إن ملاحقة الطاعن للمجنى عليها على سلم المنزل وما صاحب ذلك من أقوال وأفعال حسبما استظهره الحكم المطعون فيه مما تتوافر به أركان جريمة الفعل الفاضح العلنى ينطوى فى ذاته على جريمة التعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول وبالفعل فى مكان مطروق وهى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 306 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات مما يقتضى تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات والحكم على الطاعن بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد وهى جريمة الفعل الفاضح العلنى . ولما كان الحكم المطعون فيه قد أوقع على الطاعن عقوبة عن كل من هاتين الجريمتين ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
( الطعن رقم 1782 لسنة 39 - جلسة 1970/02/08 - س 21 ع 1 ص 238 ق 59 )
ملحوظة رقم 1 : تم تعديل النص بموجب القانون رقم 141 لسنة 2021 المنشور بالجريدة الرسمية - العدد 32 مكرر (أ) الصادر فى 15 / 8 / 2021 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 وقد كان النص السابق :
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الإتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.
وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
ملحوظة رقم 2 : استحدث المشرع نص المادة 113 مكرراً في قانون الإجراءات الجنائية وذلك بموجب القانون رقم 177 لسنة 2020 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 36 مكرر في 2020/9/5 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر برقم 150 لسنة 1950 ، والذي نص على أنه:
لا يجوز لمأموري الضبط أو جهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، أو في أي من المادتين (306 مكرراً / أ ، 306/ مكرراً / ب) من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، إلا لذوي الشأن.)
(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)
مركز الراية للدراسات القانونية
جريمة التحرش الجنسي:
ترجع علة تحريم التحرش الجنسي إلى حماية الكرامة الإنسانية للمجني عليه وحريته الجنسية بما تحمله من معنى الذاتية والخصوصية، فضلاً عن حماية الحياء العام.
وعادة ما يقع التحرش على المرأة في المجتمعات المتخلفة التي تنظر إليها وكأنها سلعة جنسية أو مواطنة من الدرجة الثانية، إلا أنه إعمالاً لمبدأ المساواة وعدم التمييز ضد المرأة لم يصبح نوع الجنس عنصراً في ركنها المادي.
الركن المادي للجريمة
(أ) يتوافر النشاط الإجرامي اللازم لقيام الركن المادي للجريمة بتوافر العناصر الثلاثة الآتية:
(1) التعرض للغير.
(2) في مكان عام أو خاص أو مطروق .
(3) بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية.
ويتحقق التعرض للغير بسلوك غير مرغوب فيه من هذا الغير. ويستوي في الغير أن يكون ذكراً أو أنثى، فالتحرش الجنسي ليس مقصوراً على الأنثى فقط وإن كان في الغالب من الأمور يقع على الأنثى.
ويفترض هذا التعرض أن يتجاوز بغير رضاء الغير، فإذا كان ذلك من خلال مزاح متبادل أو في جو من الألفة بين الاثنين، فإنه لا يعد تعرضاً مما يرد عليه التجريم. وهو أمر تكشفه الظروف التي تم فيها التعرض لبيان ما إذا كان برضاء الغير وقبوله أو لا.
ويستوي في هذا التعرض أن يكون بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة .
وقد عنيت المادة 306 مكرراً عقوبات بأن تنص على عبارة «بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية» حسما لأي خلاف قد يحدث في التفسير، علما بأن تفسير الوسيلة يتسع لأي طريقة من الطرق التي قد يستحدثها التطور العلمي والتكنولوجي. ولا يشترط في الوسيلة أن تكون ماسة بجسم المجني عليه، بل يكفي أن تمس كرامته أو حريته الجنسية أو تكون على درجة معينة من الشدة أو الاستمرار أو التكرار أو أن تحمل معنى العدوان .
ويعد الفعل تعرضاً غير مرغوب فيه بالنظر إلى تأثيره على الشخص المعتاد من جنس المجني عليه في الظروف التي وقع فيها، وهو ليس مجرد عرض أو دعوة، بل هو إيذاء أو إهانة. ويكفي أن يحدث التعرض مرة واحدة لوقوع الجريمة، بخلاف القانون الفرنسي الذي يشترط أن يكون التعرض بطريقة متكررة (المادة 222- 33 عقوبات فرنسي).
أما عن مكان التعرض، فيستوي أن يكون عاماً أو خاصاً أو مطروقاً (سواء كان عاماً أو خاصاً)، فالجريمة تقع اعتداء على شخص المتحرش به ولا تقع على الشعور العام أو تمس الحياء العام، مما لا محل مغه لاشتراط العلانية في المكان الذي تقع فيه الجريمة.
وبالنسبة للطبيعة الجنسية للتعرض، يتميز التحرش الجنسي بأنه أعمال ذات طبيعة جنسية من شأنه أن يثير معاني جنسية لدى المجني عليه، وهو ما يتم بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء كان الغير رجلاً أو امرأة . وهو ما يمثل تدخلاً غير مقبول في الحياة الجنسية للمجني عليه.
ويستوي أن يتم ذلك بالمواجهة أو من خلال المراسلات المكتوبة، أو المحادثات التليفونية، أو بغير ذلك من وسائل الاتصال.
ومن صور الإيماءات أو التلميحات التعليقات أو التشبيهات أو الاستفسارات أو الغمز أو الحركات أو إثارة الموضوعات الجنسية ذات المعني.
(ب) ومن حيث النتيجة، فلم تشترط المادة 306 مكرراً عقوبات من القانون المصري أية نتيجة مادية سوى الأثر المعنوي الذي يؤذي الغير بسبب النشاط الإجرامي السالف بيانه. ويقاس هذا الأثر بمعيار الشخص العادي وفقاً للمجرى العادي للأمور.
الركن المعنوي للجريمة :
هذه الجريمة عمدية يتعين فيها توافر القصد الجنائي. وفيما يتعلق بعنصر العلم الواجب توافره لقيام القصد الجنائي العام، فيجب أن يعلم الجاني أن من شأن استعماله الوسائل التي اتبعها ذات الطبيعة الجنسية أو الإباحية التعرض للمجني عليه وفقاً للمجرى العادي للأمور. فإذا اعتقد المتهم أن فعله يرضي المجني عليه أو أن العلاقة الخاصة بينهما تسمح بما صدره من قول أو فعل دون أن تعتبر تعرضاً، فلا يتوافر القصد الجنائي.
العقوبة :
نصت المادة 306 مكرراً عقوبات على أن عقوبة هذه الجريمة هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وقد نص القانون على ظرف مشدد، هو تكرار الفعل من الجاني من خلال الملاحقة أو التتبع للمجني عليه فجعل العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. والتكرار لا يعني العود للجريمة، بل هو مظهر للنشاط الإجرامي الصادر من الجاني، بمعنى أن يكون التعرض بالقول أو الفعل أو الإشارة من خلال الملاحقة والتتبع. وهذا التكرار اعتبره قانون العقوبات الفرنسي - كما بينا - شرطاً لوقوع الجريمة، بينما اعتبره القانون المصري ظرفاً مشدداً للعقوبة.
هذا بالإضافة إلى ظرف العود، ففي هذه الحالة تضاعف العقوبة إلى الحبس والغرامة في حديهما الأمن والأقصى. وهو نوع من العود الخاص لا يخضع لحكم المادتين 49 (ثانياً) و 50 عقوبات، بل رصدت له المادة 306 مكرراً (أ) في فقرتها الثالثة تشديداً خاصة هو مضاعفة عقوبتي الحبس والغرامة في حديهما الأقصى والأدنى.
وقد يكون فعل التعرض للغير جريمة سب أو قذف إذا وقع بطريق الإشارة أوالقول، وفي هذه الحالة تنطبق المادة 32/ 1 من قانون العقوبات. وقد تتعدد الجريمة إذا وقعت بالفعل تعدداً مادياً مع جريمة هتك العرض أو الفعل الفاضح، وفي هذه الحالة تطبق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات فيحكم بعقوبة الجريمة الأشد إذا كان ارتباطاً لا يقبل التجزئة .(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة : 290)
استحدث المشرع جريمة التحرش الجنسي بالقانون رقم 50 لسنة 2014 الذي أضاف إلى قانون العقوبات المادة 306 مكرراً (ب) وهي تنص في فقرتها الأولى على أن:
يعد تحرشاً جنسياً إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرراً (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية.
وتتطلب هذه الجريمة ارتكاب جريمة التعرض للغير مع توافر قصد خاص يتمثل في حصول الجاني على منفعة جنسية .
ويلاحظ أنه يكفي لوقوع هذه الجريمة أن تقع جريمة التعرض للغير المنصوص عليها في المادة 306 مكرراً (أ) مصحوبة بقصد خاص لدى الجاني يتمثل في استهداف الحصول على منفعة جنسية، فيكفى لوقوعها توافر هذا القصد، ولا يشترط الحصول فعلا على هذه المنفعة.
أما إذا ترتب على هذه الجريمة الحصول فعلاً على المنفعة الجنسية فإن الجريمة عندئذ لا تقتصر على الاعتداء على الشرف والاعتبار والكرامة، وإنما تمتد إلى الاعتداء على العرض، فتقع بها جريمة الاغتصاب أو هتك العرض .
عقوبة جريمة التحرش الجنسي:
يقرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين .
الظروف المشددة لعقوبة التحرش الجنسي
نص المشرع على عدة ظروف تشدد عقوبة التحرش الجنسي وهي:
أولاً: إذا كان الجاني ممن نصت عليهم المادة 267 من قانون العقوبات - التي تعاقب على الاغتصاب - وهم أصول المجني عليه أو المتولين تربيته أو ملاحظته أو من لهم سلطة عليه أو خادم بالأجرة عنده أو عند من تقدم ذكرهم .
ثانياً: إذا كانت للجاني سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه .
ثالثاً: إذا مارس الجاني على المجنى عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه .
رابعاً: إذا تعدد الجناة بأن كانوا شخصين فأكثر، وكان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا .
إذا توافر أي ظرف من هذه الظروف تصبح العقوبة الحبس مدة تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
ويلاحظ عند توافر الظرف المشدد الجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة ، وعدم الاكتفاء بعقوبة واحدة .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 641)
هذه المادة مضافة بالقانون رقم 617 لسنة 1953 الصادر في 12 ديسمبر 1953(الوقائع المصرية في 12 ديسمبر سنة 1953 - العدد 99 مكرراً) ثم استبدلت الفقرة الأولى منها بالقانون رقم 169 لسنة 1981(الجريدة الرسمية في 4 نوفمبر سنة 1981- العدد 44 مكرراً) حيث رفعت عقوبة الحبس إلى شهر في الفقرة الأولى.
ثم عدلت المادة بعقوبتها بموجب القانون رقم 93 لسنة 1995 وأضيف بين الفقرتين فقرة جديدة وهي الخاصة بخدش حياء الأنثى عن طريق التليفون.
أركان الجريمة :
تقوم هذه الجريمة المنصوص عليها 306 مكرراً (أ) على ركنين هما :
أولاً : الركن المادي
تفترض هذه الجريمة تعرض رجل لامرأة في طريق عام أو مكان مطروق هذا التعرض لا يتحقق إلا إذا كان الرجل قد " أقحم نفسه على مسار أنثي " فإذا كانت تلك الأنثي تصاحب الرجل سيراً أو جلوساً فلا تقوم هذه الجريمة في حقه مهمة خدش حياءها بقول أو فعل وإن جاز أن تقوم في حقه إن كان جريمة أخرى لانعدام التعرض. كما يلزم أن يكون هذا التعرض قد تحقق في طريق عام أو في مكان مطروق كما يلزم وهذا هو الأهم أن يقع هذا التعرض على وجه يخدش حياء المرأة بقول أو بفعل والحياء لايخدش إلا إذا كان في الفعل أو في القول إيحاء جنسي أو إيماءه جنسية منعكسة بطريقة أو بأخرى على فكرة الممارسة الجنسية بمعناها الواسع فإذا خلى الفعل أو القول من تلك الدلالة فلا تقوم به الجريمة كمن يتعرض لفتاة تسير في الطريق العام لتنبيهها لسقوط شئ منها.
وهذا ويلاحظ أن التعرض الواقع بالفعل " قد يشكل أركان جريمة أخرى "كالفعل الفاضح" إذا بلغ حدا من الجسامة كما أنه غالباً. أن لم يكن دائماً بشكل جريمة من الجرائم الماسة بالاعتبار حينما يقع التعرض "بالقول" وهنا يلزم أعمال حكم المادة 32 عقوبات والحكم على الفاعل بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد وقيل في ذلك أيضاً أنه يشترط في الفعل المكون الجريمة التعرض لأنثى أن يقصد به صاحبه التمهيد للإخلال بالحياء كأن يلاحق صاحب سيارة سيدة بالطريق العام فيوجه إليها عبارات الغزل ويدعوها إلى السينما أما إذا جاوز الفعل هذه الحدود وأتى فعلاً مخلاً بالحياء كأن يمسك بذراعها أو أن يشير إلى عورة في جسمه فإن هذه الأفعال تعتبر مكونة لجريمة التعرض وجريمة الفعل الفاضح العلني ونكون بصدد تعدد معنوی.
ثانياً : الركن المعنوي :
يتطلب القانون لتوافر جريمة التعرض لأنثى بالقول أو بالفعل على وجه يخدش حياءها توافر القصد الجنائي العام وهو يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد وقع الجاني إلى فعلته أو بالغرض الذي توفاه.
خدش حياء الأنثى عن طريق التليفون :نصت المادة 306 مكرراً (أ) المعدلة بالقانون رقم 93 لسنة 1995 في فقرتها الثانية على أنه (ويسري حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون) ولايتصور وقوع هذه الجريمة سوى بالقول من الجاني وعن طريق التليفون وتقدير ما إذا كانت العبارة أو العبارات التي قبلت من شأنها التعرض لحياء الأنثى من عدمه هي من الأمور الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع مستهدياً في ذلك بالقواعد العامة المنظمة للأخلاق في المجتمع وللعرف السائد في الوسط المحيط. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 21 )
يتميز الفعل الفاضح عن جريمة التعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها في أنه يتحقق بسلوك مخل بالحياء ويتخذ صورة الفعل لا مجرد القول. هذا بينما التعرض الإنثى قد يقع بالقول أو بفعل آخر. كما أن هذا الفعل الأخير لا يتضمن في ذاته معنى الإخلال بالحياء أي المساس بعاطفة الحياء عند مجموع الناس. مثال ذلك من يلاحق إمرأة بعبارات الغزل أو يفتح لها باب سيارته داعيا إياها لمصاحبته في نزهة. وهنا يجب تقدير معنى خدش الحياء وفقاً لمعيار موضوعي واقعي أي لا ينظر إلى حياء المجني عليها بذاتها وإنما إلى حيائها كأنثى في ظروف الزمان والمكان التي وقع فيهما الفعل مع مراعاة ظروف كل حالة وملابساتها ومدی ما تعارف عليه الناس من دلالة بعض الألفاظ.
ويشترط في التعرض لأنثى أن يقع على أنثي بطبيعة الحال، بخلاف الفعل الفاضح فإنه يستوي أن يقع على ذكر أو أنثى، إلا إذا كان غير علني فإن القانون لا يعاقب عليه إلا إذا وقع على أنثى.
وقد عاقب القانون بالمادة محل التعليق على التعرض لأنثى إذا وقع ذلك في طريق عام أو مكان مطروق. وهذا التعرض بخلاف الفعل الفاضح العلني يقع متی توافرت العلانية أياً كان مناطها. وإذا وقع الفعل الفاضح على وجه يخدش حياء أنثي في الطريق العام أو في مكان مطروق وقعت جريمة الفعل الفاضح وحدها لأنها تستغرق في هذه الحالة جريمة التعرض لأنثى.
العقوبة:
الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألفي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ويحكم على الجاني بنفس العقوبة إذا كان خدش حياء الأنثى عن طريق التليفون. وتشدد العقوبة لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه عند تطبيق أحكام العود وذلك إذا عاد الجاني إلى إرتكاب جريمة من نفس النوع مرة أخرى خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الأولى.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 145)
جرائم الاعتداء على العرض
- مفهوم العرض في القانون :
"العرض" عرفا هو الطهارة الجنسية أي التزام الشخص سلوكاً جنسياً يبعد به عن أن يوجه إليه لوم اجتماعي أما العرض" في القانون فهو لا يرادف الفضيلة الاجتماعية السابقة وإنما يعني فحسب "الحرية الجنسية" ومن ثم يعد الفعل اعتداء على العرض إذا تضمن مساسا بهذه الحرية أو خروجا على الحدود الموضوعة لها.
- كيفية الاعتداء على العرض عبر شبكة الإنترنت:
- البريد الالكتروني:
وذلك إذا ما أتي الجاني سلوكا يعد ركنا في جريمة من جرائم العرض وأرسله إلى المجني عليه في بريده الخاص كإرسال صور فاضحة أو عبارات أو أصوات أو كاريكاتير أو فيديو وكانت هذه الأشياء خادشة للحياء .
- شبكة الويب:
كما لو أنشأ الجاني موقع على شبكة الإنترنت ونشر فيه عبارات أو صور تمس الحياء العرضي.
- غرف الدردشة :
وذلك إذا تحدث الجاني مع آخر أو أخري في ذات الغرفة بعبارات يجرمها القانون أو أرسل لهما أية ملفات فاضحة أو كشف عن عورته في المحادثات المرئية أو حرض على الفجور.
- صفحات التواصل الاجتماعي:
وكذلك إذا نشر الجاني شيئاً مخلاً بالحياء أو حرض على الفجور أو الدعارة على صفحته أو أنشأ صفحة نسبها إلى آخر ونسب إليه محتوى ما فيها من دعوة لممارسة الرذيلة بمقابل مادي مثلاً.
- أجهزة الاتصالات الحديثة :
مثل الهواتف الذكية والتابلت واللاب توب وذلك من خلال إرسال رسائل نصية أو رسائل قصيرة بالمضمون سالف الذكر أو عبر برامج التحدث والمراسلات التي تعمل على هذه الأجهزة مثل "آي سي كيو" وغيرها.
- أركان الجرائم الإلكترونية الواقعة على العرض :
تشترك الجرائم الالكترونية الواقعة على العرض في أركان ثلاثة هي ركن مفترض وهو جهاز يتصل بشبكة الانترنت كجهاز كمبيوتر أو تليفون ذكي وهو وسيلة ارتكاب الجريمة وركن مادي هو السلوك الذي يقوم به المتهم ويمثل اعتداء على العرض وركن معنوي هو القصد الجنائي وذلك على نحو ما سيرد في موضعه بشأن كل جريمة على حدة.
- هتك العرض يقع بنشر صور عارية للمجني عليه على شبكة الإنترنت:
جريمة هتك العرض تتوافر بكشف جزء من جسم المجني عليه يعد من العورات ولو لم يقترن بفعل مادي آخر من أفعال الفحش
- تسبيب سائغ :
لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانتفاء أركان جناية هتك العرض التي دان بها الطاعن بقوله : وحيث إنه عن انتفاء أركان جريمة هتك العرض بالتهديد لعدم ملامسة المتهم جسم المجني عليها، فمردود بأنه لا يشترط في جريمة هتك العرض بالتهديد استعمال القوة المادية، بل يكفي إتيان الفعل الماس أو الخادش للحياء العرضي للمجني عليها بغير رضاها ، ومن بين ذلك أيضاً الكشف عن عورة المجني عليها عن طريق إرسال صورة ونشرها عن طريق شبكة المعلومات "الإنترنت" وإرسالها على صفحة مدرستها وهي عارية تماماً من ملابسها وبغير رضاها، وبهذه الوسيلة كشف المتهم عن جسم المجني عليها وهو من العورات التي تحرص على صونها وحجبها ولو لم تصاحب هذا الفعل أية ملامسة مخلة بالحياء، وذلك تم على الرغم منها وعكس إرادتها بالكشف عنها على صفحة مدرستها واستغل حداثة وصغر سنها في ذلك، وارتكب المتهم الفعل بإرسال تلك الصور والفيديوهات العارية وهو عالم بأنه خادش لعرض المجني عليها، فإن ذلك مما تتوافر به جريمة هتك العرض كما هي معرفة قانوناً، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفي لتوافر جريمة هتك العرض لأن يقدم الجاني على كشف جزء من جسم المجني عليه يعد من العورات التي يحرص على صونها وحجبها عن الأنظار ولو لم يقترن ذلك بفعل مادي آخر من أفعال الفحش، لما في هذا الفعل من خدش لعاطفة الحياء العرضي للمجني عليه من ناحية المساس بتلك العورات التي لا يجوز العبث بحرمتها، والتي هي جزء داخل في خلقة كل إنسان وكيانه الفطري، والقصد الجنائي يتحقق في جريمة هتك العرض بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل، ولا عبرة بما يكون قد دفعه إلى فعلته أو بالغرض الذي توخاه منها ، فيصح العقاب ولو لم يقصد الجاني بفعلته إلا مجرد الانتقام من المجني عليها ، ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن، بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه، وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وردا على الدفع بانتفاء أركان جناية هتك العرض كافياً لإثبات توافر هذه الجريمة بركنيها المادي والمعنوي .
ثانياً: جريمة خدش حياء شخص عن طريق أي وسيلة اتصال (بالقول أو بالفعل أو بالإشارة)
نصت الفقرة الأولي من المادة 306 مكرراَ (أ) من قانون العقوبات على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد علي ألفي جنيه أو بأحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لشخص بالقول أو بالفعل أو بالإشارة على وجه يخدش حياءه في طريق عام أو مكان مطروق.
ونصت الفقرة الثانية على أن ويسري حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش الحياء قد وقع عن طريق التليفون أو أي وسيلة من وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
ونصت المادة 76 / 2 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بإصدار قانون تنظيم الاتصالات على أنه مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين كل من 1- .... 2- تعمد إزعاج غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات"
وهذه الجريمة شائعة الحدوث الآن بعد انتشار أجهزة التليفونات المحمولة بشكل واسع بين الناس إذ لا تخلو أيديهم منها على مدار الساعة مما سهلت المعاكسات وارتكاب الجرائم سواء تم باتصال مباشر من هاتف إلى هاتف أو باتصال عبر الانترنت وهو دائماً مرتبط بخط تليفوني وسواء أكان بواسطة خط أرضي مرتبط براوتر أو بخط لاسلكي مثل شريحة التليفون المحمول.
فقد دأب بعض فاسدي الخلق على معاكسة الفتيات والسيدات وغيرهن حتى أصبحت عادة ولوناً من ألوان التسلية لهم وترجع هذه الظاهرة إلى الخلل في معايير الأخلاق.
وهذه الجريمة تأخذ صوراً متعددة منها الاتصال مباشرة بالمجني عليه والتلفظ بعبارات وألفاظ تخدش حياءه أو إرسالها له على هاتفه المحمول عبر رسالة صوتية أو مكتوبة أو من خلال أي برنامج من برامج الاتصال والدردشة مثل "واتس آب" وما شابهه أو إرسالها عبر البريد الصوتي الالكتروني أو رسالة عبر الخاص على صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي كرسالة صوتية أو كانت بالصوت والصورة "الفيديو" أو رسالة على "الأنسر ماشين" وسواء أكانت تتضمن عبارات خادشة للحياء أو قصصاً بذيئة أو تنطوي علي حض علي سلوك جنسي مناف للآداب.
ولما كان النص قد تضمن عبارة "بالقول" أو "بالفعل" فإننا نرى أن مخلة إرسال صور أو رسوماً أو رموزاً تحمل دلالات جنسية تخدش الحياء لشخص ما على تليفونه أو من تليفون الفاعل عبر الانترنت إلى الايميل الخاص بالمجني عليه يعد فعلاً خادش للحياء.
- ملاحظة:
يتعين التنويه إلى أن جريمة خدش الحياء عن طريق التليفون أو عبر الإنترنت تتعدد أوصافها فإن الفعل المكون لها يعد في ذات الوقت تعمد إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات المؤثمة بنص المادة 76 / 2 من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 ومن ثم يتعين علي المحكمة أن تقضي بعقوبة الجريمة الأشد وهي تعمد إزعاج الغير عن طريق أجهزة الاتصالات عملاً بنص المادة 32 / 1 من قانون العقوبات وهي الحبس الذي لا يقل عن أربع وعشرين ساعة ولا يجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- مفهوم الحياء:
وضابط الإخلال بالحياء "يستمد من الشعور العام السائد في المكان والزمان اللذين ارتكب فيهما الفعل فلكل مجتمع فكرته عن الحياء وهذه الفكرة هي قوام الشعور العام بالحياء لديه وهي تحدد ما يمكن أن يجرحه من أفعال ويعتمد تحديد الشعور العام بالحياء على مجموعة من القيم الأخلاقية والدينية ومجموعة من التقاليد والآداب الاجتماعية تسود في المجتمع.
وتقدير الأقوال التي تخدش الحياء لدي الشخص يختلف باختلاف الأوساط والبيئات واستعداد أنفس أهليهما وعاطفة الحياء عندهم للتأثر.
ومن ثم فإن قاضي الموضوع هو الذي يكشف هذه القيم والتقاليد ويستخلص ماهية الشعور العام بالحياء في المجتمع الذي ارتكب فيه الفعل ويستبين الأقوال التي جرحت أو خدشت هذا الشعور من عدمه ويدخل في ذلك أي قول له دلالة جنسية وفقاً لما هو توافق عليه المجتمع وهو في هذا يحتكم إلى العرف لكي يحدد دلالة القول الصادر من الفاعل وما إذا كان له دلالة تخدش الحياء من عدمه.
- الركن المادي:
الركن المادي في هذه الجريمة هو التعرض بالقول لشخص ما سواء أكان ذكراً أم أنثى على وجه يخدش حياءه بطريق التليفون كأن يوجه إليه ألفاظاً أو عبارات تخدش حياءه كالتلفظ بألفاظ لها دلالات جنسية أو فيها إشارات لمواطن العفة أو يتغزل في امرأة أو يدعوها إلى السينما أو التنزه معها.
كما يقع السلوك المادي لهذه الجريمة "بالفعل " وذلك كما لو أنشأ الفاعل صوراً أو رسوماً أو رموزاً أو فيديو يتضمن دلالات جنسية ثم قام بإرسالها إلى المجني عليه عبر تليفون الأخير سواء كان من تليفون الفاعل مباشرة إلى تليفون المجني عليه أو من تليفون الفاعل الذي يتصل بالإنترنت إلى البريد الإلكتروني أو البريد الخاص علي صفحة المجني عليه علي مواقع التواصل الاجتماعي. ويقع هذا الفعل أيضاً إذا صدر من الجاني صوتاً ما يعتبره العرف خادشاً للحياء واستطاع المجني عليه تسجيل هذا الصوت عبر التليفون الذي تلقاه عليه.
ونذكر في هذا المقام أن قيام الشخص بتسجيل ما يرد إليه من معاكسات أو أي قول أو صوت يخدش حياءه لا يحتاج إلى إذن من جهات الاختصاص ذلك أن الإذن مقصور علي تسجيل المكالمات من تليفون المتهم وليس من تليفون المجني عليه وقد أقرت محكمة النقض هذا الاتجاه في حكم حديث لها إذ قضت بأنه إذا كان المشرع قد فرض وضع التليفون تحت المراقبة في حالة قيام دلائل قوية علي أن مرتكب جريمة الإزعاج بالتليفون قد استعان في ارتكابها بجهاز تليفوني معين فإن مفاد ذلك أن تلك الإجراءات فُرضت لحماية الحياة الخاصة والأحاديث الشخصية للمتهم ومن ثم لا تسري تلك الإجراءات علي تسجيل ألفاظ الإزعاج أو المضايقة أو السب والقذف من تليفون المجني عليه الذي يكون له بإرادته وحدها تسجيلها دون حاجة إلى الحصول علي إذن من رئيس المحكمة المختصة وبغير أن يُعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد ومن ثم فلا جناح علي المجني عليه إذا وضع علي تليفونه الخاص جهاز تسجيل لضبط ألفاظ السّباب أو الإزعاج الموجهة إليه توصلا إلى التعرف على الجاني.
ويلزم في هذه الجريمة أن يكون التعرض عن طريق التليفون كما سلف القول بالاتصال المباشر من تليفون الفاعل إلى تليفون المجني عليه أو من تليفون الفاعل المتصل بالإنترنت إلى ايميل المجني عليه أو بریده الخاص على صفحات التواصل الاجتماعي ففي الحالتين يكون التليفون هو أداة ارتكاب الجريمة.
- الركن المعنوي:
يتطلب القانون لقيام الركن المعنوي في هذه الجريمة توافر القصد العام بعنصريه العلم والإرادة وهو يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى القول أو الفعل وعلمه بأن ما يتلفظ به أو يفعله خادش للحياء ولا عبرة بالباعث على ارتكاب الجريمة.
فإذا فاه المتهم بقول في غمرة حديث له مع زميل سائر بجواره وكان هذا الحديث دائرا حول امرأة أخرى غير الأنثى التي تصادف لها أن سمعت هذا الحديث وهي تمر على مقربة منهما فلا تتحقق الجريمة لعدم انصراف إرادة المتهم بحديثه إلى التعرض لهذه الأنثى بالذات.
العود:
نصت الفقرة الأخيرة من المادة 306 مكررا (أ) عقوبات على أنه إذا" عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة من نفس نوع الجريمة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين خلال سنة من تاريخ الحكم عليه نهائياً في الجريمة الأولى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي خمسة آلاف جنيه.
ويشترط لاعتبار المتهم عائداً بمقتضى المادة 49 من قانون العقوبات أن يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية وثبت ارتكابه بعد ذلك جناية أو جنحة أو حكم عليه بالحبس مدة سنة أو أكثر وثبت أنه ارتكب جنحة قبل مضي خمس سنين من تاريخ انقضاء هذه العقوبة أو من تاريخ سقوطها بمضي المدة أو من حكم عليه لجناية أو جنحة بالحبس مدة أقل من سنة واحدة أو بالغرامة وثبت أنه ارتكب جنحة مماثلة للجريمة الأولي قبل مضي خمس سنين من تاريخ الحكم المذكور كما يشترط في الحكم الذي يتخذ سابقة في العود أن يكون الحكم قد صار نهائياً قبل وقوع الجريمة الجديدة ويجب علي المحكمة متي انتهت إلى اعتبار المتهم عائداً أن تعني باستظهار الشروط التي يتطلب القانون توافرها لقيام هذا الظرف المشدد لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه إنه إذ دان المطعون ضدها بجريمة اعتياد ممارسة الدعارة حالة كونها عائدة لم يبين توافر ظروف العود في حقها بالشروط المنصوص عليها في المادة 49 من قانون العقوبات سالفة الذكر مما يعيبه بالقصور الذي له الصدارة علي وجوه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون وهو ما له يتسع وجه الطعن ويعجز هذه المحكمة عن إعمال رقابتها علي تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوي وتقول كلمتها في شأن ما تثيره النيابة العامة بوجه الطعن.
للمحكمة تطبيق حكم المادة 49 من قانون العقوبات ومعاملة ويصح المتهم على أساسها عند توافر شروطها مهما طالت المدة بين ارتكاب المتهم للجريمة التي يعتبر عائداً على أساسها وبين الحكم عليه فيها.
والمماثلة بين الجريمة الأولي التي صدر بشأنها الحكم السابق والجريمة الجديدة ليست ضرورية في حالة العود طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 49 من قانون العقوبات.
والقانون لا يوجب علي القاضي أن يغلظ العقاب بمقتضى مواد العود على المتهم العائد بل ترك أمر ذلك لتقدير المحكمة علي حسب ظروف كل دعوى وملابساتها وكذلك لم يحظر القانون وقف تنفيذ العقوبة بالنسبة للمتهم العائد أو الذي سبق الحكم له بوقف التنفيذ بل أجاز ذلك وإذن فلا تثريب علي المحكمة إذا هي قالت إن المتهم عائد ومع ذلك لم تطبق عليه مواد العود ثم أمرت بوقف تنفيذ العقوبة التي أوقعتها عليه علي الرغم من سبق الحكم له بوقف التنفيذ. (موسوعة المُري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المُري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 497)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 96 ، 275
(مادة 148)
لا يجوز رفع الدعوى إلا بناءً على شكوى بطلب إقامة الحد، شفهية أو كتابية إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي من المقذوف، أو وكيله الخاص، أو من أحد الورثة - عن غير طريق الزوجية - إذا كان المقذوف ميتاً.
وترفع الدعوى من رئيس النيابة، أو من يقوم مقامه بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة.
(مادة 149)
لا تسمع الدعوى بطلب إقامة حد القذف بعد مضي ستة أشهر من يوم علم المقذوف
بالجريمة وبمرتكبها وتمكنه من الشكوى.
(مادة 566)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر ، أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه :
1- كل من تعرض في الطريق العام أو في مكان مطروق لأنثى بالقول ، أو بالفعل، أو بالإشارة على وجه يخدش حياءها .
2- كل من ابتدر إنساناً بقذف أو سب غير علني .
الجرائم الماسة بالاعتبار والآداب العامة واستراق السمع وإفشاء الأسرار
المواد من (554) - (566) :
تقابل هذه المواد بصفة عامة المواد (181)، (182)، ومن (302) - (310) من القانون الحالي معدلة بالقوانين (617) لسنة 1953، (97) لسنة 1955، (112) لسنة 1957، (37) لسنة 1972، وقد نقل المشروع أحكام المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وكانتا واردتين في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني ضمن مواد الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها ، وذلك لأن أحكام هاتين المادتين من صور جرائم هذا الفصل الذي يشمل في معظم الجرائم الماسة بالإعتبار وغيرها ، وقد استهدف المشروع من ذلك تبسيط الأحكام المتماثلة أو المتشابهة وتجميعها في مكان واحد ، هذا ومن أهم سمات المشروع ما يلي :
1- المادة (554) من المشروع بينت الوقائع التي تشكل جريمة القذف ، وبينت الظروف المشددة التي يترتب على توافرها تغليظ العقوبة ، ثم بينت كذلك ما يعد من قبيل القذف ، وأفصحت أن ذكر أخبار أو تعليقات أو نشر صور تتصل بأسرار الحياة الخاصة للأسر والأفراد - تعد كذلك ، ولو كانت صحيحة ، ما دام من شأن هذا النشر الإساءة إليهم .
2- المادة (555) من المشروع نهجت ذات نهج المادة السابقة عليها في تبيان ما يشكل الجريمة ، والظروف المشددة لها .
3- المادة (556) من المشروع ذات حکم مستحدث؛ إذ تعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ومطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات أو رسماً أو صوراً أو علامات تنطوي على قذف أو سب ، والجريمة عمدية تتطلب علم الجاني بما تتضمنه هذه الوسائل .
4- المادة (557) من المشروع تعرض لصورة القذف أو السب بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه أو بحضور غيره ، وجعلت عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، فإن وقع ما تقدم في مواجهة المجني عليه دون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف والتليفون - عد ذلك ظرفاً مخففاً ، فتقتصر العقوبة على الغرامة فقط ، فإن توافر ظرف من الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من المشروع - تضاعف العقوبات السابقة.
5- المادة (558) من المشروع ، أفرد المشروع هذه المادة كسبب لإباحة القذف في حق الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة ، أو المكلف بخدمة عامة متى أثبت الفاعل صحة الواقعة المسندة وإرتباطها بأعمال الوظيفة والنيابة ، أو الخدمة العامة وتعلقها بها ، وقد وسع النص الوارد في المشروع فشمل بالإباحة السب إذا وجه إلى أحد من تقدم ذکر هم متى كان مرتبطاً بواقعة القذف ، واستبعد المشروع شرط حسن نية الجاني كموجب من موجبات التمتع بالإباحة ، ذلك بأن العبرة في الإباحة هي ثبوت الواقعة لتعلقها بالصالح العام ، فمناط الإباحة إذن هو ثبوت الواقعة المتعلقة بالصفة العامة ؛ حتى يسلك القائمون بالوظائف العامة أو ما شابهها مما ورد به النص النهج القديم الذي يخدم الصالح العام ، فإن جنحوا عن ذلك ، حق عليهم ما تقدم دون تثريب على الجاني.
وكذلك أباح نص المشروع في فقرته الثانية القذف أو السب ، إذ تضمنه دفاع الخصوم شفاهة أو كتابة أمام جهات الإستدلال أو التحقيق والحكم ، وبهذا النص قضى المشروع على الخلاف حول ما إذا كانت الإباحة تشمل ما يسبق المحاكمة أم لا ، إذ إن النص القائم يجعل الإباحة مقصورة على القذف والسب أمام المحاكم ، ونص المشروع بما فيه من توسعة الإباحة وفق ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في هذا الصدد.
والفقرة الثالثة من المادة تبيح أيضاً القذف أو السب في إبلاغ يقدم إلى السلطات القضائية أو الإدارية ، متى تم بحسن نية بأمر يستوجب عقوبة المبلغ ضده ، والهدف هو کشف الجرائم وإماطة اللثام عنها ؛ لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة .
كذلك فإن الفقرة الرابعة من المادة تجعل الفعل لا جريمة فيه متى كان قصد فاعله نقداً لوقائع تاريخية ، أو نقداً لعمل أدبي أو فني ، والمهم من حكم الفقرة الأخيرة هو إباحة النقد علمياً كان أم فنياً أم لوقائع تاريخية .
والفقرة الأخيرة من المادة تبيح تردد ما حدث في إجتماع عقد على نحو قانوني ، أو سرد ما دار أمام المحاكم طالما لم تحظر النشر ، وحسنت نية الفاعل وقصد الصالح العام .
6- المادة (559) من المشروع استحدث حكمها لتبادل بالعقاب بعقوبة الجنحة من ينشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المشروع أخباراً ، أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ، ولو كانت صحيحة ، متى كان من شأن نشرها الإساءة إليهم ، واستهدف المشروع من ذلك حماية سمعة الأسر والأفراد .
7- المادة (560) من المشروع تقابل المادة (309) مكرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (37) لسنة 1972، مع إستبدال لفظ «الأفراد» بلفظ «المواطن» الذي تضمنه النص القائم ، وقصد بهذا الإستبدال أن تتسع الحماية للأفراد كافة ، مواطنين أم أجانب ، حال أن لفظ المواطن يقصر الحماية على كل من يتمتع بالجنسية المصرية ، النص يشمل بالحماية الحياة الخاصة بالأفراد فيحظر الإعتداء على ما لها من حرمة ، وذلك بياناً لما يعد اعتداء على هذه الحرمة ، والفرض أنه ما دامت الحياة الخاصة للفرد لم تخرج عن النطاق الخاص ، فإن مفاد ذلك عدم رضائه بها بعد إنتهاكاً لها ، فإن جاوز الأمر النطاق الخاص - أي دائرة العمومية - افترض رضاء صاحب الحق في الحرمة ، لأنه بمسلكه هذا في مجال عام يفترض أنه تحلل بإرادته من هذه الحماية ، والأفعال المؤثمة في المشروع هي إستراق السمع أو تسجيل أو نقل محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف بواسطة أي جهاز مهما كان نوعه ، وكذلك إلتقاط صور ونقلها بأي جهاز متى كان التصوير أو النقل الصورة لشخص في مكان يتسم بصفة الخصوصية .
وقد غلظ نص المادة العقوبة إذا وقعت الجريمة من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ، فرفع حدها الأقصى ليصل إلى ثلاث سنوات حبس .
8- المادة (561) من المشروع مرتبطة بالمادة السابقة ، وتعاقب من أذاع أو سهل إذاعة أو إستعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة، أو كان الحصول عليه بغير رضاء صاحب الشأن .
والفقرتان الثانية والثالثة من المادة تبين أن الظروف المشددة التي ترفع عقوبة الجريمة من الجنحة إلى عقوبة الجناية ، وذلك إذا حصل تهدید بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق سالفة الذكر بقصد حمل شخص على القيام بعمل أو الإمتناع عنه.
وكذلك إذا كان الجاني موظفاً عاماً ومكلفاً بخدمة عامة متى إرتكب الأفعال المبينة في المادة إعتماداً على سلطة الوظيفة أو الخدمة العامة .
9- المادة (562) من المشروع تقابل بصفة عامة المادة (310) من القانون القائم مع إضافة فقرة مستحدثة إليها ، وضبط صياغتها ليتسع حكمها فيشمل كل من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو علمه أو فنه - مستودع سر فأفشى هذا السر الذي اؤتمن عليه بحكم صفته تلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، أو إستعمله لمنفعته الخاصة أو منفعة شخص آخر ، طالما لم يأذن صاحب الشأن بإفشاء السر أو إستعماله.
فإن كان من أفشى السر موظفاً عاماً ، أو مكلفاً بخدمة عامة ، أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة ، واستودع السر لديه أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة ، أو الخدمة العامة ، أو النيابة العامة ، أو بمناسبتها - كانت عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات ، وهذا النص في عمومه لا يمنع بداهة من تطبيق أي نص آخر ينص على عقوبة أشد ، وعلى سبيل المثال فإن إفشاء الإمتحانات ممن اؤتمن على سرها يدخل تحت طائلة التأثيم بهذه الفقرة ، وإفشاء أسرار الدفاع أو الحصول على رشوة مقابل إفشاء السر - يعاقب عليه كذلك بالنصوص الخاصة في هذا المنحى .
10 - المادة (563) من المشروع تجرم كل من يفض رسالة بريدية أو برقية بغير رضاء من أرسلت إليه ، وتكون العقوبة مغلظة لمن يفشي الرسالة أو البرقية للغير دون إذن من وجهت إليه ، متى كان من شأن ذلك إلحاق ضرر بالغير ، وهذا النص لا يمنع أيضاً من تطبيق أي نص خاص ، مثل نص المادة (201) من المشروع الوارد في الفصل الثالث ، وهي تحظر على الموظف العام إفشاء الرسائل والبرقيات للغير ، أو تسهيل ذلك له .
11 - المادة (564) من المشروع تجمع بين نصي المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وهي تجرم العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية ، أو ممثل لها معتمد في مصر بسبب تأدية وظيفة هذا الأخير أو بمناسبتها ، متى تم العيب في الحالتين بإحدى طرق العلانية المبينة في المادة (547) من المشروع ، وقد رئي أن الموضع المناسب لهاتين الجريمتين هو بين أحكام هذا الباب .
12 - المادة (566) من المشروع تتضمن أحكام المواد (306) مکرراً (أ) مضافة بالقانون رقم (67) لسنة 1953، (394) (378)/ (أ) معدلتين بالقرار بالقانون رقم 169 لسنة 1981 من القانون القائم ، وقد شدد المشروع العقوبة في الحالة الأولى فرفع العقوبة لهما إلى عقوبة الجنحة .
مادة (148): لا يجوز رفع الدعوى إلا بناء على شكوى بطلب إقامة الحد شفهية أو كتابية إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي من المقذوف أو وكيله الخاص أو من أحد الورثة غير طريق الزوجية، إذا كان المقذوف ميتاً.
وترفع الدعوى من رئيس النيابة أو من يقوم مقامه بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة.
الإيضاح
لما كان القذف من جرائم الحدود التي شدد الله عقوبتها وشرع فيها الجلد، وهو من العقوبات البدنية التي شرعها لمن تعدى حدوده، وكانت جريمته بذلك من الجرائم الكبرى التي نهى الإسلام عن مقارفتها؛ لبشاعة آثارها في المجتمع، فضلا عن أثرها الأليم في نفس المجني عليه، يقول الله تعالى في شأن هذه الجريمة: « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) ) ولذلك أنزلتها الشريعة الإسلامية منزلة جنايات الحدود کالزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن ثم فإن اللجنة رأت أن تكون جريمة القذف جناية، تختص بنظرها محاكم الجنايات حتى تكون أقدر على الإحاطة وأكفأ في التقدير، وذلك أحوط للعدالة.
ولما كان حد القذف فيه حق للعبد كانت الدعوى فيه لا تقام إلا بناء على شكوى المقذوف؛ لأنها تمس عرضه وسمعته أكبر مساس.
ويسلك المدعي في دعوى القذف الطريق الذي رسمته المادة من تقديم شكوى شفوية يدلي بها صاحب الحق أمام أحد أعضاء النيابة المختصة، أو أحد مأموري الضبط القضائي، ويحرر بها المحضر اللازم، أو يتقدم بها له مكتوبة، وتقدم الشكوى من المقذوف نفسه أو من وكيله الخاص، غير أنه إذا كان المقذوف ميتاً ترفع الدعوى من أحد الورثة عن غير طريق الزوجية، ويقول فقهاء الحنفية: إنه لا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه وهو الوالد والولد، لأن العار يلتحق به لمكان الجزئية، فيكون القذف متناولاً له معنى.
وعند الشافعي يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده، وعندنا (الأحناف) ولاية المطالبة ليست بطريق الإرث بل لما ذكرناه، ولهذا يثبت عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت، كما يثبت لولد الابن، وكذا يثبت لولد الولد حق المطالبة مع وجود الولد (فتح القدير (4)/ (195)). وقد أخذت اللجنة برأي الأحناف.
وقد حرصت اللجنة على النص بأن يقوم رئيس النيابة المختص أو من يقوم مقامه بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات مباشرة؛ منعا لتطويل الإجراءات.
وفي ذلك ضبط لوصف هذه الدعوى، وطريقة إقامتها وتحقيقها، والجهة المختصة بنظرها.
مادة (149): لا تسمع الدعوى بطلب إقامة حد القذف بعد مضي ستة أشهر من يوم علم المقذوف بالجريمة وبمرتكبها وتمكنه من الشكوى.
الإيضاح
لما كان حد القذف فيه حق للعبد، فإن الخصومة فيه والقضاء به واستيفاءه من القاذف تتوقف كلها على المطالبة (الادعاء) به ممن له الحق فيه، ومن ثم فإن هذه المطالبة يتحتم أن تظل قائمة لحين إقامة الحد على القاذف، فإذا سقطت المطالبة بعفو المقذوف لا يقام الحد على القاذف. وبهذا قال جمهور الفقهاء والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة، خلافاً للظاهرية الذين لم يشترطوا المطالبة بإقامة الحد؛ لأن حد القذف عندهم حق لله تعالى، فيقام حسبة دون توقف على مطالبة أحد من العباد؛ أسوة بسائر الحدود.
وإذا كان المقرر شرعاً أن الأولى للمقذوف أن يترك الخصومة والمطالبة بحد قاذفه البدائع (7)/ (52))؛ لأن المطالبة إشاعة للفاحشة وهو مندوب إلى تركها امتثالا لقوله تعالى: وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [البقرة: 237]
وإذا كانت المطالبة شرعاً لإقامة الحد على القاذف على نحو ما قدمنا، وكان المقذوف هو صاحب الحق فيها، وكان في ترك هذا الحق له يستعمله متى شاء فيه إضرار بالقاذف الذي يبقى هذا الحق سيفاً مسلطاً على عنقه؛ لأنه قد يضار به ويلحق به من العار والشين ما يتغير به أيضا مما يمكن تفاديه لو طرح على القضاء وثبتت براءته، وترك الحق للمقذوف الإقامة دعوى القذف متى شاء - يحرم القاذف من الدفاع عن نفسه وإثبات براءته في الوقت المناسب، ومن ثم فإن اللجنة رأت قطعاً لإشاعة الفساد والسوء بين الناس أن تحدد زمناً يكون للمقذوف فيه الحق في إقامة دعوى القذف، ولا تسمع بعد فواته دعواه؛ حماية للمجتمع واتقاء الإضرار بالقاذف.
وقد استعرضت اللجنة أقوال الفقهاء في تحديد مدة التقادم.
وللإمام محمد صاحب الإمام أبي حنيفة رأي في ذلك حيث حددها في أحد قوليه بستة أشهر، وراعى في هذا التحديد أن الستة أشهر أحد معاني كلمة (الحين) فيما إذا حلف لا يكلمه حينا. وجاء في المبسوط: «وإن حلف لا يعطيه ماله عليه حينا فأعطاه قبل ستة أشهر - حنث. لأن الحين قد يذكر بمعنى الساعة، قال تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) [الروم: 17]. والمراد وقت الصلاة، ويذكر الحين بمعنى أربعين سنة، قال تعالى: هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) " [الإنسان: 1]. ويذكر بمعنى ستة أشهر، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 25]. أنه ستة أشهر من حين يخرج الطلع إلى أن يدرك الثمر - فعند الإطلاق يحمل على الوسط من ذلك، فإن خير الأمور أوسطها، ولأنا نعلم أنه لم يرد به الساعة، فإنه إذا قصد المماطلة ساعة واحدة لم يحلف على ذلك، ويعلم أنه لم يرد أربعين سنة، فإنه إذا أراد ذلك يقول: أبدا. فعرفنا أن المراد ستة أشهر». ومثله في ابن عابدين (3)/ (110)، المبسوط (9)/ (66) - (70).
وتحديد مدة التقادم أوفق وأحوط وأنسب للعصر، ولا يتنافى مع المبادئ الأساسية للشريعة السمحاء التي أتاحت لولي الأمر حق تقييد القضاء بالزمان والمكان والحادثة؛ جلبا لمصلحة العباد ودرءا للمفسدة عنهم، وروي أن الإمام أبا حنيفة لم يحدد له مدة، وفوض أمر تحديده للقاضي في كل عصر وأوان، فيما يراه القاضي تفريطاً فهو تقادم، وإلا فلا، فقد روى أبو يوسف أن الإمام أبا حنيفة أبى أن يؤقت للتقادم بوقت. (فتح القدير (4)/ (164))، لكن تحديده - خاصة في هذا الزمان - أضبط وأدق ويحقق ما قدمنا من أهداف، واعتبار الشهر حداً له فيه إعنات لأرباب الدعاوى في القذف لقصر مدته.
ومن ثم رأت اللجنة أن تحدد لتقادم الدعوى بالقذف ستة أشهر لا تسمع بعدها، لما في الادعاء بعد تلك المدة من معنى التفريط الذي يبيح لولي الأمر أن يأمر في مثله بعدم الساع؛ حسما للخصومات، ودرءا للمفاسد في هذا الزمان.
هذا ولاحظت اللجنة أن المقذوف قد تقوم عنده من الأعذار المقبولة ما يمنعه من إقامة دعوى القذف في المدة المحددة (ستة أشهر)، وليس من العدالة مصادرة دعواه بمنع سماعها للتقادم وهو ذو عذر مقبول، والمقرر شرعا أن الضرورات تبيح المحظورات، فنصت في المادة على قيد تمكن المقذوف من إقامة الدعوى، بعد علمه بها، حيث اعتبر جهله بحادثة القذف، وعدم تمكنه من الادعاء كلاهما عذر مقبول إذا أثبته، فتقبل دعواه متى تقدم بها خلال ستة أشهر من زوال العذر.
وغني عن البيان أنه إذا كان طریق ثبوت جريمة القذف الإقرار، فلا تأثير للتقادم عليه؛ لأنه لا محل للتهمة ولا للشك في سلامة الإقرار، لأن الإنسان لا يقر على نفسه عادة کاذباً فيما فيه ضرر عليه، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه؛ لعدم التهمة وللولاية الكاملة على نفسه، ولأنه إذا وجب الحكم بالشهادة وهي مظنة الريبة، فلأن تجب بالإقرار أولى، وهو من الريبة أبعد، فلا أثر للتقادم عليه.
وكذلك الشهادة لا يؤثر فيها التقادم؛ لأنها لا تجب إلا حيث تكون المطالبة من المقذوف التي هي حقه، وما لم تكن المطالبة فلا تجب الشهادة، ومن ثم لا يكون لتأخيرها وتقادم العهد عليها أثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 305
حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :
مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.