لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجرائم هتك عرض طفلة والتقاط صور لها في مكان خاص ونشرها وتهديدها كتابة بإفشاء أمور خادشه للحياء لحملها على القيام بعمل التي دان المطعون ضده بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة، انتهى إلى عقابه طبقاً للمواد 268 ، 309مكرراً / 1 بند ب ، 309 مكرر أ / 2،1، 326 ، 327 / 1 من قانون العقوبات، والمواد 2 / 1 ، 95 / 111 ، 116 مكرراً ، 122 / 2 من القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ، ثم أوقع عليه عقوبة الحبس مع الشغل لمدة سنتين وذلك بالتطبيق للمادتين 17 ، 32 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان البند الأخير من المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات التي دين المطعون ضده بها ينص على أنه " ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها ". ولما كانت عقوبة محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة هي عقوبة تكميلية واجب الحكم بها، وكان الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة تجب العقوبة الأصلية لما عداها من جرائم مرتبطة بها، إلا أن هذا الجب لا يمتد إلى العقوبات التكميلية المنصوص عليها في هذه الجرائم، ولما كانت عقوبة محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة هي عقوبة نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة، ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما ترتبط به هذه الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة إعمالاً لنص البند الأخير من المادة 309 مكرراً من القانون المشار إليه يكون قد خالف القانون، بما يتعين معه تصحيحه بإضافة عقوبة محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة إلى العقوبة المقضي بها .
( الطعن رقم 3224 لسنة 90 - جلسة 2021/9/5 )
(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)
وتستهدف هذه الجريمة تعقب البواعث الخبيثة لدى الجاني من وراء انتهاك حرمة الحياة الشخصية للغير.
الركن المادي :
يشترط لوقوع هذه الجريمة توافر العناصر الآتية:
1- أفعال معينة، هي الإذاعة أو تسهيل الإذاعة، أو الاستعمال.
ويراد بإذاعة التسجيل أو المستند (ويسري على الصورة تمكين عدد غير محدود من الناس من العلم به والاطلاع على فحواه، أما تسهيل الإذاعة فيراد به تقديم المساعدة لمن يذيع التسجيل أو المستند (أو الصورة)، ويراد بالاستعمال الانتفاع بها ولو في غير علانية، كمن يطلع آخر على صورة التقطت لفتاة في مكان خاص، وغالباً ما ينطوي الاستعمال على الإذاعة.
2- أن يرد أحد هذه الأفعال على تسجيل لحديث من الأحاديث الشخصية أو على مستند (أو صورة)، و مع ملاحظة أن يكون الحصول على التسجيل أو المستند (أو الصورة) بإحدى الطرق المبينة في المادة 309 مكرراً، أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن، والمهم هو أن يكون الفعل المادي قد وقع بغير رضاء صاحب الشأن، فذلك هو جوهر المساس بحرمة الحياة الخاصة.
هذه الجريمة عملية تقع بتوافر القصد الجنائي العام الذي يقوم على الإرادة والعلم.
العقوبة
عقوبة هذه الجريمة هي الحبس.
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه، فإذا ارتكب الجريمة موظف عام اعتماداً على سلطة وظيفته كانت العقوبة السجن.
وهناك عقوبة تكميلية وجوبية هي مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، وكذلك محو السجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 439)
إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند والتهديد بالافشاء
تمهيد : نصت على جريمتي الإذاعة أو الاستعمال والتهديد بالافشاء المادة 309 مكرراً أ في قولها يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن، ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه، ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة وإعدامها، وقد نصت هذه المادة على جريمتين : إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند ؛ والتهديد بإفشاء أمر تم التحصل عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة 309 مکرراً أو بغير رضاء صاحب الشأن .
إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند
أركان الجريمة، تتطلب الجريمة موضوعاً هو التسجيل أو المستند، و بشرط أن يكون الحصول عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة 309 مكرراً ، أو بغير رضاء صاحب الشأن، وتتطلب الجريمة ركناً مادياً.
يقوم بفعل الإذاعة أو تسهيل الإذاعة أو الاستعمال ولو في غير علانية، وتتطلب في النهاية ركناً معنوياً يتخذ صورة القصد الجنائی .
موضوع الجريمة، موضوع الجريمة كما قدمنا هو تسجيل أو مستند ، وقد حدد الشارع بعد ذلك مصدر حيازة المتهم له .
فالتسجيل هو حديث (أو صورة) حفظ على مادة من شأنها ذلك بحيث يمكن الاستماع أو الاطلاع على مضمونه لدى الطلب، أما المستند فهو محرر في مدلوله المستقر في جريمة التزوير في المحررات، ولكن يشترط بالإضافة إلى ذلك أن تكون له قيمة في الإثبات ، إذ هذه القيمة .هی العنصر الذي يضاف إلى المحرر فيجعل منه مستنداً.
وحدد الشارع مصدرين لحيازة المتهم للتسجيل أو المستند : طريقة مما نصت عليه المادة 309 مكرراً ، أي الاستراق أو التسجيل أو النقل بالنسبة للحديث (أي التسجيل والالتقاط أو النقل بالنسبة للمستند، أما المصدر الثاني فهو واقعة لم يرض بها المجني عليه، كالحصول عليه عن طريق السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة في شأنه ؛ ولكن لا يشترط أن تتوافر في هذه الواقعة أركان جريمة، إذ يكفي عدم رضاء المجنى عليه بها .
الركن المادي للجريمة :
حدد الشارع صوراً ثلاثاً للفعل الذي تقوم به الجريمة : الإذاعة أو تسهيل الإذاعة أو الاستعمال ولو في غير علانية .
والإذاعة تعني تمكين عدد غير محدود من الناس من العلم أو الاطلاع على فحوى التسجيل أو المستند، وتفترض الإذاعة بطبيعتها العلانية، أما تسهيل الإذاعة فيعني تقديم المساعدة - أياً كانت صورتها - إلى من يقوم بالإذاعة ، والأصل في المساعدة أنها وسيلة اشتراك، ولكن الشارع اعتبر مقدم المساعدة في الإذاعة فاعلاً للجريمة، ويعني استعمال التسجيل أو المستند استخدامه لتحقيق غرض ما، وللاستعمال ذات مدلوله في جريمة استعمال المحررات المزورة وقد استوى لدى الشارع أن يحصل الاستعمال علناً أو في غير علانية، كما لو أطلع المتهم شخصاً واحداً على المستند أو أسمعة التسجيل وكان ذلك في مكان خاص ، وطلب منه كتمان ما علم به.
الركن المعنوي للجريمة :
هذه الجريمة عمدية ، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي، والقصد المتطلب في هذه الجريمة قصد عام : فيتعين علم المتهم بمصدر الحصول على التسجيل أو المستند، وطبيعة نشاطه، وأن من شأنه الإذاعة أو تسهيلها أو الاستعمال، ويتعين أن تتجه إرادته إلى ذلك، فلا يسأل عن هذه الجريمة من حصل على التسجيل أو المستند ثم فقد أو سرق منه ، فأذاعه أو استعمله من عثر عليه أو من سرقه ولا عبرة بالبواعث ، فسواء أن يكون باعث المتهم إلى فعله هو ابتزاز المال أو التشهير بالمجني عليه أو الحصول علي مغنم مادي أو معنوي، ولو كان في ذاته مشروعاً .
عقوبة الجريمة، حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالحبس بين حديه العامين وأضاف إلى هذه العقوبة الأصلية عقوبة تكميلية هي المصادرة الوجوبية للأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها، وأوجب إزالة الوضع الإجرامي بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها .
ونص الشارع على ظرف مشدد إذا كان مرتكب هذه الجريمة موظفاً عاماً، وارتكبها اعتماداً على سلطة وظيفته، ويترتب على التشديد أن تصير العقوبة السجن بين حديه العامين.
وتسري على هذه الجريمة أسباب الإباحة إذا توافرت شروط أحدها ، وأخصها رضاء المجنى عليه وتصريح القانون وفق ذات الأحكام التي سلف تفصيلها في شأن الجريمة السابقة.
التهديد بالانشاء :
أركان الجريمة
تتطلب هذه الجريمة موضوعاً، هو أمر تم الحصول عليه بطريقة معينة، وركناً مادياً قوامه التهديد بالإفشاء ، وركناً معنوياً يتخذ صورة القصد الخاص، وقوامه نية الحمل على عمل أو امتناع.
موضوع الجريمة:
موضوع الجريمة هو « أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق التي نصت عليها المادة 309 مكرراً»، وهذه الأمور هي فحوى التسجيل أو المستند ، أي المعلومات والأفكار التي يتضمنها ذلك التسجيل أو المستند ، ويدخل في نطاق ذلك الصورة التي التقطت أو نقلت على النحو الذي نصت عليه المادة 309 مكرراً .
الركن المادي للجريمة :
يقوم الركن المادي للجريمة على « التهديد بالإفشاء » : فثمة نشاط هو « التهديد»، وثمة موضوع ينصب عليه هذا النشاط هو « الإفشاء»، والتهديد هو الوعيد بشر، والشر هو الإنشاء، ويستوي أن يكون التهديد شفوياً أو كتابياً وللإفشاء ذات دلالته في جريمة إفشاء الأسرار .
الركن المعنوي للجريمة :
الجريمة عمدية ، فيتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي ، والقصد الذي تتطلبه هذه الجريمة هو « قصد خاص»، ويفترض القصد العام في هذه الجريمة العلم بمصدر الحصول على الأمر المهدد بإفشائه، وتوقع تأثير التهديد على إرادة المجني عليه، واتجاه الإرادة إلى الكتابة أو القول أو الإيماء الذي قام التهديد به، وإلى التأثير على إرادة المجني عليه، أما القصد الخاص فقوامه «نية حمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه» ، ويستوي أن يكون هذا العمل أو الامتناع مشروعاً أو غير مشروع، ويستوي كذلك أن يكون الشخص الذي يريد المتهم حمله على العمل أو الامتناع هو المجني عليه نفسه أو شخص آخر له عليه سلطان .
عقوبة الجريمة :
حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، أما الحد الأدني لهذه العقوبة فهو الحد الأدنى العام للسجن، وتشدد العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة موظفاً عاماً اعتمد في ارتكابها على سلطة وظيفته، فتصير عقوبته السجن بين حديه العامين، ويسري على هذه الجريمة سبب الإباحة المستمد من تصريح القانون إذا توافرت شروطه.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 902)
هذه المادة أيضاً مضافة بالقانون رقم 37 لسنة 1973 الجريدة الرسمية في 28 سبتمبر سنة 1972 - العدد 39 وقد عدلت عقوبة الفقرة الأولى وذلك بتحديد حد أدنى للحبس بموجب القانون رقم و 93 لسنة 1995، ألغي الحد الأدنى لعقوبة الحبس بموجب القانون 95- لسنة 1996.
جرائم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطن فنص على تجريم انتهاك حرمة المحادثات الشخصية والتقاط أو نقل الصورة وكذا إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند.
الجريمة الثالثة : إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند (م 309مکرراً (أ) :
الركن المادي :
يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بإذاعة أو تسهيل إذاعة أو استعمال تسجيل أو مستند متحصل عليه بأحدى الطرق المبينة بالمادة 309 مكرراً من قانون العقوبات أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن.
وبذلك يقوم هذا الركن على عنصرين :
1- نشاط إجرامي يتخذ صورة الإذاعة أو تسهيل الإذاعة أو الاستعمال والإذاعة تعني لغة النشر والإظهار ومن ثم فهي تفترض بطبيعتها العلانية وتتحقق بتمكين عدد غير محدود من الناس من العلم أو الاطلاع على فحوى المستند أو التسجيل سواء تعلق بحديث أم صورة وتسهيل الإذاعة يراد به تيسيرها ويتحقق بتقديم العون والمساعدة أياً كانت صورتهما إلى من يقوم بالإذاعة أما الاستعمال فيراد به استخدام التسجيل أو المستند لتحقيق غرض ما.
ومدلوله في هذه الجريمة ذات مدلوله في جريمة استعمال المحررات المزورة ولا يشترط فيه الشارع أن يتم علناً فتقع به الجريمة حتى ولو كان حصوله في غير علانية.
2- موضوع ينصب عليه هذا النشاط هو تسجيل أو مستند تم الحصول عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة 309 مكرراً من قانون العقوبات أو بغير رضاء صاحب الشأن والتسجيل صوت أو صورة أو كلاهما حفظ على مادة من شأنها ذلك ويمكن وقت الحاجة الاستماع إليه أو مشاهدته أن كان مرئياً، أما المستند فهو محرر في مدلوله المستقر في جريمة التزوير في المحررات ويشترط الشارع أن يكون التسجيل أو المستند قد تم الحصول عليه بطريق مما نصت عليه المادة 309 مكرراً من قانون العقوبات غير أنه أضاف بعد التحديد السابق المصدر الحصول على التسجيل أو المستند عبارة " أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن " وقد حمل رأى هذه العبارة على أنها تحديد من الشارع لمصدر آخر للحصول على التسجيل أو المستند وهو أية واقعة لم يرضى بها المجني عليه سواء توافرت فيها أركان جريمة كالحصول على التسجيل أو المستند عن طريق السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة في شأنه أم لا وحمل رأي آخر هذه العبارة على أنها تستلزم لقيام الجريمة أن يكون الفعل المادي قد وقع بغیر رضاء صاحب الشأن ويتسق هذا الرأي مع ما دار في المناقشات البرلمانية حول هذه العبارة.
الركن المعنوي :
هذه الجريمة عمدية يلزم فيها توافر القصد الجنائي فالإفشاء يجب أن يكون إرادياً فلا تقوم الجريمة في حق من حصل على التسجيل أو الصورة إذا كانت قد سرقت منه، ولكنه يعاقب على الجريمة السابقة ولا عبرة في قيام القصد بالباعث أو الغاية فيسيان أراد مستعمل التسجيل أو المستند الحصول على ربح أو منفعة من وراء ذلك أم لا.
ونصت الفقرة الثانية من المادة 309 مكرراً (أ) على التهديد بالإفشاء وجعلت عقوبته أشد من الإنشاء بالفعل ويلاحظ أنه لايشترط هنا أن يكون التهديد كتابة ومن ثم فلا تكرار لما ورد في المادة 327 عقوبات فإذا كان التهديد كتابة - بإفشاء أمور مخدشة بالشرف فإن هذه المادة هي التي تطبق لأن عقوبتها أشد وعندئذٍ لايشترط أن يكون قد استحصل على الأمور المهدد بها بأحدى الطرق المشار إليه في المادة 309 مكرر.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 42)
وتهدف هذه الجريمة إلى تعقب البواعث الخبيثة لدى الجاني من وراء إنتهاك حرمة ملك الغير.
الركن المادي :
يشترط لوقوع هذه الجريمة توافر العناصر الآتية:
(أ) أفعال معينة هي الإذاعة أو تسهيل الإذاعة، أو استعمال التسجيل أو المستند، ويراد بإذاعة التسجيل أو المستند، تمكين عدد غير محدود من الناس من العلم به والإطلاع على فحواه، أما تسهيل الإذاعة فيراد به تقديم المساعدة لمن يقوم بالإذاعة، ويراد بالاستعمال الإنتفاع بالتسجيل أو المستند ولو في غير علانية كمن يطلع آخر على صورة إلتقطت لفتاة في مكان خاص، وغالباً ما ينطوي الاستعمال على الإذاعة.
(ب) أن يرد أحد هذه الأفعال على تسجيل لحديث من الأحاديث الشخصية أو على مستند مع ملاحظة أن يكون التسجيل أو المستند قد تم الحصول عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة، أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن، والمهم هو أن يكون الفعل المادي قد تم بغير رضاء صاحب الشأن، فذلك هو جوهر المساس بحرمة الحياة الخاصة.
الركن المعنوي :
هذه جريمة عمدية، تقع بتوافر القصد الجنائي العام الذي يقوم على الإرادة والعلم.
العقوبة:
عقوبة هذه الجريمة هي الحبس.
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها كحمل شخص على القيام بعمل أو الإمتناع عنه، فإذا إرتكب الجريمة موظف عام اعتماداً على سلطة وظيفته كانت العقوبة السجن.وهناك عقوبة تكميلية وجوبية هي مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، وكذلك محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة: 182)
جريمة إذاعة أو استعمال التسجيل أو المستند والتهديد بالإفشاء
- التسجيل:
هو حديث جري في مكان خاص أو عن طريق التليفون أو صورة شخص في مكان خاص تم حفظه على مادة معدة لذلك بحيث يمكن الاستماع أو الاطلاع على مضمونه عند الطلب.
- المستند :
فهو محرر يتضمن معلومات تتعلق بالحياة الخاصة للمجني عليه. والمحرر هو مجموعة من العلامات والرموز تعبر اصطلاحاً عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الصادرة عن شخص أو أشخاص معينين فجوهر المحرر أنه وسيلة تعبير عن فكرة وله بناء علي ذلك - دور اجتماعي باعتباره أداة للتفاهم وتبادل الأفكار وللمحرر دور قانوني هام بالنظر إلى صلته الوثيقة بالمعاملات القانونية وتفترض فكرة المحرر أنه يكشف عن شخص أو أشخاص معينين ويفيد ارتباطهم بما يدل عليه وليس من عناصر فكرة المحرر أن يدون بلغة البلاد وتطبيقا لذلك تعتبر "الصورة الفوتوغرافية التي يحملها المحرر أحد "بياناته" إذ هي "رمز" دال على شخصية من ينسب المحرر إليه وهي تسهم مع سائر بياناته في تحديد المعنى الإجمالي المستفاد.
ويشترط بالإضافة إلى ذلك أن يكون له قيمة في الإثبات إذ هذه القيمة العنصر الذي يضاف إلي المحرر فيجعل منه مستنداً.
هي وحدد المشرع مصدرين لحيازة المتهم للمحرر الذي يحصل عليه هما أولا الاستراق أو التسجيل أو النقل بالنسبة للحديث (أي التسجيل) والالتقاط أو النقل بالنسبة للمستند وثانيا هو واقعة لم يرض عنها المتهم أي بأي طريقة بدون رضاء المجني عليه.
ولا يعتد برضاء المجني عليه إلا إذا كان صادراً من شخص مميز له صفة وأن تكون إرادته سليمة ورضاه سابقاً على الفعل أو معاصراً له.
وإذا وقع أحد الأفعال المشار إليها أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن الرضا يكون مفترضاً ذلك أن عدم اعتراض الشخص على الفعل يفيد رضاءه به وكذلك إذا ارتكب الفعل في الأحوال المصرح بها قانوناً فإنه يكون مشروعاً ومثال ذلك إذا ما تم تسجيل أحاديث خاصة جرت في مكان خاص بأمر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة عندما يكون لها سلطات قاضي التحقيق متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر عملاً بنص المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية.
الركن المادي للجريمة :
بين المشرع في نص المادة 309 مكرراً (أ) عقوبات صور الفعل الذي تقوم به هذه الجريمة وهي :أولاً : الإذاعة، ثانياً: تسهيل الإذاعة، ثالثاً: الاستعمال.
- الإذاعة :
وهي تعني تمكين عدد غير محدود من الناس بغير تمييز من العلم بمضمون التسجيل أو المستند وذلك بأي طريقة من طرق العلانية كالمجلات والصحف والراديو والتليفزيون أو بالنشر على صفحات التواصل الاجتماعي أو موقع من مواقع شبكة الإنترنت أو إرسالها في البريد الخاص لعدد كبير من الناس دون تمييز ودون أن تجمع بينهم رابطة أو غير ذلك من طرق العلانية.
- تسهيل الإذاعة
أما تسهيل الإذاعة فيعني تقديم المساعدة بأي صورة للغير ليقوم بنشر مضمون التسجيل أو المستند وقد اعتبر المشرع من يقدم المساعدة فاعلاً أصلياً للجريمة خروجاً على القواعد العامة التي تقضي باعتبار المساعدة أحدي وسائل الاشتراك في الجريمة.
الاستعمال:
أما الاستعمال فيعني استخدام التسجيل أو المستند من جانب من حازه على النحو الذي بينته المادة 309 مكرراً عقوبات لتحقيق غرض ما ولم يشترط المشرع العلانية في الاستعمال ومن ثم يستوي أن يكون في علانية أو في غير علانية كما لو قام الفاعل باطلاع شخص واحد عليه لفرض ما حتى لو طلب منه كتمان الأمر.
وتتوافر الجريمة سواء تم الاستعمال علنا أو في غير علانية وعلى ذلك يتحقق الاستعمال لو انحصر فعل المتهم في مجرد اطلاع شخص واحد على المستند أو أسمعه التسجيل وطلب منه عدم إفشاء ما علم به. وإذا تعددت أوصاف الفعل فإننا نكون أمام تعدد معنوي بين الجرائم ومن ثم يتعين تطبيق نص المادة 32/ 1 عقوبات والقضاء بعقوبة الجريمة الأشد ومثال ذلك أن يكون المستند أو التسجيل منطويا على سب أو قذف أو إفشاء للأسرار.
- الركن المعنوي:
هذه الجريمة عمدية ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة فيتعين أن يكون المتهم عالماً بمصدر الحصول على التسجيل أو المستند وأن من شأنه الإذاعة أو تسهيلاً لإذاعة أو الاستعمال كما يتعين أن تتجه إرادة الفاعل إلى ذلك.
- عقوبة الجريمة:
هي الحبس الذي لا يقل عن أربع وعشرين ساعة ولا يجاوز ثلاث سنوات والمصادرة للأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها وقد شدد المشرع هذه العقوبة فجعلها السجن إذا كان مرتكب الجريمة موظفاً عاماً اعتماداً على سلطة وظيفته.
وتسري على هذه الجريمة أسباب الإباحة كما لو كان المجني عليه راضياً بالفعل أو صرح القانون بذلك كما حالة الإذن من قاضي التحقيق أو النيابة العامة عندما تباشر سلطات قاضي التحقيق.
جريمة التهديد بالإفشاء
- الركن المادي:
وهو يقوم على التهديد" بالإفشاء " فلسلوك المادي هو "التهديد" والموضوع الذي ينصب عليه هو "الإفشاء".
والتهديد يعني إيقاع الرعب في نفس المجني عليه وأن يريد الفاعل تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن المجني عليه رغاما إلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلي تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه ولا عبرة بعد ذلك بالأسلوب أو القالب الذي تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن الجاني قصد ترويع المجني عليه وحمله على أداء ما هو مطلوب منه .
ولا عبرة بالأسلوب أو القالب الذي تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن الجاني قد قصد ترويع المجني عليه على أداء ما هو مطلوب.
ولا يشترط أن تكون عبارة التهديد قد وجهت مباشرة إلي ذات الشخص الذي قصد تهديده فيكفي أن يكون الجاني قد أعد رسالة التهديد لتصل إلي علم المراد تهديده سواء أرسلها إليه فتلقاها مباشرة أم بعث بها إلي شخص آخر فتلقاها هذا الآخر ثم بلغها إياه أو لم يبلغها ثم إنه لا يشترط أن يكون الجاني الذي يختار هذا الطريق الأخير في توجيه نذيره قد قصد أن يقوم من أرسلت إليه بتبليغها إلي المعني بها بل يكفي أن يثبت في حقه أنه لا يجهل أن الطريق الذي اختاره يتوقع معه حتماً أن المرسل إليه بحكم وظيفته أو بسبب علاقته أو صلته بالشخص المقصود بالتهديد سيبلغه هذه الرسالة.
ويجب أن يبين الحكم العبارات التي تفيد التهديد حتى يتسنى لمحكمة النقض التحقق من أن ما ورد بتلك العبارات تتوافر معه الأركان التي يستلزمها القانون في الجريمة المذكورة أما أن يكتفي الحكم بسرد وقائع الدعوى المثبتة لصدور خطاب التهديد من المتهم أو يحيل إلى وصف التهمة المبين بصدر الحكم من غير ذكر لنصوص عبارات التهديد فذلك قصور في بيان الواقعة يبطل الحكم ومما يوجب نقضه.
والإفشاء هو الكشف عن واقعة لها صفة السر ويصدر ممن علم بالسر لاطلاع الغير عليه وعلى الشخص الذي يتعلق به فهو نقل معلومات ولا يتحقق الإفشاء لمجرد نقل المعلومات وإنما بتحديد الشخص الذي يتصل به.
ويستوي أن يكون الإفشاء شفوياً أو كتابياً أو أن يكون علنياً أو غير علني كمن يبعث برسالة خاصة لغيرة تنطوي على الأمر محل الإفشاء كما يستوي أن يكون صريحاً أو ضمنياً أو كلياً أو جزئياً.
- الركن المعنوي:
هذه الجريمة عمدية فيتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ولكن القصد الذي تتطلبه هو قصد خاص وقوامه نية حمل الشخص الذي يتم تهديده بالإفشاء على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل سواء أكان هذا العمل مشروعاً أم غير مشروع أو كان الشخص المراد منه القيام بالعمل أو الامتناع عن عمل هو المجني عليه نفسه أو شخص آخر له سلطان عليه.
والقصد الجنائي يتحقق متى كان الجاني مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن تهديده للمجني عليه من شأنه أن يزعجه أو يكرهه في صورة التهديد المصحوب بطلب أو تكليف بأمر على أداء ما هو مطلوب منه أو فعل ما هو مأمور به بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى معرفة الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه.
(موسوعة المُري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المُري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 469-479)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 273 ، 274
(مادة 561)
يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل - ولو في غير علانية -تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة ، أو كان الحصول عليه بغير رضاء صاحب الشأن .
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل ، أو الإمتناع عنه .
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات الموظف العام ، أو المكلف بخدمة عامة الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة في هذه المادة إعتماداً على سلطة الوظيفة ، أو الخدمة العامة .
وتحكم المحكمة في جميع الأحوال بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة السابقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 292
إِفْشَاءُ السِّرِّ
التَّعْرِيفُ:
الإْفْشَاءُ لُغَةً: الإْظْهَارُ، يُقَالُ: أَفَشَا السِّرَّ: إِذَا أَظْهَرَهُ، فَفَشَا فَشْوًا وَفُشُوًّا، وَالسِّرُّ هُوَ مَا يُكْتَمُ، وَالإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإْشَاعَةُ:
2 - إِشَاعَةُ الْخَبَرِ: إِظْهَارُهُ وَنَشْرُهُ، وَالشُّيُوعُ: الظُّهُورُ.
ب - الْكِتْمَانُ:
الْكِتْمَانُ. الإْخْفَاءُ: يُقَالُ: كَتَمْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ: أَيْ أَخْفَيْتُهُ عَنْهُ، فَهُوَ ضِدُّ الإْفْشَاءِ.
ج - التَّجَسُّسُ:
هُوَ تَتَبُّعُ الأْخْبَارِ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ، لأِنَّهُ يَتَتَبَّعُ الأْخْبَارَ، وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الأْمُورِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّرِّ فَالتَّجَسُّسُ: السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى السِّرِّ.
د - التَّحَسُّسُ:
هُوَ الاِسْتِمَاعُ إِلَى حَدِيثِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» وَالتَّحَسُّسُ إِنْ كَانَ لإِذَاعَةِ أَخْبَارِ النَّاسِ السَّيِّئَةِ فَهُوَ كَإِفْشَاءِ السِّرِّ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّحَسُّسُ لإِشَاعَةِ الْخَيْرِ، كَمَا فِي قوله تعالي : ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ).
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
أَنْوَاعُ السِّرِّ:
يَتَنَوَّعُ السِّرُّ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:
أ - مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ.
ب - مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ.
ج - مَا مِنْ شَأْنِهِ الْكِتْمَانُ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ أَوِ الْمَهْنَةِ.
النَّوْعُ الأْوَّلُ: مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ:
مِنَ الأْمُورِ مَا يَحْظُرُ الشَّرْعُ إِفْشَاءَهُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ حَسَبَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِفْشَائِهِ مِنْ ضَرَرٍ. فَمِمَّا لاَ يَجُوزُ إِفْشَاؤُهُ:
مَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَالَ الْوِقَاعِ، فَإِنَّ إِفْشَاءَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ حَالَ الْجِمَاعِ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» وَالْمُرَادُ مِنْ نَشْرِ السِّرِّ، ذِكْرُ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوَقَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَمَا يَجْرِي مِنَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
أَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْوِقَاعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، فَذِكْرُهُ مَكْرُوهٌ، لأِنَّهُ يُنَافِي الْمُرُوءَةَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
فَإِنْ دَعَتْ إِلَى ذِكْرِهِ حَاجَةٌ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فَهُوَ مُبَاحٌ. كَمَا لَوِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ عِنِّينٌ، أَوْ مُعْرِضٌ عَنْهَا، أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْزَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَتْهُ صَحِيحًا فَلاَ كَرَاهَةَ فِي الذِّكْرِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِنِّي لأَفْعَلُ ذَلِكَ، أَنَا وَهَذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ» وَقَالَ لأِبِي طَلْحَةَ: «أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ؟ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي عَدَمِ جَوَازِ إِفْشَاءِ مَا يَجْرِي مِنَ الرِّجَالِ حَالَ الْوَقَاعِ.
وَإِفْشَاءُ السِّرِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الإْيذَاءِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّ أَصْحَابِ السِّرِّ مِنَ الْجِيرَانِ وَالأْصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ».
وَقَالَ: «الْحَدِيثُ بَيْنَكُمْ أَمَانَةٌ». وَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ».
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ:
مَا اسْتَكْتَمَكَ إِيَّاهُ الْغَيْرُ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ بَثُّهُ وَإِفْشَاؤُهُ لِلْغَيْرِ، حَتَّى أَخَصَّ أَصْدِقَاءِ صَاحِبِ السِّرِّ، فَلاَ يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ وَمَنْ أَسَرَّ إِلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ.
وَهَذَا إِذَا الْتَزَمْتَ بِالْكِتْمَانِ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَلْتَزِمْ، فَلاَ يَجِبُ الْكِتْمَانُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَصُّهُ: عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: «كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ». «وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم . فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأْنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي. وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ هُمَا ؟ قَالَ: زَيْنَبُ. قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي -: «لَيْسَ إِخْبَارُ بِلاَلٍ بِاسْمِ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ أَنِ اسْتَكْتَمَتَاهُ بِإِذَاعَةِ سِرٍّ وَلاَ كَشْفِ أَمَانَةٍ، لِوَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا لَمْ تُلْزِمَاهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُمَا رَأَتَا أَنْ لاَ ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إِلَى كِتْمَانِهِمَا.
(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم لِكَوْنِ إِجَابَتِهِ أَوْجَبَ مِنَ التَّمَسُّكِ بِمَا أَمَرَتَاهُ بِهِ مِنَ الْكِتْمَانِ.
وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمَا بِذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَا سَأَلَتَاهُ (أَيْ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُمَا بِالْكِتْمَانِ) وَلاَ يَجِبُ إِسْعَافُ كُلِّ سَائِلٍ.
وَقَدْ تَتَضَمَّنُ الْغِيبَةُ إِفْشَاءً لِلسِّرِّ فِيمَا إِذَا كَانَ الأْمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ الْغَيْرَ فِي غِيَابِهِ مِنَ الأْمُورِ الْخَفِيَّةِ، أَوْ مِمَّا يَطْلُبُ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنِ الْغِيبَةِ فِي قوله تعالي : ( وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ )
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم : «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (غِيبَةٌ).
النَّوْعُ الثَّالِثُ.
- مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِمُقْتَضَى الْمَهْنَةِ، كَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي وَأَمِينِ السِّرِّ وَغَيْرِهِمْ.
- وَمِمَّا يَكُونُ أَحْيَانًا مِنَ الإْفْشَاءِ الْمُحَرَّمِ لِلسِّرِّ النَّمِيمَةُ: وَهِيَ لُغَةً تَبْلِيغُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الإْفْسَادِ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي اصْطِلاَحِ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْثَرُ إِطْلاَقِهَا عَلَى مَنْ يَنِمُّ قَوْلَ الْغَيْرِ إِلَى الْمَقُولِ فِيهِ، أَيْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ سِرًّا قَدِ اسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهُ، كَأَنْ يَقُولَ فُلاَنٌ يَقُولُ فِيكَ: كَذَا وَكَذَا.
وَالنَّمِيمَةُ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» أَيِ النَّمَّامُ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الإْفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَجِبُ النَّمِيمَةُ كَمَا إِذَا سَمِعَ إِنْسَانٌ شَخْصًا يَتَحَدَّثُ بِإِرَادَةِ إِيذَاءِ إِنْسَانٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ أَنْ يُحَذِّرَ الْمَقْصُودَ بِالإْيذَاءِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَإِلاَّ ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَمِيمَةٌ).
مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّتْرُ وَالإْفْشَاءُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ:
نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ الشَّهَادَةُ وَالسَّتْرُ، لَكِنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ فِيمَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ».
وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَهَتِّكَ الَّذِي لاَ يُبَالِي بِإِتْيَانِ الْمَحْظُورَاتِ وَلاَ يَتَأَلَّمُ لِذِكْرِهِ بِالْمَعَاصِي. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: يَقُولُ الشَّاهِدُ عَلَى السَّرِقَةِ: أَخَذَ، لاَ سَرَقَ، إِحْيَاءً لِلْحَقِّ وَرِعَايَةً لِلسَّتْرِ. وَإِذَا طَعَنَ فِي الشُّهُودِ يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمُ الْقَاضِيَ جَهْرًا أَوْ سِرًّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي أَوِ التَّرْكِ، إِلاَّ فِي الْحُدُودِ فَالتَّرْكُ فِيهَا أَوْلَى، لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِفِسْقِهِ، وَأَمَّا الْمُجَاهِرُ فَيُرْفَعُ أَمْرُهُ. وَكَوْنُ التَّرْكِ مَنْدُوبًا هُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَوَّاقِ: سَتْرُ الإْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا.
وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا وَقَعَ فِي مَجْلِسٍ مِمَّا يُكْرَهُ إِفْشَاؤُهُ إِنْ لَمْ يُخَالِفِ الشَّرْعَ يَجِبُ كِتْمَانُهُ. وَإِنْ خَالَفَ الشَّرْعَ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، كَالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَكَ الْخِيَارُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَرَرٌ لأِحَدٍ مَالِيٌّ لاَ بَدَنِيٌّ، أَوْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْقِصَاصِ وَالتَّضْمِينِ، فَعَلَيْكَ الإِْعْلاَمُ إِنْ جَهِلَ، وَالشَّهَادَةُ إِنْ طَلَبَ، وَإِلاَّ فَالْكَتْمُ.
اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ:
- الْمَعَارِيضُ فِي الْكَلاَمِ هِيَ التَّوْرِيَةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ».
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُلَ عَنِ الْكَذِبِ ؟ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا إِذَا اضْطُرَّ الإْنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْرِيَةٌ) (وَتَعْرِيضٌ).
وَقَالَ إِمَامُ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَيُعَدُّ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَخُوهُ أَمَانَةً، وَلاَ يُفْشِيهَا لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِذَا حَدَّثَ بِهِ أَحَدًا أَدَّاهُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَاخْتَارَ أَجْوَدَ مَا سَمِعَ.
تَجَنُّبُ الإْفْشَاءِ فِي الْحَرْبِ:
كِتْمَانُ أَسْرَارِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْعَدُوِّ مَطْلُوبٌ، لأِنَّ السِّرَّ قَدْ يَصِلُ إِلَى الْعَدُوِّ فَيَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ.
وَلِذَلِكَ جَازَ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ تَجَنُّبًا لإِفْشَاءِ أَسْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ.
وَمِنَ الْكِتْمَانِ أَلاَّ يَذْكُرَ قَائِدُ الْجَيْشِ لِجُنُودِهِ الْوَجْهَ الَّذِي يُرِيدُونَ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَى بِغَيْرِهَا .
أَمَّا السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى أَسْرَارِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَطْلُوبٌ، لاِتِّقَاءِ شَرِّهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يَسْتَطْلِعُ أَخْبَارَ الْعَدُوِّ.