هذه الحالة غير محقق لمقصوده، فترجح القول باشتراط بلوغ المقذوف، والبلوغ يكون باكتمال عمر كل من الذكر والأنثى ثماني عشرة سنة هجرية على الوجه السابق بيانه في المادة (146) ما لم يبلغ كل منها قبل ذلك بالأمارات.
أما اشتراط العقل في المقذوف فقد ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة، إلا أن المالكية قالوا: إن الجنون المطبق الذي يصاحب المقذوف من حين بلوغه إلى قذفه لا تتخلله إفاقة - هو الذي لا يجب الحد على قاذفه، أما إذا بلغ صحيحاً ثم جن، أو كان يفيق ويجن، فإن قاذفه يحد. ولم يشترط باقي جمهور الفقهاء الذين اشترطوا العقل في المقذوف ذلك، واكتفوا بالقول بعدم إقامة الحد على القاذف إذا كان المقذوف مجنونا وقت القذف فقط. وعلة القول باشتراط العقل أن المجنون لا يعير بالزنا لعدم تكليفه، وغير العاقل لا يلحقه شين بإضافة الزنا إليه.
هذا إذا كان جنونه غير حادث بعد قذفه، أما إذا كان الجنون قد حدث بعد القذف وقبل طلب إقامة الحد على قاذفه - فلا يقام الحد على القاذف حتى يفيق المقذوف ويطالب به، وليس لوليه المطالبة بإقامته حذرا من فوات التشفي، فإن كان جنونه أو إغماؤه بعد طلب إقامة الحد على قاذفه أقيم الحد في الحال؛ لوجود شرطه (المراجع السابقة).
وقد رأت اللجنة الأخذ بهذا الرأي لقوة أدلته، خلافاً لرأي الظاهرية الذين لم يشترطوا العقل في المقذوف، فيحد عندهم قاذف المجنون ولو كان الجنون مطبقاً؛ لأن المجنون عندهم محصن ممنوع من الزنا بمنع الله أو بمنع أهله، والحجة عليهم أن فعل المجنون لا يوصف بكونه جناية، فناسب ذلك القول بعدم حد قاذفه، وبذلك ترجع اشتراط كونه عاقلا، وهو مذهب الجمهور.
كذلك اشترط الفقهاء في المقذوف أن يكون معيناً - أي: معلوماً -، فإن كان مجهولاً أو غير معين فلا حد على قاذفه، كمن يقول لجماعة: كلكم زان إلا واحدا. أو يقول: لرجلين. أحدكما زان. أو يقول لشخص: أخوك زان. وله أكثر من أخ، ولم يعين واحداً.
وإنها يشترط الفقهاء تعيين المقذوف؛ لأن حد القاذف إنها وجب لدفع المعرة عن المقذوف، والمجهول لم يتعين فلم تلحقه معرة بالقذف، وليس للسلطان ولا نائبه أن يطلب من القاذف تعيين المقذوف إذا وقع القذف بحضرته وكان المقذوف مجهولاً؛ لوجوب الستر على المسلم، ولأن حد القذف من الحدود التي تدرأ بالشبهات.
كذلك اتفق الفقهاء على أنه يشترط في المقذوف أن يكون محصناً، واتفقوا كذلك على
أن المراد بالإحصان هنا هو العفة، ثم اختلفوا في المراد بالعفة:
فذهب الحنفية إلى أن المراد بعفة المقذوف ألا يكون قد وطئ في عمره وطأ حراماً في غير ملك، ولا نكاح أصلاً، ولا في نكاح فاسد مجمع عليه (على فساده)، فإن فعل شيئاً من ذلك سقطت عفته، ولا يحد قاذفه (البدائع (7)/ (41)، ابن عابدين (3)/ (173)، الزيلعي (3)/ (206)).
وذهب المالكية إلى أن العفة عدم كون المقذوف قد حد في زناً أو لواط قبل القذف أو بعده، فإن حد المقذوف سقطت عفته ولا حد على قاذفه (الدسوقى (3)/ (326) و(331)، مواهب الجليل (6)/ (300)، الزرقاني (86)، الشرح الكبير (4)/ (326)).
وذهب الشافعية إلى أن العفة سلامة المقذوف قبل القذف وبعده عن فعل مما يوجب حد الزنا عليه، وعن وطء دبر حليلته، فإن فعل شيئا منها سقطت عفته، ولا يجد قاذفه (المهذب (2)/ (290)، نهاية المحتاج (6)/ (186)).
وذهب الحنابلة إلى أن عفة المقذوف هي بعده عن الزنا ظاهراً ولو كان تائبا من زنی (كشاف القناع (4)/ (63)، المغني (10)/ (219)، الإقناع (4)/ (260)).
وذهب الظاهرية إلى أن العفة الامتناع عن الزنا الذي لم يثبت على المقذوف وإن كان قد حد في غيره (المحلى (11)/ (268)، (273)، (282)).
وذهب الشيعة إلى أن العفة هنا عدم تظاهر المقذوف بالزنا، ومعنى هذا أنه يكفي عندهم لعفاف المقذوف أن يكون مستور الحال غير متظاهر بالزنا، فمن قذف شخصاً لا يعلم حاله وجب عليه الحد؛ لحمل حال المسلم على الصلاح حتى يثبت العكس، ومستور الحال مسلم لم يثبت عليه ما ينافي العفة، فوجب حد قاذفه (شرائع الإسلام (2)/ (250)، المختصر النافع (2)/ (220)، الإسلام سبيل السعادة والسلام (90)).
واللجنة بعد استعراض أقوال الفقهاء في العفة كشرط يجب تحققه في المقذوف حتى يقام الحد على قاذفه - رأت الأخذ بمذهب الحنابلة؛ تيسيراً لإثباتها (العفة) بشكل منضبط قطعاً لدابر الفساد، حتى لا تشيع الفاحشة في الناس، ومعاونة على تنقية المجتمع مما تفشى فيه من بذيء السباب، وتدعيماً لحماية الأعراض المستورة من التهجم عليها ورميها بأفحش الطعون.
ومما تجدر الإشارة إليه أن اللجنة لم تشترط إسلام المقذوف ليحد قاذفه أخذا بمذهب الظاهرية، وحجتهم إطلاق نص الآية: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)، ونص حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات» وعد منها قول الزور، وقالوا: إن الإطلاق بنفي اشتراط الإسلام، كما أن القذف قول زور، ولو كان المقذوف غير مسلم، وعجب ابن حزم الظاهري في المحلى من القول باشتراط الإسلام: إذن لا يتأتى أن تقطع يد سارق غير المسلم على ما ذهب عليه الآخرون، ولا يحد قاذفه. ويرى فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة اشتراط إسلام المقذوف ليحد قاذفه، بحجة أن الإحصان قد ورد في القرآن بمعنى الإسلام: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) الآية.
فوجب اعتباره شرطاً في المقذوف، ولأن حد قاذف غير المسلم فيه تكريم للمقذوف،
ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الرأي لقوة دليل الظاهرية، ودرء المفسدة بالتفرقة إذا ما حد قاذف المسلم وأعفي قاذف غير المسلم، وتجنباً لما يترتب على ذلك من فتنة التفرقة التي تضر بمصالح العباد مما تأباه الشريعة الإسلامية (فتح القدير (2)/ (289)، المهذب (2)/ (289)، شرائع الإسلام (2)/ (250)، الدسوقي (4)/ (326)، کشاف القناع (4)/ (640)، المغني (10)/ (202)، منح الجليل (4)/ (503)، المحلى (273) و(274)).
مادة (148): لا يجوز رفع الدعوى إلا بناء على شكوى بطلب إقامة الحد شفهية أو كتابية إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي من المقذوف أو وكيله الخاص أو من أحد الورثة غير طريق الزوجية، إذا كان المقذوف ميتاً.
وترفع الدعوى من رئيس النيابة أو من يقوم مقامه بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة.
الإيضاح
لما كان القذف من جرائم الحدود التي شدد الله عقوبتها وشرع فيها الجلد، وهو من العقوبات البدنية التي شرعها لمن تعدى حدوده، وكانت جريمته بذلك من الجرائم الكبرى التي نهى الإسلام عن مقارفتها؛ لبشاعة آثارها في المجتمع، فضلا عن أثرها الأليم في نفس المجني عليه، يقول الله تعالى في شأن هذه الجريمة: « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) ) ولذلك أنزلتها الشريعة الإسلامية منزلة جنايات الحدود کالزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن ثم فإن اللجنة رأت أن تكون جريمة القذف جناية، تختص بنظرها محاكم الجنايات حتى تكون أقدر على الإحاطة وأكفأ في التقدير، وذلك أحوط للعدالة.
ولما كان حد القذف فيه حق للعبد كانت الدعوى فيه لا تقام إلا بناء على شكوى المقذوف؛ لأنها تمس عرضه وسمعته أكبر مساس.
ويسلك المدعي في دعوى القذف الطريق الذي رسمته المادة من تقديم شكوى شفوية يدلي بها صاحب الحق أمام أحد أعضاء النيابة المختصة، أو أحد مأموري الضبط القضائي، ويحرر بها المحضر اللازم، أو يتقدم بها له مكتوبة، وتقدم الشكوى من المقذوف نفسه أو من وكيله الخاص، غير أنه إذا كان المقذوف ميتاً ترفع الدعوى من أحد الورثة عن غير طريق الزوجية، ويقول فقهاء الحنفية: إنه لا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه وهو الوالد والولد، لأن العار يلتحق به لمكان الجزئية، فيكون القذف متناولاً له معنى.
وعند الشافعي يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده، وعندنا (الأحناف) ولاية المطالبة ليست بطريق الإرث بل لما ذكرناه، ولهذا يثبت عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت، كما يثبت لولد الابن، وكذا يثبت لولد الولد حق المطالبة مع وجود الولد (فتح القدير (4)/ (195)). وقد أخذت اللجنة برأي الأحناف.
وقد حرصت اللجنة على النص بأن يقوم رئيس النيابة المختص أو من يقوم مقامه بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات مباشرة؛ منعا لتطويل الإجراءات.
وفي ذلك ضبط لوصف هذه الدعوى، وطريقة إقامتها وتحقيقها، والجهة المختصة بنظرها.
مادة (149): لا تسمع الدعوى بطلب إقامة حد القذف بعد مضي ستة أشهر من يوم علم المقذوف بالجريمة وبمرتكبها وتمكنه من الشكوى.
الإيضاح
لما كان حد القذف فيه حق للعبد، فإن الخصومة فيه والقضاء به واستيفاءه من القاذف تتوقف كلها على المطالبة (الادعاء) به ممن له الحق فيه، ومن ثم فإن هذه المطالبة يتحتم أن تظل قائمة لحين إقامة الحد على القاذف، فإذا سقطت المطالبة بعفو المقذوف لا يقام الحد على القاذف. وبهذا قال جمهور الفقهاء والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة، خلافاً للظاهرية الذين لم يشترطوا المطالبة بإقامة الحد؛ لأن حد القذف عندهم حق لله تعالى، فيقام حسبة دون توقف على مطالبة أحد من العباد؛ أسوة بسائر الحدود.
وإذا كان المقرر شرعاً أن الأولى للمقذوف أن يترك الخصومة والمطالبة بحد قاذفه البدائع (7)/ (52))؛ لأن المطالبة إشاعة للفاحشة وهو مندوب إلى تركها امتثالا لقوله تعالى: وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [البقرة: 237]
وإذا كانت المطالبة شرعاً لإقامة الحد على القاذف على نحو ما قدمنا، وكان المقذوف هو صاحب الحق فيها، وكان في ترك هذا الحق له يستعمله متى شاء فيه إضرار بالقاذف الذي يبقى هذا الحق سيفاً مسلطاً على عنقه؛ لأنه قد يضار به ويلحق به من العار والشين ما يتغير به أيضا مما يمكن تفاديه لو طرح على القضاء وثبتت براءته، وترك الحق للمقذوف الإقامة دعوى القذف متى شاء - يحرم القاذف من الدفاع عن نفسه وإثبات براءته في الوقت المناسب، ومن ثم فإن اللجنة رأت قطعاً لإشاعة الفساد والسوء بين الناس أن تحدد زمناً يكون للمقذوف فيه الحق في إقامة دعوى القذف، ولا تسمع بعد فواته دعواه؛ حماية للمجتمع واتقاء الإضرار بالقاذف.
وقد استعرضت اللجنة أقوال الفقهاء في تحديد مدة التقادم.
وللإمام محمد صاحب الإمام أبي حنيفة رأي في ذلك حيث حددها في أحد قوليه بستة أشهر، وراعى في هذا التحديد أن الستة أشهر أحد معاني كلمة (الحين) فيما إذا حلف لا يكلمه حينا. وجاء في المبسوط: «وإن حلف لا يعطيه ماله عليه حينا فأعطاه قبل ستة أشهر - حنث. لأن الحين قد يذكر بمعنى الساعة، قال تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) [الروم: 17]. والمراد وقت الصلاة، ويذكر الحين بمعنى أربعين سنة، قال تعالى: هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) " [الإنسان: 1]. ويذكر بمعنى ستة أشهر، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 25]. أنه ستة أشهر من حين يخرج الطلع إلى أن يدرك الثمر - فعند الإطلاق يحمل على الوسط من ذلك، فإن خير الأمور أوسطها، ولأنا نعلم أنه لم يرد به الساعة، فإنه إذا قصد المماطلة ساعة واحدة لم يحلف على ذلك، ويعلم أنه لم يرد أربعين سنة، فإنه إذا أراد ذلك يقول: أبدا. فعرفنا أن المراد ستة أشهر». ومثله في ابن عابدين (3)/ (110)، المبسوط (9)/ (66) - (70).
وتحديد مدة التقادم أوفق وأحوط وأنسب للعصر، ولا يتنافى مع المبادئ الأساسية للشريعة السمحاء التي أتاحت لولي الأمر حق تقييد القضاء بالزمان والمكان والحادثة؛ جلبا لمصلحة العباد ودرءا للمفسدة عنهم، وروي أن الإمام أبا حنيفة لم يحدد له مدة، وفوض أمر تحديده للقاضي في كل عصر وأوان، فيما يراه القاضي تفريطاً فهو تقادم، وإلا فلا، فقد روى أبو يوسف أن الإمام أبا حنيفة أبى أن يؤقت للتقادم بوقت. (فتح القدير (4)/ (164))، لكن تحديده - خاصة في هذا الزمان - أضبط وأدق ويحقق ما قدمنا من أهداف، واعتبار الشهر حداً له فيه إعنات لأرباب الدعاوى في القذف لقصر مدته.
ومن ثم رأت اللجنة أن تحدد لتقادم الدعوى بالقذف ستة أشهر لا تسمع بعدها، لما في الادعاء بعد تلك المدة من معنى التفريط الذي يبيح لولي الأمر أن يأمر في مثله بعدم الساع؛ حسما للخصومات، ودرءا للمفاسد في هذا الزمان.
هذا ولاحظت اللجنة أن المقذوف قد تقوم عنده من الأعذار المقبولة ما يمنعه من إقامة دعوى القذف في المدة المحددة (ستة أشهر)، وليس من العدالة مصادرة دعواه بمنع سماعها للتقادم وهو ذو عذر مقبول، والمقرر شرعا أن الضرورات تبيح المحظورات، فنصت في المادة على قيد تمكن المقذوف من إقامة الدعوى، بعد علمه بها، حيث اعتبر جهله بحادثة القذف، وعدم تمكنه من الادعاء كلاهما عذر مقبول إذا أثبته، فتقبل دعواه متى تقدم بها خلال ستة أشهر من زوال العذر.
وغني عن البيان أنه إذا كان طریق ثبوت جريمة القذف الإقرار، فلا تأثير للتقادم عليه؛ لأنه لا محل للتهمة ولا للشك في سلامة الإقرار، لأن الإنسان لا يقر على نفسه عادة کاذباً فيما فيه ضرر عليه، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه؛ لعدم التهمة وللولاية الكاملة على نفسه، ولأنه إذا وجب الحكم بالشهادة وهي مظنة الريبة، فلأن تجب بالإقرار أولى، وهو من الريبة أبعد، فلا أثر للتقادم عليه.
وكذلك الشهادة لا يؤثر فيها التقادم؛ لأنها لا تجب إلا حيث تكون المطالبة من المقذوف التي هي حقه، وما لم تكن المطالبة فلا تجب الشهادة، ومن ثم لا يكون لتأخيرها وتقادم العهد عليها أثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 99
إِهَانَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الإْهَانَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَهَانَ، وَأَصْلُ الْفِعْلِ هَانَ بِمَعْنَى ذَلَّ وَحَقُرَ، وَفِيهِ مَهَانَةٌ أَيْ: ذُلٌّ وَضَعْفٌ، وَالإْهَانَةُ مِنْ صُوَرِ الاِسْتِهْزَاءِ وَالاِسْتِخْفَافِ.
