loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1-  الأصل أن العقوبة المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة تجبُّ العقوبة الأصلية لما عداها من جرائم مرتبطة، إلا أن هذا الجب لا يمتد إلى العقوبات التكميلية المنصوص عليها في تلك الجرائم، ولما كانت جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة التي دين الطاعن بها - وهي إحدى الجرائم المرتبطة معاقب عليها بالمادة 309 مكرراً من قانون العقوبات، والتي تنص في فقرتها الأخيرة على أنه: " ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها" وإذ ما كانت عقوبة محو التسجيلات أو إعدامها المنصوص عليها في المادة سالفة البيان هي عقوبة نوعية مراعى فيها طبيعة هذه الجريمة، فإنه يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما ارتبط بها من جرائم أخرى، والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد .

( الطعن رقم 19652 لسنة 92 ق - جلسة 30 / 4 / 2024 )

2- لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجرائم هتك عرض طفلة والتقاط صور لها في مكان خاص ونشرها وتهديدها كتابة بإفشاء أمور خادشه للحياء لحملها على القيام بعمل التي دان المطعون ضده بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة، انتهى إلى عقابه طبقاً للمواد 268 ، 309مكرراً / 1 بند ب ، 309 مكرر أ / 2،1، 326 ، 327 / 1 من قانون العقوبات، والمواد 2 / 1 ، 95 / 111 ، 116 مكرراً ، 122 / 2 من القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ، ثم أوقع عليه عقوبة الحبس مع الشغل لمدة سنتين وذلك بالتطبيق للمادتين 17 ، 32 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان البند الأخير من المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات التي دين المطعون ضده بها ينص على أنه " ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها ". ولما كانت عقوبة محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة هي عقوبة تكميلية واجب الحكم بها، وكان الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة تجب العقوبة الأصلية لما عداها من جرائم مرتبطة بها، إلا أن هذا الجب لا يمتد إلى العقوبات التكميلية المنصوص عليها في هذه الجرائم، ولما كانت عقوبة محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة هي عقوبة نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة، ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما ترتبط به هذه الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة إعمالاً لنص البند الأخير من المادة 309 مكرراً من القانون المشار إليه يكون قد خالف القانون، بما يتعين معه تصحيحه بإضافة عقوبة محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة إلى العقوبة المقضي بها .

( الطعن رقم 3224 لسنة 90 - جلسة 2021/9/5 )

3- القصد الذى يتطلبه الشارع في جريمة استراق السمع المنسوبة إلى المطعون ضده والمعاقب عليها بنص المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات هو القصد العام الذى يتحقق بمجرد ارتكاب الفعل المادى وتستوى البواعث التى دفعت المتهم إلى فعله وأن مجرد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة باستراق السمع يفترض فيه القصد إذا ما توافر عنصراه : العلم والإرادة .

( الطعن رقم 14348 لسنة 65 - جلسة 2004/1/18 )

شرح خبراء القانون

(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)

جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة:

الركن المادي :

يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بتوافر ثلاثة عناصر حددها المادة 309 مكرراً عقوبات، وهي:

1- استراق السمع أو التسجيل أو النقل.

والجامع المشترك في هذه الأفعال هو انتهاك حرمة الأحاديث الشخصية، لكن استراق السمع يتحقق بمجرد التنصت دون تسجيل، بخلاف التسجيل فإنه يمتد إلى الاحتفاظ بهذه الأحاديث الشخصية، أما نقل الأحاديث فإنه يتبع التنصت عليها ويشمل إفشاءها.

2- أن تحدث الأفعال السالف بيانها من خلال جهاز من الأجهزة ولو عن طريق التليفون.

ويكفي أن يكون هذا الجهاز قد استخدم لمجرد التنصت ولو لم يقترن بالتسجيل، كما يكفي أن يكون الجهاز قد استخدم لنقل الأحاديث من مكان إلى آخر، ولا أهمية لنوع الجهاز. وبناء عليه، فلا عقاب على التنصت بمجرد الإصغاء بالأذن دون استخدام أجهزة.

3- أن يكون ذلك بدون رضاء المجني عليه .

فإن رضي صاحب الحياة الخاصة زالت حرمتها ولم يعد هناك حق معتدى عليه. ويشترط لتوافر الرضاء أن يشمل أطراف الحديث الخاص برمته ولا يقتصر على طرف منهم دون آخر، ولهذا لم يشترط القانون وقوع الجريمة من شخص آخر غير من كانوا طرفا في الحديث الشخصي.

وقد افترض القانون رضاء المجني عليه إذا صدرت الأفعال المعاقب عليها في أثناء اجتماع عام على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع. فخصوصية المكان هي مناط الحياة الخاصة في هذه الجريمة، فإذا كان الحديث من خلال التليفون، فإنه يتعين الرضاء من جانب أطراف المكالمة.

على أن عدم رضاء المجني عليه لا يؤثر في مشروعية البراءة بناء على الدليل المستمد من الفعل المكون للجريمة، إذ يجوز تقييد حرية المحكمة في القضاء ببراءة المتهم إذا قدم دليلاً غير مشروع اقتنصه خلال تسجيل غير مشروع لحديث شخصي بواسطة أحد الأجهزة أو بطريق التليفون لأن الأصل في المتهم البراءة، ولا تتقيد المحكمة بقواعد الإثبات ومنها مشروعية الأدلة إلا في مقام الإدانة دون البراءة اعتماداً على أن الأصل في المتهم البراءة.

الركن المعنوي :

هذه الجريمة عمدية يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي العام. ويتطلب هذا القصد أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الأفعال المكونة للجريمة مع علمه بأنها تنصب على أحاديث شخصية في مكان خاص أو على مكالمات تليفونية بدون رضاء المجني عليه.

العقوبة :

رصد القانون لهذه الجريمة عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة.

وقد نص القانون على ظرف مشدد إذا ارتكب هذه الجريمة موظف عام اعتماداً على سلطة وظيفته، ففي هذه الحالة تكون العقوبة الحبس.

وبالإضافة إلى هذه العقوبة الأصلية فقد نص القانون على عقوبة تكميلية وجوبية هي مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، ومحو التسجيلات المتصلة عنها أو إعدامها.

عاقبت المادة 309 مكرراً كل من التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص. وقد رأى المشرع أن وجود الإنسان في مكان خاص هو استعمال لحقه في الحياة الخاصة يتعين حمايته من الانتهاك. وصورة الإنسان هي أحد مكونات شخصيته، ومن ثم فإنها تتمتع بما لهذه الشخصية من ذاتية وحرمة.

الركن المادي

يشترط لوقوع الركن المادي لهذه الجريمة توافر أربعة عناصر، هي:

1- التقاط صورة أو نقلها. وذلك بالتمكن من أخذ صورة إنسان وحيازتها. والالتقاط هو تثبيت الصورة على دعامة صالحة لحفظها سواء كانت ورقية وما أشبه أو إلكترونية أو على جهاز من الأجهزة.

2- أن يكون ذلك بجهاز من الأجهزة، أي بإحدى الوسائل الفنية، مثل آلات التصوير أياً كان نوعها. ومن ثم فلا يقع تحت طائل التجريم الرسم والنحت والحفر وغير ذلك من الأساليب اليدوية.

3- أن يكون صاحب الصورة في مكان خاص بالمعنى السابق تحديده. فإذا كان التقاط الصورة من جهاز مثبت في مكان عام ولكنه يلتقط صور الموجودين في مكان خاص دون إذن صاحبه أو حائزه وقعت الجريمة.

فإذا فعل ذلك أحد مأموري الضبط القضائي كان عمله انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة بغير سند قانوني، مما يجعله باطلاً.

4- أن يكون بغير رضاء المجني عليه. وإلا، فكيف يثور البحث عن المساس بالحياة الخاصة للإنسان بينما هو راض بتدخل الغير فيها وهو ما بيناه و من قبل. ومن أمثلة ذلك تصوير المجني عليها تحت تأثير مخدر تناولته بغير رضاها.

(2) نقض 5 أكتوبر سنة 2008، الطعن رقم 49579 لسنة 88 ق. وقد انطوى هذا الفعل على جريمة هتك العرض بالقوة والإكراه.

ويفترض هذا الرضاء بتمام التصوير على مرأى من الحاضرين في مكان عام. ولا و يكفي مجرد الرضاء بمبدأ التصوير في مكان خاص، بل يجب أن يشمل تحديد ما يدخل في الصورة فإذا قبل شخص تصويره بين أطفاله فلا يقبل أن يستغل المصور موافقته على التصوير فيصور معه زوجته التي تقف بعيداً عنه.

الركن المعنوي:

هذه الجريمة عمدية يشترط لقيامها توافر القصد الجنائي العام بما يتطلبه من عنصري الإرادة والعلم.

العقوبة :

يعاقب على هذه الجريمة كسابقتها بالحبس مدة لا تزيد على سنة، فإذا كان الجاني موظفاً عاماً وارتكب الجريمة اعتماداً على سلطة وظيفته كانت العقوبة الحبس. ويعاقب الجاني بعقوبة تكميلية وجوبية هي مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، ومحو التسجيلات الصور المتحصلة عنها أو إعدامها.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016، الكتاب الثاني، الصفحة: 433)

الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة :

تمهيد : أضاف الشارع إلى قانون العقوبات نصين بالقانون رقم 37 لسنة 1972، هما المادتان 309 مكرراً، 309 مكرراً (أ)، هدف بهما إلى كفالة حماية جنائية لحرمة الحياة الخاصة : فالمادة 309 مكرراً من قانون العقوبات تنص على أن « يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجنى عليه : (أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون. (ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص . فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً، ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته . ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها ». وتنص المادة 309 مكرراً (أ) على أن « يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل أذاعة أو استعمل ولو فی غیر علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن . ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه . ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها ».

علة التجريم:

علة التجريم هي حماية حق كل شخص في أن تكفل لحياته الخاصة حرمتها، وأن تحاط بسياج من السرية، فلا ينفذ منه شخص إلا برضاء من صاحب هذه الحياة وأهم مظهرين لهذه الحياة أراد الشارع حمايتهما هما : ما يدور فيها من حديث، وما يتخذه الشخص من أوضاع اعتماداً على أنه لا يطلع عليه أحد . وبذلك كان موضوعا التجريم هما : الحديث و الصورة .

وقد حمل الشارع على هذا التجريم أن التقدم العلمي الحديث قد أنتج أجهزة تتيح الإطلاع على ما يجري في الحياة الخاصة دون علم من صاحب هذه الحياة، ودون أن يكون في استطاعته أن يحول دونه ومن شأن ذلك انتهاك حرمة هذه الحياة، بل وسلبها الصفة الخاصة وصيرورتها موضع اطلاع من يحوزون هذه الأجهزة، وعددهم غير محدود . واقتحام الحياة الخاصة على هذا النحو يهدد جانباً أساسياً من قيم المجتمع الحضارية وتقاليده، ومن هذه الوجهة كان الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة اعتداء على حقوق للمجتمع ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الاعتداء يصيب المجني عليه بضرر معنوي، بل ومادي كذلك .

تقسيم: تنص المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات على جريمتين، وتنص المادة 309 مكرراً (أ) من قانون العقوبات على جريمتين أخريين : فالمادة 309 مكرراً تنص على جريمتى الحصول على الحديث والحصول على الصورة . أما المادة 309 مكرراً (أ) فتنص على جريمتى استعمال التسجيل أو المستند، والتهديد بإفشاء فحوى هذا التسجيل أو المستند . وبين الجريمتين اللتين تنص عليهما المادة 309 مكرراً والجريمتين اللتين تنص عليهما المادة 309 مكرراً (أ) صلة وثيقة : فكل من الجريمتين الأخيرتين تفترض ارتكاب إحدى الجريمتين اللتين نصت عليهما المادة 309 مكرراً، ذلك أن الفعل الذي تقوم به كل من جريمتي المادة 309 مكرراً (أ) ينصب على موضوع كان الحصول عليه عن طريق ارتكاب إحدى جريمتي المادة 309 مكرراً.

المطلب الأول الحصول على الحديث أو الصورة :

تمهيد : تختلف الجريمتان اللتان نصت عليهما المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات من حيث الموضوع الذي ينصب عليه فعل المتهم : فهو في إحداهما حديث، وفي ثانيتهما صورة ويرتبط بهذا الاختلاف في الموضوع إختلاف في الأفعال التي تقوم بها كل جريمة، إذ الفعل الذي يحصل به المتهم على الحديث مختلف بالضرورة عن الفعل الذي يحصل به على الصورة .

الحصول على الحديث :

أركان الجريمة. عرف الشارع مرتكب هذه الجريمة في قوله « من استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون»

وتقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة: موضوع، هو المحادثات التي جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون ورکن مادی، قوامه نشاط، هو فعل الاستراق أو التسجيل أو النقل عن طريق جهاز؛ ويترتب على هذا النشاط نتيجة، هي الحصول على الحديث . وركن معنوي يتخذ صورة القصد الجنائي .

وينص القانون على ظرف مشدد لهذه الجريمة مستمد من صفة الجاني، وكونه موظفا عاما اعتمد على سلطة وظيفته في ارتكاب الجريمة .

وينص القانون على سببين لإباحة الأفعال التي تقوم بها الجريمة، هما : تصريح القانون ورضاء المجني عليه .

موضوع الجريمة :

موضوع الجريمة - كما قدمنا - محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون . وتقتضي دراسة موضوع الجريمة تحديد دلالة  المحادثات، واستظهار صفتها الخاصة المستمدة من حصولها في مكان خاص أو عن طريق التليفون .

المحادثات :

يعني « الحديث » صوتا له دلالة، سواء كانت هذه الدلالة مفهومة لجمهور الناس أو لفئة محدودة منهم . ومؤدى ذلك أنه تستوى اللغة التي جرى بها الحديث، ويستوي كذلك أن يجري بلغة ما أو أن يدور بالشفرة، إذ الشفرة في حقيقتها لغة، وإن كان نطاق فهمها محدوداً في عدد قليل من الناس فإن انتفى عن الصوت وصف الحديث، كما لو كان الحنا موسيقياً أو صيحات ليست لها دلالة لغوية فهو لا يصلح موضوعاً الجريمة.

الصفة الخاصة للمحادثات :

لا يتحقق الاعتداء على حرمة «الحياة الخاصة » إلا إذا كان الحديث الذي حصل عليه المتهم ذا «صفة خاصة»، إذ لو انتفت عنه هذه الصفة فكان «حديثاً عاماً»، فإن الحصول عليه لا يقوم به « اعتداء على حرمة الحياة الخاصة »، إذ ليس لمثل هذا الحديث « حرمة خاصة».

ولكن البحث يدور حول ضابط الصفة الخاصة للحديث : أهو طبيعة الموضوع الذي تناوله أم صفة المكان الذي جرى فيه ؟ رجح الشارع الضابط المستمد من صفة المكان، إذ يتسم هذا الضابط بالتحديد والوضوح في حين أن إسناد الصفة الخاصة للحديث إلى موضوعه يثير صعوبات ليس من السهل - في السياسة التشريعية - حسمها . فيعد الحديث خاصاً إذا جرى في مكان خاص؛ وقد أضاف الشارع بعد ذلك صورة ثانية للحديث الخاص، هو الحديث الذي يجري عن طريق التليفون وللمكان الخاص ذات دلالته في جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار، إذ أن هذه الجريمة - على ما قدمنا - أدني إلى هذه الجرائم وتطبيقاً لذلك فالمكان الخاص يميزه من ناحية أنه محاط بسياج يحول دون اطلاع من يوجدون في خارجه على ما يجري في داخله، سواء أكان اطلاعهم عن طريق السمع أو النظر ؛ ويميزه من ناحية ثانية أنه لا يدخل فيه عادة سوى أشخاص تربط بينهم صلة خاصة ومؤدى ذلك أن الحديث الذي يجري في مكان عام بطبيعته أو بالتخصيص أو بالمصادفة ليست له الصفة الخاصة . ولا يعد الحديث خاصا إذا جرى في مكان خاص ولكن استطاع ان يسمعه من كانوا في مكان عام أو أمكنة خاصة ؛ سواء أكان مرجع الاستطاعة إلى ارتفاع صوت المتكلم أو وجود جهاز يضخم الصوت وينقله إلى من يوجدون في أماكن خاصة . ولكن يعد الحديث خاصاً إذا جرى في مكان لا يسمح بالدخول فيه إلا لأشخاص تجمع بينهم صلة خاصة، ولو كان عدد من استمعوا إليه كبيراً، مثال ذلك حديث يجري في قاعة اجتمع فيها مجلس جامعة أو مجلس كلية أو أعضاء الجمعية العمومية لشركة . وتطبيقاً لهذا الضابط في تحديد الصفة الخاصة للحديث؛ فإن حماية القانون لا تمتد إلى حديث تناول أخص الشئون والأسرار، ولكنه جرى في مكان عام . وفي مقابل ذلك فإن حماية القانون تمتد إلى حديث له - في ذاته وبالنظر إلى الموضوع الذي تناوله - طابع عام، ولكنه جرى في مكان خاص.

وقد وضع الشارع قرينة مطلقة أسبغ بها الصفة الخاصة على كل حديث جرى عن طريق «التليفون».

الركن المادي للجريمة عبر الشارع عن الركن المادي لهذه الجريمة بألفاظ « استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه » . وقد حدد الشارع في هذه الألفاظ صور النشاط الإجرامي، ووسيلته .

فالفعل الذي يجرمه الشارع هو استراق السمع أو تسجيل الحديث أو نقله،  والاستراق يعني الاستماع خلسة والتسجيل يعني حفظ الحديث على مادة معدة لذلك كي يستمع إليه فيما بعد. والنقل يعنى إرسال الحديث من المكان الذي يجري فيه إلى مكان آخر، سواء أكان قريباً أم بعيداً .

وقد تطلب الشارع أن يرتكب الفعل « عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه ». ويعني الشارع بهذا التعبير « جهازاً مما أنتجه التقدم العلمي الحديث »، إذ الفعل لا تكون له الخطورة التي تقتضي تجريمه إلا إذا استغل « العلم الحديث » في ارتكابه . وتطبيقا لذلك، فإن الجريمة لا ترتكب إذا لم يستعن المتهم بجهاز ما في ارتكابها، أو استعان بأداة بدائية لا يصدق عليها أنها « جهاز » في المدلول السابق فلا يرتكب الجريمة من تصنت بأذنيه على الحديث الخاص، أو من سجله كتابة على الورق، أو من حفظه في ذاكرته ثم نقله إلى أشخاص آخرين .

ومن عناصر الركن المادي أن تتحقق نتيجة إجرامية، هي الحصول على الحديث، وأن ترتبط هذه النتيجة بالفعل بعلاقة السببية، ولا تثير دراسة هذين العنصرين صعوبة .

الركن المعنوية يتخذ الركن المعنوي لهذه الجريمة صورة القصد الجنائي . وعلى الرغم من أن الشارع لم يصرح بتطلب القصد، فهو مستفاد من طبيعة الأفعال التي تقوم بها، ومستفاد كذلك من تعريف الشارع لهذه الجريمة بأنها «اعتداء على حرمة الحياة الخاصة »، إذ الاعتداء يفترض القصد .

ويقوم القصد على العلم والإرادة : فيجب أن يعلم المتهم بالصفة الخاصة للحديث، وأن من شأن الجهاز الذي يستعمله أن ينقل الحديث أو يسجله ؛ ويجب أن تتجه إرادته إلى فعله وإلى نتيجته المتمثلة في الحصول على الحديث أو نقله . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من استمع إلى محادثة تليفونية لتشابك الخطوط، أو من ترك سهواً جهازاً للتسجيل في مكان خاص فسجل حديثاً جرى فيه.

والقصد الذي يتطلبه الشارع في هذه الجريمة «قصد عام » . وتستوي البواعث التي دفعت المتهم إلى فعله : فسواء أن يدفعه إليه باعث ابتزاز المال أو خدمة نظام سیاسی وطني أو أجنبي أو استغلال الحديث في وسيلة إعلام أو مجرد الفضول وحب الاستطلاع .

عقوبة الجريمة، حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على سنة .

وبالإضافة إلى هذه العقوبة الأصلية، فقد قرر الشارع أن « يحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في ارتكاب الجريمة ». وهذه المصادرة عقوبة تكميلية وجوبية، واعتبارها وجوبية هو خروج على القواعد العامة، إذ قد انصبت على شيء استعمل في ارتكاب الجريمة، ومصادرة هذه الأشياء جوازية طبقاً للمادة 30 (الفقرة الأولى) من قانون العقوبات  ويحكم كذلك « بمحو التسجيلات المتحصلة من الجريمة أو إعدامها »، ويعد ذلك صورة من إعادة الحال إلى ما كانت عليه، باعتباره إزالة للوضع الإجرامي الذي نشأ بارتكاب الجريمة، ويقضي به القاضي من تلقاء نفسه .

الظرف المشدد:

قرر الشارع تشديد العقاب إذا ارتكب الجريمة « موظف عام اعتماداً على سلطة وظيفته »، فتصير العقوبة الحبس الذي قد يصل إلى حده الأقصى العام . وعلة التشديد في ازدياد خطورة الجريمة، وذلك لما للموظف العام من سلطة تتيح له أن يستغل في ارتكابها مرهوسیه والأجهزة التي تمتلكها الدولة؛ بالإضافة إلى أن استناده في عمله إلى سند قانونی مزعوم يرهب المجنى عليه فيجبن عن المقاومة؛ وفي النهاية فإن ارتكاب الموظف العام هذه الجريمة يسيء إلى سمعة الدولة ويضعف من ثقة المواطنين في نزاهتها .

ويقوم التشديد على عنصرين :

صفة الجاني، وكونه موظفاً عاماً، واستغلاله سلطات وظيفته في ارتكابها ويفهم تعبير « الموظف العام » في مدلول متسع : فهو « كل شخص يمارس جزءاً من اختصاص الدولة »، إذ يتيح له ذلك أن يستعين بسلطة أو يستغل إمكانيات تجعل الجريمة أكثر خطورة . أما استغلال سلطة الوظيفة فيعني أن المتهم قد استعان بالإمكانيات القانونية أو الفعلية التي تتيحها له وظيفته في ارتكاب جريمته، وهذه الإمكانيات قد تكون طاعة مرءوسيه أو رهبة المواطنين أو ما يحوزه لحساب الدولة من أجهزة وأموال؛ وسواء أن تكون له صفة قانونية في استغلال هذه الإمكانيات أو أن تكون وظيفته قد أتاحت له انتزاعها .

أسباب الإباحة، نص القانون على سببين للإباحة هما: تصريح القانون، ورضاء المجني عليه . تصريح القانون هو « استعمال السلطة » الذي نصت عليه المادة 63 من قانون العقوبات، ولذلك يتعين أن تتوافر جميع شروط هذه الإباحة، ومثاله أن يصرح القانون باستراق السمع أو تسجيل حديث كشفاً عن جريمة أو تحقيقاً لها؛ أو دفعاً لخطر يهدد أمن الدولة أو لأغراض المخابرات العسكرية .

والعلة في اعتبار «رضاء المجني عليه» سبب إباحة أن هذا الرضاء يزيل عن الحديث صفة السرية، فلا يكون ثمة، « حرمة للحياة الخاصة » ينالها الاعتداء ويتعين أن تتوافر للرضاء شروطه التي تقضي بها القواعد العامة وقد نص الشارع على أنه إذا صدر الفعل أثناء اجتماع على مرأی أو مسمع من الحاضرين فإن رضاءهم يكون مفترضاً . وهذا الافتراض يقبل إثبات العكس . وعلته أن « عدم الاعتراض » على الرغم من استطاعته يفسر - وفق الخبرة الإنسانية العامة - بأنه رضاء . وبناء على ذلك، فإنه إذا كان الحاضرون جميعاً أو أحدهم لا يستطيعون التعبير عن اعتراضهم لخشيتهم سطوة المتهم، فإن ذلك الافتراض لا يكون له محل.

الحصول على الصورة :

أركان الجريمة : عرف الشارع مرتكب هذه الجريمة في قوله « من التقط او نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص» .

وتقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة : موضوع، هو صورة شخص موجود في مكان خاص . ورکن مادی، هو فعل الالتقاط أو النقل وما يترتب عليه من نتيجة، هي الحصول على الصورة . وركن معنوي صورته القصد الجنائي . وقد وحد الشارع بين هذه الجريمة وجريمة الحصول على الحديث من حيث العقوبة والظرف المشدد لها وأسباب الإباحة .

موضوع الجريمة موضوع الجريمة هو « صورة شخص في مكان خاص ». وصورة الشخص هي امتداد ضوئي لجسمه، وهي - على خلاف الحديث - لا تعبر عن فكرة، ولا دلالة لها غير إشارتها إلى شخصية صاحبها ويستوي أن تنقل الصورة على حقيقتها أو أن يدخل المتهم عليها تشويها بحيث يعطيها مظهراً « كاريكاتورياً».

وقد تطلب الشارع في موضوع الجريمة أن يكون « صورة لشخص »؛ ومن ثم لا تقوم الجريمة إذا انصب فعل المتهم على «صورة لشيء » ؛ وقد يكون هذا الشيء « مستنداً ذا أهمية بالغة » لسرية وخطورة ما يتضمنه من معلومات، وقد يترتب على التقاط أو نقل صورة هذا الشيء ضرر ملموس بالمجني عليه .

فإذا انصب فعل المتهم على « صورة لشخص » فإن الجريمة ترتكب بذلك، أيا كان الوضع الذي كان عليه صاحب هذه الصورة وقت التقاطها أو نقلها . وإذا كان الغالب في هذه الجريمة أن تلتقط أو تنقل صورة المجني عليه، وهو في وضع لا يجب أن يطلع عليه فيه أحد أو لا يطلع عليه سوی قلة من الخلصاء، فإنه لا يحول دون قيام الجريمة أن يلتقط المتهم ص ورة المجني عليه - وهو في مكان خاص - وقد ارتدى ملابسه الكاملة واتخذ وضعاً لا يخجله أن يطلع عليه فيه جمهور من الناس ذلك أن الشارع قد أراد أن تكفل للمجني عليه حرمة حياته، طالما كان في مكان خاص .

ويفترض موضوع الجريمة أن صورة المجنى عليه قد التقطت أو نقلت، وهو في مكان خاص وقد سلف توضيح فكرة « المكان الخاص » في صدد الجريمة السابقة.

الركن المادي :

نص الشارع على فعلين تقوم بهما الجريمة، هما، الالتقاط والنقل، وحدد وسيلتهما بأنها « جهاز أيا كان نوعه ».

والالتقاط يعني تثبيت الصورة على مادة حساسة والنقل يعنی تمكين شخص يوجد في مكان مختلف عن المكان الخاص الذي يوجد فيه المجني عليه من الاطلاع على صورته؛ ويستوي أن يكون المكان الذي تنقل إليه الصورة عاماً أو خاصاً.

وإذا كان الشارع قد حصر الركن المادي في فعلى الالتقاط والنقل، فمؤدى ذلك أن الجريمة لا تقوم بمجرد الرؤية : فإذا اطلع المتهم - عن طريق ثقب في الباب أو نافذة تركت مفتوحة - على المجنى عليه فلا تقوم الجريمة بذلك، ولو كان المجني عليه وقت أن شهده المتهم في وضع يخجل من اطلاع الغير عليه . ولا يغير من هذا الحكم أن يروي المتهم لجمهور من الناس ما شاهده . ولا يغير منه كذلك أن يستعين المتهم بجهاز يمكنه من ذلك الاطلاع، كمنظار مقرب، وان يكون متطوراً كما لو كان يطلق نوعاً من الأشعة يتيح لمن يستعمله أن يطلع على ما يجري خلف جدران أو أبواب .

ويتطلب الشارع أن يستعين المتهم في ارتكاب فعل الالتقاط أو النقل « بجهاز أياً كان نوعه »، ويراد به جهاز أنتجه التقدم العلمي الحديث، وهي أجهزة التصوير والإرسال التلفزيوني . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من اطلع على صورة شخص في مكان خاص ثم رسمها، وإن يكن رسمه لها بالغ الدقة .

الركن المعنوي للجريمة هذه الجريمة عمدية . والقصد المتطلب فيها عام . ولا عبرة بالبواعث إلى ارتكابها . ويخضع كل ذلك لما سلف تفصيله من أحكام في شأن الجريمة السابقة وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من ترك سهواً في مكان خاص جهازاً للتصوير أو النقل التليفزيوني فالتقط أو نقل صورة لشخص في هذا المكان .

 عقوبة الجريمة، حدد الشارع لهذه الجريمة عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة ؛ وأوجب مصادرة الأجهزة التي استعملت في ارتكابها، ومحو أو إعدام الصور المتحصلة منها، وشدد عقوبتها إذا ارتكبها موظف عام اعتماداً على سلطة وظيفته، فجعلها الحبس وقرر إباحتها في حالتي تصريح القانون ورضاء المجني عليه . ويخضع ذلك لما فصل من أحكام في شأن الجريمة السابقة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:   891)

محل الجريمة :

محل هذه الجريمة هو المحادثة الخاصة، ويقصد بالمحادثة كل الصوت له دلالة معينة متبادل بين شخصين أو أكثر، أياً كانت اللغة - المستعملة في ذلك . وعلى الرغم من استكمال المشرع لفظ المحادثات الذي يفيد لغة تبادل الحديث بين شخصين أو أكثر إلا أن النص يمتد - في تقديرنا - إلى حالة التقاط ديث فردي، كما لو كان صاحبه ينطق به ليسجله لنفسه فالتقطه آخر في غير الأحوال المصرح بها أو بغير رضاء المجنى عليه، ويترتب على هذا التحديد أنه إذا لم يكن الصوت حديثاً لا تقع الجريمة.

أما خصوصية المحادثة فقد حددها المشرع بكون المحادثة قد جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون، وعلى ذلك إذا وقعت المحادثة في مكان عام سواء بطبيعته أو بالتخصيص أو بالمصادفة أو وقعت في مكان خاص بحيث يستطيع سماعه من كان في مكان عام لا تقع الجريمة.

 الركن المادي :

حدد المشرع صوراً ثلاثة للفعل المكون للركن المادي لهذه الجريمة هي : استراق السمع، وتسجيل الحديث، ونقل الحديث . ويقصد باستراق السمع أن يسمع المباني الحديث بأذنه في غفلة من المجني عليه، كأن يضع أذنه خلف باب الحجرة التي يتحدث فيها المجنى عليه، أو يختفي وراء ستار أو تحت قطعة أثاث في ذات الحجرة ليسمع المحادثة وتسجيل الحديث يعني التقاطه على شريط معد لذلك لسماعه فيما بعد . أما نقله فيقصد به التقاطه وإرساله إلى مكان آخر، ويتم كل من التسجيل والنقل عن طريق أجهزة خاصة كجهاز التسجيل وجهاز الإرسال أو جهاز التليفون إذا فتحت سماعته دون علم المجنى عليه على أحد الخطوط فالتقط الحديث جهاز تليفونی آخر ولم يشأ المشرع أن يحدد نوع الأجهزة المستخدمة حتى يدخل في نطاقها كل جهاز يكشف عنه التطور العلمي في المستقبل.

القصد الجنائي :

هذه الجريمة عمدية لا قيام لها إلا إذا توافر القصد الجنائي، وهو يقوم على عنصري العلم والإرادة، فيجب أن يكون الجاني عالماً وقت ارتكاب الفعل أنه يقع على محادثة خاصة، وأن من شأن فعله المساس بحرمة الحياة الخاصة للمجني عليه، ويجب أن تتجه إرادته إلى ارتكاب الفعل وإلى تحقيق النتيجة وهي الحصول على الحديث . فإذا انتفت هذه الإرادة إنهارت الجريمة.

 إباحة الفعل :

أورد المشرع سببين لإباحة الفعل يتمثلان في : تصريح القانون، ورضاء المجني عليه.

ويقصد بتصريح القانون الأحوال التي يجيز فيها القانون تسجيل الحديث أو نقله، من ذلك ما نصت عليه المادة 1/ 95 من قانون الإجراءات الجنائية  التي تقضي بأن : « لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات و الطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق، وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى کان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو في جنحة معاقب عليها بالحبس المدة تزيد على ثلاثة أشهر »

على أنه يشترط لتحقق الإباحة عندئذ أن تراعي القيود والشروط التي يتطلبها المشرع للحصول على الحديث بهذا الطريق.

والقاعدة في تحقق الإباحة استنادا إلى رضاء المجنى عليه أن يكون هذا الرضاء صريا، ومع ذلك فقد أقام المشرع قرينة على توافر هذا الرضاء إذا صدر الفعل أثناء اجتماع على مسمع ومرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، وهي قرينة قابلة لإثبات العكس، فينتفى الرضاء إذا ثبت أن الحديث قد سجل أو نقل في غفلة من بعض الحاضرين.

وغني عن البيان أن الرضاء لا ينتج أثره المبيح إلا إذا كان صادراً عن إرادة معتبرة قانوناً، وكان سابقاً أو معاصراً للفعل، فالرضاء اللاحق لا ينفي وقوع الجريمة.

 العقوبة :

يقرر المشرع الجريمة الحصول على محادثة خاصة عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة . ويضيف إلى ذلك وجوب الحكم بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة والمصادرة هنا عقوبة تكميلية وجوبية، ويعتبر ذلك خروجاً على القواعد العامة التي تعتبر المصادرة هنا وفقاً لها عقوبة جوازية موضوعها أشياء استعملت في ارتكاب الجريمة (م 1/30 من قانون العقوبات).

كذلك يجب الحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها . ويستهدف المشرع بذلك إزالة آثار الجريمة وإعادة الحال إلى ما كانت عليه.

ويشدد المشرع العقاب ليصبح الحبس إذا كان الجاني موظفاً عاماً ارتكب الفعل اعتماداً على سلطة وظيفته.

الثاني

التقاط صورة شخص أو نقلها

أركان الجريمة :

تقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة : محل الجريمة والركن المادي والركن المعنوي.

محل الجريمة :

محل هذه الجريمة هو صورة شخص في مكان خاص، فلا يتوافر ركن المحل إلا إذا تحقق فيه أمران : أن يكون صورة لشخص، فلا تقع الجريمة إذا كان محلها صورة لشيء أو لمستند أو المكان، وأن تكون الصورة لشخص في مكان خاص، ويستند هذا الشرط إلى علة التجريم وهي حماية حرمة الحياة الخاصة فإذا كانت الصورة لشخص في مكان عام لا تقع بالفعل الجريمة كذلك لا تقع الجريمة إذا كان الشخص في مكان خاص بحيث يمكن رؤيته من مكان عام، وعلى ذلك لا تقع الجريمة إذا التقطت صورة لشخص يقف في نافذة منزلة أو شرفته بحيث يراه من كان في الطريق العام.

الركن المادي :

يتخذ الفعل المكون الركن المادي في هذه الجريمة إحدى صورتين : إلتقاط الصورة، ونقل الصورة، على أن يكون ذلك بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه.

ويقصد بالالتقاط تثبيت الصورة على مادة خاصة يمكن عن طريقها الإطلاع على الصورة، ويتم ذلك بأجهزة التصوير أما النقل فيقصد به إرسال الصورة إلى مكان آخر سواء كان عاماً أو خاصاً عن طريق جهاز إرسال مثلاً أو أي جهاز يمكن أن يكشف عنه التطور العلمي في المستقبل.

ويعني قصر المشرع الركن المادي على هاتين الصورتين أنه استبعد حالة رؤية الشخص في مكان خاص عن طريق حاسة النظر ولو تم بالاستعانة بجهاز معين كالمنظار المكبر، ولو نقل ما رآه للغير.

الركن المعنوي :

هذه الجريدة عمدية يقوم ركنها المعنوي على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، فلا تقع عن طريق الخطأ، ونحيل في تفصيل الركن المعنوي إلى ما تقدم بيانه بصدد جريمة الحصول على محادثة خاصة. أسباب الإباحة :

قرر المشرع إباحة هذا الفعل في حالتي تصريح القانون، ورضاء المجني عليه على النحو الذي تقدم بيانه بصدد الجريمة السابقة.

 العقوبة :

تماثل العقوبة المقررة لهذه الجريمة وسبب تشديدها ما تقدم بيانه بصدد الجريمة السابقة فنحيل إليها.

الثالث

إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند

أركان الجريمة

تقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة : محل الجريمة، والركن المادي، والركن المعنوي.

 محل الجريمة :

يتمثل محل الجريمة في التسجيل أو المستند إذا توافر أحد شرطين : الأول، أن يكون التحصل على التسجيل أو المستند قد تم بإحدى الطرق المبينة في الجريمتين السابقتين وهي التسجيل أو النقل أو الإلتقاط . الثاني، أن يكون التحصل على التسجيل أو المستند قد تم بطريق آخر ولو كان مشروعاً، ولكن كان صاحب الشأن غير راض عن إذاعته أو استعماله مثال ذلك أن يكون صاحب الشأن قد عهد إلى الجاني بتوصيل التسجيل أو المستند إلى شخص آخر أو بحفظه لديه، فأذاعه أو استعمله دون رضاء صاحب الشأن .

الركن المادي :

يتخذ الفعل المكون الركن المادي لهذه الجريمة إحدى صور ثلاث :

الإذاعة أو تسهيل الإذاعة أو الاستعمال.

والإذاعة تفيد إفشاء مضمون التسجيل أو المستند علانية، وتسهيل الإذاعة يعني مساعدة من يقوم بالإفشاء على ارتكاب فعله، فهذه الصورة تعتبر وفقاً للقواعد العامة وسيلة من وسائل الاشتراك في الجريمة، لكن المشرع اعتبرها صورة من صور تنفيذ الجريمة في هذه الحالة فيعتبر مرتكبها فاعلاً استثناء من القواعد العامة.

ويقصد باستعمال التسجيل أو المستند الإستعانة به في تحقيق غرض معين كتقديمه للإثبات أمام المحكمة . ويستوي لدى المشرع - فيما يتعلق بالاستعمال - أن يكون في علانية أو غير علانية، فيتحقق الاستعمال ولو، اقتصر الجاني على إطلاع شخص واحد على المستند وطلب منه الكتمان.

وإذا كان مرتكب الفعل هو الذي تحصل على التسجيل أو المستند بإحدى الطرق التي ذكرتها المادة 309 مكرراً فإنه يسأل عن الجريمتين وتوقع عليه العقوبة الأشد تطبيقاً للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات.

الركن المعنوي :

هذه الجريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي، وهو قصد عام يقوم على عنصري العلم والإرادة . فيجب أن يكون الجاني عالماً بأن من شأن فعله إذاعة أو تسهيل إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند، وبأن التسجيل أو المستند متحصل عليه بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 309 مكرراً أو بأن صاحب الشأن غير راض عن الفعل، فإذا كان يعتقد أنه قد تحصل عليه بوسيلة أخرى، أو بأن المجني عليه راض عن الفعل انتفى لديه القصد كذلك يجب أن تتجه إرادته إلى إذاعة التسجيل أو المستند أو تسهيل إذاعته أو استعماله، فإذا حدث ذلك بناء على خطئه لا تقع الجريمة لانتفاء ركنها المعنوي.

وغني عن البيان ألا شأن للباعث في توافر القصد.

سبب الإباحة :

قرر المشرع إباحة الفعل إذا تم بناء على رضاء صاحب الشأن ويشترط في الرضاء أن يكون صادراً عن إرادة معتبرة قانوناً، وأن يكون سابقاً على ارتكاب الفعل أو معاصراً له.

 العقوبة :

قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس بين حديه الأدنى والأقصى العامين، وبالإضافة إلى ذلك عقوبة تكميلية هي المصادرة الوجوبية للأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها . كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.

ويشدد المشرع العقوبة إذا كان الفاعل موظفاً عاماً ارتكب الجريمة اعتماداً على سلطة وظيفته، فيجعلها السجن بين حديه العامين أي الذي لا يقل عن ثلاث سنوات ولا يزيد على خمس عشرة سنة.

الرابع

التهديد بالإفشاء

أركان الجريمة :

تقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة : محل الجريمة، الركن المادي، الركن المعنوي.

محل الجريمة :

محل الجريمة هو مضمون التسجيل أو المستند الذي تم التحصل عليه بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 309 مكرراً وتدخل صورة شخص في مكان خاص في معنى المستند.

الركن المادي :

يتمثل الفعل المكون للركن المادي لهذه الجريمة في التهديد بالإفشاء، أما الإفشاء ذاته فيدخل في نطاق الفعل المكون للجريمة السابقة . ویستوی في التهديد أن يكون بالقول أو الفعل أو الإيماء أو الكتابة.

الركن المعنوي :

هذه الجريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي . والقصد العام لا يكفي لقيام الجريمة وإنما يجب أن يتوافر فضلاً عن ذلك القصد الخاص.

والقصد العام يقوم على عنصري العلم والإرادة . فيجب أن يكون الجاني عالما بأن الأمر الذي يهدد بإفشائه قد تحصل عليه بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 309 مكرراً، وأن تتجه إرادته إلى فعل التهديد وإلى التأثير به في إرادة المجنى عليه.

أما القصد الخاص فيتمثل في نية حمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه  وسواء كان الشخص هو صاحب الحديث أو الصورة أو المستند أو غيره كما يستوي أن يكون العمل أو الامتناع المستهدف بالتهديد مشروعاً أو غير مشروع.

 العقوبة :

قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات . وينتقد الفقه – بحق - هذا الوضع التشريعي حيث أن عقوبة التهديد بالإفشاء أشد من عقوبة الإفشاء نفسه .

وتشدد العقوبة فتصبح السجن بين حديه العامين، إذا كان الفاعل موظفاً عاماً ارتكبها اعتماداً على سلطة وظيفته . فإذا كان الموظف الذي قام بالتهديد هو الذي تحصل على المحادثة أو الصورة بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 309 مكرراً، فإنه يسأل عن كل من الجريمتين، فتوقع عليه أشد العقوبتين تطبيقاً للمادة 32/ 1 من قانون العقوبات . مثال ذلك موظف مصلحة التليفونات، الذي يسجل المحادثات التليفونية ثم يهدد أصحابها بإفشائها ابتغاء الحصول على أموالهم.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  682)

أضيفت هذه المادة بالقانون رقم 37 لسنة 1972(الجريدة الرسمية - في 28/9/1972 العدد 39) ثم عدلت الفقرة الثالثة بالنسبة لتحديد الحد الأدنى الحبس بموجب القانون 93 لسنة 1995 ثم ألغي الحد الأدنى العقوبة الحبس بموجب القانون 95 لسنة 1996.

جرائم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطن فنص على تجريم انتهاك حرمة المحادثات الشخصية والتقاط أو نقل الصورة وكذا إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند.

الجريمة الأولى : انتهاك حرمة المحادثات الشخصية :

وقد اشترط القانون المصرى لتجريم المساس بحرمة المحادثات الشخصية أن تجرى هذه المحادثات في مكان خاص أو عن طريق التليفون والمقصود بالمكان الخاص هو المكان المغلق الذي لا يسمح بدخوله للخارجين عنه أو الذي يتوقف دخوله على إذن لدائرة محدودة صادر ممن يملك هذا المكان أو من له الحق في استعماله أو الانتفاع به.

 ويتطلب النص لانطباقه ركنين مادی و معنوی :

أولاً: أما الركن المادي فيتحقق بتوافر ثلاثة عناصر حددتها المادة 309 مكرراً عقوبات وهي:

1- استراق السمع أو التسجيل أو النقل والجامع المشترك في هذه الأفعال هو انتهاك حرمة الأحاديث الشخصية إلا أن استراق السمع يتحقق بمجرد التصنت دون تسجيله بخلاف التسجيل الذي يمتد إلى الاحتفاظ بالأحایث الشخصية التي تم التصنت عليها أما نقل الأحاديث فإنه ينطوي بلا شك على التصنت عليها.

 2- ويشترط أن تتم الأفعال السالف بيانها من خلال جهاز من الأجهزة ويكفي أن يكون هذا الجهاز قد استخدم لمجرد التصنت ولو لم يقترن بالتسجيل كما يكفي أن يكون الجهاز قد استخدم لنقل الأحاديث من مكان إلى آخر. ولا أهمية النوع الجهاز وبناء عليه فلا عقاب على التصنت بمجرد الإصغاء بالأذن.

3- أن يتم ذلك بدون رضاء المجنى عليه فإذا رضي المجني عليه زالت السرية ولم يعد هناك حق معتدى عليه.

ويشترط لتوافر الرضاء أن يشمل أطراف الحديث برمته ولايقتصر الأمر على طرف منه دون آخر.

وقد افترض القانون رضاء المجني عليه إذا صدرت الأفعال المعاقب عليها أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع.

 ثانياً : الركن المعنوي :

يقوم القصد الجنائي على العلم والإرادة فيجب أن يعلم المتهم بالصفة الخاصة للحديث وأن من شأن الجهاز الذي يستعمله أن ينقل الحديث أو يسجله ويجب أن تتجه إرادته إلى فعله وإلى نتيجته المتمثلة في الحصول على الحديث أو نقله وتطبيقاً لذلك فإنه لايرتكب هذه الجريمة من استمع إلى محادثة تليفونية التشابك الخطوط أو من ترك سهواً جهازاً للتسجيل في مكان خاص فسجل حديثاً جرى فيه.

العقوبة :

عقوبة هذه الجريمة هي الحبس لمدة لا تزيد على سنة.

فإذا ارتكب هذه الجريمة موظف عام اعتماداً على سلطة وظيفته كانت العقوبة هي الحبس مدة لاتقل عن سنه.

ويحكم في جميع الأحوال بعقوبة تكميلية هي مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.

 الجريمة الثانية : التقاط أو نقل الصورة :

ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بالتقاط أو نقل صورة شخص في مكان خاص بغير رضاء باستخدام جهاز أو وسيلة فنية أياً كانت فيلزم لقيامه إذن توافر العناصر الأربعة التالية :

1- سلوك إجرامي يتخذ شكل التقاط أو نقل الصورة ويتم ذلك بالتمكن من أخذ صورة الإنسان وحيازتها. والالتقاط هو تثبيت الصورة على مادة حساسة أما النقل فيكون بارسال الصورة من مكان إلى آخر.

2- أن يتم ذلك بجهاز من الأجهزة أي بإحدى الوسائل الفنية مثل آلات التصوير أياً كان نوعها ومن ثم فلا يقع تحت طائل التجريم الرسم والنحت والحفر وغير ذلك من الأساليب الفنية.

3- أن يتم ذلك في مكان خاص ولا أهمية لهيئة المجنى عليه أو مظهره أو الوضع الذي كان عليه داخل المكان الخاص وقت التقاط أو نقل صورته فتقع الجريمة حتى لو صور في سكنه مرتديا كامل ملابسه أو في وضع لايخجله اطلاع الغير عليه.

4- أن يتم ذلك بغير رضاء المجنى عليه ولا يكفي مجرد الرضاء بمبدأ التصوير بل يجب أن يشمل تحديد ما يدخل في الصورة فإذا قبل شخص تصويره بين أطفاله فلا يقبل أن يستغل المصور موافقته على التصوير وأن يصوره مع زوجته التي تقف بعيداً عنه.

وقد أقامت المادة 309 مكرراً قرينة على الرضاء بما نصت عليه من أنه إذا كان التقاط أو نقل الصورة قد تم أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً غير أن أكثر الفقه على أن هذه القرينة بسيطة تقبل العكس فأفتراض الرضا لا يكون له محل إذا التقطت الصورة في غفلة من الحاضرين في الاجتماع أو بعضهم أو إذا لم يكن باستطاعتهم أو باستطاعة أحدهم التعبير عن اعتراضه خشية سطوة المتهم.

أما الركن المعنوي :

فهو أن هذه الجريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد فلا يكفيها توافر الخطأ غير العمدي لذا لاتقع هذه الجريمة ممن يترك سهواً جهاز للتصوير أو البث التليفزيوني مفتوحاً في مكان خاص فينقل صورة شخص في هذا المكان والأرجح أن قصد المساس بحرمة أو ألفة الحياة الخاصة ليس عنصراً في النموذج القانوني للجريمة وأن القصد المتطلب فيها عام لأن الشارع قد أراد بهذه الجريمة أن يكفل للفرد حرمة حياته طالما كان في مكان خاص بغض النظر عن طبيعة النشاط الذي يأتيه داخله أي سواء أكان هذا النشاط خاصاً أم عاماً.

ولا عبرة بالبواعث في توافر القصد الجنائي وقيام الجريمة بالتالي فيستوي أن يكون الباعث على ارتكابها الرغبة في إيذاء المجني أو في الحصول على فائدة أو حتى الفضول.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 41 )

الجريمة الأولى : جريمة انتهاك حرم المحادثات الشخصية:

عاقبت المادة محل التعليق على إنتهاك حرمة المحادثات الشخصية  فنصت على ما يلي "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وذلك بأن إرتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه. (أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون...".

وقد كفل القانون بذلك حماية المحادثات الشخصية كوعاء لأسرار الحياة الخاصة من شر الإعتداء عليها.

(ب) .............................

وفيما يلي نبحث المصلحة المحمية - وهي المحادثات الشخصية، ثم نبين الركنين المادي والمعنوي للجريمة.

ماهية المحادثات الشخصية :

تعتبر المحادثات الشخصية وعاء تنصب فيه أسرار الحياة الخاصة للناس، ففيها يتبادل الأفراد أسرارهم ويبسطون أفكارهم الشخصية التي تنبثق من حياتهم الخاصة. ومن هنا كان للمحادثات الشخصية حرية لا يجوز انتهاكها باعتبارها امتداداً للحياة الخاصة للناس.

وتتطلب هذه الحرمة حماية الأحاديث الشخصية ضد جميع وسائل التصنت والنشر، لذلك جاء خطر تسجيل الأحاديث الشخصية أو مراقبتها بأية وسيلة.

وتتعرض هذه الحرمة لخطر الانتهاك حين تستخدم كوسيلة للضغط أو الإبتزاز. كما أن بعض سلطات التحقيق الجنائي قد تتعسف في استعمالها رغبة في معرفة الحقيقة ولو على حساب الحرية الشخصية. كما أن بعض الأفراد قد يلجأون إليها إما لإثبات حقوقهم أو رغبة في التشهير والإبتزاز.

وقد اشترط القانون المصري لتجريم المساس بحرمة المحادثات الشخصية أن تجري هذه المحادثات في مكان خاص، أو عن طريق التليفون، مما يتعين معه أن نحدد المقصود بكل من المكان الخاص والمكالمات التليفونية.

المكان الخاص:

اشترط القانون المصري لوقوع الجريمة أن تكون المحادثات في مكان خاص. والمكان الخاص هو المكان المغلق الذي يتوقف دخوله على إذن ممن يملك هذا المكان أو من له الحق في إستعماله أو الإنتفاع به. 

المكالمات التليفونية:

ساوى المشرع المصري بين المكان الخاص والخطوط التليفونية لإضفاء الحماية الجنائية لقانون العقوبات على حرمة الأحاديث الشخصية. والمكالمات التليفونية بحسب طبيعتها تتضمن أدق أسرار الناس وخباياهم، ففيها يهدأ المتحدث إلى غيره خلال الأسلاك، فيبث أسراره ويبسط له أفكاره دون جرح أو خوف من تصنت الغير. بهذا كان التصنت على المكالمات التليفونية كشفاً صريحاً لستار السرية وانتهاكاً سافراً لحجاب الكتمان الذي يأمن المتحدثان خلفه.

الركن المادي

يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بتوافر ثلاثة عناصر حددتها المادة محل التعليق: (أ) استرق السمع أو التسجيل أو النقل. والجامع المشترك في هذه الأفعال هو إنتهاك حرمة الأحاديث الشخصية. إلا أن استراق السمع يتحقق بمجرد التصنت دون تسجيله، بخلاف التسجيل الذي يمتد إلى الإحتفاظ بالأحاديث الشخصية التي تم التصنت عليها. أما نقل الأحاديث فإنه ينطوي بلاشك على التصنت عليها.

(ب) ويشترط أن تتم الأفعال السالف بيانها من خلال جهاز من الأجهزة.

ويكفي أن يكون هذا الجهاز قد إستخدم لمجرد التصنت ولو لم يقترن بالتسجيل. كما يكفي أن يكون الجهاز قد إستخدم لنقل الأحاديث من مكان آخر، ولا أهمية لنوع هذا الجهاز، وبناءاً عليه فلا عقاب على التصنت بمجرد الإصغاء بالإذن.

(ج) أن يتم ذلك بدون رضاء المجني عليه - فإذا رضى المجني عليه زالت السرية ولم يعد هناك حق معتدى عليه.

ويشترط لتوافر الرضاء أن يشمل أطراف الحديث برمته ولا يقتصر الأمر على طرف منه دون آخر.

وقد افترض القانون رضاء المجني عليه إذا صدرت الأفعال المعاقب عليها أثناء إجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الإجتماع.

الركن المعنوي :

هذه جريمة عمدية يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي العام. ويتطلب هذا القصد أن تتجه إرادة الجاني إلى الأفعال المكونة للجريمة مع علمه بأنها تنصب على أحاديث شخصية في مكان خاص أو على مكالمات تليفونية بدون رضاء المجني عليه الجريمة الثانية: إلتقاط أو نقل الصورة:

عاقبت المادة محل التعليق على من التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص. وقد رأى المشرع أن تواجد الإنسان في مكان خاص هو استعمال لحقه في الحياة الخاصة يتعين حمايته من الانتهاك.

وصورة الإنسان هي إحدى مكونات شخصيته، ومن ثم فإنها تتمتع بما لهذه الشخصية من ذاتية وحرية.

الركن المادي :

يشترط لوقوع الركن المادي لهذه الجريمة توافر أربعة عناصر هي:

(أ) التقاط الصورة أو نقلها. ويتم ذلك بالتمكن من أخذ صورة الإنسان وحيازتها. والالتقاط هو تثبيت الصورة على مادة حساسة، أما النقل فيكون بإرسال الصورة من مكان إلى آخر.

(ب) أن يتم ذلك بجهاز من الأجهزة، أي بإحدى الوسائل الفنية، مثل آلات التصوير أيا كان نوعها. ومن ثم فلا يقع تحت طائل التجريم النحت والحفر وغير ذلك من الأساليب الفنية.

(ج) أن يتم ذلك في مكان خاص بالمعنى الذي سبق تحديده.

(د) أن يتم ذلك بغير رضاء المجني عليه. فكيف يثور البحث عن المساس بالحياة الخاصة للإنسان بينما هو راض بتدخل الغير فيها. ويفترض هذا الرضاء بتمام التصوير على مرأى من الحاضرين في اجتماع عام. ولا يكفي مجرد الرضاء بمبدأ التصوير بل يجب أن يشمل تحديد ما يدخل في الصورة، فإذا قبل شخص تصويره بين أطفاله فلا يقبل أن يستغل المصور موافقته على التصوير وأن يصوره مع زوجته التي تقف بعيداً عنه.

الركن المعنوي

هي جريمة عمدية، يشترط لقيامها توافر القصد الجنائي العام بما يتطلبه من عنصري الإرادة والعلم.

العقوبة على الجريمتين:

هي الحبس مدة لا تزيد على سنة. فإذا كان الجاني موظفاً عاماً وارتكب الجريمة اعتماداً على سلطة وظيفته كانت العقوبة الحبس (أي مدة لا تزيد على ثلاث سنوات).ويعاقب الجاني بعقوبة تكميلية وجوبية هي مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، ومحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع،  الصفحة: 178)

جريمة الحصول على الحديث أو الصورة 

- علة التجريم: 

علة التجريم هي حق كل شخص في حماية حرمة حياته الخاصة من التلصص عليها من قبل أي جهة أو شخص مهما كان الداعي إلى هذا التلصص كتسجيل الأحاديث التليفونية على غير علم منه كالتي توضع في ساعة يد أو قلم أو في (شمبر النظارة) أو أدوات صغيرة للتسجيل في منزله خلسة بطريق التسلل أو التقاط صور له على غير دراية منه وهو في حالة عري أو في غرفة نومه. 

وقبل ثورة 15 مايو 1971 التي سميت "ثورة التصحيح" لم يكن قانون العقوبات يجرم استراق السمع والبصر علي نحو ما ورد في المادتين السابقتين وإنما أضيفتا إليه سنة 1972 (القانون رقم 37 لسنة 1972) علي إثر القضية المشهورة "باسم "مراكز القوي" التي قام فيها بعض المسئولين في نظام الحكم آنذاك بالتسجيل للمواطنين وأشخاص عامة حتي الرئيس السادات رئيس الدولة نفسه في ذلك الوقت فتم ضبط كافة التسجيلات التي تم الحصول عليها بهذه الوسيلة وتم إدخال المادتين 309 ، 309 مكرراً (أ) إلي قانون العقوبات لتعاقبا علي فعل التقاط حديث أو صورة لشخص دون رضائه وكذلك فعل إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند الملتقط علي ذلك الوجه أو التهديد بإذاعته أو استعماله لابتزاز النقود. 

واعتبر القانون صفة الموظف العام فيمن يرتكب الجريمة اعتماداً على سلطة وظيفته ظرفاً مشدداً للعقوبة عليها. 

هذه الجريمة لا تتقادم:

فقد نصت المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 16 لسنة 2015 على أن تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة، وفي مواد الجنح بمضي ثلاث سنين، وفي مواد المخالفات بمضي سنة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. 

أما في الجرائم المنصوص عليها في المواد 117 و 126 و 127 و 282 و 309 مكرراً و 309 مكرراً (أ) والجرائم المنصوص عليها في القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والتي تقع بعد تاريخ العمل بهذا القانون فلا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عنها بمضي المدة. ومع عدم الإخلال بأحكام الفقرتين السابقتين لا تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية في الجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والتي تقع من موظف عام إلا من تاريخ انتهاء الخدمة أو زوال الصفة ما لم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك. 

استراق السمع أو نقله أو تسجيله (الحصول على الحديث) 

لما كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة سنة 1948 قد نص في مادته الثانية عشرة على أن "لا يُعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات. 

وعقب صدور هذا الإعلان حرصت معظم دساتير الدول على التأكيد على حماية حياة المواطنين الخاصة فأقر دستور 1971 هذا المبدأ وكذلك الدستور المصري القائم 2014 بما نص عليه في المادة 57 منه علي أن: " للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس. 

وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضـ ـائي بب ولمدة محددة وفي الأحوال التي يبينها القانون إلخ". 

ولما كانت مراقبة وتسجيل المحادثات السلكية واللاسلكية والأحاديث الشخصية إجراء مرذولاً يعتبر انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة انتقاصاً من الأصل في الحرية الشخصية التي سجلها الدستور باعتبارها حقاً طبيعياً للإنسان لا يجوز المساس به أو تقييده بالمخالفة لأحكامه ومن ثم فقد قرنها بضمانات إجرائية توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخري وبالتالي فإن قانون الإجراءات الجنائية لم يجز هذا الإجراء إلا إذا كانت هناك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد علي ثلاثة أشهر وأن يكون بناء علي أمر مسبب من القاضي الجزائي ولمدة محددة (المادة 206) ومفاد ذلك ألا يسمح بهذا الإجراء لمجرد البلاغ أو الظنون والشكوك أو البحث عن الأدلة وإنما عند توافر أدلة جادة تقتضي تدعيمها بنتائج هذا الإجراء وليحول المشرع بهذه الضمانات المتكاملة دون اتخاذ هذا الإجراء لدوافع وهمية أو إساءة استعماله فلا يكون إلا لضرورة تفرضها فاعلية العدالة الجنائية وما تقتضيه من تأكيد الأدلة المتوافرة بضبط ما يفيد في كشف الحقيقة في الجرائم وعلي تقدير أن القضاء إذ يقدر توافر هذه الأدلة وتلك الضرورة هو الحارس الطبيعي للحريات والحرمات في مواجهة كل صور التحكم والتسلط والتحامل والعاصم لها دون أي تعد عليها أو عبث بها أو جموح ينال منها. 

- أركان الجريمة: 

بيَّن المشرع مرتكب هذه الجريمة بقوله "من" استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون". 

ومن ثم فإن أركان هذه الجريمة ثلاثة موضوع هو الحديث ثم سلوك مادي هو الاستراق أو التسجيل أو النقل عن طريق جهاز من مكان خاص أو عن طريق التليفون أو أي جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه وركن معنوي هو القصد الجنائي. 

- المحادثات:

الحديث هو كل ما يتحدث به من كلام وخبر وهو الخبر يأتي على القليل والكثير وهو ما يُحدّث به المتحدث ومن ثم فإنه يعني صوتاً له دلالة سواء أكانت هذه الدلالة مفهومة لكل الناس أم لفئة منهم أم كان بلغة معروفة أم بشفرة سرية لأن الشفرة في حقيقتها لغة خاصة بين المتراسلين أو المتحدثين بها.

ومن ثم فإذا" انتفي عن الصوت وصف الحديث كما لو كان لحناً موسيقياً أو صيحات ليس لها دلالة لغوية فهو لا يصلح موضوعاً للجريمة. 

- المكان الخاص: 

اشترط القانون لتجريم العدوان علي حرمة الحياة الخاصة أن تجري هذه المحادثات في مكان خاص أو عن طريق التليفون.

والمكان الخاص هو المكان المغلق الذي لا يسمح بدخوله للخارجين عنه أو الذي يتوقف دخوله على إذن لدائرة محدودة صادر ممن يملك هذا المكان أو من له الحق في استعماله أو الانتفاع به، أو يحول دون اطلاع من يوجدون في خارجه على ما يجري في داخله. 

فإذا انتفت عن المكان هذه الصفة فكان الحديث عاما فإن الحصول عليه لا تقوم به هذه الجريمة.

فالمكان الخاص يميزه من ناحية أنه محاط بسياج يحول دون اطلاع من يوجدون في خارجه على ما يجري في داخله سواء أكان اطلاعهم عن طريق السمع أو النظر ويميزه من ناحية ثانية أنه لا يدخل فيه عادة سوى أشخاص تربط بينهم صلة خاصة. 

والمشرع اعتبر الحديث خاصاً إذا جرى في مكان خاص ومن ثم فإن مناط اعتبار الحديث خاصاً هو جريانه في مكان خاص أي أن طبيعة المكان هي التي تحدد صفة الحديث أو كان الحديث عن طريق التليفون حيث وضع المشرع قرينة تجعل الحديث خاصا هي إذا جرى الحديث عن طريق التليفون. 

وأخذاً بهذا المعيار فإن الحديث الذي يجري في مكان خاص يحميه القانون حتى لو كان لا يتناول أسراراً وإنما يتناول أموراً عامة والحديث الذي يجري في مكان عام لا يحميه القانون ولو كان يتناول أدق الأسرار.

ولا يعد الحديث خاصاً إذا جرى في مكان خاص ولكن كان الصوت مرتفعاً فسمعه من كان في مكان عام.

فلما كانت جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة بغير رضاء المجني عليه المنصوص عليها في البند (ب) من المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بالتقاط بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص، والقانون وإن استلزم أن يكون التقاط الصور في مكان خاص إلا أن المشرع لم يشأ أن يورد تعريفاً محدداً للمكان الخاص أو أن يترنه بمدلول معين، وكان المكان الخاص هو المكان المغلق الذي لا يسمح بدخوله للخارجين عنه أو الذي يتوقف دخوله على إذن لدائرة محدودة صادر ممن يملك هذا المكان أو من له الحق في استعماله أو الانتفاع به، أو يحول دون اطلاع من يوجدون في خارجه على ما يجري بداخله، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد استظهر ثبوت الفعل المادي لجريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة بغير رضاء المجني عليها بالتقاط الطاعن بجهاز من الأجهزة أياً كان صورتها عارية في مكان خاص بعد أن اقتادها المحكوم عليهما الأول والثاني إلى إحدى المناطق النائية وأشهر المحكوم عليه الأول سلاحاً أبيض في وجهها وحسر عنها ملابسها وتناوب المحكوم عليه الثاني الاعتداء عليها جنسياً حال قيام الطاعن بتصويرها عارية مهددين إياها بافتضاح أمرها، وهو ما يكفي لبيان توافر أركان جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة بغير رضاء المجني عليها. 

السلوك المادي للجريمة:

استخدم المشرع ألفاظ "استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه". 

- الاستراق :

الاستراق وهو الاستماع خلسة إلى الحديث أي دون علم قائله أو بدون رضائه. 

- التسجيل: 

يقصد به حفظ الحديث على جهاز معد لذلك للاستماع إليه لاحقاً ولا يشترط أن يكون جهازاً معيناً وإنما أوضح النص ذلك بقوله "جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه". 

وتتحقق الجريمة بمجرد التسجيل حتى لو تبين فيما بعد أنه غیر صالح للاستماع إليه فالتسجيل في حد ذاته عمل يتحقق به معنى الاعتداء على الحياة الخاصة. 

النقل: 

ويعني إرسال الحديث من المكان الذي يجري فيه إلى مكان آخر بواسطة جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه. 

- جهاز من الأجهزة:

وقد تطلب المشرع الإسباغ الحماية على الحديث الخاص أن يكون استراق السمع أو تسجيله أو نقله عن طريق جهاز من الأجهزة أي شيئاً مما أنتجه العلم أو التقنية الحديثة في هذا المجال ومن ثم فإن من يتسمع الحديث بأذنه لا يعد مرتكباً لهذه الجريمة ثم نقله من بعد إلى آخرين. 

ويشترط لتحقق الجريمة أن تتحقق النتيجة الإجرامية وهي الاستراق أو النقل أو التسجيل وأن ترتبط النتيجة بالسلوك المادي ارتباط السبب بالمسبب. 

- الركن المعنوي: 

هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يتخذ الركن المادي فيها صورة القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة. 

فالقصد الذي يتطلبه الشارع في جريمة استراق السمع والمعاقب عليها بنص المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات هو القصد العام الذي يتحقق بمجرد ارتكاب الفعل المادي وتستوي البواعث التي دفعت المتهم إلى فعله وأن مجرد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة باستراق السمع يفترض فيه القصد إذا ما توافر عنصراه العلم والإرادة.

فيجب أن يعلم الجاني أنه يسترق أو يسجل أو ينقل حديث من مكان خاص خلسة بدون علم المجني عليه أو دون رضائه بواسطة جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه.

كما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى هذا الفعل الذي يقوم به وتحقق النتيجة المترتبة على سلوكه المادي ومن ثم فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من استمع إلى محادثة تليفونية لتشابك الخطوط أو من ترك سهواً جهازاً للتسجيل في مكان خاص فسجل حديثا جرى فيه. 

- عقوبة الجريمة:

يعاقب على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على سنة ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها" والمصادرة هنا وجوبية أي يتعين على المحكمة أن تقضي بها ومحو التسجيلات يعتبر إعادة للحال إلى ما كانت عليه باعتباره إزالة للوضع الإجرامي الذي نشأ بارتكاب الجريمة. 

- الظرف المشدد: 

شدد المشرع العقوبة في حالة ارتكاب الجريمة من موظف عام إذا ارتكب أحد الأفعال المكونة للجريمة اعتماداً على سلطة وظيفته فجعلها الحبس الذي يصل إلى حده الأقصى وهو ثلاث سنوات وعلة هذا التشديد هو ازدیاد خطورة الجريمة لوقوعها من موظف عام تبيح له وظيفته استغلال الأجهزة التي تحت يده في ارتكابها. ومن هذه الصور ما ارتكبه موظف عمومي "فني تيست" بسنترال العباسية من تهديد المجني عليها وآخرين بإفشاء الأمور التي تم التحصل عليها لحملهم علي الانصياع لرغباته وذلك اعتماداً علي سلطة وظيفته واعتدائه علي حرمة الحياة الخاصة لهم بأن استرق السمع عن طريق أجهزة المواصلات التليفونية لمحادثات جرت في أمكنة خاصة وذلك اعتماداً إلى سلطة وظيفته وتسببه عمداً في إزعاجهم باستعمال أجهزة المواصلات التليفونية حيث استغل المتهم عمله كفني بسنترال العباسية في معرفة أرقام المتحدثين تلفونياً وقام خلال السنوات السابقة علي يوم 21 / 3 / 1981 باستراق السمع والتصنت علي المحادثات التليفونية التي كان يجريها بعض المشتركين وسهل له ذلك معرفة الكثير من أسرارهم الخاصة التي استغلها في تهديد الإناث منهم بإفشاء تلك الأسرار ما لم تجبن لرغباته غير المشروعة وتكوين علاقات معهن منافية للآداب خارج مساكنهن كما أنه دأب علي قطع المراسلات التليفونية عن بعضهن مستغلاً في ذلك الآلات التي يعمل عليها وذلك للضغط عليهم للرضوخ لرغباته فضلاً عن إزعاجهن بمحادثاته معهن ليلاً دون موافقتهن.

ويقوم التشديد علي عنصرين : صفة الجاني وكونه موظفاً عاماً واستغلاله سلطات وظيفته في ارتكابها ويفهم تعبير "الموظف العام" في مدلول متسع فهو كل شخص يمارس جزءاً من اختصاص الدولة" إذ يتيح له ذلك أن يستعين بسلطة أو يستغل إمكانيات تجعل الجريمة أكثر خطورة أما استغلال الوظيفة فيعني أن المتهم قد استعان بالإمكانيات القانونية أو الفعلية التي تتيحها له وظيفته في ارتكاب الجريمة وهذه الإمكانيات قد تكون طاعة مرؤوسيه أو رهبة المواطنين أو ما يحوزه لحساب الدولة من أجهزة وأموال وسواء تكون له صفة قانونية في استغلال هذه الإمكانيات أو أن تكون وظيفته قد أتاحت له انتزاعها. 

- أسباب الإباحة: 

أباح القانون ارتكاب الفعل المكون لهذه الجريمة أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً. 

ومن ثم فإن رضاء المجني عليه يبيح الفعل فضلاً عما إذا تم ارتكاب الفعل بتصريح القانون عملاً بالمادة 63 عقوبات وهو استعمال السلطة كما لو صرح القانون باستراق السمع والتسجيل للكشف عن جريمة أو دفعاً لخطر يهدد أمن الدولة. 

ورضاء المجني عليه يزيل عن الحديث صفة السرية ويعتبر الرضا مفترضاً إذا تم الاستراق أو التسجيل أو النقل أثناء اجتماع على مرآي أو مسمع من الحاضرين. 

ومن تصريح القانون ما ورد بنص المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية التي أجازت (لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدي مكاتب البريد وجميع البرقيات لدي مكاتب البرق وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متي كان لذلك فائدة من ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر ) وهذه السلطات خولها القانون للنيابة العامة عند ممارستها لاختصاص قاضي التحقيق. 

وإذا صرح القانون بذلك فإنه يشترط لصحة تسجيل المحادثات الهاتفية الذي تجريه سلطة التحقيق المختصة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة جناية أو جنحة قد وقعت من شخص معين وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تسجيل محادثاته الهاتفية في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة.

وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى (المادة 95 إجراءات جنائية). 

ولرئيس المحكمة الابتدائية المختصة في حالة قيام دلائل قوية على أن مرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 166 مكرراً و 308 مكرراً من قانون العقوبات قد استعان في ارتكابها بجهاز تليفوني معين أن يأمر بناء علي تقرير مدير عام مصلحة التلغرافات والتليفونات وشكوى المجني عليه في الجريمة المذكورة بوضع جهاز التليفون المذكور تحت الرقابة للمدة التي يحددها (المادة 95 مكرراً إجراءات جنائية).

كما أجازت المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية للنيابة العامة أن تضبط لدى مكاتب البريد جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود ولدى مكاتب البرق جميع البرقيات وأن تراقب المحادثات السلكية واللاسلكية وأن تقوم بتسجيل لمحادثات جرت في مكان خاص متي كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد علي ثلاثة أشهر ويشترط لاتخاذ أي إجراء من الإجراءات السابقة الحصول مقدماً علي أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي بعد اطلاعه علي الأوراق وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة لمدة لا تزيد علي ثلاثين يوماً ويجوز للقاضي الجزئي أن يجدد هذا الأمر مدة أو مدد أخرى مماثلة. 

التقاط أو نقل صورة شخص في مكان خاص 

مما لا شك فيه أن ازدياد التقدم التقني الحديث والتكنولوجيا المتطورة في مجال التصوير الرقمي والهواتف المحمولة كان له أثر بالغ على التقاط ونقل الصور الفوتوغرافية والرقمية فقد أصبح التقاط الصور للأشخاص دون إذنهم أمراً شائعاً ومتداولاً بكثرة بين الناس كما أصبح نشر هذه الصور على شبكة الإنترنت شيئاً مألوفاً ومتاحاً على كافة المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ومن ثم فقد أصبح حق الشخص في الحفاظ على صورته معرضا للمساس به لا سيما في ظل غياب تشريع خاص بجرائم الانترنت. 

فقد يتسلل الجاني إلى جهاز الكومبيوتر الخاص بشخص ما ويفتح الكاميرا ويلتقط له عن بعد صوراً فاضحة أو محرجة لا سيما بعد ذيوع العديد من البرامج التي تمكن الفاعل من ذلك وتطالعنا بها أخبار التقدم التقني الهائل في هذا المجال. 

ولقد قدر المشرع المصري أهمية صورة الشخص كأهمية حديثه الخاص واعتبرها من الأمور التي تدخل في دائرة حياته الخاصة فقرر له حماية جنائية من خطر الحصول على صورته في مكان خاص خلسة أو بغیر رضاه تتمثل في تجريم التقاط أو نقل صورة شخص في مكان خاص بما نصت عليه المادة 309 مكرراً عقوبات من معاقبة كل من "التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص".

- أركان الجريمة : 

تقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة هي موضوع الجريمة وهو صورة شخص في مكان خاص وركن مادي هو فعل الالتقاط أو النقل من مكان خاص وما يترتب عليه من نتيجة وهي الحصول على الصورة ثم ركن معنوي هو القصد الجنائي وقد شدد المشرع عقوبة هذه الجريمة لذات الأسباب التي أوردها بصدد استراق السمع أو الحصول على الحديث. 

- موضوع الجريمة : 

وهو صورة شخص في مكان خاص وصورة الشخص هي الشكل الذي يظهر له بواسطة أية آلة أو جهاز له خاصية التصوير وبالحالة التي كان عليها عند التصوير أي الامتداد الضوئي لجسم سواء قام الجاني بنقلها على حقيقتها أم أدخل عليها تعديلات بواسطة البرامج الخاصة بذلك. 

ومن ثم فلا تقوم الجريمة إذا كانت الصورة لشيء حتى لو كان هذا الشيء بالغ الأهمية لصاحبه مثل لوحة أثرية نادرة أو مستند مهم. 

وتقع جريمة الحصول على الصورة أياً كان الوضع الذي كان عليه صاحب هذه الصورة في المكان الخاص وقت التقاطها أو نقلها حتى لو كان في وضع لا يخجل من أن يشاهده الناس عليه. 

- الركن المادي: 

صورتا الركن المادي هما "الالتقاط" و "النقل" بواسطة "جهاز أياً كان نوعه". 

والتقاط الصورة يعني تثبيتها على مادة خاصة حساسة مثل (شريط فيديوي أو ميموري كاميرا ديجيتال) يمكن عن طريقها الاطلاع على هذه الصورة ويتم ذلك عن طريق أجهزة التصوير مثل الكاميرا أو التليفون المحمول المزود بكاميرا أو أي جهاز يقوم بهذه الوظيفة أياً كان نوعه ومجرد التقاط الصورة يتحقق به الركن المادي للجريمة. 

ونقل الصورة يعني إرسالها من المكان الخاص الذي يوجد فيه صاحبها إلى مكان آخر يتاح فيه للغير الإطلاع عليها سواء أكان المكان المنقول إليه الصورة خاصاً أم عاماً. 

وإذا كان الشارع قد حصر الركن المادي في فعلي الالتقاط والنقل فمؤدي ذلك أن الجريمة لا تقوم بمجرد الرؤية فإذا اطلع المتهم عن طريق ثقب في الباب أو نافذة تركت مفتوحة علي المجني عليه فلا تقوم الجريمة بذلك ولو كان المجني عليه وقت أن شهده المتهم في وضع يخجل من اطلاع الغير عليه ولا يغير من هذا الحكم أن يروي المتهم لجمهور من الناس ما شاهده ولا يغير منه أن يستعين المتهم بجهاز يمكنه من ذلك الاطلاع كمنظار مقرب وأن يكون متطوراً كما لو كان يطلق نوعا من الأشعة يتيح لمن يستعمله أن يطلع على ما يجري خلف جدران أو أبواب. 

ومن ثم فإننا نري أن التقاط صورة لشخص في سيارته الخاصة يعد التقاطاً لهذه الصورة في مكان خاص وكذلك إذا تم التقاطها في نادي مقصور دخوله على أعضائه فقط. 

كما يتطلب المشرع أن يرتكب فعل الالتقاط أو النقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه من أجهزة التصوير أو البث التليفزيوني. 

ولا تقع جريمة الاعتداء علي الحياة الخاصة طالما أن الصورة الشخصية التقطت للشخص في مكان عام وإن كان يمكن الاعتداد بها كدليل على ارتكاب جريمة فيما لو كان صاحب الصورة يرتكب جرما حال التقاطها ومن أمثلة ذلك ما شاع في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 وتناقلته أجهزة الإعلام والصحف إذ التقطت كاميرات المراقبة يومي 17 ، 18 من ديسمبر 2011 لدي حرق المجمع العلمي صوراً لمن اشتركوا في واقعة الحرق وكذلك في واقعة أحداث كرداسة في 14 من أغسطس 2013 حيث قام مسلحون باقتحام قسم شرطة كرداسة وقتلوا الضباط المتواجدون فيه ومثلوا بجثثهم وكذلك الاعتداء على ضباط الشرطة والجيش لدي فض اعتصام رابعة وفي واقعة أحداث إستاد بور سعيد في أول فبراير 2012 عقب مباراة بين نادي الأهلي ونادي المصري حيث سجلت هذه الأحداث مقاطع فيديو قام بعض الأهالي بتصويرها. 

الركن المعنوي : 

يأخذ الركن المعنوي في هذه الجريمة صورة القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة. 

وهذا القصد العام يتحقق بمجرد ارتكاب الفعل المادي وتستوي البواعث التي دفعت المتهم إلى فعله بل إن مجرد الاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة بالتقاط أو نقل الصورة يفترض فيه القصد إذا ما توافر عنصراه العلم والإرادة فيجب أن يعلم الجاني أنه يلتقط أو ينقل صورة شخص من مكان خاص خلسة بدون علم المجني عليه أو دون رضائه بواسطة جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه. 

كما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى هذا الفعل الذي يقوم به وتحقق النتيجة المترتبة على سلوكه المادي ومن ثم فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من ترك سهوا في مكان خاص جهاز إرسال ناقل للصورة أو جهاز تصوير فالتقط أو نقل صورة شخص دون أن يقصد ذلك. 

- عقوبة الجريمة : 

هي الحبس مدة لا تزيد على سنة ومصادرة الأجهزة التي استعملت في ارتكابها ومحو وإعدام الصور المتحصلة منها وشدد المشرع هذه العقوبة إذا ارتكب هذه الجريمة موظف عام اعتماداً علي سلطان وظيفته فجعلها الحبس (أي الذي لا يقل عن أربع وعشرين ساعة ولا يجاوز ثلاث سنوات). 

(موسوعة المُري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المٌري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 447 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 273

(مادة 559) 

 

يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه - كل من نشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة (547) من هذا القانون أخباراً أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد - ولو كانت صحيحة - إذا كان من شأن نشرها الإساءة إليهم . 

(مادة 560)

يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للأفراد ، وذلك بإرتكاب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، أو دون رضاء المجني عليه : 

1- استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز - أياً كان نوعه - محادثات جرت في مكان خاص ، أو عن طريق الهاتف . 

2 - التقط أو نقل بجهاز - اياً كان نوعه - صورة شخص في مكان خاص .

 فإذا صدرت الأفعال المشار إليها فيما تقدم أثناء إجتماع عام على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الإجتماع - فإن رضاء صاحب الحق في الحرمة يكون مفترضاً . 

وتكون العقوبة الحبس إذا إرتكب الأفعال المذكورة موظف عام ، أو مكلف بخدمة عامة إعتماداً على سلطة الوظيفة أو الخدمة . 

 

ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة ، كما يحكم بمحو التسجيلات أو إتلافها. 

الجرائم الماسة بالاعتبار والآداب العامة واستراق السمع وإفشاء الأسرار 
المواد من (554) - (566) : 
تقابل هذه المواد بصفة عامة المواد (181)، (182)، ومن (302) - (310) من القانون الحالي معدلة بالقوانين (617) لسنة 1953، (97) لسنة 1955، (112) لسنة 1957، (37) لسنة 1972، وقد نقل المشروع أحكام المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وكانتا واردتين في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني ضمن مواد الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها ، وذلك لأن أحكام هاتين المادتين من صور جرائم هذا الفصل الذي يشمل في معظم الجرائم الماسة بالإعتبار وغيرها ، وقد استهدف المشروع من ذلك تبسيط الأحكام المتماثلة أو المتشابهة وتجميعها في مكان واحد ، هذا ومن أهم سمات المشروع ما يلي : 
1- المادة (554) من المشروع بينت الوقائع التي تشكل جريمة القذف ، وبينت الظروف المشددة التي يترتب على توافرها تغليظ العقوبة ، ثم بينت كذلك ما يعد من قبيل القذف ، وأفصحت أن ذكر أخبار أو تعليقات أو نشر صور تتصل بأسرار الحياة الخاصة للأسر والأفراد - تعد كذلك ، ولو كانت صحيحة ، ما دام من شأن هذا النشر الإساءة إليهم . 
2- المادة (555) من المشروع نهجت ذات نهج المادة السابقة عليها في تبيان ما يشكل الجريمة ، والظروف المشددة لها . 
3- المادة (556) من المشروع ذات حکم مستحدث؛ إذ تعاقب بالعقوبات المبينة في المادتين السابقتين على حسب الأحوال من باع ، أو عرض ، أو وزع بأية وسيلة محررات ومطبوعات ، أو تسجيلات تتضمن عبارات أو رسماً أو صوراً أو علامات تنطوي على قذف أو سب ، والجريمة عمدية تتطلب علم الجاني بما تتضمنه هذه الوسائل .
 4- المادة (557) من المشروع تعرض لصورة القذف أو السب بغير إستفزاز في مواجهة المجني عليه أو بحضور غيره ، وجعلت عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، فإن وقع ما تقدم في مواجهة المجني عليه دون حضور أحد غيره ، أو وقعت الجريمة بطريق الهاتف والتليفون - عد ذلك ظرفاً مخففاً ، فتقتصر العقوبة على الغرامة فقط ، فإن توافر ظرف من الظروف المنصوص عليها في المادة (554) من المشروع - تضاعف العقوبات السابقة. 
5- المادة (558) من المشروع ، أفرد المشروع هذه المادة كسبب لإباحة القذف في حق الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة ، أو المكلف بخدمة عامة متى أثبت الفاعل صحة الواقعة المسندة وإرتباطها بأعمال الوظيفة والنيابة ، أو الخدمة العامة وتعلقها بها ، وقد وسع النص الوارد في المشروع فشمل بالإباحة السب إذا وجه إلى أحد من تقدم ذکر هم متى كان مرتبطاً بواقعة القذف ، واستبعد المشروع شرط حسن نية الجاني كموجب من موجبات التمتع بالإباحة ، ذلك بأن العبرة في الإباحة هي ثبوت الواقعة لتعلقها بالصالح العام ، فمناط الإباحة إذن هو ثبوت الواقعة المتعلقة بالصفة العامة ؛ حتى يسلك القائمون بالوظائف العامة أو ما شابهها مما ورد به النص النهج القديم الذي يخدم الصالح العام ، فإن جنحوا عن ذلك ، حق عليهم ما تقدم دون تثريب على الجاني. 
وكذلك أباح نص المشروع في فقرته الثانية القذف أو السب ، إذ تضمنه دفاع الخصوم شفاهة أو كتابة أمام جهات الإستدلال أو التحقيق والحكم ، وبهذا النص قضى المشروع على الخلاف حول ما إذا كانت الإباحة تشمل ما يسبق المحاكمة أم لا ، إذ إن النص القائم يجعل الإباحة مقصورة على القذف والسب أمام المحاكم ، ونص المشروع بما فيه من توسعة الإباحة وفق ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في هذا الصدد. 
والفقرة الثالثة من المادة تبيح أيضاً القذف أو السب في إبلاغ يقدم إلى السلطات القضائية أو الإدارية ، متى تم بحسن نية بأمر يستوجب عقوبة المبلغ ضده ، والهدف هو کشف الجرائم وإماطة اللثام عنها ؛ لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة . 
كذلك فإن الفقرة الرابعة من المادة تجعل الفعل لا جريمة فيه متى كان قصد فاعله نقداً لوقائع تاريخية ، أو نقداً لعمل أدبي أو فني ، والمهم من حكم الفقرة الأخيرة هو إباحة النقد علمياً كان أم فنياً أم لوقائع تاريخية . 
والفقرة الأخيرة من المادة تبيح تردد ما حدث في إجتماع عقد على نحو قانوني ، أو سرد ما دار أمام المحاكم طالما لم تحظر النشر ، وحسنت نية الفاعل وقصد الصالح العام . 
6- المادة (559) من المشروع استحدث حكمها لتبادل بالعقاب بعقوبة الجنحة من ينشر بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المشروع أخباراً ، أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ، ولو كانت صحيحة ، متى كان من شأن نشرها الإساءة إليهم ، واستهدف المشروع من ذلك حماية سمعة الأسر والأفراد . 
7- المادة (560) من المشروع تقابل المادة (309) مكرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (37) لسنة 1972، مع إستبدال لفظ «الأفراد» بلفظ «المواطن» الذي تضمنه النص القائم ، وقصد بهذا الإستبدال أن تتسع الحماية للأفراد كافة ، مواطنين أم أجانب ، حال أن لفظ المواطن يقصر الحماية على كل من يتمتع بالجنسية المصرية ، النص يشمل بالحماية الحياة الخاصة بالأفراد فيحظر الإعتداء على ما لها من حرمة ، وذلك بياناً لما يعد اعتداء على هذه الحرمة ، والفرض أنه ما دامت الحياة الخاصة للفرد لم تخرج عن النطاق الخاص ، فإن مفاد ذلك عدم رضائه بها بعد إنتهاكاً لها ، فإن جاوز الأمر النطاق الخاص - أي دائرة العمومية - افترض رضاء صاحب الحق في الحرمة ، لأنه بمسلكه هذا في مجال عام يفترض أنه تحلل بإرادته من هذه الحماية ، والأفعال المؤثمة في المشروع هي إستراق السمع أو تسجيل أو نقل محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف بواسطة أي جهاز مهما كان نوعه ، وكذلك إلتقاط صور ونقلها بأي جهاز متى كان التصوير أو النقل الصورة لشخص في مكان يتسم بصفة الخصوصية . 
وقد غلظ نص المادة العقوبة إذا وقعت الجريمة من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ، فرفع حدها الأقصى ليصل إلى ثلاث سنوات حبس . 
8- المادة (561) من المشروع مرتبطة بالمادة السابقة ، وتعاقب من أذاع أو سهل إذاعة أو إستعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة، أو كان الحصول عليه بغير رضاء صاحب الشأن . 
والفقرتان الثانية والثالثة من المادة تبين أن الظروف المشددة التي ترفع عقوبة الجريمة من الجنحة إلى عقوبة الجناية ، وذلك إذا حصل تهدید بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق سالفة الذكر بقصد حمل شخص على القيام بعمل أو الإمتناع عنه. 
وكذلك إذا كان الجاني موظفاً عاماً ومكلفاً بخدمة عامة متى إرتكب الأفعال المبينة في المادة إعتماداً على سلطة الوظيفة أو الخدمة العامة . 
9- المادة (562) من المشروع تقابل بصفة عامة المادة (310) من القانون القائم مع إضافة فقرة مستحدثة إليها ، وضبط صياغتها ليتسع حكمها فيشمل كل من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو علمه أو فنه - مستودع سر فأفشى هذا السر الذي اؤتمن عليه بحكم صفته تلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، أو إستعمله لمنفعته الخاصة أو منفعة شخص آخر ، طالما لم يأذن صاحب الشأن بإفشاء السر أو إستعماله. 
فإن كان من أفشى السر موظفاً عاماً ، أو مكلفاً بخدمة عامة ، أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة ، واستودع السر لديه أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة ، أو الخدمة العامة ، أو النيابة العامة ، أو بمناسبتها - كانت عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات ، وهذا النص في عمومه لا يمنع بداهة من تطبيق أي نص آخر ينص على عقوبة أشد ، وعلى سبيل المثال فإن إفشاء الإمتحانات ممن اؤتمن على سرها يدخل تحت طائلة التأثيم بهذه الفقرة ، وإفشاء أسرار الدفاع أو الحصول على رشوة مقابل إفشاء السر - يعاقب عليه كذلك بالنصوص الخاصة في هذا المنحى . 
10 - المادة (563) من المشروع تجرم كل من يفض رسالة بريدية أو برقية بغير رضاء من أرسلت إليه ، وتكون العقوبة مغلظة لمن يفشي الرسالة أو البرقية للغير دون إذن من وجهت إليه ، متى كان من شأن ذلك إلحاق ضرر بالغير ، وهذا النص لا يمنع أيضاً من تطبيق أي نص خاص ، مثل نص المادة (201) من المشروع الوارد في الفصل الثالث ، وهي تحظر على الموظف العام إفشاء الرسائل والبرقيات للغير ، أو تسهيل ذلك له . 
11 - المادة (564) من المشروع تجمع بين نصي المادتين (181)، (182) من القانون القائم ، وهي تجرم العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية ، أو ممثل لها معتمد في مصر بسبب تأدية وظيفة هذا الأخير أو بمناسبتها ، متى تم العيب في الحالتين بإحدى طرق العلانية المبينة في المادة (547) من المشروع ، وقد رئي أن الموضع المناسب لهاتين الجريمتين هو بين أحكام هذا الباب . 
12 - المادة (566) من المشروع تتضمن أحكام المواد (306) مکرراً (أ) مضافة بالقانون رقم (67) لسنة 1953، (394) (378)/ (أ) معدلتين بالقرار بالقانون رقم 169 لسنة 1981 من القانون القائم ، وقد شدد المشروع العقوبة في الحالة الأولى فرفع العقوبة لهما إلى عقوبة الجنحة . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث  ، الصفحة / 279

اسْتِرَاقُ السَّمْعِ

التَّعْرِيفُ:

1قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: اسْتِرَاقُ السَّمْعِ يَعْنِي التَّسَمُّعَ مُسْتَخْفِيًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ الْخَطْفَةُ الْيَسِيرَةُ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّجَسُّسُ:

2التَّجَسُّسُ هُوَ: التَّفْتِيشُ عَنْ بَوَاطِنِ الأْمُورِ، وَمِنَ الْفُرُوقِ بَيْنَ التَّجَسُّسِ وَاسْتِرَاقِ السَّمْعِ مَا يَلِي:

أَنَّ التَّجَسُّسَ هُوَ التَّنْقِيبُ عَنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ، يَبْغِي الْمُتَجَسِّسُ الْحُصُولَ عَلَيْهَا، أَمَّا اسْتِرَاقُ السَّمْعِ فَيَكُونُ بِحَمْلِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ مَعْلُومَاتٍ. وَأَنَّ التَّجَسُّسَ مَبْنَاهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالتَّأَنِّي لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ الْمَطْلُوبَةِ، أَمَّا اسْتِرَاقُ السَّمْعِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّعَجُّلِ.

وَيَرَى الْبَعْضُ: أَنَّ التَّجَسُّسَ يَعْنِي الْبَحْثَ عَنِ الْعَوْرَاتِ، وَأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ. أَمَّا اسْتِرَاقُ السَّمْعِ فَيَكُونُ فِيهِ حَمْلُ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ أَقْوَالٍ، خَيْرًا كَانَتْ أَمْ شَرًّا.

ب - التَّحَسُّسُ:

3- لتَّحَسُّسُ أَعَمُّ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «وَلاَ تَحَسَّسُوا» أَيْ: لاَ تَطْلُبُوا الشَّيْءَ بِالْحَاسَّةِ، كَاسْتِرَاقِ السَّمْعِ. وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا فِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَعُمْدَةِ الْقَارِي لِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4- الأْصْلُ تَحْرِيمُ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ صلي الله عليه وسلم : «مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآْنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَلِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم  «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا» وَلأِنَّ الأْسْرَارَ الشَّخْصِيَّةَ لِلنَّاسِ مُحْتَرَمَةٌ لاَ يَجُوزُ انْتِهَاكُهَا إِلاَّ بِحَقٍّ مَشْرُوعٍ.

5-  يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا النَّهْيِ: الْحَالاَتُ الَّتِي يُشْرَعُ فِيهَا التَّجَسُّسُ (الَّذِي هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ) كَمَا لَوْ تَعَيَّنَ التَّجَسُّسُ أَوِ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ طَرِيقًا إِلَى إِنْقَاذِ نَفْسٍ مِنَ الْهَلاَكِ، كَأَنْ يُخْبِرَ ثِقَةٌ بِأَنَّ فُلاَنًا خَلاَ بِشَخْصٍ لِيَقْتُلَهُ ظُلْمًا، فَيُشْرَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّجَسُّسُ، وَمَا هُوَ أَدْنَى مِنْهُ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ.

كَمَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: اسْتِرَاقُ وَلِيِّ الأْمْرِ السَّمْعَ بِنِيَّةِ مَعْرِفَةِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الْمُجْتَمَعِ؛ لِيَقُومَ بِإِصْلاَحِهِ، فَيَحِلُّ لِلْمُحْتَسِبِ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ، كَمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْشُرَ عُيُونَهُ؛ لِيَنْقُلُوا لَهُ أَخْبَارَ النَّاسِ وَأَحْوَالَ السُّوقَةِ، لِيَعْرِفَ أَلاَعِيبَهُمْ وَطُرُقَ تَحَايُلِهِمْ، فَيَضَعُ لَهُمْ مِنْ أَسَالِيبِ الْقَمْعِ مَا يَدْرَأُ ضَرَرَهُمْ عَنِ الْمُجْتَمَعِ، قَالَ فِي نِهَايَةِ الرُّتْبَةِ فِي طَلَبِ الْحِسْبَةِ: «وَيُلاَزِمُ الْمُحْتَسِبُ الأْسْوَاقَ وَالدُّرُوبَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَيَتَّخِذُ لَهُ فِيهَا عُيُونًا يُوَصِّلُونَ إِلَيْهِ الأْخْبَارَ وَأَحْوَالَ السُّوقَةِ». وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَعُسُّ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ لَيْلاً يَسْتَرِقُ السَّمْعَ، وَيَتَسَقَّطُ أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ لِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ، وَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَرْفَعُ الظُّلْمَ عَنِ الْمَظْلُومِ، وَيَكْتَشِفُ الْخَلَلَ لِيُسَارِعَ إِلَى إِصْلاَحِهِ، وَقَصَصُهُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لاَ تُحْصَى.

عُقُوبَةُ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ:

6- إِذَا كَانَ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ إِلاَّ فِي حَالاَتٍ - وَإِتْيَانُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ - فَإِنَّ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ فِي غَيْرِ الْحَالاَتِ الْمَسْمُوحِ بِهِ فِيهَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ التَّعْزِيرَ.

وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِ أَحْكَامِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ إِلَى مُصْطَلَحِ (تَجَسُّس). وَإِلَى بَابِ الْجِهَادِ (قَتْلُ الْجَاسُوسِ) وَإِلَى الْحَظْرِ وَالإْبَاحَةِ (أَحْكَامُ النَّظَرِ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس  ، الصفحة / 292

إِفْشَاءُ السِّرِّ

التَّعْرِيفُ:

الإْفْشَاءُ لُغَةً: الإْظْهَارُ، يُقَالُ: أَفَشَا السِّرَّ: إِذَا أَظْهَرَهُ، فَفَشَا فَشْوًا وَفُشُوًّا، وَالسِّرُّ هُوَ مَا يُكْتَمُ، وَالإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْشَاعَةُ:

2 - إِشَاعَةُ الْخَبَرِ: إِظْهَارُهُ وَنَشْرُهُ، وَالشُّيُوعُ: الظُّهُورُ.

ب - الْكِتْمَانُ:

الْكِتْمَانُ. الإْخْفَاءُ: يُقَالُ: كَتَمْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ: أَيْ أَخْفَيْتُهُ عَنْهُ، فَهُوَ ضِدُّ الإْفْشَاءِ.

ج - التَّجَسُّسُ:

هُوَ تَتَبُّعُ الأْخْبَارِ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ، لأِنَّهُ يَتَتَبَّعُ الأْخْبَارَ، وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الأْمُورِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّرِّ فَالتَّجَسُّسُ: السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى السِّرِّ.

د - التَّحَسُّسُ:

هُوَ الاِسْتِمَاعُ إِلَى حَدِيثِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» وَالتَّحَسُّسُ إِنْ كَانَ لإِذَاعَةِ أَخْبَارِ النَّاسِ السَّيِّئَةِ فَهُوَ كَإِفْشَاءِ السِّرِّ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّحَسُّسُ لإِشَاعَةِ الْخَيْرِ، كَمَا فِي قوله تعالي : ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ).

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

أَنْوَاعُ السِّرِّ:

يَتَنَوَّعُ السِّرُّ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:

أ - مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ.

ب - مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ.

ج - مَا مِنْ شَأْنِهِ الْكِتْمَانُ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ أَوِ الْمَهْنَةِ.

النَّوْعُ الأْوَّلُ: مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ:

مِنَ الأْمُورِ مَا يَحْظُرُ الشَّرْعُ إِفْشَاءَهُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ حَسَبَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِفْشَائِهِ مِنْ ضَرَرٍ. فَمِمَّا لاَ يَجُوزُ إِفْشَاؤُهُ:

مَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَالَ الْوِقَاعِ، فَإِنَّ إِفْشَاءَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ حَالَ الْجِمَاعِ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» وَالْمُرَادُ مِنْ نَشْرِ السِّرِّ، ذِكْرُ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوَقَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَمَا يَجْرِي مِنَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْوِقَاعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، فَذِكْرُهُ مَكْرُوهٌ، لأِنَّهُ يُنَافِي الْمُرُوءَةَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

فَإِنْ دَعَتْ إِلَى ذِكْرِهِ حَاجَةٌ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فَهُوَ مُبَاحٌ. كَمَا لَوِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ عِنِّينٌ، أَوْ مُعْرِضٌ عَنْهَا، أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْزَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَتْهُ صَحِيحًا فَلاَ كَرَاهَةَ فِي الذِّكْرِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِنِّي لأَفْعَلُ ذَلِكَ، أَنَا وَهَذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ» وَقَالَ لأِبِي طَلْحَةَ: «أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ؟ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي عَدَمِ جَوَازِ إِفْشَاءِ مَا يَجْرِي مِنَ الرِّجَالِ حَالَ الْوَقَاعِ.

وَإِفْشَاءُ السِّرِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الإْيذَاءِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّ أَصْحَابِ السِّرِّ مِنَ الْجِيرَانِ وَالأْصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ».

 وَقَالَ: «الْحَدِيثُ بَيْنَكُمْ أَمَانَةٌ». وَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ».

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ:

مَا اسْتَكْتَمَكَ إِيَّاهُ الْغَيْرُ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ بَثُّهُ وَإِفْشَاؤُهُ لِلْغَيْرِ، حَتَّى أَخَصَّ أَصْدِقَاءِ صَاحِبِ السِّرِّ، فَلاَ يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ وَمَنْ أَسَرَّ إِلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ.

وَهَذَا إِذَا الْتَزَمْتَ بِالْكِتْمَانِ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَلْتَزِمْ، فَلاَ يَجِبُ الْكِتْمَانُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَصُّهُ: عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: «كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ». «وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأْنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي. وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ هُمَا ؟ قَالَ: زَيْنَبُ. قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي -: «لَيْسَ إِخْبَارُ بِلاَلٍ بِاسْمِ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ أَنِ اسْتَكْتَمَتَاهُ بِإِذَاعَةِ سِرٍّ وَلاَ كَشْفِ أَمَانَةٍ، لِوَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا لَمْ تُلْزِمَاهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُمَا رَأَتَا أَنْ لاَ ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إِلَى كِتْمَانِهِمَا.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم  لِكَوْنِ إِجَابَتِهِ أَوْجَبَ مِنَ التَّمَسُّكِ بِمَا أَمَرَتَاهُ بِهِ مِنَ الْكِتْمَانِ.

وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمَا بِذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَا سَأَلَتَاهُ (أَيْ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُمَا بِالْكِتْمَانِ) وَلاَ يَجِبُ إِسْعَافُ كُلِّ سَائِلٍ.

وَقَدْ تَتَضَمَّنُ الْغِيبَةُ إِفْشَاءً لِلسِّرِّ فِيمَا إِذَا كَانَ الأْمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ الْغَيْرَ فِي غِيَابِهِ مِنَ الأْمُورِ الْخَفِيَّةِ، أَوْ مِمَّا يَطْلُبُ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنِ الْغِيبَةِ فِي قوله تعالي : ( وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ )

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم : «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (غِيبَةٌ).

النَّوْعُ الثَّالِثُ.

مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِمُقْتَضَى الْمَهْنَةِ، كَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي وَأَمِينِ السِّرِّ وَغَيْرِهِمْ.

وَمِمَّا يَكُونُ أَحْيَانًا مِنَ الإْفْشَاءِ الْمُحَرَّمِ لِلسِّرِّ النَّمِيمَةُ: وَهِيَ لُغَةً تَبْلِيغُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الإْفْسَادِ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي اصْطِلاَحِ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْثَرُ إِطْلاَقِهَا عَلَى مَنْ يَنِمُّ قَوْلَ الْغَيْرِ إِلَى الْمَقُولِ فِيهِ، أَيْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ سِرًّا قَدِ اسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهُ، كَأَنْ يَقُولَ فُلاَنٌ يَقُولُ فِيكَ: كَذَا وَكَذَا.

وَالنَّمِيمَةُ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» أَيِ النَّمَّامُ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الإْفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَجِبُ النَّمِيمَةُ كَمَا إِذَا سَمِعَ إِنْسَانٌ شَخْصًا يَتَحَدَّثُ بِإِرَادَةِ إِيذَاءِ إِنْسَانٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ أَنْ يُحَذِّرَ الْمَقْصُودَ بِالإْيذَاءِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَإِلاَّ ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَمِيمَةٌ).

مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّتْرُ وَالإْفْشَاءُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ:

نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ الشَّهَادَةُ وَالسَّتْرُ، لَكِنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ فِيمَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ  وَالسَّلاَمُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ».

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَهَتِّكَ الَّذِي لاَ يُبَالِي بِإِتْيَانِ الْمَحْظُورَاتِ وَلاَ يَتَأَلَّمُ لِذِكْرِهِ بِالْمَعَاصِي. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: يَقُولُ الشَّاهِدُ عَلَى السَّرِقَةِ: أَخَذَ، لاَ سَرَقَ، إِحْيَاءً لِلْحَقِّ وَرِعَايَةً لِلسَّتْرِ. وَإِذَا طَعَنَ فِي الشُّهُودِ يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمُ الْقَاضِيَ جَهْرًا أَوْ سِرًّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي أَوِ التَّرْكِ، إِلاَّ فِي الْحُدُودِ فَالتَّرْكُ فِيهَا أَوْلَى، لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِفِسْقِهِ، وَأَمَّا الْمُجَاهِرُ فَيُرْفَعُ أَمْرُهُ. وَكَوْنُ التَّرْكِ مَنْدُوبًا هُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَوَّاقِ: سَتْرُ الإْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا.

وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا وَقَعَ فِي مَجْلِسٍ مِمَّا يُكْرَهُ إِفْشَاؤُهُ إِنْ لَمْ يُخَالِفِ الشَّرْعَ يَجِبُ كِتْمَانُهُ. وَإِنْ خَالَفَ الشَّرْعَ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، كَالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَكَ الْخِيَارُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَرَرٌ لأِحَدٍ مَالِيٌّ لاَ بَدَنِيٌّ، أَوْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْقِصَاصِ وَالتَّضْمِينِ، فَعَلَيْكَ الإِْعْلاَمُ إِنْ جَهِلَ، وَالشَّهَادَةُ إِنْ طَلَبَ، وَإِلاَّ فَالْكَتْمُ.

 اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ:

الْمَعَارِيضُ فِي الْكَلاَمِ هِيَ التَّوْرِيَةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ».

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُلَ عَنِ الْكَذِبِ ؟ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا إِذَا اضْطُرَّ الإْنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْرِيَةٌ) (وَتَعْرِيضٌ).

وَقَالَ إِمَامُ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَيُعَدُّ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَخُوهُ أَمَانَةً، وَلاَ يُفْشِيهَا لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِذَا حَدَّثَ بِهِ أَحَدًا أَدَّاهُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَاخْتَارَ أَجْوَدَ مَا سَمِعَ.

تَجَنُّبُ الإْفْشَاءِ فِي الْحَرْبِ:

كِتْمَانُ أَسْرَارِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْعَدُوِّ مَطْلُوبٌ، لأِنَّ  السِّرَّ قَدْ يَصِلُ إِلَى الْعَدُوِّ فَيَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ

وَلِذَلِكَ جَازَ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ تَجَنُّبًا لإِفْشَاءِ أَسْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ.

وَمِنَ الْكِتْمَانِ أَلاَّ يَذْكُرَ قَائِدُ الْجَيْشِ لِجُنُودِهِ الْوَجْهَ الَّذِي يُرِيدُونَ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم  إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَى بِغَيْرِهَا .

أَمَّا السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى أَسْرَارِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَطْلُوبٌ، لاِتِّقَاءِ شَرِّهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  يَسْتَطْلِعُ أَخْبَارَ الْعَدُوِّ.