1- لما كان الطاعن أثار دفاعاً أمام المحكمة الاستئنافية بأن ما نسب للمطعون ضده كان من مقتضيات حق الدفاع وفقاً لما تقضي به المادة 309 من قانون العقوبات ، وكان هذا الدفاع فى جريمة القذف يعد دفاعاً جوهرياً لما يترتب على ثبوت أو عدم ثبوت صحته من تغير وجه الرأي فى الدعوى ، لأن القاذف يعفي من العقاب إذا رأت محكمة الموضوع أن عبارات السب أو القذف التي وجهت منه لخصمه مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع ، ولذلك يجب أن يبين الحكم سياق القول الذي اشتمل على العبارات ومدى اتصالها بالنزاع المطروح والقدر الذي تقتضيه مدافعة الخصم عن حقه ، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه إلى الدفع وهو دفاع جوهري فإنه يكون معيباً بالقصور فى البيان فضلاً عما ينطوي عليه من إخلال بحق الدفاع .
(الطعن رقم 28123 لسنة 67 جلسة 2007/04/04 س 58 ص 339 ق 63)
2- حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه ، وأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطاً بالضرورة الداعية إليه ، وأن الفصل فيما إذا كانت عبارات القذف والسب مما يستلزمه حق الدفاع ، متروك لمحكمة الموضوع التى رأت أن عبارات الطاعن على السياق المتقدم فى حكمها لا يستلزمها حق الدفاع فى الدعويين .... ، .... لسنة .... ق استئناف عالى .... وهو ما تقرها عليه هذه المحكمة ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون غير مقبول .
(الطعن رقم 11556 لسنة 65 جلسة 2004/12/21 س 55 ع 1 ص 862 ق 127)
3- لما كان مناط تطبيق المادة 309 من قانون العقوبات أن تكون عبارات السب التي أسندت من الخصم لخصمه فى المرافعة مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع إلا أنه لما كان يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه قد خلا من بيان موضوع الدعوى المدنية التي اشتملت صحيفتها على عبارات السب, ومدى اتصال هذه العبارات بالنزاع القائم والقدر الذي تقتضيه مدافعة الخصم عن حقه, حتى يتضح من ذلك وجه استخلاص الحكم أن عبارات السب ليست مما يستلزمه حق الدفاع فى هذا النزاع فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً قصورا يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى مما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة.
(الطعن رقم 24226 لسنة 61 جلسة 2001/10/14 س 52 ع 1 ص 713 ق 134)
4- يدخل فى معنى الخصم الذى يعفى من عقاب القذف الذى يصدر منه أمام المحكمة طبقاً لنص المادة 309 من قانون العقوبات المحامون عن المتقاضين ما دامت عبارات القذف الموجهة إليهم تتصل بموضوع الخصومة و تقتضيها ضرورات الدفاع .
(الطعن رقم 911 لسنة 26 جلسة 1956/11/27 س 7 ع 3 ص 1196 ق 332)
5- مناط تطبيق المادة 309 من قانون العقوبات أن تكون عبارات السب التي أسندت من الخصم لخصمه فى المرافعة مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه قد خلا من بيان موضوع الدعوى محل النزاع ومما ورد بمذكرة الدفاع المقدمة للمحكمة من سياق القول الذي اشتمل على عبارة السب، ومدى اتصال هذه العبارة بالنزاع القائم والقدر الذي تقتضيه مدافعة الخصم عن حقه حتى يتضح من ذلك وجه استخلاص الحكم أن عبارة السب ليست مما يستلزمه حق الدفاع فى هذا النزاع، فضلاً عن أن الحكم عول فى قضائه بالإدانة على حافظة المستندات المقدمة من المجني عليه دون أن يبين مضمونها ووجه استدلاله بها على ثبوت التهمة فى حق الطاعن فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً قصورا يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة لدعوى بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بالنسبة إلى الطاعن. وإلى الطاعن الثاني الذي قضى بعدم قبول الطعن المقدم منه شكلا لاتصال وجه الطعن به عملاً بحكم المادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
(الطعن رقم 2614 لسنة 66 جلسة 1999/07/01 س 50 ص 395 ق 93)
6- من حق محكمة الموضوع ان تستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ، ولمحكمة النقض ان تراقبها فيما ترتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامى عباراتها لانزال حكم القانون على وجهه الصحيح . واذ كان من المقرر ايضا - ان حكم المادة 309 من قانون العقوباتليس الا تطبيقا لمبدأ هام هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه ، وان هذا الحق اشد ما يكون ارتباطا بالضرورة الداعية اليه ، وقد جرى قضاء محكمة النقض على ان الفصل فيما اذا كانت عبارات السب والقذف مما يستلزمه الدفاع متروك لمحكمة الموضوع ، وكان ما ساقه الحكم فى مدوناته من استخلاصه لوقائع القذف وتقديره لما ورد بصحيفة دعوى النفقة - من عبارات على انها تعد قذفا وليست من مستلزمات الدفاع فى تلك الدعوى سائغا وصحيحا ومتفقا مع صحيح القانون وكافيا بالتالى فى استظهار جريمة القذف التى دان بها الطاعنين الثانى والثالث لانه ليس ثمة ما يبرر للمدافع ان يتجاوز نطاق الخصومة مقتضيات النزاع بالمساس بكرامة الغير .
(الطعن رقم 15474 لسنة 60 جلسة 1997/11/11 س 48 ع 1 ص 1225 ق 186)
7- لما كان البين من مدونات الحكم أن طلبات المدعى بالحقوق المدنية فى صحيفة دعواه المباشرة إقتصرت على قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت، وكانت الفقرة الرابعة من المادة 78 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1968 والمستبدلة بالمادة 58 من القانون رقم 17 لسنة 1983 لا تتطلب توقيع أحد المحامين المشتغلين على صحيفة الدعوى إلا إذا جاوزت قيمتها خمسين جنيها ومن ثم فلا موجب فى القانون للتوقيع على صحيفة الدعوى المباشرة الماثلة من محام، ولما كان الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفع بما يسوغ إطراحه، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً.من المقرر أن حكم المادة 309 من قانون العقوباتليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه، وإن هذا الحق أشد ما يكون إرتباطاً بالضرورة الداعية إليه، وإن الفصل فيما إذا كانت عبارات السب والقذف مما يستلزمه الدفاع متروك لمحكمة الموضوع، وكان ما ساقه الحكم فى مقام إستخلاصه أن العبارات الواردة بالمذكرة المقدمة من الطاعنين تعد سباً وليس من مستلزمات الدفاع فى الدعوى التى قدمت فيها سائغاً وصحيحاً ومتفقاً مع القانون - فإن منازعة الطاعنين فى هذا الخصوص لا تكون مقبولة.
(الطعن رقم 15108 لسنة 62 جلسة 1997/09/18 س 48 ع 1 ص 873 ق 132)
8- لما كان يبين من الحكم الابتدائى - الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه فى بيان واقعة الدعوى - أنه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن المطعون ضدهم قدموا مذكرة فى القضية رقم .......... مدنى كلى جنوب القاهرة أوردوا فيها ما نصه: "أن الطالب يضع يده على عين التداعى بطريق الغصب وأنه تمكن من سلخ أوراق التنفيذ من أمام السيد قاضى التنفيذ دون أذنه وأنه يفترى ليثرى دون سبب على حساب الغير" لما كان ذلك، وكان نص المادة 309 من قانون العقوبات قد جرى على أنه "لا تسرى أحكام المواد 302، 303، 305، 306، 308 على ما يسنده أحد الأخصام لخصمه فى الدفاع الشفوى أو الكتابى أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية وكان الفصل فيما إذا كانت عبارات السب أو القذف مما يستلزمه الدفاع متروكاً لمحكمة الموضوع وكانت المحكمة الاستئنافية قد رأت أن العبارات التى تضمنتها المذكرة المقدمة من المطعون ضدهم والغرض الذى سيقت من أجله إنما تتصل بالنزاع القائم وبالقدر الذى تقتضيه مرافعة الخصم عن حقه وأنتهت فى منطق سليم إلى أن تلك العبارة مما تمتد إليه حماية القانون، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المطعون ضدهما الأول والثانية ورفض طلب التعويض وتأييد الحكم المستأنف الصادر ببراءة باقى المطعون ضدهم تأسيساً على تعلق تلك العبارات بالخصومة ومناسبتها لسياق الدفاع ومقتضياته لا يكون قد أخطأ فى شئ.
(الطعن رقم 24709 لسنة 59 جلسة 1997/04/08 س 48 ع 1 ص 436 ق 64)
9- لما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حكم المادة 309 من قانون العقوبات، ليس إلا تطبيقا لمبدأ عام، هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزم، وأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطا بالضرورة الداعية إليه، وأن الفصل فيما إذا كانت عبارات القذف والسب مما يستلزمه حق الدفاع، متروك لمحكمة الموضوع، التى رأت أن عبارات الطاعن، لا يستلزمها حق الدفاع فى الشكوى المحرر عنها المحضر رقم_.. إدارى باب شرقى، وهو ما تقرها عليه هذه المحكمة، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون غير مقبول.
(الطعن رقم 19644 لسنة 59 جلسة 1993/12/20 س 44 ع 1 ص 1206 ق 185)
10- حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه ، فيستوى أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو فى محاضر الشرطة ، ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطا بالضرورة الداعية إلية . وما فاه به الطاعن من طلب السكوت من جانب المطعون ضده أدنى وسائل الدفاع عن نفسه فى مقام اتهامه أمام الشرطة باغتصاب أثاث زوجته و رميه بأنه يريد أن يعيش من مالها
(الطعن رقم 782 لسنة 39 جلسة 1969/10/06 س 20 ع 3 ص 1014 ق 197)
11- إن حكم المادة 309 من قانون العقوبات يتناول فيما يتناوله ما يبديه الخصم فى عريضة الدعوى ، إذ المقصود من الإعفاء الوارد فى هذه المادة هو إطلاق حرية الدفاع للمتقاضين فى حدود ما تقتضيه المدافعة عن حقوقهم أمام المحاكم . و لما كانت عريضة الدعوى من الأوراق الواجب أن تبين فيها طلبات الخصوم و أوجه دفاعهم فهى لذلك تدخل فى نطاق الإعفاء . و لا يرد على ذلك بأن الدعوى وقت إعلان عريضتها لا تكون مطروحة بالفعل أمام القضاء فإن نظر الدعوى أمام المحكمة إنما يكون بناء على ما جاء فى عريضتها .
(الطعن رقم 1171 لسنة 10 جلسة 1940/06/10 س عمر ع 5 ص 227 ق 122)
خول القانون حق الدفاع لطرفي الخصومة من أجل تقرير محاكمة عادلة، ولذا فإن القذف الذي يقتضيه هذا الدفاع يعد مباحاً. وقد نصت المادة 309 عقوبات على أنه لا تسري أحكام المواد 302 و 303 و 305 و 306 و 308 (القذف والبلاغ الكاذب والسب) على ما يسنده أحد الخصوم لخصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم، فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية.
ويشترط لإباحة القذف الذي يقتضيه الدفاع ما يأتي:
1- أن يكون موجهاً من أحد الخصوم لخصمه، سواء كان ذلك في خصومة جنائية أو مدنية أو إدارية.
ويتسع معنى الخصم فيشمل كلا من أطراف الخصومة الأصليين والمنضمين والمحامين وغيرهم ممن يتولون الدفاع عنهم. ويستوي أن تكون الخصومة جنائية أو مدنية، أصلية أو مدنية تبعية. كما يستوي في الخصومة الجنائية أن تنشأ بسبب رفع الدعوى الجنائية من النيابة العامة أو رفعها مباشرة من المدعي بالحقوق المدنية.
ويلاحظ أن أعضاء النيابة يتمتعون بالإعفاء بناء على ما تقتضيه وظيفتهم من أجل أن يقولوا ويكتبوا كل ما تمليه عليهم ضمائرهم في سبيل أداء واجبهم. فعضو النيابة لا يعد خصماً، وإنما هو ممثل للنيابة العامة في أداء مهمتها، ولا يجوز تشبيهه بالمحامي الذي يمثل الخصوم في دفاعهم، فهو موظف عام يؤدي واجبه. والإباحة التي يتمتع بها تستند إلى أداء الواجب، ولهذا لا يجوز له أن يخرج عن حدود التقاليد القضائية باستعمال ألفاظ تنبو عن اللغة القضائية ولا تتطلبها المرافعة.
على أنه لا يجوز قصر حرية الدفاع على ما يسنده أحد أطراف الخصومة الخصمه مباشرة، بل يجب أن تمتد إلى كل ما يقدمه هذا الخصم من أدلة، فيجوز له بتحريح الشاهد أو الخبير بما يقتضيه الدفاع حتى يثبت للمحكمة فساد الدليل المترتب على شهادته أو خبرته. وهذه النتيجة أمر تقتضيه حرية الدفاع كأصل من أصول المحاكمة، ولا يقف حائلاً دون تقريرها قصور المادة 309 عقوبات عن شمولها، ذلك أن الحكم الذي تضمنته هذه المادة لم ينشئ حكماً جديداً على القواعد العامة، بل هو لا يعدو أن يكون تقريراً لقاعدة تقتضيها حرية الدفاع المكفولة في المحاكمات، فإن شابه القصور فيجب إكماله بما تقتضيه حرية الدفاع.
2- أن يقع القذف في أثناء الدفاع الشفوي أو الكتابي .
وقد أوجبت المادة 309 عقوبات أن يكون هذا الدفاع أمام المحكمة أياً كان نوعها أو درجتها. ولكننا نرى أن ما يبديه المتهم في سبيل الدفاع عن نفسه أمام سلطة التحقيق تشمله حصانة الدفاع بحسب أن حرية الدفاع من الأصول العامة التي يجب احترامها أياً كانت الجهة المقدم إليها هذا الدفاع . وفي ذلك قالت محكمة النقض إنه يستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر الشرطة، ذلك أن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطاً بالضرورة الداعية إليه.
على أن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يبديه الخصم من قذف خارج مجلس القضاء أو جهات التحقيق. وقد قضي أن الإعفاء تناول ما يبديه الخصم في عريضة الدعوى، وذلك بحسب أنها من الأوراق الواجب أن تعين فيها طلبات الخصوم وأوجه دفاعهم ويتحقق نظر الدعوى أمام المحكمة بناء على ما جاء بها.
3- أن يكون القذف من مستلزمات الدفاع.
فيجب أن تكون عبارات القذف (أو السب) التي وجهت من الخصم لخصمه في المرافعة مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع. مثال ذلك أن ينكر المدعى عليه في دعوى إثبات النسب بنوة الطفل فينسب إلى أمه أنها حملته سفاحا، أو أن ينسب محامي الحكومة إلى أحد الموظفين في الدعوى التي رفعها هذا الأخير أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء قرار فصله - أنه مختلس أو مرتش أو ارتكب أفعالاً شائناً تبرر فصله، أو أن ينسب المدعي في دعواه التي طلب فيها عزل ناظر الوقف أن هذا الناظر اختلس ربع الوقف)، أو أن ينسب الخصم في دعوى الحراسة إلى المرشح بالحراسة بأنه حكم بإفلاسه بقصد تجريحه .
وقد نص قانون المرافعات في المادة 105 على أنه للمحكمة - ولو من تلقاء نفسها - أن تأمر بمحو العبارات الجارحة أو المخالفة للآداب أو النظام العام من أية ورقة من أوراق المرافعات أو المذكرات. ولا يعد هذا المحو في ذاته دليلا يقينيا على وقوع جريمة القذف أو السب أو البلاغ الكاذب. كما أنه في ذات الوقت لا يحول دون اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد من ارتكب إحدى هذه الجرائم من خلال العبارات التي أمرت المحكمة بمحوها. فلا تتوافر الإباحة إذا لم يستلزم الدفاع إسناد عبارات القذف، ولكن لا يتوافر القصد الجنائي في حق الجاني إذا توهم أن هذا القذف هو مما يقتضيه الدفاع؛ تطبيقا لنظرية الغلط في الإباحة. فإذا لم يكن هذا الاعتقاد مبنياً على أسباب معقولة تعين مساءلته عن خطئه مدنياً أو تأديبياً على حسب الأحوال . وتقدير إذا ما كان القذف من مستلزمات الدفاع أو لا تقدره محكمة الموضع في حدود سلطتها.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني، الصفحة: 373)
حق الدفاع أمام القضاء :
سند الإباحة وعلتها : سند هذه الإباحة هو قول المادة 309 من قانون العقوبات إنه «لا تسري أحكام المواد 302، 303، 305، 306، 308، على ما يسنده أحد الأخصام لخصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية » . وقد ارتقی دستور سنة 1971 بهذا الحق إلى مرتبة الحق الدستوري، فقد نصت المادة 69 منه على أن «حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول » . وعلة هذه الإباحة أن حق الدفاع فرع عن حق التقاضي الذي اعترف به الدستور المذكور للأفراد، فقد نصت المادة 68 منه على أن « التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعي ». وهذا الحق نابع عن طبيعة التنظيم القانوني للمجتمع، وخضوع الأفراد والدولة القانون، والدور الاجتماعى للقضاء في حماية الحقوق : فإذا كان القانون يعترف للفرد بالحق في التقاضي، فلابد أن يعترف له بالحق في أن يعرض إدعاءه، ويدحض ادعاء خصمه، وإلا تجرد هذا الحق من القيمة . وبالإضافة إلى ذلك، فإن استعمال الخصوم حقهم في الدفاع يقدم معونة ثمينة للقاضي، إذ يتيح له التعرف على وجهات نظرهم وما يستتبعه ذلك من تعرف على عناصر الدعوى وسلامة الفصل فيها . وهذا التعليل للإباحة يجعل منها تطبيقا لاستعمال الحق كسبب للإباحة . وهذه الإباحة تسري على جريمتي القذف والسب على السواء، وذلك واضح من إشارة المادة 309 من قانون العقوبات إلى المادة 306 منه المختصة بالسب، بالإضافة إلى توافر علة الإباحة بالنسبة لها ؛ وتسري كذلك على جريمة البلاغ الكاذب.
شروط الإباحة : يستخلص من المادة 309 من قانون العقوبات وجوب أن يتوافر شرطان : أن يكون المتهم والمجنى عليه خصمين في دعوى؛ وأن تصدر العبارات في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم . ويضاف إليهما شرطان آخران يفرضهما المنطق القانوني والربط بين هذا الحق والنظرية العامة لاستعمال الحق كسبب للإباحة : أولهما، أن تكون العبارات من مستلزمات الدفاع باعتبار أن الحق لا يبيح إلا الأفعال الضرورية لاستعماله؛ وثانيهما، حسن النية باعتباره شرطا عاما لاستعمال الحق .
صفة الخصم للمتهم والمجني عليه : يقصر الشارع الإباحية على العلاقة بين الأخصام : فمن صدرت عنه عبارات القذف أو السب يتعين أن يكون خصما، ومن وجهت إليه هذه العبارات يتعين كذلك أن يكون خصماً وعلة هذا الشرط ما قدمناه من أن حق الدفاع فرع عن حق التقاضي، ومن ثم تعين على من يحتج به أن يكون ممارسة هذا الحق الأخير، وهو ما يعني أنه « خصم ».
والخصم تعبير واسع يصدق على « كل شخص يعد طرفاً في علاقة الخصومة الناشئة عن دعوى مدنية أو جنائية أو إدارية »، وتفهم الدعوى المدنية في مدلول واسع بحيث تشمل الدعاوى التجارية ودعاوى الأحوال الشخصية . فيعتبر خصماً المدعى عليه والشخص الذي أدخل ضامناً في الدعوى والخصم المنضم والمتهم (وهو يفند التهمة الموجهة إليه) والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول المدني ويعد في حكم الخصم وكيله، سواء أكان محامياً أم كان قريباً أذن له - وفقاً للقانون - في الدفاع عنه .
فإذا انتفت صفة الخصم عن شخص فلا يستفيد من هذه الإباحة، أياً كانت علاقته بالدعوى أو أحد أطرافها، واياً كانت مصلحته في أن يفصل فيها على وجه معين.
فالشاهد لا يعتبر خصماً، فليست بينه وبين أحد أطراف الدعوى خصومة ولكنه يستفيد من سبب الإباحة المستمد من واجب أداء الشهادة إذا تضمنت عباراته مساساً بشرف أحد الخصوم ولا يعتبر الخبير أو الحارس القضائي أو وكيل الدائنين خصوماً، ولكن باعتبارهم يؤدون واجباً فرضه القانون، فهم يستفيدون من سبب إباحة . ولا يعتبر القاضي أو عضو النيابة العامة خصماً، ولذلك لا يستفيد من الإباحة الخصم الذي يوجه إلى أحدهما ما يمس شرفه؛ ولكن لا يسأل القاضي عما تتضمنه أسباب حكمه أو عضو النيابة عما تضمنته مذكراته أو مرافعته، إذ يباشر كل منهما سلطة قررها له القانون ولا يعد خصماً المجنى عليه الذي لم يدع مدنياً.
صدور العبارات في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم : يعلل هذا الشرط أن حق الدفاع يدور في نطاق حق التقاضي، وهو ما يفترض قیام دعوى أمام محكمة وهذا الشرط ذو شقين : فهو يتطلب صدور هذه العبارات في دفاع شفوي أو كتابي؛ ويتطلب أن يدور هذا الدفاع أمام المحاكم .
الدفاع الشفوي أو الكتابي : يتسع تعبير « الدفاع » لكل ما يصدر عن خصم في سبيل المطالبة بحقه قضاء وتدعيم وجهة نظره وتفنيد حجج خصمه : فتعد من هذا القبيل صحيفة افتتاح الدعوى باعتبارها إبداء الطلبات المدعي وإجمالاً لسنده وتعد من قبيل الدفاع أقوال الخصم أمام المحكمة تأييداً لحقه، سواء أبداها من تلقاء نفسه أو بناء على طلب المحكمة أو أثناء مناقشة بينه وبين خصمه وتعد كذلك المذكرات التي تقدم إلى القضاء، سواء قدمت ابتداء أو رداً على مذكرة الخصم ؛ كما تعد من هذا القبيل صحف الطعن بطرقه المختلفة.
ويقتضى هذا الشرط أن تكون الدعوى قائمة بالفعل وقت صدور العبارات : فلا تمتد الإباحة إلى عبارة وردت في ورقة حررت قبل أن ترفع الدعوى أو بعد أن صدر فيها حكم بات .
يتعين أن يدور الدفاع أمام المحاكمة، يفهم الشارع تعبير المحاكم في مدلول واسع يشمل جميع الهيئات القضائية : فيتسع للمحاكم الجنائية والمدنية في مدلولها الواسع والإدارية، بل إنه يشمل المحاكم الاستثنائية والتأديبية . ويتسع هذا التعبير كذلك لهيئات التحقيق القضائية، كالنيابة العامة وقاضي التحقيق وعضو المحكمة المنتدب لإجراء تحقيق تكميلي أو إدارة التفليسة. ولكن المحكمين لا يأخذون حكم المحاكم، ذلك أنهم يستمدون سلطتهم من إرادة الأطراف، لا من قواعد التنظيم القضائي.
كون العبارات من مستلزمات الدفاع : علة هذا الشرط أنه إذا كانت المصلحة العامة قد اقتضت إباحة القذف أو السب، فإن هذه الإباحة التي وردت على خلاف الأصل يجب أن تقتصر على النطاق الذي تقتضيه المصلحة العامة، وما جاوز هذا النطاق لا يكون الإباحته مقتض . ويعني هذا الشرط أن العبارات التي يوجهها الخصم يجب أن تكون ضرورية لإبداء وجهة نظره أو تدعيمها، أو على الأقل تكون أفضل من غيرها في تحقيق هذه الغاية . أما إذا تبين أن الخصم كان يستطيع أن يبدي وجهة نظره ويدعمها على النحو الذي يقنع به القضاء دون حاجة إلى أن ينسب إلى خصمه الوقائع التي توجب عقابه أو احتقاره فلا يباح له فعله. وليس في الاستطاعة وضع قاعدة عامة تبين متى تكون العبارة مما يستلزمه الدفاع ومتى لا تكون كذلك، وإنما يتعين ترك الأمر لتقدير قاضي الموضوع « يقدره على حسب ما يراه من العبارات التي أبديت والغرض الذي قصد منها ».
حسن النية :
هذا الشرط يقتضيه اعتبار هذه الإباحة تطبيقاً لاستعمال الحق . ويعني حسن النية استهداف الخصم الدفاع عن حقه وتدعيم سنده وإقناع القضاء بوجهة نظره، فينتفی حسن النية إذا استهدف التشهير أو تعطيل الفصل في الدعوى، ومن القرائن على سوء النية عنف العبارة في غير مقتض.
ولا يشترط أن تكون الوقائع التي يذكرها المتهم صحيحة في ذاتها، وإنما يكفي اعتقاده صحتها واستناد هذا الاعتقاد إلى التحرى المعتاد ممن كان في مثل ظروفه وإذا كانت عبارات المتهم مما لا يستلزمه الدفاع ولكنه اعتقد ذلك فله أن يحتج بالغلط في الإباحة.
السب استعمالاً لحق الدفاع : صرحت المادة 309 من قانون به العقوبات بأن أحكام المادة 306 المختصة بالسب « لا تسري على ما يسنده أحد الأخصام لخصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم ». وعلة إباحة السب استناداً إلى حق الدفاع هي بذاتها علة إباحة القذف استناداً إلى هذا الحق، وتتطلب ذات الشروط وهي : كون المتهم والمجنى عليه خصمين في دعوى؛ وصدور عبارات السب في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم؛ وكونها من مستلزمات الدفاع ؛ وحسن النية وتخضع هذه الشروط لذات القواعد التي سبق تفصيلها في شأن إباحة القذف وصورة السب استعمالاً لحق الدفاع أن يجمل المتهم الوقائع التي ينسبها إلى المجني عليه في صفة يخلعها عليه ويكون من شأنها توضيح هذه الوقائع أو تحديد معالم شخصية المجنى عليه فيما يختص بهذه الوقائع، كما لو وصف المتهم خصمه بأنه « مرابی »، وكان ذلك في صدد نزاع على فوائد ربوية بينهما، أو أن يوجه إليه لفظ «اخرس» لحمله على الكف عن التمادي في أقواله التي يقتضيها الدفاع عن وجهة نظره.
السب غير العلني :
تمهيد : نص الشارع على السب غير العلني في المادة 378 من قانون العقوبات (الفقرة 9) في قوله « يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً . ومن ابتدر إنساناً بسبب غیرعلنی.
أركان السب غير العلني : أغلب أركان السب غير العلني مشتركة بينه وبين السب العلني، والفرق الأساسي بينهما هو توافر العلانية في أحداهما وانتقاؤها في الآخر فيتعين أن يتوافر للسب غير العلني ركنان : رکن مادی وركن معنوی . ويفترض الركن المادي نشاطاً يصدر عن المتهم - سواء في صورة القول أو الكتابة أو الإيماء - ويكون من شأنه خدش شرف المجني عليه واعتباره في أي من الصور التي يقوم بها السب بصفة عامة، وأهمها على ما قدمنا : نسبة عيب معين؛ إسناد عيب غير معين أو مجرد التعبير عن الإزدراء؛ تمنى الشر؛ الغزل ويتميز الركن المادي بعنصر سلبي هو انتفاء العلانية . ويتخذ الركن المعنوي في السب غير العلنى صورة القصد الجنائي، ويتطلب القصد علم المتهم بدلالة عباراته وتضمنها مساساً بشرف المجني عليه واعتباره، واتجاه إرادته إلى الغض بهذه العبارات من مكانة المجنى عليه، ولكن ليس من عناصر القصد - وذلك هو الفارق بين القصد في نوعى السب - العلم بعلانية الإسناد أو توافر إرادة الإذاعة باعتبار أن الإسناد في هذه الجريمة متجرد من العلانية .
وقد ميز الشارع السب غير العلني بركن ثم يتطلبه في السب العلني، هو كون المتهم قد « ابتدر » المجنى عليه بالسب، فإن لم يكن ابتدره به فلا جريمة في فعله.
الابتدار بالسب :
يعد المتهم مبتدراً المجنى عليه بالسب إذا لم يكن قد استفزه إليه، فالابتدار یعنی انتفاء الاستفزاز الصادر من المجني عليه والموجه إلى المتهم ؛ والاستفزاز حائل دون توافر أحد أركان هذه الجريمة .
ويفترض الاستفزاز أن المتهم قد صدر عنه السب رداً على سب وجهه إليه المجني عليه . وتطبيقاً لذلك فإن جريمة السب غير العلني لا تقوم إلا إذا صدر السب من المتهم ابتداء ولا يعتد الشارع بالاستفزاز إلا إذا كان من الشخص الذي اعتدى عليه بالسب بحيث يتخذ الاستفزاز والسب صورة تبادل الاعتداء بين شخصين أما إذا كان مرتكب السب غير من وجه إليه الاستفزاز فلا يحول ذلك دون توافر أركان جريمة السب غير العلنى : فإذا استفز «أ» خصمه «ب» فرد «ج» وهو صديق «ب» بسب وجهه إلى «أ»، فإن الاستفزاز لا يحول دون أن تتوافر أركان جريمة «ج» باعتباره لم يكن موجها إليه . ويتعين أن ترتكب جريمة السب في ذات الفترة الزمنية التي حدث فيها الاستفزاز، ولا يعني ذلك أن يرتكب السب فور الاستفزاز، وإنما يعني انعدام الفاصل الزمني بينهما بحيث يمكن القول بأن السب قد ارتكب تحت تأثير الثورة النفسية التي أحدثها الاستفزاز، والفصل في ذلك من شأن قاضي الموضوع .
القذف غير العلني :
لم يتضمن قانون العقوبات نصا يجزم القذف غير العلني، إذ اقتصرت نصوصه على تجريم القذف العلني، وقد جاء نص المادة 378 من قانون العقوبات (الفقرة 9) مقتصراً على تجريم السب غير العلني، فهل يعني ذلك أن القذف غير العلني لا عقاب عليه، لا نعتقد ذلك . بل نرى أن نص المادة 378 يسري أيضاً على القذف غیر العلني : ذلك أن كل قذف يعد في الوقت نفسه سباً : فنسبة واقعة محددة إلى شخص يتضمن بالضرورة إصدار حكم قيمي عليه مستخلص من افتراض صدور هذه الواقعة عنه، وبهذا الحكم العام تقوم جريمة السب : فمن أسند إلى آخر أنه سرق مال أخيه في تاريخ معين يعد في الوقت ذاته ناسباً إليه بصفة عامة أنه سارق . ومجمل القول أن القذف غير العلني هو في الوقت ذاته سب غیر علني وتوقع من أجله العقوبة التي تقررها المادة 378 من قانون العقوبات .
عقوبة السب أو القذف غير العلني : حددت المادة 378 من قانون العقوبات هذه العقوبة بالغرامة التي لا تجاوز خمسين جنيها. والجريمة على هذا النحو مجرد مخالفة . ولا عقاب على الشروع فيها. ويتوقف رفع الدعوى على شكوى المجني عليه قياسا من باب أولى على السب أو القذف العلني.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 778)
يشترط لإباحة القذف الذي يتضمنه الدفاع :
أولاً : أن يكون القذف موجهاً من خصم إلى خصم آخر في الدعوى :
فيدخل في هذا النطاق المتهم والمدعى بالحقوق المدنية والمسئول مدنياً والمحامي والقريب المأذون بالدفاع مع ملاحظة أن أعضاء النيابة العامة يستندون في استعمال حريتهم في لاتهاء والمرافعة إلى القواعد العامة التي تبيح لهم - في سبيل أداء واجبهم القضائي الموكول إليهم بحكم القانون - أن يقولوا ويكتبوا ما تمليه عليهم ضمائرهم، ولو تضمن قذفاً طالما كان له علاقة بالدعوى.
ويترتب على هذا الشرط أن الإباحة ترتد عن القذف في حق من ليس خصماً في الدعوى كالشاهد أو الخبير.
ثانياً : أن يكون القذف أثناء الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم :
ويشمل الدفاع ما يبديه الخصوم أو وكلاؤهم في المرافعات أو المذكرات التي تقدم إلى المحكمة، ويذهب الأعضاء إلى مد نطاق الإباحة إلى ما يبديه الخصم في عريضة الدعوى، إذ هي من الأوراق التي تبين فيها طلبات الخصوم وأوجه دفاعهم، ويكون نظر الدعوى أمام المحكمة بناء على ما جاء في عريضتها على أن إباحة القذف، في عريضة الدعوى يكون مشروطا باستهداف طرح الدعوى على المحددة، فتنتفي الإباحة إذا قصد بإعلان العريضة مجرد إيلام المدعى عليه والنيل منه.
ويستوي في الدفاع المباح أن يكون أمام محكمة جنائية أو مدنية أو إدارية.
وتمتد الإباحية المنصوص عليها في المادة 309 إلى ما يبديه الخصم دفاعا عن نفسه أمام سلطة التحقيق، بل حتى أمام سلطة جمع الاستدلالات، إذ أن ما جاء في المادة المذكورة لا يعدو أن يكون تطبيقاً لقاعدة عامة هي حرية الدفاع . وتطبيقاً لذلك قضى بأنه : « يستوي أن يصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر الشرطة، ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطاً بالضرورة الداعية إليه .
ثالثاً : أن يكون القذف من مستلزمات الدفاع :
إذا كان المشرع قد أباح القذف تمكناً للخصم من استعمال حقه في الدفاع، فإن هذه الاباحة يجب أن تقتصر على النطاق الذي يكون لازماً الاستعمال هذا الحق، وعلى ذلك تنحسر الإباحية عن القذف الذي لا يقتضيه الدفاع.
والفصل فيما إذا كان سر القذف من مستلزمات الدفاع أمر يقدره قاضي الموضوع، على أن يبين في حكمه مدى اتصال عبارة القذف أو السب بالنزاع القائم والقدر الذي تقتضيه - مدافعة الخصم عن حقه حتى تراقب محكمة النقض من خلال ذلك وجه استخلاص الحكم أن هذه العبارات مما يستلزمه حق الدفاع في النزاع المطروح، وإلا فإنه يكون قاصراً قصوراً يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون.
فإذا كان القذف مما لا يقتضيه الدفاع ولكن المتهم كان يعتقد أنه من مستلزمات الدفاع، فإنه ينتفي لديه القصد الجنائي تطبيقا للغلط في الإباحة، فإذا لم يكن اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة فإذاء يسأل عن خطئه مدنياً أو تأديبياً، وهذا هو ما عنته العبارة الأخيرة من المادة 309 من قانون العقوبات.
إباحة السب استعمالا لحق الدفاع :
أباحت المادة 309 من قانون العقوبات السب الموجه من خصم الخصم آخر في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم، ونحيل في تفصيل هذا السبب إلى ما تقدم بيانه بصدد استعمال حق الدفاع كسبب لإباحة القذف.
إباحة السب لعضو المجلس النيابي :
لا تسري أحكام السب على ما يبديه عضو مجلس الشعب أو الشورى من الأفكار والآراء في المجلس أو في إحدى لجانه . وتستند هذه الاباحة إلى المادة 98 من دستور سنة 1971. ونحيل في شأن هذا السبب إلى ما سبق تفصيله بصدد إباحة القذف.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 615)
محل تطبيق المادة 309 عقوبات هو أن يقع القذف أو السب من خصم على خصمه أثناء دفاعه في قضية ومن ثم يخرج عن ذلك القذف أو السب إذا تناول شخصاً غير داخل في الخصومة.
لما كان حكم هذه المادة ليس إلا تطبيقاً لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه ومن ثم فإن مناط تطبيق النص المذكور هو أن تكون عبارات القذف أو السب من خصم مما يستلزمه ذلك الدفاع عن الحق وتقدير ذلك متروك لمحكمة الموضوع تقدره على حسب ما تراه من العبارات التي أبديت والغرض المقصود منها.
هذا النص يسرى على جريمتى القذف والسب وكذلك جريمة البلاغ الكاذب.
ويشترط لتطبيق نص المادة 309 عقوبات ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول:
أن يكون الفعل (القذف أو السب أو البلاغ الكاذب) قد وقع من خصم في الدعوى على خصم آخر فيها. وتفصيل ذلك أن القاذف لايعفي من عقاب القذف الذي صدر منه أمام المحكمة إلا إذا كان خصماً في القضية المرفوعة وكان قذفه موجهاً إلى الخصم الآخر ويدخل في معنى الخصم المدعى عليه والخصم الثالث والشخص الذي أدخل في الدعوى والمدعي بحق مدني في قضية جنائية والمتهم والشخص المسئول عن الحقوق المدنية والنيابة العامة فيما يتعلق بما يوجه إليها من أفتراء أما عضو النيابة الذي يسند إلى المتهم أو إلى غيره من الخصوم صوراً شائنة أثناء مرافعته الشفوية أو في مذكراته التحريرية التي يقدمها إلى المحكمة فلا يستمد حقه في حرية المرافعة والاتهام من هذه المادة بل من القواعد العامة التي تبيح للقضاه وأعضاء النيابة عموما أن يقولوا أو يكتبوا كل ما تمليه ضمائرهم في سبيل أداء الأعمال القضائية الموكولة إليهم دون أن يسألوا جنائياً عن شئ من ذلك مهما تضمنت أقوالهم أو كتاباتهم من عبارات الطعن أو القذف.
ويدخل في حكم الخصوم المحامون عن المتقاضين وأقاربهم الذين أذن لهم بالدفاع عنهم. ولايدخل في معنى الخصوم الشهود الذين سمعوا في الدعوى وإنما يعني الشاهد من مسئولية القذف الذي تضمنته شهادته لأنه يؤدى للعدالة فإذا كانت الوقائع التي أسندها كاذبة جازت معاقبته على شهادة الزور فقط ولا يعفى من العقاب الخصم الذي يقذف شاهداً بسبب شهادته لأن الشاهد في هذه الحالة لايعتبر خصماً آخر في الدعوى. وكذلك لا يدخل في معنى الخصوم الخبراء ووكلاء التفليسة ولايدخل في معنى الخصوم أيضا المجنى عليه الذي لم يدخل مدعيا مدنيا في الدعوى المرفوعة على المتهم من النيابة ولا الحارس القضائي المعين من قبل المحكمة إلا حيث تكون الخصومة موجهة إليه.
الشرط الثاني :
أن يكون ذلك أثناء المرافعة الشفهية أو التحريرية المقدمة للمحكمة ويفهم الشارع تعبير "المحاكم" الواردة بالنص في مدلول واسع يشمل جميع الهيئات القضائية فيتسع للمحاكم الجنائية والمدنية في مدلولها الواسع والإدارية بل أنه يشمل المحاكم الاستثنائية والتأديبية ويتسع هذا التعبير كذلك لهيئات التحقيق القضائية كالنيابة العامة وقاضي التحقيق وعضو المحكمة المنتدب لإجراء تحقيق تكميلي أو إدارة التفليسة. ولكن المحكمين لا يأخذون حكم المحاكم ذلك أنهم يستمدون سلطتهم من إرادة الأطراف لا من قواعد التنظيم القضائي.
الشرط الثالث :
لا محل لإعفاء القاذف من العقوبة القضائية التي يقتضيها تطاوله بالقذف على خصمه في الدعوى إذا لم يكن ذلك من مستلزمات الدفاع فمتى تبين المحكمة أن عبارات القذف لم يكن لها مقتضى وأنها خارجة عن ضرورات الدفاع جاز لها إيقافه عن الاسترسال في قذفه وإلا يعد ذلك عدوانا على حق الدفاع فضلاً عن جواز محاكمته جنائياً والحكم عليه بالعقوبة التي يستحقها.
وليس المراد بالإعفاء رفع المسئولية بكل أنواعها عن القاذف متى توافرت الشروط السابق بيانها وإنما ترفع عنه المسئولية الجنائية فقط لكنه يبقى مسئولاً مدنياً عما وقع منه من الاعتداء على خصمه فإذا كان القاذف محامياً جازت أيضاً محاكمته أمام مجلس التأديب.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 35)
خول القانون حق الدفاع لطرفي الخصومة من أجل تقرير محاكمة عادلة، ولذا فإن القذف الذي يقتضيه هذا الدفاع يعد مباحاً. وقد نصت المادة محل التعليق على أنه "لا تسري أحكام المواد (302، 303، 305، 306، 308) "القذف والبلاغ الكاذب" على ما يسنده أحد الخصوم لخصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية".
ويشترط لإباحة القذف الذي يقتضيه الدفاع الآتي:
(1) أن يكون موجهاً من أحد الخصوم لخصمه سواء كان ذلك في خصومة جنائية أو مدنية أو إدارية.
ويتسع معنى الخصم فيشمل كلا من أطراف الخصومة الأصليين والمنضمين والمحامين وغيرهم ممن يتلون الدفاع عنهم. ويلاحظ أن أعضاء النيابة يتمتعون بالإعفاء بناءاً على ما تقتضيه وظيفتهم من أجل أن يقولوا ويكتبوا كل ما تمليه عليه ضمائرهم في سبيل أداء واجبهم، فعضو النيابة لا يعتبر خصماً وإنما هو ممثل للنيابة العامة في أداء مهمتها، ولا يجوز تشبيهه بالمحامي الذي يمثل الخصوم في دفاعهم فهو موظف عام يؤدي واجبه. والإباحة التي يتمتع بها تستند إلى أداء الواجب. ولهذا لا يجوز له أن يخرج عن حدود التقاليد القضائية باستعمال ألفاظ لا تتطلبها المرافعة.
على أنه لا يجوز قصر حرية الدفاع على ما يسنده أحد أطراف الخصومة الخصمه مباشرة، بل يجب أن تمتد إلى كل ما يقدمه هذا الخصم من أدلة، فيجوز له تجريح الشاهد أو الخبير بما يقتضيه الدفاع حتى يثبت للمحكمة فساده الدليل المترتب على شهادته أو خبرته.
(2) أن يقع القذف أثناء الدفاع الشفوي أو الكتابي. وقد أوجبت المادة محل التعليق أن يكون الدفاع أمام المحكمة أياً كان نوعها أو درجتها.
(3) أن يكون القذف من مستلزمات الدفاع. مثال ذلك أن ينكر المدعى عليه في دعوى إثبات النسب بنوة الطفل وينسبه إلى أمه أنها حملته سفاحاً أو أن ينسب محامي الحكومة إلى أحد الموظفين في الدعوى التي رفعها هذا الأخير أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء قرار فصله أنه مختلس أو مرتشي أو ارتكب أفعالاً شائنة تبرر فصله.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 169 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 97 . 272 ، 273
(مادة 157)
لا تجوز المطالبة أمام المحاكم الجنائية أو المدنية بأي تعويض عن الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب.
وفيما عدا ذلك تجرى على الشاكي الأحكام المقررة للمدعي بالحقوق المدنية في قانون الإجراءات الجنائية.
مادة (157): لا تجوز المطالبة أمام المحاكم الجنائية أو المدنية بأي تعويض عن
الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب.
وفيما عدا ذلك تجرى على الشاكي الأحكام المقررة للمدعي بالحقوق المدنية في قانون الإجراءات الجنائية.
الإيضاح
لما كانت أحكام هذا القانون مستمدة كلها من الشريعة الإسلامية وقد وضعت عقوبة الجلد فيها على أساس محاربة الباعث الذي يدعو القاذف إلى إيلام المقذوف وتحقيره - كان جزاؤه الجلد؛ ليؤلمه إيلاماً بدنياً؛ لأن الإيلام البدني هو الذي يقابل الإيلام النفسي، فضلا عن وصمه بالفسق ورد شهادته ما لم يتب، ومن ثم لم يكن للغرامات أو التعويضات المالية في هذا المجال نصيب في الشريعة الإسلامية التي حاربت الدوافع النفسية الداعية إلى الجريمة بالعوامل النفسية المعتادة، التي تستطيع وحدها التغلب على دوافع الجريمة، وصرف الإنسان عنها، ولم تجعل الشريعة تعويضاً مالياً في مقابل الاعتداء على العرض وقذف المحصنات وإشاعة الفاحشة والسوء في المجتمع، وهذه الجرائم لا تعوض بالمال، وإنها تستأصل بالعقوبات البدنية الرادعة.
ولما كانت القوانين الوضعية تعاقب على القذف بالحبس أو بالغرامة، وتقضي بالتعويض وهي عقوبات غير زاجرة، لذلك ازدادت جرائم القذف والسب زيادة عظيمة، وأصبح الناس يتبادلونها بغير خوف ولا رهبة، ولو علموا بأن المقابل للجرائم في هذا النوع هو العقوبة البدنية التي توجع البدن وتحقر الجاني في المجتمع - لما فكروا في اقترافها، لذلك نصت المادة على عدم جواز المطالبة بأية تعويضات أمام المحاكم الجنائية أو المدنية عن الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب.