loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1-  لما كان الأصل أن المشرع قد جعل من الحيازة فى ذاتها سنداً لملكية المنقولات وقرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على عكس ذلك وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 976 من القانون المدني ، وكان الحكم قد التزم فى قضائه هذه القواعد ، فإنه يكون قد طبق القانون على الواقعة تطبيقاً صحيحاً ، كما أنه من المقرر أنه يكفي للعقاب فى السرقة أن يثبت بالحكم أن المسروق ليس مملوكاً للمتهم ، ذلك أن السارق كما عرفه القانون فى المادة 311 من قانون العقوبات هو كل من اختلس مالاً منقولاً مملوكاً للغير ، كما لا يؤثر فى قيام جريمة السرقة عدم الاهتداء إلى شخص مالك المسروقات .

(الطعن رقم 5173 لسنة 4 جلسة 2014/05/20)

2- من المقرر قانوناً أنه يكفي للعقاب فى السرقة أن يكون ثابتاً بالحكم أن المسروق ليس مملوكاً للمتهم ، الأمر الذي لا ينازع فيه الطاعن ، ذلك أن السارق كما عرفه القانون فى المادة 311 من قانون العقوبات هو " كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره ". ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم تقديم المجني عليه ما يثبت ملكيته للهاتف المسروق يكون غير سديد .

(الطعن رقم 1363 لسنة 79 جلسة 2009/10/21 س 60 ص 382 ق 52)

3- يكفى للعقاب فى السرقة أن يكون ثابتاً بالحكم أن المسروق ليس مملوكاً للمتهم ذلك أن السارق كما عرفه القانون فى المادة 311 من قانون العقوبات هو "كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره" ومن ثم فإن خطأ الحكم فى ذكر اسم مالك الشئ المسروق لا يعيبه..

(الطعن رقم 4281 لسنة 60 جلسة 1997/01/20 س 48 ع 1 ص 122 ق 18)

4- نصت المادة 311 من قانون العقوبات على أن كل من إختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق . و المنقول فى هذا المقام هو كل ما له قيمة مالية و يمكن تملكه و حيازته و نقله بصرف النظر عن ضآلة قيمته ما دام ليس مجرداً من كل قيمة لأن تفاهة الشىء المسروق لا تأثير لها ما دام هو فى نظر القانون مالاً . و من ثم فإن طوابع الدمغة المستعملة يصح أن تكون محلاً للسرقة ، ذلك لأن لها قيمة ذاتية بإعتبارها من الورق و يمكن إستعمالها و بيعها و الإنتفاع بها بعد إزالة ما عليها من آثار . و قد إعتبرها المشرع أوراقاً جدية و أتم العبث بحرمتها فنص فى المادة 3/37 من القانون 224 لسنة 1951 بتقرير رسم الدمغة على عقاب " كل من إستعمل أو باع أو شرع فى بيع طوابع دمغة سبق إستعمالها مع علمه بذلك " كما نص فى المادة 28 من هذا القانون على أنه " لا يجوز لمصلحة الضرائب التصالح مع المخالفين لأحكام المادة 27 منه " . و ذلك تقديراً بأن هذه الطوابع المستعملة ليست مجردة من كل قيمة و أن فى إستعمالها و بيعها من الخطورة على الصالح العام مما لا ينبغى معه لمصلحة الضرائب التقاضى عنه أو التصالح بشأنه .

(الطعن رقم 1154 لسنة 34 جلسة 1964/11/30 س 15 ع 3 ص 754 ق 149)

5- يكفى فى صحيح القانون لإعتبار الشخص فاعلاً أصلياً فى الجريمة أن يساهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها ، و كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت فى حق الطاعن أنه ساهم فى جريمة السرقة بإكراه التى دانه بها ، بأن رافق زميله المحكوم عليه الآخر ، و ظل متواجداً بدراجته البخارية على مسرح الجريمة بينما قام زميله بالإعتداء على المجنى عليه و سرقة نقوده ، فإن فى ذلك ما يكفى لإعتبار الطاعن فاعلاً أصلياً فى الجريمة بما يضحى معه منعاه فى هذا الخصوص غير سديد .

(الطعن رقم 5920 لسنة 54 جلسة 1984/11/13 س 35 ص 760 ق 168)

6- ليس بشرط فى جريمة الشروع فى السرقة أن يوجد مال فعلا، ما دام أن نية الجاني قد اتجهت إلى ارتكاب السرقة.

(الطعن رقم 1175 لسنة 48 جلسة 1979/03/15 س 30 ع 1 ص 346 ق 71)

7- السرقة تتم بالاستيلاء على الشيء المسروق استيلاء تاماً يخرجه من حيازة صاحبه ويجعله فى قبضة السارق وتحت تصرفه. وإذ كان ذلك وكانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن الطاعن وآخرين دخلوا مسكن المجني عليها بواسطة نزع النافذة من الخارج وقام الطاعن بسرقة المسروقات من حجرتها. فإن الحكم إذ اعتبر الواقعة سرقة تامة لا شروعاً فيها يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه بدعوى الخطأ فى تطبيق القانون غير سديد.

(الطعن رقم 498 لسنة 48 جلسة 1978/10/15 س 29 ع 1 ص 684 ق 134)

8- يكفى أن تستخلص المحكمة وقوع السرقة لكى يستفاد توافر الإختلاس دون حاجة إلى التحدث عنه صراحة - كما أن التحدث عن القصد الجنائي صراحة و إستقلالاً فى الحكم أمر غير لازم ما دامت الواقعة الجنائية التى أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعله إضافة ما إختلسه لملكه .

(الطعن رقم 1013 لسنة 50 جلسة 1980/11/20 س 31 ع 1 ص 1025 ق 198)

9- إن التسليم الذي ينتفي به ركن الاختلاس فى السرقة، يجب أن يكون برضاء حقيقي من واضع اليد مقصوداً به التخلي عن الحيازة حقيقة، فإن كان عن طريق التغافل، فإنه لا يعد صادراً عن رضاء صحيح، وكل ما هنالك أن الاختلاس فى هذه الحالة يكون حاصلاً بعلم المجني عليه لا بناء على رضاء منه، وعدم الرضا - لا عدم العلم - هو الذي يهم فى جريمة السرقة.

(الطعن رقم 1796 لسنة 44 جلسة 1975/03/02 س 26 ص 201 ق 44)

10- لا خلاف على أن الدائن الذى يختلس متاع مدينه ليكون تأميناً على دينه يعد سارقاً إذا كان لا دين له و إنما يدعى هذا الدين للحصول على فائدة غير مشروعة مقابل رده الشئ المختلس . و إذ كان الطاعن لا يدعى وجود دليل على أن له فى ذمة المجنى عليه ديناً ثابتاً محققاً خال من النزاع فإن ما يثيره فى شأن خطأ الحكم فى تطبيق القانون أو فساد إستلاله على توافر القصد الجنائي لديه لا يكون سديداً .

(الطعن رقم 2201 لسنة 51 جلسة 1981/12/22 س 32 ص 1174 ق 209)

11- متى كان مؤدى ما أثبته الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى أن المسروقات لم تخرج من حيازة المجني عليها، وأن اتصال الطاعنة بها - بوصف كونها خادمة بالأجرة عند المجني عليها - لم يكن إلا بصفة عرضية بحكم عملها فى دارها، مما ليس من شأنه نقل الحيازة إلى الطاعنة، فإنه لا محل للقول بأن الجريمة فى حقيقة تكييفها القانوني لا تعدو أن تكون جريمة خيانة أمانة، ويكون الحكم إذ دان الطاعنة بجريمة السرقة لم يخطئ القانون فى شيء.

(الطعن رقم 62 لسنة 44 جلسة 1974/02/11 س 25 ع 1 ص 135 )

12- لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة للواقعة حسبما يؤدي إليه اقتناعها مادام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة أن أمين المخزن لم يقصد بتسليم المواسير إلى الطاعن التخلي عن ملكيتها أو حيازتها بل كان ذلك توصلاً لضبطه بما شرع فى سرقته، فإن ما ذهب إليه الحكم من توافر ركن الاختلاس يكون صحيحاً فى القانون، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قالة الخطأ فى تطبيق القانون فى غير محله.

(الطعن رقم 157 لسنة 43 جلسة 1973/04/08 س 24 ع 2 ص 493 ق 102)

13- الإختلاس فى جريمة السرقة يتم بانتزاع المال من حيازة المجنى عليه بغير رضاه . فإذا تم له ذلك ، كان كل إتصال لا حق للمجانى بالمسروق يعتبر أثراً من أثار السرقة و ليس سرقة جديدة مادام سلطاته ظل مبسوطاً عليه . لما كان ما تقدم ، و كان اكتشاف المجنى عليه لجزء من المسروق عند البحث عنه و اختفاؤه على مقربة منه لضبط من يحاول نقله ، لا يخرج المسروق من حيازة الجاني ، و لا يعيده إلى حيازة المجنى عليه الذى لم يسترد ، فلا يمكن اعتبار نقل الجناة له من موضعه الذى أخفى فيه سرقة جديدة . ذلك بأن السرقة تمت فى الليلة السابقة و لا يمكن أن تتكرر عند محاولة نقل جزء من المسروق من مكان آخر بعد ذلك ، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن و آخرين عن الواقعة التى تمت فى الليلة التاليه للسرقة باعتبارهم قد ارتكبوا سرقه جديدة فإنه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون بما يتعين معه نقضه و الاحالة بالنسبة للطاعن و المحكوم عليهما الأخرين اللذين لم يكنا الحكم لوحدة الواقعة

(الطعن رقم 1784 لسنة 31 جلسة 1962/04/24 س 13 ع 2 ص 427 ق 107)

14- القصد الجنائي فى جريمة السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكابه الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية تملكه ، ولما كان ما أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى وأدلتها يكشف عن توافر هذا القصد لدى الطاعنين وكان التحدث عن نية السرقة استقلالاً فى الحكم أمراً غير لازم مادامت الواقعة الجنائية كما أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه . وكان ما أورده الحكم فى مدوناته تتوافر به جناية الشروع فى السرقة التى دان الطاعنين بها بكافة أركانها كما هى معرفة به فى القانون ، وكان استخلاص نية السرقة - من الأفعال التى قارفها الطاعنان - هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب مادام قد استخلصه مما ينتجه , فإن ما يجادل فيه الطاعنان لا يكون مقبولا .

(الطعن رقم 12712 لسنة 64 جلسة 1996/05/23 س 47 ع 1 ص 688 ق 97)

15- تسليم الشئ من صاحب الحق فيه الى المتهم تسليما مقيدا بشرط واجب التنفيذ فى الحال لا يمنع من إعتبار اختلاسه سرقة متى كان قصد الطرفين من الشرط هو أن يكون تنفيذه فى ذات وقت التسليم تحت اشراف صاحب الشئ ومراقبته حتى يكون فى استمرار متابعته ما له ورعايته إياه بحواسه ما يدل بذاته على أنه لم ينزل ولم يخطر بباله أن يتخلى عن سيطرته وهيمنته عليه ماديا فتبقى له حيازته بعناصرها القانونية ولا تكون يد المستلم عليه الا يدا عارضة مجردة ، أما إذا كان التسليم ملحوظاً فيه الابتعاد بالشئ عن صاحبه فترة من الزمن طالت أو قصرت فإنه فى هذه الحالة تنتقل به الحيازة للمستلم ولا يتصور معه فى حق المستلم وقوع الاختلاس على معنى السرقة لما كان ذلك ، وكان يبين مما أورده الحكم فيما تقدم أنه انتهى الى إدانة الطاعن بجريمة السرقة استنادا الى تسلمه المال من وسيط كان قد استلمه من المجنى عليه دون أن يبين ما يجب توافره فى هذا التسليم من بقاء المال تحت بصر صاحبه واستمرار إشرافه عليه فإنه يكون مشوبا بالقصور .

(الطعن رقم 29824 لسنة 59 جلسة 1995/02/28 س 46 ص 431 ق 66)

16- تعطيل العداد ليس بذاته الفعل المكون لجريمة سرقة التيار الكهربائي بل هو مؤد إليها حتماً بمجرد مرور التيار به بعد توقفه، فلا يغير من موقف المتهم أن يستعين فى إتلافه بمن له خبرة فى ذلك أو أن يقوم به بنفسه، وما دام هو الذي يختلس التيار فهو السارق له.

(الطعن رقم 561 لسنة 31 جلسة 1961/10/10 س 12 ع 3 ص 788 ق 153)

17- أراد الشارع عند وضع نص المادة 112 من قانون العقوبات فرض العقوبات فرض العقاب على عبث الموظف بالإئتمان على حفظ المال أو الشىء المقوم به الذى وجد بين يديه بمقتضى وظيفته ، فهذه الصورة من الإختلاس هى صورة خاصة من صور خيانة الأمانة لا شبهة بينها و بين الإختلاس الذى نص عليه الشارع فى باب السرقة - فالإختلاس فى هذا الباب يتم بإنتزاع المال من حيازة شخص آخر خلسة أو بالقوة بنية تملكه ، أما فى هذه الصورة فالشىء المختلس فى حيازة الجاني بصفة قانونية ، ثم تنصرف نية الحائز إلى التصرف فيه على إعتبار أنه مملوك له ، و متى تغيرت هذه النية لدى الحائز على هذا الوضع بما قارفه من أعمال مادية - وجدت جريمة الإختلاس تامة ، و لو كان التصرف لم يتم فعلاً .

(الطعن رقم 2772 لسنة 32 جلسة 1963/04/22 س 14 ع 2 ص 329 ق 66)

18- إذا تمسك المتهم بأن المنقولات محل دعوى الشروع فى السرقة هي من المتروكات ولم يعد لها مالك بعد أن تخلت الشركة عنها ثم إدانته المحكمة بعقوبة الشروع فى سرقتها، دون أن تتعرض لهذا الدفاع وترد عليه، فحكمها يكون معيباً بالقصور فى البيان ولا يقلل من هذا أن تكون لتلك المنقولات قيمة إذ يمكن بيعها فى المزاد لحساب الخزانة، فإنه لا يشترط فى الشيء المتروك أن يكون معدوم القيمة، بل يجوز فى القانون أن يعد الشيء متروكا، فلا يعتبر من يستولي عليه سارقا ولو كانت له قيمة تذكرمما يعيب الحكم بما يوجب نقضه والإعادة فى خصوص جريمة الشروع فى السرقة وكذا جريمة البلاغ الكاذب المرتبطة بها.

(الطعن رقم 22316 لسنة 65 جلسة 2000/03/26 س 51 ص 341 ق 62)

19- القصد الجنائي فى جريمة السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت إرتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية إمتلاكه . و أنه و إن كان تحدث الحكم إستقلالاً عن نية السرقة ليس شرطاً لصحة الحكم بالإدانة فى جريمة السرقة ، إلا أنه إذا كانت هذه النية محل شك فى الواقعة المطروحة فإنه يتعين على المحكمة أن تبين هذه النية صراحة فى حكمها و أن تورد الدليل على توافرها . فإذا كان الحكم المطعون فيه قد عول فى إدانة الطاعن بجريمة السرقة على حيازته للسيارة المسروقة ، و كان الدفاع عن الطاعن قد نازع فى قيام نية السرقة و أوضح أن الطاعن إستعار هذه السيارة من صديقه المتهم الثانى فإنه كان يقتضى من المحكمة فى هذه الصورة التى تختلط فيها نية السرقة بغيرها - أن تعنى بإستجلاء هذه النية بإيراد الدليل عليها كما هى معرفة به فى القانون ، أما و هى لم تفعل ، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور فى البيان ، و لا يغير من الأمر ما أضافه الحكم المطعون فيه من قرائن على نفى حسن نية الطاعن فى حيازة السيارة طالما أن المحكمة لم تعن بالتدليل على قيام القصد الجنائي للسرقة . و من ثم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه .

(الطعن رقم 1714 لسنة 33 جلسة 1964/06/23 س 15 ع 2 ص 506 ق 101)

20- التحدث عن نية السرقة شرط لازم لصحة الحكم بالإدانة فى جريمة السرقة متى كانت هذه النية محل شك فى الواقعة المطروحة، أو كان المتهم يجادل فى قيامها لديه، وإذ كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم أنه خلص فى بيان كاف إلى توافر أركان جريمة السرقة، وتوافر الدليل عليها فى حق الطاعن من اعترافه بالتحقيقات وإرشاده عن المسروقات ومن تحريات الشرطة فلا يعيبه عدم تحدثه صراحة عن نية السرقة والتي لم تكن محل شك فى الواقعة ولم يجادل الطاعن بشأنها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن قصور الحكم فى بيان نية السرقة لا يكون له محل.

(الطعن رقم 7981 لسنة 70 جلسة 2001/02/08 س 52 ع 1 ص 243 ق 39)

21- لا يؤثر فى سلامة استدلال الحكم عدم بيان وصف المسروقات وقيمتها أو الإحالة فى شأن ذلك إلى الأوراق - على فرض حصوله - ما دام أن الطاعن لا يدعي حدوث خلاف بشأنها، وكان الثابت بالحكم أن الطاعن لم يدع ملكيته للمضبوطات، وكان يكفي للعقاب فى جريمة السرقة ثبوت أن المسروقات ليست مملوكة للمتهم، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن قصور الحكم فى بيان وصف المسروقات وقيمتها يكون لا محل له.

(الطعن رقم 7981 لسنة 70 جلسة 2001/02/08 س 52 ع 1 ص 243 ق 39)

شرح خبراء القانون

جريمة السرقة:

الشرط المفترض: مال مملوك للغير :

تمهيد : يشترط في محل الاختلاس - وهو الشيء موضوع السرقة - أن يكون مالاً منقولاً مملوكاً للغير ويجب أن يكون لهذا المال كيان مادي يصلح أن يكون محلاً للحيازة والتملك ويمكن تصور اختلاسه ومن ذلك يتضح أنه لابد من توافر ثلاثة عناصر  في هذا الشأن هي:

1- أن يكون الشيء مالاً مادياً.

2- أن يكون منقولاً.

3- أن يكون مملوكاً للغير.

ويثير كل من هذه العناصر بعض المشكلات التي يتعين حسمها لتحديد مدى وقوع جريمة السرقة.

أن يكون الشيء مالاً مادياً:

يشترط في الشيء موضوع السرقة أن يكون مالاً مادياً أي له كيان مادي ملموس حتى يمكن نقله وتصور الاستيلاء عليه بطريق الاختلاس وبالتالي فيستبعد من مجال السرقة الأفكار والاختراعات ما لم تكن مدونة على أوراق معينة أي مثبتة  في كيان مادي مثل الكتب والمجلات وكافة المصنفات المكتوبة والدعامات الإلكترونية كل هذا دون إخلال بالمعاقبة على الاعتداء على الأموال المعلوماتية کالأفكار والاختراعات وسائر المصنفات الفكرية بغض النظر عن كياناتها المادية تحت وصف قانوني خاص.

ولا بد من أن يكون هذا الشيء قابلاً للتملك حتى يكون محلاً للسرقة وفي ذلك نصت المادة 81 من القانون المدني على أن كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق ومن ثم تخرج من نطاق الأموال الأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها وهي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها كالهواء أو مياه البحار أو الأنهار أو أشعة الشمس كل ذلك بطبيعة الحال ما لم يمكن تعبئتها ووضعها في كيان مادي ففي هذه الحالة يمكن الاستئثار بحيازتها وتعد من الأموال كما تخرج من نطاق الأموال الأشياء التي تخرج عن التعامل بحكم القانون مثل أعضاء جسم الإنسان ولهذا فإن التعامل في أعضاء جسم الإنسان يقع تحت طائلة التجريم بوصفه جريمة قائمة بذاتها.

ولا يؤثر في قيام السرقة عدم العثور على المال المسروق ما دامت المحكمة قد استخلصت وقوع السرقة.

قيمة المال:

لا عبرة بقيمة المال فالمنقول الذي تتحقق باختلاسه جريمة السرقة هو كل ما له قيمة مالية فهو يصلح دائماً محلاً للسرقة مهما قلت قيمته ولا عبرة بما إذا كانت السرقة لا تسبب ضرراً جدياً للمجني عليه كما أن الأشياء ذات القيمة الاعتبارية كالتذكارات والخطابات الشخصية والمستندات تصلح محلاً للسرقة فإذا لم يكن للشيء قيمة على هذا النحو لا يصلح محلاً للاختلاس ولو وجد في صورة مادية وهنا يجب أن يلاحظ بصدد سرقة المحررات أن هناك فارقاً بين التزوير والسرقة بينما يشترط في الشيء موضوع التزوير أن يكون محرراً صالحاً للإثبات وأن يرتب عليه القانون أثراً فإن هذا الشرط لا وجود له في جريمة السرقة بالنسبة إلى اختلاس مسودات لبعض المحررات قابلة للتعديل أو التغيير وذلك رغم أن هذه الأشياء ليست لها قيمة تجارية أو مادية كما أنه إذا لم يكن للشيء قيمة أدبية فلا يصلح محلاً للسرقة على أن الخطابات الشخصية والصور العائلية تصلح تكون محلاً للسرقة لما لها من قيمة أدبية.

ولا يشترط في الشيء أن تكون حيازته مشروعة فالسرقة تقع على الأسلحة غير المرخصة والمخدرات والمواد المغشوشة.

حول حيازة المال : 

أن معيار تحديد ما إذا كان الشيء قابلاً للسرقة و مدى إمكان الغير أن يسيطر على هذا الشيء أي يدخله في حوزته .

سرقة الكهرباء:

ثار جدل حول حكم سرقة الكهرباء نظرا لكونها في ذاتها أمراً غير محسوس ولكن سرعان ما حسم القضاء هذا الجدل على ضوء معيار الكيان المادي للمال فما دام للكهرباء كيان مادي يبدو في الأسلاك التي تمر بها فإنه يتصور انتزاع حيازتها عن طريق هذه الأسلاك أي سرقتها.

والفرض بطبيعة الحالة هو الاستيلاء على الكهرباء بغير رضاء مالكها والمالك بحسب الأصل هو الشركة القابضة لكهرباء مصر التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة وهي تنقل الكهرباء إلى مستأجري العدادات ويتصور سرقة الكهرباء من الشركة عن طريق إجراء توصيلة بالأسلاك الحاملة للتيار الكهربائي دون موافقتها وقبل مرور التیار على العداد فلا يثبت كمية الكهرباء المستهلكة وقد تقع السرقة من أحد السكان سواء بمد أسلاك السحب التيار الكهربائي قبل مروره على العداد أو بسرقته من شقة جار له وقد قضت محكمة النقض أن التيار الكهربائي يعد منقولاً بحسب أن المنقول هو كل شيء ذي قيمة مالية يمكن تملكه وحيازته ونقله وهود يتوافر في الكهرباء.

ولكن ما الحل إذا لم توضع التوصيلة قبل العداد بل احتسب العداد الكمية المستهلكة ثم عبث المستهلك به فسجل كمية أقل.

لا يمكن القول في هذه الحالة بحصول اختلاس لأنه قد حصل على الكهرباء عن طريق العداد وموافقة المالك وشأن هذا العداد هو شأن مندوب الشركة إذا ما سجل الكمية المستهلكة يكون قد سلمها إلى المستهلك تسليماً ناقلاً للحيازة أي مانعاً من حصول الاختلاس أما ما أتاه المستهلك من التلاعب بالعداد والتمكن بذلك من الإحتيال على شركة الكهرباء لدفع مبلغ أقل مما يستحق فهو مما يكون جريمة النصب.

سرقة الخط التليفوني :

قضت محكمة النقض أن الخط التليفوني يعد مالاً منقولاً مملوكاً للغير قابلاً لأن يكون محلاً للسرقة وذلك بحسب أن العبرة هي بكل ما له قيمة ويمكن تملكه وحيازته ونقله بصرف النظر عن ضآلة قيمته مادام أنه ليس مجرداً من كل قيمة كما أنه لا يقتصر وصف المال المنقول على ما كان جسماً متميزاً قابلاً للوزن طبقاً للنظريات الطبيعة بل يتناول كل شيء قابل للتملك والحيازة والنقل من مكان لآخر.

وواقع الأمر أنه لا يقصد بالخط التليفوني تلك الأسلاك الممتدة بين جهاز التليفون وسنترال الخدمة فذلك ولا شك منقول وفقاً لأحكام القانون المدني وإنما المقصود الذبذبات والموجات التي تتدفق عبر تلك الأسلاك وقد قضت محكمة النقض أن تلك الموجات والذبذبات التي تتحرك وتتدفق عبر أسلاك التليفون حاملة الرسالة الصوتية أو الرسالة المرئية تعد منقولاً.

ووفقاً لذات الأسانيد فإن الاستيلاء على الرصيد في التليفون المحمول سواء عن طريق شبكة الإنترنت أو بمعرفة رقم كارت الشحن الخاص بالمجني عليه يجعله صالحاً لأن يكون محلاً للسرقة.

سرقة المعلومات من الحاسب الآلي :

ينظر إلى الحاسب الآلي (الكمبيوتر ) بوصفه جهازاً لخدمة الناس مخصص لمعالجة و المعلومات في جميع الأنشطة ولكن أمكن استخدامه أداة لارتكاب الجريمة.

جاء قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2014 فنص في المادة 23 (د) على معاقبة من «توصل بأية وسيلة إلى الحصول بغير حق على توقيع أو وسيط أو محرر إلكتروني أو اخترق هذا الوسيط أو اعترضه أو عطله عن أداء وظيفته».

ومع ذلك، فمازال بعيداً جعل الاستيلاء على المعلومات في ذاتها دون سبق الاستيلاء على الدعامة التي تحملها سرقة بالمعنى الدقيق اعتماداً على أن المعلومات في ذاتها ليست منقولاً مادياً كل ذلك دون إخلال بالمعاقبة على ذلك تحت وصف آخر يشكل جريمة أخرى إذا توافرت الشروط القانونية لانطباق هذا الوصف فإذا كانت هذه المعلومات تعد ملكية فكرية يحميها القانون كان الاستيلاء عليها اعتداء على هذه الملكية وفقاً لما ينص عليه قانون الملكية الفكرية فإذ تضمنت أسراراً تتعلق بالحياة الخاصة كان اعتداء على هذه الحياة في الحدود التي يعاقب عليها القانون أو مساساً بأسرار الدفاع طبقاً للمادة 80 عقوبات وم بعدها إذا توافر الشروط التي يتطلبها القانون.

وفي رأينا أن المشكلة لا تكمن في مدى كون المعلومات التي يعالجها الحاسب الآلي منقولا يمكن سرقته، وإنما في عدم توافر معنى السرقة بالمعنى الدقيق فيمن يستولي على هذه المعلومات فمهما بلغت دقة التقنيات المستخدمة ممن يستولى على المعلومات بعيداً عن الاستيلاء على الدعامات التي تحملها فإنه لا يترتب على هذا الاستيلاء سوی ازدواج هذه المعلومات فهي موجودة أصلاً على دعامتها الأصلية وهي موجودة أيضاً في الدعامة الجديدة بعد الاستيلاء عليها بالطرق الفنية وليس هذا هو الشأن في السرقة لأن ركنها المادي وهو الاختلاس يتطلب الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء المسروق دون رضاء صاحبه، فلا يصبح المالك حائزاً لهذا الشيء بعد سرقته وليس هذا هو الشأن بعد الإستيلاء على المعلومات مجردة عن دعامتها التي تحملها لأنها تظل باقية على هذه الدعامة.

والواقع أنه رغم ما للتكنولوجيا من فضل كبير في التقدم والمعرفة فإن سوء استخدامها له ثمن فادح يمس المصالح ويضر بها فلابد من أن يواكب التقدم العلمي والتكنولوجي تكيف القواعد القانونية القائمة أو وضع الجديد منها حتى لا يكون بمعزل عن تطور قانوني يواكبه ويكفل حماية المصالح المهددة ويضع الحلول للمشكلات التي تطرأ بسبب هذا التقدم والعقاب على سوء استخدام هذه التكنولوجيا يكون الأفعال أخرى تحمل وصفاً قانونياً آخر لا يختلط بالوصف القانوني الصحيح للسرقة.

أن يكون الشيء منقولاً :

فالعبرة إذن هي بقابلية الشيء المسروق للنقل وتطبيقاً لذلك تقرر ما يأتي:

1- لا يقع الإختلاس على العقارات بطبيعتها ولو استولى على حيازتها:

على أنه إذا أمكن نقل أجزاء من هذا العقار فإنه يمكن اختلاس هذه الأجزاء لأنها متى انفصلت عنه أصبحت منقولاً مثال ذلك أبواب المنازل ونوافذه والأحجار من المناجم والمحاجر والمحصول الذي تنتجه الأرض والأشجار بعد قلعها.

ومتى ثبت أن الشيء الذي يرغب الجاني في سرقته وإن كان جزءاً من عقار لكنه قابل للنقل فإنه لا يحول دون تصوره محلاً للإختلاس أن يضبط قبل انتزاعه من مكانه وفي هذه الحالة تعد الجريمة في حالة شروع مثال ذلك من يضبط في أثناء انتزاع شبابيك نافذة من مكانها.

2- يتصور وقوع الاختلاس على العقارات بالتخصيص :

إذ هي في الأصل منقول وقد خضعت للنظام العقاري بمقتضى حيلة قانونية بتخصيصها لخدمة عقار بطبيعته مثال ذلك أدوات الزراعة وآلات المصانع ويجوز سرقتها بطبيعة الحال مادامت قابلة للنقل هذا فضلاً عن أن فصلها عن العقار بفعل من الجاني يزيل عنها صفة التخصيص فتعود منقولاً وقد قضت محكمة النقض أن جريمة السرقة تقع باختلاس الأبواب والنوافذ وأخشاب السقف.

3- لا يتصور وقوع الاختلاس على الحقوق الشخصية وإنما يقع على المحررات التي تثبت هذه الحقوق بوصفها الكيان المادي الذي يعبر عن الحقوق.

وبناء عليه فإذا كان (أ) مديناً ل(ب) فذهب إليه (ج) وادعى أنه موکل من قبل (ب) لأخذ دينه فصدقه (أ) وأوفى له هذا الدين فهنا لا يمكن القول بأن حق (ب) الشخصي كان محلاً للاختلاس وإنما تتوافر جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة ويكون محلها هو مبلغ النقود المسلمة إلى (ج) وفاء للدين.

أن يكون الشيء مملوكاً للغير:

يجب أن يكون الشيء موضوع الاختلاس مملوكاً لغير الجاني ولا أهمية لتحديد شخص المجني عليه في السرقة للقول بوقوعها إذ إن إثبات ملكية الغير هو أفضل وسيلة لإثبات أن الشيء لا يملكه الجاني ومع ذلك فمن المحتمل ألا يعرف المالك الحقيقي للشيء مع الجزم في الوقت نفسه بعدم ملكية الجاني له والجانب المهم للمشكلة ليس في معرفة المالك وإنما في معرفة أن الجاني ليس هو المالك.

وعلى ذلك فلا يعيب الحكم أن يغفل تحديد من هو مالك الشيء المسروق ما دام قد أثبت أنه غير مملوك للجاني كما لا يؤثر في قيام السرقة عدم الاهتداء إلى شخص المالك للمسروقات.

الأموال المتروكة:

يراد بها تلك الأموال التي تخلى عنها مالكها بإرادته وقد عرفت المادة 871/ 1 من القانون المدني المال المتروك بأنه هو الذي يتخلى عنه مالکه بقصد النزول عن ملكيته ومن أمثلتها فضلات الطعام والأوعية الفارغة والملابس القديمة وأعقاب السجائر والمناط في تحديد الأموال المتروكة هو نية مالكها والفرض أن المالك لا يتخلى عن ملكيته إلا إذا لم تكن للأشياء قيمة لديه ومن ثم فإذا كانت للأشياء قيمة ما فإنه يفترض أن المالك لم يقصد التخلي عن ملكيتها وأنها على الأقل قد فقدت منه ما لم يثبت العكس بطبيعة الحال والأمر يدخل في سلطة محكمة الموضوع لكي تبحث في ضوء وقائع الدعوى ما إذا كان الشيء متروكاً أو مفقوداً.

الأموال المفقودة :

يراد بها تلك الأموال التي تضيع من يد مالكها لكنه لم يتخل عن ملكيتها بل له قانوناً أن يستردها ممن عثر عليها أو اشتراها ولو كان حسن النية ما لم يسقط حقه في الملكية بمضي المدة (المادة 977 مدني). هذا مع ملاحظة أن قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية لا تطبق على الأموال المفقودة المملوكة لغير الجاني ومن ثم فالاستيلاء عليها بنية التملك يعد سرقة.

والذي يثير الدقة في هذا البحث لا يتعلق بمحل السرقة فهو شيء مملوك لغير الجاني بلا جدال وإنما هو تحديد متى تقع السرقة والحال لا تخرج عن الفروض الآتية :

في الفرض الأول لا تقع جريمة السرقة فلا يستعاض بالتأخير عن رکن الاختلاس وكل ما ينسب إلى المتهم في هذه الحالة هو المخالفة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 321 مكرراً عقوبات.

وفي الفرض الثاني، فإن مقطع النزاع هو تحديد أثر التقاط المتهم للشيء المفقود بنية رده إلى صاحبه هل يرتب له حيازة ناقصة على الشيء أم أن يده عليه مجرد يد عارضة الواضح من الاطلاع على الفقرة الأولى من المادة 321 مكرراً عقوبات أنه قد فرض على من يعثر على الشيء المفقود أن يرده متى تيسر ذلك ثم رخص له استثناء أن يحتفظ به المدة المقررة للتسليم ووجوب رد الشيء متى تيسر ذلك يعني أن القانون لم يرد إعطاء من يجد الشيء المفقود أي حق على هذا الشيء وبناء على ذلك فإن القانون لم يخول من عثر على الشيء المفقود حق في حيازته وإنما مكنه فحسب من اليد العارضة على هذا الشيء حتى يحقق التزامه بالرد وبناءً على هذا التكييف القانوني لصفة واضع اليد على الشيء المفقود فإن تغيير نيته بعد العثور عليه إلى نية التملك تكشف عن استيلائه على الحيازة بنية التملك (وهو الاختلاس) وعلى ذلك قضت محكمة النقض أنه لا يشترط في جريمة تملك الشيء الضائع أن تكون نية التملك قد وجدت عند المتهم حال عثوره على الشيء وإنما يصح أن تنشأ بعد ذلك فتتوافر بها أركان الجريمة.

وخلافاً لذلك ذهب رأي آخر إلى عدم وقوع السرقة في هذا الفرض بناء على أن الجاني وقت أن استولى على الشيء بدأت حيازته مشروعة وعيب هذا الرأي أنه يتصور أن العثور على الشيء المفقود يخول الجاني حيازة قانونية على الشيء مع أنه كما بينا لا يعطيه أكثر من اليد العارضة فإذا أراد الاستيلاء عليه بعد ذلك يعد مختلساً.

وبالنسبة للفرض الثالث، حيث يعثر المتهم على الشيء المفقود عليه فيلتقطه بنية التملك فإنه يعد سارقاً بلا شبهة.

الأموال المملوكة للمتهم والتي تقع في حيازة الغير:

قد ينقل المالك حيازة أمواله إلى الغير مع احتفاظه بملكيتها وهذا هو ما عبر جارسون بالحيازة الناقصة كما في عقود الوديعة والإجارة والوكالة والرهن ففي هذه الأحوال وغيرها يحوز المودع لديه أو المستأجر أو الوكيل أو المرهون لديه المال الحساب ابنائك فماذا يكون الحل لو استرد المالك ماله عنوة أي دون رضاء الحائز له لا شبهة في أن السرقة لا تقوم بناء على أن الاختلاس لا يقوم بجرد انتزاع الإحراز المادي للشيء من مكمنه وإنما هو الاستيلاء عليه بنية التملك بينما الملكية ثابتة أصلاً للمالك ومن ثم فإن محل الاختلاس ليس مالاً مملوكاً لغير الجاني وبالتالي فلا سرقة في الموضوع ولا يحول دون الوصول إلى هذه النتيجة أن تكون هناك منازعة حول الملكية بين المتهم والحائز وقت الاستيلاء على الشيء إذ العبرة بما ينتهي إليه البحث في هذا النزاع في تحديد من المالك الحقيقي للشيء فإذا كان المالك هو المتهم فلا تقوم السرقة ولو كان الشيء محلاً للنزاع وقت الاستيلاء عليه.

ولا يغني عن اشتراطات ثبوت الملكية ما يتمتع به الشخص من حقوق شخصية قبل حائز الشيء مثال ذلك الدائن الذي يختلس مال مدينه وفاء لدينه والمؤجر الذي يختلس بعض أمتعة المستأجر وفاء للأجرة المتأخرة.

على أن عدم تحريم استرداد المالك لملكه الذي يقع في حيازة الغير مشروط بطبيعة الحال بألا ينطوي هذا الاسترداد على جريمة أخرى يعاقب عليها القانون تحت وصف آخر فإذا اضطر المالك مثلاً إلى استعمال العنف عند استرداد ماله فإنه يسأل عن العنف سواء في صورة جريمة إتلاف الأشياء غير المملوكة له أو الضرب العمد الذي يكون قد صدر منه.

أفعال اعتبرت في حكم السرقة ولو وقعت من المالك :

عاقب المشرع على بعض الأفعال التي ترد على المال ولو كان مملوكا للفاعل، فإذا كان المال محجوزاً عليه فلا يجوز لمالكه الحقيقي استرداده وإلا عوقب وفقاً للمادة 323 عقوبات بشأن اختلاس الأشياء المحجوز عليها وعد ذلك في حكم السرقة مع مراعاة أن معنى الاختلاس وفقاً لهذه المادة هو كل فعل يراد به عرقلة التنفيذ على هذه الأشياء لا معناه المعروف في السرقة وكذلك اختلاس الأشياء المرهونة ضماناً لدين عليه أو على آخر (المادة 323 مكرراً عقوبات).

ويعاقب المالك الذي يختلس الأشياء المحجوز عليها أو يستعملها أو يبدلها إذا كان حارساً عليها (المادة 342 عقوبات) كما نصت المادة 343 عقوبات على أن كل من قدم أو سلم للمحكمة في أثناء تحقيق قضية ما سنداً أو ورقة ثم سرق ذلك بأي طريقة كانت يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر .

الأموال المملوكة على الشيوع :

من المسائل التي تثير الدقة حكم المالك على الشيوع الذي يختلس جزءاً من هذا المال ولا شبهة إذا كان الجزء المختلس يزيد على نصيبه في ملكية الشيء وإنما الشبهة تكون إذا اختلس قدراً في حدود هذا النصيب على أنه حتى في هذه الحالة يعد المالك سارقاً وذلك لأن الملكية على الشيوع تقتضي اعتبار كل شريك مالكاً في كل ذرة من ذرات المال ومن ثم فإن الجزء الذي اختلسه أحد الملاك ليس ملكاً خالصاً له بل هو أيضاً مملوك لغيره من الشركاء.

ولكن هل يتغير الحل إذا ما قسم المال بعد السرقة وترتب على ذلك أن أصبح في نصيب السارق الجزء الذي اختلسه من قبل.

من المقرر في القانون المدني (المادة 843) أن قسمة المال الشائع لها أثر رجعي أي تفترض في الشريك أنه كان مالكاً لنصيبه المفرز بعد القسمة منذ بدء حالة الشيوع فهل يجوز للسارق في هذه الحالة أن يدفع تهمة السرقة بأنه أصبح مالكاً للمال المختلس بناء على حصول القسمة وأن هذا المال قد دخل ملكيته بأثر رجعي مما يترتب عليه أنه كان وقت السرقة مالكا لهذا الشيء تتوقف الإجابة عن هذا السؤال على تحديد ذاتية قانون العقوبات وعلاقته بالقوانين الأخرى فإذا كان هذا القانون يحمي بالجزاء الجنائي المصالح والعلاقات القانونية التي تنظمها القوانين الأخرى فإنه لا يفعل ذلك بوصفه قانوناً تبعياً يتحدد مجاله وفقاً لما ترسمه هذه القوانين بل إن مهمة قانون العقوبات أخطر من ذلك بكثير فهو القانون الذي يحمي المجتمع من جميع الأعمال التي تمثل خطورة على القيم والمصالح الاجتماعية المهمة والتي يدخل في نطاقها ما تنظمه القوانين الأخرى كالقانون المدني والقانون التجاري .

لقد عرف النظام القانوني الجزاءات المدنية والتجارية والإدارية ولا يمكن مطلقا تشبيه الجزاءات الجنائية بها لأن هذا النوع الأخير قد شرع لتحقيق هدف آخر هو المصلحة الاجتماعية ويقتضي ذلك أن يعتد قانون العقوبات بالواقع والظاهر من الأمور والذي يكون من شأنه تحديد المصالح الاجتماعية وذلك بغض النظر عن الآثار الاعتبارية للقوانين الأخرى والتي نص عليها للحيلولة دون فرض جزاءات غير جنائية فحسب وعلى ضوء ما تقدم نقول إنه لا دخل للأثر الرجعي للقسمة في وقوع السرقة من الشريك مادام المال المسروق كان في واقع الأمر غير مملوك له وقت السرقة.

ومع ذلك فإذا كان الشريك على المشاع مكلفاً بإدارة المال ثم استولى على جزء منه دون موافقة بقية الشركاء كمن يملك على الشيوع جزءاً من أرض زراعية واستولى لنفسه على جزء من محصول هذه الأرض ففي هذه الحالة يمكن اتهامه بخيانة الأمانة بوصفه وكيلاً عن بقية الشركاء في الإدارة.

الاختلاس :

يقوم فعل الاختلاس على عنصرين أحدهما موضوعي والآخر شخصي ويتمثل العنصر الموضوعي فيما يصدر عن الجاني من سلوك إجرامي يؤدي إلى النتيجة أما العنصر المعنوي فإنه يشترك في قيامه كل من الجاني والمجني عليه فبالنسبة إلى الجاني يجب أن تصدر عنه نية التملك أما المجني عليه فيجب أن يصدر عنه عدم الرضاء عن استيلاء الجاني على ماله.

العنصر الموضوعي

تجديده

يقصد بفعل الاختلاس کل نشاط مادي يهدف إلى نقل الشيء المسروق من الذمة المالية للمجني عليه إلى ذمة السارق فالهدف الذي يسعى إليه هو إنشاء علاقة ملكية بينه وبين الشيء المسروق إذا فالاختلاس هو المصدر غير المشروع لسيطرة الجاني على الشيء المسروق والظهور عليه بمظهر المالك.

أن الحيازة تنقسم إلى عنصرين:

عنصر مادي وعنصر معنوي وهي بالنظر إلى هذين العنصرين تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

1- الحيازة التامة أو الكاملة: يقصد بها السيطرة الفعلية على الشيء ومباشرة سلطات المالك عليه مع نية الاستئثار به کمالك وفي هذه الحالة يبدو العنصر المادي للحيازة في مجموعة الأفعال التي يباشرها مالك الشيء عليه كحبسه واستعماله والتصرف فيه إلى غير ذلك من الأفعال التي يخولها حق الملكية ويبدو العنصر المعنوي في نية الاحتفاظ بالشيء والظهور عليه بمظهر المالك.

2- الحيازة المؤقتة أو الناقصة : وهي التي يباشر فيها الحائز بعض سلطات الشيء بناءً على تعاقده مع المالك كما في عقد الإيجار أو الوديعة أو الرهن ففي هذه الحيازة يبدو العنصر المادي للحيازة في مجموعة الأفعال التي يباشرها حائز الشيء عليه بمقتضى العقد كحبسه أو استعماله ولكن يبدو العنصر المعنوي في حيازة هذا الشيء لحساب المالك وفقاً للرابطة التعاقدية.

3- الحيازة المادية أو العارضة: وتتوافر بوجود الشيء بين يدي الشخص دون أن يتوافر له حق يباشره على الشيء لا بوصفه مالكاً ولا بوصفه صاحب حق عيني أو شخصي على الشيء وكل ما في الأمر هو وضع الشيء مادياً بين يدي الشخص بصفة عارضة وفي هذه الحالة لا تتوافر في عنصرها المادي ولا المعنوي ومادام هذا النوع من الحيازة لا يخول لصاحبه على الشيء أي حق من الحقوق فإنه لا يحول دون وقوع الاختلاس فإذا اتجهت نية الحائز إلى تملك هذا الشيء واقترف فعلاً من شأنه أن يكشف هذه النية وقعت جريمة السرقة وبعبارة أخرى فإن صاحب الحيازة العارضة يقع منه الاختلاس إذا أتى فعلاً استولى به على الحيازة الكاملة للشيء أي بعنصريها المادي والمعنوي السابق إيضاحها.

أما في حالة الحيازة المؤقتة أو الناقصة فإنه مادام الشيء قد سلم إلى الشخص ليباشر عليه حقوقاً قررها له أحد العقود وفقاً للقانون فإنه لا يتصور منه وقوع السرقة إذا قصد تملك الشيء بل تقع في هذه الحالة جريمة أخرى هي خيانة الأمانة إذا كان هذا العقد من عقود الأمانة المذكورة على سبيل الحصر.

على أنه من الأفضل بدلاً من القول بالحيازة المادية أو العارضة استعمال تعبير آخر هو اليد العارضة ولذا نقيم تمييزاً بين كل من حيازة الشيء وتتضمن الحيازة الكاملة و الحيازة الناقصة واليد العارضة عليه (في صورة ما سمي بالحيازة العارضة) ففي الحالة الأولى لا تقع السرقة بينما تقع في الحالة الثانية وحدها.

ونود التنبيه إلى أنه لا يشترط لتوافر الحيازة الناقصة أن يكون مصدرها هو أحد الحقوق الشخصية كما في عقد الإيجار بل يستوي أن يكون أحد الحقوق العينية عدا حق الملكية مثل حق الرهن الحيازي.

يقع الاختلاس بتوافر عنصرين، هما النشاط الإجرامي والنتيجة.

قلنا إن الاختلاس وفقاً للرأي الراجح هو الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء بعنصريها المادي والمعنوي دون رضاء مالكه وفيما يأتي نعرض لحالتين يتصور فيهما وقوع الاختلاس.

أولاً، انتزاع الشيء أو نقله من مكمنه :

هذا هو الفرض السهل الذي يجمع الفقه والقضاء على أنه مثال للاختلاس فمتى ثبت أن الشيء كان في حوزة الغير فإن أخذه منه دون رضاء بأي وسيلة يعد اختلاساً ولا يحول دون ذلك أن يكون الشيء قد دخل حوزة الغير برهة قصيرة مثال ذلك المشتري الذي ينقد البائع ثمن المبيع بعد أن يتسلمه ثم يغافلة وينتزع منه النقود التي دفعها ففي هذه الحالة يتوافر الاختلاس لأن النقود قد أصبحت في حيازة البائع وقت الاستيلاء عليها ومن ناحية أخرى فإذا حرر البائع إيصالاً بثمن المبيع للمشتري ووضعه أمامه وتحت تصرفه حتى إذا ما قبض الثمن استرد الإيصال ورفض إعطاءه للمشتري وفي هذه الحالة يقع الاختلاس من جانب البائع لأنه وقد تخلى عن حيازة الإيصال للمشتري ولو لبرهة قصيرة فإن استيلاءه عليه بعد ذلك يعد اختلاساً كما أنه إذا دفع المشتري ثمن البضاعة واستلم إيصال الدفع ثم انتزع البائع منه البضاعة المشتراة فيكون مختلساً للبضاعة نفسها التي أصبحت في حيازة المشتري ومملوكة له.

ثانياً : الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء المسلم على سبيل اليد العارضة إلى الجاني:

الفرض في هذه الحالة أن يكون الشيء قد سلم إلى الجاني تسليماً لم ينقل حيازة الشيء (في صورة الحيازة الكاملة أو الناقصة) وإنما بمجرد اليد العارضة عليه والفرض كذلك أن الاختلاس لا يحتاج إلى أن يبدو من الجاني على الشيء أي حركة مادية ينقله بها إليه إذ هو تحت يده العارضة أي تحت سيطرته الفعلية.

ولما كان تسليم الشيء هو الأداة اللازمة سواء لنقل حيازة الشيء إلى المسلم إليه أو لتمكينه من وضع يده العارضة عليه فإنه يتعين عند حدوث التسليم أن نحلل سببه حتى نرتب عليه أثره الناقل هل هو حيازة الشيء أم مجرد اليد العارضة عليه ويجب على محكمة الموضوع عند الدفع بأن الشيء المختلس قد سبق تسليمه إلى الجاني أن تفحص بعناية سبب هذا التسليم وهو أمر لا يخلو من صعوبة في بعض الأحوال لما تقتضيه من بحث في نية المسلم إليه عندما لا يكون هناك مظهر خارجي يكشف حقيقتها وماذا يكون الحل لو تبينت المحكمة أن نية المسلم لم تتفق مع نية المسلم إليه وقت التسليم وما النية التي يجب أن يعول عليها تتوقف الإجابة عن كل هذه الأسئلة على تحديد شروط التسليم الذي ينفي الاختلاس وهو الذي ينقل إلى المسلم إليه حيازة الشيء.

شروط التسليم النافي للاختلاس:

۱- أن يكون التسليم إرادياً :

يشترط في التسليم الذي ينتفي به ركن الاختلاس في السرقة أن يكون برضاء حقيقي يقصد به التخلي عن الحيازة الكاملة فلا يتوافر التسليم إذا تم بناء على إكراه أو شديد وكذلك الأمر إذا صدر التسليم عن إرادة لا يعتد بها القانون كما إذا صدر من مجنون أو صغير غير مميز أو سكران.

2- أن يكون التسليم صادراً من مالكه أو حائزه قانوناً:

من المقرر قانوناً أن فاقد الشيء لا يعطيه وبالتالي فلا يتصور أن ينقل حيازة الشيء سوى من يملك هذه السلطة القانونية عليه سواء بوصفه مالكاً أو حائزاً للشيء حيازة ناقصة أما صاحب اليد العارضة على الشيء فلا يملك حيازة هذا الشيء قانوناً فإذا تصورنا شخصاً دخل أحد المحلات للتفرج على المعروض بداخله ثم سلمه البائع بعض الأشياء لمعاينتها فسلمها إلى آخر لكي يفر بها في هذا المثال لم ينقل البائع حيازة الشيء إلى من سلمه إليه وإنما نقل إليه مجرد اليد العارضة ومن ثم فاستيلاؤه على الشيء وتسليمه إلى من فر به يعد اختلاساً منهما معاً.

3- أن يكون التسليم بفرض نقل حيازة الشيء وليس على سبيل اليد العارضة يفترض الاختلاس أن يكون الشيء المسلم إلى الشخص لم يدخل في حيازته بطريق مشروع ومن ثم فإن التسليم النافي للاختلاس يجب أن يستهدف نقل هذه الحيازة إلى المسلم إليه بإعطائه إما حق الملكية (في الحيازة الكاملة) أو حق عيني أو حق شخصي (الحيازة الناقصة).

أما إذا كان التسليم لا يبغي سوى مجرد وضع الشيء مادياً في يد المسلم إليه دون تخويله مباشرة أي حق عليه فهو تسليم ناقل بمجرد اليد العارضة وليس ناقلاً للحيازة مثال ذلك تسليم المجني عليه حافظة نقوده إلى صديقه لعدم تمكنهم من فتحها لانشغاله بحمل أمتعة في كلتا يديه أو تقديم ورقة يانصيب إلى البائع للتحقق مما إذا كان رقمها من الأرقام الرابحة وقد استقر قضاء النقض على أن التسليم على سبيل اليد العارضة هو تسلیم مادي لا ينقل أي نوع من أنواع الحيازة ومن تطبيقات أن قضي أنه إذا تسلم المتهم السند ليعرضه على شخص ليقرأه في المجلس نفسه ويرده فى الحال لكنه على أثر تسلمه إياه أنكر في المجلس نفسه فإنه يعد سارقاً لأن التسليم الحاصل ليس له أي معنى من معاني التخلي عن السند وقضي أنه إذا أريد بتسليم الدفتر المدون فيه الحساب مجرد الاطلاع عليه فما أن تسلمه المتهم حتى هرب به فإن يعد سارقاً لأن المجني عليه لم ينقل حيازة الدفتر إلى المتهم وإنما سلمه إليه للاطلاع عليه تحت إشرافه ورقابته.

ويثير هذا الشرط بعض المسائل الدقيقة وهي سبب التسليم وسرقة الخدم والعمال والنازلين في منزل واحد.

أما عن سبب التسليم فقد يكون رابطة تعاقدية وذلك إما تنفيذاً لعقد أو تمهيداً لعقده فإذا كان التسليم تنفيذاً لعقد سواء كان ناقلاً للملكية أو ناقلاً للحيازة الناقصة (أو المؤقتة) فلا سرقة في الأمر حتى ولو اختلف المتعاقدان بعد ذلك.

أ. في حالة التسليم تمهيدا لإبرام عقد معين:

يسهم في تحديد غرض التسليم طبيعة العقد الموعود بانعقاده بالإضافة إلى العرف الجاري وإرادة الطرفين وفي تحديد ما إن كان العقد ينقل الحيازة أو مجرد اليد العارضة مثال ذلك مالك السيارة الذي يسلمها إلى آخر لتجريبها وفحصها تمهیداً لشرائها فهنا يمكن القول إن المتعاقدين لم يتفقا على نقل حيازة السيارة إلى من يريد شراءها فإذا استولى عليها كان سارقاً وعلى العكس من ذلك فإذا أراد شخص شراء بعض الحلوى فسمح له البائع بتذوق قطعة منها قبل الشراء فإن إرادة البائع في هذه الحالة قد انصرفت إلى نقل الحيازة الكاملة لهذه الحلوى التي قدمها إليه فإذا لم يوافق المشتري على شراء الحلوى بعد ذلك فإنه لا يعد سارقاً للقطعة التي تذوقها في هذين المثالين كان التسليم لتسهيل انعقاد عقد البيع ولكن اختلف أثره الناقل للحيازة في الحالة الثانية عنه في الحالة الأولى.

ب - في حالة السرقة من حرز مغلق:

الفرض في هذه الحالة أن الشيء موضوع الاختلاس كان مودعاً في حرز مغلق کالمخزن أو الدولاب أو الصندوق أو الحقيبة فإذا فرضنا أن المجني عليه سلم هذا الحرز المغلق إلى أحد الأشخاص مع علمه بمحتوياته تسليماً ناقلاً للحيازة فهل يتضمن هذا التسليم نقل حيازة المحتويات أيضاً وعدا استولى المسلم إليه الحرز على محتوياته هل يعد مرتكباً لجريمة السرقة.

العبرة كما قبلنا ببحث نية المسلم هل أراد تسليم الحرز مغلقاً دون محتوياته أم اتجهت نيته إلى تسليم المحتويات أيضاً وقد تكشف ظروف الواقعة عن هذه النية فإذا أخذ منه توقيعاً على كشف يتضمن محتويات هذا الحرز دل ذلك على أنه قد سلمة المحتويات أيضاً تسليماً ناقلاً للحيازة الكاملة أو الناقصة الأمر الذي يحول دون وقوع الاختلاس وإذا سلمه مفتاح المخزن أو الحقيبة دل ذلك على تسليم محتوياته على أنه في هذه الحالة لابد من معرفة الغرض من هذا التسليم، هل هو نقل الحيازة (كما في عقد البيع أو إيجار الشقة المفروشة) أم مجرد يد العارضة (لمعاينة الشقة المفروشة تمهيداً لاستئجارها).

ولكن ما الحل لو لم يسلم صاحب الحرز المغلق مفتاحه إلى المسلم إليه واستولى الأخير على بعض محتوياته ذهب البعض إلى المسلم قد انتقلت إليه الحيازة المؤقتة للمحتويات لا مجرد اليد العارضة إذ تفترض اليد العارضة أن مظاهر الحيازة مازالت باقية للحائز الأصلي أي أن الشيء باق تحت نظره أو تحت إشرافه يتصرف فيه إذا شاء وهذا ما لم يعد للمسلم بعد أن سلم الحرز المغلق بما فيه إلى المسلم إليه وذهب رأي آخر إلى أن الاحتفاظ بالمفتاح يدل على أن صاحب الحرز لم ينقل إلى المسلم إليه حيازة ما بداخله ومن ثم فإن الاستيلاء عليه يعد اختلاساً وأن الاستيلاء على الحرز كله يعد خيانة أمانة.

وقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الرأي الأخير إذ قالت بأن تسلیم المظروف مغلقاً أو الحقيبة مقفلة بموجب عقد من عقود الإئتمان لا يدل حتماً على أن المتسلم قد اؤتمن على ذات المظروف أو على ما بداخل الحقيبة بالذات لأن غلق الظرف وما يقتضيه من حظر فتحه على المتسلم أو إقفال الحقيبة مع الاحتفاظ بمفتاحها قد يستفاد منه أن صاحبها إذا حال مادياً بين المتسلم وما فيها ولم يشأ أن يأتمنه على ما بداخلها.

(۱) نقض 21 أكتوبر سنة 1940، مجموعة القواعد، جـ 5، رقم 129 ص 251.

وإذا فاختلاس المظروف بعد فض الظرف لهذا الغرض ثم إعادة غلقه يصبح المغلق برمته أي بمحتوياته مكوناً لجريمتي خيانة الأمانة والسرقة معاً والأولى بالنسبة للحرز المغلق والثانية بالنسبة للمحتويات ويلاحظ أنه لا صعوبة على الإطلاق إذا كان مسلم الحرز المغلق لا يعلم بمحتوياته ففي هذه الحالة لا تتوافر لديه إرادة تسليم هذه المحتويات.

ج -في حالة التسليم المعلق على شرط يكون نقل الحيازة إما حالاً أو معلقاً على شرط واقف ففي الحالة الأولى تنتقل حيازة الشيء إلى المسلم إليه فور التسليم أما في الحالة الثانية فإن الحيازة لا تنتقل إلى المسلم إليه الشيء إلا بعد تحقق هذا الشرط الموقف ويقتصر الأثر الفوري للتسليم على مجرد نقل اليد العارضة على الشيء فإذا تحقق الشرط الموقف تغيرت صفة واضع اليد وأصبحت له الحيازة القانونية على الشيء الأمر الذي يحول دون وقوع الاختلاس ويجد هذا المبدأ القانوني تطبيقاً له في حالتي البيع نقداً وعقد المصرافة.

تمثل النتيجة القانونية في الاختلاس في حرمان مالك الشيء من ملكيته ولو بصفة مؤقتة أما النتيجة المادية التي يتحقق بها الاختلاس فتتمثل في حرمان مالك الشيء من سيطرته الفعلية علية وعدم تمكينه من الظهور عليه مظهر المالك.

فالملكية حق قانوني فالمقصود من الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء لا يعني تملك الشيء فلا يمكن للسرقة أن تكون مصدراً من مصادر الملكية، وإنما يكفي أن يتمكن الجاني من تجريد صاحب الملكية من الشيء الذي يملكه وهو ما يتحقق بحرمانه من السيطرة عليه بنية تملكه.

وإن كانت السيطرة في ذاتها مظهراً مادياً للحيازة إلا أن تجريد صاحبها منها والظهور عليها بمظهر المالك هو العنصر المعنوي في الحيازة .

ومتى تحققت النتيجة المادية على هذا النحو وقع الاختلاس ويتحدد الوضع القانوني للجاني بعد ذلك في ضوء نيته فإذا توافرت لديه نية التملك كان سارقاً.

عدم رضاء المالك أو حائز الشيء :

والعبرة هي بعدم رضاء المجني عليه لا بعدم علمه فإذا توافر لديه العلم بالسرقة فإن ذلك لا يحول دون وقوع الاختلاس مادام قد ثبت أن المجني عليه لم يوافق على ذلك مثال ذلك أن يعلم المجني عليه بنية الجاني في السرقة فيتركه ينفذ مشروعه الإجرامي للإيقاع به وضبطه متلبساً وقد قضت محكمة النقض أن التسليم عن طريق التغافل لا ينتفي به ركن الاختلاس في السرقة لأنه لا يعد صادراً عن رضاء صحيح وإن كان حاصلاً بعلم المجني عليه لا بناء على رضاء منه وعدم الرضاء لا عدم العلم - هو المهم في جريمة السرقة.

(4) نقض 2 مارس سنة 1975، مجموعة الأحكام، س 26، ص 201 - 5 يناير سنة 1997 ، س 48 رقم 2 ص19.

تمام الاختلاس :

يتم الاستيلاء عندما يفقد المجني عليه السيطرة الكاملة على الشيء بعد أن يستولي عليه الجاني فلا يكفي لذلك مجرد حرمان المجني عليه من السيطرة على الشيء حتى يصير في قبضة الجاني وتحت سيطرته الفعلية.

ويختلف الأمر حسبما يتم الاختلاس فإذا انتزع الجاني الشيء مادياً من حوزة المجني عليه يتعين أن ينتقل الشيء إلى الجاني ويصبح تحت سيطرته الفعلية وكل هذا يقتضي أن يستتب الإحراز المادي للجاني على الشيء بصورة هادئة مطمئنة وهي مسألة موضوعية يقدرها قاضي الموضوع مستعيناً في ذلك بكافة الظروف والملابسات التي تبين وضع كل من الجاني والمجني عليه والسؤال الذي يطرحه القاضي لنفسه هو هل استتبت السيطرة الفعلية للجاني على الشيء بحيث أصبح رهن تصرفه أم لا فإن كان الإجابة بالإيجاب تم الاختلاس وقعت السرقة تامة تبعاً لذلك أما إذا كانت الإجابة بالنفي لم يتم الاختلاس وتعد السرقة في حالة شروع.

أ- إذا كان الجاني قد دخل المكان الذي به الشيء المسروق بطريق غير مشروع:

لا تتم السيطرة الفعلية للجاني على الشيء الذي وضع يده عليه إلا إذا خرج تماماً من مكانه لأنه لا يحكم سيطرته الفعلية في غير مكانه هو وفي غير مأمنه فإذا ضبط بداخل المكان الموجود به هذا الشيء كانت الواقعة مجرد شروع .

أن الخروج بالشيء لا يكون تاماً إذا طارده المجني عليه أو الناس لأن هذا التعقب لا يحقق له السيطرة الفعلية على الشيء ومن ثم فإن ضبطه بالشيء في أثناء المطاردة يجعل الواقعة شروعاً.

ب. إذا كان الجاني قد وجد في المكان الذي به الشيء المسروق بطريق مشروع :

في هذه الحالة تتم السيطرة الفعلية للجاني على الشيء الذي وضع يده عليه بمجرد إخفائه الشيء عن أنظار المجني عليه، ولو لم يخرج من هذا المكان أن وجود الخادم كان بطريق مشروع إلا أنه عندما نقل الأدوية لم يكن قد أخفاها عن أنظار المجني عليه بل وضعها في مكان آخر مكشوف هو المكتب الموجود بالمخزن مما جعل فعله في بادئ الأمر يقف عند مرحلة الشروع.

أما إذا كان الشيء في يد الجاني من قبل بصورة عارضة سواء كان على سبيل التسليم أو لا فيتعين أن يأتي الجاني بفعل يوضح سيطرته الفعلية على الشيء كبيعه أو رهنه أو إخفائه أو الفرار به فإذا ضبط الجاني قبل أن يكتمل هذا الفعل الذي يوضح سيطرته الفعلية على الشيء كانت الواقعة شروعاً مثال ذلك الخادم الذي توجد أمتعة بين يديه فإن السرقة تتم من جانبه بمجرد إخفاء بعض هذه الأمتعة في حقيبة خاصة مغلقة وإن لم يبرح بیت مخدومة وكذلك الأمر بالنسبة إلى البيع بالنقد فالمشتري الذي يتسلم المبيع ولا يدفع الثمن يرتكب الاختلاس بمجرد فراره بالمبيع فإذا ضبط أثناء فراره كانت الواقعة شروعاً.

القصد الجنائي :

ويثير القصد الجنائي في السرقة عدة مشكلات تتعلق بالقصد العام وماهية القصد الخاص وضرورة تعاصر القصد الجنائي مع الاختلاس .

القصد العام:

يشترط لتوافر القصد العام أن تتجه إرادة الجاني إلى اختلاس المملوك للغير مع عمله بذلك فيلزم توافر عنصرين هما الإرادة والعلم.

 أ- الإرادة:

لا صعوبة بالنسبة إلى الإرادة فلابد من أن تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب الإختلاس أي الاستيلاء على مال الغير بنية تملكه دون رضائه فإذا لم تتوافر هذه الإرادة فلا يتوافر القصد الجنائي.

ومثال عدم توافر الإرادة ارتكاب الاختلاس تحت وطأة الإكراه أو أن يضع شخص بعض المسروقات في حقيبة المتهم دون موافقته أو أن يتظاهر بالموافقة على الإشتراك في الاختلاس مع السارقين بقصد إيقاعهم وتمكين الشرطة من ضبطهم متلبسين .

ومتى توافرت الإرادة في السرقة فلا عبرة بالباعث عليها سواء كان الإثراء أو الانتقام أو مجرد الانتفاع المؤقت بالشيء ولا عبرة أيضاً بما إذا كان هذا الباعث شريفاً أو خسیساً.

ب. العلم:

يقتضي عنصر العلم أن يكون الجاني مدركاً أنه يختلس مالاً مملوكاً للغير دون رضائه ويثير هذا العنصر عدة مشكلات تتعلق بتأثير جهل الجاني بوقائع الاختلاس أو بالقانون.

ولا صعوبة بالنسبة إلى الجهل بالوقائع فهو ينفي القصد الجنائي بلا جدال وقد ينصب هذا الجهل على واقعة ملكية الغير للمال أو على واقعة عدم رضاء الغير عن الاختلاس ولما كان كلا الواقعتين تمثلان عنصراً جوهرياً لقيام الركن المادي في السرقة فإن الجهل بما ينفي القصد الجنائي ومثال الجهل بواقعة الملكية أن يعتقد الجاني أن المال المسروق ملكاً له لو أنه من الأموال المباحة أو المتروكة أو أن المال الذي بيع له مملوك للبائع أما الجهل بواقعة عدم رضاء المالك فمثاله من يتنازل عن إيجار مسكنه لآخر ويسلمه مفتاح المسكن فيعتقد المستأجر أن المالك قد تنازل له أيضاً عن بعض الأدوات التي وجدها في المسكن ويستولي عليها بنية تملكها.

أما الجهل بالقانون فمن المقرر أن الجهل بقانون آخر غير قانون العقوبات يأخذ حكم الجهل بالواقع وينفي القصد الجنائي كما أن قاعدة عدم جواز الاعتداد بالجهل بالقانون لا تنطبق في صدد بحث الركن المعنوي إلا بشأن قانون العقوبات دون القوانين الأخرى .

نية التملك :

يكاد يجمع الفقه والقضاء في مصر على أن القانون قد اشترط لتوافر السرقة قصداً جنائياً خاصاً هو نية التملك أي أنه يشترط بالإضافة إلى القصد العام أن تتجه نية الجاني إلى تملك الشيء المسروق .

على أننا نلاحظ النتيجة المادية التي يتحقق بها الاختلاس تتمثل في حرمان مالك الشيء من سيطرته الفعلية علية وعدم تمكينه من الظهور عليه بمظهر المالك ويعد الجاني سارقاً لهذا الشيء إذا توافرت لديه وقت هذا الفعل نية التملك أي قصد الظهور على الشيء المختلس مظهر المالك أي قصد الحلول محل المالك الحقيقي في ملكيته لهذا الشيء.

وبناءً على ذلك فإن من يستولي على شيء بنية الإجارة أو العارية دون موافقة مالكه لا يعد سارقاً لأنه لم يقصد الحلول محل المالك في حيازته الكاملة للشيء بل قصد مجرد الحيازة الناقصة ويستدل على ذلك من ظروف الواقع ومنها مبادرة الجاني بسداد الأجرة أو إبداء استعداده لسدادها.

على أنه يلاحظ أن نية التملك وإن كانت أمراً ضرورياً لتوافر السرقة لكن اشتراطها لازم لوقوع الاختلاس نفسه فلا قيام لهذا الاختلاس إذا اتجهت إرادة الجاني إلى الاستيلاء على الشيء للانتفاع به أو لرهنه بل لابد من توافر نية التملك للاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء. فقد بينا أن الاستيلاء على الحيازة من حيث عنصرها المعنوي تقتضي توافر نية التملك أي نية الظهور على الشيء بمظهر المالك.

ولا يستبعد ذلك ضرورة توافر الركن المعنوي للجريمة وهو القصد الجنائي العام بعنصرية: الإرادة والعلم فلابد من أن تتوافر إرادة الجاني متجهة إلى تحقيق الاختلاس بمعناه المتقدم وأنه يرد على مال مملوك للغير.

ولما كان الاختلاس لا يتحقق في ذاته إلا بتوافر نية التملك فإنه لا محل لجعله قصداً خاصاً في السرقة هو نية التملك كما ذهب الفقه الجنائي، وقيل إن هذه النية تقوم على عنصرين أحدهما سلبي هو حرمان المالك من سلطاته على الشيء والآخر إيجابي هو إرادة الحلول محل المالك في سلطانه على الشيء أي يباشر على الشيء سلطة تشبه في مظهرها وعناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك .

ونحن لا نسلم بوجود قصد خاص في جريمة السرقة لأن نية التملك عنصر لازم لقيام الاختلاس فسلب الحيازة الكاملة للشيء من حيث عنصرها المعنوي لا يتسنى بغير توافر التملك وقد أكدت ذلك محكمة النقض في حكم حديث لها قررت فيه أن جريمة السرقة لا تتطلب لقيامها قصداً جنائياً خاصاً بل يتوافر القصد الجنائي فيها بمجرد قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب الفعل باختلاس المنقول المملوك للغير عن غير رضاء مالكه بنية التملك.

(1) نقض 18 نوفمبر سنة 1996، الطعن رقم 23111 لسنة 64 ق.

ومن قبل ذهبت محكمة النقض إلى أن من أركان جريمة السرقة أن يأخذ السارق الشيء بنية تملكه وأن المفروض أن من يختلس شيئاً فإنما ينتوي تملكه.

(2) نقض 20  نوفمبر سنة 1950، مجموعة الأحكام، س 2 ، رقم 74 ص 189 .

تعاصر القصد الجنائي مع الاختلاس:

من المقرر وفقا للقواعد العامة أن القصد الجنائي يجب أن يكون معاصراً للركن المادي في الجريمة العمدية وتطبيقاً لذلك في جريمة السرقة فإنه إذا استولى الجاني على مال الغير بنية التملك ظناً منه أن هذا المال من الأموال المباحة أو المتروكة أو أن الغير قد وافق على هذا الاستيلاء ثم اتضح له بعد ذلك خطأ اعتقاده ولكنه استمر في استيلائه على المال بنية التملك في هذه الحالة لا تتوافر جريمة السرقة لعدم تعاصر الاستيلاء والقصد الجنائي

نقض 8 نوفمبر سنة 1948، مجموعة القواعد، جـ 7، رقم 673 ص 647.

وقد يعترض على ذلك بأن الجاني يلتزم قانوناً برد الشيء المسروق إلى مالكه بعد ثبوت اعتقاده الخاطئ أن امتناعه عن هذا الرد هو من قبيل الجرائم الإيجابية التي تقع بطريق الامتناع أي يتحقق به فعل الاختلاس ولكن هذا الاعتراض مردود بأن الشرقة هي من الجرائم الوقتية التي تتم وتنتهي بارتكاب الاختلاس وما حبس الشيء في يد السارق إلا أثر من آثار هذا الاختلاس وبالتالي لا يتصور أن يقع اختلاس جديد من السارق إذا هو امتنع عن رد الشيء المسروق بعد أن ثبت له أنه مملوك للغير أو أخذ منه دون رضائه.

الأصل في السرقة أنها جنحة ويعاقب عليها بالحبس مع الشغل مدة لا تتجاوز سنتين (المادة 318 عقوبات) وإذا كانت السرقة في حالة الشروع يعاقب عليها بالحبس مدة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر في القانون للجريمة لو تمت فعلا (المادة 321 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 ).

نصت المادة 213 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 64 لسنة 1947 على أنه لا يجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضرار بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه إلا بناء على طلب من المجني عليه و للمجني عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك في أية حالة كانت عليها الدعوى كما له أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي في أي وقت شاء.

وبهذا أصبحت سلطة النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية في جريمة السرقة التي تقع إضراراً بأصل الجاني أو فرعه أو بمن تربطه بالجاني صلة الزوجية معلقة على شكوى من المجني عليه وقد ذهبت محكمة النقض إلى التوسع في هذا القيد الإجرائي وعدم قصره على السرقة ومد أثره إلى غير ذلك من جرائم الاستيلاء على المال كالنصب وخيانة الأمانة.

ويستند هذا التوسع إلى إجازة القياس في القواعد الإجرائية التي جاءت لمصلحة المتهم استصحاباً على قرينة البراءة وعلى أن الأصل في الأشياء الإباحة ولا ينطبق هذا القياس على جرائم الأموال التي تنطوي على اعتداء على مصلحة أخرى مثل جريمة إصدار شيك بدون رصيد لأنها تخل بالإئتمان وقابلية الشيك للتداول أو الحصول على المال بطريق التهديد (المادة 336 عقوبات) لأنها تخل بأمن الشخص أو تزوير المحررات العرفية لأنها تخل بالثقة العامة.

وإذا اقترنت السرقة بظرف مشدد أو بجريمة أخرى انحصر نطاق القيد الإجرائي على السرقة وحدها وأمكن للنيابة العامة أن تباشر الدعوى الجنائية دون قيد بالنسبة للأفعال المكونة للظروف المشددة تحت وصف آخر والاقتصار على مباشرة الدعوى بالنسبة للجرائم المرتبطة وحدها.

وهذا القيد الإجرائي نسبي الأثر فلا يستفيد منه غير الأصول والفروع والأزواج دون غيرهم من الفاعلين أو الشركاء أياً كانت درجة مساهمتهم في الجريمة والعبرة في توافر الصفة هي بوقت وقوع الجريمة.  (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة: 495)

 

أولاً : في الركن المادي وهو يقوم على عناصر ثلاثة:

- السلوك.

 - الموضوع المادي للسلوك.

- النتيجة.

ثانياً : في الركن المعنوي وهو يقوم على القصد الجنائي.

أولاً - الركن المادي للسرقة :

1- الاختلاس :

 تقوم السرقة على سلوك إجرامي يتمثل في الاختلاس والاختلاس في السرقة ينصرف إلى معناه الدقيق والذي يفترض عدم حيازة سابقة الجاني على المال موضوع السرقة، وعلى ذلك فسلوك الاختلاس ينصرف إلى أي فعل بمقتضاه ينزع الجاني موضوع السرقة من حائزه ويتحقق انتزاع المال من حائزه بخروجه من نطاق سلطة الحائز في التصرف فيه أو توجيهه لتحقيق أغراضه من الحيازة ولذلك مادام المال مازال تحت سيطرة الحائز القانونية فلا يتوافر الاختلاس و إنما نكون بصدد شروع أو أعمال تحضيرية إذا كانت الأفعال التي ارتكبها الجاني لم تخرج المال من حوزة الحائز.

ومثال ذلك نقل الأشياء المراد سرقتها من مكانها إلى مكان آخر تمهيداً لاختلاسها أو إخفاء الأشياء عن أعين حائزيها تمهيداً لاختلاسها إذا ما حانت الفرصة وحتى لا يساور المجني عليه شك في اختفائها.

كما يشكل شروع في السرقة محاولة فتح الباب بمفتاح مصطنع أو غير ذلك من الأفعال التي لا تحقق انتزاع الحيازة ولا تخرج المال عن حيازة صاحبه أو صاحب الحق فيها.

وإذا كان الاختلاس هو انتزاع المال من حيازة من له الحق فيها فلا يتوافر الاختلاس في مواجهة من تكون له اليد المادية العارضة على المال فالحيازة المادية التي يقع الاختلاس عدواناً عليها هي تلك التي تكون عنصراً من عناصر الحيازة القانونية.

ومعنى ذلك أن الاختلاس يتوافر إذا انتزعت الحيازة من حائز المال حيازة ناقصة بالرغم من أنه ليس هو المالك ولكنه لا يتوافر بالنسبة لمن تكون يده على المال بدا عارضة وإنما تبع في هذه الحالة اعتداء على صاحب الحيازة القانونية سواء الكاملة أم الناقصة.

فصاحب اليد المادية العارضة هو مجرد أداة في يد صاحب الحيازة القانونية ومن ثم فانتزاع المال من يده هو انتزاع للمال من حيازة صاحب الحق فيها قانوناً ولذلك فإن نشل حافظة نقود من نشال بعد لحظات من سرقة الحافظة من أحد الركاب وقبل نقلها إلى سيطرته وحيازته الكاملة يتحقق بها سلوك الاختلاس المتمثل في انتزاع حيازة الحافظة من الراكب وليس من النشال الأول بينما انتزاع حيازة المال المسروق من المخفي له

يتحقق به سلوك الاختلاس في مواجهة المخفي وليس في مواجهة مالك الأشياء المسروقة. على الرغم من أن سبب حيازة المخفي هو سبب غير مشروع.

ويكفي أن يتحقق سلوك الاختلاس بانتزاع حيازة المال من صاحب الحق فيها بغض النظر إذا كان الحائز مالكاً أو غير مالك.

فملكية المالك لغير الجاني هي شرط في الموضوع المادي للسلوك وليست شرطاً لتوافر الاختلاس في ماديته ولذلك فقد جرم المشرع بعض الفروض التي يتحقق فيها الاختلاس من مالك المال متى تم انتزاع حيازته من صاحب الحق فيها كما هو الشأن في سرقة الأموال المرهونة بمعرفة الراهن وأيضاً سرقة الأموال المحجوزة.

 التسليم وأثره في نفي الاختلاس:

الأصل أن الاختلاس لا يتحقق إذا كان المال في حوزة الجاني ولذلك ينتفي الاختلاس إذا كان المال قد سلم إلى الجاني بن مالكه أو حائزه تسليها تتحقق به الحيازة وليس مجرد اليد العارضة وإذا صدر التسليم عن بغير المالك أو الحائز فلا قيمة له في نفي الاختلاس وكذلك الحال لو استعان الجاني بآلة ميكانيكية في الحصول على الشيء.

ولما كانت الحيازة هي مكنة أو سلطة. يباشرها الحائز على الشيء فإن التسليم الذي يقع ممن له اليد العارضة على الشيء لا ينفي الاختلاس باعتبار أنه يكون في حكم الآلة فالذي يطلب من آخر مناولة منقول الثالث على أنه له فإن هذا التسليم لا ينفي الاختلاس باعتبار أن من قام بالتسليم ليس حائزاً للشيء وإنما يده عليه يد عارضة.

ومؤدي ذلك أنه يشترط لصحة التسليم النافي للاختلاس:

أولاً: أن يكون قد صدر من شخص قد ثبتت له الحيازة القانونية التامة على الشيء أو على الأقل الحيازة الناقصة وهي التي تثبت لغير المالك بناء على علاقة قانونية بينه وبين المالك تخوله من السيطرة على الشيء.

ومثال ذلك التسليم بناء على عقد من عقود الأمانة كالإجارة والعارية والرهن.

ثانياً: أن يكون التسليم بقصد نقل الحيازة الكاملة أو الناقصة ولذلك لا ينفي الاختلاس التسليم الذي قصد به اليد العارضة فقط على الشيء.

ومثال ذلك تسليم البائع للشيء لفحصه وإعادته وتسليم سند الدين للمدين للتأشيز عليه ورده في ذات الوقت، كذلك لا يعتبر تسليماً نافياً للاختلاس التسليم المقصود به نقل الحيازة والمقيد بشرط واجب التنفيذ في ذات الوقت تحت مراقبة المجني عليه.

ومثال ذلك تسليم النقود في عمليات الاستبدال والبيع والشراء فمثل هذا التسليم وإن قصد به نقل الحيازة إلا أنه لا ينقلها فعلاً ما لم يتحقق الشرط.

أما إذا كان التسليم ملحوظاً فيه الابتعاد بالشيء عن صاحبه فترة من الزمن طالت أم قصرت فإنه تتنقل به الحيازة للمتسلم ولا يتصور معه في حق المسلم وقوع الاختلاس في معنى السرقة فإذا سلم شخص إلى آخر مبلغاً من النقود وسنداً محرراً لمصلحته على أن يحرر له المسلم في ذاك المجلس سنداً بمجموع المبلغين ثم رضى المسلم بأن ينصرف عنه المتسلم بما تسلمه خارج المجلس فإن رضاءه هذا يفيد تنازله عن كل رقابة له على المال المسلم منه ويجعل يد المسلم بعد أن كانت عارضة يد حيازة قانونية لا يمع معها اعتباره مرتكباً للسرقة إذا ما حدثته نفسه أن يملك ما تحت يده كما حكم بأنه إذا كانت الواقعة هي أن المتهم قابل المجني عليه وطلب إليه أن يبدل له ورقة مالية بأوراق أصغر منها فأجابه إلى طلبه ثم سأله عن الورقة فاعتذر إليه بأنه تركها سهواً في اللوكاندة التي يبيت فيها واصطحبه معه لتسليمها إليه وفي طريقه اشترى قطعة قماش ودفع ثمنها ثم قصد إلى محل ترزي لتفصيلها وأعطاه بعض أجره ثم طلب من المجني عليه انتظاره ريثما يذهب إلى اللوكاندة ليحضر الورقة ثم ذهب ولم يعد فإنه يكون من الواجب لمعاقبة المتهم على هذه الواقعة باعتبارها سرقة أن تبين للمحكمة في حكمها أن ما دفعه المتهم ثمناً للقماش من المال الذي تسلمه من المجني عليه لم يكن بموافقته وأن المكان الذي تركه فيه كان عند المحل الذي قصداً إليه معاً لاستلام الورقة وإلا كان حكمها قاصراً فإنه إذا كان تصرف المال برضاء المجني عليه فقد يستفاد من ذلك أن المجني عليه تخلى عن حيازته له وكذلك الحال إذا كان قد تركه يتصرف في ماله بعيداً عن رقابته وفي كلتا الحالتين لا يصح أن تعد الواقعة سرقة.

ثالثاً: يجب أن يكون التسليم الذي قصد به نقل الحيازة قد وقع عن وعي وإدراك بماهية الفعل وإرادة نقل الحيازة ولذلك لا يتوافر هذا التسليم بالنسبة للمكره والمجنون والسكران والمصاب بعاهة عقلية والصغير غير المميز والتسليم الصادر عن وعي وإدراك واختيار ينفي الاختلاس ولو كانت الإرادة معيبة بسبب غلط أو غش أو تدليس فالتسليم في هذه الفروض الأخيرة يعتبر صادراً عن إرادة حرة مميزة ومدركة لفعل التسليم. 

كذلك لا يتوافر التسليم المنافي للاختلاس إذا كان المجني عليه لم يقصد نقل الحيازة الحقيقية وإن تغافل بقصد إيقاع المتهم وضبطه وكل ما هنالك أن الاختلاس فى هذه الحالة يكون حاصلاً بعلم المجني عليه لان بناء على رضاء منه وعدم الرضاء لا عدم العلم هو الذي يهم في جريمة السرقة.

وتطبيقاً لما سبق فلا تتوافر السرقة بالنسبة لمن تسلم من مدينة مبلغاً من النقود أكثر من المستحق لغلط وقع فيه المدين واحتفظ بالمبلغ الزائد مع علمه بذلك كذلك أيضاً من يعطي لآخر ورقة مالية فئة العشرين جنيهاً على أنها ورقة مالية فئة الخمسة جنيهات لاستبدالها فيعطيه الثاني أوراقاً مالية صغيرة بما قيمته خمسة جنيهات على الرغم من علمه بالغلط الذي وقع فيه الأول ولا يرتكب سرقة المتسلم لطرد وصله بطريق الغلط في شخص المرسل إليه إذا ما احتفظ به لنفسه وامتنع عن رده.

والحال كذلك بالنسبة للتسليم المبني على غش أو خداع فهو ينفي الاختلاس وإن كان يمكن أن يشكل جريمة نصب.

من ذلك كله نخلص إلى أن التسليم الذي ينتفي به ركن الاختلاس فى السرقة يجب أن يكون برضاء حقيقي من واضع اليد مقصوداً به التخلي عن الحيازة الحقيقية ويستوي بعد ذلك أن يكون التسليم مادياً بالاستيلاء عليه مادياً أو كان التسليم رمزيا بوضعه تحت تصرف المستلم ليتمكن من حيازته دون عائق ومثال ذلك تسليم مفتاح المخزن الذي به المنقولات أو تسليم سند الشحن.

 تسليم الخدم والعمال والمشتركين في إقامة واحدة :

إن التسليم الذي يتم الخدم والعمال في المحال التجارية والنزلاء في الفنادق والمطاعم والضيوف وغير ذلك من صور العلاقات المشتركة لا ينفي السرقة باعتبار أنه لا يقصد به نقل الحيازة وإنما مجرد اليد العارضة ذلك أن مثل هذا التسليم إنما قصد به استعمال الشيء لفترة زمنية محددة وردها ثانية تحت رقابة وإشراف صاحبها ولذلك فإن اختلاس أي شيء من تلك الأشياء المسلمة لتمكين اليد العارضة فقط يشكل جريمة سرقة.

ومن ذلك إذا تبين من ظروف الحال أن الحائز قصد نقل الحيازة دون مباشرة أي نوع من أنواع الرقابة أو الإشراف فإننا نكون بصدد جريمة خيانة أمانة وليس سرقة.

ومثال ذلك استعمال المنقولات الخاصة بأحد الزوجين من الزوج الآخر والموجودة بمنزل الزوجية وتسليم الخادم مبلغاً من النقود لشراء سلعة خارج المنزل وبعيداً عن رقابته وتسلم الصراف بالمحل التجاري للنقود المدفوعة من المترددين على المحل.

وتطبيقاً لذلك فضي بأنه إذا كانت المحكمة حين اعتبرت الواقعة سرقة قد بينت أن اتصال المتهم بالمسروق بوصفه مستخدماً في المحل لا يحقق له الحيازة بالمعنى المقصود في باب خيانة الأمانة فإنها لا تكون قد أخطأت.

تسليم الأحراز المغلقة :

إن تسليم الأحراز المغلقة يخضع للقاعدة العامة في التسليم النافي للاختلاس فإذا كان مقصوداً به نقل الحيازة الحقيقية فإن استولى المتسلم على الحرز فإننا نكون بصدد خيانة أمانة وليس سرقة وإذا كان قصد به نقل اليد العارضة فقط كنا بصدد سرقة إذا استولى المتسلم على الأحراز.

ولكن تثور مشكلة التسليم في الأحراز المغلقة المسلمة تسليماً ناقلاً للحيازة بحالتها دون محتوى الحرز وذلك في الفروض التي يحتفظ فيها المسلم بمفتاح الحرز فهل نكون بصدد سرقة أم خيانة أمانة إذا ما استولى المتسلم على شيء من المنقولات الموجودة بالحرز المغلق.

ولا شك أن تسليم الحرز مغلقاً ولو كان قصد به نقل الحيازة إلا أن ذلك لا ينصرف إلى المحتوى الذي تظل فيه الحيازة ثابتة للمسلم ولذلك إذا قام المتسلم للحرز المغلق بفضه والاستيلاء على شيء من محتوياته فإننا نكون بصدد سرقة.

 وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن تسليم الظرف مغلقاً أو الحقيبة مغلقة بموجب عقد من عقود الائتمان لا يدل بذاته حتماً على أن المتسلم قد اؤتمن على ذات المظروف أو على ما بداخل الحقيبة بالذات لأن تغليف الظرف وما يقتضيه من حظر استفتاحه على المتسلم أو إقفال الحقيبة مع الإحتفاظ بمفتاحها قد يستفاد منه أن صاحبها إذ حال مادياً بين يد المتسلم وبين ما فيها لم يشأ أن يأتمنه على ما بداخلها.

وإذن فاختلاس المظروف بعد فض الظرف لهذا الغرض ثم إعادة تغليفه يصح اعتباره سرقة إذا رأت المحكمة من وقائع الدعوى أن المتهم لم يؤتمن على المظروف وأن صاحبه احتفظ لنفسه بحيازته ولم يشأ بتغليفه أن يمكنه من هذه الحيازة.

ثانياً : الموضوع المادي للسلوك :

المال المنقول المملوك للغير

 إن فعل الاختلاس في السرقة ينصب على مال منقول مملوك للغير.

 ولذلك فيجب أن يتوافر فيه شرطان:

 الأول: أن يكون منقولاً.

الثاني: أن يكون المال مملوكاً للغير.

الأول : المال المنقول :

إن السرقة لا ترد إلا على مال منقول. والمنقول في هذا المقام هو ما له قيمة مالية ويمكن تملكه وحيازته ونقله من مكان إلى آخر وهو يكون في نظر القانون الجنائي ولو كان القانون المدني يضفي عليه صفة العقار بالتخصيص أو بالاتصال.

وعليه فالمنقولات الموضوعة في العقارات رصداً على خدمة العقار أو استغلاله كالات الري والزراعة وإن كانت عقاراً بالتخصيص وفقاً للقانون المدني إلا أنها تصلح أن تكون محط السرقة باعتبارها من المنقولات في نظر القانون الجنائي.

كذلك الأبواب والنوافذ وإن أعتبرت عقاراً بالإتصال إلا أنها تصلح محلاً للسرقة بل إن أجزاء العقار الثابتة متى أمكن فصلها ولو بإتلاف العقار تأخذ حكم المنقول كالبلاط والطوب وغير ذلك.

ويجب أن يتوافر المنقول في الصفة المادية بغض النظر عن قيمته المالية أو المعنوية ومعنى ذلك أن الفكر الإنساني لا يكون محلاً للسرقة كالاختراعات أو الأفكار القصصية أو العلمية، وإنما الذي يصلح محلاً للسرقة الأوراق المثبتة للاختراع أو الفكر إذا ما أثبت عليها ولا يشترط في المال المنقول أن يكون له شكل معين فكما يمكن أن يكون صلباً فإنه يأخذ شكل السائل أو الغاز كما أن الطاقة والقوى المختلفة يمكن أن يكون محلاً للسرقة كالكهرباء والتبريد والتدفئة والإرسال.

ولا يشترط في المال أن تكون حيازته مشروعة فالسرقة كما تقع على الأموال المشروع حيازتها يمكن أن تنصب على الحيازة غير المشروعة.

ومثال ذلك الأسلحة غير المرخصة والمخدرات والأموال المتحصلة من جريمة.

الثاني: أن يكون المال المنقول مملوكاً للغير:

يلزم أن يكون المال المنقول موضوع السلوك الإجرامي في السرقة مملوكاً للغير وهذا يفيد أن المال المنقول يجب ألا يكون مملوكاً للجاني وأن يكون مملوكاً للغير.

- عدم ملكية المال للجاني :

 لقد حمى المشرع المصري في السرقة الملكية وليس الحيازة وترتيباً على ذلك إذا قام الجاني باختلاس ما يملكه ولو كان في حيازة شخص آخر فلا تقوم جريمة السرقة فالحماية الجنائية في السرقة منصرفة إلى الملكية وليس في الحيازة ولذلك تنتفي السرقة إذا وقع الاختلاس من المالك على شيء يملكه ولو كان للغير عليه حق من الحقوق التي تخوله حبسة والانتفاع به.

والدليل على ذلك أن المشرع حينما اعتد بالحيازة وحماها من العدوان عليها نظراً لأن العدوان عليها يحقق ضرراً بمصالح أخرى أولى بالرعاية من حق الملكية نص صراحة على تجريم الاختلاس الواقع من المالك.

ومثال ذلك اختلاس الأموال المحجوز عليها ولو وقع من مالكها والمجرم بنص المادة 323 عقوبات واختلاس الأموال المرهونة ضماناً لدين على الراهن لها أو لغيره والمجرم بنص المادة 323 مكرر واختلاس السندات المسلمة إلى المحكمة والمجرم بالمادة 343 عقوبات.

وإذا كانت القاعدة هي أنه لا سرقة من مالك فإن هذا يتطلب أن تكون ملكية المال المنقول موضوع السرقة خالصة للجاني ولذلك لا تسري تلك القاعدة في حال اختلاس المنقول المملوك ملكية شائعة بين الجاني وغيره باعتبار أن الغير في هذه الحالة يشترك في ملكية كل جزئية من جزئيات المال ما دامت القسمة لم تتم وكان المال في حيازة الغير.

وإذا كان المال موضوع الاختلاس محل نزاع حول ملكيته ثم ثبتت الملكية للجاني فلا سرقة ولذلك إذا وقع أمام المحكمة بملكية المال للمتهم تعين الفصل في تلك المسألة الفرعية قبل الفصل في موضوع الدعوى بحيث إذا ثبتت الملكية للمتهم وجب الحكم بالبراءة.

ومتى ثبت عدم ملكية المتهم للمال المسروق فإن السرقة تقوم إذا توافرت بقية العناصر ولو أثبت المتهم أن له حقوقاً قبل المالك وأن اختلاسه كان لاستيفاء تلك الحقوق ومع ذلك إذا أثبت المتهم انتفاء نية التملك فإن القصد الجنائي ينتفي وتنتفي السرقة بناء عليه وليس استناداً إلى انتفاء شرط عدم ملكية المال للجاني.

ويلاحظ أن العبرة بتوافر الشرط الذي نحن بصدده هي بوقت ارتكاب فعل الاختلاس فإذا كان المال غير مملوك للجاني وقت الاختلاس تحقق الشرط ولو كانت الملكية ثابتة في وقت سابق ثم زالت أو اكتسب الجاني ملكية الشيء بعد الفعل المكون للجريمة.

- ملكية الغير للمال موضوع الاختلاس:

إذا كانت السرقة هي اعتداء على حق الملكية فلا يكفي لقيامها أن يكون المال غير مملوك للجاني وإنما يلزم أن يكون مملوكاً لغيره ولذلك ينبغي على المحكمة أن تبين في حكمها بالإدانة هذا العنصر وإلا كان حكمها قاصر البيان ومتى ثبت أن المال مملوكاً للغير ليس مملوك للجاني فلا يؤثر في قيام السرقة عدم الاهتداء إلى معرفة شخص المالك.

وترتيباً على ما سبق فإن الاستيلاء على الأشياء المباحة والأشياء المتروكة من أصحابها بقصد التخلي عن حيازتها لا يشكل سرقة.

القصد الخاص: نية التملك:

يتحدث الفقه والقضاء عن نية التملك بوصفها قصداً خاصاً في جريمة السرقة فلا يتوافر الركن المعنوي في السرقة إلا إذا توافر إلى جانب القصد العام قصد خاص يتمثل في نية التملك ويقصد بنية التملك أن يكون الاستيلاء على المال المنقول المملوك الغير هو بنية إضافة المال إلى ملك الجاني أو سلب حيازته نهائياً منه وإدخاله في حيازته هو والتصرف فيه تصرف المالك فإذا لم تتوافر فيه تلك النية فلا تقوم السرقة في ركنها المعنوي وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في بيان الفعل الذي وقع من الطاعن على القول بأنه نقل الأشياء المتهم بسرقتها من محل حجزها دون أن يبين قصده من هذا النقل وهل كان بنية تملكها أم كان تحقيقاً لغرض آخر ثم دانه في جريمة السرقة فإنه يكون قاصراً قصوراً يعيبه بما يستوجب نقضه (نقض 3/ 11 / 1952 - مجموعة 25 سنة ص 760).

وإذا قام شك حول توافر هذه النية فيجب على المحكمة استجلاء تلك النية وإلا كان حكمها قاصر البيان. فلا يكفى لإدانة المتهم بسرقة سيارة وجود السيارة في حيازته إذا كان قد نازع في توافر نية التملك ودفع بأنه استعارها من ثالث (نقض 23 / 6/ 1964 - س 15- ص 506، س 25 ص 425 س 26- 786 ).

 كما قضى بأنه إذا كان ما أوردته المحكمة في حكمها بصدد بيان واقعة السرقة بالإكراه لا يبين منه قصد المتهمين من أخذ مال المجني عليه أكان اختلاسه وتملكه فتكون الواقعة سرقة أم كان مجرد الرغبة في التشهير به للعداء الذي أشار إليه الحكم فلا تكون كذلك فهذا الحكم يكون قاصراً واجب النقض (نقض 6/ 4/ 1948- مجموعة 25 سنة ص 759 ).

وإذا كان الدفاع قد نازع في قيام نية السرقة لدى الطاعنين وكان ما أوردته المحكمة بصدد بيان واقعة الشروع في السرقة بإكراه التي دانت الطاعنين بها لا يبين قصد الطاعنين من انتزاع بندقية المجني عليه وهل انتویا اختلاسها وتملكها أو أنهما عمداً إلى منع المجني عليه من استعمالها في الاعتداء عليهما بها للخلاف القائم بينهما وبين مخدومه مما يقتضي من المحكمة في هذه الصورة التي تختلط فيها نية السرقة بغيرها أن تعني باستجلاء نهر النية بإيراد الدليل على قيامها كما هي معرفة في القانون أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور في البيان الواجب نقضه نقض 1/ 6/ 1964 - ص 15 - 460 - 90).

ويلاحظ أن نية التملك تتصرف إلى نية استغلال المال والاستفادة منه استفادة المالك ويستوي أن تكون تلك الاستفادة من المال تعود مباشرة على الجاني أو أن يكون الجاني قد مكن الغير منها ولذلك تتوافر تلك النية ولو كان الجاني يقصد إهداء المال موضوع الاختلاس أو التبرع به حتى لجهة خيرية كما تتوافر تلك النية إذا قصد الجاني رهن المال ورده بعد ذلك حينما يتحصل على مبلغ يسدد به دينه.

وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا علل المدين احتفاظه بالسند على رغم إرادة الدائن بأنه لم يقصد تملك السند بل قصد بالاستيلاء عليه تهديد الدائن لحمله على أن يخصم له بضعة جنيهات بدعوى أنه غش في البيع الذي كان من نتيجته تحرير ذلك السند فإن هذا التعليل لا يخليه من المسئولية الجنائية لأن طلبة الخصم هو تحكم منه في الدائن لا يستند إلى أي أساس واستبقاؤه للسند ومساومته على الحصول على هذا المبلغ الذي لا حق له فيه يعد اختلاساً بنية سلب المال المختلس وهي النية الواجب توافرها قانوناً في جريمة السرقة (نقض 30/ 4/ 1934 - مجموعة 25 سنة -ص 758).

 ومن ناحية تنتفي نية التملك إذا وقع الاختلاس بقصد الإستعمال المؤقت أو بنية الحرمان المؤقت لصاحبه كما لو وقع الفعل على سبيل المزاح أو الدفع صاحبه على سداد دين عليه الجاني أو الاستعمال المال غير القابل للإستهلاك ورده.

وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا كان الحكم مع تسليمه بأن المتهم لم يستول على أدوات الطباعة إلا بقصد الاستعانة بها على طبع منشورات لسب مدير المطبعة والقذف في حقه قد اعتبر عناصر جريمة السرقة متوافرة بمقولة أن القصد الجنائي فيها يتحقق بأستيلاء الجاني على مال يعلم أنه مملوك له بنية حرمان صاحبه منه ولو مؤقتاً فإنه يكون قد أخطأ لأن الاستيلاء بقصد الإستعمال المؤقت لا يكفي في القصد الجنائي إذ لا بد فيه من وجود نية التملك (نقض 18/10/1943- ص 758).

 كما قضى بأنه إذا كان المتهم قد نازع في قيام نية السرقة بقوله أنه ما قصد بأخذ البطانية محل السرقة إلا مجرد الالتفاح بها اتقاء للبرد فإنه يكون من الواجب على المحكمة أن تتحدث عن قصده الجنائي وتقيم الدليل على توافره (نقض 30 / 12 / 1946- ص 758).

وإذا كانت نية التملك تنصرف إلى نية الاستفادة من المال استفادة المالك فلا يشترط أن تكون الفائدة التي يتغياها الجاني لها صبغة مالية فنية التملك تتوافر ولو كان الجاني يهدف إلى الاستفادة من المال أو الشيء المختلس فائدة معنوية ولا يشترط أن تكون الفائدة المبتغاة هي أقل من الفائدة الممكنة للمال أو الشيء كما لا يشترط أن تتحقق الفائدة فعلاً وإنما يكفي توافر نية الاستفادة لنفس الجاني أو للغير.

 مشكلة القصد الجنائي المعاصر والعنصر الجنائي اللاحق لفعل الاختلاس :

من القواعد المستقرة في الركن المعنوي للجريمة هي وجوب معاصرة القصد الجنائي للسلوك الإجرامي فالقصد الجنائي اللاحق للسلوك لا قيمة له ولو تعاصر مع تحقق النتيجة.

حقاً إن بعض الفقه نادي بفكرة القصد الجنائي اللاحق على البدء في السلوك إلا أن حقيقة الأمر هي أن ما يطلق عليه القصد اللاحق هو في حقيقته قصد معاصر للسلوك الإجرامي وإن لم يتعاصر مع مرحلة سابقة للسلوك باعتبار أن هذه المرحلة السابقة غير مؤثمة.

 فمن يعطي لآخر مادة سامة مثلاً على ما دواء ثم يكتشف بعد إعطائها إياه أنها مادة سامة ويمتنع عن تنبيه المجني عليه بقصد تحقق إزهاق الروح يتوافر لديه القصد الجنائي في القتل ويكون القصد الجنائي في هذه الحالة معاصر للسلوك الإجرامي المتمثل في الامتناع.

وقد انعكس الخلاف السابق في الفقه في محيط جرائم السرقة فذهب البعض إلى أن القصد الجنائي في جريمة السرقة العام والخاص يجب أن يتعاصر مع فعل الاختلاس فإذا توافرت نيه التملك في لحظة لاحقة لفعل الاختلاس فلا تعد الواقعة سرقة.

ومثال ذلك من يأخذ شيئاً للغير معتقداً خطأ أنه مملوك له ثم يتبين له بعد ذلك أنه مملوك للغير فيمتنع عن رده لصاحبه بنية تملكه لا تقوم السرقة بالنسبة له لأن نية التملك لم تتعاصر مع السلوك.

بينما ذهب فريق آخر إلى أنه لا يلزم توافر نية التملك لحظة ارتكاب السلوك ويكفي أن تتوافر في لحظة لاحقة ففي المثال السابق يعتبر هذا الاتجاه أن أركان السرقة متوافرة بما فيها القصد الجنائي ويستدل أصحاب هذا الرأي على موقف قضاء النقض بالنسبة للعثور على أشياء فاقدة فمن يعثر على شيء فاقد فيلتقطه بنية رده إلى صاحبه ثم تتغير نيته بعد ذلك فإن قضاء النقض اعتبر جريمة العثور على شيء فاقد والامتناع عن رده والمعتبرة في حكم السرقة متوافرة في حقه وذلك على التفصيل السابق بنيانه.

والحقيقة هي أن الخلاف السابق هو ظاهري فقط، فالقصد الجنائي سواء العام أو الخاص يجب أن يتلازم مع السلوك الإجرامي المكون للجريمة، وسلوك الاختلاس المجرم في حالة العثور على الشيء الفاقد أو في حالة الغلط الذي يقع فيه الجاني ثم يمتنع عن الرد يبدأ في اللحظة التي يتوافر له فيها العلم بأن المال مملوك للغير وأن حيازته له هي مجرد يد عارضة وليست حيازة قانونية أو مادية ويمتنع رغم علمه هذا عن رد المال إلى من له فيه بنية تملكه فهنا نجد أن الجريمة ارتكبت بطريقة الامتناع والسلوك المجرم فيها والمكون للاختلاس هو سلوك سلبي ولا قيمة قانوناً للسلوك الإيجابي السابق على تلك اللحظة.

 مؤدي ذلك أن القاعدة العامة في وجوب تعاصر القصد الجنائي مع السلوك الإجرامي لم تتعرض لأي استثناء وقضاء النقض الذي طبق فيه نصوص التجريم الخاصة بالسرقة على من عثر على شيء فاقد فالتقطه بنيه رده ثم غير نيته بعد ذلك إلى نية تملكه هو تطبيق للقاعدة العامة وليس استثناء عليها لأن الجاني يحقق نيه سلوك الاختلاس بالسيطرة على الشيء سيطرة المالك بالامتناع عن ردة بنية تملكه.

العقوبة المقررة لجنح السرقة

أولاً : عقوبة السرقة البسيطة :

ونصت المادة 318 عقوبات على عقوبة السرقة البسيطة التي لم يتوافر فيها ظرف من الظروف المشددة وهي الحبس مع الشغل مدة لا تتجاوز .سنتين، كما نصت المادة 320 على عقوبة مراقبة البوليس كعقوبة تكميلية في حالة العود جوازياً للمحكمة لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين.

وبالنسبة للشروع في السرقة فقد نصت المادة 321 على أن يعاقب على الشروع في السرقات المعددة من الجنح بالحبس مع الشغل مدة لا تتجاوز الحد الأقصى المقرر في القانون الجريمة لو تمت فعلاً أو بغرامة لا تزيد على عشرين جنيهاً.

وقد استقر قضاء النقض على أن عقوبة مراقبة البوليس التكميلية والمنصوص عليها في المادة 32 لا تسري إلا بالنسبة للعود في السرقات التامة وليس الشروع. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة:  151)

السرقة :

تعريف : السرقة اعتداء على ملكية منقول وحيازته بنية تملكه : وقد عرف الشارع السارق في المادة 311 من قانون العقوبات بقوله « كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق » ويتضمن هذا التعريف تحديد موضوع السرقة بأنه .« المنقول المملوك للغير » ويشير إلى ركنها المادي بأنه « الاختلاس » ولكن هذا التعريف أغفل الإشارة إلى ركنها المعنوي وهو القصد المتضمن من بين عناصره «نية التملك » .

الحقوق والمصالح المعتدي عليها بالسرقة السرقة اعتداء على الملكية والحيازة معاً والملكية هي المحل الأصلي للاعتداء أما الحيازة فالاعتداء عليها هو من أجل استطاعة الاعتداء على الملكية ذلك أن السارق لم يكن يحوز من قبل المال الذي استولى عليه فهو يعتدي على حيازة المجني عليه لكي يتاح له أن يعتدي بعد ذلك على ملكيته وتتضح هذه الحقيقة عند المقارنة بين السرقة وخيانة الأمانة التي لا ينال الاعتداء فيها الحيازة ذلك أن خائن الأمانة كان يحوز الشيء بسبب مشروع قبل ارتكاب جريمته وبناء على ذلك استطاع الاعتداء على الملكية دون أن يكون مضطراً في سبيل ذلك إلى الاعتداء على الحيازة.

تقسيم الدراسة : يتضمن هذا الباب فصولاً ثلاثة : الأول نخصصه لبيان أركان السرقة والثاني ، لبيان عقوبتها ؛ والثالث ، لدراسة الجرائم الملحقة بها .

أركان السرقة :

بيان أركان السرقة ، تقوم السرقة على أركان ثلاثة : موضوع ينصب عليه الفعل ؛ ورکن مادی قوامه « الاختلاس » ؛ وركن معنوی يتخذ صورة القصد ، ويضم بين عناصره « نية التملك » .

موضوع السرقة :

ماهية موضوع السرقة والشروط المتطلبة فيه: موضوع السرقة هو الشيء الذي تتعلق به الحقوق والمصالح المعتدي عليها وينصب عليه الفعل الإجرامي ويتطلب الشارع أن تتوافر في هذا الشيء شروط مرجعها إلى تطلب صلاحيته لتتعلق به الحقوق والمصالح المعتدى عليها ولينصب عليه الفعل الذي تقوم به السرقة فباعتبار السرقة اعتداء على ملكية المنقولات يتعين أن يكون لموضوعها صفة المال وأن يكون ذا كيان مادي وأن يكون مملوكاً لغير السارق وأن يكون منقولاً وباعتبار السرقة اعتداء على الحيازة يتعين أن يكون موضوعها في حيازة غير السارق وعلى هذا النحو يتعين أن تتوافر في موضوع السرقة الشروط التالية أن يكون مالاً وأن يكون ذا طبيعة مادية وأن يكون مملوكاً للغير وأن يكون منقولاً وأن يكون في حيازة الغير .

کون موضوع السرقة مالاً :

علة اشتراط أن يكون موضوع السرقة مالاً : علة هذا الشرط أن السرقة اعتداء على الملكية ومن ثم تعين أن يكون موضوعها صالحاً محلاً للملكية أي أن يكون مالاً .

تعريف المال : المال كل شيء يصلح محلاً لحق عيني وعلى وجه التحديد حق الملكية وقد نصت المادة 81 من القانون المدني على أن « كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية» والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها أما الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلاً للحقوق المالية .

والأصل أن كل شيء نافع للإنسان أي يشبع حاجة له يصلح أن يكون هدفاً لاستئثار بعض الناس به وانشائهم الحقوق عليه ومن ثم يعتبر مالاً وقد أخرج الشارع المدني من هذا النطاق فئتين من الأشياء ما يخرج عن التعامل بطبيعته وما يخرج عن التعامل بحكم القانون والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع شخص أن يستأثر بحيازتها كالمياه في البحار والهواء في الجو وأشعة الشمس ولكن إذا تحددت هذه الأشياء فصلحت محلاً لاستئثار شخص بها كما لو احتجزت كمية من الماء أو الهواء في حيز ما اعتبرت أموالاً.

لاتشترط مشروعية حيازة المال : إذا كان الشيء صالحاً بطبيعته محلاً لحق عیني فهو مال ولو كان القانون المدني يحظر التعامل فيه وينكر عليه صفة المال كالمخدرات والأسلحة الممنوعة ذلك أن حظر القانون التعامل في شيء يعني إنكار أن يكون لفرد حق عيني عليه ولكنه لا يعني إنكار أن يكون للدولة هذا الحق ويعني ذلك أن هذا الشيء يصلح بصفة عامة محلاً لحق عيني ومن ثم يصدق عليه تعريف المال وعلى سبيل المثال فإنه إذا أنكر القانون على حائز المخدرات أن يكون ذا حق عليها فإن مؤدي ذلك مصادرتها أي أن تؤول ملكيتها إلى الدولة فتعتبر ذات حق عيني عليها ويقطع ذلك أن لها صفة المال في تطبيق أحكام السرقة وبناء على ذلك فإن اختلاس المخدرات يعتبر سرقة لها وإذا كان القانون لا يتطلب مشروعية حيازة الأفراد للمال فهو من باب أولى لا يتطلب مشروعية حيازة المجني عليه له فإذا كانت حيازته له غير مشروعة فهو يصلح محلاً للسرقة فالفرض أن شخصاً آخر له أن يحوز ذلك المال وتطبيقاً لذلك فإن من اختلس مالاً ممن حصل عليه حائزه بسرقة أو نصب أو خيانة أمانة كان سارقاً له  .

قيمة الشيء : إذا انتفت عن الشيء كل قيمة فلم يكن متقوماً زالت عنه صفة المال ومن ثم لا يصلح موضوعاً للسرقة ولكن لا يشترط أن تكون للشيء قيمة مادية فإذا لم تكن له غير قيمة معنوية بحتة كتذكار أو خطاب عائلي فهو متقوم ويصلح موضوعاً للسرقة ولا يشترط أن تكون القيمة المادية أو المعنوية للشيء كبيرة فالشيء ذو القيمة الضئيلة كحفنة من غلال أو قصاصة من ورق له مع ذلك قيمته التي يحميها القانون ومن ثم يصلح أن يكون موضوعاً للسرقة.

عدم صلاحية الإنسان موضوعاً للسرقة : لا يصلح الإنسان موضوعاً لسرقة  إذ أن صفة المال منتفية عنه فالإنسان يصلح أن يكون صاحب الحق العيني ولكن لا يصلح أن يكون موضوعه وتطبيقاً لذلك فإن إخفاء طفل أو اختطاف فتاة لا يعتبر سرقة ويترتب على عدم صلاحية الإنسان موضوعاً للسرقة أن حقوقه المرتبطة بشخصه كحريته أو عرضه أو شرفه لا يصلح موضوعاً لسرقة وينبني على نفي صفة المال عن الإنسان أن جسمه لا يعتبر مالاً ولكن الأعضاء الصناعية كالذراع الخشبية أو الساق المعدنية أو الشعر المستعار أو الأسنان الصناعية هي أموال وتتصور سرقتها بل إن الأعضاء الطبيعية تصير مالاً إن انفصلت من الجسم الحي الذي كانت جزءاً منه وتعتبر ملكاً لصاحب هذا الجسم ومن ثم تتصور سرقتها فمن قص شعر امرأة رغماً عنها واستولى عليه يعتبر سارقاً له بالإضافة إلى ما ينطوي عليه فعله من إيذاء بدني  .

ولكن تعتبر الجثة مالاً إذ أن تجردها من الحياة يجعل لها حكم الأشياء الجامدة ولكن اعتبار الاستيلاء عليها أو على جزء منها سرقة تصادفه عقبة قانونية هي صعوبة وصفها بأنها « مملوكة للغير » ونعرض لهذه الصعوبة فيما بعد.

کون موضوع السرقة ذا طبيعة مادية :

علة تطلب أن يكون موضوع السرقة ذا طبيعة مادية : علة تطلب هذا الشرط أن الشيء ذا الطبيعة المادية هو الذي يصلح موضوعاً للحق العيني بصفة عامة وحق الملكية بصفة خاصة ذلك أن الملكية - باعتبارها سلطة شاملة للمالك تنصب مباشرة على ماله دون وساطة شخص يمكنه من ذلك لا تتصور إلا على شيء له انفصاله عن شخصية أي إنسان أي له كيان مادي وبالإضافة إلى ذلك فإن الحيازة التي تنالها السرقة بالاعتداء يراد بها الحيازة المادية التي تتمثل في سيطرة الحائز على الشيء ومباشرته عليه سلطات مادية وهي بدورها لا تتصور إلا إزاء شيء مادي .

مدلول الشيء المادي : يراد بالشيء المادي الشيء الذي ينتمي إلى عالم المحسوسات فيمكن لمسه مباشرة واستغلاله على الوجه الذي يحقق منفعة مالكه أو حائزه وفي عبارة أخرى الشيء المادي هو الشيء الذي يتقبل السلطات المادية التي تنطوي عليها الملكية والحيازة .

صورة مادة الشيء : صورة مادة الشيء سواء لدى القانون : فالأجسام الصلبة والسوائل والغازات جميعاً ذات کیان مادي ومن ثم تصلح جميعاً موضوعاً للسرقة .

فالسوائل على اختلاف أنواعها لها كيان مادي وعلى سبيل المثال فالماء - وإن كان في مجارية الطبيعية مباحاً إلا أنه إذا استولى عليه شخص حازه بذلك وملكه فمن اعتدى على ملكيته وحيازته كان سارقاً وتطبيقاً لذلك فإن الشخص الذي يستولي على المياه من الأنابيب أو المستودعات التي تختزنه فيها هيئة التنقية المياه وتوزيعها مرفق المياه مثلاً دون أن يتفق معها على ذلك يعتبر سارقاً ويعتبر سارقاً كذلك الشخص الذي يتفق مع هذه الهيئة على استهلاك كمية محددة من المياه نظير مبلغ متفق عليه بينهما ثم يجاوز هذه الكمية بغير علمها ورضائها ويرتكب السرقة أيضاً من تمده هذه الهيئة بالمياه مشترطة عليه أن تمر بعداد يقيس مقدارها ولكنه يتوصل إلى استهلاك كمية منها دون مرورها بالعداد ولكن لا يعتبر سارقاً من يستهلك المياه بعد مرورها بالعداد وتسجيله الكمية المستهلكة ثم يتلاعب بعد ذلك في العداد فيرجع مؤشره ويجعله يبين كمية أقل مما استهلك ذلك أنه حصل على الماء بالطريق المتفق عليه لذلك ومن ثم لا وجود  لاختلاس وما يصدق على المال يصدق على أي سائل آخر والغازات على اختلاف أنواعها لها كيانها المادي فغاز الإضاءة أو التدفئة وبخار الماء تصلح موضوعات للسرقة.

القوى الصالحة للحيازة وبصفة خاصة القوة الكهربائية نعني بهذه القوى طاقات تتولد تلقائياً أو عن طريق عمل الإنسان الذي يستطيع السيطرة عليها وتسخيرها في متطلبات حياته أي يستطيع حيازتها وأهم هذه القوى وأكثر تعرضاً لاستيلاء الغير عليها « القوة الكهربائية » وقد ثار خلاف حول مدى صلاحيتها موضوعاً للسرقة وهذا الخلاف مرده إلى النزاع حول تحديد طبيعة الكهرباء فبعض الآراء يذهب إلى اعتبارها مجرد حالة للمادة التي تسري في خلالها وفي هذا الرأي تتجرد الكهرباء من الكيان المادي وتذهب بعض الآراء إلى اعتبار الكهرباء تیاراً مادياً وأنه غير ذي وزن يتخذ لنفسه مجرى خلال الجسم الذي يخترقه وهذا الخلاف لا يجوز أن يمتد إلى القانون وإنما يتعين أن ينحصر البحث فيما إذا كانت الكهرباء من وجهة النظر القانونية ذات کیان مادي ومناط هذا الكيان على ما قدمنا هو مدى صلاحيتها موضوعاً للسلطات المادية التي تتكون من مجموعها الحقوق والمزايا التي تنالها السرقة بالاعتداء وتطبيق هذا الضابط يقود إلى الاعتراف للكهرباء بالكيان المادي فهي قوة أو طاقة تخضع لسيطرة من يولدها ويستطيع استعمالها فيما يبتغي من أغراض وتمكين غيره من استعمالها والتصرف فيها ومؤدي ذلك أنها تصلح موضوعاً للملكية والحيازة وبالإضافة إلى ذلك فإن فعل « الاختلاس » الذي تقوم به السرقة يمكن أن يرتكب بالنسبة للكهرباء إذ هي صالحة للنقل من موضع إلى موضع أي صالحة للخروج من حيازة والدخول في أخرى وهو ما يعنيه فعل « الاختلاس » وقد تبني القضاء هذا الرأي فقد قضت محكمة النقض بأن « التيار الكهربائي مما تناوله كلمة منقول إذا المنقول هو كل شيء ذي قيمة مالية يمكن تملكه وحيازته ونقله وهذه الخصائص متوفرة في الكهرباء».

وجميع وسائل الاستيلاء على الكهرباء سواء طالما أنه يتحقق بها الاعتداء على الحيازة الذي تقوم به السرقة وتطبيقاً لذلك فإن من يصل أسلاكه بأحد الأسلاك الرئيسية أو الفرعية التي توزع عن طريقها هيئة عامة إدارة الكهرباء مثلاً أو خاصة الكهرباء على مشتركيها دون أن يكون متفقاً معها على ذلك ويصل بذلك إلى استهلاك الكهرباء دون أداء ثمنها يعتبر سارقاً لها ويعتبر سارقاً كذلك من يصل أسلاكه بأسلاك جاره دون رضائه ويستهلك بذلك كهرباء يتحمل الجار ثمنها ومن يستولي على الكهرباء من السلك الموجود في مسكنه ولكن قبل مروره بالعداد  ومن يجعل العداد يبطيء في سيره فيسجل كمية من الكهرباء أقل مما استهلكه فلا يدفع ثمناً الكل الكهرباء التي استهلكها .

ولكن لا يعتبر سارقاً من استهلك الكهرباء بعد مرورها بالعداد وتسجيله كل الكمية المستهلكة ولكنه استطاع بعد ذلك التلاعب في العداد بإرجاع مؤشره بحيث صار يبين مقدار أقل مما استهلك ذلك أنه حصل على الكهرباء برضاء الهيئة التي توزعها وبالطريق الذي حددته ومن ثم فلا وجود  لاختلاس .

وهذا المبدأ لا يقتصر تطبيقه على الكهرباء وإنما يطبق على كل قوة أو طاقة يمكن أن تخضع لسيطرة الإنسان وبوسعه أن يوجهها على النحو الذي يحقق منفعته ومن هذه القوى في تقديرنا  القوة النووية. 

وقد طبقت محكمة النقض هذا المبدأ على تحويل شخص مسار خط تليفونى لغيره إلى منزله واستعماله طوال مدة تعطله في منزل المجني عليه ذلك أنه قد استولى على الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التليفونية فقد سيطر عليها واستعملها دون أن يكون مرخصاً له ودون أن يؤدي المقابل لذلك .

الأفكار والمنافع والحقوق : تخرج الأفكار والمنافع والحقوق من مجال السرقة ذلك أنها متجردة من الطبيعة المادية ولكن يتعين التمييز بين الأفكار والمنافع والحقوق من ناحية وبين الأشياء المادية التي تتصل بها فتكون وسيلة تسجيلها أو مصدر الحصول عليها أو أداة إثباتها فإذا خرجت الأولى من مجال السرقة لتجردها من الكيان المادي فإن الثانية تصلح موضوعاً للسرقة لأن لها هذا الكيان .

فالأفكار - أي نتاج الفكر بصفة عامة - لا تصلح موضوعاً لسرقة : فمن اقتبس آراء غيره وادعاها لنفسه ومن نسب لنفسه ألحان غيره ومن اقتبس عن غيره طريقته في رسم لوحة كل أولئك لا يرتكبون سرقة ولكن المخطوط الذي سجل فيه المؤلف أفكاره أو الموسيقى ألحانه أو اللوحة التي سجل عليها الفنان عمله هي أشياء مادية فتصلح موضوعاً للسرقة.

والمنافع أي حالة استعمال الشيء تتجرد من الكيان المادي لأنها  مجرد حالة ومن ثم لا تصلح موضوعاً للسرقة فمن اتخذ مكاناً في وسيلة نقل عامة دون أن يدفع مقابلاً لذلك ومن طهي طعاماً على موقد لغيره ومن برد شراباً في ثلاجة غيره كل أولئك لا يرتكبون سرقة  ولكن الشيء الذي تصدر عنه المنفعة له كيان مادي فیصبح موضوعاً للسرقة فمن استولى على وسيلة النقل أو الموقد أو الثلاجة يرتكب سرقة.

والحق سواء أكان سلطة أم علاقة هو تجريد قانونی ومن ثم فهو غير ذی کیان مادي فلا يصلح موضوعاً لسرقة فمن أوهم مديناً أن دائنه حول إليه حقه وتوصل بذلك إلى حمله على أن يؤدية إليه لا يرتكب سرقة ومن ادعى لعقاره حق ارتفاق على عقار جاره وباشره لا يعتبر سارقاً ولكن إذا سجل الحق في سند ليكون وسيلة إثباته فإن هذا السند بما له من كيان مادي يصلح موضوعاً للسرقة.

کون موضوع السرقة مملوكاً للغير :

علة اشتراط أن يكون موضوع السرقة مملوكاً للغير: علة هذا الشرط أن السرقة اعتداء على الملكية ولا يتصور هذا الاعتداء إلا إذا نال الفعل مالاً مملوكاً للغير ذلك أنه إذا وقع الفعل على مال يملكه المتهم فهو استعمال لحقه عليه وإذا انصب على مال غير مملوك لأحد فهو اكتساب مشروع لملكيته والفعل في الحالين مشروع فلا تقوم به سرقة ويعني ذلك أن الفصل في الإدعاء بالسرقة يفترض فصلاً في ملكية المال المدعى بسرقته ويجري هذا الفصل تطبيقاً لقواعد القانون المدني.

ووضع ملكية المال من المتهم بالسرقة لا يعدو واحداً من ثلاثة : أن يكون المال ملكاً له أو ألا يكون ملكاً لأحد أو أن يكون ملكاً لغيره في الوضعين الأول والثاني لا ترتكب السرقة وفي الوضع الثالث يتصور ارتكابها.

المال المملوك للمتهم :

القاعدة : القاعدة أنه «لا يسرق شخص ماله » وإنما يعتبر فعله المنصب على ماله استعمالاً مشروعاً لملكيته ولا يغير من هذه القاعدة أن تسوء نية المتهم فيعتقد أنه ملك لغيره فهذه صورة من الاستحالة المطلقة أو القانونية تخرج من نطاق العقاب.

وتطبق هذه القاعدة ولو كانت للغير على الشيء حقوق إذ أن هذه الحقوق لا تنفي عن الشيء ملكية المتهم له ولا يحول دون ثبوت الملكية للمتهم أن يكون محظوراً عليه بناء على سند ملكيته أو أي سبب قانوني آخر - التصرف في ماله فشرط المنع من التصرف لا ينفي الملكية.

حالة كون المال في حيازة غير مالكه : إذا كان المال المملوك للمتهم في حيازة غيره فاسترده خفية أو عنوة فلا تقوم بفعله سرقة ذلك أن الاعتداء على الحيازة دون الملكية لا تقوم به السرقة إذ هي اعتداء عليهما معاً ولا يغير من هذا الحكم أن ينطوي الفعل على مساس بحق اللحائز أو حرمان له من مزايا مشروعة بل لا يغير منه أن تكون وسيلة الاسترداد ذات طابع إجرامي كما لو انتهك حرمة مسكنه وتطبيقاً لذلك فإن المؤجر الذي ينتزع من المستأجر الشيء الذي أجره له قبل انتهاء مدة العقد لا يعتبر سارقاً ولو كان المستأجر قد أدى الأجرة عن المدة بأكملها ولا يعتبر سارقاً المودع الذي يسترد شيئه من حوزة الوديع ولو كان ملتزماً بأن يؤدي له مصاريف صيانة هذا الشيء.

حالة كون المال موضوعا لحق الغير العيني : إذا كان المال المملوك للمتهم موضوعاً لحق عيني غير الملكية مقرر لشخص آخر فاسترده إنكاراً لذلك الحق فلا تقوم بفعله سرقة ذلك أن الفعل وإن تضمن اعتداء على ذلك الحق فهو لم يتضمن اعتداء على حق الملكية وتطبيقاً لذلك فإذا استرد مالك الرقبة ماله القيمی ممن له عليه حق الانتفاع به فلا سرقة بفعله.

ولكن إذا كان حق الغير على الشيء هو حق ملكية كذلك أي كان مملوكاً لهما معاً فإن الفعل الذي يصدر عن أحدهما متضمناً اعتداء على ملكية شريكه وحيازته تقوم به السرقة ذلك أنه إذا كان استعمالاً لحقه في خصوص نصيبه في ملكية الشيء فإنه اعتداء على ملكية شريكه فيما خص نصيبه فيه .

الشيء المتنازع عليه: إذا كانت ملكية المال المدعى بسرقته متنازعاً عليها بين المتهم وشخص آخر فإن الفصل في الإتهام بالسرقة يرتهن بالفصل في النزاع على الملكية فإن قضى باعتبار المتهم مالكه الوحيد فلا سرقة في فعله أما إذا قضى بغير ذلك فهو سارق له  .

ولا يغير من هذا التكييف أن الفعل قد ارتكب قبل صدور الحكم القضائي الفاصل في النزاع على الملكية ذلك أن الحكم كاشف عن الحق وليس منشئاً له فيعتبر منتزع الشيء من حيازة غيره الذي قضى باعتباره مالكه أنه كان دائماً مالكاً له ومن ثم لم يصدر عنه في أي وقت اعتداء على ملكية غيره.

المال غير المملوك لأحد :

القاعدة : إذا كان المال المدعى بسرقته غير مملوك للمتهم بالسرقة وغير مملوك كذلك لشخص سواه فلا سرقة فيما صدر عنه من فعل ذلك أن هذا الفعل لم يتضمن اعتداء على ملكية الغير بل إن الشارع يعتبره سبباً مشروعاً لانشاء حق ملكية لمصلحة من صدر عنه على ذلك الشيء والأشياء غير المملوكة لأحد نوعان أشياء مباحة وأشياء متروكة.

الأشياء المباحة: الأشياء المباحة هي أشياء غير مملوكة لأحد ولم تكن في وقت ما مملوكة لأحد والاستيلاء عليها سبب لاكتساب ملكيتها المادة 87 من القانون المدني ومن ثم لا محل لقيام السرقة به وأهم الأمثلة للأشياء المباحة الثروات الطبيعية في الكون فمن استولى على شيء منها فهو ليس بسارق بل يعد باستيلائه عليه مالكاً له فمن انتزعه منه بعد ذلك كان سارقاً له فالمياه في البحر أو النهر والأسماك في المجاري العامة للماء والطيور والحيوانات البرية التي لا تزال في حالة الحرية الطبيعية وأشعة الشمس والهواء أشياء مباحة ومن ثم لا يعتبر سارقاً من اغترف مياها من البحر أو النهر ثم استعملها أو استغلها ومن صاد أسماكاً أو حيوانات بحرية أياً كانت من مجری عام للماء أو استخرج منه أصدافاً أو لؤلؤاً أو أحجاراً ثمينة ولا يعتبر سارقاً كذلك عالم كيميائي اختزن جزءاً من أشعة الشمس أو استمد من الهواء بعض عناصره الكيميائية وإنما يكتسب هؤلاء الأشخاص ملكية ما استولوا عليه  فمن اعتدى بعد ذلك على ما اكتسبوه من ملكية وحيازة كان سارقاً.

ولا يحول دون اعتبار الشيء مباحاً أن تكون السلطات العامة قد رخصت لشخص طبيعي أو معنوي بالاستيلاء عليه طالما أنه لم يستول عليه فعلاً فإذا رخص لشخص في أن يصيد الأسماك التي تعيش في مجرى مائي معين أو الحيوانات التي تعيش في منطقة معينة أو أن يستخرج المعادن أو يقتطع الأحجار من أرض معينة فهو لا يتملك من هذه الحيوانات أو المعادن أو الأحجار إلا ما يستولى عليه بالفعل فإن استولى شخص على ما لم يستول عليه بعد لم يكن سارقاً له وإن انطوى فعله على إخلال بالمزايا التي خولها الترخيص لصاحبه وتعليل هذا الحكم أن القانون قد جعل  الإستيلاء  سبب اكتساب ملكية هذه الأشياء فيناقض ذلك أن يعتبر  الترخيص الإداري سبب اكتسابها.

أموال الدولة لا تعتبر أموال الدولة أشياء مباحة وإنما هي محل لحق ملكية الدولة سواء في ذلك أن يكون المال مخصصاً للمنفعة العامة كالطرق العامة والجسور ومباني المرافق العامة وما تحتويه من أشياء مرصودة لخدمتها أو أن تمتلكه الدولة ملكية خاصة فمن استولى على هذه الأموال كمن انتزع أتربة من طريق عام أو اقتلع شجرة من بستان تمتلكه الدولة أو استولى على المنقولات التي يحتويها مبنى مملوك للدولة فهو سارق له بل قد يسأل عن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة إن كان موظفاً عاماً أو من في حكمه المادة 113 من قانون العقوبات.

ولا يثير الأمر صعوبة إذا كانت الدولة قد وضعت يدها على أرض لم تعمر بعد فمارست عليها السلطات التي تنطوي عليها الملكية والحيازة إذ تعتبر ملكاً لها وتمتلك وفقاً للقواعد العامة ما في بطنها من معادن وما على سطحها من أحجار المادة 803 من القانون المدني الفقرة الثانية وتطبيقاً لذلك فمن استخرج معادن من أرض تملكها الدولة أو اقتطع أحجاراً من هذه الأرض اعتبر سارقاً لها ومن أهم القرائن الدالة على ملكية الدولة للأرض أن تحميها بأسوار وتعين عليها حراساً من عمالها .

الأشياء المتروكة : الأشياء المتروكة هي أشياء كانت مملوكة ثم تخلى مالكها عن حيازته لها بنية النزول عن ملكيته (المادة 871 من القانون المدني الفقرة الأولى) وتصير الأشياء المتروكة غير مملوكة لأحد ومن ثم لا تقوم بالاستيلاء عليها سرقة ويعقب الاستيلاء على الشيء المتروك أن يصير مملوكاً للمستولى عليه ومن ثم يصلح بذلك موضوعاً للسرقة وأهم أمثلة للأشياء المتروكة الأشياء التي يتخلى عنها ملاكها في الطريق العام أو مستودعات القمامة لعدم احتياجهم إليها ويصير الحيوان الأليف أو الذي كان برياً ثم روض واستؤنس شيئاً متروكاً إذا خرج من حيازة مالكه فنزل عن حقه في تتبعه.

والمصدر القانوني لصيرورة الشيء متروكاً هو « التخلي » وقوامه عنصران : عنصر مادي هو إخراج الشيء من الحيازة وعنصر معنوي هو نية النزول عن حق الملكية الثابت على الشيء وتستخلص هذه النية من القرائن ولكن يجب أن تكون واضحة ومؤكدة فلا يجوز افتراضها ولا يحول دون اعتبار الشيء متروكاً أن تكون قيمته كبيرة طالما أن نية التخلي عن الملكية ثابتة ولا يحول كذلك دون اعتبار الشیء متروكاً أن ترخص السلطات العامة لشخص بالاستيلاء على الأشياء المتروكة في مكان معين ذلك أنه لا يتملكها إلا إذا استولى عليها بالفعل ويعني ذلك أنها تظل حتى ذلك الاستيلاء غير مملوكة لأحد وتطبيقاً لذلك فإذا رخصت سلطات مدينة الشخص بجمع القمامة من شوارعها ولكن شخصاً آخر استولى على أشياء منها قبل جمعها فلا يرتكب بذلك سرقة.

المال المملوك لغير المتهم :

القاعدة : القاعدة أنه إذا كان المال المدعي بسرقته مملوكاً الشخص غير المتهم بالسرقة تحقق بذلك الاعتداء على الملكية الذي تفترضه جريمة السرقة ولا يشترط أن يكون أسم المالك معلوماً وسواء أن يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً ولا تفرقة بين ما إذا كان المال مملوكاً الشخص واحد أو لأشخاص عديدين .

وعلى الرغم من بساطة هذه القاعدة فإن تطبيقها قد تكتنفه أحياناً بعض الصعوبات وخاصة حين يعرض سبب لإنتقال الملكية فيثور البحث حول تحديد المالك الحقيقي للمال المدعي بسرقته وما إذا كان المتهم بالسرقة (فلا تتوافر للسرقة أركانها) أم شخصا آخر فتقوم السرقة إذا توافرت

لها سائر أركانها وأهم أسباب إنتقال الملكية إثارة للصعوبات « العقد»، وبصفة خاصة « عقد البيع » .

تحديد المالك فى حالة البيع البيع عقد يتولد عنه إلتزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري وينفذ هذا الالتزام فوراً بحكم القانون فتنتقل ملكية المبيع إلى المشتري ومن ثم يمكن القول مع شيء من التجاوز بأن البيع عقد ناقل بطبيعته وبذاته لملكية المبيع من البائع إلى المشتري ويتعين في تطبيق هذه القاعدة التفرقة بين المنقول المعين بالذات والمنقول المعين بالنوع .

المنقول المعين بالذات : إذا كان المنقول المبيع معيناً بالذات فإن ملكيته تنقل إلى المشتري بمجرد العقد (المادة 204 من القانون المدنى) وتطبق هذه القاعدة سواء دفع المشتري الثمن أثناء التعاقد أو فوره أو ارتضى البائع منحه أجلاً لذلك فإذا أدى المشتري الثمن ثم حاز المبيع فهو لا يعتبر سارقاً إذ قد حاز مالاً مملوكاً له ولا يغير من الحكم أن يكون البائع عارض في التسليم أو أن يكون قد اشترط في العقد تأجيل التسليم فالقانون لا يعلق انتقال الملكية على التسليم .

وهذا الحكم يرد عليه قيد هام : فنقل الملكية من طبيعة عقد البيع وليس من مستلزماته ومن ثم يجوز الاتفاق على إرجاء تنفيذ الإلتزام بنقل الملكية لأجل معين أو إلى حين تحقق شرط معين کتسليم المبيع أو أداء الثمن فإذا استولى المشتري على الشيء قبل حلول الأجل أو تحقق بالشرط كان سارقاً له إذ قد استولى على شىء لم تنتقل إليه ملكيته بعد ولا يغير من هذا الحكم أن يكون المشتري قد دفع الثمن كله إذا كان الشرط واقعة أخرى غير أداء الثمن وقد يستخلص الأجل أو الشرط من طبيعة الأشياء كما لو كان المبيع شيئاً يصنعه البائع فيما بعد فإذا استولى المشتري على شيء مماثل لما تعاقد على شرائه كان سارقاً له وإذا كان بيع المنقول المتعين بالذات بالتقسيط ولم يتضمن شرطاً يتعلق انتقال الملكية على سداد جميع الأقساط طبقت القاعدة العامة وانتقلت الملكية إلى المشتري بمجرد العقد دون توقف على سداد الأقساط وكان ذلك حائلاً دون قيام السرقة.

المبيع المعين بالنوع : إذا كان المبيع معيناً بالنوع فإن ملكيته لا تنتقل إلى المشتري إلا بإفرازه أي عزله عما يماثله فيصير معيناً بذاته فيتصور أن يرد عليه انتقال الملكية (المادة 205 من القانون المدنى) وتطبيقاً لذلك فإنه إذا اشترى شخص منقولاً معيناً بالنوع ثم استولى مما يملكه البائع قبل الإفراز على مقدار من جنس ونوع ذلك المنقول ودرجة جودته معادل لما تعاقد على شرائه فهو سارق له إذ قد استولى على مال لم تنتقل إليه ملكيته بعد ولا يغير من هذا الحكم أن يكون قد دفع الثمن المتفق عليه بأكمله.

ولكن إذا ورد البيع على مال معين بالنوع وشمل كل الكمية التي يملكها البائع بحيث لم يكن مجال لإفراز أو شك يثور حول ذاتية المبيع (وهذا هو البيع جزافاً) فإن الملكية تنتقل إلى المشتري بمجرد التعاقد (المادة 429 من القانون المدني) . وتطبيقاً لذلك لا يعتبر المشتري سارقاً إذا استولى على المبيع كله أو جزء منه ولو كان لم يؤد الثمن بعد فقد استولى على شيء صار ملكاً له ولا يعترض على ذلك بأنه قد اعتدى على حيازة البائع فهو لم يعتد على ملكيته .

البيع نقداً : البيع نقداً صورة من البيع يرد على منقول معين بالذات ولا يضاف إلى أجل أو يعلق على شرط سواء من حيث انتقال الملكية أو أداء الثمن وهذا النوع من البيوع هو السائد في المعاملات اليومية المعتادة فإذا عرض شخص على آخر أن يبيعه منقولاً معيناً بذاته على أن يؤدي ثمنه فوراً ويتسلمه فأبدى قبوله ثم استولى على الشيء دون أداء الثمن فهل يتحقق بذلك الاعتداء على الملكية الذي تفترضه السرقة موضوع الصعوبة أن المتهم وهو المشتري قد يدفع اتهامه بالسرقة بأن ملكية الشيء قد انتقلت إليه بناءً على عقد البيع الذي تم بمجرد التراضي ويضيف إلى ذلك أن انتقال الملكية غير مرتهن بأداء الثمن .

هذا الدفاع غير مجد : فمن ناحية تقطع القرائن بأن البائع قد أخضع وجود عقد البيع وانتقال الملكية بناءً عليه « لشرط واقف » هو أداء الثمن على الفور إذ حرصه المفترض على مصلحته وعدم معرفته بالراغب في الشراء يفرض عليه ذلك وقد قبل الراغب في الشراء هذا الشرط وقبوله مستخلص من كونه لم يطلب أجلاً ومقتضى هذا الشرط الواقف أن الملكية لم تنتقل إلى الراغب في الشراء ومن ثم يعتبر فعله اعتداء على ملكية ما تزال لغيره وهذه الحجة تدحض دفاع المتهم ولو كان في البداية جاداً حسن النية ينوي أداء الثمن ثم ساعت نيته فالفرض أنه قد قبل الشرط الذي وضعه البائع ومن ثم لم تنتقل إليه الملكية ولكن في الغالب تكون نية المتهم منذ البداية سيئة أي ينوي الاستيلاء على الشيء دون أداء ثمنه ويكون قبوله الثمن مجرد مظهر لا سند له من إرادة حقيقية ويعني ذلك أن عقد البيع الذي يستند إليه دفاعه لا وجود له في الواقع القانوني وإنما هو عقد مزعوم إذ البيع يتطلب إرادتين جادتين تنصب كل منهما على أركانه وشروطه.

المال المشاع بين المتهم وغيره : إذا كان المال المدعى بسرقته مملوكاً على الشيوع بين المتهم وغيره فاستولى عليه كله أو جزء منه وإن كان أقل من نصيبه فيه فهو بذلك معتد على ملكية شريكه الذي يقاسمه ملكية كل ذرة من ذرات هذا المال ولا يصلح دفاعا له قوله إن فعله استعمال لحقه ذلك أنه في الوقت ذاته عدوان على ملكية شريكه ولا عبرة بقوله إن ما استولى عليه من الشيء معادل لنصيبه أو أقل منه ذلك أنه في حالة الشيوع لا يملك كل شريك جزءاً محدداً من الشيء وإنما الملكية للشركاء جميعاً بالنسبة لجميع ذرات الشیء (المادة 82 من القانون المدنى) ولكن لا تتوافر للسرقة جميع أركانها إلا إذا صاحب الاعتداء على الملكية اعتداء على الحيازة ويقتضي ذلك أن يكون المال في حيازة غير المتهم بالسرقة سواء أكان شريكه أم شخصاً آخر أما إذا كان في حيازته من قبل فاستأثر به لنفسه كله أو جزءاً منه فهو ليس سارقاً ولكنه قد يسأل عن خيانة الأمانة إذا توافرت أركانها .

ولا يحول دون قيام السرقة أن تجرى قسمة بين الشركاء ويقع المال موضوع السرقة بأكمله في نصيب المتهم ذلك أن العبرة في تحديد مالك المال هي بلحظة ارتكاب الفعل الذي تقوم به الجريمة ولا اعتداد بالتغيير الطارئ في الملكية بعد ذلك ولا يدحض هذا الحكم القول بأن للقسمة أثراً رجعياً (المادة 843 من القانون المدني) باعتبارها كاشفة عن حق كل متقاسم وأن من شأن ذلك اعتبار المتقاسم الذي يؤول إليه نصيب من المال المشترك مالكاً له منذ بدء حالة الشيوع فإذا كان هذا النصيب هو موضوع السرقة فلا قيام لها لأنه ملك للمتهم منذ وقت سابق على فعله ذلك أن فكرة الأثر الكاشف والرجعي للقسمة هي فكرة مدنية محضة دعت إليها اعتبارات تتصل بتحديد مدى صحة التصرفات الصادرة عن الشركاء قبل إجراء القسمة وهي اعتبارات ينبغي أن تنحصر في المجال الذي تقتضيه ومن ثم لا يجوز أن تمتد إلى القانون الجنائي وبالإضافة إلى ذلك فإن نظرية الأثر الرجعي للقسمة تستند إلى محض افتراض ومجاز، ومن ثم لا مجال لتطبيقها في القانون الجنائي الذي لا يبني أحكامه على مجاز وإنما يستمدها من الواقع .

استيلاء الدائن على مال لمدينة : هل يعتبر سرقة استيلاء دائن على مال المدينه استيفاء لحقه لا شك في أن المال المملوك للمدين يعتبر بالنسبة للدائن مالاً مملوكاً لغيره فحقه على أموال مدينه مقتصر على « الضمان العام » (المادة 234 من القانون المدني) ومؤدي ذلك أنه ليس له حق عيني على أي منها طالما أنه لم يرصد ليكون ضماناً خاصاً لدينه والنتيجة الحتمية لذلك أنه إذا استولى الدائن على مال مدينه كان سارقاً له ولا يدحض هذا الحكم كون حق الدائن حالاً وخالياً من النزاع إذ لا يمنحه ذلك ملكية مال لمدينه ولا يدحضه كذلك أنه استولى على مال معادل لحقه أو أقل منه وأن باعثه إلى فعله الحصول على حقه فحسب  وأنه لا تتوافر الديه « نية الإثراء » فليس الباعث أو نية الإثراء من عناصر القصد الجنائي المتطلب في السرقة .

الكنز : الكنز هو منقول مدفون أو مخبوء لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له ويتضح من هذا التعريف أن الكنز ليس مالاً مباحاً ذلك أن له مالكاً ولو أنه غير معروف وهو كذلك ليس مالاً متروكاً إذ أن مالكه لم يتخل عنه بل إن حرصه على دفنه أو تخبئته يكشف عن نيته في التمسك بملكيته لها، وإذا انتفى عن الكنز أنه مال مباح أو متروك فمؤدي ذلك أنه مملوك للغير ومن ثم يصلح موضوعاً للسرقة.

والصعوبة التي يثيرها الكنز هي تحديد مالكه بحيث إذا استولى عليه لم يكن فعله سرقة وإذا استولى عليه غيره كان فعله سرقة وضع الشارع قاعدة مبناها قرينة لا تقبل إثبات العكس فنصت المادة 872 من القانون المدني على أن « الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له يكون المالك العقار الذي وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته والكنز الذي يعثر عليه في عين موقوفة يكون ملكاً خاصاً للواقف ولورثته » ويعني ذلك اعتبار الكنز ملكاً لمالك العقار الذي عثر عليه فيه سواء أكان هو الذي عثر عليه أم كان قد عثر عليه شخص آخر والنتيجة الحتمية التطبيق هذه القاعدة أنه إذا استولى على الكنز شخص غير من قرر القانون ملكيته له ولو كان مكتشفه فهو سارق له.

الأشياء التي توضع مع الموتى في قبورهم : هل يعتبر سرقة الاستيلاء على ما يودعه أهل المتوفي معه في قبره استجابة لتقاليد أو تعبيراً عن شعور کالكفن أو الحلى موضع الصعوبة أنه قد يتبادر إلى الأذهان أنهم قد تخلوا عن ملكية هذه الأشياء باعتبارهم لن يستطيعوا استعمالها أو التصرف فيها فصارت متروكة ولكن هذا القول غير صحيح فنية أهل المتوفي لم تتجه على الإطلاق إلى التخلي عن هذه الأشياء وإباحتها لأول واضع يد عليها وإنما اتجهت إلى إبقائها مع المتوفي تحقيقاً لغرض معين يؤمنون به وإعمال هذه الإرادة ينفي نية النزول عن الملكية ويثبت على العكس من ذلك أن نيتهم التمسك بملكية هذه الأشياء ثم تخصيصها الاستعمال معین هو بطبيعته دائم و ثابت ولا يستطيع المتهم أن يدفع اتهامه بالسرقة بأنه وإن اعتدى على ملكية الورثة فهو لم يعتد علی حيازة أحد ذلك أن الورثة يحوزون القبر وإن أنابوا عنهم في ممارسة سلطات الحيازة حارساً خاصاً أو الحارس العام لقبور منطقية معينة وهم بحيازتهم للقبر يحوزون ما أودع فيه من مال .

ويصدق هذا الحكم كذلك على الأعضاء الصناعية للجثة كالساق أو الذراع المعدنية أو الخشبية أو الأسنان الذهبية فمن استولى عليها سئل عن سرقة ولكن هل يصدق هذا الحكم على الاستيلاء على الجثة أو أعضائها الطبيعية إن اعتبار ذلك الاستيلاء سرقة يقتضي التحقق من صلاحية الجثة أو أعضائها موضوعاً للسرقة قدمنا أن الجثة تصير بالموت شيئاً ولكن هل يمكن القول بأنها قد صارت كذلك مالاً مملوكاً لشخص ؟ إن ما تفرضه القيم الإنسانية والدينية من احترام للموتى يحول دون وصف الجثة بذلك والنتيجة الحتمية لذلك عدم جواز وصف الاستيلاء على الجثة بأنه سرقة وإذا كان الأصل رفض وصف الجثة بأنها  مال مملوك للغير فإنه من السائغ أن تصير كذلك استناداً إلى عمل قانوني من صاحب الحق في إجرائه فإذا أوصى بالجثة إلى متحف أو مركز أبحاث علمي أو وهبت له ممن يملك ذلك صارت ملكاً لذلك المتحف أو المركز وصلحت موضوعاً للسرقة.

الأموال المفقودة : المال المفقود هو مال خرج من نطاق السيطرة المادية لحائزه دون أن يقترن ذلك بنية النزول عن ملكيته أو حيازته، ويعني ذلك أن أخص ما يميز المال المفقود هو خروجه من نطاق السيطرة المادية لحائزه ، بحيث لم يعد يستطيع أن يباشر عليه أي سلطة من السلطات المادية التي تنطوي عليها الحيازة ويتميز المال المفقود بعد ذلك بأن مالكه الم ينزل عن ملكيته له ، ويعني ذلك أنه لا يتحقق بالنسبة له « التخلي » على نحو ما يتحقق في شأن « الأشياء المتروكة » ويتميز المال المفقود في النهاية بأن من كان يحوزه قبل ضياعه سواء أكان مالكه أم شخصاً سواه - لم ينزل عن نيته في ممارسة السلطات المادية التي تنطوي عليها حيازته بمجرد أن يتاح له ذلك ويعني ذلك أنه لم ينزل عن العنصر المعنوي لحيازته.

وإذا كان المال المفقود لا يزال كما قدمنا مملوكاً لمالكه فإن استيلاء ملتقطه عليه يعتبر اعتداء على ملكيته ويحقق من هذه الوجهة هذا العنصر للسرقة ولكن اعتبار احتباس المال المفقود سرقة يثير مشكلة البحث فيما إذا كان هذا الفعل يحقق اعتداء على حيازة من كان يحوزه قبل فقده على نحو يقوم به فعل « الإختلاس » وغني عن البيان أنه إذا لم يوصف فعل ملتقط الشيء المفقود بأنه اختلاس فلا توصف جريمته بأنها سرقة وقد وضع الشارع في شأن احتباس المال الضائع المادة 321 مکرراً من قانون العقوبات التي نصت على أن « كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده إلى صاحبه متى تيسر ذلك أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه أما إذا احتبسة بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فتكون العقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه » ونعرض فيما بعد لتحديد الوصف الصحيح لإحتباس الشيء الضائع .

كون موضوع السرقة منقولاً :

علة اشتراط كون موضوع السرقة منقولاً : تطلب الشارع هذا الشرط صراحة حينما عرف السارق بأنه « كل من اختلس منقولاً » وعلته أن السرقة اعتداء على ملكية المنقولات دون العقارات إذ حائز المنقول هو الذي تتعرض حيازته وملكيته للمخاطر بالإضافة إلى أن فعل « الاختلاس » يعنی تغییر موضع الشيء باعتباره الوسيلة إلى إخراجه من حيازة المجني عليه وتحقيق الاعتداء الذي تفترضه السرقة ولا يتصور ذلك إلا بالنسبة للمنقول.

مدلول المنقول : التمييز بين المنقول والعقار هو من موضوعات القانون المدني وقد عرف العقار بأنه، كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لايمكن نقله دون تلف المادة 82 الفقرة الأولى واستخلص من ذلك أن كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول ويعني ذلك أن المنقول في اصطلاح القانون المدني هو  كل شيء يمكن نقله من حيزه دون تلف وقد ضيق القانون المدني بعد ذلك من فكرة المنقول حين اعتبر عقاراً بالتخصيص  المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رداً على خدمة هذا العقار أو استغلاله  .

ولكن قانون العقوبات يتبنى فكرة أبسط في تحديد المنقول : يعتبر منقولاً كل مال يمكن تغيير موضعه أي يمكن رفعه من موضعه وجعله في موضع آخر سواء أصابه تلف بذلك أو لم يصبه ولا يحول دون اعتبار المال منقولاً أن قابليته للانتقال لم تتحقق له إلا بفعل المتهم الذي نقله من موضعه الذي كان ثابتاً مستقراً فيه ويعني ذلك أن كون المال جزءاً من عقار لا يحول دون اعتباره منقولاً إذا تحقق انفصاله عنه لأي سبب فصار بذلك قابلاً للحركة والانتقال من موضع إلى آخر فالأرض عقار بطبيعته وهي على هذا النحو لا تصلح موضوعاً للسرقة ولكن الأتربة والرمال والمعادن والأحجار التي تستخرج من الأرض تعتبر منقولات وتصلح موضوعاً للسرقة والنبات عقار بطبيعته ما دامت جذوره ممتدة في باطن الأرض ولكن إذا انفصل منه شيء كثماره مثلاً فإنه يعتبر منقولاً ويصلح موضوعاً للسرقة سواء انفصل تلقائياً لنضوجه أو بتأثير الرياح أو بفعل السارق نفسه الذي فصله ليستولى عليه أو بفعل شخص آخر فصله لسبب ما ثم لم يستول عليه وتعتبر عقارات بطبيعتها وفقاً للقانون المدني أجزاء البناء التي لا يمكن نقلها من موضعها دون تلف كالأحجار التي شيد بها أو الأخشاب التي تغطي أرضية حجراته ولكن هذه الأشياء إذا فصلت من البناء أياً كان سبب فصلها وسواء أصابها تلف أو لم يصبها تعتبر منقولات وتصلح موضوعاً للسرقة ومن باب أولى فإن العقار بالتخصيص كتمثال يضعه مالك بناء فيه لتجميله أو مواشي أو آلات زراعية يضعها مالك الأرض الزراعية فيها لاستغلالها أو معدات أو آلات أو أجهزة يضعها مالك المصنع فيه لاستغلاله تعتبر منقولات وتصلح موضوعاً للسرقة.

وعلى هذا النحو ، فإنه لا يخرج من عداد المنقولات - في مدلولها الجنائي - ومن نطاق السرقة تبعاً لذلك غير المال الثابت في موضعه الذي لا يتصور رفعه من ذلك الموضع ، كقطعة أرض أو بناء في مجموعة .

کون موضوع السرقة في حيازة غير المتهم :

علة هذا الشرط : علة اشتراط أن يكون موضوع السرقة في حيازة غير المتهم أن السرقة اعتداء على الحيازة إلى جانب ما تنطوي عليه من اعتداء على الملكية ولا يتصور اعتداء شخص على حيازة غيره إلا إذا كان الغير يحوز المال الذي أنصب عليه فعل الاعتداء أما إذا كان المال في حيازة المتهم نفسه فقد انتفى عن فعله وصف الإعتداء ولم يعد أن يكون صورة لاستعماله سلطات حيازته وبالإضافة إلى ذلك فإن الفعل الذي تقوم به السرقة أي « الاختلاس » لا يتصور إلا إزاء شيء في حيازة غير مرتكبة إذ جوهر هذا الفعل أنه « إخراج الشيء من حيازة الغير » وهو ما يفترض بالضرورة أن المال في حيازة «الغير».

مدلول الحيازة : ليست الحيازة حقاً وإنما هي « مركز واقعی » وعلى الرغم من أن هذا المركز قد يكون أحياناً غير مشروع فإن الشارع يستخلص منه بعض الآثار مما يعني أنه يعتد به ويجعل منه نظاماً قانونياً يكفل له بشروط معينة الحماية .

الحيازة سيطرة إرادية لشخص على شيء وتقوم الحيازة على عنصرين : عنصر مادي هو السيطرة على الشيء وما يتفرع عنها من سلطات تتسع أو تضيق تبعاً لنوع الحيازة وعنصر معنوي هو« إرادة السيطرة على الشيء » أي اتجاه الإرادة إلى مباشرة الأفعال التي تتمثل فيها مظاهر السيطرة عليه .

العنصر المادي للحيازة : قوام هذا العنصر هو السيطرة على الشيء وتعني السيطرة استطاعة التأثير على مادة الشيء وصور هذا التأثير متنوعة وأبرزها إفناء هذه المادة أو التعديل من شكلها أو توجيهها في استعمال معين فإذا كان الشخص من حيث مركزه الواقعي أن يتصرف في شيء أو يستعمله في غرض أو أكثر أو يمكن غيره من ذلك فمعنى ذلك أنه قد توافر العنصر المادي للحيازة .

العنصر المعنوي للحيازة : يعني العنصر المعنوي للحيازة الصفة الإرادية للسيطرة المادية أي « إرادة السيطرة على الشيء » فما يأتيه الحائز من أفعال ليس وليد المصادفة وهي ليست عارضة تباشر مرة أو أكثر بنية عدم تكرارها ولكنها صادرة عن إرادة الاحتفاظ بالشيء واستبقاء السيطرة عليه مدة معينة أو لأجل غير محدد .

وتفترض هذه الإرادة العلم بالشيء وبدخوله في نطاق السيطرة عليه فالإرادة من طبيعتها أن تكون واعية وتطبيقاً لذلك فإن من يدفن شيئاً فی حديقة منزل لا يدخله بذلك في حيازة حائز هذا المنزل إذا كان لا يعلم بوجود ذلك الشيء ولكن لا يشترط أن ينصرف العلم والإرادة إلى الشيء في ذاتيته وتحديده الواقعي بل يكفي علم وإرادة عامان ينصرفان إلى احتمال دخول الشيء في مجال السيطرة وهما يتجهان كذلك إذا انصرفا إلى الجنس الذي ينتمي إليه الشيء فمن يحوز صندوقاً للخطابات يحوز بالضرورة ما يودع فيه من خطابات وإن لم يعلم بإيداعها ومن يلقي بشبكة في نهر يحوز ما يدخل فيها من أسماك وإن كان لم يعلم بعد بذلك.

أنواع الحيازة : تتنوع الحيازة تبعاً لنطاق السلطة التي تنطوي عليها وكيفية اتجاه الإرادة التي تصدر عنها هذه السلطة إلى قسمين الحيازة الكاملة والحيارة الناقصة ومن المتعين بعد تحديد مدلول كل منهما بيان المراد « باليد العارضة » التي لا تعتبر حيازة في أي من أنواعها .

الحيازة الكاملة : تفترض الحيازة الكاملة من حيث مادياتها أوسع السلطات على الشيء ففي استطاعة الحائز حيازة كاملة أن يستعمل كل أو أغلب السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية فيسعه أن يستعمل الشيء وينتفع به ويتصرف فيه وتتميز الحيازة الكاملة من حيث عنصرها المعنوي بأن نية الحائز هي أن يباشر هذه السلطات لحسابه فهو يعتبر نفسه أصيلاً على الشيء لا نائباً عن الغير فسلطاته على الشيء مباشرة وهو في غير حاجة إلى وساطة شخص کي يباشر هذه السلطات وأبرز مثال الحائز حيازة كاملة مالك الشيء وحازته تستند إلى ملكيته ومدعي ملكية الشيء سواء أكان حسن النية أم سيئها إذ يباشر على الشيء أوسع السلطات وينكر أن يكون لغيره حق أو صفة عليه .

الحيازة الناقصة : تتميز الحيازة الناقصة من حيث مادياتها بسلطات محدودة على الشيء تختلف ضيقاً واتساعاً باختلاف السند القانوني الذي يعتمد عليه الحائز وتتميز من حيث معنوياتها باعتراف الحائز بحق الغيره على الشيء والتزامه بأن يرده إليه أو يستعمله على نحو حدده له بل إن هذا الحائز يعتبر نفسه نائباً عن الغير في صفته على الشيء فهو يباشر سلطاته باعتباره مرخصاً له منه بذلك ومخولاً تمثيله في ذلك ومن ثم لا يدعي لنفسه حقاً أصيلاً على الشيء ومثال الحائز حيازة ناقصة الوديع والمستعير والمستأجر والمرتهن .

اليد العارضة : لا تعتبر اليد العارضة أو « مجرد وضع اليد المادي » على الشيء نوعاً من الحيازة بل إنها فكرة مختلفة فهي حالة وجود الشيء عرضا بين يدي شخص دون أن تكون له عليه سلطات مادية بل إن عليه أن يرده بعد وقت يسير وهو خاضع دائماً لرقابة من له الحق على الشيء الذي يسعه أن يحول بينه وبين ممارسة أية سلطة فعلية عليه وبالإضافة إلى ذلك فإن من له اليد العارضة ليس له حق أو صفة قانونية على الشيء ليس له حق أصيل عليه وليس له حق مستمد من الغير وهو بناء على ذلك لا يدعي أن له عليه صفة ما ومثال صاحب اليد العارضة من يتناول شيئاً کي يعاينه ويتفحصه ويرى ما إذا كان يشتريه أو من يتناوله کي يقدر ثمنه بناءً على طلب مالكه أو کي يستعمله عرضاً في أمر ما .

أهمية التفرقة بين الحيازة بنوعيها واليد العارضة أهمية هذه التفرقة أن الحيازة الثابتة للمتهم تنفي عنه ارتكاب السرقة ولكن وجود الشيء في يده العارضة لا ينفي عنه ذلك فمن كان يحوز الشیء حيازة كاملة أو ناقصة لا يمكن أن يسرقه ذلك أن السرقة اعتداء على الحيازة فإذا كانت الحيازة له فلا يتصور أن يصدر عنه اعتداء عليها وتطبيقاً لذلك فمن اشترى شيئاً وتسلمه قبل أن يؤدي ثمنه المؤجل ثم تصرف فيه معلناً أنه لن يدفع الثمن لا يعتبر سارقاً للشيء ولو تضمن العقد شرطاً بإرجاء انتقال الملكية لحين أداء الثمن إذ أنه يحوزه حيازة كاملة وكذلك لا يعتبر سارقاً مستعير الشيء أو مستأجره أو من أودع لديه إذا امتنع عن رده أو تصرف فيه إذ أنه يحوزه حيازة ناقصة ولكنه يرتكب جريمة خيانة الأمانة إذا توافرت أركانها أما من تناول سلعة في متجر ليتفحصها ويرى ما إذا كان يشتريها فهو يعتبر سارقاً أن تسلل هارباً بها ذلك أنه ليست له حيازتها وإنما هي في يده العارضة فحسب فهو إذ يفر بها يعتبر معتدياً على حيازة غيره.

الاعتداء على الحيازة في التقاط الأموال المفقودة : قدمنا أن التقاط الشيء المفقود بنية تملكه يعتبر اعتداء على ملكية مالكه ويحقق من هذه الوجهة أحد العناصر القانونية للسرقة ولكن هل يحقق هذا الفعل الاعتداء على الحيازة الذي يقوم به فعل « الاختلاس »، يرى الفقه ذلك فمن كان يحوز المال قبل فقده وإن زال العنصر المادي لحيازته باعتباره أنه لم تعد له مظاهر السيطرة المادية عليه فإن عنصرها المعنوي المتمثل في « إرادة السيطرة على الشيء » ما يزال باقياً له فهو يتشبث بماله ويبحث عنه ويرفض أن يسيطر عليه سواه وينوي إذا عثر عليه أن يباشر كل السلطات المادية التي تفترضها حيازته وبقاء العنصر المعنوي للحيازة لمن كان المال في يده قبل ضياعه يجعل احتباسه بنية تملكه اعتداء على هذه الحيازة ومن ثم يقوم به « الاختلاس».

ويبدو أن الشارع أقر هذا الرأي : فالمادة 321 مكرراً من قانون العقوبات نصت على أن «كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده إلى صاحبه متی تيسر ذلك أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه أما إذا احتبسة بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فتكون العقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائة جنيه » فقد اعتبر الشارع من احتبس المال المفقود بنية تملكه مرتكباً جريمة عقوبتها هي ذات عقوبة السرقة مما يعني أنها سرقة أو على الأقل « جريمة في حكم السرقة » وهذا التكييف لفعل « احتباس الشيء المفقود بنية تملكه » لا يتصور إلا إذا اعتبر الفعل اعتداء على حيازة الغير فكان بذلك «اختلاساً » أو « في حكم الاختلاس ».

ويتعين مع ذلك الاعتراف بأن ثمة فارقاً بين الاختلاس في صورته المعتادة وبين احتباس المال المفقود فالأول اعتداء على حيازة في عنصریها والثاني اعتداء على حيازة في عنصرها المعنوي فحسب .

الركن المادي للسرقة الاختلاس

ماهية الركن المادي للسرقة حدد الشارع الركن المادي للسرقة بأنه « الاختلاس » وهذا التحديد هو بيان للفعل الذي تقوم به ولكن تدخل في كيان هذا الركن كذلك النتيجة الإجرامية لهذا الفعل وعلاقة السببية بينهما وثمة صلة وثيقة بين ماهية فعل الاختلاس وحيازة الشيء الذي تتصب السرقة عليه ذلك أن جوهر الاختلاس أنه اعتداء على حيازة الغير ومن ثم تعين أن يجري تحديد الركن المادي للسرقة على أساس من « نظرية الحيازة ».

عناصر الركن المادي للسرقة :

تحديد عناصر الركن المادي للسرقة يقوم الركن المادي للسرقة على فعل الاختلاس وتترتب على هذا الفعل نتيجة هي خروج الشيء موضوع السرقة من حيازة المجني عليه و صيرورته في حيازة شخص آخر ويتعين أن ترتبط هذه النتيجة بالفعل بعلاقة السببية وعلى الرغم من أن التحليل المنطقي يفرض التمييز بين الفعل ونتيجته فهما من حيث التطبيق يندمجان ولا تتضح أهمية الفصل بينهما إلا حيث تقف السرقة عند الشروع فيرتكب الفعل ولكن لا تتحقق النتيجة.

ماهية الاختلاس و جوهر الاختلاس أنه اعتداء مرتكبه على حيازة غيره : فالفرض أن حيازة المال كانت ثابتة للمجني عليه ، فانتهك المتهم هذه الحيازة بأن أنهاها وأنشأ لنفسه أو لغيره حيازة عليه فتحقق بذلك اعتداؤه على حيازة المجني عليه وفي ضوء هذه الفكرة نعرف الاختلاس بأنه « إخراج الشيء من حيازة المجني عليه دون رضائه وإدخاله في حيازة أخرى » ويقوم الاختلاس على عنصرين الأول إخراج الشيء من حيازة وإدخاله في أخرى أو في تعبير آخر « تبديل الحيازة » والثاني هو عدم رضاء المجني عليه عن ذلك فالعنصر الأول يشير إلى المساس بالحيازة والعنصر الثاني يحدد الشرط المتطلب ليعد هذا المساس اعتداء على الحيازة ذلك أنه إذا كان إخراج الشيء من حيازة المجني عليه برضائه فالفعل ليس اعتداء على الحيازة ، وإنما هو تصرف فيها بواسطة الغير .

تبديل الحيازة : تبديل الحيازة هو استبدال حيازة بحيازة فهو خرق للحيازة التي كانت قائمة وقت ارتكاب الفعل وتأسيس لحيازة جديدة وفي تعبير آخر هو « إخراج الشيء من حيازة المجنى عليه ثم إدخاله في حيازة أخرى » والضابط في خروج الشيء من حيازة المجني عليه هو انتهاء سلطاته المادية عليه والضابط في دخوله في الحيازة الجديدة هو استطاعة الحائز الجديد أن يباشر وحده السلطات التي تنطوي عليها الحيازة .

ويتضح بذلك أنه لا يكفي لإرتكاب فعل الاختلاس مجرد إخراج الشيء من حيازة المجني عليه إذا لم يعقب ذلك إدخاله في حيازة جديدة إذ لا يتحقق بذلك تبديل الحيازة فمن أطلق طائراً أو حيواناً مملوكاً لغيره من قفصه وجعله بذلك يسترد حريته لا يعتبر مختلساً له ولا يرتكب اختلاساً من ألف شيئاً في موضعه إذ اقتصر على إنهاء حيازة المجني عليه بافناء موضوعها ومن ثم صار من المستحيل إنشاء حيازة جديدة عليه ولكن إذا كان إتلاف الشيء باستهلاكه هو صورة لمباشرة السلطات المادية التي تنطوي عليها الحيازة فإن هذا الإتلاف يعتبر إنهاء للحيازة السابقة وإحلالاً الحيازة جديدة محلها وتطبيقاً لذلك فمن التهم طعاماً في موضعه أو جعل حيوانه يلتهمه يعد مختلساً له .

ولا يشترط أن تكون الحيازة الجديدة التي يدخل الشيء فيها هی حيازة المتهم نفسه بل من الجائز أن تكون حيازة شخص آخر وقد يكون حسن النية ذلك أن إدخال المتهم الشيء في حيازة غيره هو صورة لمباشرة السلطات التي تنطوي عليها الحيازة مما يفترض بالضرورة أنه قد أدخله في حيازته أولاً : وتطبيقاً لذلك يعتبر مختلساً للشيء من استخرجه من جيب الجالس إلى جواره في عربة للنقل العام ثم لما خشي افتضاح أمره وضعه على الفور في جيب من يجلس إلى جواره من الناحية الأخرى ويعتبر مختلساً للشيء من باب أولى من استولى عليه منتوياً بعد برهة يسيرة أن يهبه أو يبيعه لشخص إذ يفترض ذلك دخوله في حيازته قبل إدخاله في حيازة غيره .

المساواة بين وسائل تبديل الحيازة لا يتطلب القانون أن يتحقق تبديل الحيازة عن طريق وسيلة معينة بل كل الوسائل في ذلك سواء فليس بشرط أن تكون اليد هي أداة الاختلاس وإنما يجوز أن يستعين المتهم بأداة منفصلة عن جسمه وسواء أن تكون جماداً أو حيواناً أو إنساناً حسن النية فيعتبر مختلساً للشيء من يستعمل خطافاً لالتقاطه كمن يصيد بصنارته السمك المملوك لغيره ويعتبر مختلساً من يدرب قرداً على استخراج نقود المارة ويعتبر مختلساً من يوهم عاملاً في نادي أن الشيء المملوك لغيره هو ملكه ويسأله أن يوصله إلى منزلة فيفعل ذلك ومن يوهم دائنه أن الشيء المملوك لغيره هو ملکه ويسأله أن يأخذ منه ما يستوفي به دینه بل إنه يكفي لتحقيق الاختلاس أن يرتب المتهم الأمور بحيث تنتقل تلقائياً الأشياء التي يحوزها المجني عليه إلى حيازة أخرى مثال ذلك أن يصل مجراه بمجرى جاره فيجعل الماء الذي يحوزه ينتقل إلى حيازته أو من يصل أسلاكه الكهربائية بالأسلاك العامة فيجعل الكهرباء تنتقل إلى أسلاكه .

عدم الرضاء : ليس رضاء المجني عليه سبباً لإباحة السرقة ولكن عدم رضائه عنصر في الاختلاس ومن ثم يعتبر رضاؤه نافياً لهذا العنصر ونافياً الاختلاس تبعاً لذلك وعلة تطلب هذا العنصر أن الاختلاس اعتداء على حيازة الغير ولا يتحقق هذا الاعتداء إلا إذا ارتكب الفعل بدون موافقة الحائز عليه لأنه إذا كان بموافقته فهو صورة المباشرة السلطات التي تنطوي عليها الحيازة وإذا كان الحائز هو نفسه المالك فرضاؤه ينفي الاختلاس إذ لا يكون في نشاط المتهم اعتداء على الملكية أو الحيازة ولكن إذا كان الحائز غير المالك فرضاء كل منهما على حدة كاف النفي الاختلاس إذ يحول ذلك دون القول بالاعتداء على الملكية والحيازة معاً وهو الاعتداء الذي تفترضه السرقة .

ويتعين تطبيقاً للقواعد العامة أن يصدر الرضاء سابقاً أو معاصراً لتبديل الحيازة أما إذا كان لاحقاً عليه فهو لا ينفي الاختلاس .

ويترتب على الرضاء أثره ولو كان المتهم غير عالم به ذلك أن عناصر الركن المادي تنتج أثرها بمجرد تحققها دون توقف على العلم بها وتطبيقاً لذلك فإن من يستولي على شيء معتقداً أنه يفعل ذلك ضد إرادة الحائز لا يعتبر مختلساً له إن كان الحائز في الحقيقة راضياً عن فعله أما إذا اعتقد المتهم حين اقترف فعله رضاء الحائز عنه والحقيقة أنه لم يكن راضياً انتفى القصد لديه .

الركن المعنوي للسرقة :

تمهيد: السرقة جريمة عمدية ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة « القصد الجنائي » والقصد الذي تتطلبه السرقة « قصد خاص » قوامه « نية تملك المال موضوع السرقة » ونحدد فيما يلى عناصر القصد العام ثم نفصل ماهية القصد الخاص في السرقة .

القصد العام في السرقة :

عناصر القصد العام في السرقة: يتعين أن يعلم المتهم أن المال الذي يستولى عليه هو في ملكية غيره وحيازته وأن المجني عليه غير راض عن هذا الفعل ويجب أن يعلم أن من شأن فعله الاعتداء على ملكية غيره وحيازته  وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن تتجه إرادته إلى ارتكاب هذا الفعل وتحقيق نتيجته الإجرامية .

العلم بأن المال مملوك للغير: علم المتهم بأن المال المدعي بسرقته مملوك لغيره شرط لعلمه أنه يعتدي على ملكية ذلك الغير وينتفي هذا العلم إذا اعتقد المتهم أن فعله يتناول مالاً مملوكاً له أو شيئاً مباحاً أو متروكاً .

فإذا اعتقد المتهم أن فعله ينصب على مال مملوك له فالقصد ينتفي لديه كما لو اعتقد أنه المال الذي كان قد سرق منه أو حصل عليه شخص عن طريق النصب أو خيانة الأمانة وإذا كان المال موضع نزاع بين المتهم وغيره واستولى عليه معتقداً أنه له وحده فالقصد لا يتوافر لديه ولو ثبت أن هذا المال ملك لخصمه وحده  وإذا اعتقد المتهم أن المال الذي يستولى عليه مباح أو متروك في حين أنه مملوك لغيره فلا يتوافر لديه القصد فمن استولى على حيوان ظاناً أنه مازال مباحاً في حين أن شخصاً قد صاده ثم خرج من حوزته لا يتوافر لديه القصد والحكم ذاته نقرره بالنسبة للخادم أو الضيف الذي يعثر على شيء في بيت مخدومه أو مضيفه فیستولى عليه معتقداً أنه قد تخلى عنه فصار شيئاً متروكاً .

وحين يقع المتهم في الغلط فإن غلطه قد ينصب على الوقائع كما لو خلط بين ماله ومال غيره وقد ينصب على قاعدة قانونية كما لو استرد البائع الشيء الذي باعه من مشتريه الذي لم يدفع الثمن معتقداً أن الملكية لم تنقل إليه أو استولى شخص على منقولات قريبه الذي مات معتقداً أنه وارثه الوحيد في حين أن قانون المواريث يجعل قريباً أخر أحق منه بالميراث فإذا تعلق الغلط بالوقائع فهو ينفي القصد وإذا تعلق بقاعدة قانونية لا تنتمي إلى قانون العقوبات وهو الفرض في هذه الحالة فإن القصد ينتفي لديه كذلك أما إذا تعلق الغلط بقاعدة تنتمي إلى قانون العقوبات فلا ينتفى به القصد كما لو كان المتهم يعلم أن الشيء مملوك لغيره ومع ذلك اعتقد أنه يباح له الاستيلاء عليه كالدائن يعتقد أن من حقه الاستيلاء على أموال مدينة في حدود حقه لديه.

العلم بأن المال في حيازة الغير: علم المتهم بذلك شرط لتصور علمه بما ينطوي عليه فعله من اعتداء على حيازة غيره وهو الاعتداء الذي تفترضه السرقة وتطبيقاً لذلك فإنه إذا استرد المدين النقود التي وضعها على منضدة دائنه سداداً لدينه معتقداً انه لم يتسلمها بعد لأنه لم يلحظها ولم تتوافر لديه إرادة تلقى حيازتها في حين كان قد لحظها وأضحت في مطلق حيازته فإن قصد السرقة لا يتوافر لديه وإذا اعتقد المتهم أن الشيء قد سلم إليه تسليماً ناقلاً للحيازة الكاملة أو الناقصة  كما لو أعتقد أن المالك قد أراد إعارته له في حين أن المالك لم يرد غير وضعه في يده العارضة فتصرف فيه فإن قصد السرقة لا يتوافر لديه .

العلم بعدم رضاء المالك والحائز عن الفعل : لا يتوافر لدى المتهم العلم بأن فعله اعتداء على ملكية غيره وحيازته إلا إذا كان عالماً أنه يأتيه على غير رضاء من المجني عليه ذلك أن اعتقاده رضاءه يزيل علمه بما ينطوي عليه فعله من اعتداء فمن أذن له مالك الحقل المجاور بأن يستولى على حشائش منه ثم استمر في فعله على الرغم من بيع الحقل إلى شخص لم يأذن بذلك فإن القصد لا يعتبر متوافراً لديه إذا كان لم يعلم ببيع الحقل ويعتقد أن الإذن بالإستيلاء على الحشائش لا يزال قائماً وإذا اختلف المالك والحائز كما لو أجر المالك شيئاً أو أعاره إلى غيره فإن الاعتقاد برضاء أحدهما عن الفعل ينفي القصد إذ ينفي بذلك العلم بتضمن الفعل اعتداء على الملكية والحيازة معاً.

العلم بأن من شأن الفعل الاعتداء على الملكية والحيازة : لا يكفي علم المتهم أن المال في حيازة غيره الذي لم يرض بخروجه منها إذ قد يجهل أن من شأن فعله المساس بهذه الحيازة وهذا الجهل ينفي العلم بالاعتداء على حيازة الغير وينفي القصد تبعاً لذلك فمن يحمل حقيبته التي وضع فيها شخص دون علمه مالاً مملوكاً لغيره لا يتوافر لديه القصد لأنه لا يعلم وقت فعله وهو حمل الحقيبة أنه يدخل بذلك مال غيره في حيازته .

إرادة ارتكاب الفعل وتحقيق نتيجته الإجرامية : يتطلب القصد اتجاه إرادة المتهم إلى تحقيق ماديات السرقة أي اتجاهها إلى إتيان فعل الاختلاس وتحقيق نتيجته التي تعنى خروج الشيء من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة شخص آخر .

وهذه الإرادة غير مرادفة لنية التملك التي يقوم بها القصد الخاص في السرقة : ذلك أن اتجاهها يقتصر على خروج الشيء من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة أخرى أي مرور الشيء من حيازة إلى أخرى في حين أن نية التملك تنصب على حالة وجود الشيء في حيازة المتهم ومباشرته عليه السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية وفي تعبير آخر فإن الإرادة التي يقوم بها القصد العام تتعلق بواقعة لا يستغرق تحققها غير برهة من الزمن يسيرة في حين أن النية التي يتكون منها القصد الخاص تنصب على حالة قد تستمر زمناً طويلاً .

القصد الخاص :

ماهية القصد الخامس : القصد الخاص في السرقة هو « نية تملك الشيء » وهذه النية تعنى إرادة مباشرة السلطات التي ينطوي عليها حق الملكية وقد اعتبر القصد الذي يقوم بهذه الإرادة قصداً خاصاً ، لأن الحالة التي تتجه إليها ليست من عناصر الركن المادي للسرقة الذي يعد تاماً بخروج الشيء من حيازة المجني عليه ودخوله في حيازة المتهم أو غيره.

وتعني نية التملك إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك : أي إرادة السلوك تجاهه كما يسلك المالك إزاء ملکه : وتقوم هذه النية على عنصرين : عنصر سلبي هو إرادة حرمان المالك من سلطاته على الشيء فالسارق قد بات يجحد حق المالك وينوي الحيلولة بينه وبين مباشرة سلطاته على الشيء ومظهر هذا العنصر في الغالب - هو العزم على عدم رد الشيء سواء تلقائياً أو عند المطالبة به أما العنصر الثاني فإيجابي قوامه إرادة المتهم أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء أي أن يستعمله وينتفع به ويتصرف فيه على نحو ما كان يفعل المالك فهو يريد أن يباشر على الشيء سلطة تشبه في مظهرها و عناصرها السلطة التي يعترف بها القانون للمالك ويتضح بذلك أن نية التملك لا تتجه إلى الملكية كحق ولكن تتجه إليها كمركز واقعي وفحوى اقتصادي أي مجموعة من السلطات والمزايا الفعلية .

انتفاء نية التملك : تنتفى نية التملك إذا كان المتهم على الرغم من أخذه الشيء الذي يعلم أنه مملوك لغيره الذي لم يرض بأخذه له يعترف بحق مالكه وينوي تمكينه من مباشرة سلطاته عليه ومن ثم كان عازماً على رده إليه وتنتفي نية التملك إذا اتجهت إرادة المتهم إلى اكتساب اليد العارضة على الشيء أو اتجهت إلى اكتساب حيازته الناقصة .

فإذا تناول المتهم الشيء المملوك لغيره دون رضائه عالما بذلك ولم يكن يبتغي سوى أن يكون في يده العارضة كي يطلع عليه أو يعاینه فإن نية التملك لا تتوافر لديه مثال ذلك من تناول جهازاً ليقف على سر صناعته ومن تناول سنداً ليقرأه أو ليقتبس منه معلومات وإذا تناول المتهم الشيء المملوك لغيره ليستعمله أو ينتفع به ثم يرده فلا تتوافر لديه نية تملكه ولو فعل ذلك ضد إرادة المالك ذلك أنه يعترف بسلطات المالك على الشيء فهو لا يجحد حقه وهو من ناحية ثانية لا يدعي لنفسه سلطة التصرف في الشيء وهي سلطة ترتبط بملكية الشيء وتطبيقاً لذلك فإن من يأخذ حيوان جاره ليستعين به في حرث أرضه عازماً على رده لا تتوافر لديه نية تملكه ولا تتوافر هذه النية كذلك لدى العامل الذي يأخذ أدوات العمل المملوكة لزميل له رغماً عنه ليستعين بها في عمل كلف به عازماً على ردها إليه بعد ذلك ولا تتوافر نية التملك لدى دائن ينتزع قهراً مالاً لمدينة بنية أن يحتفظ به تأميناً لحقه عازماً على رده بمجرد أن يؤدي إليه المدين حقه ولا تتوافر نية التملك لدى من يسلك إزاء الشیء مسلك الفضولي كمن يستحضر لديه الحيوانات المملوكة لجاره الذي سافر وتركها معرضة للهلاك جوعاً فيتولى إطعامها والعناية بها عازماً على ردها إليه لدى عودته ذلك أنه يعترف بحق مالكها بل ويريد إسداء خدمة إليه.

نية التملك لا تتطلب نية الإثراء ولا تتطلب نية إفقار المجني عليه : الأصل أن يسعى السارق إلى الإثراء على حساب المجني عليه ولكن نية التملك لا تنتفي إذا كانت إرادة المتهم أن يستعمل سلطات المالك على الشيء في صورة لا تحقق له نفعاً مالياً ذلك أن استعمال هذه السلطات أياً كانت صورته یعنی توافر نية التملك فإذا كان المتهم يريد باستيلائه أن يهبه على الفور إلى شخص يحتاج إليه فإن نية التملك تتوافر لديه إذ الهبة وسائر التصرفات لا تصدر إلا ممن يعتبر نفسه في مركز المالك وإذا كانت نية المتهم أن يتخلى عن الشيء أو يتلفه بعد استعماله أو استنفاده غرضه منه فإن نية التملك تتوافر لديه كذلك .

والأصل أن ترتبط بنية الإثراء لدى المتهم نية إفقار المجني عليه باعتبار أن ذلك الإثراء يقابله حتماً هذا الإفقار : ولكن يتصور أن تتوافر نية التملك على الرغم من انتفاء نية إفقار المجني عليه بل قد تكون نتيجة الفعل إثراءه وقد تتجه نية المتهم إلى ذلك فإذا استولى المتهم على الشيء المملوك لغيره الذي يعتز به ويرفض التصرف فيه تاركاً له مبلغاً من النقود يعادل قيمة هذا الشيء أو يزيد عليها فإن ذلك لا يحول دون توافر نية التملك لديه إذ المتهم يسعى باستيلائه على الشيء إلى أن يباشر عليه سلطات المالك وتتوافر نية التملك كذلك لدى الدائن الذي يستولي على مال لمدينه تعادل قيمته دينه أو تقل عنه منتوياً أن يكون سداداً لذلك الدين.

إثبات القصد الجنائي : تلتزم سلطة الاتهام بإثبات توافر به القصد لدى المتهم والقاعدة أن مجرد وجود مال مملوك لشخص في حيازة آخر لا يكفي لإثبات أنه سارق له فمن الجائز أن تكون حيازته مشروعة أو غير مشروعة ولكن لا تقوم على السرقة ولا يكفي لإثبات نية التملك عجز الحائز الذي ادعى ملكية ما يحوزه عن إثبات ملكيته له فالمبدأ المقرر أن الحيازة في المنقول سند الملكية (المادة 976 من القانون المدنى) وإذا قيل بأن العجز عن إثبات ملكية المال يثير الشك حول هذه الملكية ويدع مجالاً لتوافر نية التملك فالقاعدة أن « الشك يفسر لمصلحة المتهم » ويقوم الدليل على توافر نية التملك بالقرائن كإخفاء المتهم الشيء المملوك لغيره وإنكاره وجوده لديه أو رفضه تسليمه إلى مالكه حينما طالبه بذلك.

«ولا يلزم أن يتحدث حكم الإدانة استقلالاً عن نية السرقة ما دامت الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه لملكه»  ومن ثم فإنه «لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة عن نية السرقة » ولكن يعتبر الحكم قاصراً إذا كان سرده لوقائع الدعوى لا يستفاد منه توافر هذه النية  وإذا دفع المتهم بانتفاء القصد لديه التزمت المحكمة بأن تمحص دفاعه وترد عليه رداً مؤيداً بالدليل فإن لم تفعل كان حكمها قاصر.  (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:   916)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 69 ، 70 . 279 ، 283 ، 175 ، 283 ، 284

(مادة 85) 

يكون مرتكباً جريمة السرقة المعاقب عليها حداً - كل من أخذ وحده أو مع غيره مالاً مملوكاً للغير مع اجتماع الشروط الآتية: 

(أ) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر. 

(ب) أن يأخذ الجاني المال خفية. 

(ج) أن يكون المال المسروق منقولاً ، متمولاً ، محترماً ، في حرز مثله ، لا تقل قيمته عن سبعة عشر جراماً من الذهب الخالص، ويقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين . 

(مادة 86)

 يعاقب السارق حداً بقطع يده اليمنى ، فإن كانت مقطوعة قبل السرقة عوقب حداً بقطع رجله اليسرى، فإن كانت هذه مقطوعة قبل السرقة عوقب تعزيراً بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات.

 وفي جميع الأحوال يحكم عليه برد المسروق إن وجد، وإلا فبقيمته وقت السرقة. 

(مادة 87) 

يطبق حد السرقة على كل من سرق مالاً مملوكاً للدولة ، أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة، أو الشركات، أو المنشآت - إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات تساهم في مالها بنصيب، متى اكتملت باقي الشروط المبينة في المادة (85). 

(مادة 88) 

لا يطبق حد السرقة عند قيام الشبهة، كما لا يطبق في الأحوال الآتية: 

1- إذا حصلت السرقة من مكان عام أثناء العمل فيه، ولا حافظ للمكان، أو من مكان خاص مأذون للجاني في دخوله، ولم يكن المال المسروق محرزاً. 

2- إذا كان المسروق ثارا على الشجر أو ما شابهها كالنبات غير المحصود، وأكلها الجاني من غير أن يخرج بها. 

3- إذا حصلت السرقة بين الأصول والفروع، أو بين الزوجين، أو بين ذوي الأرحام المحارم. 

4- إذا كان للجاني شبهة ملك في المال المسروق.

5- إذا كان مالك المال المسروق مجهولاً.

6- إذا كان المال المسروق ضائعاً . 

7- إذا كان الجاني دائناً لمالك المال المسروق، وكان المالك مماطلاً أو جاحداً ، وحل أجل الدين قبل السرقة، وكان ما استولى عليه الجاني يساوي - في اعتقاده - حقه أو أكثر من حقه مما لا يصل إلى النصاب المبين بالبند (جـ) من المادة (85). 

8- إذا تملك الجاني المال المسروق بعد السرقة.

9- إذا قام السارق برد المسروق قبل الحكم عليه. 

10-إذا صفح المجني عليه عن السارق قبل صدور الحكم بالعقوبة.

11- إذا كان المساهم في السرقة مجرد شريك بالتسبب لا المباشرة. 

وتطبق العقوبات التعزيرية الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً. 

(مادة 89)

 لا يجوز إبدال عقوبة القطع، ولا العفو عنها. 

(مادة 90)

 يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر. 

(مادة 91)

 إذا لم يكن الجاني بالغاً بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة، يعزر على الوجه الآتي :

(أ) إذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة بالقانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بضربه بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين ضربة. 

(ج) وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة، ولم يتم الثامنة عشرة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. 

(مادة 92)

 إثبات جريمة السرقة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

الأولى: إقرار الجاني قولا أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها، مبصرین ، قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها. 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.

 ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة . 

ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلا عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها. 

ولا يعد المجني عليه شاهدا، إلا إذا شهد لغيره. 

(مادة 93)

 يجوز للمقر العدول عن إقراره إلى ما قبل الحكم النهائي من محكمة الجنايات، وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار. 

(مادة 94) 

 إذا سقط الحد لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (92) ، أو لعدول المتهم عن إقراره طبقا للمادة (93)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به - تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانونا، وذلك متى ثبت للقاضي وقوعها بأدلة أو قرائن أخرى. 

(مادة 95)

 إذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة السرقة المعاقب عليها حداً في أي وقت بعد تنفيذ القطع عن السرقة الأولى - عوقب حداً بقطع رجله اليسرى، فإن كانت مقطوعة أو تكرر العود في أي وقت، عوقب تعزيراً بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات. 

مادة 96)

 إذا رأت النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق توافر أركان الجريمة المعاقب عليها حداً ودليلها الشرعي - أصدر رئيس النيابة أو من يقوم مقامه أمراً بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة. 

(مادة 97) 

لا تسري على جريمة السرقة المعاقب عليها حداً - الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية في شأن انقضاء الدعوى الجنائية، أو سقوط العقوبة بمضي المدة. 

(مادة 98)

 تكون عقوبة قطع اليد أسبق في الترتيب من العقوبات المبينة في المادة (72) من هذا القانون، وفي جميع الأحوال تجب هذه العقوبة باقي العقوبات السالبة للحرية للجريمة الواردة في القانون المذكور، إذا كانت عن جرائم وقعت قبل الحكم بعقوبة الحد. 

(مادة 99)

 تقطع يمنى المحكوم عليه ولو كانت شلاء، أو مقطوعة الإبهام، أو الأصابع، إذا لم يخش عليه من الهلاك في حالة الشلل. 

ويمتنع تنفيذ القطع في الحالات الآتية: 

(أ) إذا كانت يده اليسرى مقطوعة، أو شلاء، أو مقطوعة الإبهام أو أصبعين غير الإبهام. 

(ب) إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة، أو شلاء، أو بها عرج يمنع المشي عليها. 

(ج) إذا ذهبت يمناه لسبب وقع بعد ارتكابه جريمة السرقة.

 (د) إذا تملك الجاني المال المسروق قبل القطع.

 وإذا امتنع القطع في الحالات الثلاث الأولى، يستبدل به السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات. 

وفي جميع الأحوال يعرض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ للتحقق من أسباب امتناع القطع، والحكم بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة أو بعدم تنفيذها، إذا توافرت الحالة المنصوص عليها في البند (د). 

(مادة 340)

 يعاقب بالحبس من حرض مباشرة على إرتکاب جنايات القتل أو السرقة أو الإتلاف أو الحريق بإحدى طرق العلانية ، إذا لم يترتب على تحريضه أثر . 

(مادة 567) 

السرقة هي إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه .

 ويعد إختلاساً كل فعل يخرج به الجاني المال من حيازة غيره دون رضائه ، ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ليدخله بعد ذلك في حيازة أخرى .

 وتتحقق السرقة ولو كان الفاعل شریكاً على الشيوع في ملكية المنقول. 

ويعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية ، أو مائية ، أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى . 

(مادة 576) 

يجوز بالإضافة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة من هذا الفصل - عقاب الجاني بالجلد الذي لا يجاوز أربعين جلدة . 

كما يجوز عند الحكم بالحبس مدة سنة فأكثر لسرقة أو شروع فيها - أن يحكم بالوضع تحت مراقبة الشرطة مدة لا تزيد على المدة المحكوم بها . 

(مادة 577)

 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين كل من حرض شخصاً لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره على إرتکاب سرقة ولم يرتكبها ، ويفترض علم الجاني بالسن ما لم يثبت من جانبه أنه لم يكن يعلم ، ولم يكن في مقدوره أن يعلم به. 

(مادة 581)

 يعاقب على الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل بضعف العقوبة المقررة لها ، إذا ارتكبها الجاني منها حدوث هياج ، أو فتنة ، أو حريق ، أو أية كارثة أخرى . 

(مادة 584)

 لا تجوز إقامة الدعوى الجنائية ، أو إتخاذ إجراء فيها في الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل ، إذا وقعت من الأب - وإن علا - على مال الولد ، وإن نزل، کما لا تجوز إقامتها أو إتخاذ إجراء فيها في الجرائم المذكورة ، إذا وقعت من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول ، إلا بناء على شكوى المجني عليه. 

وتنقضي الدعوى الجنائية بتنازل المجني عليه قبل صدور حكم بات فيها ، وللمجني عليه بعد صدوره أن يمنع تنفيذه أو الاستمرار فيه.

 ولا يسري حكم هذه المادة على ما قد يتضمنه الفعل من جرائم أخرى . 

الجرائم الواقعة على المال 

الفصل الأول

السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز 

المواد من (567) - (584) : 

تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه. 

كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة . 

2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة . 

3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة . 

4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة . 

5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة. 

هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان . 

6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد  أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة . 

7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث . 

8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها . 

9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث . 

10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته . 

واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة . 

11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة . 

12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال . 

أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه . 

13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع . 

في شأن الحدود والقصاص

 تجمع الشريعة في جوانبها المختلفة بين المعنى الروحي التعبدي - وهو طاعة الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه -، والمعنى المادي الدنيوي بتحقيق مصالح العباد، وفي ذلك أعظم حافز على احترام هذه الأحكام والمبادرة إلى تنفيذها والالتزام بها، وليس الأحكام الشرائع الوضعية مثل ذلك. 

وأحكام الشريعة الإسلامية أوسع نطاقاً من أحكام الشرائع الوضعية وبخاصة فيما يرجع إلى الفضائل والرذائل، فجميع الفضائل مطلوبة للشارع الحكيم ومأمور بها منه فهي واجبة، وجميع الرذائل منهي عنها منه فهي محرمة. وفي أحكام كل من النوعين المعنى الخلقي والمعنى الروحي، فلها قوتها وشمولها، بخلاف الشرائع الوضعية فإنها - مع جفافها وخلوها من المعاني الروحية التعبدية - لا تنظر إلى الفضائل والرذائل إلا النظرة المادية المجردة. 

ولكل من أحكام الشريعة الإسلامية والشرائع الوضعية الجهاز الدنيوي الذي يراقب التنفيذ ويقوم عليه، وهما في ذلك سواء، وتمتاز الأحكام الشرعية بأن لها مراقبة أعلى هي مراقبة الله العليم الخبير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو يعاقب المخالف في الآخرة وإن أفلت من العقاب في الدنيا، بينما المخالف للقانون الوضعي إذا أفلت من العقاب في الدنيا لا عليه بعد ذلك، وذلك من أقوى العوامل على طاعة أحكام الشريعة الإسلامية وتنفيذها في السر والعلن. 

والفقه الإسلامي بجميع أحكامه قد عاش قروناً متطاولة متتابعة، طوف خلالها في الدنيا جميعها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، ولاقى مختلف العادات والتقاليد، وتقلب في جميع البيئات، وعاصر الرخاء والشدة والحضارة والتخلف، وواجه الأحداث في جميع هذه الأطوار، وكانت له في ذلك كله ثروة ضخمة لا مثيل لها يجد فيها كل بلد وكل مجتمع أيسر حل المشاكله، لم تقصر عن حاجة، ولم تقعد عن الوفاء بمطلب، ولم تتخلف بمجتمع في أي عصر، وسنوضح فيما بعد أحكام الشارع فيما يتعلق بكل حد على حدة. 

الباب الأول 

حد السرقة 

يسود المجتمعات الإنسانية في الوقت الحاضر موجة طاغية من الإجرام، تتخذ صوراً ، وتبدو في أشكال، تثير الفزع في النفوس، ويقف علم الإجرام من هذه الظاهرة يحلل أسبابها، بينما يحاول علم العقاب أن يجعل من العقوبات أو التدابير الاحترازية وسائل التقويم المجرم وإصلاحه، حتى يترك الجريمة ويتألف مع المجتمع، ذلك في الوقت الذي يراعي المشرع الجنائي فيه أن يكون الجزاء رادعاً للمجرم نفسه، وهو ما يعرف «بالردع الخاص»، وأن يكون زاجراً مخيفاً لغيره من ارتكاب الجريمة، وهذا ما يقال له: «الردع العام».  

والواقع أنه مهما تعددت النظريات والأساليب في هذا الشأن، فإن هناك حقيقة تظل راسخة هي أن العقاب يجب أن يكون بالقدر الذي يزيد في إيلام الجاني عن الشعور بالمنفعة من حول الجريمة، حتى يوازن الشخص بين ما يمكن أن يحصل عليه من فائدة - إذا باشر السلوك الإجرامي - وبين ما يتعرض له عندئذ من عقاب، فيجد دائماً من مصلحته أن يبتعد عن طريق الجريمة، يساند ذلك وجوب البحث عن أسباب الجريمة، للعمل على علاجها، وحصرها في أضيق نطاق، وغني عن البيان أنه مع هذه السياسة تصاعدت نسب الجريمة من حين إلى حين، وظلت الإنسانية تقدم كل عام آلاف الضحايا، مما يقتضي إعادة النظر في وسائل الردع والزجر، وفي دعائم السياسة الجنائية، وكان ذلك مما حداً بالدعوة إلى استلهام أحكام الله، في الشريعة الغراء؛ لإنزال كلمته على الجناة، وفيها من أسباب الردع والزجر ما قدره أحكم الحاكمين، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. 

والسرقة من الجرائم التي كثرت في المجتمع المعاصر، ولم تجد العقوبات الوضعية 

الحالية في ردع مرتكبيها ولا زجر غيرهم، وها نحن نرى تفشي الإجرام في كثير من الدول المتمدينة؛ لإستهانة الجناة بالعقوبات الوضعية، فتراهم يقترفون جرائمهم جهاراً نهاراً على رءوس الأشهاد على الرغم من استخدام وسائل التحوط الحديثة بما فيها من أجهزة استحدثها العلم، حيث إننا نرى في المملكة العربية السعودية - بعد أن كان الناس والحجيج لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، حتى إن بعض الدول كانت توفد  ثلة من جيشها لاصطحاب الحجاج - تبدل الأمر منذ أن عملت هذه المملكة شريعة الله فاستب الأمن، وقلت الجرائم حتى أن عدد الأيدي التي قطعت خلال نحو ربع قرن عدد جد ضئيل، ذلك؛ لأن أحكام الشريعة الغراء مانعة من الجريمة ولذلك عرف فقهاؤها الحدود بأنها موانع قبل الفعل زواجر بعده، لأن العلم مقدماً بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإيقاعها بعده يمنع من العودة إليه. 

وقد بين الله سبحانه وتعالى العقوبة الواجبة في جريمة السرقة في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

 ) آية (38) من سورة المائدة. 

وقد التزم المشروع في تقنين جريمة السرقة أحكام الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب 

معين، مؤثراً عند الخلاف الرأي الذي قدر أنه أوف بالمصلحة، وأكثر مسايرة لتطور المجتمع. 

مادة (85): 

يكون مرتكبا جريمة السرقة المعاقب عليها حداً كل من أخذ وحده أو مع غيره مالاً مملوكاً للغير مع اجتماع الشروط الآتية: 

(أ) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر. 

(ب) أن يأخذ الجاني المال خفية. 

(ج) أن يكون المال المسروق منقولاً متمولاً محترماً في حرز مثله ، لا تقل قيمته عن سبعة عشر جراماً من الذهب الخالص، ويقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازین . 

الإيضاح 

الجريمة وشروطها: 

استهل المشروع أحكامه بتعريف جريمة السرقة المعاقب عليها حداً ، وأوضح شروطها، فتناول في البند (أ) من هذه المادة الشروط الواجب توافرها في الجاني، وأولها البلوغ والعقل والاختيار، فلا حد على صبي ولا مجنون ولا مكره، وذلك باتفاق الفقهاء؛ لقوله : «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق». وقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». (مواهب الجليل، ج (6) ص (312)، حاشية الدسوقي، ج (4) ص (345)، شرح الخرشي، ج (5) ص (344)، بدائع الصنائع، ج (7) ص (176)، المغني ج(8) ص (260)، مغني المحتاج، ج (4) ص (174)). 

کا اشترط المشروع في الجاني عدم الاضطرار - والاضطرار هو الحالة التي تهدد الإنسان بخطر جسيم حال لا يمكن تلافيه إلا بارتكاب الفعل، ويعرفه المالكية بأنه الخوف على النفس من الهلاك علماً أو ظناً. (الشرح الكبير للدردير، ج (2) ص (115))، فإذا كان الجاني مضطرا للسرقة لدفع الهلاك عن نفسه بأخذ مأكل أو ملبس أو ما أشبه ذلك - سقط عنه الحد والتعزير باتفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) [البقرة: 173]، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا قطع في مجاعة مضطر». وعن عمر بن الخطاب روال عنه أنه قال: «لا تقطع في عذق، ولا في عام السنة». وإن رجلاً جاء إليه في ناقة نحرت، فقال له: «هل لك في ناقتين عشراوین مرتعنين سمينتين بناقتك ؟ فإنا لا نقطع في عام السنة». (المحلى، ج (11) ص (343)). وكان عمر رضى الله عنه في عام السنة يضم إلى أهل كل بيت بيتاً آخر، ويقول: «لن يهلك الناس على أنصاف بطونهم، فكيف نأمر بالقطع في ذلك؟» (المبسوط، ج (9) ص (140)). 

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكفي حاجة المضطر، بقوله للصحابة - حين سألوه: أفرأيت إن احتجنا إلى الطعام والشراب؟ -: «كل ولا تحمل، واشرب ولا تحمل». وذكر ابن المنذر قال: قلنا: یا رسول الله، ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: «يأكل ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل». (المبسوط، ج (9) ص (140)). 

ويلاحظ من المادة (35) من هذا القانون بأنه لا مسئولية على من ارتكب فعلاً دفعته 

إلى ارتكابه ضرورة الوقاية من خطر جسیم محدق به أو بالغير، يصيب النفس أو العرض أو المال إذا لم يكن هو قد تسبب فيه عمدا، ولم يكن في استطاعته دفعه بوسيلة أخرى، وبشرط أن يكون الفعل الذي ارتكبه متناسباً مع جسامة الخطر الذي توفاه. 

ومع ذلك فإن الضرورة لا تجيز قتل النفس، وفي هذه الحالة تراعى أحكام الدية المنصوص عليها في هذا القانون، ولا يعتبر في حالة الضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر. 

أما الحاجة: فهي ما يعوز الناس لدفع المشقة، بحيث إذا أهملوها وقعوا في ضيق وحرج دون أن تختل الحياة، وإذا كانت الضرورة تقدر بقدرها ولا يتوسع في أحكامها، وكانت الحاجة أخف من الاضطرار ولا تؤدي إلى هلاك النفس أو جسامة الإضرار بها، وكان من الصعب وضع معيار لتقديم الحاجة التي تعوز الإنسان لدفع الحرج عنه، فقد آثر المشروع ألا يشترط في الجاني لكي يعاقب على السرقة حداً أن يكون غير محتاج. 

کما اشترط المشروع في البند (ب) من المادة الأولى أن يأخذ الجاني المال خفية. الأخذ: 

والأخذ لا بد أن يكون تاماً حتى تقوم جريمة السرقة المعاقب عليها حداً ، وهذا يتطلب أن يتحقق الأخذ بالفعل بأن يخرج المال المسروق من حرزه، وأن يدخل في حيازة الجاني، وذلك لأن القطع عقوبة متكاملة فيلزم لتطبيقها أن تقع الجريمة متكاملة، وهذا لا يكون إلا بتهام الأخذ (محمد أبو زهرة، العقوبة، ص (142)). 

الإخراج من الحرز: 

پری جمهور الفقهاء أن السرقة لا تقوم إلا بإخراج المال المسروق من الخرز (بدائع 

الصنائع، ج (7) ص (67)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (240)، المهذب ج (2) ص (277)، شرح الخرشي، ج (4) ص (339)، مواهب الجليل، ج (6) ص (308)، المغني، ج(10) ص (25)). فلا يكفي لقيام الجريمة إخراج المال من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الجاني، ولم يخالف في ذلك غير أهل الظاهر والخوارج وجماعة من أهل الحديث، حيث ذهبوا إلى عدم اشتراط الحرز أصلاً في السرقة، وأنه يجب قطع السارق مطلقاً بمجرد الأخذ، سواء كان من حرز أو من غير حرز (المحلى، ج(11) ص (324)). 

وفي جميع الحالات يترتب على إخراج المال المسروق من حرزه إخراجه من حيازة المجني عليه، فمن يستولي على أشياء من مكان يكون قد أخرجها من حيازة صاحبها بمجرد إخراجها من حرزها (عبد القادر عودة، ج (2) ص (520))، ولكن العكس غير صحيح، فلا يشترط لإخراج المال من حيازة المجني عليه إخراجه من حرزه، كمن يبتلع جوهرة داخل المنزل المعتبر حرراً لها (مواهب الجليل، ج (6) ص (318)، المهذب، ج (2) ص (267)، مغني المحتاج، ج (4) ص (173)، المغني، ج(1) ص (216)). ومن ثم إذا تصرف الجاني في المال المسروق داخل الحرز دون أن يخرج منه - انتفى معنى الأخذ التام المكون لجريمة السرقة المعاقب عليها حدا، كما لو باع المتاع لآخر فخرج به دون علمه بأنه مسروق، كما أن المشتري لا يقطع ولا يعزر لحسن نیته (شرح الخرشي، ج(5) ص (337)). 

وكذلك الحال في جميع الصور التي لا يخرج فيها الجاني المال المسروق من حرزه، کالو أخفى المتاع في غير مكانه بداخل الحرز؛ تمهيدا لإخراجه في مرة أخرى، أو إذا أعدمه أو أتلفه وهو في موضعه الأصلي (حاشية الدسوقي، ج (4) ص (338)). 

وسيلة الإخراج: 

1- يرى الجمهور أنه لا يشترط دخول الجاني الحرز لتمام السرقة، كما أن إستيلاءه على المال بأية وسيلة كاف لقيام الجريمة، ما دام قد تمكن بذلك من إخراج المسروق من حرزه، فقد يحدث نقباً في الحائط ويدخل منه خطافاً يسحب به المتاع، أو يثقب وعاء الزيت فيسيل منه النصاب، أو يلوح لعنزة داخل الدار فيستدرجها إلى الخارج (حاشية الدسوقي، جـ (4) ص (338)، شرح الخرشي، ج (5) ص (339)، الشرح الصغير للدردير، ج (5) ص (130)، المهذب، ج (2) ص (297)، المغني، ج(1) ص (216)). 

2- أما أبو حنيفة فيرى أنه لا قطع في مثل تلك الحالات؛ لأنه لم يتوفر فيها الأخذ التام. وهذا لا يتحقق إلا بجهتك الحرز هتكاً متكاملاً ، ولا يتصور ذلك فيما يمكن الدخول فيه كمنزل أو حانوت إلا بالدخول فعلا فيه، أما إذا كان الحرز ما لا يمكن الدخول فيه وفقا لطبيعته کالجوال أو الصندوق - فيكفي مجرد الإخراج منه، وهذا ما أطلق عليه الهتك المتكامل». (بدائع الصنائع، ج (7) ص (66)). 

وقد أخذ المشروع برأي الجمهور في هذا الصدد، فلم يشترط الهتك المتكامل للحرز. انتقال الحيازة للجاني: 

1- يرى جمهور الفقهاء أن الحيازة تنتقل إلى الجاني بمجرد إخراج المال المسروق من حرزه، ولو لم يكن قد وضع يده الفعلية عليه؛ لأنه يعتبر قد دخل في حيازته الحكمية وخرج من حرز صاحبه، كان لا يجد السارق المال المسروق في المكان الذي ألقاه فيه أو سبقه آخر إليه، فمتى تم الإخراج وجب القطع سواء ترك السارق المال، أو حمله إلى منزله، أو استولى عليه غيره، أو حتى إذا عاد به وأرجعه إلى حرزه. (بدائع الصنائع، ج (7) ص (65)، المبسوط، ج (9) ص (148)). 

2- ويرى الحنفية أن حيازة الشيء المسروق لا تنتقل إلى الجاني لمجرد إخراجه من حرزه وحيازة صاحبه، بل يجب ليتحقق ذلك أن يضع يده الفعلية عليه بعد إخراجه، فإذا ألقى به في الخارج، وفقده كان فعله تضييقا للمال؛ لأن يده لم تثبت عليه وقت الخروج، وإذا عثر على الشيء المسروق آخر، فإنه يدخل في حيازته بإستيلائه ، عليه وتكون العقوبة سواء للأول أو الثاني التعزير وليس القطع، وأطلق على ذلك: «اليد المعترضة».  

أما إذا ألقى السارق بالشيء من داخل الحرز، ثم خرج وأخذه - فعليه القطع بالاتفاق، وذلك ما عدا زفر، حيث يرى عدم القطع في هذه الحالة أيضاً ؛ لأن الجاني خرج من الحرز ولا مال في يده، والإلقاء ليس بإخراج، وإن الأخذ من الخارج ليس أخذا من الحرز. (فتح القدیر، ج (4) ص (244)، المبسوط، ج (9) ص (147)). 

وقد اختار المشروع الأخذ برأي الجمهور، فلم يشترط لكي تتحقق حيازة الجاني المال المسروق أن يضع يده الفعلية عليه بعد إخراجه من حرزه. 

وغني عن البيان أنه لا يشترط من ناحية أخرى أن يظل الجاني محتفظاً بحيازة المسروق بعد إخراجه من حرزه، فلا يؤثر على تمام السرقة التخلص من المسروق فوزاً كإعدامه ، أو إتلافه، أو التبرع به، أو حتى تسليمه إلى السلطات. (حاشية الدسوقي ج (4) ص (338)). 

صورة الأخذ:

 حصر الفقهاء صور الأخذ في اثنتين: الأول: الأخذ المباشر. والأخرى: الأخذ بالتسبب. 

فالأولى - وهي الأخذ المباشر -: هو الذي يقوم فيه السارق بالاستيلاء على المال وإخراجه من الحرز بنفسه دون تدخل وساطة بين الفعلين، كأن يدخل منزلاً ويحمل منه المسروقات إلى الخارج، أو ينقب جوالاً ويدخل يده فيه، ويستولي على بضائع منه (حاشية الدسوقي، ج (4) ص (338)، شرح الخرشي، ج (5) ص (339)، المهذب، ج (2) ص (297) ، المغني ج(15) ص (259)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (241)). 

والأخرى - وهي الأخذ بالتسبب -: فهو الذي لا يقوم فيه السارق بنفسه بإخراج المال من الحرز، وإنما يؤدي فعله إلى إخراجه بطريق غير مباشر، كأن يلقيه في ماء جار، أو يضعه على ظهر دابة، أو يعرضه للريح، أو يسلمه لطفل أو مجنون ويأمره بأخذه، أو أن يدرب على الفعل كلباً أو قرداً ، فيخرج المال بهذه الكيفية من الخرز. (المبسوط ج (9) ص (184)، شرح فتح القدير ج (4) ص (244)، المهذب، ج (2) ص (297)، مواهب الجليل، ج (6) ص (208)). 

ويستوي الحكم في الحالتين عند جمهور الفقهاء، حيث يعتبر الأخذ قد تم على الوجه الموجب للقطع، وهو ما أخذ به المشروع. 

أما أبو حنيفة فيتحفظ على ذلك بشأن اشتراطه الهتك المتكامل للحرز واليد المعترضة. الخفية: 

تعرف السرقة لغة بأنها الأخذ على سبيل الاستخفاء. وقد سمى الله سبحانه وتعالى الاستماع على وجه الاستخفاء استراقاً لقوله: و إلا من استرق السمع (الحجر: 18). (المبسوط، ج(9) ص (133)، بدائع الصنائع، ج (7) ص (65)، المهذب، ج (2) ص (276)). 

والأخذ خفية يعتبر شرطاً أساسياً في السرقة الموجبة للحد عند جمهور الفقهاء، ويقصد به الاستيلاء على المال دون علم المجني عليه أو من يقوم مقامه، ودون رضاه، کمن يسرق متاعا من منزله في غيبة أهله، أو يأخذ نقوداً من جيب شخص وهو نائم. (البدائع، ج (7) ص(65)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (220)). فلا قطع على من يأخذ المال على سبيل المجاهرة مغالبة أو قهراً ، أو اغتصاباً ، أو اختلاساً، أو جحوداً ، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وأخذ به المشروع، لما روي عن النبي أنه قال: «ليس على المنتهب قطع» . وقال: «ليس على الخائن ولا على المختلس قطع». (المغني، ج (10) ص (249)، (249)). وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن المنتهب والمختلس فقال: (تلك الدعابة لا شيء فيها». بمعنى أنه لا قطع فيها. (بدائع الصنائع، ج (7) ص (65)). وروي عن اللخمي قوله: «السفه أن تقطع اليد المستخفية، ولا تقطع اليد المعلنة». وعن عطاء بن أبي رباح قوله: «تقطع يد السارق المستخفي المستتر، ولا تقطع يد المختلس المعلن !» (المحلى، ج (11) ص (323)). 

والمغالب: هو من يأخذ المال من صاحبه بقوة من غير حراسة.

 والمنتهب: هو من يأخذ المال بالقهر والغلبة مع العلم به. 

والمختلس: هو الذي يخطف المال بحضرة صاحبه في غفلة منه، ويعتمد على التهرب بسرعة. 

والغاصب: هو من يأخذ مالاً من صاحبه، ويكابر ويدعي أنه ملكه.

 والجاحد: هو منكر الوديعة أو العارية. 

حاشية الدسوقي، ج (4) ص (343)، شرح الخرشي ج (5) ص (343)، الشرح الصغير، ج (5) ص (128)، المهذب، ج (1) ص (276)، مغني المحتاج، ج (4) ص (171)). والعلة في عدم القطع بالنسبة للحالات السابقة هي أن الجاني قد أخذ المال عياناً ، فيمكن مقاومته أو منعه أو الاستغاثة أو الاستعانة بالسلطات. وهذا لا يتوافر بالنسبة للسرقة؛ لأنها تحدث خفية بغير علم المجني عليه. (نهاية المحتاج، ج (7) ص (154)). 

فإذا لم يتوافر في السرقة شرط الخفية فلا قطع، ويعزر الجاني وفقا لأحكام قانون 

العقوبات. 

وقت الخفية: 

والخفية - كما يرى الحنفية - يجب أن تكون ابتداء وانتهاء إذا كانت السرقة قد ارتكبت نهاراً ، ويكفي أن تكون الخفية ابتداء فقط إذا كانت السرقة قد ارتكبت ليلاً ، ففي الحالة الأولى ينبغي أن تتوافر الخفية طوال الفترة التي يستغرقها الأخذ من وقت بدئه إلى تمامه، مثل من ينقب ويخرج بالمسروقات دون أن يراه أحد، أما في الحالة الأخرى فيكفي أن تتوافر الخفية عند بدء الأخذ، ولا يؤثر على ذلك أن يصبح الأخذ جهازاً قبل تمامه، مثل من ينقب دون أن يراه أحد ولكنه يخرج بالمال مكابرة. (المبسوط، ج (9) ص (151)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (219)). والعلة في التفرقة بين الحالتين هي أنه في النهار يدرك الغوث عادة المجني عليه إذا طلبه؛ لأن السارق يجاهر بفعله غير متخف، أما في الليل فإنه يصعب أن يدرك المجني عليه الغوث؛ لأنه عاجز عن دفعه بنفسه، ولا يستطيع أن يتمكن من ذلك بالناس؛ لأن فعله استخفى عليهم. 

المال المسروق: 

لا تقع السرقة إلا على مال، ولكن ليس كل مال يصح أن يكون محلاً للسرقة المعاقب عليها حداً ، إذ يلزم أن يتوافر فيه شروط معينة، كما أن وصف المال لا يصدق على الإنسان؛  لأنه غير قابل للتملك فلا يكون محلاً للسرقة، ولكن يعاقب على خطفه تعزيراً وفقاً لأحكام قانون العقوبات. 

وقد اختلف الفقهاء في سرقة الصبي الحر غير المميز إن كانت عليه حلية، فذهب بعضهم - ومنهم الشافعي وأحمد - إلى أن هذه الجريمة ليست جريمة سرقة، ذلك أن المأخوذ قصداً هو الطفل وليس المال، وما عليه من حلي قد أخذ تبعاً ، ولو كان القصد هو أخذ الحلي، لأخذ الجاني الحلي وترك الصبي. 

وذهب بعضهم - ومنهم أبو يوسف وابن المنذر - إلى القطع بسرقة الصبي، إذا كانت عليه حلية تبلغ قيمتها نصابا، وإلا ضاعت أموال كثيرة تحت هذا الستار. وهو ما رأى المشروع الأخذ به. 

وقد اشترط المشروع في البند (ج) من المادة الأولى في المال المسروق أن يكون منقولا، 

متمولا، محترما، مملوكا للغير في حرز مثله، لا تقل قيمته عن سبعة عشر جراماً من الذهب الخالص، ويقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين . 

ويترتب على تخلف أحد هذه الشروط انعدام تكامل جريمة السرقة المعاقب عليها حداً ، على أن ذلك لا يخل بالعقوبات التعزيرية الواردة في عقوبات القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة أخرى معاقباً عليها قانوناً . 

أن يكون المال منقولاً : 

فلا قطع في غير المنقول من العقارات ونحوها، وذلك لعدم إمكان نقلها وإخراجها من الحرز الذي هو أساس لإقامة حد السرقة، فإذا تحايل الجاني على نقلها بأن استل أخشاب المنزل، أو اقتلع باباً منه - صارت منقولة، وطبقت عليها أحكام السرقة؛ لتمام الشروط حينذاك، وبه قال المالكية والحنابلة. 

أن يكون المال متمولاً : 

فلا قطع في غير المتمول، والتمول صفة تضاف إلى المال وتحد من صوره والمال المتمول هو المال الذي يمكن ادخاره ولا قصور في ماليته لتعلق النفس به باعتباره من ضروریات الحياة التي لا غنى لأحد عنها؛ لأن هذا ما يشعر بعزته وخطره. 

الأشياء التافهة: 

أما إذا كان المال غير متمول - لعدم عزته وقلة خطره - کالأشياء التافهة - كالحطب والطين والحصى - فإن سرقته لا توجب القطع ؛ وذلك لأن النفوس لا تعلق به فلا حاجة إلى شرع الحد فيه، فضلاً عن أن صفة الإحراز لا تتم إلا في المال ذي الشأن دون المال الوضيع، الذي لا يقصد الإنسان حيازته عادة، كما أن أخذ التافه من المال ما لا يستخفى ، منه فيتمكن الخلل والشبهة أيضاً فيه. (المبسوط، ج (9) ص (136)، بدائع الصنائع، ج (7)، ص (67) - شرح فتح القدير ج (4) ص (226)). 

وقال بالمثل أبو حنيفة والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء، وقد استدل على ذلك بها روي عن السيدة عائشة روايته عنها من أنه «لم تكن يد السارق تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه في نظر الناس، وإن كان له قيمة قد تبلغ النصاب» (بدائع الصنائع جداً (7) ص (67)). 

الأشياء مباحة الأصل: 

وتجدر الإشارة إلى أنه لا تقطع عند الحنفية فيما كان أصله مباحاً إذا دخل في ملك الشخص كالصيد والخشب والمعادن والأحجار، وقد استدلوا على ذلك بما روي عن الرسول من أنه قال: «الناس شركاء في ثلاثة في الكلأ والماء والنار» - والمال المشترك فيه شبهة ملك بما يمنع القطع. وقال: «لا قطع في ثمر ولا كثر» (الكثر هو الجار أو الطلع). لما روي عن عثمان بن عفان الله عنه أنه قال: «لا قطع في طير». (فتح القدير، جـ (4) ص (232)، البدائع، ج (7) ص (68)، المحلى، ج (11) ص (333)). 

وذهب المالكية والشافعية وجمهور من الفقهاء أن مباح الأصل يملك بوضع اليد عليه، ومن أخذه من حرزه يقطع لعموم الآية الكريمة، كما أن له قيمة مالية فيجوز تملكه المدونة، ج (19) ص (23)، مواهب الجليل، ج (6) ص (307)، شرح الخرشي، جـ (5) ص (336)، نهاية المحتاج، ج (7) ص (421)، أسنى المطالب، ج (4) ص (131)، المغني، ج (10) ص (247)). وهو ما رأى المشروع الأخذ به، فلم ينص على عدم القطع في سرقة الأشياء مباحة الأصل. 

أن يكون المال محترماً : 

كما أنه لا قطع في غير المحترم؛ لأن الحد لا يحمي سوى المنفعة التي أقرتها الشريعة الغراء، فلا يجوز صيانة الأموال التي نهت على اتخاذها أو أباحت حرمتها، كالخمر ولحم الخنزير وجلد الميتة غير المدبوغ (شرح الخرشي، ج (5) ص (336)/ (1)، حاشية الدسوقي، ج (4) ص (339)، مواهب الجليل، ج (6) ص (306)). وهذا لأن غير المحترم غير معصوم شرعاً وغير المعصوم لا تتحقق الجناية المحضة بالاعتداء عليه، فلا تناسبه العقوبة المحضة. 

سرقة الكلب: 

الا قطع في سرقة الكلب؛ أخذا بمذهب الحنفية؛ لأن جنسه مباح الأصل، ولأن اختلاف العلماء في ماليته يورث الشبهة، وعلل المالكية عدم القطع بأنه يرجع إلى أن النبي حرم ثمنه. أما أشهب فقد قال بالقطع في سرقة كلب الصيد (بدائع الصنائع، ج (7) ص (67)، فتح القدير، ج (4) ص (232)، المدونة ج(16) ص (79)، شرح الزرقاني؛ ج (8) ص (97)). 

سرقة آلات اللهو وأدوات القمار: 

كذلك ذهب جمهور الفقهاء إلى أن سرقة الطبل والمزمار، وجميع آلات اللهو وأدوات القار وما شابه ذلك - لا قطع في سرقتها، ما دام في أخذها منع لمالكها عن المعصية، ونهى عن المنكر، وذلك مأمور به شرعاً (حاشية الدسوقي، ج (4) ص (339)، بدائع الصنائع، ج (7) ص (71)، مغني المحتاج، ج (4) ص (160)، المهذب ج (2) ص (287)، المغني، ج (10) ص (283)). 

ويلاحظ أن العبرة تكون بالنظر للمال في ذاته، وليس لمالكه أو للجاني الذي يستوي أن يكون مسلما أو غير مسلم، لذلك إذا سرق المال غير المحترم ذمي فإنه لا يقطع مهما بلغت القيمة (شرح الزرقاني، ج (8) ص (97)، بدائع الصنائع ج (7) ص (29)، نهاية المحتاج، ج (7) ص (421)، المغني، ج (10) ص (282)). 

سرقة مال المستأمن والمعاهد:

 کما اختلفت الفقهاء في قطع سارق مال المستأمن والمعاهد، فيرى أبو حنيفة ومحمد وقول للشافعي وأحمد أنه ملتزم للأحكام الشرعية فلا يقطع، وذلك لأنه لا يتم إحراز ماله بدار الإسلام حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب. 

وقال مالك وأحمد وأبو يوسف: إن الحد لله وهذا يوجب القطع. كما قال زفر: أنه يقطع؛ لأن ماله محرز بدار الإسلام، فله العصمة كمال الذمي. (المبسوط ج (1) ص (181) - المدونة ج(16) ص (75) - شرح الزرقاني ج- (8) ص (92) - نهاية المحتاج ج- (7) ص (440)، المغني، ج (10) ص (276)). وعلى ذلك نهج المشروع؛ لأن إهدار مال المعاهد والمستأمن غدر وخيانة مما يأباه الإسلام، والسرقة فساد في الأرض، مما يقتضي ألا يفلت مرتكبها. 

أن يكون المال مملوكاً للغير: 

كما اشترطت هذه المادة للقطع أن يكون المال المسروق مملوكاً لغير السارق، فإن كان مملوكاً للسارق كأن سرق ملكه من مرتهن له، أو مستعيره، أو مستأجره، أو مودع معه - فالفعل لا يكون جريمة السرقة الموجبة للحدود، ولو أخذ الجاني المال خفية. 

المسروق منه: 

1- ذهب الحنفية إلى أن السارق لا يقطع إلا إذا كان المسروق منه له يد صحيحة على المال المسروق، کید المالك أو من ينوب عنه في حفظ المال وإحرازه ، کالأمين والوكيل والمستعير والمرتهن والمستأجر، أو يد ضان کالغاصب والقابض على سوم (أي على سبيل الشراء بعد التجربة). أما إذا كانت يده غير صحيحة على المال، كأن يكون قد سبق له أن سرقه - فلا قطع على السارق منه (بدائع الصنائع، ج (7) ص (80)، فتح القدير ج (4) ص (223)). 

2- ويرى الحنابلة: أن السارق لا يقطع إلا إذا كان المسروق منه هو المالك، أو من يقوم مقامه، أما إذا كان سارقا أو غاصبا، فلا قطع على الذي يسرقه (المغني، ج (10) ص (257)). 

3- ويرى المالكية: أنه يستوي أن يكون المسروق منه مالكاً ، أو نائباً عنه، أو خلاف ذلك كسارق أو غاصب فيقطع السارق في جميع هذه الحالات إذا توافرت شروط الحد؛ لأنه أخذ مالا لغيره (الشرح الصغير، ج (5) ص (125)). وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فلم ينص على عدم القطع في هذه الحالة. 

الأموال المباحة: 

أما الأموال المباحة وهي الأموال التي لا مالك لها أصلاً ، وتكون ملكاً لمن يضع يده عليها بنية تملكها - كالماء والأسماك والطيور والرمال - فإن الاستيلاء عليها لا يعتبر سرقة؛ لأنه لا يتوفر فيها شرط القطع؛ لأن المال ليس مملوكاً للغير وغير محرز ولا يخرج من حيازة أحد، ولأن الأخذ لا يكون عادة خفية. 

ولكن هذه الأموال بمجرد حيازتها بنية تملكها تخرج عن طبيعتها، وتصبح ملكاً لأول واضع يد عليها، ومن يستولي على شيء منها يعتبر سارقاً . 

الأموال المتروكة: 

الأموال المتروكة هي الأموال التي يتخلى عنها مالكها بإرادته مثل الملابس المستهلكة، وبقايا الطعام، وفضلات المنازل، فإن الاستيلاء عليها لا يعتبر سرقة؛ لأنها غالباً ما تكون قليلة القيمة، ولأنه بتركها تصبح لا مالك لها فتأخذ حكم المباحة. 

الأكفان: أما الأكفان والملابس التي اعتاد الناس إيداعها القبور مع الموتى: 

1- فيرى أبو حنيفة ومحمد أنه لا قطع لسرقتها؛ لأنه مال تافه غير متمول وليس مملوكاً لأحد (المبسوط، ج (9) ص (159)، بدائع الصنائع، ج (7) ص (69)). 

2- ويرى مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف وجوب القطع في سرقتها؛ لأن النباش سارق، وذلك لعموم الآية الكريمة (شرح الخرشي ج (5) ص (340)؛ المهذب ج (2) ص (278)). 

وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فلم ينص على عدم القطع في هذه الحال. أن يكون المال في حرز مثله: 

كما أوجبت هذه المادة أن يكون المال المسروق في حرز مثله، ومن ثم فإن السرقة من المال غير المحرز لا تقام فيها الحد، فلا يقطع الجاني وإنها يعاقب تعزيرا وفقا لأحكام هذا القانون. 

التعريف بالحرز :

والحرز لغة: هو الموضع الحصين. ويقصد به الفقهاء المكان الذي ينصب عادة لحفظ المال، بحيث لا يعد صاحبه مضيقا له بوضعه فيه، كالحانوت والدار والخيمة والشخص (الزيلعي، ج (3) ص (220)). 

والمرجع في اعتبار المكان حرزاً من عدمه يكون بالعرف السائد بين الناس، في اعتبروه حراً كان كذلك، وبذلك يختلف الحرز باختلاف الزمان والمكان، ونوع المال وقيمته، وقوة السلطان وضعفه، وانتشار الأمن وعدمه، فما يعد حراً في ملابسات معينة قد لا يكون كذلك في غيرها، فحرز كل شيء بحسبه، وليس له ضابط شرعي (شرح الخرشي، ج(5) ص (339)). 

1- ويرى الجمهور: أن ما قلت قيمته تكون إحرازه خفية يكفي أن يفهم من حالها إرادة حفظها، وما كثرت قيمته - کالجواهر والذهب والفضة - فيلزم أن تكون إحرازه منيعة، أما ما توسطت قيمته - کالأقمشة والبضائع - فيكون أمر إحرازها بين هذا وذاك متناسباً مع القيمة (شرح الزرقاني، ج (8) ص (68)، المهذب، ج (2) ص (277)، المغني ج (10) ص (250)). 

2- أما أبو حنيفة: فيرى أن الأحراز لا تختلف باختلاف الأموال، فما كان حرزالنوع جاز أن يكون حرا للأنواع كلها، وحرز أقلها يكون أيضاً حرزاً لأكثرها. (بدائع الصنائع، ج (7) ص (76)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (240)). 

وقد آثر المشروع أن لا يتدخل صراحة لتعريف الحرز، وترك بیانه لما يألفه الناس وما جرى به العرف بينهم، آخذا برأي الجمهور في هذا الصدد لمرونته وشموله. 

اشتراط الحرز :

والأصل في اشتراط الحرز قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا قطع في ثمر ولا كثر حتى يؤويه الجرين، فإذا أواه الجرين ففيه القطع». والجرين هو البيدر الذي يداس فيه الطعام، والموضع الذي يجفف فيه الثمار أيضاً ، والجمع جرن). ولما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه أن رجلاً من مزنبة قال: يا رسول الله، كيف ترى في حريسة الجبل؟ (حرسة الجبل هي الشاة يدركها الليل قبل رجوعها إلى مأواها، فتسرق من الجبل). قال: «ليس في شيء من الماشية قطع إلا ما أواه المراح - حظيرة الماشية -، وليس في شيء من التمر المعلق إلا ما أواه الجرين، فيما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع». فدل ذلك على أن الحرز شرط في إيجاب القطع، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وأخذ به المشروع، ولم يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر والخوارج وجماعة من أهل الحديث، فذهبوا إلى عدم اشتراط الحرز، ووجوب قطع السارق مطلقاً سواء أخذ المال المسروق من حرزه أم لا؛ لعموم الآية الكريمة. 

أنواع الحرز :

والحرز نوعان: حرز بنفسه، وحرز بغيره. 

والحرز بنفسه: ويسمى حرژا بالمكان، وهو كل بقعة معدة للإحراز منع الدخول فيها إلا بإذن صاحبها أو من ينوب عنه، كالدور والحوانيت والخيم والزرائب وما شابه ذلك (بدائع الصنائع، ج (7) ص (73)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (271)). 

والحرز بغيره: ويسمى حرژا بالحافظ (بالحارس) وهو كل مكان غير معد أصلاً للإحراز ويدخل الناس فيه بدون إذن كالمساجد والمحال العامة والفنادق والطرق، وفي الحرز بالحافظ يجب القطع لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة (فتح القدير ج 4 ص 241). 

والإنسان يعتبر حرزاً بالحافظ لكل ما يلبسه أو يحمله من متاع أو نقود أو غيرها ولو كان في فلاة، فمن أخذ شيئاً منه كالنشال أو الطرار قطع، سواء سرق من جيبه أو حقيبته، بالشق أو بإدخال اليد (الطر وهو الشق والقطع ومنه الطرار)، أما إذا كان المجني عليه متنبها فإن الفعل لا يعاقب عليه حداً، ولكن يعزر الجاني طبقاً لأحكام قانون العقوبات. (حاشية ابن عابدین، ج (3) ص (224)، بدائع الصنائع، ج (7) ص (76)، شرح الخرشي، ج(5) ص (340)، مغني المحتاج، ج (4) ص (164)، المهذب، ج (2) ص (279)، المغني، ج(10) ص (205)). 

ويستند في الحرز بالحافظ إلى ما روي من أن صفوان والله عنه كان نائماً في المسجد متوسداً بردائه، فسرقه سارق من تحت رأسه فقطعه الرسول . 

وحكم هذا النوع أنه لا يعتبر حرزاً إلا إذا كان هناك حافظ، فإن وجد فإنه يكون حرزاً به، وإن تخلف فإنه لا يكون حرزاً. (بدائع الصنائع، ج (7) ص (73)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (241)). 

سرقة الحرز ذاته: وقد اختلف الفقهاء في حكم سرقة الحرز ذاته أو جزء منه:

 1- يذهب الحنفية إلى أنه لا قطع في سرقة الحرز بالمكان؛ لأن السرقة تقتضي الإخراج من الحرز، وهو لا يتم في تلك الحالة. فمن يسرق حرزاً بأكمله کفسطاط مضروب، أو بعض حرز کباب منزل - لا يقام عليه الحد؛ لأنه سرق نفس الحرز ولم يسرق منه، وذلك على عكس ما إذا سرق فسطاطاً غير مضروب وبجواره شخص يحرسه فإنه يجب القطع؛ هنا؛ لأن السرقة قد تمت من حرز بالحافظ (المبسوط، ج (9) ص (150)، البدائع ج (7) ص (74)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (246)). 

2- ويرى المالكية والشافعية والحنابلة قطع من سرق كل الحرز أو بعضه ؛ لأن الحرز بالمكان يعتبر محرراً بإقامته، فالباب محرز بالنصب بتثبيته، والفسطاط حرز بنفسه (شرح الخرشي، ج (5) ص (340) - شرح الزرقاني، ج (8) ص (99)، حاشية الدسوقي، ج (4) ص (341)، المهذب ج (2) ص (278)، المغني، ج (10) ص (255)). 

وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فلم يستثن من القطع هذه الحالة. 

أما إذا كان المال محررا بالحافظ، فأخذ المال ومعه الحافظ - کسرقة دابة نام عليها راكبها - فقد اتفق الفقهاء على أنه لا قطع على السارق في هذه الحالة؛ لأن يد الحافظ لم تزل على الدابة فإذا استيقظ فإن الفعل يكون اختلاساً إذا أخذ منه الدابة. (شرح الزرقاني، ج (8) ص (101)، الشرح الصغير، ج (5) ص (128)، المغني، ج (10) ص (253)). 

إبطال الحرز :

هذا وقد اتفق الفقهاء الذين اشترطوا الحرز على أنه يبطل بالإذن بدخوله (شرح الزرقاني، ج (8) ص (101)، الشرح الصغير، ج (5) ص (128)، المغني، ج (10) ص (253)). والإذن قد يكون صريحاً أو ضمناً . 

والإذن الصريح: يكون إذا سمح صاحب المكان أو من يقوم مقامه للجاني بدخوله، كما في حالة الضيف والخادم والعامل والأجير، فإذا سرق الضيف من مضيفه، أو الخادم من مخدومه، أو الأجير من رب العمل - فإنه لا يقطع؛ لأنه أخذ من غير حرز، وذلك لأن الإذن الصريح قد أخرج الموضع على أن يكون حرزاً. 

وهو ما اتفق عليه الفقهاء وإن كانوا قد اختلفوا فيما يبطل الحرز هل هو جميعه، أم أن هذا يقتصر على الموضع محل الدخول؟ وقول الحنفية والمالكية في هذا الشأن أن الإذن بالدخول يبطل الحرز في جميعه: موضع الضيافة أو العمل وباقي الدار، أو المحل فلا يقطع الجاني إذا سرق من أي مكان من الخرز (بدائع الصنائع، ج (7) ص (74)، شرح فتح القدير ج (4) ص (242)، المبسوط، ج (9) ص (150)، شرح الزرقاني، ج(8) ص (103)). 

ويعتبر الإذن ضمنياً : بدخول الحرز إذا كان للجاني حق الانتفاع به، فإذا سرق المستأجر مالاً للمؤجر من العين المؤجرة، أو الدائن المرتهن مالاً للمدين من العين المرهونة، أو المستعير مالا من العين المعارة - فإنه لا يقطع، وذلك لأن استعماله حق الانتفاع بالحرز يقتضي الدخول فيه بما يخرج الموضوع المأذون بدخوله من أن يكون حرزاً في حقه (شرح الزرقاني، ج (8) ص (103)، الأحكام السلطانية، ص (227)). 

في إتلاف المال في حرزه ثم إخراجه بعد إتلافه 

الزيلعي ص (233) جزء (3): 

قال رحمه الله الإمام العالم العلامة فخر الدين بن علي الزيلعي الحنفي: ولو شق ما سرق الثوب) في الدار ثم أخرجه قطع، وذلك مثل أن يسرق ثوباً وشقه نصفين قبل أن يخرجه من الدار، ثم أخرجه وقيمته عشرة دراهم بعد الشق - فإنه يقطع. وقال أبو يوسف: لا يقطع؛ لأنه أحدث فيه سبب الملك وهو الخرق الفاحش، فإنه يوجب بالقيمة فيملك المضمون، فصار كالمشتري إذا سرق مبيعاً فيه خيار البائع ثم فسخ البيع، ولها أن الشق ليس بسبب موضوع للملك شرعاً ، وإنما هو سبب للضمان، وإنما يثبت الملك ضرورة أداء الضمان كيلا يجتمع البدلان في ملك واحد، ومثله لا يورث الشبهة كالأخذ نفسه. 

قال الإمام فخر الدين قاضيخان: إن كان الحرق في الثوب يسيراً يقطع ويضمن النقصان. أما القطع فلأنه أخرج نصاباً کاملاً من الحرز على وجه السرقة، وأما ضمان النقصان فلوجود سببه وهو التعيب الذي وجد قبل الإخراج الذي به تتم السرقة، ووجوب ضمان النقصان لا يمنع القطع؛ لأن ضمان النقصان وجب بإتلاف ما فات قبل الإخراج والقطع بإخراج الباقي، فلا يمنع كما لو أخذ ثوبين وأحرق أحدهما في البيت وأخرج الآخر وقيمته نصاب. 

قال العالم العلامة فخر الدين بن علي الزيلعي الحنفي رحمه الله: ولو سرق شاة فذبحها وأخرجها لا يقطع؛ لأن السرقة تمت على اللحم، ولا قطع فيه. 

ولو صنع المسروق دراهم أو دنانير قطع وردها، أي لو سرق ذهباً أو فضة قدر ما يجب فيه القطع فصنعه دراهم أو دنانير قطع ورد الدراهم والدنانير إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا (أي الصاحبان): لا سبيل للمسروق منه عليها. (الزيلعي، ج (3) ص (233) والهامش، و ص (234). 

قال العالم العلامة شمس الدين السرخسي رحمه الله أن من رمى بالثياب إلى الطريق، ثم خرج وأخذها من الطريق قطع عنده. 

وعند زفر رحمه الله لا يقطع؛ لأنه خرج من الحرز ولا مال في يده، ولكن شمس الدين السرخسي يقول: أن السارق خرج والمال في يده حكماً ، فتتم السرقة كما لو كان في يده 

حقيقة، وبيانه أن يده تثبت عليه بالأخذ ثم بالرمي إلى الطريق لم تزل يده حكماً  لعدم اعتراض أخرى على يده. قال: ولو رمى به إلى السكة، ثم لما خرج لم يجده بأن كان أخذه غيره وذهب به - ولم يقطع؛ لأن فعله هذا كان تضييقا للمال لا تتميما لفعل السرقة، ولما ثبتت يد الغير عليه بالأخذ زالت بده حكماً فقد خرج ولا مال في يده. 

قال: إذا سرق ثوباً فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه، فإن كان لا يساوي عشرة دراهم هو بعدما شقه لم يقطع بالاتفاق؛ لأن المعتبر کمال النصاب عند تمام السرقة، وتمامه بالإخراج من الحرز، فإذا لم تكن قيمته نصابا عند الإخراج، لم يلزمه القطع بخلاف ما لو شقه بعد الإخراج، فانقسمت قيمته من النصاب، وذلك لأن سرقته تمت في نصاب کامل ثم التعيب تفويت جزء من الثوب، ولو استهلك الكل بعدما أخرجه من الحرز لم يسقط القطع، فكذلك إذا فوت جزءاً منه بخلاف ما قبل الإخراج، فإنه لو استهلكه في الحرز لم يلزمه القطع. (المبسوط للسرخسي، ج (9) ص (148)، (163)).  

النصاب

کا اشترط البند (ج) من هذه المادة للقطع أن يبلغ المال المسروق نصاباً ، وقد اختلف الفقهاء في شرط النصاب: 

1- فيرى أهل الظاهر والخوارج وطائفة من المتكلمين أن السارق يقطع في القليل والكثير؛ لعموم آية القطع. 

2- ویرى جمهور الفقهاء أن السارق لا يقطع إلا إذا سرق نصاباً ، واستدلوا على ذلك بالسنة والإجماع، أما السنة: فلما روته السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: «لم تقطع يد السارق في عهد رسول الله في أقل من ثمن المجن». (المجن هو الترس)، قيل لها: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار. (نيل الأوطار، ج (7) ص (36)). أما الإجماع فلاتفاق الصحابة رضى الله عنهم على اعتبار النصاب شرطاً لوجوب القطع. 

مقدار النصاب: 

ومع اتفاق جمهور الفقهاء على اشتراط النصاب، فإنهم قد اختلفوا في مقداره لاختلافهم في تحديد ثمن المجن والأحاديث. (المبسوط، ج (9) ص (137)، بدائع الصنائع، ج (7) ص (77)، شرح فتح القدیر، ج (4) ص (220)). 

1- فعند الحنفية: النصاب مقدر بعشرة دراهم فلا قطع في أقل منها. (بدائع الصنائع، 

ج (7) ص (77)، المبسوط ج (9) ص (137)). 

2- وعند المالكية: مقدر بربع دينار من الذهب الخالص، أو ثلاثة دراهم من الفضة، 

أو ما قيمته ثلاثة دراهم. 

حاشية الدسوقي، ج(8) ص (339)، شرح الخرشي، ج (5) ص (335)). 

3- وعند الشافعية: مقدر بربع دينار أو ما قيمته ربع دينار، سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أم أكثر أم أقل منها، فلا تقطع عندهم في أقل من ربع دينار، ولو كانت قيمته ثلاثة دراهم. 

(المهذب، ج (2) ص (277)، مغني المحتاج، ج (4) ص (158)). 

4- وعند الحنابلة: النصاب مقدر بربع دينار أو ثلاثة دراهم، أو ما قيمته تساوي أحدهما (المغني، ج (10) ص (278)). 

5- وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وإبراهيم النخعي حدد النصاب بأربعين درهما من الفضة، وأربعة دنانير من الذهب؛ استنادا لما روي أن السيدة عائشة الله عنها قالت: 

كانت اليد لا تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه، فكانت تقطع في ثمن المجن». 

وهو يومئذ كان ذا ثمن. وهذه إشارة منها إلى أنه كان مالاً خطيراً ذا قيمة كبيرة. 

هذا، وقد ناقشت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية نصاب المال المسروق الذي يقام فيه حد السرقة على السارق، في اجتماعها يوم (23) من شوال سنة 1396 هـ الموافق (17) من أكتوبر سنة 1976 م، وأبانت بتقريرها أن كتب الفقه قد دون فيها الكثير من الآراء في هذا الموضوع، وأنه يتعين اختيار الراجح والابتعاد عن الأقوال التي يترتب عليها مشاكل تقف في طريق ضمان الأمن للأموال، وبعد تدارس الآراء الفقهية المختلفة في هذا الموضوع انتهت إلى: 

(1) رفض الرأي القائل بقطع يد السارق القليل والكثير من غير نظر إلى تحديد نصاب معين. 

(ب) أنه لا بد من تحديد هذا النصاب، ونظراً للأحوال السائدة في هذا العصر، يقدر هذا النصاب بأعلى ما قيل به، وهو القول المنسوب إلى الإمام إبراهيم النخعي أستاذ حماد شيخ أبي حنيفة، الذي يحدد النصاب بأربعة دنانير من الذهب، أو أربعين درهما من الفضة. 

(جـ) يكون التقويم بالذهب المضروب دنانير، أو بالفضة المضروبة دراهم إن لم يتيسر التقويم بالدنانير، وتحدد قيمة كل منهما بالعملة المصرية في وقت السرقة. 

(د) ما لا يمكن تقويمه من الأشياء التي تؤخذ على سبيل السرقة كالوثائق، والمحررات، والسجلات، وما أشبهها - تكون سرقته جريمة يعاقب عليها تعزيراً لا حداً، حسب القرائن والأحوال التي يراها القاضي. 

(هـ) ما يسرق من الأموال ويكون دون النصاب السابق بيانه - يعاقب عليه السارق 

تعزيرا، وقد أخذ المشروع بهذا الرأي سالف الذكر. 

تقويم النصاب بالعملة المصرية : 

من المعروف أن العرب والتجار كانوا يتعاملون بالنقود - سواء أكانت من الدنانير الذهبية أو الدراهم الفضية - بالعدد لا بالوزن، كأنها تبر لاختلاف أحجام وأوزان الوحدات النقدية، وقد أقر الإسلام وزنا شرعا خاصا بها، وهو الوزن الذي كانت تتعامل به قريش في مكة. ولعل أمثل طريقة لمعرفة مقدار الدرهم والدينار الشرعيين - هي الطريقة الاستقرائية الأثرية، وذلك بتتبع أوراق النقود المحفوظة في المتاحف العربية والغربية وبخاصة الدينار أو المثقال - أي الدينار، وهو يزن مثقالاً - فقد قرروا أنه لم يتغير في الجاهلية أو الإسلام، وأنهم حين ضربوا الدراهم جعلوا العشرة منها وزن سبعة مثاقيل، فكان المثقال هو الأصل الذي يحتكم إليه، فإذا عرف وزن المثقال عرف نصاب القطع من النقدين الذهب أو الفضة. 

وقد ورد في رد المحتار لابن عابدین ص (296): «والدينار اسم القطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن». وورد في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات طبعة وزارة الأوقاف سنة 1939 ص (481): «تجب الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغا النصاب، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً وهو الدينار». 

وهذا ما سلكه بعض الباحثين من الأوربين، وتبعهم البحاثة المصري «علي باشا مبارك» الذي خصص الجزء العشرين من «الخطط التوفيقية» للنقود، وقد أثبتوا بواسطة استقراء النقود الإسلامية المحفوظة في دور الآثار بلندن، وباريس، ومدريد، وبرلين أن دینار عبد الملك بن مروان - أي الذي يزن مثقالاً - يزن 4.25 جرامات، وكذلك ذكرت دائرة المعارف الإسلامية، وهو وزن الدينار البيزنطي نفسه، وإذن يكون الدرهم 7*4.25 / 10 =2.975  جراماً ، وأيد ذلك بعض الباحثين الأثريين من العرب المعاصرين، وهذا ما ذكره المستشرق زمباور في دائرة المعارف الإسلامية المترجمة في مادتي درهم و دینار، حيث قال في مادة «درهم»: «وقد اختلف المؤرخون اختلافاً عظيماً في تحديد الدرهم القانوني ولكنهم أجمعوا على أن نسبة وزن الدرهم إلى وزن المثقال هي 7 : 10، ولما كان المثقال يدل على عدة معان، فإن هذه المعادلة لا تصح إلا إذا كان المثقال يساوي الدينار القانوني - أي المثقال المكي الذي يبلغ وزنه 4.25 من الجرامات - قال : «الميزان میزان أهل مكة». ونخلص من هذا إلى أن أقرب أوزان الدرهم إلى الاحتمال هو 2.97 من الجرامات، وهذا الوزن يتفق على خير وجه مع السكة الباقية والأوزان الزجاجية، كما يتفق مع أوزان السكة التي ضربت في عهد القندر سنة 295 سنة 320 ، سنة 908، 936م) وكشف عنها روجر في الفيوم، ولربما كان الخليفة عمر هو أول من قرر أن الوزن هو - دون سواه - السكة الفضية الصحيحة، وقال في مادة «دينار»: «وقد أجمع المؤرخون على أن الإصلاح الذي أدخله عبد الملك على العملة سنة 77هـ (696 م) لم يمس معیار العملة الذهبية، ويمكن أن نتثبت على القدر من الوزن المضبوط لهذه العملة من الدقة المتناهية التي روعيت في ضرب أقدم الدنانير التي تناولها الإصلاح، ومن ثم نجد أن الدينار يزن4.25 من الجرامات (66) حبة». . 

وقد أصدر عبد الملك الدينار والدرهم على الوزن الشرعي والنسبة المعينة التي حددها الإسلام، وذلك منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام والخليفة عمر بن الخطاب، وصارت العملة العربية الإسلامية الصحيحة هي الدينار العربي الذهبي الخالص والدرهم الإسلامي الفضي الخالص ووحداتها. 

ولعل هذه الطريقة - التي تبناها المشروع - هي الأمثل لمعرفة الدرهم والدينار الشرعيين، وأبعدها عن الخطأ وأقربها إلى المنهج العلمي؛ لإبتنائها على استقراء واقعي لنقود تاريخية لا مجال للطعن في صحتها وثبوتها. 

ومن ثم يكون النصاب بالذهب بالوزن الحديث على أساس أربعة دنانير من الذهب المضروب دنانير؛ عملا بتقرير لجنة البحوث الفقهية سالف الذكر - هو 4 دنانير × 4.25 جراما = 17 جراماً من الذهب الخالص، ونظراً لتغير قيمة الذهب من وقت لآخر رأت اللجنة أن يقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين. 

ولما كان تقرير لجنة البحوث قد جعل الركون إلى التقويم بالفضة رهنا بعدم تيسير التقويم بالذهب، وكان التقويم بالذهب ميسراً على ما ذكر، وكانت قيمة الفضة قد تغيرت بعد عصر النبي ومن بعده، وذلك لاختلاف قیمتها باختلاف العصور كسائر الأشياء، من ذلك ما ذكره المؤرخون من أن الدينار بعد أن كان يساوي عشرة دراهم في العهد الأول صار في النصف الثاني من العهد الأموي يساوي اثني عشر درهما، وصار في العصر العباسي يساوي خمسة عشر أو أكثر، وقد نقل علي باشا مبارك من «الخطط التوفيقية» عن المقريزي أنه في زمن الفاطميين في عهد الحاكم كثرت الدراهم كثرة زائدة، حتى صار الدينار يبدل بأربعة وثلاثين درهما، وأبان الأستاذ عبد الرحمن فهمي في كتابه صنج السكة في فجر الإسلام أن الدينار بلغ صرفه أحياناً خمسة وثلاثين درهما، لما كان ذلك وكان الذهب قد استمرت قيمته ثابتة إلى حد بعيد، ولم تختلف قيمة النقود الذهبية باختلاف الأزمنة؛ لأنها كانت وحدة التقدير في كل العصور، فمن أجل ذلك قد أخذت اللجنة بالتقويم على أساس الذهب؛ لما في ذلك من جعل النصاب ثابتاً إلى أبعد مدى؛ لقلة تقلبات سعره بالنسبة إلى الفضة، هذا بالإضافة إلى اتخاذ اللجنة أغلى نصاباً من الذهب، قال الفقهاء: احتيالاً كدرء الحد. 

(رسالة الزكاة في الإسلام للشيخ يوسف القرضاوي سنة 1393 هـ، 1973 م ص 81)، والمراجع المشار إليه بها، وعبد الملك بن مروان للدكتور ضياء الدين الريس طبع مطبعة مصر سنة 1962 م). 

الأشياء التي لا يمكن تقويمها: 

أما ما لا يمكن تقويمه من الأشياء التي تؤخذ على سبيل السرقة - كالوثائق، والمحررات والسجلات، وما أشبهها - فتكون سرقته جريمة يعاقب عليها تعزيراً لا حداً ، - وهذا أخذاً بتقرير لجنة البحوث الفقهية. 

مادة (86): يعاقب السارق حداً بقطع يده اليمنى، فإذا كانت مقطوعة قبل السرقة، عوقب حداً بقطع رجله اليسرى، فإذا كانت مقطوعة قبل السرقة، عوقب تعزيراً بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات وفي جميع الأحوال يحكم عليه برد المسروق إن وجد، وإلا فبقيمته وقت السرقة. 

(عقوبة القطع) 

نصت الفقرة الأولى من هذه المادة على عقوبة السارق، ولا خلاف بين الفقهاء أنها القطع، والأصل في ذلك قوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّه ) [المائدة: 38]. 

وقد يحلو للبعض أن يصف عقوبة القطع بأنها لا تتفق مع المدنية والتقدم، ويرمونها بالعنف والغلظة، وهؤلاء لا ينظرون إلا إلى شدة العقوبة، ويتناسون فظاعة الجريمة وآثارها الخطيرة على المجتمع، ولا يخطر ببالهم أن قطع يد سارق أهون كثيراً من ترك السرقة تشيع في المجتمع، وتروع الآمنين بها تفضي إليه من العديد من الجرائم والمنكرات، وأن عقوبة القطع قصد بها ترديع السراق، فيفكرون مراراً قبل الإقدام على جريمتهم، وأنها في واقع الأمر رحمة عامة بالمجتمع حتى يتخلص من شرور هذه الجريمة ثم إن الجرائم الخطيرة لا يفلح في مقاومتها إلا عقوبات شديدة، والعقاب الناجع هو ذلك الذي ينتصر على الجريمة، وليس ذلك الذي تنتصر عليه الجريمة ثم إن المشرعين الوضعيين لم يستغلظوا عقوبة الإعدام بالنسبة إلى بعض الجرائم التي قدروا أنها خطيرة، من ذلك في مصر، القرار بقانون رقم (182) لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، الذي قرر عقوبة الإعدام جزاء لمن صدر أو جلب جواهر مخدرة، ولو أنتجها أو استخرجها أو فصلها أو صنعها بقصد الاتجار، وما من شك في أن هذه العقوبة أشد من عقوبة القطع في السرقة، فالعبرة بالعقوبة المناسبة الفعالة في مقاومة الجريمة، وتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع. 

وقد أثبت التاريخ أن المجتمع الإسلامي عندما طبق الحدود عاش آمناً مطمئناً ، حتى إن المجرم نفسه يسعى لإقامة الحد عليه رغبة في تطهير نفسه والتكفير عن ذنبه. وعندما تهاون المجتمع الإسلامي في تطبيق الحدود تسرب إليه الفساد وشاع فيه الإجرام. 

ولقد جلى الفقيه الكبير ابن القيم الحكمة من حد السرقة، فذكر «أن من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال، كالقتل والجرح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، وأن في حد السرقة معنى آخر، وهو أن السرقة تقع من فاعلها سراً کما يقتضيه اسمها، والعازم على السرقة متخف كاتم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به، ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء، واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران، فعوقب السارق بقطع اليد قلها لجناحه، وتسهيلاً لأخذه إن عاود السرقة، وعقوبة السارق بالقطع أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد، ولم تبلغ جنایته حد العقوبة بالقتل، فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس وأخذ أموالهم...». إعلام الموقعین عن رب العالمين، الجزء الثاني، ص (114) وما بعدها). 

محل القطع: 

وقد اختلف الفقهاء في محل القطع، وأساس هذا الاختلاف اختلافهم في تأويل قوله تعالى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) . 

1- فيرى الجمهور أن المقصود بالقطع الوارد في الآية الكريمة هو قطع اليد اليمنى من الكوع - وهو مفصل الكف -، واستدلوا بها روي عن أبي هريرة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع يد السارق من الكوع، وبها روي من أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقطع سارق رداء صفوان من المفصل، وعن أبي بكر وعمر رضى الله عنهما من أنهما قالا: «إذا سرق السارق، فاقطعوا يمينه من الكوع». (شرح الزرقاني، ج- (8) ص (92)، البدائع ج- (7) ص (78)، شرح فتح القدير، ج (4) ص (247)، المغني، ج (10) ص (264)). 

2- وذهب الخوارج إلى أن المقصود هو قطع اليد من المنكب؛ لأن الله تعالى أمر بقطع اليد، وهذا العضو يشمل من طرف الأصابع إلى المنكب، فلا يتحقق الامتثال إلا بالقطع منه. (شرح فتح القدیر، ج (4) ص (274)). 

3- وقال بعض الفقهاء: إن القطع يكون من مفاصل الأصابع التي تلي الكف؛ لأن علياً أمر بذلك، وأن الأخذ يكون بالأصابع، فلا داعي إلى قطع غيرها. 

وقد أخذ المشروع برأي الجمهور، فنص في البند الثالث من المادة (84) على أن يكون قطع اليد من الرسغ (مفصل الكف). 

في انتقال القطع:

(مذهب الحنفية): 

جاء في المبسوط ج (9) ص (175): فإن كان السارق أشل اليد اليمنى واليد اليسرى صحيحة قطعت اليمنى؛ لأنه لو كانت صحيحة وجب قطعها بسبب السرقة فإذا كانت شلاء أولى. وهذا بخلاف ما إذا كانت يده اليسرى شلاء فإنها لا تقطع يده؛ لأن شرط استيفاء القطع ألا يكون مفوتاً منفعة الجنس. وفي قطع اليمنى إذا كانت اليسرى شلاء تفویت منفعة البطش. 

قال: وإذا حبس السارق عن الشهود فقطع رجل يده اليمنى عمداً – فعليه القصاص، لأن بمجرد الشهادة قبل اتصال القضاء بها لا تسقط حرمة يده، فالقطع استوفى يده مقومة من نفس محترمة فعليه القصاص. وقد بطل الحد عن السارق لفوات المحل وهو ضامن قيمة المسروق؛ لأن سقوط ذلك لضرورة استيفاء القطع حقاً الله تعالى ولم يوجد ذلك. وكذلك إذا كان قطع يده اليسرى؛ لأنه يتعذر استنفاء الحد بعده لما فيه من تفويت منفعة البطش. 

قال: فإن حكم عليه بالقطع في السرقة فقطع رجل يده اليمنى من غير إذن - فلا شيء عليه؛ لأنه سقطت قيمة يده بقضاء الإمام عليه بالقطع، فالقاطع استوفى يداً لا قيمة لها فلم يكن ضامناً ، ولكن الإمام يؤدبه على ذلك؛ لأنه أساء الأدب حين قطعه قبل أن يأمر الإمام به .

وجاء بالصحيفة (168) من المرجع السابق: (وهذا هو الجواب عما قاله أنه إذا كان مقطوع اليد اليسرى في الابتداء عندكم لا تقطع يده اليمنى اليد اليمنى محل النص. ولكن للإستيفاء شرط وهو ألا يكون على وجه يفوت منفعة الجنس، وقد انعدم هذا الشرط إذا كان مقطوع اليد اليسرى، فلانعدام الشرط لا تقطع اليمني في هذه الحالة). 

وجاء في حاشية العلامة ابن عابدین تعليقاً على قول الشارح: (تقطع يمين السارق من زنده. ص (212) ج (3)). أي: ولو كانت شلاء أو مقطوعة الأصابع أو الإبهام. وإن كانت اليمني مقطوعة قبل ذلك فرجله اليسرى، فإن كانت رجله اليسرى مقطوعة قبل ذلك، لم يقطع ويضمن السرقة، ويحبس حتى يتوب جوهره). 

وجاء بالصحيفة (215) من المرجع السابق: قال في شرح الطحاوي: من وجب عليه القطع في السرقة فلم يقطع حتى قطع قاطع يمينه فهذا لا يخلو: 1- إما أن يكون قبل الخصومة. 2- أو بعدها قبل القضاء. 3- أو بعده. 

1- فإن كان قبل الخصومة فعلى قاطعه القصاص في العمد، والأرش في الخطأ، وتقطع رجله اليسرى في السرقة. 

2- وإن كان بعد الخصومة قبل فكذلك الجواب، إلا أنه لا تقطع رجله في السرقة؛ لأنه لما خوصم كان الواجب في اليمنى وقد فات فسقط. 

3- وإن كان بعد القضاء فلا ضمان على القاطع، وكان قطعه من السرقة حتى لا يجب الضمان على السارق فيها استهلك من مال السرقة، أو سرق في يده. ا.هـ. ط: عن حاشية الشلبي على الزيلعي. 

(مذهب الشافعية): 

جاء في كتاب الأم للإمام الشافعي رضى الله عنه ص (264) ج (8) قال الشافعي رحمه الله تعالى قال : أخبرنا بعض أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: «إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله». واحتج بأن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قطع يد السارق اليسرى وقد كان أقطع اليد والرجل...) اهـ. 

وجاء في حاشية الجمل ج (5) ص (151)، (152) تعليقاً على ما جاء بالهامش قوله: (وتقطع بعد الطلب يده اليمنى). أي إن وجدت، وإلا انتقل لما بعدها وهكذا...). وأشار في الهامش إلى أن السارق إن عاد بعد قطع للسرقة ثانياً تقطع رجله اليسرى، فإن عاد ثالثا تقطع يده اليسرى، فإن عاد رابعاً قطعت رجله اليمنى، ثم إن عاد خامساً عزر کما لو سقطت أطرافه - ثم قال في الشرح (الهامش): ولو سرق فقطعت يمناه مثلاً بآفة أو جناية... سقط القطع لأنه تعلق بعينها وقد زالت، بخلاف من قالوا: سقطت يسراه. لا يسقط قطع يمناه لبقائها. 

وعلق في الحاشية على قوله: (ولو سرق فسقطت يمناه ... إلخ). قال: أفهم أنها لو فقدت قبل السرقة تعلق الحق باليسرى فتقطع. اهـ . 

(مذهب المالكية): 

جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج (4) ص (295) في باب السرقة: (تقطع يد السارق اليمنى). قال في الحاشية: (ظاهرة ولو كان أعسر...، وقال اللخمي أن الأعسر تقطع يسراه. واقتصر عليه...، وكتب الشيخ عبد الله عن شيخه سيدي محمد الزرقاني أن ما قاله اللخمي هو المذهب. اه. والظاهر أن كلام اللخمي محمول على أعسر لا يتصرف باليمين إلا نادراً ، بدليل ما يأتي في الشلل، وأما الأضبط فتقطع يمناه اتفاقاً). 

ثم قال في الشرح الكبير: (إلا الشلل باليمنى أو قطع مساو أو قصاص سابق لا يسرقه سابقة، أو نقص أكثر الأصابع من اليمنى كثلاثة فأكثر، فرجله اليسرى - وهو المذهب - وأخذ به ابن القاسم، ومحا الإمام الله عنه أي أمر بمحو القول بقطع رجله اليسرى ليده أي للقول بقطع يده اليسرى فيمن لا يمين له، أو له يمين شلاء، وقيس عليه ناقصة أكثر الأصابع، والمعتمد ما محاه كما تقدم دون ما أثبته، ولذا رتب المصنف كلامه الآتي على النحو، فقال: ثم إن سرق ثانياً بعد قطع رجله اليسرى ابتداء للانع المتقدم - تقطع يده اليسرى، ثم إن سرق ثالثاً قطعت رجله اليمنى...). 

وعلى هذا يكون القول المرجوع إليه في هذا المذهب هو قطع الرجل اليسرى ابتداء فيمن لا يمين له، أو له يمين شلاء أو ناقصة أكثر الأصابع أما ما محاه الإمام أي غيره فهو تغيير القول بقطع رجله اليسرى إلى القول بقطع يده اليسرى في هذه الحالة، لكنه غير المعتمد كما جاء في الشرح الكبير وأما المعتمد فهو ما محاه الإمام لا ما أثبته أي قطع الرجل اليسرى لا اليد اليسرى. 

ومن هذا يتبين أن الرأي عند المالكية في حالة فقد اليمنى للسارق قطع رجله اليسرى. 

وجاء في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج (2) ص (375): (وأما القطع فالنظر في محله وفيمن يسرق وقد عدم المحل، أما محل القطع فهو اليد اليمنى باتفاق من الكوع - وهو الذي عليه الجمهور -. وقال قوم: الأصابع فقط. 

وأما إذا سرق من قد قطعت يده اليمني في السرقة فقد اختلفوا في ذلك، فقال أهل الحجاز والعراق: تقطع رجله اليسرى بعد اليد اليمنى. وقال بعض أهل الظاهر وبعض التابعين: تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى ولا يقطع منه غير ذلك). 

ثم قال: (فإذا ذهب محل القطع من غير سرقة إن كانت اليد شلاء، فقيل في المذهب: 

ينتقل القطع إلى اليد اليسرى. وقيل: إلى الرجل). 

(مذهب الحنابلة): 

جاء في كتاب المغني لابن قدامة ج(8) ص (259): (وابتداء قطع السارق أن تقطع يده اليمنى من مفصل الكف وبحسم، فإن عاد قطعت رجله اليسرى... إلخ. وجاء في ص (262): ومن سرق ولا يمنى له قطعت رجله اليسرى كما تقطع في السرقة الثانية، وإن كانت يده شلاء ففيها روايتان: أحدهما: تقطع رجله اليسرى؛ لأن الشلاء لا تقع فيها ولا جمال، فأشبهت كفاً لا أصابع عليه. قال إبراهيم الحربي عن أحمد فيمن سرق ويمناه جافة: تقطع رجله. والرواية الثانية: أنه يسأل أهل الخبرة فإن قالوا أنها إذا قطعت رقأ دمها وانحسمت عروقها. قطعت؛ لأنه أمكن قطع يمينه، فوجب كما لو كانت صحيحة. وإن قالوا: لا يرقأ دمها. لا تقطع؛ لأنه يخاف تلفه، وقطعت رجله. وهذا مذهب الشافعي .

وإن كانت أصابع اليمنى كلها ذاهبة ففيها وجهان: أحدهما: لا تقطع وتقطع الرجل؛ لأن الكف لا تجب فيه دية اليد فأشبه الذراع. والثاني: تقطع؛ لأن الراحة بعض ما يقطع في السرقة، فإذا كان موجوداً قطع، كما لو ذهب الخنصر أو البنصر، ومن سرق وله يمنى فقطعت في قصاص، أو ذهبت بأكلة، أو تعدى عليها معتد فقطعها - سقط القطع، ولا شيء على العادي إلا الأدب. وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. 

وقال قتادة: يقتص من القاطع وتقطع رجل السارق. وهذا غير صحيح؛ فإن يد السارق ذهبت، والقاطع قطع عضواً غير معصوم ... وإن قطعها قاطع بعد السرقة وقبل ثبوت السرقة والحكم بالقطع ثم ثبت ذلك في كذلك، ولو شهد بالسرقة فحبسه الحاكم ليعدل الشهود فقطعه قاطع، ثم عدلوا - فكذلك. وإن لم يعدلوا وجب القصاص على القاطع وبهذا قال الشافعي. وقال أصحابه: لا قصاص عليه؛ لأن صدقهم محتمل، فيكون ذلك شبهة. 

ولنا (للحنابلة) أنه قطع طرقا ممن يكافئه عمداً بغير حق فلزمه القطع، كما لو قطعه قبل إقامة البينة، وإن قطع يسراه قاطع متعمدا فعليه القصاص؛ لأنه قطع طرقاً معصوماً ، وإن قطعه غير قاصد فعليه ديته، ولا تقطع يمين السارق. وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي. وفي قطع رجل السارق وجهان: أصحهما: لا يجب؛ لأنه لم يجب السرقة، وسقوط القطع عن يمينه لا تقتضي قطع رجله كما لو كانت اليسرى مقطوعة حال السرقة. 

ولو كانت يمناه صحيحة ويسراه ناقصة نقصاً يذهب بمعظم نفعها مثل أن يذهب منها الإبهام، أو الوسطى، أو السبابة - احتمل أن يكون كقطعها، وينتقل إلى رجله. وهذا قول أصحاب الرأي. واحتمل أن تقطع يمناه؛ لأن له يداً ينتفع بها. 

وإن كانت يداه صحيحتين ورجله اليمنى شلاء أو مقطوعة - فلا أعلم فيها قولاً لأصحابنا، ويحتمل وجهين: الأول: تقطع يمينه. وهو مذهب الشافعي لأنه سارق له يمنى فقطعت ؛ عملاً بالكتاب والسنة. ولأنه سارق له يدان، فتقطع يمينه كما لو كانت المقطوعة رجله اليسرى. الثاني: لا يقطع منه. وهو قول أصحاب الرأي؛ لأن قطع يمناه يذهب بمنفعة المشي من الرجلين). 

(مذهب الشيعة الإمامية):

 جاء في كتاب المختصر النافع للشيخ أبو القاسم الحلي ص (224): 

الرابع في الحد. وهو قطع الأصابع الأربع من يد اليمنى، وتترك الراحة والإبهام، ولو سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ويترك العقب، ولو سرق ثلاثة حبسه دائماً ، ولو سرق في السجن قتل...، ولا يقطع اليسار مع وجود اليمني، بل يقطع اليمنى ولو كانت شلاء. وكذا لو كانت اليسار شلاء. ولو لم يكن يسار قطع اليمنى، وفي الرواية لا يقطع. 

وقال الشيخ «في النهاية»: ولو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى. ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس. وفي الكل تردد). 

(مذهب الظاهرية): 

جاء في المحلى ج (11) ص (423) لابن حزم الظاهري: (وجد في هامش نسخة خطية ما نصه: وأما – أي اليدين - تقطع؟ فإن عبد الله بن ربیع روی عن نافع مولى ابن عمر رضى الله عنه قال: سرق سارق بالعراق في زمان علي بن أبي طالب، فقدم ليقطع يده فقدم السارق يده اليسرى ولم يشمروا، فقطعت، فأخبر علي بن أبي طالب خبره فتركه ولم يقطع يده الأخرى، وبهذا يقول مالك وأبو حنيفة. 

وقال بعض أصحابنا (الظاهرية): على متولي القطع دية اليد. وقال قائلون: تقطع اليمنى. واحتجوا أن الواجب قطع اليمني، واحتجوا في ذلك بقراءة ابن مسعود: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانها) . القراءة غير صحيحة، وادعوا إجماعاً وهو باطل برده قطع على الشمال عن اليمين واكتفاؤه بذلك. فلو وجب قطع اليمين لما أجزأ عن ذلك قطع الشمال. كما لا يجزئ الاستنجاء باليمين والأكل بالشمال. ولا نص إلا وجوب قطع اليد أو الأيدي في الكتاب والسنة. إلا أننا نستحب قطع اليمين للأثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يحب التيمن في شأنه كله. 

«وخلاصة ما تقدم»: 

وخلاصة ما ورد في المذاهب المختلفة في شأن موضع قطع اليد اليمين، والحكم إذا لم يتيسر قطعها بسبب فقدها أو تلفها، أو فقد أو تلف الأطراف الأخرى في السارق أو بعضها. 

إن فقهاء الحنفية يرون أن السارق إذا كانت يده اليمنى مقطوعة ويده اليسرى صحيحة - قطعت رجله اليسرى. فإن كانت اليسرى مقطوعة أو شلاء فلا قطع ولو كانت اليمنى صحيحة؛ لأن قطعها يفوت منفعة جنس اليد بالبطش، وإنما يحبس حتى يتوب، ويضمن السرقة. فإذا كانت اليمنى شلاء واليسرى صحيحة قطعت اليمني، لأنها هي محل  القطع، ولو كانت صحيحة قطعت فإذا كانت شلاء فأولى. 

هذا وإذا سرق فقطع قاطع يمين السارق فعلى قاطعه القصاص في العمد، والأرش في الخطأ، وتقطع رجل السارق اليسرى، إذا كان القاطع قد قطع يمين السارق قبل الخصومة في السرقة، فإن كان القطع بعد الخصومة وقبل الحكم بالقطع على السارق - فكذلك الجواب إلا أن السارق لا تقطع رجله اليسرى؛ لأنه لما خوصم كان الواجب في اليمنى وقد قطعت، فيسقط القوات المحل، وإن كان بعد القضاء فلا ضمان على القاطع؛ لأنه استوف يدا قيمة على السارق القوات المحل ويؤدب الإمام القاطع؛ لأنه أساء الأدب حين قطعه قبل أن يأمر الإمام به. 

ويرى الشافعية: 

أن يد السارق اليمنى هي محل القطع في السرقة الأولى. فلو فقدت قبل السرقة تقطع اليسرى (هكذا جاء في حاشية الجمل). فإن سقطت بعد السرقة بآفة أو جناية سقط القطع؛ لأنه تعلق بعينها، وقد زالت، بخلاف ما إذا سقطت يسراه لا يسقط قطع يمناه لبقائها، ولو سقطت أطرافه عزر. 

وعندهم إذا عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد ثالثاً فيده اليسرى، فإن عاد رابعاً قطعت رجله اليمنى فإن عاد عزر کا لو سقطت أطرافه. 

ويرى المالكية: 

قطع اليمني في السرقة الأولى اتفاقاً ، فإن كانت شلاء أو قطعت بآفة سماوية أو قصاص سابق فتقطع رجله اليسرى، وقيس عليه إذا كانت اليمنى تنقص أكثر الأصابع، كثلاثة فأكثر، فإن سرق من قطعت يمينه قبل ذلك في السرقة، فقال أهل الحجاز والعراق: تقطع رجله اليسرى بعد اليد اليمنى. وقال بعض أهل الظاهر وبعض التابعين: تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى، ولا يقطع منه غير ذلك. 

وقيل في المذهب: إن كانت اليمني.

 ويرى الحنابلة:

 أن من سرق ولا يمني له قطعت اليسرى كما يقطع في السرقة الثانية.

 وإن كانت يده شلاء ففيها روايتان: إحداهما: تقطع الرجل اليسرى.

 والأخرى: أن يسأل أهل الخبرة، فإن قالوا: أنها إذا قطعت رقأ دمها وانحسمت عروقها قطعت، وإلا لا؛ خوفاً من التلف وهذا مذهب الشافعي .

وإن كانت أصابع اليمنى كلها ذاهبة ففيها روايتان: الأول: تقطع؛ لأن راحة اليد بعض ما يقطع في السرقة. وقيل: لا تقطع؛ لأن الكف لا دية فيه. 

ومن سرق وله يمنى قطعت في قصاص، أو ذهبت بآفة، أو تعدى عليها معتد فقطعها - سقط القطع، ولا شيء على العادي إلا الأدب، وكذلك لو قطعها معتد بعد السرقة وقبل ثبوتها وقبل الحكم بالقطع ثم ثبت ذلك. وكذلك أشهد بها شهود رجعوا بعد ذلك. 

(ويرى الشيعة): 

قطع اليمنى في السرقة ولو شلاء، وكذا لو كانت اليسار شلاء، ولا تقطع اليسرى مع وجود اليمني . فلو لم يكن يسار قطع اليمني، وفي الرواية: لا يقطع. وقيل: تقطع رجله اليسرى في هذه الحالة، ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس. 

(ويرى الظاهرية): 

السنة قطع اليمنى في السرقة، فإن قطعت اليسرى أجزأت؛ لحديث علي رضى الله عنه، وقد أخذ المشروع في هذه المادة والمادة (99) بانتقال القطع من اليد اليمنى إلى الرجل اليسرى إذا كانت تلك اليد مقطوعة قبل السرقة، فإن كانت هذه الرجل مقطوعة أيضاً قبل السرقة، عوقب السارق تعزيراً. 

أما إذا كانت اليد اليمنى قطعت بعد السرقة، سقط القطع وعوقب تعزیراً . 

( رد المسروق) 

اتفق الفقهاء على وجوب رد المسروق إلى صاحبه، إن كان قائماً مطلقاً ، قطع فيه الجاني أو لم يقطع. 

المغني ج(10) ص (279)، الهداية شرح بداية المهتدي ج(2) ص (97)، المبسوط ج(9) ص (156)). 

كما أنهم اتفقوا على وجوب ضمانه إذا تلف ولم يقطع فيه الجاني المانع - كنقصان نصاب الشهادة المعتبرة لوجوب إقامة الحد، أو لنقصان نصاب المال المسروق، أو لأخذ المسروق من غير حرز - إلا أنهم اختلفوا في وجوب ضمانه إذا تلف وقد قطع فيه سارقه. 

1- فذهب الحنفية: إلى عدم وجوب الضمان مطلقا موسراً كان السارق أو معسراً ، أتلف المسروق بهلاك أو استهلاك ؛ لأن الله عز وجل لم يذكر في الآية الكريمة غير القطع جزاءً ، فوجوب الغرم زيادة على النص (البدائع، ج (7) ص (84)، بداية المجتهد، ج(2) ص (442)). 

2- وفرق المالكية: بين الموسر والمعسر، فأوجبوا الضمان في حالة ما إذا كان الجاني موسراً ، ولم يوجبوه إذا كان معسراً ؛ لأن تضمين المعسر لما سرق فيه عقوبة له، وقطعه عقوبة أخرى، ولا تجتمع عقوبتان على شخص واحد لجرم واحد (بداية المجتهد، ج (2) ص (442)). 

3- وذهب الحنابلة والشافعي والنخعي وحماد والبتي والليث إلى وجوب الضمان مطلقاً تلف المسروق بهلاك أو استهلاك ؛ لما رواه أبو داود، والترمذي عن الحسن عن سمرة عن النبي ع أنه قال «على اليد ما أخذت حتى تؤديه». ويقاس المسروق على المغصوب بجامع أن كلا مال قد تعلق به حق للغير، فكما أن المغصوب يجب رد عينه إن كان قائماً ، وضمانه إذا كان تالفاً ، فكذلك المسروق يجب رد عينه إن كان قائماً ، وضمانه إذا كان تالفاً (المغني، ج (10) ص (279)، بداية المجتهد ج (2) ص (442)). 

وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فنص في الفقرة الثانية من المادة الثانية على أن يحكم على السارق برد المسروق إن وجد، وإلا فبقيمته وقت السرقة. 

مادة (87): يطبق حد السرقة على كل من سرق مالاً مملوكاً للدولة ، أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة، أو الشركات، أو المنشآت، إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات تسهم في مالها بنصيب ما، متى اكتملت باقي الشروط المبينة في المادة (8). 

الإيضاح 

سرقة الأموال العامة: 

اختلف الفقهاء في حكم السرقة من بيت مال المسلمين (الأموال العامة المحفوظة في خزائنها أو أماكن حفظها المعتادة: 

1- فذهب أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد: إلى عدم القطع فيها لشبهة الملك، على اعتبار أن للأخذ ملكية شائعة فيها، ولأن سعد بن أبي وقاص أرسل إلى عمر رضى الله عنه يسأله عمن سرق من بيت المال فقال: «لا تقطع، فما من أحد إلا وله فيه حق». وروى الشعبي أن رجلاً سرق من بيت المال، فبلغ عليا - كرم الله وجهه - فقال: « إن له فيه سهماً». ولم يقطعه. (المهذب، ج 2/ ص (281)). 

2- وذهب مالك، وأبو ثور، والظاهرية: إلى وجوب القطع؛ لعموم الآية الكريمة، ولضعف الشبهة (المبسوط، ج (9) ص (188)، مغني المحتاج، ج (4) ص (163)، المهذب، ج(2) ص (281) المغني ج (10) ص 288). 

وقد رأى المشروع الأخذ بهذا الرأي الأخير؛ نظراً لكثرة حوادث سرقة الأموال العامة، ولأنه إذا كانت القواعد والنظم قد وضعت في وقتنا الحاضر لبيان كيفية استحقاق الأموال العامة وتوزيعها بين مستحقيها، وصيانتها من الاعتداء عليها - فإن ما يأخذه السارق في هذه الحالة لا يستحقه، ولا ملكية له فيه ولا شبهة، وهو مال غيره من المستحقين، أو مال الجماعة المعد لإنفاق على مصالحها طبقاً لما يراه أصحاب الاختصاص، وهم أولو الأمر الذين تجب طاعتهم بأمر الله سبحانه وتعالى، وفي إطار أحكام كتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تطبيقاً لقوله عاجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء: 59] ، أما ما روي من آثار عن الصحابة رضوان الله عليهم في هذا الشأن - فمحمول على الأخذ قبل وضع هذه النظم، ومن ثم فقد نص المشروع في هذه المادة على أن يطبق حد السرقة على كل من سرق مالاً مملوكاً للدولة أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة، أو الشركات أو المنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب، متى اكتملت باقي الشروط المبينة في المادة (85).  

(مادة 89): لا يجوز إبدال عقوبة القطع، ولا العفو عنها. 

الإيضاح 

عدم جواز استبدال العقوبة أو العفو عنها. 

ولما كانت حدود الله عقوبات مقدرة محددة لا مجال لإستبدال غيرها بها، كما أنه لا عفو فيها ولا شفاعة - فقد حرص المشروع على توكيد هذا المعنى في المادة (89)، فنص على أنه لا يجوز إبدال عقوبة القطع، ولا العفو عنها. 

وغني عن البيان أن الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة وفق حكم المادة (55) فقرة أولى من هذا القانون - لا يكون إلا عند الحكم بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة، فلا يجري ذلك على العقوبة الحدية . 

(مادة 89): لا يجوز إبدال عقوبة القطع، ولا العفو عنها. 

الإيضاح 

عدم جواز استبدال العقوبة أو العفو عنها. 

ولما كانت حدود الله عقوبات مقدرة محددة لا مجال لإستبدال غيرها بها، كما أنه لا عفو فيها ولا شفاعة - فقد حرص المشروع على توكيد هذا المعنى في المادة (89)، فنص على أنه لا يجوز إبدال عقوبة القطع، ولا العفو عنها. 

وغني عن البيان أن الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة وفق حكم المادة (55) فقرة أولى من هذا القانون - لا يكون إلا عند الحكم بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة، فلا يجري ذلك على العقوبة الحدية . 

(مادة 90): ويعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر. 

الإيضاح 

نوع الجريمة، وحكم الشروع فيها: 

وإذا كانت جرائم الحدود هي أشد أنواع الجرائم في نظر الشارع الإسلامي، وكانت جريمة السرقة من أبلغها خطراً ، فقد نص المشروع في المادة السادسة على اعتبارها جناية. ولما كان لا خلاف على أن الحد في السرقة لا يجب إلا على الجريمة التامة، أما الشروع أو الجريمة غير التامة فلا حد عليها، وإنما يعزر الجاني إذا اشتمل فعله على معصية .(المبسوط، ج9/ ص 199، الهداية ج2 ص98 ، نهاية المحتاج ج 7/ ص 162 ، والمغني ج 10/ ص 313 ، 314) - فقد نص المشروع على أنه: يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر . 

مادة (91): 

إذا لم يكن الجاني بالغا بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة - يعزر على الوجه الآتي: 

(أ) إذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة بالقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة - يعاقب بضربه بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين ضربة . 

(ج) وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة - يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات . 

الإيضاح 

تعزير الصبي: 

يمر الإنسان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بمرحلتين قبل أن يصل إلى البلوغ الذي 

يفترض أنه قد اكتمل له فيه الإدراك والإرادة، وأصبح مسئولاً عن أفعاله بصورة كاملة. 

(الأولى): مرحلة عدم التمييز. وهي من تاريخ الولادة حتى قبل إتمامه السابعة. وفيها لا يكون مسئولاً جنائياً. (والثانية): وتبدأ من السابعة حتى البلوغ. وفيها يعزر على الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعازير المناسبة لسنه، مع العمل على إصلاح شأنه، وهو ما التزمه المشروع في المادة (91) عند تحديد عقوبات التعزير التي توقع على الصغير . 

وإذا كانت سن البلوغ - حسبما تقضي المادة (31) من المشروع - هي بإتمام ثاني عشرة سنة هجرية ما لم يثبت بلوغ الجاني قبل ذلك بالأمارات الطبيعية - فإنه إذا ثبت للمحكمة أنه قد ظهرت على الصبي أمارات البلوغ الطبيعية قبل تمام الثامنة عشر - فتوقع عليه عقوبة الحد التي توقع على البالغ متى توافرت شروط توقيعها. 

مادة (92): 

إثبات جريمة السرقة المعاقب عليها حذا يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين:

الأولى : إقرار الجاني قولاً او كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالقاء عاقلاً ، مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره ، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها . 

الثانية : شهادة رجلين بالغين، عاقلين، عدلين، مختارين، غير متهمين في شهادتها، 

مبصرین، قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها . 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة . 

ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة . 

ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلاً على قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها، ولا يعد المجني عليه شاهداً إلا إذا شهد لغيره . 

الإيضاح 

تثبت جريمة السرقة بها تثبت به جرائم الحدود عامة. وقد أخذت الشريعة الغراء في إثبات جرائم الحدود بنظام الدليل المحدد، حتى لا يترك الأمر فيها المحض تقدير القاضي. والدليل الشرعي المقبول في جرائم الحدود هو الإقرار والشهادة، وهو ما التزمه المشروع في إثبات حد السرقة. 

کا حرص المشروع على النص في المادة (92) على أنه يكفي الإقرار مرة واحدة ؛ نظراً الاختلاف الرأي فيما إذا كان ينبغي أن يتكرر الإقرار بمقدار عدد الشهود، أم يكفي الإقرار مرة واحدة، وقد أخذ المشروع في ذلك برأي الجمهور من أنه لا حاجة للتكرار (المبسوط، جو ص182 ، البدائع، ج 7/ ص 51 ، ابن عابدین، ج 2/ ص 294). 

کا نص المشروع على أن تكون البينة بشهادة رجلين . 

شروط الإقرار والشهادة: حرص المشروع على أن تضم نصوصه شروط صحة الإقرار والشهادة دون إحالة في ذلك إلى كتب الفقه - کما جرت بعض التشريعات العربية، وذلك قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة التزاماً منه بمبدأ الشريعة الذي يقضي بأن يبين القانون الجنائي كل ما يتصل بالجريمة والعقوبة من أركان وشروط وأحكام، دون أن يكمل في ذلك بما يخرج من نصوصه، هذا فضلاً عن مشقة الرجوع إلى كتب الفقه، وصعوبة تحديد الراجح بين المذاهب، أو داخل المذهب الواحد. 

الإقرار: 

وقد تناولت هذه المادة أيضا شروط الإقرار، وهي أن يكون المقر بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير منهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً لا خفاء فيه، تفصح عبارته عن حقيقة المقصود به دون لبس أو غموض، وأن يكون منصباً على ارتكاب الجريمة بكل أركانها وشروطها. (تبصرة الحكام ج 2/ ص 40). 

كما أفسح المشروع للمتهم مجال الرجوع في إقراره طوال مرحلة نظر الدعوى، حتى صدور الحكم النهائي من محكمة الجنايات، إذ بهذا الحكم تخرج الدعوى من ولاية المحكمة. 

الشهادة: 

کا عالج المشروع شروط الشهادة، فنص على أنه يشترط في الشاهد أن يكون عند تحمل الشهادة وعند أدائها عاقلاً بالغاً ؛ لأن العقل والبلوغ مناط التكليف، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين؛ لأن الشهادة من باب الولاية، والصبي والمجنون لا ولاية لكل منهما على نفسه، فلا ولاية على غيره بالأولى. 

ورأت اللجنة أن يكون الأصل هو شهادة رجلين، إلا أنه عند الضرورة يجوز الإثبات بشهادة رجل وامرأتين، أو أربع نسوة ؛ ذلك أن الضرورات تبيح المحظورات من ناحية . ومن ناحية أخرى فإن ثمة مجتمعات نسائية بحتة مثل كلية البنات وما شابهها - يكون اشتراط الذكورة فيها تعطيلاً لإقامة الحدود . 

ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العدالة في الشاهد؛ لقوله سبحانه وتعالى: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ) [الطلاق: 2]، ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) [الحجرات: 6] 

والمراد بالعدالة أن يتجنب الشخص الكبائر، ويتقي في الغالب الصغائر، ومن المتفق عليه أن مما يخل بالعدالة ارتكاب أفعال الفسق، والأفعال التي تنال من المروءة، أو تجرح الكرامة. 

 

شرح الخرشي ج5/ ص177 ، مواهب الجليل ج6/ ص 150 ، شرح فتح القدير ج 4 ص427 ، تبصرة الحكام ج1/ ص 217). 

وقد اختلف الفقهاء في ثبوت العدالة: 

1- فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب على القاضي التحري عن عدالة الشهود، والتحقق من ثبوتها ولو يجرحهم المشهود عليه؛ لأن عدالة الشاهد شرط لازم للحكم بمقتضى شهادته. (مواهب الجليل ج 6/ ص 150 ، وأسنى المطالب ح4 ص 312- المغني ج9 ص165). 

2- وذهب أبو حنيفة إلى أنه يفترض في الشاهد العدالة، ما لم يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة، واستثنى من ذلك الحدود والقصاص فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يجرحهم الخصم؛ لأنه يحتال لإسقاطها، فيشترط الاستقصاء فيها. (شرح فتح القدير ج4 ص116 ، البدائع ج6/ص270، المبسوط ج9/ ص 38) . 

3- وذهب المالكية إلى أنه يكتفى بظاهر عدالة الشاهد، ولا يسأل عنه إلا إذا جرحه المشهود عليه، وذلك استنادا إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الناس عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف». (حاشية الدسوقي ج4 ص319). 

وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فنص في البند (ب) من المادة (92) على أنه: يفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة ». وقد آثر المشروع هذا الرأي عملاً على سرعة البت في القضايا، ولصعوبة تحقيق صفة تتناول كل حياة الشاهد ولا تقتصر على وقائع محددة. وهو تحقيق قد يطول أمده، ويتعذر في أغلب الأحيان إجراؤه، لاسيما مع تكاثف عدد السكان. ولذلك اعتبر المشروع أن الأصل في الشاهد العدالة، ما لم يثبت العكس بأن يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة بنسبة وقائع معينة محددة من شأنها أن تخل بعدالته، فإذا ثبت للقاضي من التحقيق صدق ادعائه، رد شهادة الشاهد لانتفاء العدالة. 

کا اشترط المشروع في الشاهد الإبصار والقدرة على التعبير قولاً أو كتابة، وإنما اشترط المشروع الإبصار رغم وقوع الخلاف عليه في الفقه ؛ لأن جريمة السرقة تقوم على الأفعال المرئية التي تقتضي تمييز الأشخاص والأفعال بالبصر، ويستند المشروع في ذلك إلى ما يراه الحنفية من اشتراط الإبصار في الشاهد عند التحمل وعند الأداء؛ لأن الشهادة تقتضي العلم بالواقعة وتمييزها بأوصافها الخاصة، ومعرفة المشهود له والمشهود عليه (المبسوط ج16/ ص 129 ، شرح فتح القدير ج 6 ص 29). 

کا يستند المشروع كذلك إلى ما يراه الشافعية من عدم جواز شهادة الأعمى في الأفعال المرئية كالقتل والسرقة وقطع الطريق. (المهذب ج2 ص33 ، ومغني المحتاج ج4 ص 44). 

أما اشتراط القدرة على التعبير قولاً أو كتابة، فقد أخذ المشروع فيه برأي المالكية من قبول شهادة الأخرس إذا استطاع أن يؤديها بالكتابة، ذلك أن الكتابة تستوي مع القول في إمكان التعبير عن الفكرة في وضوح (حاشية الدسوقي ج4 ص 167 ، شرح الخرشي ج 5/ ص 179، مواهب الجليل ج6/ ص 154). 

وإذا كان لا خلاف في الفقه حول وجوب قطعية الشهادة وصراحتها، وورودها على كافة وقائع الجريمة وزمانها و مكانها - فقد اشترط المشروع في البند(هـ) من المادة (92) في الشهادة أن تكون صريحة الدلالة على وقوع الجريمة بالشروط المبينة في القانون فلا يكفي أن يشهد الشاهد على بعض وقائع الجريمة وشروطها، ويشهد الآخر على باقيها بحيث تتكامل الشهادتان، بل ينبغي أن يشهد كل شاهد منها على كافة وقائع الجريمة وشروطها المبينة في القانون، أما إذا زاد عدد الشهود عن اثنين فيكفي أن يتوفر نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة على حدة، فيجوز أن يشهد شاهدان على واقعة، ويشهد آخران على واقعة أخرى، وتثبت الجريمة بشهادتهم جميعاً طالما قد اكتمل نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة. 

مادة (93): يجوز للمقر العدول عن إقراره إلى ما قبل الحكم النهائي من محكمة الجنايات، وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار .

الإيضاح نص المشروع في المادة (93) على جواز رجوع المقر عن إقراره؛ أخذاً برأي الجمهور. وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار؛ لأن الرجوع عن الإقرار يسقط الدليل الوحيد الذي ثبتت به الإدانة فيسقط الحد (شرح الخرشي ج 5 / ص 344، حاشية الدسوقي ج 4 / ص 345، مواهب الجليل ج 6 / ص 312 - أسنى المطالب ج 4 / ص ۱۵۰، البدائع ج 7 ص 88 ، فتح القدير ج 4 / ص 258 ). 

مادة (94): إذا سقط الحد لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (92)، أو لعدول المتهم عن إقراره طبقاً للمادة (93) - تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً ، وذلك متى ثبت للقاضي وقوعها بأية أدلة أو قرائن أخرى. 

الإيضاح 

عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي: 

عني المشروع بالنص في هذه المادة على أنه في حالة عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (92) من المشروع، أو لعدول الجاني عن إقراره - تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة أخرى معاقباً عليها قانوناً ، وثبت للقاضي ارتكابها بأي دليل أو قرينة أخرى، وذلك على أساس أن الإثبات في الحدود يعتبر ركناً موضوعياً في الجريمة الحدية، بحيث إذا لم يتوافر انتفت الجريمة؛ لفقدان أحد أركانها، فإذا کون ذات الفعل المادي جريمة معاقباً عليها تعزيراً بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر - وجب معاقبة الجاني عليها على أساس أنها تعتبر جريمة أخرى تختلف عن الجريمة الحدية في أركانها، إذ ينقصها ركن الإثبات، وإن اتحدت مع الجريمة الحدية في باقي الأركان، ويكون إثباتها في هذه الحالة متروكاً لمطلق تقدير القاضي الجنائي دون التقيد بدليل أو قرينة معينة تمشياً مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن إثبات جرائم التعزير - خلافاً الجرائم الحدود والقصاص- لا يتقيد بطرق خاصة (الفتاوی الهندية ج 2 ص 167). وهو ما يتفق مع مبدأ حرية الإثبات في المسائل الجنائية المعمول به في القانون الوضعي، حيث تنص المادة (302) من قانون الإجراءات الجنائية بأن: «يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته».  

مادة (95): 

إذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة السرقة المعاقب عليها حدا في أي وقت بعد تنفيذ القطع عن السرقة الأولى - عوقب حداً بقطع رجله اليسرى، فإن كانت مقطوعة أو تكرر العود في أي وقت، عوقب تعزيرا بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات. 

الإيضاح 

العود: 

کما عالج المشروع في المادة (95) عود الجاني إلى ارتكاب الجريمة بعد توقيع الحد عليه. وإذا كان الأصل في القوانين الوضعية هو تشديد العقاب في حالة العود زيادة في ردع الجاني الذي لم تردعه عقوبة الجريمة الأولى فإن الوضع يختلف بالنسبة للحدود؛ لأنها تحمل في ذاتها أقوى تغليظ للردع. 

ولذلك إذا ارتكب الشخص جريمة السرقة وأقيم عليه الحد ثم عاد إلى اقتراف جرم السرقة ثانية - فإن الحد لا يزاد عليه؛ لأنه كاف وحده للردع (محمد أبو زهرة ص 381). وهو أمر لا جدال فيه ولا خلاف عليه، وإنما وقع الخلاف في إمكان توقيع حد القطع في الجريمة التالية على الجاني الذي سبق قطع يده اليمنى، فهل تقطع باقي أطرافه، أو تستبدل بعقوبة القطع عقوبة أخرى؟: 

فبالنسبة للسرقة الثانية: 

1- ذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والمالكية إلى أنه إذا عاد من قطعت يمناه واندمل قطعه إلى اقتراف جرم السرقة مرة ثانية - وجب قطع رجله اليسرى. (بدائع الصنائع، ج7/ س 86، نهاية المحتاج، ج 7 ص 444، کشاف القناع، ج 6 / ص 119 ، مختصر خليل، ص 328، الماوردي، ص 266). 

2- وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يجب أن تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى؛ لقوله عز وجل (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة: 38]، ولأنها آلة السرقة. (المغني، ج 10/ ص 265). 

وقد أخذ المشروع برأي الجمهور من قطع الرجل اليسرى في السرقة الثانية.

 أما بالنسبة للسرقات التالية للثانية: 

فقد أثارت العقوبة الواجب توقيعها على الشخص المقترف جرم السرقة بعد توقيع الحد عليه في المرة الثانية جدلاً بين الفقهاء: 

1- فذهب الحنفية والحنابلة والإمامية: إلى حبس الجاني وضربه حتى تظهر توبته أو يموت، وإلى هذا ذهب علي، والحسن، والشعبي، والزهري، وحماد، والثوري؛ لما روي عن أبي سعيد المقبري عن أبيه أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا، اقطعه يا أمير المؤمنين. قال: أقتله إذن وما عليه القتل. بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة بأي شيء يغتسل من جنابته؟ بأي شيء يقوم إلى حاجته؟ فرده إلى السجن أياماً ثم أخرجه فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأول، فقال لهم مثل ما قال أول مرة فجلده جلداً شديداً ثم أرسله. (ابن عابدین ، ج 3 ص 385 - المغني ج 10 ص271 - المختصر النافع 225 - الماوردي الأحكام السلطانية ص 226، بدائع الصنائع ج 7 ص 86، شرح منتهى الإرادات، ج3 / ص373). 

2- وذهب الشافعية، والمالكية إلى أنه إذا عاد السارق؛ لاقتراف هذا الجرم للمرة الثالثة قطعت يده اليسرى، فإذا سرق مرة رابعة قطعت رجله اليمنى ؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: «إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله». (مغني المحتاج ج 4 / ص 178 ، المهذب ج 2 ص 300 ، بداية المجتهد ج 2/ ص 443، عبد الله الخرشي على خليل، ج 8 ص 93 ، نهاية المحتاج، ج 7 ص 444).  

فإذا سرق مرة خامسة بعد قطع أطرافه الأربعة فعقوبته القتل عند بعض الفقهاء. 

ويرى البعض الآخر في المشهور عندهم أنها التعزير حتى يتوب أو يموت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ما يجب عليه في أربع مرات، فلو وجب في الخامسة قتل لبينه عليه الصلاة والسلام.   

3- وروى أبو بكر بن العربي الفقيه المالكي في تفسيره لآية السرقة من أن عطاء قال: إنه قطع يمنى السارق في السرقة الأولى، ولا تطع بعد ذلك إن عاد للسرقة، وإنما يعاقب تعزيراً وحجته في ذلك أن الله جل شأنه قال: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة: 38]، ولو شاء أمر بقطع الرجل، ولم يكن الله تعالى نسياً . 

ورأت اللجنة أن العائد بعد تنفيذ القطع عن السرقة الأولى يعاقب حدا بقطع رجله اليسرى، فإن كانت مقطوعة أو تكرر العود في أي وقت، عوقب تعزيراً بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات.  

مادة (99): 

تقطع يمنى المحكوم عليه ولو كانت شلاء، أو مقطوعة الإبهام أو الأصابع إذا لم يخش عليه من الهلاك في حالة الشلل. 

ويمتنع تنفيذ القطع في الحالات الآتية: 

(أ) إذا كانت يده اليسرى مقطوعة، أو شلاء، أو مقطوعة الإبهام، أو أصبعين سوى الإبهام. 

(ب) إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة، أو شلاء، أو بها عرج يمنع المشي عليها. 

(ج) إذا ذهبت يمناه لسبب وقع بعد ارتكاب جريمة السرقة. 

(د) إذا تملك الجاني المال المسروق قبل القطع. 

وإذا امتنع القطع في الحالات الثلاث الأولى، يستبدل بالقطع السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات. 

وفي جميع الأحوال يعرض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ للتحقق من أسباب امتناع القطع، والحكم بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة أو بعدم تنفيذها، إذا توافرت الحالة المنصوص عليها في البند (د). 

الإيضاح 

أحكام خاصة في القطع: 

وقد يحدث أحياناً أن تكون يد السارق اليمنى شلاء، أو مقطوعة الإبهام أو الأصابع، وقد اختلف الفقهاء في هذه الحالة:  

1- فذهب الحنفية إلى أنها تقطع؛ لقوله تعالى (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) أي: أيمانهما، وذلك من غير فصل بين يمنى ويمنى، ولأنها لو كانت سليمة تقطع بالاتفاق. 

فالناقصة المعيبة أولى بالقطع (البدائع، ج 87 ، المبسوط ج9/ ص 167) 

2- ويرى الشافعية أن اليد الناقصة الأصابع تقطع؛ لأن اسم اليد يقع عليها. أما إذا لم يبق منها غير الراحة ففيه رأيان: الأول: يقول بعدم القطع، وينتقل الحد إلى الرجل؛ لأنه قد ذهب المنفعة المقصودة بها. والثاني: قول بقطع ما بقي؛ لأنه جزء من العضو الذي تعلق به القطع (المهذب ج 2 ص 283 ، أسنى المطالب، ج 4 / ص 152 ، مغني المحتاج، ج 4/ ص 179). 

3- ويذهب المالكية إلى أنه لا تقطع اليد إذا كانت شلاء، أو نقص منها ثلاثة أصابع فأكثر. وينتقل الحد إلى الرجل اليسرى في المشهور. (حاشية الدسوقي، ج 4 / ص 232 ، شرح الخرشي ج، ص 334 ). 

وقد أخذ المشروع با ذهب إليه الحنفية. 

كما أن هناك حالات أخرى رأى الحنفية ألا تقطع فيها، وهي الحالات المنصوص عليها في البندين (أ ، ب) من المادة (99) وهي: (أ) – إذا كانت يد الجاني اليسرى مقطوعة أو شلاء أو مقطوعة الإبهام أو أصبعين سوى الإبهام. (ب)- إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة أو شلاء أو بها عرج يمنع المشي عليها؛ وذلك لأن القطع شرع للردع وللزجر لا للإهلاك فلا يجب أن يفوت فيه جنس المنفعة بطشاً أو شقاً . (شرح فتح القدیر، ج 4 / ص 250 ، المبسوط ج 9/ ص 168). 

وأما إذا ذهبت يمناه لسبب وقع بعد السرقة، وهي الحالة المشار إليها في البند (ج) سواء كان لقصاص أو لجناية أجنبي - فيرى جمهور الفقهاء أن القطع يسقط، فلا ينتقل الحد إلى العضو الآخر (شرح الخرشي، ج5/ ص 345، حاشية الدسوقي، ج 4 / ص 347 ، البدائع، ج 7 ص 88 ، المهذب، ج2/ ص 283 ، المغني، ج 10 / ص 269). 

وقد أخذ المشروع بمذهب الحنفية في الحالتين الأولى والثانية، وبها ذهب إليه جمهور الفقهاء في الحالة الثالثة. 

على أن امتناع القطع في الحالات السابقة لا يعفي الجاني من عقوبة التعزير، ولذلك نص المشروع في هذه المادة على أنه إذا امتنع القطع في الحالات الثلاث السابقة، يستبدل بالقطع السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني  ، الصفحة / 76

السَّرِقَةُ فِي الاِحْتِشَاشِ:

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ: تُقْطَعُ الْيَدُ فِي الْعُشْبِ الْمُحْتَشِّ إِذَا أُخِذَ مِنْ حِرْزٍ وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ: لاَ قَطْعَ فِيهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 130

الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ الصُّوَرِ :

لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لِمَكْسُورِهَا قِيمَةٌ، أَوْ لَهُ قِيمَةٌ لاَ تَبْلُغُ نِصَابًا.

أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ آلَةِ اللَّهْوِ؛ لأِنَّ صَلاَحِيَّتَهُ لِلَّهْوِ صَارَتْ شُبْهَةً مِنْ أَنَّ السَّارِقَ قَدْ يَقْصِدُ الإْنْكَارَ، وَأَنَّ سَرِقَتَهُ لِلشَّيْءِ لِتَأْوِيلِ الْكَسْرِ، فَمَنَعَ ذَلِكَ الْقَطْعَ. فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُمْ فِي الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَوْ كَانَ مَكْسُورُهَا يَبْلُغُ نِصَابًا. قَالَ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا الْخَمْرُ أَوْ صَلِيبًا أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ لَمْ يُقْطَعْ. قَالَ صَاحِبُ الإْنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأْصْحَابِ. أَيْ لأِنَّ الصَّنْعَةَ الْمُحَرَّمَةَ أُهْدِرَتْ بِسَبَبِهَا حُرْمَةُ الشَّيْءِ فَلَمْ يَعُدْ لِمَكْسُورِهِ حُرْمَةٌ تَسْتَحِقُّ أَنْ يَثْبُتَ بِسَبَبِهَا الْقَطْعُ. وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِالسَّرِقَةِ الإْنْكَارَ أَمْ لَمْ يَقْصِدْهُ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبُ الْقَطْعِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَكْسُورُ يَبْلُغُ نِصَابًا.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى  أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَىالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَسْرُوقَةِ صُوَرٌ فَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الْقَطْعِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لأِنَّ النُّقُودَ إِنَّمَا تُعَدُّ لِلتَّمَوُّلِ فَلاَ يَثْبُتُ فِيهَا تَأْوِيلٌ. لَكِنْ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ إِنْكَارًا فَلاَ يُقْطَعُ، وَيُقْطَعُ إِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّرِقَةُ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا :

السَّرِقَةُ مِنْ جَرَائِمِ الْحُدُودِ مَا دَامَتْ قَدِ اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا الشَّرْعِيَّةَ، وَأَهَمُّهَا: الْخُفْيَةُ. وَكَوْنُ مَوْضُوعِ السَّرِقَةِ مَالاً، مَمْلُوكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ، مُحَرَّزًا، نِصَابًا. فَ إِذَا تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْحَدِّ فَلاَ يُقَامُ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ الْفَاعِلُ؛ لأِنَّهُ  ارْتَكَبَ جَرِيمَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث عشر ، الصفحة /  98 

قَطْعُ سَارِقِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَطْعِ سَارِقِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهَا إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُ الْقَطْعِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ الْقَطْعِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ).

الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى قَطْعِ النَّبَّاشِ إِذَا تَحَقَّقَتْ شُرُوطُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا لأِنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ، وَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ زَائِدًا عَلَى كَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ دُفِنَ فِي تَابُوتٍ فَسُرِقَ التَّابُوتُ لَمْ يُقْطَعْ، لأِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوعِ فِي الْكَفَنِ لَمْ يُجْعَلِ الْقَبْرُ حِرْزًا لَهُ وَكَذَلِكَ التَّابُوتُ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ مُطْلَقًا. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم«لاَ قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي».

وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلأِنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لأِنَّهُ لاَ مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلاَ لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، فَتَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْقَطْعِ، وَوَافَقَهُمَا الشَّافِعِيَّةُ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مَدْفُونًا فِي بَرِيَّةٍ لِعَدَمِ الْحِرْزِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 23

سَرِقَةُ الثِّمَارِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الشَّجَرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ».

وَلِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : فِيمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ «رَجُلاً مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ؟ فَقَالَ: هِيَ مِثْلُهَا وَالنَّكَالُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ قَطْعٌ إِلاَّ فِيمَا آوَاهُ الْمُرَاحُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَفِيهِ قَطْعُ الْيَدِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ؟ قَالَ: هُوَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَالنَّكَالُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ، إِلاَّ فِيمَا آوَاهُ الْجَرِينُ، فَمَا أُخِذَ مِنَ الْجَرِينِ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ». وَلأِنَّهُ لاَ إِحْرَازَ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِلَى الْقَطْعِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَرَّجٌ لِلَّخْمِيِّ عَلَى السَّرِقَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الأْوَّلُ فَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَنِ الإْمَامِ مَالِكٍ. ثُمَّ إِنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَحَلُّهُمَا ثِمَارُ الشَّجَرِ الْمُعَلَّقِ خِلْقَةً إِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَلْقٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَلْقٌ فَلاَ قَطْعَ فِي سَرِقَتِهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ لاَ قَطْعَ اتِّفَاقًا إِنْ قُطِعَ ثُمَّ عُلِّقَ وَلَوْ بِغَلْقٍ.

وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ الأْشْجَارَ الَّتِي عَلَيْهَا حَارِسٌ يُرَاقِبُهَا مُحْرَزَةً، وَكَذَا الأْشْجَارُ إِنْ اتَّصَلَتْ بِجِيرَانٍ يُرَاقِبُونَهَا عَادَةً، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى سَارِقِ ثِمَارِهَا عِنْدَهُمْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَشْجَارَ أَفْنِيَةِ الدُّورِ مُحْرَزَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِلاَ حَارِسٍ.

ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحْرَزَ الثِّمَارَ وَجَبَ فِيهِ الْقَطْعُ، فَلَوْ وُضِعَ الثَّمَرُ فِي جَرِينٍ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِ بَابٌ أَوْ حَافِظٌ فَهِيَ مُحْرَزَةٌ عَلَى سَارِقِهَا الْقَطْعُ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ الْبَابَ أَوْ الْحَافِظَ، فَيُقْطَعُ عِنْدَهُمْ إِنْ سَرَقَهُ مِنَ الْجَرِينِ مُطْلَقًا. كَمَا أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا جُذَّ الثَّمَرُ وَوُضِعَ فِي مَحَلٍّ اعْتُبِرَ وَضْعُهُ فِيهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْجَرِينِ ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ سَارِقٌ فَفِيهِ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ:

الأْوَّلُ: يُقْطَعُ مُطْلَقًا: وَالثَّانِي: لاَ يُقْطَعُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: يُقْطَعُ إِنْ كُدِّسَ أَيْ يُجْمَعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ بِتَكْدِيسِهِ أَشْبَهَ مَا فِي الْجَرِينِ، ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ هَذِهِ الأْقْوَالِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ، وَإِلاَّ قُطِعَ قَوْلاً وَاحِدًا، وَأَوْجَبَهُ الْحَنَابِلَةُ عَلَى سَارِقِ الثِّمَارِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَضْمَنَ عِوَضَهُ مَرَّتَيْنِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ. فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ» وَلأِنَّ الثِّمَارَ فِي الْعَادَةِ تَسْبِقُ الْيَدُ إِلَيْهَا، فَجَازَ أَنْ تُغَلَّظَ قِيمَتُهَا عَلَى سَارِقِهَا رَدْعًا لَهُ وَزَجْرًا بِخِلاَفِ غَيْرِهَا.

الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ الْجِلْدِ:

جِلْدُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ الْمُذَكَّى، مَالٌ طَاهِرُ يُقْطَعُ سَارِقُهُ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ مَعَ تَوَفُّرِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، وَبِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ.

أَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دَبْغِهِ فَلاَ قَطْعَ فِي سَرِقَتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ بَعْدَ دَبْغِهِ يُقْطَعُ فِي سَرِقَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِشُرُوطِ الْقَطْعِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْقِيمَةِ الَّتِي يُقْطَعُ فِيهَا: جِلْدُ مَيْتَةِ الْمَأْكُولِ أَوْ غَيْرِهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ بَعْدَ الدَّبْغِ إِنْ زَادَ دَبْغُهُ عَلَى قِيمَةِ أَصْلِهِ نِصَابًا، بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ غَيْرَ مَدْبُوغٍ أَنْ لَوْ كَانَ يُبَاعُ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا قِيلَ: دِرْهَمَانِ فَيُقَالُ: وَمَا قِيمَتُهُ مَدْبُوغًا فَإِذَا قِيلَ: خَمْسَةٌ قُطِعَ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ بَعْدَ دَبْغِهِ نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ كَمَا لَوْ سَرَقَهُ غَيْرَ مَدْبُوغٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَوْ سَرَقَ جُلُودَ السِّبَاعِ الْمَدْبُوغَةَ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ لاَ يُقْطَعُ، وَلَوْ جُعِلَتْ مُصَلاَّةً أَوْ بِسَاطًا قُطِعَ لأِنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ جُلُودَ السِّبَاعِ لِتَغَيُّرِ اسْمِهَا وَمَعْنَاهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 307

حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الْمَالِ :

أ - حَبْسُ الْعَائِدِ إِلَى السَّرِقَةِ بَعْدَ قَطْعِهِ :

- إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّرِقَةِ يُحْبَسُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِمَنْعِ ضَرَرِهِ عَنِ النَّاسِ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي تَحْدِيدِ عَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي يُقْطَعُ أَوْ يُحْبَسُ بَعْدَهَا. (ر: سَرِقَةٌ).

ب - حَبْسُ السَّارِقِ تَعْزِيرًا لِتَخَلُّفِ مُوجِبِ الْقَطْعِ :

- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حَالاَتٍ يُحْبَسُ فِيهَا السَّارِقُ لِتَخَلُّفِ مُوجِبَاتِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ: حَبْسُ مَنِ اعْتَادَ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَحَبْسُ مَنِ اعْتَادَ سَرِقَةَ بَزَابِيزِ الْمِيَضِ (صَنَابِيرِ الْمَاءِ) وَنِعَالِ الْمُصَلِّينَ. وَنَصُّوا عَلَى حَبْسِ الطَّرَّارِ وَالْقَفَّافِ وَالْمُخْتَلِسِ، وَمَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ فَيَجْمَعُ الْمَتَاعَ فَيُمْسَكُ وَلَمَّا يُخْرِجْهُ. وَكُلُّ سَارِقٍ انْتَفَى عَنْهُ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ.

ج - حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ :

- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حَبْسِ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ لِوُجُودِ قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي ذَلِكَ كَتَجَوُّلِهِ فِي مَوْضِعِ السَّرِقَةِ وَمُعَالَجَتِهِ أُمُورًا تُعْتَبَرُ مُقَدِّمَاتٍ لِذَلِكَ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع عشر ، الصفحة /  153

ب - السَّرِقَةُ:

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَخْذُهُ خُفْيَةً ظُلْمًا فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ فِي بَابِهَا.

فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِرَابَةَ فِيهَا مُجَاهَرَةٌ وَمُكَابَرَةٌ وَسِلاَحٌ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 161

قَطْعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ:

فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: فَإِذَا سَرَقَ مِنَ الْحَمَّامِ لَيْلاً قُطِعَ، لأِنَّهُ بُنِيَ لِلْحِرْزِ، وَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ نَهَارًا لاَ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ نَهَارًا، فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ، وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ بَعْضَ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالنَّهَارِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ نِصَابًا مِنْ آلاَتِهِ أَوْ مِنْ ثِيَابِ الدَّاخِلِينَ يُقْطَعُ: إِنْ كَانَ دَخَلَهُ لِلسَّرِقَةِ لاَ لِلاِسْتِحْمَامِ، أَوْ نَقَبَ حَائِطَهُ وَدَخَلَ مِنَ النَّقْبِ أَوْ تَسَوَّرَ وَسَرَقَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْحَمَّامِ حَارِسٌ أَمْ لاَ. أَمَّا إِنْ سَرَقَ الْحَمَّامَ مِنْ بَابِهِ أَوْ دَخَلَهُ مُغْتَسِلاً فَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ لأِنَّهُ خَائِنٌ .وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُقْطَعُ سَارِقُ الْحَمَّامِ إِنْ كَانَ لِلْمَتَاعِ حَافِظٌ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الثِّيَابِ الْمَسْرُوقَةِ أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَافِظٌ فَلاَ يُقْطَعُ، لأِنَّهُ مَأْذُونٌ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ، فَجَرَى مَجْرَى سَرِقَةِ الضَّيْفِ مِنَ الْبَيْتِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي دُخُولِهِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لأِنَّهُ مَتَاعٌ لَهُ حَافِظٌ .وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «سَرِقَةٌ».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون ، الصفحة /  30

السَّرِقَةُ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النِّصَابَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّهَبِ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :  «لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَنِصَابُ السَّرِقَةِ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي دِينَارٍ أَوْ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ».

وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي: (سَرِقَة).

سَرِقَةُ الذَّهَبِ:

 ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ قَطْعِ يَدِ سَارِقِ الذَّهَبِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَزْنًا وَقِيمَةً مَعًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ.

وَيُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ بُلُوغُ قِيمَتِهِ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  121

ب - حَدُّ السَّرِقَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ السَّارِقِ قَطْعُ يَدِهِ  لقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وَأَوَّلُ مَا يُقْطَعُ مِنَ السَّارِقِ يَدُهُ الْيُمْنَى؛ لأِنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى فَكَانَتِ الْبِدَايَةُ بِهَا أَرْدَعَ؛ وَلأِنَّهَا آلَةُ السَّرِقَةِ، فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِقَطْعِهَا أَوْلَى.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي السَّارِقِ: «إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَلأِنَّهُ فِي الْمُحَارَبَةِ الْمُوجِبَةِ قَطْعَ عُضْوَيْنِ إِنَّمَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ، وَلاَ تُقْطَعُ يَدَاهُ، وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَانِيًا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) وَلأِنَّ الْيَدَ آلَةُ السَّرِقَةِ وَالْبَطْشِ فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِقَطْعِهَا أَوْلَى، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ - وَهَذَا شُذُوذٌ يُخَالِفُ قَوْلَ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الأْمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالأَْثَرِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا سَرَقَ ثَالِثًا بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه  أُتِيَ بِسَارِقٍ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ يُقَالُ لَهُ: سَدُومُ، وَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه : إِنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ، فَحَبَسَهُ عُمَرُ، وَلَمْ يَقْطَعْهُ.

وَلِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه  أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ - الْيُمْنَى - ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ وَقَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ - الْيُسْرَى - ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ وَقَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لأِصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: قَتَلْتُهُ إِذَنْ وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، لاَ أَقْطَعُهُ، إِنْ قَطَعْتُ يَدَهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَمَسَّحُ، وَإِنْ قَطَعْتُ رِجْلَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَمْشِي، بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ، إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ لاَ أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا، وَلاَ رِجْلاً يَمْشِي عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ وَحَبَسَهُ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَالِثًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى. فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي السَّارِقِ: «إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَلأِنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَتُقْطَعُ رِجْلُ السَّارِقِ مِنَ الْمَفْصِلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ.

الرِّدْءُ فِي السَّرِقَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّدْءَ إِذَا لَمْ يَدْخُلِ الْحِرْزَ، وَلَمْ يَشْتَرِكْ فِي إِخْرَاجِ الْمَالِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ.

وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 166

قَطْعُ يَدِ سَارِقِ السَّبِيكَةِ:

 تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِذَا كَانَ مُكَلَّفًا، وَأَخَذَ مَالاً خِلْسَةً لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَالُ نِصَابًا.

وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ النِّصَابِ هُوَ رُبْعُ دِينَارٍ، وَفِي الاِعْتِبَارِ بِذَلِكَ بِالذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ أَوْ بِغَيْرِهِ خِلاَفٌ.

فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الاِعْتِبَارَ بِالذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ فَإِنَّهُ لاَ قَطْعَ بِسَرِقَةِ سَبِيكَةٍ أَوْ حُلِيٍّ لاَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُمَا رُبُعَ دِينَارٍ عَلَى وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (سَرِقَةٍ).

 

سَرِقَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - فِي اللُّغَةِ: السَّرِقَةُ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنَ الْغَيْرِ خُفْيَةً. يُقَالُ: سَرَقَ مِنْهُ مَالاً، وَسَرَقَهُ مَالاً يَسْرِقُهُ سَرَقًا وَسَرِقَةً: أَخَذَ مَالَهُ خُفْيَةً، فَهُوَ سَارِقٌ. وَيُقَالُ: سَرَقَ أَوِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ وَالنَّظَرَ: سَمِعَ أَوْ نَظَرَ مُسْتَخْفِيًا.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ نِصَابًا مُحْرَزًا، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ، مِلْكًا لِلْغَيْرِ، لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَخْذُ مُكَلَّفٍ طِفْلاً حُرًّا لاَ يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ. 

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الاِخْتِلاَسُ:

2 - يُقَالُ خَلَسَ الشَّيْءَ أَوِ اخْتَلَسَهُ، أَيْ: اسْتَلَبَهُ فِي نُهْزَةٍ وَمُخَاتَلَةٍ.

وَالْمُخْتَلِسُ: هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ جَهْرَةً مُعْتَمِدًا عَلَى السُّرْعَةِ فِي الْهَرَبِ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالاِخْتِلاَسِ: أَنَّ الأْولَى عِمَادُهَا الْخُفْيَةُ، وَالاِخْتِلاَسُ يَعْتَمِدُ الْمُجَاهَرَةَ.

وَلِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ».

انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (اخْتِلاَسٍ).

ب - جَحْدُ الأْمَانَةِ، أَوْ خِيَانَتُهَا:

3 - الْجَحْدُ أَوِ الْجُحُودُ: الإْنْكَارُ، وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ عَلَى عِلْمٍ مِنَ الْجَاحِدِ بِهِ. وَالْجَاحِدُ أَوِ الْخَائِنُ: هُوَ الَّذِي يُؤْتَمَنُ عَلَى شَيْءٍ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوِ الْوَدِيعَةِ فَيَأْخُذُهُ وَيَدَّعِي ضَيَاعَهُ، أَوْ يُنْكِرُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ يَرْجِعُ إِلَى قُصُورٍ فِي الْحِرْزِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِنْكَارٍ).

ج - الْحِرَابَةُ:

4 - الْحِرَابَةُ: الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ لإِرْعَابٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ، وَتُسَمَّى قَطْعَ الطَّرِيقِ، وَالسَّرِقَةَ الْكُبْرَى.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّرِقَةِ بِأَنَّ الْحِرَابَةَ هِيَ الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إِرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ، أَمَّا السَّرِقَةُ فَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً. فَالْحِرَابَةُ تَكْتَمِلُ بِالْخُرُوجِ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مَالٌ، أَمَّا السَّرِقَةُ فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حِرَابَةٍ).

د - الْغَصْبُ:

5 - الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا مُجَاهَرَةً.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا. فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ: أَنَّ الأْوَّلَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُجَاهَرَةِ، فِي حِينِ يُشْتَرَطُ فِي السَّرِقَةِ أَنْ يَكُونَ الأْخْذُ سِرًّا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (غَصْبٍ).

هـ - النَّبْشُ:

6 - يُقَالُ: نَبَشْتُهُ نَبْشًا، أَيِ اسْتَخْرَجْتُهُ مِنَ الأْرْضِ، وَنَبَشْتُ الأْرْضَ: كَشَفْتُهَا. وَمِنْهُ: نَبَشَ الرَّجُلُ الْقَبْرَ.

وَالنَّبَّاشُ: هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ دَفْنِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ سَارِقًا، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ) مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى اعْتِبَارِ النَّبَّاشِ سَارِقًا؛ لاِنْطِبَاقِ حَدِّ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ نَبَشَ قَطَّعْنَاهُ».

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّبَّاشِ سَارِقًا لأِنَّهُ يَأْخُذُ مَا لاَ مَالِكَ لَهُ وَلَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ الْخُفْيَةِ وَالْحِرْزِ لاَ يَجْعَلُ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الأْخْذِ سَرِقَةً.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَبْشٍ).

و - النَّشْلُ:

7 - نَشَلَ الشَّيْءَ نَشْلاً: أَسْرَعَ نَزْعَهُ. يُقَالُ: نَشَلَ اللَّحْمَ مِنَ الْقِدْرِ، وَنَشَلَ الْخَاتَمَ مِنَ الْيَدِ. وَالنَّشَّالُ: الْمُخْتَلِسُ الْخَفِيفُ الْيَدِ مِنَ اللُّصُوصِ، يَشُقُّ ثَوْبَ الرَّجُلِ وَيَسُلُّ مَا فِيهِ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ. وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطَّرَّارِ، مِنْ طَرَرْتُهُ طَرًّا: إِذَا شَقَقْتُهُ.

وَلاَ يَخْتَلِفُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَالطَّرَّارُ أَوِ النَّشَّالُ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ النَّاسَ فِي يَقَظَتِهِمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَهَارَةِ وَخِفَّةِ الْيَدِ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّشْلِ أَوِ الطَّرِّ بَيْنَ السَّرِقَةِ يَتَمَثَّلُ فِي تَمَامِ الْحِرْزِ. وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَطْبِيقِ حَدِّ السَّرِقَةِ عَلَى النَّشَّالِ فَجُمْهُورُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَ السَّارِقِ وَالطَّرَّارِ سَوَاءٌ شَقَّ الْكُمَّ أَوِ الْقَمِيصَ وَأَخَذَ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ النِّصَابَ، أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ دُونَ شَقٍّ لأِنَّ  الإْنْسَانَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِكُلِّ مَا يَلْبَسُهُ أَوْ يَحْمِلُهُ مِنْ نُقُودٍ وَغَيْرِهَا. وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ أَوْ فِي الْجَيْبِ فَأَخَذَ مِنْ غَيْرِ شَقٍّ، أَوْ شَقَّ غَيْرَهُمَا مِثْلَ الصُّرَّةِ، فَلاَ يُطَبَّقُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ؛ لِعَدَمِ اكْتِمَالِ الأْخْذِ مِنَ الْحِرْزِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (نَشْلٍ).

ز - النَّهْبُ:

8 - نَهَبَ الشَّيْءَ نَهْبًا: أَخَذَهُ قَهْرًا. وَالنَّهْبُ: الْغَارَةُ وَالْغَنِيمَةُ وَالشَّيْءُ الْمَنْهُوبُ وَهُوَ الْغَلَبَةُ عَلَى الْمَالِ وَالْقَهْرُ. قَالَ الأْزْهَرِيُّ: وَالنَّهْبُ مَا انْتُهِبَ مِنَ الْمَالِ بِلاَ عِوَضٍ، يُقَالُ: أَنْهَبَ فُلاَنٌ مَالَهُ: إِذَا أَبَاحَهُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلاَ يَكُونُ نَهْبًا حَتَّى تَنْتَهِبَهُ الْجَمَاعَةُ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئًا، وَهِيَ النُّهْبَةُ.

وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّهْبِ وَالسَّرِقَةِ يَعُودُ إِلَى شِبْهِ الْخُفْيَةِ، وَهُوَ لاَ يَتَوَافَرُ فِي النَّهْبِ وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ».

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَهْبٍ).

أَرْكَانُ السَّرِقَةِ:

9 - لِلسَّرِقَةِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: السَّارِقُ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَالْمَالُ الْمَسْرُوقُ، وَالأْخْذُ خُفْيَةً.

الرُّكْنُ الأْوَّلُ: السَّارِقُ:

10 - يَجِبُ - لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ - أَنْ تَتَوَافَرَ فِي السَّارِقِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، وَأَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ السَّرِقَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ مُضْطَرًّا إِلَى الأْخْذِ، وَأَنْ تَنْتَفِيَ الْجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَأَلاَّ تَكُونَ عِنْدَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مَا أَخَذَ.

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: التَّكْلِيفُ:

11 - لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلاَّ إِذَا كَانَ مُكَلَّفًا، أَوْ بَالِغًا عَاقِلاً.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (تَكْلِيفٍ).

أ - وَيُعْتَبَرُ الشَّخْصُ بَالِغًا إِذَا تَوَافَرَتْ فِيهِ إِحْدَى عَلاَمَاتِ الْبُلُوغِ.

يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (بُلُوغٍ).

أَمَّا مَنْ كَانَ دُونَ الْبُلُوغِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ». وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاِحْتِلاَمَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَلْزَمُ بِهِ الْعِبَادَاتُ وَالْحُدُودُ وَسَائِرُ الأْحْكَامِ.

ب - وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ لإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ، إِذْ أَنَّهُ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». هَذَا إِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُطْبَقًا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ غَيْرَ مُطْبَقٍ وَجَبَ الْحَدُّ إِنْ سَرَقَ فِي حَالِ الإْفَاقَةِ، وَلاَ يَجِبُ إِنْ سَرَقَ فِي حَالِ الْجُنُونِ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (جُنُونٍ).

ج - وَقَدْ أَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ الْمَعْتُوهَ بِالْمَجْنُونِ؛ لأِنَّ  الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ أَدَاءَ الْحُقُوقِ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (عَتَهٍ).

د - وَلاَ يَجِبُ إِقَامَةُ الْحَدِّ إِذَا صَدَرَتِ السَّرِقَةُ مِنَ النَّائِمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ». انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَوْمٍ).

هـ - كَذَلِكَ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا سَرَقَ حَالَ إِغْمَائِهِ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِغْمَاءٍ).

و - أَمَّا مَنْ يَسْرِقُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِي حُكْمِهِ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ:

فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ عَقْلَهُ غَيْرُ حَاضِرٍ، فَلاَ يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا إِلاَّ حَدَّ السُّكْرِ. سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ أَمْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِهِ. غَيْرَ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ يُفَرِّقُ بَيْنَ حَالَتَيْنِ: إِذَا كَانَ السَّكْرَانُ قَدْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ، فَإِنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يُقَامُ عَلَيْهِ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ، حَتَّى لاَ يَقْصِدَ مَنْ يُرِيدُ ارْتِكَابَ جَرِيمَةٍ إِلَى الشُّرْبِ دَرْءًا لإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالسُّكْرِ فَيَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِقِيَامِ عُذْرِهِ وَانْتِفَاءِ قَصْدِهِ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (سُكْرٍ).

ز - وَمِمَّا يَلْتَحِقُ بِمَسْأَلَةِ التَّكْلِيفِ: اشْتِرَاطُ كَوْنِ السَّارِقِ مُلْتَزِمًا أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ حَتَّى تَثْبُتَ وِلاَيَةُ الإْمَامِ عَلَيْهِ. وَلِذَا لاَ يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى الْحَرْبِيِّ غَيْرِ الْمُسْتَأْمَنِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ، وَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الذِّمِّيِّ لأِنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ يَلْتَزِمُ بِأَحْكَامِ الإْسْلاَمِ وَتَثْبُتُ وِلاَيَةُ الإْمَامِ عَلَيْهِ. انْظُرْ مُصْطَلَحَيْ: (أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَهْلِ الذِّمَّةِ).

12 - أَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ: فَإِنْ سَرَقَ مِنْ مُسْتَأْمَنٍ آخَرَ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْتِزَامِ أَيٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَفِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ) إِلَى وُجُوبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لأِنَّ  دُخُولَهُ فِي الأْمَانِ يَجْعَلُهُ مُلْتَزِمًا الأْحْكَامَ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِأَحْكَامِ الإْسْلاَمِ، قَالَ تَعَالَى:  ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ).

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا: أَنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَالْحَرْبِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ كَالذِّمِّيِّ. وَالثَّالِثُ: يُفَصَّلُ بِالنَّظَرِ إِلَى عَقْدِ الأْمَانِ: فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ إِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَإِلاَّ فَلاَ حَدَّ وَلاَ قَطْعَ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْقَصْدُ:

13 - لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ إِلاَّ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ بِتَحْرِيمِ السَّرِقَةِ، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالاً مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ دُونَ عِلْمِ مَالِكِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَأَنْ تَنْصَرِفَ نِيَّتُهُ إِلَى تَمَلُّكِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فِيمَا فَعَلَ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ.

أ - أَنْ يَعْلَمَ السَّارِقُ بِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ الَّذِي اقْتَرَفَهُ، فَالْجَهَالَةُ بِالتَّحْرِيمِ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما: لاَ حَدَّ إِلاَّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. أَمَّا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْعُقُوبَةِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَدْرَأُ الْحَدَّ.

ب - أَنْ يَعْلَمَ السَّارِقُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ دُونَ عِلْمِ مَالِكِهِ وَدُونَ رِضَاهُ. وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ أَخَذَ مَالاً وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ أَوْ مَتْرُوكٌ. وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الَّذِي يَأْخُذُ الْعَيْنَ الَّتِي آجَرَهَا، وَلاَ عَلَى الْمُودِعِ الَّذِي يَأْخُذُ الْوَدِيعَةَ دُونَ رِضَا الْوَدِيعِ.

ج - أَنْ تَنْصَرِفَ نِيَّةُ الآْخِذِ إِلَى تَمَلُّكِ مَا أَخَذَهُ، وَلِهَذَا لاَ يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مَالاً مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ تَمَلُّكَهُ، كَأَنْ أَخَذَهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ، أَوْ أَخَذَهُ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَابَةِ، أَوْ أَخَذَهُ لِمُجَرَّدِ الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ، أَوْ أَخَذَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ مَالِكَهُ يَرْضَى بِأَخْذِهِ، مَا دَامَتِ الْقَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى نِيَّةِ التَّمَلُّكِ، إِخْرَاجُ الْمَالِ مِنَ الْحِرْزِ لِغَيْرِ مَا سَبَقَ، بِحَيْثُ يُعْتَبَرُ سَارِقًا لِتَوَافُرِ قَصْدِ التَّمَلُّكِ حِينَئِذٍ وَلَوْ أَتْلَفَهُ بِمُجَرَّدِ إِخْرَاجِهِ - أَمَّا لَوْ أُتْلِفَ دَاخِلَ الْحِرْزِ فَلاَ تَظْهَرُ نِيَّةُ التَّمَلُّكِ، وَلِهَذَا لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

د - لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُخْتَارًا فِيمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا انْعَدَمَ الْقَصْدُ وَسَقَطَ الْحَدُّ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ السَّرِقَةَ تُبَاحُ بِالإْكْرَاهِ؛ لأِنَّ  الإْكْرَاهَ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ الَّذِي يَرْفَعُ الإْثْمَ وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ هُوَ مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الأْقْوَالِ وَأَمَّا الإْكْرَاهُ عَلَى الأْفْعَالِ فَفِي حُكْمِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاهٍ)

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: عَدَمُ الاِضْطِرَارِ أَوِ الْحَاجَةِ:

14 - أ - الاِضْطِرَارُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَالضَّرُورَةُ تُبِيحُ لِلآْدَمِيِّ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِيَدْفَعَ الْهَلاَكَ عَنْ نَفْسِهِ فَمَنْ سَرَقَ لِيَرُدَّ جُوعًا أَوْ عَطَشًا مُهْلِكًا فَلاَ عِقَابَ عَلَيْهِ، لقوله تعالي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَعَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ) وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم :  «لاَ قَطْعَ فِي زَمَنِ الْمَجَاعِ».

ب - وَالْحَاجَةُ أَقَلُّ مِنَ الضَّرُورَةِ، فَهِيَ كُلُّ حَالَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حَرَجٌ شَدِيدٌ وَضِيقٌ بَيِّنٌ، وَلِذَا فَإِنَّهَا تَصْلُحُ شُبْهَةً لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَلَكِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الضَّمَانَ وَالتَّعْزِيرَ.

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ بِالسَّرِقَةِ عَامَ الْمَجَاعَةِ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: «وَهَذِهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنِ الْمُحْتَاجِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشُّبَهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، لاَ سِيَّمَا وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي مُغَالَبَةِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَى أَخْذِ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ. وَعَامُ الْمَجَاعَةِ يَكْثُرُ فِيهِ الْمَحَاوِيجُ وَالْمُضْطَرُّونَ، وَلاَ يَتَمَيَّزُ الْمُسْتَغْنِي مِنْهُمْ وَالسَّارِقُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَاشْتَبَهَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ فَدُرِئَ».

وَقَدْ حَدَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  الْمِقْدَارَ الَّذِي يَكْفِي حَاجَةَ الْمُضْطَرِّ بِقَوْلِهِ: «كُلْ وَلاَ تَحْمِلْ، وَاشْرَبْ وَلاَ تَحْمِلْ»، وَذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ سَأَلَ أَرَأَيْتَ إِنِ احْتَجَّنَا إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ؟

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: انْتِفَاءُ الْقَرَابَةِ بَيْنَ السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْهُ:

15 - قَدْ يَكُونُ السَّارِقُ أَصْلاً لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، كَمَا قَدْ يَكُونُ فَرْعًا لَهُ، وَقَدْ تَقُومُ بَيْنَهُمَا صِلَةُ قَرَابَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ تَرْبِطُ بَيْنَهُمَا رَابِطَةُ الزَّوْجِيَّةِ، وَحُكْمُ إِقَامَةِ الْحَدِّ يَخْتَلِفُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ:

أ - سَرِقَةُ الأْصْلِ  مِنَ الْفَرْعِ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْوَالِدِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ؛ لأِنَّ  لِلسَّارِقِ شُبْهَةَ حَقٍّ فِي مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَدُرِئَ الْحَدُّ. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  لِمَنْ جَاءَ يَشْتَكِي أَبَاهُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالَهُ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لأِبِيكَ»، وَاللاَّمُ هُنَا لِلإْبَاحَةِ لاَ لِلتَّمْلِيكِ. فَإِنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ، وَزَكَاتَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ.

ب - سَرِقَةُ الْفَرْعِ مِنَ الأْصْلِ : ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْوَلَدِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلاَ، لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ فِي مَالِ وَالِدِهِ؛ وَلأِنَّهُ يَرِثُ مَالَهُ، وَلَهُ حَقُّ دُخُولِ بَيْتِهِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا شُبُهَاتٌ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ فِي عَلاَقَةِ الاِبْنِ بِأَبِيهِ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ حَدَّ السَّرِقَةِ، وَلِذَلِكَ يُوجِبُونَ إِقَامَةَ الْحَدِّ فِي سَرِقَةِ الْفُرُوعِ مِنَ الأْصُولِ.

ج - سَرِقَةُ الأْقَارِبِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ سَرِقَةَ الأْقَارِبِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ لَيْسَتْ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنِ السَّارِقِ، وَلِهَذَا أَوْجَبُوا الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ خَالَتِهِ، أَوِ ابْنِ أَوْ بِنْتِ أَحَدِهِمْ، أَوْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ، أَوِ ابْنِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا أَوْ أُمِّهَا، حَيْثُ لاَ يُبَاحُ الاِطِّلاَعُ عَلَى الْحِرْزِ، وَلاَ تُرَدُّ شَهَادَةُ بَعْضِ هَؤُلاَءِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، كَالأْخِ وَالأْخْتِ وَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ؛ لأِنَّ  دُخُولَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ دُونَ إِذْنٍ عَادَةً يُعْتَبَرُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ؛ وَلأِنَّ قَطْعَ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ سَرِقَتِهِ مِنَ الآْخَرِ يُفْضِي إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ وَهُوَ حَرَامٌ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ: مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ. أَمَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ أَوْ بِنْتِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْعَمَّةِ أَوْ بِنْتِ الْعَمَّةِ، وَابْنِ الْخَالِ أَوْ بِنْتِ الْخَالِ، وَابْنِ الْخَالَةِ أَوْ بِنْتِ الْخَالَةِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ لأِنَّهُمْ لاَ يَدْخُلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَادَةً، فَالْحِرْزُ كَامِلٌ فِي حَقِّهِمْ. وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي سَرِقَةِ الْمَحَارِمِ غَيْرِ ذَوِي الرَّحِمِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ كَالأْمِّ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَالأْخْتِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يَرَى أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ أُمِّهِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ؛ لأِنَّهُ يَدْخُلُ بَيْتَهَا دُونَ إِذْنٍ عَادَةً، فَلَمْ يَكْتَمِلِ الْحِرْزُ.

 

السَّرِقَةُ بَيْنَ الأْزْوَاجِ: اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ إِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الآْخَرِ وَكَانَتِ السَّرِقَةُ مِنْ حِرْزٍ قَدِ اشْتَرَكَا فِي سُكْنَاهُ، لاِخْتِلاَلِ شَرْطِ الْحِرْزِ، وَلِلاِنْبِسَاطِ بَيْنَهُمَا فِي الأْمْوَالِ عَادَةً؛ وَلأِنَّ  بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ بِغَيْرِ حَجْبٍ. 

16 - أَمَّا إِذَا كَانَتِ السَّرِقَةُ مِنْ حِرْزٍ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي سُكْنَاهُ، أَوِ اشْتَرَكَا فِي سُكْنَاهُ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا مَنَعَ مِنَ الآْخَرِ مَالاً أَوْ حَجَبَهُ عَنْهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ السَّرِقَةِ مِنْهُ: فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الرَّاجِحَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الاِنْبِسَاطِ فِي الأْمْوَالِ عَادَةً وَدَلاَلَةً، وَقِيَاسًا عَلَى الأْصُولِ وَالْفُرُوعِ لأِنَّ  بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْحَدَّ عَلَى السَّارِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِعُمُومِ آيَةِ السَّرِقَةِ؛ لأِنَّ  الْحِرْزَ هُنَا تَامٌّ، وَرُبَّمَا لاَ يَبْسُطُ أَحَدُهُمَا لِلآْخَرِ فِي مَالِهِ، فَأَشْبَهَ سَرِقَةَ الأْجْنَبِيِّ.

وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ: وُجُوبُ قَطْعِ الزَّوْجِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ زَوْجَتِهِ مَا هُوَ مُحْرَزٌ عَنْهُ وَلاَ تُقْطَعُ الزَّوْجَةُ إِذَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا وَلَوْ كَانَ مُحْرَزًا عَنْهَا، لأِنَّ  الزَّوْجَةَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا، فَصَارَ لَهَا شُبْهَةٌ تَدْرَأُ عَنْهَا الْحَدَّ، بِخِلاَفِ الزَّوْجِ فَلاَ تَقُومُ بِهِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهَا الْمُحْرَزِ عَنْهُ.

17 - هَذَا هُوَ حُكْمُ السَّرِقَةِ بَيْنَ الأْزْوَاجِ مَا دَامَتِ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً. فَلَوْ وَقَعَ الطَّلاَقُ وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ صَارَا أَجْنَبِيَّيْنِ وَوَجَبَ قَطْعُ السَّارِقِ. أَمَّا السَّرِقَةُ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ مِنَ الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ فَتَأْخُذُ حُكْمَ السَّرِقَةِ بَيْنَ الأَْزْوَاجِ؛ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْعِدَّةُ. فَإِنْ وَقَعَتِ السَّرِقَةُ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ مِنَ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ أُقِيمَ الْحَدُّ، عَلَى رَأْيِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لاِنْتِهَاءِ الزَّوْجِيَّةِ. وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَذْهَبُ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى أَيٍّ مِنْهُمَا بِسَرِقَةِ مَالِ الآْخَرِ؛ لِبَقَاءِ الْحَبْسِ فِي الْعِدَّةِ وَوُجُوبِ السُّكْنَى، فَبَقِيَ أَثَرُ النِّكَاحِ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ.

وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ قِيَامَ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ السَّرِقَةِ لاَ أَثَرَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَدِّ؛ لأِنَّ  السَّرِقَةَ تَمَّتْ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ. وَلاَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلاَّ الْحَنَفِيَّةُ، فَعِنْدَهُمْ: لَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الزَّوَاجَ مَانِعٌ طَرَأَ عَلَى الْحَدِّ، وَالْمَانِعُ الطَّارِئُ لَهُ حُكْمُ الْمَانِعِ الْمُقَارِنِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ وَقَبْلَ تَنْفِيذِهِ؛ لأِنَّ  الإِْمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ تَمَامِ الْقَضَاءِ، فَكَانَتِ الشُّبْهَةُ مَانِعَةً مِنَ الإْمْضَاءِ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: انْتِفَاءُ شُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِهِ الْمَالَ:

18 - إِذَا كَانَ لِلسَّارِقِ شُبْهَةُ مِلْكٍ أَوِ اسْتِحْقَاقٍ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَدِينِهِ، أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ.

19 - أ - سَرِقَةُ الشَّرِيكِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ سَرِقَةِ الشَّرِيكِ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ؛ لأِنَّ  لِلسَّارِقِ حَقًّا فِي هَذَا الْمَالِ، فَكَانَ هَذَا الْحَقُّ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى إِيجَابِ الْقَطْعِ إِنْ تَحَقَّقَ شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ الْمُشْتَرَكِ، كَأَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ قَدْ أَوْدَعَاهُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ مَحْجُوبًا عَنْهُمَا وَسَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ.

وَالشَّرْطُ الآْخَرُ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا سَرَقَ مِنْ حِصَّةِ صَاحِبِهِ فَضْلٌ عَنْ جَمِيعِ حِصَّتِهِ رُبُعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي سَرِقَةِ الشَّرِيكِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ قَوْلاَنِ: الرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنْ لاَ قَطْعَ، وَالْقَوْلُ الآْخَرُ إِيجَابُ الْقَطْعِ؛ لأِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَإِذَا سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ كَانَ سَارِقًا لِنِصَابٍ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ فَيُقْطَعُ بِهِ.

20 - ب - السَّرِقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إِذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا، غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا؛ لأِنَّ  لِكُلِّ مُسْلِمٍ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَيَكُونُ هَذَا الْحَقُّ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَمَّنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَقَالَ: أَرْسِلْهُ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ.

وَيُوجِبُ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِعُمُومِ نَصِّ الآْيَةِ، وَضَعْفِ الشُّبْهَةِ، لأِنَّهُ سَرَقَ مَالاً مِنْ حِرْزٍ لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ فِي عَيْنِهِ، وَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ قَبْلَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ.

وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَيْنَ أَنْوَاعٍ ثَلاَثَةٍ

أ - إِنْ كَانَ الْمَالُ مُحْرَزًا لِطَائِفَةٍ هُوَ مِنْهَا أَوْ أَحَدُ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ مِنْهَا، فَلاَ قَطْعَ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ.

ب - وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُحْرَزًا لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ وَلاَ أَحَدُ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ مِنْهَا، وَجَبَ قَطْعُهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ الدَّارِئَةِ لِلْحَدِّ.

ج - وَإِنْ كَانَ الْمَالُ غَيْرَ مُحْرَزٍ لِطَائِفَةٍ بِعَيْنِهَا، فَالأْصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَسْرُوقِ، كَمَالِ الْمُصَالِحِ وَمَالِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ كَالْغَارِمِ وَالْغَازِي وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَلاَ قَطْعَ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ قُطِعَ؛ لاِنْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ.

21 - ج - السَّرِقَةُ مِنَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ سَرِقَةِ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ؛ لأِنَّهُ إِنْ كَانَ وَقْفًا عَامًّا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ وَقْفًا خَاصًّا عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ فَلِعَدَمِ الْمَالِكِ حَقِيقَةً، سَوَاءٌ كَانَ السَّارِقُ مِنْهُمْ أَوْ لاَ. وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ السَّارِقَ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلاً فِيمَنْ وُقِفَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِطَلَبِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْوَقْفَ يَبْقَى عِنْدَهُمْ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حَقِيقَةً.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا، سَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مِمَّنْ وُقِفَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ أَمْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لأِنَّ  تَحْرِيمَ بَيْعِ مَالِ الْوَقْفِ يُقَوِّي جَانِبَ الْمِلْكِ فِيهِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَقْفِ الْعَامِّ فَلاَ يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَبَيْنَ الْوَقْفِ الْخَاصِّ، فَلاَ يُقْطَعُ سَارِقُهُ إِنْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِهِ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَعِنْدَهُمْ آرَاءٌ ثَلاَثَةٌ

1 - ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْطَعُ؛ لأِنَّ  تَحْرِيمَ بَيْعِهِ يُقَوِّي جَانِبَ الْمِلْكِ فِيهِ.

2 - لاَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ هَذَا الْمَالِ؛ لأِنَّهُ لاَ مَالِكَ لَهُ.

3 - إِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَوْقُوفَ مَمْلُوكُ الرَّقَبَةِ، قُطِعَ سَارِقُهُ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا لاَ تُمْلَكُ، فَلاَ قَطْعَ؛ لأِنَّ  مَا لاَ يُمْلَكُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَبَحْ.

وَيَذْهَبُ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الْوَقْفِ الْعَامِّ، أَوْ مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الْوَقْفِ الْخَاصِّ إِذَا كَانَ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِهِ، لِوُجُودِ شُبْهَةٍ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ. أَمَّا مَنْ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ الْخَاصِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، فَفِي حُكْمِهِ رِوَايَتَانِ:

أَشْهَرُهُمَا: إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ الْوَقْفِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ. وَالأْخْرَى: لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الْوَقْفَ عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ حَقِيقَةً.

22 - د - السَّرِقَةُ مِنْ مَالِ الْمَدِينِ: إِذَا سَرَقَ الدَّائِنُ مِنْ مَالِ مَدِينِهِ فَفِي وُجُوبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ حَالَتَيْنِ: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

1 - فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ؛ لأِنَّ  لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ جِنْسَ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْمَدِينِ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلاً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَدِينُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ بَاذِلاً لَهُ، أَمْ كَانَ جَاحِدًا لَهُ مُمَاطِلاً فِيهِ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، إِذْ أَطْلَقَ الْقَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ الْغَرِيمِ؛ لأِنَّ  السَّارِقَ يَأْخُذُ مَالاً لاَ يَمْلِكُهُ، وَالْغَرِيمُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

2 - وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسْرُوقُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ فَسَرَقَ عُرُوضًا، وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ؛ لِضَرُورَةِ التَّرَاضِي فِي الْمُعَاوَضَاتِ؛ وَلاِخْتِلاَفِ الْقِيَمِ بِاخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ. إِلاَّ إِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّهُ أَخَذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ، فَلاَ يُقْطَعُ، لِوُجُودِ شُبْهَةٍ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، حَيْثُ إِنَّهُ اعْتَبَرَ الْمَعْنَى - وَهِيَ الْمَالِيَّةُ لاَ الصُّورَةُ - وَالأْمْوَالُ كُلُّهَا فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ مُتَجَانِسَةً، فَكَانَ أَخْذًا عَنْ تَأْوِيلٍ فَلاَ يُقْطَعُ.

وَيُفَرِّقُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ حَالَتَيْنِ:

1 - أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ عَنْ أَدَائِهِ مَتَى حَلَّ أَجَلُهُ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الدَّائِنِ إِذَا سَرَقَ مِقْدَارَ دَيْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ لِعَدَمِ وُجُودِ شُبْهَةٍ، إِذْ إِنَّهُ يَسْتَطِيعُ الْحُصُولَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْرِقَ.

2 - أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ جَاحِدًا لِلدَّيْنِ أَوْ مُمَاطِلاً فِيهِ: فَلاَ قَطْعَ عَلَى الدَّائِنِ إِنْ سَرَقَ قَدْرَ دَيْنِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَمْ لاَ. فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا، قُطِعَ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ.

وَيَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ:

1 - إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ إِذَا كَانَ الْمَدِينُ مَلِيئًا غَيْرَ جَاحِدٍ لِلدَّيْنِ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ، إِذْ لاَ شُبْهَةَ لَهُ حِينَئِذٍ.

2 - عَدَمُ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الدَّائِنِ إِذَا كَانَ الْمَدِينُ جَاحِدًا أَوْ مُمَاطِلاً وَالدَّيْنُ حَالٌّ، سَوَاءٌ أَخَذَ الدَّائِنُ مِقْدَارَ دَيْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ إِنْ أَخَذَ مِقْدَارَ دَيْنِهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، وَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ لاَ يَقْطَعُ؛ لأِنَّ  الْمَالَ لَمْ يَبْقَ مُحْرَزًا عَنْهُ مَا دَامَ قَدْ أُبِيحَ لَهُ الدُّخُولُ لاِسْتِيفَاءِ حَقِّهِ.

وَيُفَرِّقُ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ ثَلاَثِ حَالاَتٍ:

1 - إِنْ كَانَ الْمَدِينُ بَاذِلاً غَيْرَ مُمْتَنِعٍ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَرَكَ الدَّائِنُ مُطَالَبَتَهُ، وَعَمَدَ إِلَى سَرِقَةِ حَقِّهِ، وَجَبَ قَطْعُهُ إِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، إِذْ لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِي الأْخْذِ مَا دَامَ الْوُصُولُ إِلَى حَقِّهِ مَيْسُورًا.

2 - وَإِنْ عَجَزَ الدَّائِنُ عَنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَسَرَقَ قَدْرَ دَيْنِهِ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لأِنَّ  اخْتِلاَفَ الْفُقَهَاءِ فِي إِبَاحَةِ أَخْذِهِ حَقَّهُ يُورِثُ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ.

3 - وَإِنْ عَجَزَ رَبُّ الدَّيْنِ عَنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَأَخَذَ مِنْ مَالِ مَدِينِهِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَبَلَغَتِ الزِّيَادَةُ نِصَابًا: فَإِنْ أَخَذَ الزَّائِدَ مِنْ نَفْسِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ مَالُهُ، فَلاَ قَطْعَ؛ لأِنَّ  هَتْكَ الْحِرْزِ لأِخْذِ مَالِهِ جَعَلَ الْمَكَانَ غَيْرَ مُحْرَزٍ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ مَا فِيهِ. وَإِنْ أَخَذَ الزَّائِدَ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ مَالُهُ وَجَبَ الْقَطْعُ؛ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ.

الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمَسْرُوقُ مِنْهُ:

23 - الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ السَّرِقَةِ وُجُودُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ؛ لأِنَّ  الْمَسْرُوقَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا، بِأَنْ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَتْرُوكًا، فَلاَ يُعَاقَبُ مَنْ يَأْخُذُهُ. وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِكَيْ تَكْتَمِلَ السَّرِقَةُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَنْ تَكُونَ يَدُهُ صَحِيحَةً عَلَى الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْصُومَ الْمَالِ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ هَذِهِ الشُّرُوطِ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَعْلُومًا:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى دَرْءِ الْحَدِّ عَنِ السَّارِقِ إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَجْهُولاً، بِأَنْ ثَبَتَتِ السَّرِقَةُ وَلَمْ يُعْرَفْ مَنْ هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ؛ لأِنَّ  إِقَامَةَ الْحَدِّ تَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَالِكِ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ، وَلاَ تَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْجَهَالَةِ. غَيْرَ أَنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ حَبْسِ السَّارِقِ حَتَّى يَحْضُرَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ وَيَدَّعِيَ مِلْكِيَّةَ الْمَالِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ مَتَى ثَبَتَتِ السَّرِقَةُ، دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولاً؛ لأِنَّ  إِقَامَةَ الْحَدِّ عِنْدَهُمْ لاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى خُصُومَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَسْرُوقِ:

- بِأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ أَوْ وَكِيلَ الْمَالِكِ أَوْ مُضَارِبًا أَوْ مُودِعًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ دَائِنًا مُرْتَهِنًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ أَوْ قَابِضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، لأِنَّ  هَؤُلاَءِ يَنُوبُونَ مَنَابَ الْمَالِكِ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَإِحْرَازِهِ، وَأَيْدِيهِمْ كَيَدِهِ.

فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ عَلَى الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ غَاصِبٍ أَوْ سَارِقٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّارِقِ مِنَ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ مِنَ السَّارِقِ. فَقَالُوا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ مِنَ الْغَاصِبِ؛ لأِنَّ  يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ، فَهِيَ يَدٌ صَحِيحَةٌ، وَعَدَمُ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ مِنَ السَّارِقِ لأِنَّ  يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ وَلاَ يَدَ أَمَانَةٍ وَلاَ يَدَ ضَمَانٍ، فَلاَ تَكُونُ يَدًا صَحِيحَةً.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ لِلشَّافِعِيَّةِ - إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ مِنَ الْغَاصِبِ أَوِ السَّارِقِ مِنَ السَّارِقِ؛ لأِنَّهُ سَرَقَ مَالاً مُحْرَزًا لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، ذَلِكَ أَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لِهَذَا الْمَالِ لاَ تَزَالُ بَاقِيَةً عَلَيْهِ رَغْمَ سَرِقَتِهِ أَوْ غَصْبِهِ، أَمَّا يَدُ السَّارِقِ الأْوَّلِ وَيَدُ الْغَاصِبِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَيُّ أَثَرٍ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ مِنَ الْغَاصِبِ، وَلاَ عَلَى السَّارِقِ مِنَ السَّارِقِ؛ لأِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِتَمَامِ السَّرِقَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ بِيَدِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ، وَمَنْ يَأْخُذُ مِنْ يَدٍ أُخْرَى فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مَالاً ضَائِعًا فَأَخَذَهُ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَعْصُومَ الْمَالِ:

- بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ حَرْبِيًّا فَلاَ يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:

1 - سَرِقَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِ مَعْصُومٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». وَلِهَذَا وَجَبَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى سَارِقِ مَالِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا أَمْ ذِمِّيًّا. وَأَمَّا إِذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْتَأْمَنًا فَفِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ آرَاءٌ سَبَقَ عَرْضُهَا.

2 - سَرِقَةُ مَالِ الذِّمِّيِّ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ الَّذِي يَسْرِقُ مَالَ ذِمِّيٍّ آخَرَ؛ لأِنَّ  مَالَهُ مَعْصُومٌ إِزَاءَهُ. وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِقَامَةَ الْحَدِّ كَذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا»

أَمَّا إِذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْتَأْمَنًا فَفِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ آرَاءٌ سَبَقَ عَرْضُهَا.

3 - سَرِقَةُ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا زُفَرَ - وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لأِنَّ  فِي مَالِهِ شُبْهَةَ الإْبَاحَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتِ الْعِصْمَةُ بِعَارِضِ أَمَانٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، أَيْ مُشْرِفٍ عَلَى الزَّوَالِ بِانْتِهَاءِ الأْمَانِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ مَعْصُومٌ، فَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

4 - سَرِقَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ هَدَرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَلِهَذَا لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى أَيٍّ مِنْهُمَا إِذَا سَرَقَ مِنْ هَذَا الْمَالِ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَالُ الْمَسْرُوقُ:

- لاَ يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ مُتَقَوِّمًا، وَأَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا، وَأَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا.

الشرط الاول - أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوِّمًا:

 - لِلْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ مَالِيَّةِ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ آرَاءٌ تَتَّضِحُ فِيمَا يَأْتِي:

أ - الْحَنَفِيَّةُ:

28- يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ، لِإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا، مُتَقَوَّمًا، مُتَمَوَّلًا، غَيْرَ مُبْاحِ الْأَصْلِ.

  1 - أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالاً: فَلَوْ سَرَقَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، كَالإْنْسَانِ الْحُرِّ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْرُوقُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا،حَتَّى لَوْ كَانَ يَرْتَدِي ثِيَابًا غَالِيَةَ الثَّمَنِ أَوْ يَحْمِلُ حِلْيَةً تُسَاوِي نِصَابًا؛ لأِنَّ  ذَلِكَ تَابِعٌ لِلصَّبِيِّ وَلاَ يَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ خَاصٍّ.

وَخَالَفَ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَبُو يُوسُفَ: فَإِنَّهُ يَرَى إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ أَوْ ثِيَابٌ تَبْلُغُ نِصَابًا؛ لأِنَّهُ يَقْطَعُ بِسَرِقَةِ النِّصَابِ مُنْفَرِدًا، فَكَذَا إِذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ.

2 - أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مُتَقَوِّمًا، أَيْ لَهُ قِيمَةٌ يَضْمَنُهَا مَنْ يُتْلِفُهُ: فَلَوْ سَرَقَ مَا لاَ قِيمَةَ لَهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، كَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ وَالْكُتُبِ الْمُحَرَّمَةِ وَالصَّلِيبِ وَالصَّنَمِ، فَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِ. وَخَالَفَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَرَى إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَرَقَ صَلِيبًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا إِذَا كَانَ فِي حِرْزِهِ كَمَا يَرَى إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الإْنَاءِ وَحْدَهُ نِصَابًا.

3 - أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مُتَمَوَّلاً، بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ تَافِهٍ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ: فَأَمَّا إِنْ كَانَ تَافِهًا لاَ يَتَمَوَّلُهُ النَّاسُ لِعَدَمِ عِزَّتِهِ وَقِلَّةِ خَطَرِهِ، كَالتُّرَابِ وَالطِّينِ وَالتِّبْنِ وَالْقَصَبِ وَالْحَطَبِ وَنَحْوِهَا، فَلاَ قَطْعَ فِيهِ لأِنَّ  النَّاسَ لاَ يَضَنُّونَ بِهِ عَادَةً، إِلاَّ إِذَا أَخْرَجَتْهُ الصِّنَاعَةُ عَنْ تَفَاهَتِهِ، كَالْقَصَبِ يُصْنَعُ مِنْهُ النُّشَّابُ، فَفِي سَرِقَتِهِ الْقَطْعُ.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ، فَإِنَّهُ يَرَى إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالاً مُحْرَزًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا، سَوَاءٌ أَكَانَ تَافِهًا أَمْ عَزِيزًا، إِلاَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَالطِّينَ وَالْجِصَّ وَالْمَعَازِفَ؛ لأِنَّ  كُلَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَوَجَبَ ضَمَانُ غَصْبِهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ كَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ فَأَوْجَبَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، قِيَاسًا لِمَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ عَلَى مَا لاَ يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً وَيُرْغَبُ فِيهِ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِي سَرِقَةِ الثِّمَارِ الْمُعَلَّقَةِ فِي أَشْجَارِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الأْشْجَارُ مُحَاطَةً بِمَا يَحْفَظُهَا مِنْ أَيْدِي الْغَيْرِ؛ لأِنَّ  الثَّمَرَ مَا دَامَ فِي شَجَرِهِ يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ.

أَمَّا إِذَا قُطِعَ الثَّمَرُ وَوُضِعَ فِي جَرِينٍ، ثُمَّ سُرِقَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَحْكَمَ جَفَافُهُ فَفِيهِ الْقَطْعُ؛ لأِنَّهُ صَارَ مُدَّخَرًا وَلاَ يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ اسْتَحْكَمَ جَفَافُهُ فَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ سَرَقَهُ، لأِنَّهُ لاَ يَقْبَلُ الاِدِّخَارَ حَيْثُ يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ.

وَلاَ يَجِبُ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْمُصْحَفَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ النِّصَابَ، وَلاَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ كُتُبَ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ؛ لأِنَّ  آخِذَهَا يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالتَّعَلُّمَ. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَطْعِ سَارِقِ الْمُصْحَفِ أَوْ أَيِّ كِتَابٍ نَافِعٍ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا؛ لأِنَّ  النَّاسَ يَعُدُّونَهُ مِنْ نَفَائِسِ الأْمْوَالِ.

4 - أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ غَيْرَ مُبَاحِ الأْصْلِ  بِأَلاَّ يَكُونَ جِنْسُهُ مُبَاحًا: فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِ الْمَاءِ أَوِ الْكَلأَ أَوِ النَّارِ أَوِ الصَّيْدِ، بَرِّيًّا كَانَ أَوْ بَحْرِيًّا، وَلَوْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ مَالِكٍ وَأَحْرَزَهَا؛ لأِنَّ هَا: إِمَّا شَرِكَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَإِمَّا تَافِهَةٌ أَوْ عَلَى وَشْكِ الاِنْفِلاَتِ. وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ فَأَوْجَبَ الْحَدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ.

عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُبَاحَ الأْصْلِ  ذَا قِيمَةٍ تَدْعُو مَنْ أَحْرَزَهَا إِلَى الْحِفَاظِ عَلَيْهَا وَالتَّعَلُّقِ بِهَا، فَإِنَّ الْحَدَّ يُقَامُ عَلَى سَارِقِهَا مَتَى بَلَغَتْ نِصَابًا، وَذَلِكَ مِثْلُ: الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالأْبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهَا.

ب - الْمَالِكِيَّةُ:

- يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لإِِقَامَةِ الْحَدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالاً مُحْتَرَمًا شَرْعًا.

وَرَغْمَ اشْتِرَاطِهِمُ الْمَالِيَّةَ، فَقَدْ أَوْجَبُوا الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيَّزٍ، إِذَا أَخَذَهُ مِنْ حِرْزٍ، بِأَنْ كَانَ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ مَثَلاً، سَوَاءٌ أَكَانَتْ ثِيَابُهُ رَثَّةً أَمْ جَدِيدَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَيْهِ حُلْمِيَّةً أَمْ لاَ، وَذَلِكَ لأِنَّ  النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  «أُتِيَ بِرَجُلٍ يَسْرِقُ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَبِيعُهُمْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقُطِعَتْ يَدُهُ».

وَلاِشْتِرَاطِهِمْ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا شَرْعًا، لاَ يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْخَمْرَ أَوِ الْخِنْزِيرَ، وَلَوْ كَانَا لِغَيْرِ مُسْلِمٍ، وَلاَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْكَلْبَ وَلَوْ مُعَلَّمًا، أَوْ كَلْبَ حِرَاسَةٍ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  عَنْ ثَمَنِهِ. وَلاَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ آلاَتِ اللَّهْوِ كَالدُّفِّ وَالطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ، أَوْ أَدَوَاتِ الْقِمَارِ كَالنَّرْدِ أَوْ مَا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ كَالصَّلِيبِ وَالصَّنَمِ وَنَحْوِهَا. وَلَكِنَّهُ لَوْ كَسَرَهَا دَاخِلَ الْحِرْزِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَكْسِرِهَا مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ، أُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِسَرِقَتِهِ نِصَابًا مُحْرَزًا.

وَلَوْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الآْنِيَةِ بِدُونِ الْخَمْرِ تَبْلُغُ النِّصَابَ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَكِنَّهُ لَوْ سَرَقَ كُتُبًا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ شَرْعًا، كَكُتُبِ السِّحْرِ وَالزَّنْدَقَةِ، فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْوَرَقِ وَالْجِلْدِ تَبْلُغُ نِصَابًا.

وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدَّ يُقَامُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالاً مُحْتَرَمًا شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ تَافِهًا أَمْ ثَمِينًا، يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ أَوْ لاَ، مُبَاحَ الأْصْلِ  أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ. كَمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ الْمُصْحَفَ أَوِ الْكُتُبَ النَّافِعَةَ، مَا دَامَتْ قِيمَتُهَا تَبْلُغُ النِّصَابَ.

وَلاَ يَرَى الْمَالِكِيَّةُ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فِي شَجَرِهِ، أَوْ مِنَ الزَّرْعِ قَبْلَ حَصْدِهِ، فَإِذَا قُطِعَ الثَّمَرُ وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْجَرِينِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: الْقَطْعُ سَوَاءٌ ضُمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ أَمْ لاَ.

الثَّانِي: لاَ يُقْطَعُ مُطْلَقًا.

الثَّالِثُ: إِذَا سُرِقَ قَبْلَ ضَمِّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ لاَ يُقْطَعُ فَإِذَا ضُمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ قُطِعَ.

وَهَذَا الاِخْتِلاَفُ مَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَارِسٌ وَإِلاَّ فَلاَ خِلاَفَ فِي قَطْعِ سَارِقِهِ وَكَذَا إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَرِينِ. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ، فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ قُطِعَ». وَإِذَا كَانَتِ الثِّمَارُ مُعَلَّقَةً فِي أَشْجَارِهَا، وَالزَّرْعُ لَمْ يُحْصَدْ، وَلَكِنَّهُ فِي بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَلَهُ غَلْقٌ، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْهُ نِصَابًا - فِي رَأْيٍ - وَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي رَأْيٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأْشْجَارُ الْمُثْمِرَةُ دَاخِلَ الدَّارِ، فَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي قَطْعِ مَنْ يَسْرِقُ مِنْهَا مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ، لِتَمَامِ الْحِرْزِ.

ج - الشَّافِعِيَّةُ:

- يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ، لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالاً مُحْتَرَمًا شَرْعًا. وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحُرَّ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ. فَأَمَّا إِنْ سَرَقَ صَغِيرًا لاَ يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا أَوْ أَعْمَى، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ أَوْ حِلْيَةٌ أَوْ مَعَهُ مَالٌ يَلِيقُ بِمِثْلِهِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ - فِي الأْصَحِّ - لأِنَّ لِلْحُرِّ يَدًا عَلَى مَا مَعَهُ فَصَارَ كَمَنْ سَرَقَ جَمَلاً وَصَاحِبُهُ رَاكِبُهُ، وَالرَّأْيُ الآْخَرُ فِي الْمَذْهَبِ يَرَى إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ إِنْ بَلَغَ مَا مَعَهُ نِصَابًا؛ لأِنَّهُ سَرَقَ لأِجْلِ مَا مَعَهُ. فَإِنْ كَانَ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ حِلْيَةٍ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِهِ. وَأَخَذَ السَّارِقُ مِنْهُ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِلاَ خِلاَفٍ.

وَلاِشْتِرَاطِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ مُحْتَرَمًا شَرْعًا، لاَ يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْخَمْرَ أَوِ الْخِنْزِيرَ أَوِ الْكَلْبَ أَوْ جِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دَبْغِهِ. فَأَمَّا إِذَا سَرَقَ آلاَتِ اللَّهْوِ أَوْ أَدَوَاتِ الْقِمَارِ أَوْ آنِيَةِ. الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوِ الصَّنَمَ أَوِ الصَّلِيبَ أَوِ الْكُتُبَ غَيْرَ الْمُحْتَرَمَةِ شَرْعًا، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِلاَّ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَهُ نِصَابًا بَعْدَ كَسْرِهِ أَوْ إِفْسَادِهِ.

وَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْمُصْحَفَ أَوِ الْكُتُبَ الْمُبَاحَةَ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا وَيُقَامُ الْحَدُّ أَيْضًا إِذَا سَرَقَ مَالاً قَطَعَ فِيهِ، وَكَانَ مُتَّصِلاً بِمَا فِيهِ الْقَطْعُ، كَإِنَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ أَوْ آلَةِ لَهْوٍ عَلَيْهَا حِلْيَةٌ، مَا دَامَتْ قِيمَةُ مَا فِيهِ الْقَطْعُ تَبْلُغُ النِّصَابَ.

وَلاَ حَدَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي سَرِقَةِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فِي شَجَرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَارِسٌ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِجِيرَانٍ يُلاَحِظُونَهُ، فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْهُ نِصَابًا.

وَإِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ نِصَابًا مُحْرَزًا مِنْ مَالٍ مُحْتَرَمٍ شَرْعًا، لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَةِ الْمَالِ، فَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ التَّافِهِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ أَوْ لاَ، وَلاَ بَيْنَ مُبَاحِ الأْصْلِ  أَوْ غَيْرِ مُبَاحِهِ.

د - الْحَنَابِلَةُ:

- يَشْتَرِطُ الْحَنَابِلَةُ، لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالاً مُحْتَرَمًا شَرْعًا، وَعَلَى ذَلِكَ: فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِ الْحُرِّ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ أَوْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ أَوْ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ النِّصَابَ، فَعِنْدَهُمْ رِوَايَتَانِ: الأْولَى: إِيجَابُ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ لأِنَّهُ قَصَدَ الْمَالَ، وَالأْخْرَى: عَدَمُ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  مَا مَعَهُ تَابِعٌ لِمَا لاَ قَطْعَ فِيهِ.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ شَيْئًا مُحَرَّمًا، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ ذِمِّيًّا، وَلاَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ آلاَتِ اللَّهْوِ أَوْ أَدَوَاتِ الْقِمَارِ وَإِنْ بَلَغَتْ بَعْدَ إِتْلاَفِهَا نِصَابًا؛ لأِنَّ هَا تُعِينُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي أَخْذِهَا وَكَسْرِهَا، وَفِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، أَمَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهَا حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا فَفِي إِقَامَةِ الْحَدِّ بِسَرِقَتِهَا رِوَايَتَانِ. وَإِذَا سَرَقَ صَلِيبًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى يُقَامُ الْحَدُّ إِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا بَعْدَ كَسْرِهِ. وَمَنْ يَسْرِقُ آنِيَةَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا بَعْدَ كَسْرِهَا. وَإِذَا اتَّصَلَ مَا لاَ قَطْعَ فِيهِ بِمَا فِيهِ الْقَطْعُ، كَإِنَاءٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ النِّصَابَ وَفِيهِ خَمْرٌ، فَفِي الْمَذْهَبِ رِوَايَتَانِ، الأْولَى: لاَ قَطْعَ لِتَبَعِيَّتِهِ، وَالأْخْرَى: وُجُوبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ.

وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُوجِبُونَ إِقَامَةَ الْحَدِّ فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ؛ لأِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَالْمُصْحَفُ الْمُحَلَّى بِحِلْيَةٍ تَبْلُغُ نِصَابًا فِيهِ الْخِلاَفُ السَّابِقُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ قَطْعَ؛ لاِتِّصَالِ الْحِلْيَةِ بِمَا لاَ قَطْعَ فِيهِ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ سَرَقَ الْحِلْيَةَ وَحْدَهَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ بِسَرِقَةِ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى سَرِقَةِ الثِّمَارِ الْمُعَلَّقَةِ أَوِ الْكَثَرِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي بُسْتَانٍ مُحَاطٍ بِسُوَرٍ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ فِي كَثَرٍ». فَأَمَّا إِذَا كَانَ النَّخْلُ أَوِ الشَّجَرُ دَاخِلَ دَارٍ مُحْرَزَةٍ، فَفِيمَا يُسْرَقُ الْقَطْعُ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا.

وَإِقَامَةُ الْحَدِّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَةِ الْمَالِ مِنْ كَوْنِهِ تَافِهًا أَوْ لاَ، مُبَاحَ الأْصْلِ  أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ، مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ أَوْ لَيْسَ مُعَرَّضًا. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْمَاءَ وَالْمِلْحَ وَالْكَلأَ وَالثَّلْجَ وَالسِّرْجِينَ، فَلاَ قَطْعَ فِي سَرِقَتِهَا؛ لاِشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي بَعْضِهَا بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَلِعَدَمِ تَمَوُّلِ الْبَعْضِ الآْخَرِ عَادَةً.

2 - أَنْ يَبْلُغَ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا.

32 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ إِقَامَةِ الْحَدِّ إِلاَّ إِذَا بَلَغَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا.

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ مِقْدَارِ النِّصَابِ، وَفِي وَقْتِ هَذَا التَّحْدِيدِ، وَفِي أَثَرِ اخْتِلاَفِ الْمُقَوِّمِينَ لِمَا يُسْرَقُ، وَفِي وُجُوبِ عِلْمِ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ.

أ - الْحَنَفِيَّةُ:

1 - تَحْدِيدُ مِقْدَارِ النِّصَابِ:

33 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّصَابَ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ هُوَ عَشْرَةُ دَارَهُمْ مَضْرُوبَةً، أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ. وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ». وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا:  « لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِأَرْبَعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِخَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِعَشْرَةٍ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الأْخْذَ بِالأْكْثَرِ أَوْلَى؛ لأِنَّ  فِي الأْقَلِّ احْتِمَالاً يُورِثُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ.

2 - وَقْتُ تَحْدِيدِ النِّصَابِ:

الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ. فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ نَقَصَتْ هَذِهِ الْقِيمَةُ بَعْدَ الإِْخْرَاجِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ: إِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي عَيْنِ الْمَسْرُوقِ بِأَنْ هَلَكَ بَعْضُهُ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذَا النَّقْصِ؛ لأِنَّ  هَلاَكَ الْكُلِّ لاَ يَمْنَعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، فَهَلاَكُ الْبَعْضِ أَوْلَى بِأَلاَّ يَمْنَعَ مِنْ إِقَامَتِهِ، وَلِذَلِكَ تُطَبَّقُ قَاعِدَةُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ. أَمَّا إِنْ كَانَ سَبَبُ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ يَرْجِعُ إِلَى تَغَيُّرِ سِعْرِهِ، فَفِي الْمَذْهَبِ رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَجَّحَهَا الطَّحَاوِيُّ، أَنَّ الاِعْتِبَارَ لَقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَتُطَبَّقُ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ: أَنَّ الاِعْتِبَارَ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ، وَقْتَ الإْخْرَاجِ مِنَ الْحِرْزِ وَوَقْتَ الْحُكْمِ مَعًا، فَإِذَا تَغَيَّرَتِ الأْسْعَارُ، بِأَنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ؛ لأِنَّهُ لاَ دَخْلَ لِلسَّارِقِ فِي ذَلِكَ؛ وَلأِنَّ  النَّقْصَ عِنْدَ الْحُكْمِ يُورِثُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ.

وَإِذَا وَقَعَتِ السَّرِقَةُ فِي مَكَانٍ، وَضُبِطَ الْمَسْرُوقُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، كَانَتِ الْعِبْرَةُ - فِي رَأْيٍ - بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ فِي مَحَلِّ السَّرِقَةِ، وَفِي رَأْيٍ آخَرَ: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي مَحَلِّ ضَبْطِهِ.

3 - اخْتِلاَفُ الْمُقَوِّمِينَ فِي تَحْدِيدِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي تَحْدِيدِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ، فَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَقَدَّرَهَا الْبَعْضُ الآْخَرُ بِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ تَكُونُ بِالأَْقَلِّ؛ لأِنَّ  هَذَا الاِخْتِلاَفَ يُورِثُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه هَمَّ بِقَطْعِ يَدِ سَارِقٍ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه: إِنَّ مَا سَرَقَهُ لاَ يُسَاوِي نِصَابًا، فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ.

4 - عِلْمُ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ:

ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الاِكْتِفَاءِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ، مَا دَامَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ تَبْلُغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْتَقِدُ أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لاَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ النِّصَابَ، فَوَجَدَ فِي جَيْبِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.

وَذَهَبَ الْبَعْضُ الآْخَرُ إِلَى اشْتِرَاطِ عِلْمِ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ، بِأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فِي جَيْبِ الثَّوْبِ نِصَابًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّهُ قَصَدَ سَرِقَةَ الثَّوْبِ وَحْدَهُ وَهُوَ لاَ يَبْلُغُ النِّصَابَ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ سَرَقَ جِرَابًا أَوْ صُنْدُوقًا، وَكَانَ بِهِ مَالٌ كَثِيرٌ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَتَهُ، فَلاَ خِلاَفَ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ قَصَدَ الْمَظْرُوفَ لاَ الظَّرْفَ.

ب - الْمَالِكِيَّةُ:

1 - تَحْدِيدُ مِقْدَارِ النِّصَابِ:

- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّصَابَ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ هُوَ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةً خَالِصَةً مِنَ الْغِشِّ أَوْ نَاقِصَةً تَرُوجُ رَوَاجَ الْكَامِلَةِ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ. فَالْقَاعِدَةُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ تَبْلُغْ رُبُعَ دِينَارٍ أُقِيمَ الْحَدُّ، أَمَّا إِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَلَمْ تَبْلُغْ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ فَلاَ حَدَّ.

وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم : «قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ». وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنَ الذَّهَبِ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ فِضَّةً أَوْ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

2 - وَقْتُ تَحْدِيدِ النِّصَابِ: الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ النِّصَابِ وَوَقْتُ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ حِينَ السَّرِقَةِ ثُمَّ بَلَغَتِ الثَّلاَثَةُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ. وَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ: إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ نَقَصَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أُقِيمَ الْحَدُّ، سَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْصُ فِي عَيْنِ الْمَسْرُوقِ أَمْ كَانَ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الأْسْعَارِ.

وَإِذَا وَقَعَتِ السَّرِقَةُ بِمَكَانٍ، وَضُبِطَ الْمَسْرُوقُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، فَالْعِبْرَةُ بِمَحَلِّ السَّرِقَةِ.

3 - اخْتِلاَفُ الْمُقَوِّمِينَ فِي تَحْدِيدِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَقْدِيمُ الْمُثْبَتِ عَلَى النَّافِي، فَإِذَا شَهِدَ عَدْلاَنِ بِأَنَّ قِيمَةَ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، أُخِذَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَأُقِيمَ الْحَدُّ، وَلَوْ عَارَضَتْهَا شَهَادَاتٌ أُخْرَى.

4 - عِلْمُ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ، لاَ بِظَنِّ السَّارِقِ، إِلاَّ إِذَا صَدَّقَ الْعُرْفُ ظَنَّهُ. فَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لاَ يُسَاوِي نِصَابًا، وَلَكِنْ كَانَ فِي جَيْبِهِ مَالٌ يَبْلُغُ النِّصَابَ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِمَا فِي الْجَيْبِ، لأِنَّ  الْعُرْفَ جَرَى عَلَى وَضْعِ النُّقُودِ فِي جُيُوبِ الثِّيَابِ. أَمَّا إِذَا سَرَقَ قِطْعَةَ خَشَبٍ، لاَ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا، فَوَجَدَهَا مُجَوَّفَةً وَبِهَا مَالٌ يَبْلُغُ النِّصَابَ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأِنَّ  الْعُرْفَ لَمْ يَجْرِ  عَلَى حِفْظِ النُّقُودِ بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ.

ج - الشَّافِعِيَّةُ:

1 - تَحْدِيدُ مِقْدَارِ النِّصَابِ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحْدِيدِ مِقْدَارِ النِّصَابِ بِرُبُعِ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، لأِنَّ  الأْصْلَ فِي تَقْوِيمِ الأْشْيَاءِ: الذَّهَبُ. وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ، إِذَا قَلَّتْ قِيمَتُهَا عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ مِنْ غَالِبِ الدَّنَانِيرِ الْجَيِّدَةِ.

وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : «لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا».

2 - وَقْتُ تَحْدِيدِ النِّصَابِ: يَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ النِّصَابِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ تَقِلُّ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ حِينَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ بَلَغَتْ رُبُعَ دِينَارٍ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ. أَمَّا إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ رُبُعَ دِينَارٍ، ثُمَّ نَقَصَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أُقِيمَ الْحَدُّ، سَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْصُ بِفِعْلِ السَّارِقِ، كَأَنْ أَكَلَ بَعْضَهُ، أَمْ كَانَ السَّبَبُ تَغَيُّرَ الأْسْعَارِ. وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَكَانِ السَّرِقَةِ، لاَ فِي مَكَانٍ آخَرَ.

3 - اخْتِلاَفُ الْمُقَوِّمِينَ فِي تَحْدِيدِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُقَوِّمِينَ إِنْ قَامَتْ عَلَى أَسَاسِ الْقَطْعِ أُخِذَ بِهَا، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى أَسَاسِ الظَّنِّ أُخِذَ بِالتَّحْدِيدِ الأْقَلِّ، وَذَلِكَ لِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ.

4 - عِلْمُ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: لاَ يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَعْلَمَ السَّارِقُ قِيمَةَ مَا سَرَقَ، بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَقْصِدَ السَّرِقَةَ. وَعَلَى ذَلِكَ: لَوْ قَصَدَ سَرِقَةَ ثَوْبٍ لاَ يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ، وَكَانَ فِي جَيْبِهِ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَلَكِنَّهُ لَوْ قَصَدَ سَرِقَةَ صُنْدُوقٍ بِهِ دَنَانِيرُ، فَوَجَدَهُ فَارِغًا، وَالصُّنْدُوقُ لاَ يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

د - الْحَنَابِلَةُ:

1 - تَحْدِيدُ مِقْدَارِ النِّصَابِ:

- اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَحْمَدَ فِي مِقْدَارِ النِّصَابِ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ. فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى تَحْدِيدِهِ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ، أَوْ عَرْضٍ قِيمَتُهُ كَأَحَدِهِمَا.

وَتُحَدِّدُ الرِّوَايَةُ الأْخْرَى النِّصَابَ بِرُبُعِ دِينَارٍ، إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ ذَهَبًا، وَبِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ إِنْ كَانَ: الْمَسْرُوقُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَبِمَا قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ، إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ غَيْرِهِمَا.

2 - وَقْتُ تَحْدِيدِ النِّصَابِ: الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ وَفِي مَكَانِ السَّرِقَةِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِتَغَيُّرِ هَذِهِ الْقِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لأِيِّ سَبَبٍ كَانَ.

3 - اخْتِلاَفُ الْمُقَوِّمِينَ فِي تَحْدِيدِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: إِذَا قَدَّرَ بَعْضُ الْمُقَوِّمِينَ قِيمَةَ الْمَسْرُوقِ بِنِصَابٍ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ؛ لأِنَّهُ فِي حَالَةِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ فِي الْقِيمَةِ يُؤْخَذُ بِالأْقَلِّ.

4 - عِلْمُ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: يَشْتَرِطُ الْحَنَابِلَةُ، لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، أَنْ يَعْلَمَ السَّارِقُ بِأَنَّ مَا سَرَقَهُ يُسَاوِي نِصَابًا. وَعَلَى ذَلِكَ: لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْدِيلاً، لاَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ النِّصَابَ، وَقَدْ شُدَّ عَلَيْهِ دِينَارٌ، مَا دَامَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. فَأَمَّا إِنْ عَلِمَ بِوُجُودِ الدِّينَارِ، أُقِيمَ عَلَيْهِ. حَدُّ السَّرِقَةِ.

3 - أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مُحْرَزًا:

- الْحِرْزُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ عَادَةً، بِحَيْثُ لاَ يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا لَهُ بِوَضْعِهِ فِيهِ.

وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لاَ يُقَامُ إِلاَّ إِذَا أَخَذَ السَّارِقُ النِّصَابَ مِنْ حِرْزِهِ؛ لأِنَّ  الْمَالَ غَيْرُ الْمُحْرِزِ ضَائِعٌ بِتَقْصِيرٍ مِنْ صَاحِبِهِ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ مُزَيْنَةَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  عَنِ الْحَرِيسَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي مَرَاتِعِهَا، فَقَالَ: فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَالثِّمَارُ وَمَا أُخِذَ مِنْهَا فِي أَكْمَامِهَا ؟ قَالَ: مَنْ أَخَذَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنِ احْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ، إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ».

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحِرْزِ لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، لِعُمُومِ قوله تعالي : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا).

وَالْحِرْزُ نَوْعَانِ:

1 - حِرْزٌ بِنَفْسِهِ، وَيُسَمَّى حِرْزًا بِالْمَكَانِ: وَهُوَ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلإْحْرَازِ، يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِيهَا إِلاَّ بِإِذْنٍ، كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ.

2 - وَحِرْزٌ بِغَيْرِهِ، وَيُسَمَّى حِرْزًا بِالْحَافِظِ: وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلإْحْرَازِ، لاَ يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ دُخُولِهِ، كَالْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ. وَلَمَّا كَانَ ضَابِطُ الْحِرْزِ وَتَحْدِيدُ مَفْهُومِهِ يَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَنَوْعِ الْمَالِ الْمُرَادِ حِفْظُهُ، وَبِاخْتِلاَفِ حَالِ السُّلْطَانِ مِنَ الْعَدْلِ أَوِ الْجَوْرِ، وَمِنَ الْقُوَّةِ أَوِ الضَّعْفِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَافُرُهَا لِيَكُونَ الْحِرْزُ تَامًّا، وَبِالتَّالِي يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْهُ.

- أ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِرْزَ نَفْسَهُ: كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلإْحْرَازِ بِمَنْعِ دُخُولِهَا إِلاَّ بِإِذْنٍ، كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخِيَمِ وَالْخَزَائِنِ وَالصَّنَادِيقِ وَالْجُرْنِ وَحَظَائِرِ الْمَاشِيَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَوْ مَفْتُوحًا، أَوْ لاَ بَابَ لَهَا؛ لأِنَّ  هَذِهِ الأْبْنِيَةَ قُصِدَ بِهَا الإْحْرَازُ كَيْفَمَا كَانَ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الْحَافِظِ، وَلَوْ وُجِدَ فَلاَ عِبْرَةَ بِوُجُودِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْحِرْزَ بِنَفْسِهِ إِذَا اخْتَلَّ، بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ، فَلاَ يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَافِظٌ. وَعَلَى هَذَا: لاَ يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى الضَّيْفِ، لأِنَّ  الإْذْنَ لَهُ بِالدُّخُولِ أَحْدَثَ خَلَلاً فِي الْحِرْزِ، وَلاَ عَلَى الْخَادِمِ؛ لأِنَّ  فِعْلَهُ يُوصَفُ بِالْخِيَانَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ، وَلاَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الْحَوَانِيتِ فِي فَتَرَاتِ الإْذْنِ بِالدُّخُولِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ سَرَقَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.

وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ لاَ تَشْمَلُ سَرِقَةَ الْحِرْزِ نَفْسِهِ؛ لأِنَّ  السَّرِقَةَ تَقْتَضِي الإْخْرَاجَ مِنَ الْحِرْزِ، وَنَفْسُ الْحِرْزِ لَيْسَ فِي الْحِرْزِ، فَلاَ إِخْرَاجَ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَوْ سَرَقَ بَابَ الدَّارِ، أَوْ حَائِطَ الْحَانُوتِ، أَوِ الْخَيْمَةَ الْمَضْرُوبَةَ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّهُ سَرَقَ نَفْسَ الْحِرْزِ، وَلَمْ يَسْرِقْ مِنَ الْحِرْزِ.

أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلإْحْرَازِ، يَدْخُلُ إِلَيْهِ بِدُونِ إِذْنٍ وَلاَ يُمْنَعُ مِنْهُ، كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالأْسْوَاقِ، وَهِيَ لاَ تُعْتَبَرُ حِرْزًا إِلاَّ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا حَافِظٌ أَيْ شَخْصٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَقْصِدٍ سِوَى الْحِرَاسَةِ وَالْحِفْظِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ آخَرُ فَلاَ يَكُونُ الْمَالُ مُحْرَزًا بِهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْمَاشِيَةَ مِنَ الْمَرْعَى، وَلَوْ كَانَ الرَّاعِي مَعَهَا؛ لأِنَّ  عَمَلَ الرَّاعِي هُوَ الرَّعْيُ، وَالْحِرَاسَةُ تَحْصُلُ تَبَعًا لَهُ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ مَعَ الرَّاعِي حَافِظٌ يَخْتَصُّ بِالْحِرَاسَةِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ الْمَاشِيَةُ مُحْرَزَةً بِالْحَافِظِ، فَيُقَامُ الْحَدُّ.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا تَرَكَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لأِنَّ  الْمَسْجِدَ لاَ يُعْتَبَرُ مِنَ الأَْمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِحِفْظِ الأْمْوَالِ، وَيَدْخُلُ إِلَيْهِ بِلاَ إِذْنٍ، فَأَمَّا إِذَا سَرَقَ الْمَتَاعَ حَالَةَ وُجُودِ الْحَافِظِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَطَعَ يَدَ سَارِقِ خَمِيصَةِ صَفْوَانَ، وَكَانَ نَائِمًا عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ». وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحِرْزَ بِالْحَافِظِ: كَمَنْ يَسْرِقُ بَعِيرًا، وَرَاكِبُهُ نَائِمٌ فَوْقَهُ؛ لأِنَّ  الْبَعِيرَ مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ، فَإِذَا أَخَذَهُمَا جَمِيعًا صَارَ كَمَنْ يَسْرِقُ نَفْسَ الْحِرْزِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ مُحْرَزًا بِالْحَافِظِ كُلَّمَا كَانَ الشَّيْءُ وَاقِعًا تَحْتَ بَصَرِهِ، مُمَيَّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيَّزٍ؛ لأِنَّهُ وُجِدَ لِلْحِفْظِ وَيَقْصِدُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنَّ مَا يَلْبَسُهُ الإْنْسَانُ أَوْ يَحْمِلُهُ أَوْ يَرْكَبُهُ أَوْ يَقَعُ تَحْتَ بَصَرِهِ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، يُعْتَبَرُ مُحْرَزًا بِحَافِظٍ، يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ النِّصَابَ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَارِسٌ وَسَرَقَ شَخْصٌ شَيْئًا مِمَّا يَلْزَمُ الْمَسْجِدَ ضَرُورَةً، كَالْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ، أَوْ لِلزِّينَةِ كَالْعَلَمِ وَالْمِشْكَاةِ، أَوْ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ كَالْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لاِنْعِدَامِ الْحِرْزِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ حَارِسٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْرَزًا بِهِ.

- ب - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِرْزَ بِنَفْسِهِ: كُلُّ مَكَانٍ اتَّخَذَهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقَرًّا لَهُ، أَوِ اعْتَادَ النَّاسُ وَضْعَ أَمْتِعَتِهِمْ بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحَاطًا أَمْ غَيْرَ مُحَاطٍ، كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخَزَائِنِ، وَكَالْجَرِينِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْحَبُّ وَالتَّمْرُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلاَ حَائِطٌ وَلاَ غَلْقٌ، وَكَالأْمَاكِنِ الَّتِي يَضَعُ التُّجَّارُ بَضَائِعَهُمْ فِيهَا، فِي السُّوقِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ دُونَ تَحْصِينٍ، وَكَالأْمَاكِنِ الَّتِي تُرَاحُ فِيهَا الدَّوَابُّ دُونَ بِنَاءٍ، أَوِ الَّتِي تُنَاخُ فِيهَا الإْبِلُ لِلْكِرَاءِ.

وَلاَ يَرَى الْمَالِكِيَّةُ مَا يَمْنَعُ مِنَ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ حِرْزًا بِالْحَافِظِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ إِذَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِنَفْسِهِ، بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ، صَارَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ إِنْ كَانَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الضَّيْفِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَنْزِلِ مُضِيفِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُضِيفُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا، مَا دَامَ الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ يَقَعُ تَحْتَ بَصَرِهِ. كَمَا يَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْ أَفْنِيَةِ الْحَوَانِيتِ وَقْتَ الإْذْنِ بِدُخُولِهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَافِظٌ؛ لأِنَّ هَا تُحْفَظُ عَادَةً بِأَعْيُنِ الْجِيرَانِ وَمُلاَحَظَتِهِمْ.

وَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحِرْزَ نَفْسَهُ؛ لأِنَّ  نَفْسَ الْحِرْزِ يُعْتَبَرُ مُحْرَزًا بِإِقَامَتِهِ، فَالْحَائِطُ مُحْرَزٌ بِبِنَائِهِ، وَالْبَابُ مُحْرَزٌ بِتَثْبِيتِهِ، وَالْفُسْطَاطُ مُحْرَزٌ بِإِقَامَتِهِ.

أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقَرًّا لَهُ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِوَضْعِ الأْمْتِعَةِ فِيهِ، كَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ. وَهُوَ يَكُونُ حِرْزًا بِصَاحِبِ الْمَتَاعِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَتَاعِهِ عُرْفًا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عَاقِلاً مُمَيِّزًا. وَلِذَا لاَ يُقَامُ  الْحَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مَتَاعًا بِحَضْرَةِ مَيِّتٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ.

وَيَسْتَثْنِي الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ سَرِقَةَ الْغَنَمِ فِي الْمَرْعَى، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعِيهَا فَلاَ قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا؛ لِتَشَتُّتِ الْغَنَمِ وَعَدَمِ ضَبْطِهَا أَثْنَاءَ الرَّعْيِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلاَ فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ». وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ: سَرِقَةُ الثِّيَابِ الْمَنْشُورَةِ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْحَافِظِ؛ لأِنَّ  آخِذَهُ خَائِنٌ أَوْ مُخْتَلِسٌ.

وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مَتَاعًا وَضَعَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يُعَدَّ لِحِفْظِ الْمَالِ أَصْلاً، إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَارِسٌ يُلاَحِظُهُ؛ لأِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَصِيرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ. وَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ كَذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحِرْزَ بِالْحَافِظِ، كَمَنْ يَسْرِقُ بَعِيرًا وَرَاكِبُهُ نَائِمٌ فَوْقَهُ؛ لأِنَّ  يَدَ الْحَافِظِ لَمْ تَزُلْ عَنِ الْبَعِيرِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّاكِبُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْفِعْلُ اخْتِلاَسًا إِذَا أُزِيلَتْ يَدُهُ عَنِ الْبَعِيرِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ فِي حُكْمِ سَارِقِ الْمَسْجِدِ: تَذْهَبُ الأْولَى إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، كَالْحَائِطِ أَوِ الْبَابِ أَوِ السَّقْفِ، وَعَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْ أَدَوَاتِهِ الْمُعَدَّةِ لِلاِسْتِعْمَالِ فِيهِ كَالْحُصْرِ أَوِ الْبُسُطِ أَوِ الْقَنَادِيلِ، لأِنَّ هَا مُحْرَزَةٌ بِنَفْسِهَا.

أَمَّا الرِّوَايَةُ الأْخْرَى فَتُفَرَّقُ فِي أَدَوَاتِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ مَا هُوَ مُثَبَّتٌ كَالْبَلاَطِ. أَوْ مَا هُوَ مُسَمَّرٌ كَالْقَنَادِيلِ الْمَشْدُودَةِ بِالسَّلاَسِلِ، أَوْ مَا شُدَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ كَالْبُسُطِ الْمُخَيَّطِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَهَذِهِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا، وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُثَبَّتِ أَوِ الْمُسَمَّرِ أَوِ الْمَشْدُودِ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا.

- ج - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَكُونُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ إِلاَّ الْمَكَانُ الْمُغْلَقُ الْمُعَدُّ لِحِفْظِ الْمَالِ دَاخِلَ الْعُمْرَانِ، كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَحَظَائِرِ الْمَاشِيَةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ مُغْلَقٍ، بِأَنْ كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا، أَوْ لَيْسَ لَهُ بَابٌ، أَوْ كَانَ حَائِطُهُ مُتَهَدِّمًا أَوْ بِهِ نَقْبٌ، فَلاَ يَكُونُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ مُعَدٍّ لِحِفْظِ الْمَالِ كَالسُّوقِ وَالْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ خَارِجَ الْعُمْرَانِ، بِأَنْ كَانَ مُنْفَصِلاً عَنْ مَبَانِي الْقَرْيَةِ أَوِ الْبَلْدَةِ وَلَوْ بِبُسْتَانٍ، فَلاَ يَكُونُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَلاَ يَرَى الشَّافِعِيَّةُ مَا يَمْنَعُ مِنَ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ حِرْزًا بِالْحَافِظِ إِذَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ، بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ بِالدُّخُولِ، أَوْ فَتْحِ الْبَابِ، أَوْ أَحْدَثَ بِهِ نَقْبٌ وَعَلَى ذَلِكَ: يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى الضَّيْفِ إِذَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، لأِنَّهُ سَرَقَ مَالاً مُحْرَزًا لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ سَرَقَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، لاِخْتِلاَلِ الْحِرْزِ بِالإْذْنِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ حَافِظٌ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَكَانَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ، وَلَوْ كَانَ الْحَافِظُ نَائِمًا اخْتَلَّ الْحِرْزُ، إِلاَّ إِذَا سَرَقَ الضَّيْفُ شَيْئًا يَلْبَسُهُ النَّائِمُ، أَوْ يَتَوَسَّدُهُ، أَوْ يَتَّكِئُ عَلَيْهِ، أَوْ يَلْتَفُّ بِهِ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ. وَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ نَفْسَ الْحِرْزِ؛ لأِنَّهُ مُحْرَزٌ بِإِقَامَتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُقْطَعُ مَنْ يَسْرِقُ حِجَارَةَ الْحَائِطِ أَوْ بَابَ الْبَيْتِ أَوْ خَشَبَ السَّقْفِ.

أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ لَمْ يُعَدَّ لِحِفْظِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ خَارِجَ الْعُمْرَانِ، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ. وَهُوَ لاَ يَكُونُ حِرْزًا إِلاَّ بِمُلاَحِظٍ يَقُومُ بِحِرَاسَةِ الْمَالِ بِحَيْثُ لاَ يَعْتَبِرُ الْعُرْفُ صَاحِبَهُ مُقَصِّرًا عِنْدَ سَرِقَتِهِ. فَالْمُلاَحَظَةُ يَخْتَلِفُ مَدَاهَا بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الْحِرْزِ:

1 - فَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَكَانٍ لاَ حَصَانَةَ لَهُ، كَصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ، اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لاِعْتِبَارِهِ مُحْرَزًا دَوَامَ مُلاَحَظَتِهِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ مِمَّنِ اسْتَحْفَظَهُ الْمَالِكُ، وَلاَ يَقْطَعُ هَذَا الدَّوَامُ الْفَتَرَاتِ الْعَارِضَةَ فِي الْعَادَةِ الَّتِي يَغْفُلُ فِيهَا الْمُلاَحَظُ، فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ أَثْنَاءَهَا. وَلِذَلِكَ لاَ يُعْتَبَرُ هَذَا الْمَكَانُ حِرْزًا، إِذَا كَانَ الْمُلاَحِظُ بَعِيدًا عُرْفًا عَنِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ أَعْطَاهُ ظَهْرَهُ، أَوْ كَانَ ثَمَّةَ ازْدِحَامٍ يَحُولُ بَيْنَ الْمُلاَحِظِ وَبَيْنَ الْمَالِ.

وَدَوَامُ الْمُلاَحَظَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُلاَحِظُ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ السَّارِقِ مِنَ السَّرِقَةِ بِقُوَّةٍ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ كَاسْتِغَاثَةٍ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ السَّارِقِ، وَالْمَوْضُوعُ بَعِيدٌ عَنِ الْغَوْثِ، فَإِنَّ الْمَالَ لاَ يُعْتَبَرُ مُحْرَزًا بِهِ. وَيُعْتَبَرُ الْمَرْعَى مِنَ الأَْمَاكِنِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى لِحَاظٍ دَائِمٍ، فَلاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِلْمَاشِيَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ يَرَاهَا وَيَسْمَعُ صَوْتَهَا إِذَا بَعُدَتْ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَتِ الْمَاشِيَةُ مَقْطُورَةً يَقُودُهَا قَائِدٌ، فَلاَ تَكُونُ مُحْرَزَةً بِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ، أَوْ كَانَ الْقَائِدُ لاَ يَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ بَعْضِهَا لِحَائِلٍ، اخْتَلَّ الْحِرْزُ، وَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنِ السَّارِقِ.

- وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَكَانٍ مُحْصَنٍ، كَدَارٍ وَحَانُوتٍ وَإِصْطَبْلٍ، كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ مُتَّصِلاً بِالْعُمْرَانِ، وَلَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ، اعْتُبِرَ حِرْزًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَافِظُ قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا، نَائِمًا أَوْ يَقِظًا، فِي النَّهَارِ أَوْ فِي اللَّيْلِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الزَّمَنُ زَمَنَ أَمْنٍ، أَمْ كَانَ زَمَنَ خَوْفٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَافِظٌ، فَلاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا إِلاَّ إِذَا كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا وَالْوَقْتُ نَهَارًا وَالزَّمَنُ زَمَنَ أَمْنٍ، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ بَعِيدًا عَنِ الْعُمْرَانِ، وَبِهِ حَافِظٌ قَوِيٌّ يَقْظَانُ، اعْتُبِرَ حِرْزًا سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا، وَالأْصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ حِرْزًا إِذَا كَانَ بِهِ شَخْصٌ قَوِيٌّ نَائِمٌ، وَالْبَابُ مُغْلَقٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَكَانِ أَحَدٌ، أَوْ كَانَ بِهِ شَخْصٌ ضَعِيفٌ، فَلاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِمَا فِيهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا.

وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ فِيمَا جُعِلَ لِعِمَارَتِهِ كَالْبِنَاءِ وَالسَّقْفِ، أَوْ لِتَحْصِينِهِ كَالأْبْوَابِ وَالشَّبَابِيكِ، أَوْ لِزِينَتِهِ كَالسَّتَائِرِ وَالْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ لِلزِّينَةِ.

فَأَمَّا مَا أُعِدَّ لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ كَالْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ الَّتِي تُسْرَجُ فِيهِ وَالْمَصَاحِفِ، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا إِذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ، لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ. وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ: وُجُوبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى سَارِقِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ.

 - د - وَيَتَّفِقُ الْحَنَابِلَةُ مَعَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ الْحِرْزَ بِنَفْسِهِ: هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ مُغْلَقٍ مُعَدٍّ لِحِفْظِ الْمَالِ دَاخِلَ الْعُمْرَانِ كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَحَظَائِرِ الْمَاشِيَةِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغْلَقًا: بِأَنْ كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا أَوْ بِهِ نَقْبٌ، فَلاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِحِفْظِ الْمَالِ كَالسُّوقِ وَالْمَسْجِدِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْعُمْرَانِ فَلاَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَلاَ يَرَى الْحَنَابِلَةُ مَانِعًا مِنَ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ حِرْزًا بِالْحَافِظِ إِذَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ بِالدُّخُولِ، أَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، أَوْ أَحْدَثَ بِالْمَكَانِ نَقْبٌ. وَلِهَذَا لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى الضَّيْفِ إِذَا سَرَقَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ بِدُخُولِهِ لاِخْتِلاَلِ الْحِرْزِ بِالإْذْنِ.

فَأَمَّا إِذَا سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِدُخُولِهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مُعَامَلَةِ الضَّيْفِ: فَإِنْ كَانَ الْمُضِيفُ قَدْ مَنَعَهُ قِرَاهُ فَسَرَقَ بِقَدْرِهِ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنَعَهُ قِرَاهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ.

وَيَذْهَبُ الْحَنَابِلَةُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ نَفْسَ الْحِرْزِ، لأِنَّهُ مُحْرَزٌ بِإِقَامَتِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ يُقْطَعُ مَنْ يَسْرِقُ حِجَارَةً مِنْ حَائِطِ الدَّارِ، أَوْ بَابِهِ، أَوْ نَحْوِهِ.

أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَمْ يُعَدَّ لِحِفْظِ الْمَالِ دُونَ حَافِظٍ فِي الْعَادَةِ، كَالْخِيَامِ وَالْمَضَارِبِ، أَوِ الْمَوْضِعِ الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْعُمْرَانِ، كَالْبُيُوتِ فِي الْبَسَاتِينِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ، مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً، فَلاَ تَكُونُ حِرْزًا إِلاَّ بِحَافِظٍ أَيًّا كَانَ: صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا، مَا دَامَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْحِفْظِ بِنَحْوِ نَوْمٍ، أَوْ يَشْتَغِلْ عَنِ الْمُلاَحَظَةِ بِنَحْوِ لَهْوٍ. وَعَلَى ذَلِكَ تُحْرَزُ الْمَاشِيَةُ فِي الْمَرْعَى بِمُلاَحَظَةِ الرَّاعِي لَهَا، بِأَنْ يَرَاهَا وَيَبْلُغَهَا صَوْتُهُ. فَإِنْ نَامَ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا أَوِ اسْتَتَرَ بَعْضُهَا عَنْهُ فَلاَ تَكُونُ مُحْرَزَةً. أَمَّا الإِْبِلُ فَإِنَّهَا تُحْرَزُ وَهِيَ بَارِكَةٌ إِذَا عُقِلَتْ وَكَانَ مَعَهَا حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمًا.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رَأْيَانِ فِي حُكْمِ السَّرِقَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ حِرْزًا بِنَفْسِهِ إِلاَّ فِيمَا جُعِلَ لِعِمَارَتِهِ أَوْ لِزِينَتِهِ، كَالسَّقْفِ وَالأْبْوَابِ وَنَحْوِهَا، فَأَمَّا مَا أُعِدَّ لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ، كَالْحُصْرِ أَوِ الْبُسُطِ أَوْ قَنَادِيلِ الإْضَاءَةِ، فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُحْرَزَةً بِحَافِظٍ؛ لأِنَّ  حَقَّ السَّارِقِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهَا يُعْتَبَرُ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ. وَالرَّأْيُ الآْخَرُ: لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الْمَسْجِدِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْرُوقُ لِعِمَارَتِهِ وَزِينَتِهِ، أَوْ كَانَ مُعَدًّا لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ؛ لأِنَّ  الْمَسْجِدَ لاَ مَالِكَ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ؛ وَلأِنَّهُ مُعَدٌّ لاِنْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، سَوَاءٌ اعْتُبِرَتِ السَّرِقَةُ مِنْ حِرْزٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ حِرْزٍ بِالْحَافِظِ.

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الأْخْذُ خُفْيَةً:

- يُشْتَرَطُ لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَأْخُذَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ خُفْيَةً، وَأَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْحِرْزِ.

فَإِذَا شَرَعَ فِي الأْخْذِ وَلَمْ يُتِمَّهُ، فَلاَ يُقْطَعُ، بَلْ يُعَزَّرُ. وَقَدْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الشَّرِيكِ إِذَا بَلَغَ فِعْلُهُ حَدًّا يُمْكِنُ مَعَهُ نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ.

1 - الأْخْذُ:

- لاَ يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ الأْخْذِ سَرِقَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ إِذَا نَتَجَ عَنْ هَتْكِ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَفْتَحَ السَّارِقُ إِغْلاَقَهُ وَيَدْخُلَ، أَوْ يَكْسِرَ بَابَهُ أَوْ شُبَّاكَهُ، أَوْ يَنْقُبَ فِي سَطْحِهِ أَوْ جِدَارِهِ، أَوْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي الْجَيْبِ لأِخْذِ مَا بِهِ، أَوْ يَأْخُذَ ثَوْبًا تَوَسَّدَهُ شَخْصٌ نَائِمٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَرِيقَةِ الأْخْذِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ - إِلَى أَنَّ الأْخْذَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هَتْكُ الْحِرْزِ هَتْكًا كَامِلاً تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ، بِأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ فِعْلاً، إِذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ دُخُولُهُ، كَبَيْتٍ وَحَانُوتٍ، فَإِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ دُخُولُهُ، كَصُنْدُوقٍ وَجَيْبٍ، فَلاَ يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ.

وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: اللِّصُّ إِذَا كَانَ ظَرِيفًا لاَ يُقْطَعُ. قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: أَنْ يَنْقُبَ الْبَيْتَ فَيُدْخِلَ يَدَهُ وَيُخْرِجَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ دُخُولَ الْحِرْزِ لَيْسَ شَرْطًا لِتَحَقُّقِ الأْخْذِ وَهَتْكِ الْحِرْزِ، فَدُخُولُ الْحِرْزِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ لأِخْذِ الْمَالِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ بِمَدِّ الْيَدِ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ الْمَالِ، كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَأَخْذِ الْمَالِ.

وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَسْرِقُ الْحُجَّاجَ بِمِحْجَنِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَسْرِقُ مَتَاعَ الْحُجَّاجِ ؟ قَالَ: لَسْتُ أَسْرِقُ، وَإِنَّمَا يَسْرِقُ الْمِحْجَنُ. فَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ». يَعْنِي: أَمْعَاءَهُ، لِمَا كَانَ يَتَنَاوَلُ مِنْ مَالِ الْحُجَّاجِ.

2- الْخُفْيَةُ:

- يُشْتَرَطُ لإِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ أَنْ يُؤْخَذَ الشَّيْءُ خُفْيَةً وَاسْتِتَارًا، بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُونَ عِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَدُونَ رِضَاهُ. فَإِنْ أَخَذَ الشَّيْءَ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ، سُمِّيَ: مُغَالَبَةً أَوْ نَهْبًا أَوْ خِلْسَةً أَوِ اغْتِصَابًا أَوِ انْتِهَابًا، لاَ سَرِقَةً. وَإِنْ حَدَثَ الأْخْذُ دُونَ عِلْمِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، ثُمَّ رَضِيَ، فَلاَ سَرِقَةَ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ الأْخْذِ فِي: الاِخْتِلاَسِ، وَجَحْدِ الأْمَانَةِ، وَالْحِرَابَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالنَّبْشِ، وَالنَّشْلِ، وَالنَّهْبِ.

3 - الإْخْرَاجُ:

- لاَ تَكْتَمِلُ صُورَةُ الأَْخْذِ خُفْيَةً إِلاَّ إِذَا أَخْرَجَ السَّارِقُ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ مِنْ حِرْزِهِ، وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَأَدْخَلَهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ.

أ - الإْخْرَاجُ مِنَ الْحِرْزِ:

- اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ لِكَيْ يُقَامَ حَدُّ السَّرِقَةِ، فَإِنْ كَانَتِ السَّرِقَةُ مِنْ حِرْزٍ بِالْحَافِظِ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الأْخْذِ، حَيْثُ لاَ اعْتِبَارَ لِلْمَكَانِ فِي الْحِرْزِ بِالْحَافِظِ. وَإِنْ كَانَتِ السَّرِقَةُ مِنْ حِرْزٍ بِنَفْسِهِ فَلاَ بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِحِفْظِهِ، فَإِذَا ضُبِطَ السَّارِقُ دَاخِلَ الْحِرْزِ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِمَا سَرَقَهُ، فَلاَ يُقْطَعُ بَلْ يُعَزَّرُ.

وَالإْخْرَاجُ مِنَ الْحِرْزِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا، بِأَنْ يَقُومَ السَّارِقُ بِأَخْذِ الْمَسْرُوقِ خُفْيَةً مِنَ الْحِرْزِ وَيَخْرُجَ بِهِ مِنْهُ، أَوْ بِأَنْ يُؤَدِّيَ فِعْلُهُ مُبَاشَرَةً إِلَى إِخْرَاجِهِ، كَأَنْ يَدْخُلَ الْحِرْزَ وَيَأْخُذَ الْمَسْرُوقَ ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ خَارِجَ الْحِرْزِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَاشِرٍ وَيُطْلِقُ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ الأْخْذُ بِالتَّسَبُّبِ، بِأَنْ يُؤَدِّيَ فِعْلُ السَّارِقِ - بِطَرِيقٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ - إِلَى إِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، كَأَنْ يَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَيَقُودَهَا خَارِجَ الْحِرْزِ، أَوْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ ثُمَّ يَفْتَحَ مَصْدَرَ الْمَاءِ فَيُخْرِجَهُ التَّيَّارُ مِنَ الْحِرْزِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الإْخْرَاجُ مُبَاشِرًا أَوْ غَيْرَ مُبَاشِرٍ فَإِنَّ شُرُوطَ الأْخْذِ خُفْيَةً تَكُونُ تَامَّةً وَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ لأِنَّهُ هُوَ الْمُخْرِجُ لِلشَّيْءِ: إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِآلَتِهِ. غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الإْخْرَاجِ كَانَتْ مَحَلًّا لاِخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي مَفْهُومِ الأْخْذِ التَّامِّ. فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَهْتِكَ السَّارِقُ الْحِرْزَ، وَيَدْخُلَهُ، وَيَأْخُذَ الشَّيْءَ خُفْيَةً، ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ خَارِجَ الْحِرْزِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ فَيَأْخُذُهُ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَّفِقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ الأْخْذَ تَامٌّ فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ زُفَرُ، حَيْثُ يَرَى أَنَّ الأْخْذَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالإْخْرَاجِ، وَالرَّمْيُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ، وَالأْخْذُ مِنَ الْخَارِجِ لاَ يُعْتَبَرُ أَخْذًا مِنَ الْحِرْزِ.

ب - إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ مَالِكِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ:

 

يَتَرَتَّبُ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ أَنْ يَخْرُجَ كَذَلِكَ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إِذَا أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْبَيْتِ أَوِ الْحَانُوتِ أَوِ الْحَظِيرَةِ أَوِ الْجَيْبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، حَيْثُ إِنَّهُ قَدْ أَزَالَ يَدَ الْحَائِزِ عَنِ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ. وَلَكِنَّ إِخْرَاجَ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ مَالِكِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى خُرُوجِ السَّارِقِ بِهِ مِنَ الْحِرْزِ، فَقَدْ تَزُولُ يَدُ الْحَائِزِ عَنِ الْمَسْرُوقِ رَغْمَ بَقَاءِ السَّارِقِ فِي الْحِرْزِ وَعَدَمِ إِخْرَاجِ الْمَسْرُوقِ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ، كَمَا إِذَا ابْتَلَعَ السَّارِقُ مَا سَرَقَهُ دُونَ أَنْ يُغَادِرَ الْحِرْزَ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَحْوِهَا يَخْرُجُ الْمَسْرُوقُ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ السَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ.

ج - دُخُولُ الْمَسْرُوقِ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ:

- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ إِخْرَاجَ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ، وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، لاَ يَسْتَتْبِعُ حَتْمًا دُخُولَهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، وَمِنْ ثَمَّ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَهْتِكَ السَّارِقُ الْحِرْزَ، وَيَدْخُلَهُ، وَيَأْخُذَ الشَّيْءَ خُفْيَةً، ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ خَارِجَ الْحِرْزِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْخُرُوجِ لأِخْذِهِ، أَوْ يَخْرُجَ مِنَ الْحِرْزِ لِيَأْخُذَهُ فَيَجِدَ غَيْرَهُ قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ وَأَخَذَهُ. وَهُنَا يُعْتَبَرُ الْمَسْرُوقُ قَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْحِرْزِ، وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ. لأِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ فَلاَ تَثْبُتُ يَدُهُ عَلَى الْمَسْرُوقِ وَلاَ يُعْتَبَرُ فِي حِيَازَتِهِ فِعْلاً. وَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَجِدِ الْمَسْرُوقَ، تَكُونُ يَدُ الآْخِذِ قَدِ اعْتَرَضَتْ يَدَ السَّارِقِ، فَدَخَلَ الْمَسْرُوقُ فِي حِيَازَةِ مَنْ أَخَذَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي حِيَازَةِ مَنْ سَرَقَهُ، وَحِينَئِذٍ تَحُولُ هَذِهِ «الْيَدُ الْمُعْتَرِضَةُ» دُونَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ، وَإِنْ كَانَ يُعَزَّرُ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى مَنْ يَهْتِكُ الْحِرْزَ، وَيَدْخُلُهُ، وَيَأْخُذُ الشَّيْءَ خُفْيَةً وَلَكِنَّهُ يُتْلِفُهُ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ؛ لأِنَّهُ إِنْ أَتْلَفَ مَا يَفْسُدُ بِالإْتْلاَفِ كَأَنْ أَكَلَ الطَّعَامَ، أَوْ أَحْرَقَ الْمَتَاعَ، أَوْ مَزَّقَ الثَّوْبَ، أَوْ كَسَرَ الآْنِيَةَ، فَلاَ يُعَدُّ سَارِقًا، بَلْ مُتْلِفًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالتَّعْزِيرُ. أَمَّا إِنْ أَتْلَفَ بَعْضَهُ وَأَخْرَجَ الْبَعْضَ الآْخَرَ، وَكَانَتْ قِيمَةُ مَا أَخْرَجَهُ تُسَاوِي نِصَابًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ سَارِقًا، لِتَحَقُّقِ تَمَامِ الأْخْذِ بِالْهَتْكِ وَالإْخْرَاجِ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ؛ لأِنَّ  السَّارِقَ إِذَا أَتْلَفَ الْبَعْضَ يَصِيرُ ضَامِنًا، وَالْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ، فَيَكُونُ سَبَبُ الْمِلْكِ قَدِ انْعَقَدَ لَهُ قَبْلَ الإْخْرَاجِ، وَلاَ يُقْطَعُ أَحَدٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ مَا أَتْلَفَهُ - وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ - لاَ يَفْسُدُ بِالإْتْلاَفِ، كَأَنْ يَبْتَلِعَ جَوْهَرَةً أَوْ دِينَارًا فَإِنَّهُ لاَ يُعَدُّ سَارِقًا أَيْضًا، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بِمَا ابْتَلَعَهُ؛ لأِنَّ  الاِبْتِلاَعَ يُعْتَبَرُ اسْتِهْلاَكًا لِلشَّيْءِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الإْتْلاَفِ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَسْتَتْبِعُ حَتْمًا إِدْخَالَهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ إِدْخَالاً فِعْلِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا. وَعَلَى ذَلِكَ: فَلَوْ دَخَلَ السَّارِقُ الْحِرْزَ، وَأَخَذَ الشَّيْءَ خُفْيَةً، وَرَمَى بِهِ خَارِجَ الْحِرْزِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يُقَامُ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ حِينَ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ حِرْزِهِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، يَكُونُ أَدْخَلَهُ حُكْمًا فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، فَإِذَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخَذَهُ، فَإِنَّ وَضْعَ الْيَدِ الْفِعْلِيِّ عَلَى الْمَسْرُوقِ يَنْضَمُّ إِلَى الْحِيَازَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِمُفْرَدِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْحِرْزِ فَوَجَدَ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ أَخَذَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ، لأِنَّ  هَذَا الشَّيْءَ دَخَلَ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ حُكْمًا، وَلَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ فِعْلاً، وَصَاحِبُ الْيَدِ الْمُعْتَرَضَةِ لاَ يُغَيِّرُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ - عِنْدَهُمْ - لأِنَّ  الْيَدَ الْمُعْتَرِضَةَ لاَ تُجَوِّزُ الْمَسْرُوقَ إِلاَّ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ.

وَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ أَيْضًا - عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - إِذَا رَمَى الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ خَارِجَ الْحِرْزِ، ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لأِخْذِهِ، بِأَنْ تَمَّ ضَبْطُهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ أَوْ مُنِعَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهُ؛ لأِنَّهُ دَخَلَ فِي حِيَازَتِهِ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالْحِيَازَةُ الْحُكْمِيَّةُ تَكْفِي لاِعْتِبَارِ الأْخْذِ تَامًّا كَالْحِيَازَةِ الْفِعْلِيَّةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.

وَلَئِنْ كَانَ مَالِكٌ تَرَدَّدَ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ إِذَا ضُبِطَ فِي الْحِرْزِ، بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لأِخْذِهِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَدَارُ فِي الْقَطْعِ عَلَى إِخْرَاجِ النِّصَابِ مِنَ الْحِرْزِ، خَرَجَ مِنْهُ السَّارِقُ إِذَا دَخَلَ أَمْ لاَ، حَتَّى إِنَّ السَّارِقَ لَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ مِنَ الْحِرْزِ، ثُمَّ عَادَ بِهِ فَأَدْخَلَهُ، قُطِعَ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ يَهْتِكُ الْحِرْزَ وَيَدْخُلُهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالإْتْلاَفِ، ثُمَّ يُتْلِفُهُ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  فِعْلَهُ هَذَا يُعْتَبَرُ اسْتِهْلاَكًا، لاَ سَرِقَةً، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالتَّعْزِيرُ. أَمَّا إِذَا أَتْلَفَ بَعْضَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضَ الآْخَرَ مِنْهُ، وَكَانَتْ قِيمَةُ مَا أَخْرَجَ تُسَاوِي النِّصَابَ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ سَارِقًا وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِتَحَقُّقِ الأْخْذِ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ مِنْهُ. وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مَنْ يُتْلِفُ وَهُوَ دَاخِلُ الْحِرْزِ شَيْئًا لاَ يَفْسُدُ بِالإِْتْلاَفِ، كَأَنْ يَبْتَلِعَ دِينَارًا أَوْ جَوْهَرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ الْحِرْزِ. فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِبْتِلاَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعْتَبَرُ أَخْذًا تَامًّا، كَأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ فِي وِعَاءٍ وَخَرَجَ بِهِ، وَلِهَذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، قَوْلاً وَاحِدًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِ إِتْلاَفًا، إِذَا لَمْ يَخْرُجِ الْمَسْرُوقُ مِنْ جَوْفِهِ بَعْدَ ابْتِلاَعِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأِنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ، فَصَارَ كَأَكْلِ الطَّعَامِ. أَمَّا إِذَا خَرَجَ الْمَسْرُوقُ مِنْ جَوْفِهِ بَعْدَ ابْتِلاَعِهِ، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ؛ لأِنَّ  الْمَسْرُوقَ بَاقٍ بِحَالِهِ لَمْ يَفْسُدْ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا أَخْرَجَهُ فِي فِيهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ.

وَلَدَى الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ: أَوَّلُهُمَا: يُعْتَبَرُ الْفِعْلُ إِتْلاَفًا فِي كُلِّ حَالٍ، فَلاَ قَطْعَ، بَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ، وَالآْخَرُ: يُعْتَبَرُ الْفِعْلُ إِتْلاَفًا إِذَا لَمْ يَخْرُجِ الْمَسْرُوقُ مِنْ جَوْفِ مَنِ ابْتَلَعَهُ، وَمِنْ ثَمَّ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَيَعْتَبِرُهُ سَرِقَةً إِذَا خَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ بَعْدَ الاِبْتِلاَعِ، وَكَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي جَيْبِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ.

 

حَدُّ السَّرِقَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ السَّارِقِ قَطْعُ يَدِهِ لقوله تعالي : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وَهُوَ الْحَدُّ الَّذِي أَقَامَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  عَلَى مَنْ سَرَقَ فِي عَهْدِهِ، كَمَا تَوَاتَرَتِ الأْخْبَارُ بِذَلِكَ. وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ دُونَ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمْ. وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأْمَّةُ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِمَحَلِّ الْقَطْعِ، وَمِقْدَارِهِ، وَكَيْفِيَّتِهِ، وَتَكَرُّرِهِ، مَعَ تَكَرُّرِ السَّرِقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

1 - مَحَلُّ الْقَطْعِ:

- مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ - عِنْدَ الْفُقَهَاءِ - وُجُوبُ قَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى، إِذَا ثَبَتَتِ السَّرِقَةُ الأْولَى. لِمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَطَعَ الْيَدَ الْيُمْنَى»، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الأْئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا. وَهِيَ قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ، وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِلْمُصْحَفِ الإْمَامِ، فَكَانَتْ خَبَرًا مَشْهُورًا، فَيُقَيِّدُ إِطْلاَقَ النَّصِّ. وَلَوْ كَانَ الإْطْلاَقُ مُرَادًا، وَالاِمْتِثَالُ لِلأْمْرِ فِي الآْيَةِ يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ، لَمَا قَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  إِلاَّ الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الأَْيْسَرِ لَهُمْ مَا أَمْكَنَ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم  فِي: «أَنَّهُ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا».

فَإِذَا كَانَتْ يَدُ السَّارِقِ الْيُمْنَى غَيْرَ صَحِيحَةٍ، بِأَنْ كَانَتْ شَلاَّءَ أَوْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصَابِعِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ.

فَالْحَنَفِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْقَطْعَ يَتَعَلَّقُ أَوَّلاً بِالْيَدِ الْيُمْنَى، لِعُمُومِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِهَا. لأِنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالسَّلِيمَةِ فَإِنَّهَا تُقْطَعُ، فَلأَنْ تُقْطَعَ الْمَعِيبَةُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ قَطْعَ الْمَعِيبَةِ لاَ يُجْزِئُ؛ لأِنَّ  مَقْصُودَ الْحَدِّ إِزَالَةُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى السَّرِقَةِ، وَالشَّلاَّءُ وَمَا فِي حُكْمِهَا لاَ نَفْعَ فِيهَا فَلاَ يَتَحَقَّقُ مَقْصُودُ الشَّرْعِ بِقَطْعِهَا؛ لأِنَّ  مَنْفَعَتَهَا الَّتِي يُرَادُ إِبْطَالُهَا بَاطِلَةٌ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ. وَلِذَلِكَ يَنْتَقِلُ الْقَطْعُ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُفَصِّلُونَ الْقَوْلَ فِي قَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى إِذَا كَانَتْ مَعِيبَةً عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

يُجْزِئُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى إِذَا كَانَتْ شَلاَّءَ إِلاَّ إِذَا خِيفَ مِنْ قَطْعِهَا أَلاَّ يَكُفَّ الدَّمُ، فَلَوْ قَرَّرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ عُرُوقَهَا لَنْ تَنْسَدَّ وَأَنَّ دَمَهَا لَنْ يَجِفَّ فَلاَ تُقْطَعُ، وَيُنْتَقَلُ بِالْقَطْعِ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْيَدُ الْيُمْنَى قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصَابِعِهَا، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ قَطْعُهَا، وَلَوْ كَانَ بِهَا أُصْبُعٌ وَاحِدٌ. فَإِذَا نَقَصَتِ الأْصَابِعُ كُلُّهَا، فَالأْصَحُّ عِنْدَهُمْ: الاِكْتِفَاءُ بِقَطْعِهَا؛ لأِنَّ  اسْمَ الْيَدِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَعَ نُقْصَانِ الأْصَابِعِ كُلِّهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي نَاقِصَةِ الْخَمْسِ: أَنَّهَا لاَ تُجْزِئُ فِي تَمَامِ الْحَدِّ، فَلاَ تُقْطَعُ، وَيُنْتَقَلُ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ: تَكْتَفِي أُولاَهُمَا بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَلَوْ كَانَتْ شَلاَّءَ، إِذَا رَأَى أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّهَا لَوْ قُطِعَتْ رَقَأَ دَمُهَا وَانْحَسَمَتْ عُرُوقُهَا. وَالرِّوَايَةُ الأْخْرَى: يُمْنَعُ قَطْعُ الْيَدِ الشَّلاَّءِ؛ لأِنَّ هَا لاَ نَفْعَ فِيهَا وَلاَ جَمَالَ لَهَا، وَيَنْتَقِلُ الْقَطْعُ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى. وَإِذَا كَانَتِ الْيَدُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الأْصَابِعِ فَفِي الْمَذْهَبِ رَأْيَانِ

أُوَلُهُمَا: الاِكْتِفَاءُ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَلَوْ ذَهَبَتْ كُلُّ أَصَابِعِهَا.

وَالثَّانِي: عَدَمُ الاِكْتِفَاءِ بِقَطْعِ الْيُمْنَى إِذَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا، لأِنَّ هَا تَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومَةِ وَيَنْتَقِلُ الْقَطْعُ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى.

64 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَكَانَتِ الْيَدُ الْيُسْرَى قَدْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا، أَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً فِي قِصَاصٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ الْيُمْنَى؛ لأِنَّ  قَطْعَهَا يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ كُلِّيَّةً، وَالْحَدُّ إِنَّمَا شُرِعَ زَاجِرًا لاَ مُهْلِكًا. وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَالرِّوَايَةُ الأْخْرَى تَتَّفِقُ مَعَ مَا قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأِنَّ  الْيَدَ الْيُسْرَى مَحَلٌّ لِلْقَطْعِ أَيْضًا إِذَا تَكَرَّرَتِ السَّرِقَةُ. وَلاَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ إِذَا تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى، وَكَانَتِ الرِّجْلُ الْيُمْنَى قَدْ قُطِعَتْ أَوْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا.

- وَاخْتَلَفُوا كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَكَانَتْ مَقْطُوعَةً: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى انْتِقَالِ الْقَطْعِ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى إِذَا كَانَ ذَهَابُ الْيَدِ الْيُمْنَى قَدْ حَدَثَ قَبْلَ السَّرِقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ الْمُخَاصَمَةِ؛ لأِنَّ  الْحَدَّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعُضْوِ الذَّاهِبِ، فَلاَ يَسْقُطُ بِذَهَابِهِ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ ذَهَبَتِ الْيَدُ الْيُمْنَى بَعْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَقَبْلَ الْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْقَضَاءِ، فَلاَ يَنْتَقِلُ الْحَدُّ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى، بَلْ يَسْقُطُ؛ لأِنَّ  الْمُخَاصَمَةَ تُؤَدِّي إِلَى تَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، فَإِذَا ذَهَبَتْ سَقَطَ الْحَدُّ لِذَهَابِ مَحَلِّهِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى انْتِقَالِ الْقَطْعِ إِلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى إِذَا ذَهَبَتِ الْيَدُ الْيُمْنَى قَبْلَ السَّرِقَةِ. وَإِلَى سُقُوطِ الْحَدِّ إِذَا ذَهَبَتْ بَعْدَ السَّرِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَهَابُهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَقَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ قِصَاصٍ لأِنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّرِقَةِ تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، فَإِذَا ذَهَبَتْ زَالَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ فَسَقَطَ.

2 - مَوْضِعُ الْقَطْعِ وَمِقْدَارُهُ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ يَكُونُ مِنَ الْكُوعِ، وَهُوَ مَفْصِلُ الْكَفِّ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ. وَلِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما: إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَمِينَهُ مِنَ الْكُوعِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مِنَ الْيَدِ: الْمَنْكِبُ؛ لأِنَّ  الْيَدَ اسْمٌ لِلْعُضْوِ مِنْ أَطْرَافِ الأْصَابِعِ إِلَى الْمَنْكِبِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ: مَفَاصِلُ الأْصَابِعِ الَّتِي تَلِي الْكَفَّ.

وَمَوْضِعُ قَطْعِ الرِّجْلِ هُوَ مَفْصِلُ الْكَعْبِ مِنَ السَّاقِ، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله عنه، وَذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالرِّوَايَةُ الأْخْرَى عَنْهُ أَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ: أُصُولُ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ، وَيَتْرُكُ لِلسَّارِقِ عَقِبَهُ يَمْشِي عَلَيْهَا.

ج - كَيْفِيَّةُ الْقَطْعِ.

- مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مُرَاعَاةُ الإْحْسَانِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّرَ الْحَاكِمُ الْوَقْتَ الْمُلاَئِمَ لِلْقَطْعِ، بِحَيْثُ يَجْتَنِبُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَيْنِ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الإِْضْرَارِ بِالسَّارِقِ، وَلاَ يُقِيمُ الْحَدَّ أَثْنَاءَ مَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ، وَلاَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْحَامِلِ أَوِ النُّفَسَاءِ، وَلاَ عَلَى الْعَائِدِ فِي السَّرِقَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْدَمِلَ الْجُرْحُ السَّابِقُ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَ السَّارِقُ إِلَى مَكَانِ الْقَطْعِ سُوقًا رَفِيقًا، فَلاَ يُعَنَّفُ بِهِ، وَلاَ يُعَيَّرُ، وَلاَ يُسَبُّ. فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مَكَانِ الْقَطْعِ (يَجْلِسُ، وَيُضْبَطُ لِئَلاَّ يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ، وَتُشَدُّ يَدُهُ بِحَبْلٍ وَيُجَرُّ حَتَّى يَبِينَ مَفْصِلُ الذِّرَاعِ، ثُمَّ تُوضَعُ بَيْنَهُمَا سِكِّينٌ حَادَّةٌ، وَيُدَقُّ فَوْقَهَا بِقُوَّةٍ لِيَقْطَعَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ تُوضَعُ عَلَى الْمَفْصِلِ وَتُمَدُّ مَدَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ عَلِمَ قَطْعَ أَوْحَى مِنْ ذَلِكَ - أَيْ أَسْرَعَ - قَطَعَ بِهِ).

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ عَلَى حَسْمِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِ مَا يَسُدُّ الْعُرُوقَ وَيُوقِفُ نَزْفَ الدَّمِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  فِيمَنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ:

«اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ احْسِمُوهُ». وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي حُكْمِ الْحَسْمِ: فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَيْنِيٌّ عَلَى مَنْ قَامَ بِالْقَطْعِ؛ لأِنَّ  صِيغَةَ الأْمْرِ فِي الْحَدِيثِ تُفِيدُ الْوُجُوبَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ - إِلَى أَنَّ الْحَسْمَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَلاَ يَلْزَمُ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الْقَاطِعُ أَوِ الْمَقْطُوعُ أَوْ غَيْرُهُمَا فَقَدْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ. وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الأْمْرَ بِالْحَسْمِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، لاَ الْوُجُوبِ؛ لأِنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ، لاَ لِتَمَامِ الْحَدِّ، فَيَجُوزُ لِلإْمَامِ أَنْ يَتْرُكَهُ. وَحِينَئِذٍ يُنْدَبُ لِلإْمَامِ وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ السَّارِقِ وَحِفْظُهُ مِنَ الْهَلاَكِ. وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِهِ عَلَى السَّارِقِ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَقْطُوعِ فِعْلُ الْحَسْمِ، لإِغْمَاءٍ وَنَحْوِهِ وَتَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهِ تَلَفٌ مُحَقَّقٌ، فَلاَ يَجُوزُ لِلإْمَامِ إِهْمَالُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْحَسْمَ تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، فَيَجِبُ عَلَى الإْمَامِ فِعْلُهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُهْمِلَهُ.

- وَيُسَنُّ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - تَعْلِيقُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ، رَدْعًا لِلنَّاسِ، اسْتِنَادًا إِلَى مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ». وَقَدْ حَدَّدَ الشَّافِعِيَّةُ مُدَّةَ التَّعْلِيقِ بِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَمْ يُحَدِّدُوا مُدَّةَ التَّعْلِيقِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْيَدِ لاَ يُسَنُّ، بَلْ يُتْرَكُ الأْمْرُ لِلإْمَامِ، إِنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً فَعَلَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَالِكِيَّةُ شَيْئًا عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ.

4 - تَكَرُّرُ الْقَطْعِ بِتَكَرُّرِ السَّرِقَةِ:

تَدَاخُلُ الْحَدِّ:

- مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ فِي الْفِقْهِ الإْسْلاَمِيِّ عَلَى اخْتِلاَفِ مَذَاهِبِهِ: أَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، إِذَا اتَّحَدَ مُوجِبُهَا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْحَدِّ حَقٌّ لآِدَمِيٍّ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: إِذَا تَكَرَّرَتِ السَّرِقَةُ، قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَكَانَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُوجِبُ الْقَطْعَ، قُطِعَ السَّارِقُ لِجَمِيعِهَا قَطْعًا وَاحِدًا؛ لأِنَّ  الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَيَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ؛ وَلأِنَّ  الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ الْوَاحِدِ.

السَّرِقَةُ بَعْدَ الْقَطْعِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ السَّارِقِ، إِذَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ ثُمَّ عَادَ لِلسَّرِقَةِ، عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ إِلَى أَنَّ: مَنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ فِي السَّرِقَةِ الأْولَى، ثُمَّ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ، إِذْ لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي السَّرِقَةِ الأْولَى. لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:  ( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)أَيِ الْيَدَ الْيُمْنَى، كَمَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَمَرَ بِقَطْعِ الرِّجْلِ ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)

وَذَهَبَ رَبِيعَةُ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ: مَنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ فِي السَّرِقَةِ الأْولَى، ثُمَّ سَرَقَ مَرَّةً ثَانِيَةً، تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ إِلَى السَّرِقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، بَلْ يُعَزَّرُ، وَذَلِكَ لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَطْعِ الأْيْدِي، وَهِيَ تَشْمَلُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، وَإِدْخَالُ الأْرْجُلِ فِي الْقَطْعِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، بَلْ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ. وَنُقِلَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَحَمَّادٍ لِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: إِذَا سَرَقَ الرَّجُلُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ ضَمَّنْتُهُ السِّجْنَ حَتَّى يُحْدِثَ خَيْرًا. إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِيَ بِهَا، وَرِجْلٌ يَمْشِي عَلَيْهَا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى: إِلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ، بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي السَّرِقَةِ الأْولَى، تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ لِلْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ مَرَّةً رَابِعَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ حُبِسَ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ».

وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما، وَقَالَ بِهِ إِسْحَاقُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ سَرَقَ - بَعْدَ قَطْعِ أَطْرَافِهِ الأْرْبَعَةِ - يُقْتَلُ حَدًّا، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  «أَمَرَ بِقَتْلِ سَارِقٍ - فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ - قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ، وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ».

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَقَدْ عَارَضَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ وَزِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ». قَالَ: وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ يُبِيحُ دَمَ السَّارِقِ.

سُقُوطُ الْحَدِّ.

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ، سَوَاءٌ مَا يَتَّصِلُ بِالْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَمْ بِغَيْرِهِ: كَالْعَفْوِ وَالشَّفَاعَةِ. وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِالسَّارِقِ: كَالتَّوْبَةِ، وَالرُّجُوعِ عَنِ الإْقْرَارِ، وَاشْتِرَاكِهِ مَعَ مَنْ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْرُوقِ: كَطُرُوءِ مِلْكِ السَّارِقِ عَلَى مَا سَرَقَ. وَقَدْ يَسْقُطُ الْحَدُّ نَتِيجَةً لِلتَّقَادُمِ.

1 - الشَّفَاعَةُ وَالْعَفْوُ:

- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى إِجَازَةِ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ السَّرِقَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الأْمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ، إِذَا كَانَ السَّارِقُ لَمْ يُعْرَفْ بِشَرٍّ، سِتْرًا لَهُ وَإِعَانَةً عَلَى التَّوْبَةِ. فَأَمَّا إِذَا وَصَلَ الأْمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَالشَّفَاعَةُ فِيهِ حَرَامٌ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  لأِسَامَةَ - حِينَمَا شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ -: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنه لَقِيَ رَجُلاً قَدْ أَخَذَ سَارِقًا، فَشَفَعَ فِيهِ، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ الإْمَامُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغَ الإْمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ.

وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الْعَفْوِ عَنِ السَّارِقِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِذَا لَمْ يُرْفَعِ الأْمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ رُفِعَ إِلَيْهِ، لاَ يُقْبَلُ فِيهِ الْعَفْوُ. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ».

«وَقَالَ صلى الله عليه وسلم  لِصَفْوَانَ - لَمَّا تَصَدَّقَ بِرِدَائِهِ عَلَى سَارِقِهِ -: فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ».

2- التَّوْبَةُ:

- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ، أَيِ النَّدَمَ الَّذِي يُورِثُ عَزْمًا عَلَى إِرَادَةِ التَّرْكِ تُسْقِطُ عَذَابَ الآْخِرَةِ عَنِ السَّارِقِ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أَثَرِ التَّوْبَةِ عَلَى إِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعَطَاءٌ، وَجَمَاعَةٌ: إِلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لاَ تُسْقِطُ حَدَّ السَّرِقَةِ، لقوله تعالي : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ)مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ تَائِبٍ وَغَيْرِهِ، وَلأِنَّ  «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى عَمْرِو بْنِ سَمُرَةَ، حِينَ أَتَاهُ تَائِبًا يَطْلُبُ التَّطْهِيرَ مِنْ سَرِقَتِهِ جَمَلاً».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ - وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى - إِلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ حَدَّ السَّرِقَةِ،  لقوله تعالي - بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ جَزَاءَ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ -:  ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِوَأَصْلَحَ فَإِنَّا للَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّائِبَ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إِذْ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهَا فَائِدَةٌ.

3 - الرُّجُوعُ عَنِ الإْقْرَارِ:

- اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، قَبْلَ الْقَطْعِ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لأِنَّ  الرُّجُوعَ عَنِ الإْقْرَارِ يُورِثُ شُبْهَةً.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ رُجُوعَ السَّارِقِ فِي إِقْرَارِهِ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلاَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ؛ لأِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لآِدَمِيٍّ بِقِصَاصٍ أَوْ بِحَقٍّ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُمَا، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ.

4 - الاِشْتِرَاكُ مَعَ مَنْ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ:

- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ - وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَنَّهُ: إِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ وَكَانَ بَيْنَهُمْ مَنْ لاَ يَتَعَلَّقُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، كَصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنِ الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ؛ لأِنَّ  السَّرِقَةَ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ حَصَلَتْ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَمِمَّنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنِ الْجَمِيعِ، قِيَاسًا عَلَى اشْتَرَاكِ الْعَامِدِ مَعَ الْمُخْطِئِ فِي الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْهُمَا.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ أَوِ الْمَجْنُونُ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الأْخْذَ وَالإْخْرَاجَ؛ لأِنَّ  الإْخْرَاجَ أَصْلٌ وَالإْعَانَةَ كَالتَّابِعِ، فَإِذَا سَقَطَ الْقَطْعُ عَنِ الأْصْلِ  وَجَبَ سُقُوطُهُ عَنِ التَّابِعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الآْخِذُ وَالْمُخْرِجُ مُكَلَّفًا فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ قَامَ بِالأْصْلِ ، فَلاَ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَطَ عَنِ الصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ - إِلَى أَنَّ اشْتِرَاكَ مَنْ لاَ يَجِبُ قَطْعُهُ فِي السَّرِقَةِ لاَ يَسْقُطُ عَنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ لأِنَّ  سَبَبَ امْتِنَاعِ قَطْعِهِ خَاصٌّ بِهِ، فَلاَ يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ.

5 - طُرُوءُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْحُكْمِ:

- إِذَا تَمَلَّكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِأَنِ اشْتَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ عَنْهُ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - لأِنَّ  الْمُطَالَبَةَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِالْقَطْعِ، فَإِذَا تَمَلَّكَهُ السَّارِقُ قَبْلَ الْقَضَاءِ امْتَنَعَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمْ الْمُطَالَبَةَ، فَالْعِبْرَةُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ أَوْ سُقُوطِهِ بِحَالِ السَّرِقَةِ، دُونَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ بَعْدَهَا.

فَأَمَّا إِذَا حَدَثَ الْمِلْكُ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَبْلَ الْقَطْعِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مَا عَدَا أَبَا يُوسُفَ وَزُفَرَ -: (لأِنَّ  الْقَضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ إِمْضَاؤُهَا فَمَا لَمْ تَمْضِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ)، وَلأِنَّ  (الْمُعْتَرِضَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ، كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ)؛ وَلأِنَّ  (التَّمَلُّكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَقًّا وَقْتَ السَّرِقَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ أَوْجَدَ شُبْهَةً عِنْدَ التَّنْفِيذِ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تَمْنَعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ).

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِتَمَلُّكِ الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ، (لأِنَّ  وُجُوبَ الْقَطْعِ حُكْمٌ مُعَلَّقٌ بِوُجُودِ السَّرِقَةِ، وَقَدْ تَمَّتِ السَّرِقَةُ، وَوَقَعَتْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لاِسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، فَطُرُوءُ الْمِلْكِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُوجِبُ خَلَلاً فِي السَّرِقَةِ الْمَوْجُودَةِ، فَبَقِيَ الْقَطْعُ وَاجِبًا)، وَلأِنَّ  مَا حَدَثَ - بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ – لَمْ يُوجَدْ شُبْهَةٌ فِي الْوُجُوبِ، (فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْحَدِّ)، وَلَوْ كَانَ حُدُوثُ الْمِلْكِ - بَعْدَ الْقَضَاءِ - يُسْقِطُ الْحَدَّ، لَمَا قَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ، بَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، بَلْ قَالَ لَهُ: «فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ».

6 - تَقَادُمُ الْحَدِّ:

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ؛ لأِنَّ  الْحُكْمَ لَمْ يَصْدُرْ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتِ السَّرِقَةُ، فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُرُوبُ الْجَانِي أَوْ تَرَاخِي التَّنْفِيذِ مِنْ أَسْبَابِ سُقُوطِ الْحَدِّ، وَإِلاَّ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى تَعْطِيلِ حُدُودِ اللَّهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا زُفَرَ - إِلَى أَنَّ تَقَادُمَ التَّنْفِيذِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، يُسْقِطُ الْقَطْعَ، لأِنَّ  الْقَضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ إِمْضَاؤُهَا، فَمَا لَمْ تَمْضِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ، وَلأِنَّ  التَّقَادُمَ فِي التَّنْفِيذِ كَالتَّقَادُمِ فِي الإْثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ بِشُهُودٍ فِي السَّرِقَةِ، ثُمَّ انْفَلَتَ، فَأُخِذَ بَعْدَ زَمَانٍ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لأِنَّ  حَدَّ السَّرِقَةِ لاَ يُقَامُ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ، وَالْعَارِضُ فِي الْحُدُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ كَالْعَارِضِ قَبْلَ الْقَضَاءِ.

التَّعْزِيرُ:

تَجُوزُ الْعُقُوبَةُ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ سَرِقَةٍ لَمْ تَكْتَمِلْ أَرْكَانُهَا، أَوْ لَمْ تَسْتَوْفِ شُرُوطُهَا؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهَا. وَعَلَى كُلِّ سَرِقَةٍ دَرْءُ الْحَدِّ فِيهَا لِوُجُودِ شُبْهَةٍ. وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْعُقُوبَةُ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى السَّرِقَةِ الَّتِي سَقَطَ فِيهَا الْقَطْعُ، عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 11

نُقْصَانُ سِعْرِ الْمَسْرُوقِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ، إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ حِينَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، وَبُلُوغِهِ نِصَابًا، فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطِ الْقَطْعُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ وَمَكَانَهُ، بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَلاَ قَطْعَ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الْمُقَوِّمِينَ.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ يُورِثُ شُبْهَةَ نُقْصَانٍ فِي الْمَسْرُوقِ وَقْتَ السَّرِقَةِ، لأِنَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا قَائِمَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَتَغَيُّرُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ أَصْلاً، فَيُجْعَلُ النُّقْصَانُ الطَّارِئُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ السَّرِقَةِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة /  338

طَرَّارٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الطَّرَّارُ فَعَّالٌ مِنْ طَرَّ، يُقَالُ: طَرَّ الثَّوْبَ يَطُرُّ طَرًّا أَيْ شَقَّهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الَّذِي يَطُرُّ الْهِمْيَانَ أَوِ الْجَيْبَ أَوِ الصُّرَّةَ وَيَقْطَعُهَا وَيَسُلُّ مَا فِيهِ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ .

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الطَّرَّارُ وَهُوَ الَّذِي يَقْطَعُ النَّفَقَاتِ وَيَأْخُذُهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْهِمْيَانُ كِيسٌ تُجْعَلُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَيُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ، وَمِثْلُهُ الصُّرَّةُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الصُّرَّةُ هِيَ الْهِمْيَانُ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا هُنَا الْمَوْضِعُ الْمَشْدُودُ فِيهِ دَرَاهِمُ مِنَ الْكُمِّ .

وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّرَّارَ هُوَ: الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ جَيْبِ الرَّجُلِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ صَفَنِهِ (يَعْنِي الْخَرِيطَةَ يَكُونُ فِيهَا الْمَتَاعُ وَالزَّادُ) .

وَقَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الطَّرَّارِ النَّشَّالُ، مِنْ نَشَلَ الشَّيْءَ نَشْلاً أَيْ أَسْرَعَ نَزْعَهُ، وَالنَّشَّالُ كَثِيرُ النَّشْلِ وَالْخَفِيفُ الْيَدِ مِنَ اللُّصُوصِ السَّارِقُ عَلَى غِرَّةٍ .

 الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ.

أ - السَّارِقُ.

2 - السَّارِقُ فَاعِلٌ مِنَ السَّرِقَةِ، وَهِيَ: أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ خُفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِلاَ شُبْهَةٍ .

وَالسَّارِقُ أَعَمُّ مِنَ الطَّرَّارِ، لأِنَّ الطَّرَّارَ يَسْرِقُ مِنْ جَيْبِ الإْنْسَانِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.

ب - النَّبَّاشُ:

3 - النَّبَّاشُ مُبَالَغَةٌ مِنَ النَّبْشِ أَيِ الْكَشْفِ، يُقَالُ: نَبَشَ الْقَبْرَ أَيْ كَشَفَهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ. هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّفْنِ .

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

4 - ذَهَبَ الأْصُولِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الطَّرَّارَ يُعْتَبَرُ سَارِقًا تُقْطَعُ يَدُهُ إِذَا تَوَافَرَتْ فِيهِ سَائِرُ شُرُوطِ الْقَطْعِ . لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِيهِ فَذَكَرَ الأْصُولِيُّونَ أَنَّ الطَّرَّارَ تُقْطَعُ يَدُهُ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِاسْمٍ آخَرَ غَيْرِ السَّارِقِ إِلاَّ أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مَعْنَى السَّرِقَةِ، فَهُوَ مُبَالِغٌ فِي السَّرِقَةِ بِزِيَادَةِ حِذْقٍ مِنْهُ فِي فِعْلِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقَطْعُ، قَالَ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ: إِنَّ آيَةَ السَّرِقَةِ: ) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )  ظَاهِرَةٌ فِي كُلِّ سَارِقٍ لَمْ يُعْرَفْ بِاسْمٍ آخَرَ، خَفِيَّةٌ فِي حَقِّ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ، لاِخْتِصَاصِهِمَا بِاسْمٍ آخَرَ يُعْرَفَانِ بِهِ، وَتَغَايُرُ الأْسْمَاءِ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْمُسَمَّيَاتِ فَالأَْصْلُ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ لَهُ مُسَمًّى عَلَى حِدَةٍ، فَاشْتَبَهَ الأْمْرَانِ: اخْتِصَاصُهُمَا بِاسْمٍ آخَرَ لِنُقْصَانٍ فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ، أَوْ لِزِيَادَةٍ فِيهَا، فَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا الاِخْتِصَاصَ فِي الطَّرَّارِ لِلزِّيَادَةِ فَقُلْنَا: إِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ آيَةِ السَّرِقَةِ، وَفِي النَّبَّاشِ لِلنُّقْصَانِ فَقُلْنَا: إِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهَا .

أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيُعَلِّلُونَ الْقَطْعَ فِي الطَّرَّارِ بِأَنَّهُ سَارِقٌ مِنَ الْحِرْزِ، لأِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سُرِقَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ، لأِنَّ صَاحِبَهُ حِرْزٌ لَهُ وَلَوْ كَانَ فِي فَلاَةٍ  قَالَ النَّفْرَاوِيُّ: الْمُرَادُ بِصَاحِبِهِ الْحَافِظُ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا أَمْ غَيْرَهُ .

5 - وَقَدْ فَصَّلَ الْحَنَفِيَّةُ فِي حُكْمِ الطَّرَّارِ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الطَّرُّ بِالْقَطْعِ، وَالدَّرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ لَمْ يُقْطَعْ، لأِنَّ الْحِرْزَ هُوَ الْكُمُّ، وَالدَّرَاهِمُ بَعْدَ الْقَطْعِ تَقَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ، فَلَمْ يُوجَدِ الأْخْذُ مِنَ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّرَاهِمُ مَصْرُورَةً فِي دَاخِلِ الْكُمِّ يُقْطَعُ، لأِنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ قَطْعِ الصُّرَّةِ فِي دَاخِلِ الْكُمِّ فَكَانَ الطَّرُّ أَخْذًا مِنَ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ .

وَإِنْ كَانَ الطَّرُّ بِحَلِّ الرِّبَاطِ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ حَلَّ الرِّبَاطَ تَقَعُ الدَّرَاهِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْكُمِّ، بِأَنْ كَانَتِ الْعُقْدَةُ مَشْدُودَةً مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ لاَ يُقْطَعُ، لأِنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَإِنْ كَانَ إِذَا حَلَّ الرِّبَاطَ تَقَعُ الدَّرَاهِمُ فِي دَاخِلِ الْكُمِّ وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى إِدْخَالِ يَدِهِ فِي الْكُمِّ لِلأَخْذِ يُقْطَعُ، لِوُجُودِ الأَخْذِ مِنَ الْحِرْزِ .

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَقْطَعَهُ فِي الأْحْوَالِ كُلِّهَا، لأِنَّ الْمَالَ مُحْرَزٌ بِصَاحِبِهِ وَالْكُمُّ تَبَعٌ لَهُ .

وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ جَيْبِ الرَّجُلِ وَكُمِّهِ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي بَحْثِ (سَرِقَة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع والعشرون ، الصفحة / 188

الظَّنُّ فِي الْمَسْرُوقِ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ:

ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ ظَنَّ السَّارِقِ فِي تَعْيِينِ نَوْعِ مَا سَرَقَهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْقَطْعِ، فَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا، أَوْ سَرَقَ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ يَظُنُّهَا حِينَ أَخْرَجَهَا مِنَ الْحِرْزِ أَنَّهَا فُلُوسٌ لاَ تُسَاوِي قِيمَتُهَا النِّصَابَ قُطِعَ وَلاَ يُعْذَرُ بِظَنِّهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الشَّكُّ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ فِي كَوْنِهِ هَلْ يَبْلُغُ نِصَابًا أَوْ لاَ لاَ يُوجِبُ الْقَطْعَ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 300

سَرِقَةُ الْغَنَمِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ سَرَقَ الْغَنَمَ مِنَ الأْبْنِيَةِ الْمُغْلَقَةِ الأْبْوَابِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعِمَارَةِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي سَرِقَةِ الْغَنَمِ مِنَ الْمَرْعَى: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ فِي حَالِ رَعْيِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَوْ لاَ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وُجُوبَ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْغَنَمَ مِنَ الْمَرْعَى، إِذَا كَانَ الرَّاعِي عَلَى نَشَزٍ مِنَ الأْرْضِ يَرَاهَا جَمِيعًا وَيَبْلُغُهَا صَوْتُهُ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ بُلُوغَ الصَّوْتِ، وَيَكْتَفُونَ بِالنَّظَرِ، حَيْثُ قَالُوا: وَحِرْزُ الْغَنَمِ فِي الْمَرْعَى بِالرَّاعِي وَنَظَرُهُ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ الرَّاعِي يَرَاهَا فِي الْغَالِبِ؛ لأِنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْوَالِ حِرْزِ الْغَنَمِ وَسَائِرِ الْمَوَاشِي فِي الأْبْنِيَةِ وَغَيْرِ الأْبْنِيَةِ ر: (سَرِقَةٌ ف 37)

السَّرِقَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْغُلُولُ.

الأْخْذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ حَوْزِهَا سَرِقَةٌ وَالأْخْذُ مِنْهَا قَبْلَ حَوْزِهَا غُلُولٌ.

فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ عَلَى ثِقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا».

وَقَدْ عُدَّ الْغُلُولُ كَبِيرَةً، : لقوله تعالى «وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلَيْسَ مِنَ الْغُلُولِ أَخْذُ قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إِذَا كَانَ الأْمِيرُ جَائِرًا لاَ يَقْسِمُ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً، فَإِ

نَّهُ يَجُوزُ إِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (غُلُولٍ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة /  193

سَرِقَةُ الْكُتُبِ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَرَقَ كُتُبًا نَافِعَةً، كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا.

وَأَضَافَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ شَخْصٌ الْمُصْحَفَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يُقْطَعْ إِذَا كَانَ قَارِئًا؛ لأَِنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا، وَكَذَا إِنْ كَانَ غَيْرَ قَارِئٍ؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا تَعَلَّمَ مِنْهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَوْ يَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لاِسْتِمَاعِ الْحَاضِرِينَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْمُصْحَفَ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ كُتُبَ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ؛ لأِنَّ آخِذَهَا يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالتَّعَلُّمَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 28 - 31) .

قَطْعُ الرِّجْلِ مِنَ الْكَعْبِ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ:

ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَطْعِ رِجْلِ السَّارِقِ هُوَ مَفْصِلُ الْكَعْبِ، وَفَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه ذَلِكَ.

وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَيُتْرَكُ لَهُ الْعَقِبُ؛ لأِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ.

وَيُرَاعَى فِي كَيْفِيَّةِ قَطْعِ رِجْلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ مَا يُرَاعَى فِي قَطْعِ السَّارِقِ.

ر: (حِرَابَةٌ ف 20، وَسَرِقَةٌ ف 66).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والثلاثون ، الصفحة / 34

قَطْعُ كَفِّ السَّارِقِ

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تُقْطَعُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ السَّرِقَةِ مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ وَهُوَ الْكُوعُ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  «قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ مِنَ الْمَفْصِلِ»، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالاَ: «إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَمِينَهُ مِنَ الْكُوعِ»، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما: أَنَّهُمَا قَطَعَا الْيَدَ مِنَ الْمَفْصِلِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ مِنْ مَفْصِلِ الزَّنْدِ، فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنَ الآْيَةِ الشَّرِيفَةِ، كَأَنَّهُ نَصَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا مِنْ مَفْصِلِ الزَّنْدِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الأْمَّةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تُقْطَعُ مِنَ الْمِرْفَقِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقْطَعُ مِنْ مَنْبَتِ الأْصَابِعِ.

وَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنَ الْمَنْكِبِ، وَأَدِلَّةُ هَؤُلاَءِ جَمِيعًا ظَاهِرُ آيَةِ السَّرِقَةِ وَهِيَ قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)الآْيَةَ، قَالُوا: إِنَّ اسْمَ الْيَدِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْعُضْوِ إِلَى

الْمَنْكِبِ بِدَلِيلِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ رضي الله عنهما فَهِمَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قوله تعالى : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فَمَسَحَ بِالتُّرَابِ إِلَى الْمَنْكِبِ، وَلَمْ يَخْطَأْ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَةٌ ف65 و66).

سَرِقَةُ الْكَلْبِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْكَلْبِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ لِحِرَاسَةٍ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  نَهَى عَنْ بَيْعِهِ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا.

وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْ جِنْسِهِ مُبَاحُ الأَصْلِ وَبِاخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي مَالِيَّتِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.

وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ - وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ، لأِنَّ الْقَطْعَ جُعِلَ لِصِيَانَةِ الأْمْوَالِ، وَهَذِهِ الأْشْيَاءُ لَيْسَتْ بِمَالٍ.

وَهَذَا خِلاَفًا لأِشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِ بِالْقَطْعِ فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 65

سَرِقَةُ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ

- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَا أُعِدَّ لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ كَالْحُصْرِ وَالْبُسُطِ وَقَنَادِيلِ الإْضَاءَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُحْرَزَةً بِحَافِظٍ لأِنَّ حَقَّ السَّارِقِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهَا يُعْتَبَرُ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 38 - 40).

قَطْعُ الْمَحْرَمِ بِالسَّرِقَةِ :

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ إِذَا كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، أَصْلاً كَانَ أَوْ فَرْعًا أَوْ غَيْرَهُمَا كَالْعَمِّ وَالْخَالِ.

أَمَّا الْمَحْرَمُ غَيْرُ الرَّحِمِ كَالأْخِ مِنَ الرَّضَاعِ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى وُجُوبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى عَدَمِ الْقَطْعِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي إِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ بَيْنَ قَارِبِ وَغَيْرِهِمْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ أَصْلاً لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَالأْبِ وَالْجَدِّ.

فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ فَرْعًا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلاَ يُقْطَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُقْطَعُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 15).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 18

الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ سَارِقَ الْمُصْحَفِ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لأِنَّ آخُذَهُ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ، وَلأِنَّهُ لاَ مَالِيَّةَ لَهُ لاِعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَهُوَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُقْتَنَى الْمُصْحَفُ لأِجْلِهِ، لاَ لأِجْلِ أَوْرَاقِهِ أَوْ جِلْدِهِ.

وَيَسْرِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا عَلَى الْمُصْحَفِ مِنَ الْحِلْيَةِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ التَّابِعِ لَهُ، وَلِلتَّابِعِ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ، كَمَنْ سَرَقَ صَبِيًّا عَلَيْهِ ثِيَابٌ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ فَلاَ يُقْطَعُ بِهَا، لأِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلصَّبِيِّ وَلاَ قَطْعَ فِي سَرِقَتِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقَلَ عَنِ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ.

وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ كَلاَمِ الإْمَامِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ، لِعُمُومِ آيَةِ السَّرِقَةِ، وَلأِنَّهُ مُتَقَوِّمٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّارِيخِ وَغَيْرِهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الأربعون ، الصفحة / 18

نبّاش

التَّعْرِيفُ:

- النَّبَّاشُ فِي اللُّغَة مِنَ النَّبْشِ، وَهُوَ: اسْتِخْرَاجُ الشَّيْءِ الْمَدْفُونِ، وَنَبْشُ الْمَسْتُورِ وَعَنْهُ: أَبْرَزُهُ.

وَالنَّبَّاشُ هُوَ مَنْ يُفَتِّشُ الْقُبُورَ عَنِ الْمَوْتَى لِيَسْرِقَ أَكْفَانَهُمْ وَحُلِيَّهُمْ. وَالنِّبَاشَةُ حِرْفَةُ نَبْشِ الْقُبُورِ. وَالنَّبَّاشُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّفْنِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

السَّارِقُ:

- السَّارِقُ فِي اللُّغَةِ مَنْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ خُفْيَةً مِنَ السَّرِقَةِ، وَهِيَ أَخْذُ الشَّخْصِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ فِي خَفَاءٍ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَنْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ خُفْيَةً ظُلْمًا.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّبَّاشِ وَالسَّارِقِ: أَنَّ النَّبَّاشَ أَخَصُّ مِنَ السَّارِقِ.

الطَّرَّارُ:

- الطَّرَّارُ فِي اللُّغَةِ، الَّذِي يَقْطَعُ أَوْعِيَةَ النَّفَقَاتِ وَيَأْخُذُهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الَّذِي يَطُرُّ الْهِمْيَانَ، أَوِ الْجَيْبَ أَوِ الصُّرَّةَ، وَيَقْطَعُهَا وَيَسُلُّ مَا فِيهِ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ.

وَعَرَّفَهُ الْخَادِمِيُّ بِأَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الْيَقْظَانِ فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الطَّرَّارِ وَبَيْنَ النَّبَّاشِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ خُفْيَةً بِغَيْرِ حَقٍّ، غَيْرَ أَنَّ الطَّرَّارَ يَأْخُذُ الأْمْوَالَ، وَالنَّبَّاشَ يَأْخُذُ الأْكْفَانَ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّبَّاشِ:

تَتَعَلَّقُ بِالنَّبَّاشِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

اعْتِبَارُ النَّبَّاشِ سَارِقًا:

- لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ النَّبَّاشَ مُرْتَكِبٌ مُحَرَّمًا، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ النَّبَّاشِ سَارِقًا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ السَّارِقِينَ مِنَ الْقَطْعِ وَغَيْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ.

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَنَّ النَّبَّاشَ يُعْتَبَرُ سَارِقًا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ السَّارِقِينَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ إِذَا سَرَقَ مِنْ أَكْفَانِ الْمَوْتَى مَا يَبْلُغُ نِصَابَ السَّرِقَةِ؛ لأِنَّ الْكَفَنَ مَالٌ مُتَقَوَّمٌ سُرِقَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ وَهُوَ الْقَبْرُ، فَكَمَا أَنَّ الْبَيْتَ الْمُغْلَقَ فِي الْعُمْرَانِ يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِمَا فِيهِ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّ الْقَبْرَ يُعْتَبَرُ عَادَةً حِرْزًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا  قوله تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) حَيْثُ إِنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَشْمَلُ النَّبَّاشَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها  إِنَّهَا قَالَتْ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا. وَعَنْ يَحْيَى النَّسَائِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي النَّبَّاشِ فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّهُ سَارِقٌ.

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ وَمَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» قَالُوا: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالاً كَامِلَ الْمِقْدَارِ مِنْ حِرْزٍ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ فَتُقْطَعُ يَدُهُ كَمَا لَوْ سَرَقَ لِبَاسَ الْحَيِّ، لأَنَّ الآْدَمِيَّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيْتًا؛ وَلأِنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنَ النَّبَّاشِ وَهَذَا الثَّوْبُ - الْكَفَنُ - كَانَ مَالاً قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَهُ الْمَيِّتُ فَلاَ تَخْتَلُّ صِفَةُ الْمَالِيَّةِ فِيهِ بِلُبْسِ الْمَيِّتِ، فَأَمَّا الْحِرْزُ فَلأِنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا مُنْذُ وُلِدُوا إِحْرَازَ الأْكْفَانِ بِالْقُبُورِ وَلاَ يُحْرِزُونَهَا بِأَحْصَنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَكَانَ حِرْزًا مُتَعَيِّنًا لَهُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ يَبْقَى فِي إِحْرَازِهِ شُبْهَةٌ، لَمَّا كَانَ لاَ يُحْرَزُ بِأَحْصَنَ مِنْهُ عَادَةً. وَلأِنَّهُ رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْمُخْتَفِي» قَالَ الأْصْمَعِيُّ: وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ النَّبَّاشَ: الْمُخْتَفِي؛ إِمَّا لاِخْتِفَائِهِ بِأَخْذِ الْكَفَنِ، وَإِمَّا لإِظْهَارِهِ الْمَيِّتَ فِي أَخْذِ كَفَنِهِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمُظْهِرُ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الأْضْدَادِ.

وَمِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: قَطَعَ نَبَّاشًا بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَجِيجِ، وَلاَ يَخْفَى مَا جَرَى فِيهِ عَلَى عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَمَا أَنْكَرَهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ؛ وَلأِنَّ جَسَدَ الْمَيِّتِ عَوْرَةٌ يَجِبُ سَتْرُهَا فَجَازَ أَنْ يَجِبَ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ مَا سَتَرَهَا؛ وَلأِنَّ قَطْعَ السَّرِقَةِ مَوْضُوعٌ لِحِفْظِ مَا وَجَبَ اسْتِبْقَاؤُهُ عَلَى أَرْبَابِهِ حَتَّى يَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْ أَخْذِهِ، فَكَانَ كَفَنُ الْمَيِّتِ أَحَقَّ بِالْقَطْعِ لأِمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ عِنْدَ أَخْذِهِ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ وَالشُّرُوطِ.

- فَذَهَبُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا بِالْقَطْعِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْكَفَنُ فِي مَقَابِرِ الْبَلَدِ الأْنِيسَةِ، بَلْ تُقْطَعُ يَدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَبْرُ قَرِيبًا مِنَ الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ. فَالْقَبْرُ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ حَيْثُ كَانَ إِذَا كَانَ مَطْمُومًا الطَّمَّ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ؛ وَلأِنَّ النُّفُوسَ تَهَابُ الْمَوْتَى عَادَةً.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ فَقَالُوا: يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ الْكَفَنُ إِمَّا فِي بَيْتٍ مُحَرَّزٍ، أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ مِنْ مَقَابِرِ الْبَلَدِ الأْنِيسَةِ، أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ كَائِنَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ بِحَيْثُ يَنْدُرُ تَخَلُّفُ الطَّارِقِينَ عَنْهَا فِي زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ النَّبْشُ، أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ عَلَيْهَا حُرَّاسٌ مُرَتَّبُونَ فَهِيَ بِمَثَابَةِ الْبَيْتِ الْمُحَرَّزِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ مُنْقَطِعَةً عَنِ الأْمْصَارِ، أَوْ فِي مَفَازَةٍ ضَائِعَةٍ وَلاَ حُرَّاسَ عَلَيْهَا، فَلاَ يَجِبُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ قَطْعُ النَّبَّاشِ؛ لأِنَّ الْقَبْرَ عِنْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِحِرْزٍ؛ وَلأِنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفَنَ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ.

- وَذَهَبَ كُلٌّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مَشْرُوعًا، أَمَّا غَيْرُ الْمَشْرُوعِ كَأَنْ كُفِّنَ رَجُلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ لَفَائِفَ أَوْ كُفِّنَتِ امْرَأَةٌ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ ثِيَابٍ فَسُرِقَ الزَّائِدُ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ قَطْعَ فِيهِ؛ لأِنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ بِاعْتِبَارِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، كَمَا لَوْ وُضِعَ مَعَ الْكَفَنِ غَيْرُهُ أَوْ تُرِكَ مَعَ الْمَيِّتِ طِيبٌ مَجْمُوعٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ جَوْهَرٌ فَلاَ قَطْعَ فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَتَرْكُهُ فِي الْقَبْرِ مَعَ الْمَيِّتِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ وَسَفَهٌ فَلاَ يَكُونُ مُحَرَّزًا بِالْقَبْرِ.

وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ تُرِكَ الْمَيِّتُ فِي تَابُوتٍ فَسُرِقَ التَّابُوتُ فَلاَ يُقْطَعُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ حَيْثُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الدَّفْنِ فِيهِ، فَلَمْ يَصِرِ الْقَبْرُ حِرْزًا لَهُ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ تَغَالَى فِي الْكَفَنِ بِحَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَلاَّ يُخَلَّى مِثْلُهُ بِلاَ حَارِسٍ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا، فَمَنْ سَرَقَ مِنْ كَفَنِ شَخْصٍ كُفِّنَ بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ مَا زَادَ عَلَى الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ يُقْطَعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْجَلاَّبِ وَالتَّلْقِينِ.

- وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ قَطْعَ النَّبَّاشِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِهِ: أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ عَمِيقًا عَلَى مَعْهُودِ الْقُبُورِ وَمَطْمُومًا الطَّمَّ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَبْرُ عَمِيقًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَطْمُومًا الطَّمَّ الْمُعْتَادَ فَلاَ قَطْعَ فِيهِ.

كَمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ فِي الْقَطْعِ مِنْ أَجْلِ الْكَفَنِ أَنْ يُخْرِجَ الْكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ بَعْدَ تَجْرِيدِهِ مِنَ الْمَيِّتِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنَ اللَّحْدِ إِلَى فَضَاءِ الْقَبْرِ وَتَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ، لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ قَطْعَ؛ لأِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ حِرْزِهِ.

أَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ مَعَ الْمَيِّتِ وَلَمْ يُجَرِّدْهُ عَنْهُ فَفِي قَطْعِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لاَ قَطْعَ فِيهِ، لاِسْتِبْقَائِهِ عَلَى الْمَيِّتِ.

وَالثَّانِي: يُقْطَعُ؛ لإِخْرَاجِ الْكَفَنِ مِنْ حِرْزِهِ.

وَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا فِي الْقَطْعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفَنَ وَالْمَيِّتُ فِيهِ، فَإِنْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ وَبَقِيَ الْكَفَنُ فَسَرَقَهُ سَارِقٌ فَلاَ قَطْعَ إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: لَوْ فَنِيَ الْمَيِّتُ وَبَقِيَ الْكَفَنُ قُطِعَ؛ لأَنَّ الْقَبْرَ مَا زَالَ حِرْزًا لِلْكَفَنِ.

وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَطْعِ: أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ قَبْرٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ النَّبَّاشَ سَارِقًا فِي اعْتِبَارِ الْبَحْرِ حِرْزًا لِلْكَفَنِ حَتَّى يَجِبَ قَطْعُ سَارِقِهِ، وَذَلِكَ إِذَا أُلْقِيَ الْمَيِّتُ مَعَ كَفَنِهِ فِيهِ.

فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْقَبْرُ وَالْبَحْرُ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَأَمَّا الْبَحْرُ فَظَاهِرٌ كَوْنُهُ حِرْزًا لِلْكَفَنِ مَا دَامَ الْمَيِّتُ فِيهِ، أَمَّا الْغَرِيقُ فِي الْبَحْرِ أَوْ نَحْوِهِ فَلاَ قَطْعَ عَلَى سَارِقِ مَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْبَحْرُ لَيْسَ حِرْزًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ الْمَطْرُوحِ فِيهِ فَلاَ يُقْطَعُ آخِذُهُ؛ لأِنَّهُ ظَاهِرٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَأُخِذَ كَفَنُهُ، فَإِنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فَلاَ قَطْعَ عَلَى آخِذِهِ أَيْضًا؛ لأِنَّ طَرْحَهُ فِي الْمَاءِ لاَ يُعَدُّ إِحْرَازًا، كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ وَغَيَّبَهُ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ.

- الْقَوْلُ الثَّانِي: لأِبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ وَلأِنَّ نَبَّاشًا رُفِعَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَعَزَّرَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ وَفِي الْمَدِينَةِ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءُ التَّابِعِينَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ وَلأِنَّ أَطْرَافَ الْمَيِّتِ أَغْلَظُ حُرْمَةً مِنْ كَفَنِهِ، فَلَمَّا سَقَطَ ضَمَانُ أَطْرَافِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ الْقَطْعُ فِي أَكْفَانِهِ؛ وَلأِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُحَرَّزٍ مَمْلُوكٍ، وَهَذِهِ الأْوْصَافُ مُخْتَلَّةٌ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: لاَ قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ؛ لأِنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ؛ لأِنَّهُ لاَ مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً، وَلاَ لِلْوَارِثِ؛ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الاِنْزِجَارُ؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ نَفْسَهَا نَادِرَةُ الْوُجُودِ. وَيَشْمَلُ هَذَا الْحُكْمُ مَا إِذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَا إِذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ، وَمَا إِذَا سَرَقَ مِنَ الْقَبْرِ ثَوْبًا غَيْرَ الْكَفَنِ؛ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَلَوْ سَرَقَ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ الْمَيِّتِ مَالاً آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لاَ يُقْطَعُ؛ لِتَأَوُّلِهِ بِالدُّخُولِ إِلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ الْمَيِّتُ؛ لِتَأَوُّلِهِ بِالدُّخُولِ لِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنَ الْكُلِّ؛ لِوُجُودِ الإْذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ عَادَةً.

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لاَ قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ لِتَحَقُّقِ قُصُورٍ فِي نَفْسِ مَالِيَّةِ الْكَفَنِ؛ وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَالَ مَا تَجْرِي فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالضِّنَةُ، وَالْكَفَنُ يَنْفِرُ عَنْهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَفَنٌ بِهِ مَيِّتٌ إِلاَّ نَادِرًا مِنَ النَّاسِ؛ وَلأِنَّهُ شُرِعَ الْحَدُّ لِلاِنْزِجَارِ وَالْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَأَمَّا مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَلاَ يُشْرَعُ فِيهِ؛ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ؛ لأِنَّ الاِنْزِجَارَ حَاصِلٌ طَبْعًا كَمَا قُلْنَا فِي عَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ.

خَصْمُ النَّبَّاشِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْخَصْمِ فِي سَرِقَةِ الْكَفَنِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَصْمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمَالِكُ الأْوَّلُ لِلْكَفَنِ.

فَإِذَا كَانَ الْكَفَنُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَوْ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَالْوَرَثَةُ هُمُ الْخَصْمُ فِي سَرِقَتِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ سَرَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوْ وَلَدُ بَعْضِهِمْ لَمْ يُقْطَعْ فَلَوْ نُبِشَ قَبْرُ الْمَيِّتِ وَأُخِذَ مِنْهُ الْكَفَنُ وَهُوَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ طَالَبَ بِهِ الْوَرَثَةُ مَنْ أَخَذَهُ؛ لأِنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَلَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ وَبَقِيَ الْكَفَنُ اقْتَسَمُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْكَفَنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ سَيِّدٍ مِنْ مَالِهِ فَالْخَصْمُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمُطَالَبَةِ هُوَ مَالِكُ الْكَفَنِ الأْوَّلُ الأْجْنَبِيُّ أَوِ السَّيِّدُ؛ لأِنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إِلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْلَكُ ابْتِدَاءً فَكَانَ الْمُكَفِّنُ مُعِيرًا عَارِيَةً لاَ رُجُوعَ فِيهَا كَإِعَارَةِ الأْرْضِ لِلدَّفْنِ.

وَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالإْمَامُ هُوَ الْخَصْمُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْخَصْمُ فِي سَرِقَةِ الْكَفَنِ الْوَرَثَةُ؛ لأِنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَرَثَةٌ فَالْخَصْمُ نَائِبُ الإْمَامِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. وَلَوْ كَانَ الْكَفَنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْخَصْمُ فِي سَرِقَتِهِ الْوَرَثَةُ أَيْضًا، لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ.

وَأَمَّا لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ مَثَلاً وَبَقِيَ الْكَفَنُ فَهُوَ لِمَنْ تَبَرَّعَ بِهِ دُونَ الْوَرَثَةِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: كَمَا قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الإْقْنَاعِ؛ لأِنَّ تَمْلِيكَ الْمَيِّتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَهُوَ إِبَاحَةٌ بِقَدَرِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا زَالَتْ تَعَيَّنَ لِرَبِّهِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والأربعون  ، الصفحة / 378

نَهْبٌ

التَّعْرِيفُ:

النَّهْبُ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ نَهَبْتُهُ- مِنْ بَابِ نَفْعٍ- وَانْتَهَبْتُهُ انْتِهَابًا فَهُوَ مَنْهُوبٌ، وَالنُّهْبَةُ مِثَالُ غُرْفَةٍ، وَالنُّهْبَى- بِزِيَادَةِ أَلِفِ التَّأْنِيثِ- اسْمٌ لِلْمَنْهُوبِ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَى ثَانٍ، فَيُقَالُ: أَنْهَبْتُ زَيْدًا الْمَالَ، وَيُقَالُ أَيْضًا: أَنْهَبْتُ الْمَالَ إِنْهَابًا: إِذَا جَعَلْتَهُ نَهْبًا يُغَارُ عَلَيْهَا، وَهَذَا زَمَانُ النَّهْبِ أَيِ الاِنْتِهَابِ، وَهُوَ الْغَلَبَةُ عَلَى الْمَالِ وَالْقَهْرُ.

وَالاِنْتِهَابُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَنْ شَاءَ، وَالإْنْهَابُ: إِبَاحَتُهُ لِمَنْ شَاءَ. وَالنَّهْبُ: الْغَارَةُ وَالسَّلْبُ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ نُثِرَ شَيْءٌ مِنْ أَمْلاَكٍ فَلَمْ يَأْخُذُوهُ، فَقَالَ مَا لَكَمَ لاَ تَنْتَهِبُونَ».

وَاسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ النَّهْبَ بِمَعْنَيَيْنِ:

الأْوَّلُ: النَّهْبُ بِمَعْنَى الأْخْذِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَلاَنِيَةِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الاِنْتِهَابُ: أَنْ يَأْخُذَ الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِ الْعَلاَنِيَةِ قَهْرًا مِنْ ظَاهِرِ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ.

وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ الْمُنْتَهِبَ بِأَنَّهُ الَّذِي يَأْخُذُ الشَّيْءَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ.

وَعَرَّفَ الْحَنَابِلَةُ الْمُنْتَهِبَ بِأَنَّهُ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ فَيَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْغَنِيمَةِ.

وَالثَّانِي: النَّهْبُ: الأْخْذُ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي أَبَاحَهُ صَاحِبُهُ كَالأْشْيَاءِ الَّتِي تُنْثَرُ فِي الْوَلاَئِمِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الاِخْتِلاَسُ:

التَّعْرِيفُ: الاِخْتِلاَسُ مَأْخُوذٌ مِنْ: خَلَسْتُ الشَّيْءَ خِلْسَةً: اخْتَطَفْتُهُ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ، وَاخْتَلَسَهُ كَذَلِكَ.

وَالْخَلْسُ: الأْخْذُ فِي نُهْزَةٍ وَمُخَاتَلَةٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: خَلَسْتُ الشَّيْءَ وَاخْتَلَسْتُهُ وَتَخَلَّسْتُهُ إِذَا اسْتَلَبْتَهُ.

وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ جَهْرًا هَارِبًا بِهِ سَوَاءٌ جَاءَ الْمُخْتَلِسُ جِهَارًا أَوْ سِرًّا .

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّهْبِ وَالاِخْتِلاَسِ- كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ - هُوَ سُرْعَةُ الأْخْذِ فِي جَانِبِ الاِخْتِلاَسِ بِخِلاَفِ النَّهْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَكِلاَهُمَا أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

ب- الْغَصْبُ:

الْغَصْبُ لُغَةً: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا وَقَهْرًا وَالاِغْتِصَابُ مِثْلُهُ، يُقَالُ: غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَصَبَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَفِي اصْطِلاَحِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلاَ حِرَابَةٍ.

وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالنَّهْبِ: أَنَّ كِلَيْهِمَا أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، إِلاَّ أَنَّ الْغَصْبَ أَعَمُّ مِنَ النَّهْبِ، لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ بِخِلاَفِ النَّهْبِ.

ج- السَّرِقَةُ:

السَّرِقَةُ لُغَةً: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنَ الْغَيْرِ خُفْيَةً يُقَالُ: سَرَقَ مِنْهُ مَالاً وَسَرَقَهُ مَالاً: أَخَذَ مَالَهُ خُفْيَةً فَهُوَ سَارِقٌ.

وَاصْطِلاَحًا: أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ نِصَابًا مُحْرَزًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ- مِلْكًا لِلْغَيْرِ- لاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ: أَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ، أَمَّا النَّهْبُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلاَنِيَةً بِحُضُورِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

د- الْحِرَابَةُ:

الْحِرَابَةُ لُغَةً مِنَ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ نَقِيضُ السِّلْمِ، يُقَالُ: حَارَبَهُ مُحَارِبَةً وَحِرَابًا، أَوْ مِنَ الْحَرَبِ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَهُوَ السَّلْبُ. يُقَالُ حَرَبَ فُلاَنًا مَالَهُ أَيْ سَلَبَهُ، فَهُوَ مَحْرُوبٌ وَحَرِيبٌ.

وَالْحِرَابَةُ اصْطِلاَحًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- وَتُسَمَّى قَطْعَ الطَّرِيقِ- الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ لإِرْعَابٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّهْبِ وَالْحِرَابَةِ بِالنِّسْبَةِ لأَِخْذِ الْمَالِ: أَنَّ كِلَيْهِمَا أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، إِلاَّ أَنَّ الْحِرَابَةَ تَعْتَمِدُ عَلَى عَدَمِ الْغَوْثِ خِلاَفًا لِلنَّهْبِ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّهْبِ مِنْ أَحْكَامٍ:

الْمَعْنَى الأْوَّلُ: النَّهْبُ بِمَعْنَى أَخْذِ الشَّيْءِ قَهْرًا عَلَى وَجْهِ الْعَلاَنِيَةِ.

يَتَعَلَّقُ بِالنَّهْبِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أ- حُكْمُ النَّهْبِ:

أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ مَالِكِهِ وَرِضَاهُ حَرَامٌ، فَلاَ يَجُوزُ غَصْبُهُ وَلاَ نَهْبُهُ وَلاَ سَرِقَتُهُ وَلاَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، لأِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ( وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وَقَالَ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ).

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا».

وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الأْنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم - عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ».

وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا».

وَلِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِين يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَنَّهُ يُفَسَّقُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ.

وَقَدِ اعْتَبَرَ ابْنُ حَجْرٍ الْهَيْتَمِيُّ الاِسْتِيلاَءَ عَلَى أَمْوَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا مِنَ الْكَبَائِرِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم  -: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأْرْضِ شِبْرًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ».

وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ» وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ.

ب- عُقُوبَةُ النَّهْبِ:

النَّهْبُ جَرِيمَةٌ وَمَعْصِيَةٌ لاَ حَدَّ فِيهَا، قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم  -: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» وَلاَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا سَرِقَةٌ أَوْ حِرَابَةٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَهُوَ الْعُقُوبَةُ الَّتِي تَجِبُ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ.

ج- مُقَاوَمَةُ الْمُنْتَهِبِ:

مُقَاوَمَةُ الْمُنْتَهِبِ مَشْرُوعَةٌ، وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَذَلِكَ لأِنَّ حِفْظَ الْمَالِ مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، فَمَنْ تَعْرَّضَ لِغَيْرِهِ لاِنْتِهَابِ مَالِهِ فَحَاوَلَ صَاحِبُ الْمَالِ مَنْعَهُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قِتَالُهُ، فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الْمَالِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَإِنْ قُتِلَ الْمُنْتَهِبُ فَهُوَ هَدَرٌ فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: فَقَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى الْمَالِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صِيَال ف 12).