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَنِ الاِسْتِخْفَافِ فِي مُصْطَلَحِهِ (ج 3 / 248).
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
الإْهَانَةُ تُعْتَبَرُ مَدْلُولاً لِبَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ كَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، أَوِ الْفِعْلِيَّةِ كَالضَّرْبِ وَمَا شَابَهَهُ مِمَّا يُعْتَبَرُ إِهَانَةً، وَهِيَ تَرِدُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ:
الأْوَّلُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّ الإْهَانَةَ مَدْلُولٌ لِتَصَرُّفَاتٍ تَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ.
وَبِذَلِكَ تَكُونُ الإْهَانَةُ أَمْرًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ قَدْرِ الْمُهَانِ، وَبِحَسَبِ عِظَمِ الإْهَانَةِ وَصِغَرِهَا.
فَالإْهَانَةُ الَّتِي تَلْحَقُ بِالْعَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ كَالسُّجُودِ لِصَنَمٍ، أَوْ إِلْقَاءِ مُصْحَفٍ فِي قَاذُورَةٍ، أَوْ كِتَابَتِهِ بِنَجَسٍ، أَوْ سَبِّ الأْنْبِيَاءِ وَالْمَلاَئِكَةِ، أَوْ تَحْقِيرِ شَيْءٍ مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ تُعْتَبَرُ كُفْرًا. (ر: رِدَّةٌ - اسْتِخْفَافٌ).
وَالإْهَانَةُ الَّتِي تَلْ حَقُ بِالنَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ سَبٍّ وَشَتْمٍ وَضَرْبٍ، تُعْتَبَرُ مَعْصِيَةً.
(ر: قَذْفٌ، تَعْزِيرٌ، اسْتِخْفَافٌ).
عَلَى أَنَّ مِنَ الأْفْعَالِ مَا يَكُونُ فِي ظَاهِرِهِ إِهَانَةً، لَكِنِ الْقَصْدُ أَوِ الضَّرُورَةُ أَوِ الْقَرَائِنُ تُبْعِدُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَالْبُصَاقُ عَلَى اللَّوْحِ لاَ يُعْتَبَرُ إِهَانَةً، إِذَا قَصَدَ بِهِ الإْعَانَةَ عَلَى مَحْوِ الْكِتَابَةِ.
وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ، وَاحْتِيجَ إِلَى إِلْقَاءِ حِمْلٍ مِنَ الْمَصَاحِفِ مَثَلاً جَازَ ذَلِكَ؛ لأِنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ، وَالضَّرُورَةُ تَمْنَعُ كَوْنَهُ امْتِهَانًا.
الاِعْتِبَارُ الثَّانِي: بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ:
فَتَكُونُ الإْهَانَةُ عُقُوبَةً مُقَرَّرَةً، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِالْقَوْلِ أَمْ بِالْفِعْلِ.
فَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْكُفَّارِ تَكُونُ مَعَ الإْهَانَةِ لَهُمْ. لقوله تعالى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(.
وَكَإِهَانَةِ مَنْ يَعْتَدِي عَلَى غَيْرِهِ بِشَتْمٍ مَثَلاً، جَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: مَنْ شَتَمَ رَجُلاً بِقَوْلِهِ لَهُ: يَا كَلْبُ فَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ لِذِي الْفَضْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالشَّرَفِ عُوقِبَ عُقُوبَةً خَفِيفَةً يُهَانُ بِهَا، وَلاَ يَبْلُغُ بِهِ السَّجْنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَةِ عُوقِبَ بِالتَّوْبِيخِ، وَلاَ يَبْلُغُ بِهِ الإْهَانَةَ وَلاَ السَّجْنَ.
وَكَإِهَانَةِ الاِبْنِ وَالتِّلْمِيذِ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ .
وَتَخْتَلِفُ الإْهَانَةُ كَعُقُوبَةٍ بِاخْتِلاَفِ مِقْدَارِ الإْهَانَةِ كَعُدْوَانٍ، وَبِاخْتِلاَفِ قَدْرِ الْمُهَانِ. وَلِلإْهَانَةِ كَعُقُوبَةٍ مُسَمَّيَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَقَدْ تُسَمَّى حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا أَوْ تَأْدِيبًا. (ر: حَدٌّ، تَعْزِيرٌ، تَأْدِيبٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 305
حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :
مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 133
سَبٌّ
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّبُّ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: الشَّتْمُ، وَهُوَ مُشَافَهَةُ الْغَيْرِ بِمَا يَكْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَدٌّ، كَيَا أَحْمَقُ، وَيَا ظَالِمُ.
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: هُوَ كُلُّ كَلاَمٍ قَبِيحٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَذْفُ، وَالاِسْتِخْفَافُ، وَإِلْحَاقُ النَّقْصِ، كُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السَّبِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَيْبُ:
2 - الْعَيْبُ خِلاَفُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلاً، أَوْ شَرْعًا، أَوْ عُرْفًا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ السَّبِّ.
قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: فَإِنَّ مَنْ قَالَ: فُلاَنٌ أَعْلَمُ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ عَابَهُ، وَلَمْ يَسُبَّهُ.
ب - اللَّعْنُ:
3 - اللَّعْنُ: هُوَ الطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ السَّبُّ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَ الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ: «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَ الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ».
فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّعْنَ بِالشَّتْمِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: اللَّعْنُ أَبْلَغُ فِي الْقُبْحِ مِنَ السَّبِّ الْمُطْلَقِ.
ج - الْقَذْفُ:
4 - يُطْلَقُ السَّبُّ وَيُرَادُ بِهِ الْقَذْفُ، وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَى فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ، كَمَا يُطْلَقُ الْقَذْفُ وَيُرَادُ بِهِ السَّبُّ.
وَهَذَا إِذَا ذُكِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا.
فَإِذَا ذُكِرَا مَعًا لَمْ يَدُلَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الآْخَرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».
وَعِنْدَ التَّغَايُرِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْقَذْفِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَبِالسَّبِّ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ إِنْ كَانَ السَّبُّ غَيْرَ مُكَفِّرٍ.
حُكْمُ السَّبِّ:
5 - الْمُسْتَقْرِئُ لِصُوَرِ السَّبِّ يَجِدُ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الأْحْكَامُ الآْتِيَةُ:
أَوَّلاً: الْحُرْمَةُ: وَهِيَ أَغْلَبُ أَحْكَامِ السَّبِّ وَقَدْ يَكْفُرُ السَّابُّ، كَالَّذِي يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ يَسُبُّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَوِ الْمَلاَئِكَةَ.
ثَانِيًا: الْكَرَاهَةُ: كَسَبِّ الْحُمَّى.
ثَالِثًا: خِلاَفُ الأْوْلَى: وَذَلِكَ إِذَا سَبَّ الْمَشْتُومُ شَاتِمَهُ بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ بِهِ، عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.
رَابِعًا: الْجَوَازُ: نَحْوَ سَبِّ الأْشْرَارِ، وَسَبِّ السَّابِّ بِقَدْرِ مَا سَبَّ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
أَلْفَاظُ السَّبِّ:
6 - مِنْ أَلْفَاظِ السَّبِّ قَوْلُهُ: كَافِرٌ، سَارِقٌ، فَاسِقٌ، مُنَافِقٌ، فَاجِرٌ، خَبِيثٌ، أَعْوَرُ، أَقْطَعُ، ابْنُ الزَّمِنِ، الأْعْمَى، الأْعْرَجُ، كَاذِبٌ، نَمَّامٌ.
وَمِنْ أَلْفَاظِ السَّبِّ مَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ قَائِلِهِ، نَحْوَ سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَحَدِ أَنْبِيَائِهِ الْمُجْمَعِ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، أَوْ مَلاَئِكَتِهِ، أَوْ دِينِ الإْسْلاَمِ، وَيُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي (رِدَّةٍ).
وَمِنْهَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُوَ لَفْظُ السَّبِّ بِالزِّنَا، وَهُوَ الْقَذْفُ، وَيُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي (قَذْفٍ).
وَمِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَقْتَضِي تَعْزِيرًا كَسَبِّ الْوَالِدِ وَلَدَهُ.
إِثْبَاتُ السَّبِّ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْزِيرِ:
7 - يَثْبُتُ السَّبُّ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْزِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ وَيُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ لَفِيفٌ مِنَ النَّاسِ.
وَاللَّفِيفُ: الْمُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُمْ.