1- لما كان ما أورده الحكم تتوافر به جناية السرقة المنصوص عليها فى المادة 313 من قانون العقوبات بكافة أركانها كما هي معرفة فى القانون ، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة نصب ، وليست جناية سرقة لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة ، وجدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها ، مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، فإن منعى الطاعنين فى هذا الشأن يكون غير سديد .
(الطعن رقم 15685 لسنة 72 جلسة 2009/01/01 س 60 ص 24 ق 1)
2- المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة فى حين أن محاكم أمن الدولة ليست إلا محاكم استثنائية. ولما كان القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ وإن أجاز فى المادة التاسعة منه إحالة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام إلى محاكم أمن الدولة إلا أنه ليس فيه أو فى تشريع آخر أي نص على إنفرادها فى هذه الحالة بالاختصاص بالفصل فيها، وكانت الجريمة التي أسندت إلى المتهمين وهي السرقة ليلاً من شخصين فأكثر من مسكن بواسطة التسور حالة كون أحد المتهمين يحمل سلاحاً ظاهراً وقد وقعت هذه الجناية بطريق التهديد باستعمال السلاح - معاقباً عليها بالمادة 313 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمتهم إلى المحاكم العادية، فإن الاختصاص بمحاكمتهم ينعقد للقضاء الجنائي العادي، ويكون النعي بصدور الحكم من محكمة غير مختصة ولائياً على غير أساس .
(الطعن رقم 762 لسنة 48 جلسة 1978/11/30 س 29 ع 1 ص 839 ق 173)
3- لا جدوى مما يثيره المتهمون فى جناية السرقة بالإكراه فى خصوص توافر ظرف الإكراه فى حق أحدهم ما دامت شروطالمادة 313 من قانون العقوبات التى عوقبوا على مقتضاها قد توافرت بإرتكاب جناية السرقة بطريق التهديد بإستعمال سلاح دون حاجة إلى إثبات وقوع الإكراه كما هو مفاد الشرط الخامس من المادة المذكورة .
(الطعن رقم 775 لسنة 25 جلسة 1955/12/12 س 6 ع 2 ص 1445 ق 427)
4- إن توافر ظرف الليل فى جريمة السرقة مسألة موضوعية .
(الطعن رقم 1317 لسنة 19 جلسة 1950/01/30 س 1 ص 277 ق 90)
5- العلة الداعية إلى تشديد العقوبة فى جريمة السرقة إذا اقترنت بحمل سلاح إن حمل الجاني للسلاح يشد أزره و يلقى الرعب فى قلب المجنى عليه من يخف لنجدته و يهيئ السبيل للجانى لإستعماله وقت الحاجة . هذه العلة تتوافر بلا شك إذا كان السلاح المحمول سلاحاً بطبيعته أى معد أصلا للإعتداء على النفس كالمسدسات و البنادق فحمله يعتبر فى جميع الأحوال ظرفاً مشددا حتى و لو لم يكن لمناسبة السرقة ، أما الأدوات التى تعتبر عرضاً من الأسلحة لكونها تحدث الفتك و إن لم تكن معدة له بحسب الأصل و مثلها كالمطواة فلا يتحقق الظرف المشدد بحملها إلا إذا إستظهرت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أن حملها كان لمناسبة السرقة و إذا كان الحكم المطعون فيه قد نسب الطاعن الأول أنه كان أثناء ارتكابه السرقة مع آخرين حاملا سلاحاً مخبأ " مدية " دون أن يدلل على أن حمله لهذه المدية كان لمناسبة السرقة فإنه يكون معيباً بقصور يبطله بما يوجب نقضه و الإحالة .
(الطعن رقم 710 لسنة 53 جلسة 1983/05/17 س 34 ص 642 ق 129)
6- حمل السلاح فى السرقة ظرف مادى متصل بالفعل الإجرامى يسرى حكمه على كل من قارف الجريمة فاعلاً أم شريكاً و لو لم يعلم به .
(الطعن رقم 717 لسنة 35 جلسة 1965/06/07 س 16 ع 2 ص 556 ق 111)
7- العلة التى من أجلها غلظ الشارع العقاب على السرقة إذا كان مرتكبها يحمل سلاحاً بطبيعته إنما هى مجرد حمل مثل هذا السلاح - و لو كان الجاني لم يقصد من حمله الإستعانة به و إستخدامه فى الجريمة و ذلك لما يلقيه بمجرد حمله من رعب فى نفس المجنى عليه - و هذه العلة تتوافر و لو كان السلاح فاسداً أو غير صالح للإستعمال .
(الطعن رقم 1486 لسنة 29 جلسة 1960/02/08 س 11 ع 1 ص 153 ق 31)
8- الكسر المعتبر ظرفاً مشدداً للسرقة يتحقق باستخدام الجاني أية وسيلة من وسائل العنف لفتح مدخل معد للإغلاق، فإذا كان الحكم قد أثبت أن السارقين قد استعملوا العنف فى فتح باب مخزن ليلاً باستخدامهم مسطرة فى نزع "الجمع" دون مساس بالختم وإعادته عقب السرقة فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 604 لسنة 23 جلسة 1953/05/18 س 4 ع 3 ص 809 ق 295)
9- التسور كما عرفه القانون يتحقق بدخول الأماكن المسورة من غير أبوابها مهما كانت طريقته.
(الطعن رقم 1293 لسنة 28 جلسة 1958/12/15 س 9 ع 3 ص 1068 ق 258)
10- إن المقصود بظرف الليل هو ما تعارف الناس عليه من أنه الفترة بين غروب الشمس وشروقها، وإذا كان الحكم قد أثبت أن الواقعة حدثت ليلة السادس من أغسطس سنه 1988 وبعد أن أسدل الليل استاره، وكان الطاعن يسلم فى مذكرة أسباب طعنه أن الواقعة حدثت فى الساعة العاشرة مساء فإن الواقعة تكون قد حدثت بعد غروب الشمس وقبل شروقها ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد غير قويم .
(الطعن رقم 12051 لسنة 62 جلسة 1994/03/16 س 45 ص 391 ق 57)
11- الإكراه يشمل كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة ، ويعتبر الإكراه ظرفاً مشدداً للسرقة إذا حصل بقصد الاستعانة به على السرقة أو النجاة بالشئ المسروق عقب وقوع الجريمة ، أما إذا حصل بقصد فرار السارق والنجاة بنفسه بعد ترك الشئ المسروق فلا يعتبر ظرفاً مشدداً بل هو إنما يكون جريمة قائمة بذاتها يعاقب عليها حسبما يقضى به القانون . لما كان ذلك ، وكان الثابت من المفردات – التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن – أن المجنى عليه الأول .... شاهد المطعون ضده الأول ..... داخل مسكنه بطريق التسور وما أن شاهده الأخير حتى لاذ بالفرار فتتبعه المجنى عليه سالف الذكر وشقيقه المجنى عليه الثانى .....وتمكنا من اللحاق به وتبين أن معه المطعون ضده الثانى ........ فما كان من المطعون ضدهما إلا أن تعديا بالضرب على المجنى عليهما سالفى الذكر فأحدثا بهما الإصابات المبينة بالتقريرين الطبيين المرفقين بالأوراق وكان ذلك بقصد الهروب للنجاة بنفسيهما من المجنى عليهما دون مسروقات ، ولم يرد بالتحقيقات |أو بأقوال المجنى عليهما بما يقطع بحصول ثمة شروع فى سرقة بإكراه . لما كان ذلك ، فإن جناية الشروع فى سرقة بإكراه فى مفهوم المادتين 313 ، 314 من قانون العقوبات تكون غير متوافرة فى هذه الواقعة ، وتعدو مجرد جنحة بالمادتين 242 ، 369 /1 ، 3 عقوبات وينعقد الاختصاص بالحكم فيها لمحكمة الجنح المختصة ، كما يحق لمحكمة الجنايات وقد أحيلت إليها أن تحكم بعدم الاختصاص بنظرها وإحالتها إلى المحكمة الجزئية ، مادامت قد رأت وبحق أن الواقعة كما هى مبينة فى أمر الإحالة وقبل تحقيقها بالجلسة تعد جنحة ، وذلك إعمالاً لنص المادة 382 /1 من قانون الإجراءات الجنائية . لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون فى شيء ، مما ينحسر عنه دعوى الخطأ فى تطبيقه ، ولما كان قضاء الحكم المطعون فيه غير منه للخصومة فى موضوع الدعوى ولا ينبنى عليه منع السير فيها ، فإن الطعن فيه بطريق النقض يكون غير جائز . لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن المقدم من النيابة العامة فى الحكم المطعون فيه عملاً بنص المادة 31 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1962 .
(الطعن رقم 9332 لسنة 81 جلسة 2012/07/07)
12 ـ لما كانت العلة الداعية إلى تشديد العقوبة فى جريمة السرقة إذا اقترنت بحمل السلاح أن حمل الجاني للسلاح يشد أزره ويلقي الرعب فى قلب المجني عليه أو من يخف لنجدته ويهيئ السبيل للجاني لاستعماله وقت الحاجة، وهذه العلة تتوافر بلا شك إذا كان السلاح المحمول سلاحاً بطبيعته أي معد أصلاً للاعتداء على النفس - وهو الحال فى الدعوى الماثلة - فحمله يعتبر فى جميع الأحوال ظرفاً مشدداً حتى ولو لم يكن لمناسبة السرقة. وإذ كان الحكم المطعون فيه فيما أورده على السياق المتقدم ذكره قد استظهر واقعة حمل المحكوم عليه الأول ........... للمطواة قرن الغزال حال ارتكابه جريمة السرقة التي قارفها معه الطاعن، وقد تم ضبطها بحوزة المحكوم عليه الأول فإنه يكون قد بين الواقعة بما تتوافر به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها ودلل على ثبوتها فى حقه بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ولا عليه إن لم يعرض للسببية بين السرقة وحمل السلاح، مادام السلاح المحمول هو سلاح بطبيعته، ومن ثم يضحى منعى الطاعن عليه فى هذا الخصوص غير سديد.
(الطعن رقم 28440 لسنة 59 جلسة 1990/05/17 س 41 ع 1 ص 738 ق 129)
ويلاحظ من استقراء هذه الشروط الخمسة التي أوردها النص، أن كل شرط منها ينطوي في ذاته على ظرف مشدد، عدا الشرط الرابع فهو ينطوي على ظرفين مشددين، الأول هو المكان المسكون أو المعد للسكنى والثاني هو التسور أو الكسر من الخارج أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو التزيي بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر حكومي مزور، ولذا حق القول بأن هذه الجناية تتكون من ستة ظروف مشددة.
وعلة التشديد في هذه الجناية هي خطورتها الفادحة على الأمن العام وتهديدها للآمنين في مساكنهم، فضلاً عما تنطوي عليه من الدلالة على جسامة الخطورة الإجرامية للجناة والتي تبدو في جرأتهم واستهتارهم.
الركن المادي
يقوم الركن المادي لجناية السطو على المساكن بتوافر شرطين:
1- السرقة، بمعناها الذي حددناه سلفا.
2- حصول هذه السرقة من مكان مسكون أو معد للسكنى بعد اقتحامه ليلاً من أكثر من شخص مع حمل السلاح واستعمال الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح.
ويمكن تحليل الشرط الأخير إلى العناصر الآتية:
- الاقتحام. - المكان المسكون أو المعد للسكن.
- الليل. - تعدد الجناة. - حمل السلاح.
- استعمال الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح.
وبالنسبة للعنصر الأول، وهو الاقتحام، فينقسم إلى نوعين، أولهما اقتحام حقيقي والآخر حكمي.
أما الاقتحام الحقيقي للمكان، فيكون بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة. ونلاحظ أن القانون لا يشترط في الكسر أو استعمال المفاتيح المصطنعة أن يكون من أجل دخول باب المنزل الخارجي أسوة بالظرف المشدد في جنحة السرقة، وذلك لأن المادة 317/ 2 عقوبات قد علقت هذا الظرف المشدد على دخول مكان مسور، مما أدى إلى القول بأن الكسر أو استعمال المفاتيح المصطنعة يجب أن يفسر على ضوء معنى التسور، وهو ما يفترض دخول المكان من الخارج. أما المادة 313 عقوبات فلم تشترط أن يكون المكان مسوراً، بل أشارت إلى دخول الحجرات، مما يفيد صراحة أن الكسر أو استعمال المفاتيح المصطنعة قد يكون لدخول الحجرات الداخلية. وأكثر من ذلك، فإن هذه المادة لم تشترط في الكسر أن يكون من الخارج، بخلاف المادة 317/ 2 التي اشترطت ذلك.
وبناء على ما تقدم، فإذا دخل الجناة المكان من بابه الخارجي ثم اقتحموا باب إحدى الحجرات عن طريق التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة توافر الظرف المشدد. ولا يتوافر هذا الظرف إذا استعملت هذه الوسيلة لفتح الأحراز المغلقة، كالخزائن والصناديق التي تحتوي على المسروقات.
أما الاقتحام الحكمي، فيكون بدخول المكان بطريق الغش، وذلك إما بالتزيي بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر مزوراً مدعياً صدوره من طرف الحكومة.
ظرفاً مشدداً في الجريمة المذكورة . ولا تثير الظروف الأخرى للجريمة صعوبة جديدة، وقد سبق شرحها عند بيان الظروف المشددة للسرقة فيما تقدم. ويهمنا فقط أن نقف عند العنصر الثالث وهو ظرف الليل، فنقول إنه لابد أن يقع فعل الاختلاس ليلاً بالإضافة إلى غيره من الظروف المشددة، فمثلاً إذا تمكن الجناة من كسر الباب الخارجي فارا ثم اختلسوا المسروقات ليلاً فلا تتوافر هذه الجناية، بل لابد أن يقع عنصر الاقتحام ليلا كذلك. وفي هذه الحالة لا يشترط أن يقع الاقتحام والاختلاس معاً في ليلة واحدة، فلا بأس من أن يحدث الكسر في ليل والاختلاس في ليل آخر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائر الظروف المشددة، فلا تتوافر الجريمة إذا استعمل الإكراه نهارا، كما إذا أعطي البواب مخدراً نهاراً بنية السرقة حتى إذا ما فقد شعوره دخل السارقون المكان ليلاً. وغني عن البيان أن الليل ظرف عيني يتعلق بماديات الجريمة، ويكون معها جزءاً لا يتجزأ. كل ما تقدم بشرط أن تقع سائر الأنشطة الإجرامية المذكورة بطريقة متتابعة على محني عليه واحد تنفيذاً المشروع إجرامي معين مما يجعل الجريمة وحدة واحدة .
القصد الجنائي:
أن اتجاه الإرادة إلى الاختلاس يجب أن يكون في وقت معاصر لواقعة - اقتحام المكان. فإذا اقتحم الجناة المكان لخطف شخص مثلاً ثم سولت لهم أنفسهم سرقة شيء به، فإن هذه الجناية لا تكون متوافرة.
العقوبة:
تصل عقوبة هذه الجناية إلى السجن المؤبد. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 604)
نصت المادة 313 عقوبات على أن يعاقب بالسجن المؤبد من وقعت منه سرقة مع اجتماع الشروط الخمسة الآتية:
أولاً: أن تكون هذه السرقة حصلت ليلآ:
ويراعى بصدد هذا الشرط ما سبق بيانه في شأن ظرف الليل. الثاني: أن تكون السرقة واقعة من شخصين فأكثر:
وقد سبق لنا التعرض للتعدد ورأينا أن التعدد المشار إليه إنما ينصرف إلى الفاعلين الأصليين ولا ينصرف إلى الشركاء. فيلزم أن يكون الجناة المتعددون لهم صفة الفاعل سواء ارتكب الفعل الأصلي المكون للجريمة أو لارتكابه أفعالاً تعد شروعاً أو لتواجده أثناء التنفيذ وقيامه بدور رئيسي في التنفيذ.
وإذا استبعدت المحكمة الاتهام بالنسبة لبعض المتهمين فيجب لتوافر الشرط الذي نحن بصدده أن يكون الاتهام قائماً بالنسبة لاثنين على الأقل من المتهمين بوصفهما فاعلين أصليين في الجريمة (نقض س 22 - 755). نقض س 22 - 755)
الثالث: أن يوجد مع المارقين أو مع واحد منهم أسلحة ظاهرة مخبأه :
فيكفي حمل السلاح ظاهراً أو مخبأ بمعرفة أحد الجناة على الأقل ويلزم أن يكون حمل السلاح الظاهر أو المخبأ بمعرفة أمن الجناة الذين توافر لهم صفة الفاعل.
ويستوي بعد ذلك أن يكون السلاح هو من الأسلحة بطبيعتها أو من الأسلحة العرضية على التفصيل السابق بيانه.
الرابع: أن يكون السارقون قد دخلوا داراً أو منزلاً أو أوده أو ملحقاتها مسكونة أو معدة للسكن بواسطة تسور جدار أو كسر باب ونحوه أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو بواسطة التزيي بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو بإبراز أمر مزور مدعي صدوره من طرف الحكومة.
والوسائل السابقة وردت على سبيل الحصر ومن ثم يتعين تحديد وسيلة الدخول إلى المستكن في تقرير الاتهام. وإذا كان الدخول هو بطريق الحيلة أو الخداع أو باتخاذ صفة كاذبة دون تلك الخاصة بموظف عام، ودون التزيي بزي خاص بها فلا يتوافر الشرط الذي نحن بصدده.
كذلك فإن الادعاء بصدور أمر مزور بالقبض أو التفتيش دون إبراز هذا الأمر المزور، لا يتوافر به هذا الشرط.
الخامس: أن يفعلوا الجناية المذكورة بطريقة الإكراه أو التهديد باستعمال أسلحتهم.
المقصود بالاكراه :
يقصد بالإكراه. الاعتداء الموجه للإرادة لمحوها كلية أو توجيهها وجهة معينة عن طريق العنف. ويتحقق العنف باستخدام الطاقة البدنية أو أي وسيلة مادية تحقق مساساً بجسم المجني عليه أو أي شخص آخر أو شل حركته أياً كانت درجة المساس. فدفع المجني عليه يعتبر إكراهاً، وكذلك حبسه في إحدى الحجرات، وشل حركته إما بربطه أو بحرمانه من وسائل الحركة لو كان قعيداً أو مشلولاً يستخدم كرسياً أو عصا في الحركة فيقوم الجاني بتحطيمها أو حرمانه منها أو بحرمانه من ملابسه إذا كان يستحم وهو عار، وعصب عيني المجني عليه.
ويستوي أن يكون الإكراه المادي مطبقاً أم كان جزئياً لحمل المجني عليه على تصرف معين، كالكشف عن مكان نقوده أو الأشياء المراد سرقتها غير أنه يجب عدم الخلط بين العنف والإكراه. ذلك أن الإكراه هو نتيجة للضعف وما يحدثه من أثر على الإرادة. ولذلك قد يتوافر الإكراه دون استخدام العنف كما هو الشأن في حالة تخدير المجني عليه بطريق الحيلة ثم القيام بالسرقة. أما لو قام الجناة بتخدير المجني عليه عنوة أو بطريق القوة فقد تحقق العنف وبالتالي توافر الإكراه.
ولا يشترط في الإكراه المكون للظرف المشدد أن يكون ملجئاً، بل يكفي استخدام العنف ولو كان قابلاً للمقاومة أو للتغلب عليه أو لا يعرض حياة المجني عليه للخطر.
ويلزم أن يباشر الإكراه ضد الأشخاص. ويستوي أن يكون من بوشر حياله الإكراه هو المجني عليه ذاته أو أي شخص آخر له صلة بالمسروقات أو ليست له صلة، ولكن يظن الجناة أنه قد يخف لنجده المجني عليه أو يحول دون تمام السرقة.
وإذا بوشر العنف ضد الأشياء فلا يتوافر الإكراه كظرف مشدد إلا إذا كان الإكراه قد بوشر ضد الأشياء الإعاقة المجني عليه عن الحركة كتحطيم كرسي آلي للمجني عليه المشلول.
ويخرج عن نطاق الإكراه السرقة بطريق المفاجأة أو افتعال حركة لا إرادية للمجني عليه ليتخلى عن المسروقات.
وإذا كان العنف المستخدم ضد الأشخاص يشكل إكراهاً في جميع الأحوال فمعنى ذلك توافر الإكراه بالنسبة للنائم إذا قام الجاني بشل حركته احتياطياً لاستيقاظه كما لو ربطه بحبل أو ضربه على رأسه ليفقده الوعي أو غير ذلك من الوسائل التي بها مساس بجسم المجني عليه.
أما مجرد وقوفه لحراسته حتى إذا ما أستيقظ باشر حياله عنفاً فلا يعد ذلك إكراهاً إلا إذا باشر العنف فعلاً، ولكن يعد الإكراه متوافراً إذا جعله يستنشق وهو نائم مادة مخدرة حتى لا يستيقظ.
التهديد باستعمال السلاح:
ساوى المشرع بين الإكراه وبين التهديد باستعمال السلاح، في توافر الجناية التي نحن بصددها، ويستفاد من ذلك أن التهديد، بوصفه إكراهاً معنوياً لا يندرج تحت مفهوم الإكراه السابق الحديث عنه.
فالمشرع أراد بالإكراه ذلك المادي الذي يستخدم فيه العنف للتأثير على إرادة المجني عليه، ونظراً لأن التهديد يتوسط فيه العقل بتخيل الإضرار المهدد بها الشخص فقد أطلق عليه الإكراه المعنوي حيث تتأثر الإرادة بتخيل الأضرار التي تلحق بالمكره. ويلاحظ مع هذا أن العنف أو الإكراه المادي قد يستخدم كوسيلة للإكراه المعنوي وذلك لدفع المجني عليه على تحقيق رغبة القائم بالإكراه ولا تعرض لمثل ما تعرض له، إلا أنه في مثل تلك الفروض لا نكون بحاجة للإكراه المعنوي التشديد إذ يكفي الإكراه المادي الذي بوشر.
غير أن المشرع في المادة 313 عقوبات لم يكتف بأي تهديد مهما كانت خطورته وإنما نص على نوع واحد من التهديد واعتد به في التشديد ألا وهو التهديد باستعمال السلاح. وهذا ما استقر عليه الفقه وأخرج بذلك التهديد بهتك العرض أو التهديد بالخطف.
غير أننا نلاحظ على ذلك أن المشرع حينما نص على التهديد باستعمال السلاح وإنما قصد الإشارة إلى الأغراض التي يستخدم فيها السلاح وهي الفتك بالأنفس أو الاعتداءات الجسيمة. ولذلك فإن التهديد بإحداث مثل ذلك ولو بوسيلة أخرى خلاف السلاح المحمول مع الجناة أو بعضهم يتوافر بها هذا الركن ما دامت ظروف الحال توحي بتوافر مكنة تحقيق الضرر المهدد به.
ومثال ذلك التهديد بالقتل بطريق الخنق مثلاً إذا كان الجناة متعددين ومعهم أدوات يمكنهم بها تنفيذ ما هددوا به، أو التهديد بإلقاء مياه حارقة على المجني عليه يحملها أحدهم أو بالتهديد باغتصاب المجني عليها أو متك العرض.
وإذا كان المشرع قد نص على التهديد باستعمال السلاح دون غيره من أنواع التهديد الأخرى، فلعله قصد بذلك حسم الخلاف الذي كان سائداً في ظل النص القديم الذي كان ينص على الإكراه فقط. وقد ذهب قضاء النقض إلى أن يندمج في الإكراه كل وسيلة قسرية تستعمل لغل يد المجني عليه من . المقاومة والحيلولة بينه وبين من الجاني من مقاومة جريمته، ومن ثم فإن التهديد باستعمال السلاح يندرج تحت الإكراه.
ويلاحظ أن التهديد يمكن أن يتم بطريق الحيلولة والخداع. فيتوافر التهديد باستعمال السلاح ولو كان السلاح غير صالح للاستعمال أو كان مجرد لعبة. غير أنه في هذا الغرض الأخير ينتفي عنصر آخر وهو حمل السلاح.
معاصرة الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح للسرقة:
يلزم أن يكون الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح معاصراً للجريمة سواء عند ارتكابها أو أثناءها أو عند الانتهاء منه وقبل تمامها.
ومعنى ذلك أن الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح إذا كان بقصد الهروب بالمسروقات تتوافر به أركان الجريمة إذا توافرت العناصر الأخرى.
أما إذا كان الإكراه أو التهديد بقصد الفرار من غير المسروقات فلا يتوافر العنصر محل البحث.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض أنه يكفي لتوافر ركن الإكراه في جريمة السرقة أن يستعمل الجاني القوة لإتمام السرقة أو الفرار بما سرقه، كما قضت بأنه لا يلزم في الإكراه الذي يعده القانون ظرفاً مشدداً في السرقة أن يكون سابقاً أو مقارناً لفعل الاختلاس، بل أنه يكون كذلك ولو أعقب فعل الاختلاس متى كان قد تلاه مباشراً وكان الغرض منه الفرار بالشىء المختلس، إذ أن تمام استحواذ المتهم على الشئ المسروق لم يكن ميسورة إلا بما ارتكب من الإكراه (1/2/1943 - ص 764).
غير أن قضاء النقض اشترط في الإكراه الذي يقع عقب فعل الاختلاس أن يكون وقوعه أثناء التلبس بالجريمة للإفلات بالمسروقات، ولذلك إذا كانت الواقعة هي أن المجني عليه رأى شخصاً يحتك به وشعر أن شخصاً آخر وضع يده في جيبه وأخرج منه مبلغاً من النقود فهم بضبطه فأمسك به ذلك الشخص ومنعه من ضبط السارق حتى تمكن من الهرب، فإن فعل الإكراه المنسوب للمتهم في هذه الواقعة يكون قد وقع عقب اختلاس النقود من جيب المجني عليه مباشرة عندما أراد ضبط السارق أي أثناء التلبس بارتكاب جريمة السرقة، وقد كان الغرض منه الفرار بالمسروق، ومن الخطأ اعتبار هذه الواقعة جنحة (5 / 3/ 1945 - 765).
كما قضت بأن استعمال القوة مع المجني عليه أو غيره لمنعه من ملاحقة السارق عند هربه بالمسروق وهو متلبس بفعل السرقة فإن ذلك يجعل السرقة بإكراه (21/4/1947 - 795).
والواقع أن اشتراط التلبس بالسرقة لاعتبار الإكراه الواقع بعد فعل الاختلاس ظرفاً مشدداً إنما هو تطبيق للمبدأ العام القاضي بأن السرقة تكتمل بتمام الاستحواذ على المسروق وتوافر السيطرة الكاملة عليه بحيث تمكن الجاني من التصرف فيه تصرف المالك.
فما دامت هذه اللحظة لم تتحقق فإن فعل الإكراه المباشر على المجني عليه أو الغير لإتمام ذلك يعتبر ظرفاً مشدداً للسرقة. ولذلك لا تتوافر السرقة بالإكراه إذا صادف المجني عليه الجناة بعد ارتكاب الحادث بفترة ومعهم المسروقات يعرضونها للبيع فحاول أخذها منهم فباشر أحدهم إكراهاً عليه ليفلتوا بالمسروقات.
ويشترط أخيراً في الإكراه فضلاً عن التعاصر مع الجريمة أن يكون قد بوشر بقصد إتمام السرقة. ومعنى ذلك وجوب توافر علاقة سببية بين الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح وبين تمام السرقة.
فإذا انتفت تلك الرابطة بين العنف المباشر على المجني عليه أو الغير وبين السرقة فلا يتوافر الظرف المشدد. فمن يعتمد على آخر بقصد الانتقام ثم ينتهز فرصة وقوع المجني عليه مغمى عليه فيقوم بسرقة نقوده فلا يتوافر الظرف المشدد وإنما يحاسب على كل فعل حققه بوصفه جريمة مستقلة.
كذلك ينتفي الظرف المشدد إذا بوشر أي نوع من العنف ليس بقصد السرقة وإنما لأي غرض آخر ولو أدى ذلك إلى حرمان المجني عليه من بعض متعلقاته أو أمواله. فمن ينتزع من آخر سلاحه عنوة بقصد منعه من استخدامه لا تتوافر به السرقة بالإكراه لانتفاء واقعة السرقة أصلاً.
والإكراه أو التهديد باستعمال السلاح يعتبر ظرفاً مادياً يسري على جميع الفاعلين والشركاء. ولا يلزم لتوافره أن يباشر من جميع الجناة، بل يكفي أن يباشر من أحدهم متى توافرت فيه صفة الفاعل. مع ملاحظة أن التواجد أثناء التنفيذ على مسرح الجريمة والقيام بدور رئيسي يعتبر الشخص به فاعلاً أصلياً ولو لم يرتكب الفعل الأصلي المكون السرقة، فإذا باشر هذا الشخص إكراهاً على المجني عليه أو الغير بقصد إتمام السرقة توافر الظرف المشدد بالنسبة لجميع المساهمين.
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه لا يشترط في القانون لمعاقبة المتهمين في جناية السرقة بالإكراه أن يقع من كل منهم فعل الإكراه وفعل الاختلاس، بل يكفي في عدهم فاعلين لهذه الجناية أن يرتكب كل منهم أي من الفعلين متى كان ذلك في سبيل تنفيذ السرقة المتفق عليها بينهم جميعاً. فإذا كان الحكم قد بين أن المتهمين كانوا في مكان الحادث متفقين على السرقة وأن اثنين منهم باشرا ضرب المجني عليه لتسهيل فعل الاختلاس الذي باشره الآخران، فإن كلاً منهم يكون فاعلاً للجريمة باعتبارها جناية سرقة بإكراه على الرغم من أن بعضهم لم يرتكب فعل الاختلاس وبعضهم الآخر لم يرتكب فعل التعدي على المجني عليه (س 20 – 388 - ص 25- ص 311).
غير أنه يجب الاعتبار المتهمين فاعلين في السرقة أن يقوم الدليل على اتفاقهم على مقارفة الجريمة. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم قد أدان المتهمين في جناية السرقة بالإكراه ذاكراً أنهم جميعاً سرقوا بأن فاجأ أولهم الغلام الذي كان يحمل الشيء الذي سرقوه، وأخذوه منه بالقوة فاستغاث فحضر إليه صاحب الشيء وقد كان يسير أمامه وحاول استخلاص المسروق، فهدده هذا المتهم باستعمال سكين كان يحملها وتمكن بذلك من إعطاء المسروقات لباقي المتهمين الذين كانوا بانتظاره بالقرب منه فحملوها وهربوا بها، فهذا الحكم يكون معيبا إذ هو وإن عني بذكر ما قارفه كل من المتهمين لم يعن ببيان صلة فعل الآخرين بفعل المتهم الأول، وهل كان نتيجة اتفاق على السرقة أو أنه حصل عرضاً، خصوصاً مع قول المحكمة أن المتهم الأول قابل الصبي مفاجاة وأخذ المسروق منه ثم هو لم يورد ليلاً على أن وجود المتهمين الآخرين قريباً من المتهم الأول وإنما كان نتيجة اتفاق بينهم ولم يكن محض مصادفة ( 20/1/1948- 765 ).
العقوبة:
العقوبة المقررة للجريمة باجتماع الشروط الخمسة السابقة هي: السجن المؤبد. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني، الصفحة: 199)
جناية السطو على المساكن
علة التشديد : نصت على هذه الجناية المادة 313 من قانون العقوبات في قولها « يعاقب بالسجن المؤبد من وقعت منه سرقة مع اجتماع الشروط الخمسة الآتية : (الأول) أن تكون هذه السرقة حصلت ليلاً (الثاني) أن تكون هذه السرقة واقعة من شخصين فأكثر . (الثالث) أن يوجد مع السارقين أو مع واحد منهم أسلحة ظاهرة أو مخبأة . (الرابع) أن يكون السارقون قد دخلوا داراً أو منزلاً أو أوده أو ملحقاتها مسكونة أو معدة للسكنى بواسطة تسور جدار أو كسر باب ونحوه أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو بواسطة التزيی بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو بإبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة . (الخامس) أن يفعلوا الجناية المذكورة بطريقة الإكراه أو التهديد باستعمال أسلحتهم » . ويتضح من هذا النص أن جناية السطو على المساكن تتطلب اجتماع ظروف عديدة ومتنوعة من حيث طبيعتها ، وهي تكاد تكون أهم الظروف المشددة في السرقة ، وقد سلفت دراستها عد ا« التزيی بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة » الذي اعتبره الشارع من قبيل الطرق غير المألوفة في دخول المساكن بحيث يستوي بالكسر والتسور واستعمال المفاتيح المصطنعة ، ولذلك تقتصر على دراسته . ويلاحظ أن الشارع قد ذكر في الفقرة الرابعة من المادة 313 من قانون العقوبات أمثلة للأماكن المسكونة أو المعدة للسكنى ولكنه لم يقصر حكمه على هذه الأمثلة ، وإنما أراد بها أن يشير إلى مطلق المكان المسكون أو المعد للسكن، وبذلك يكون نطاق هذه الفقرة هو ذات نطاق الفقرة الأولى من المادة 317 من قانون العقوبات.
وعلة تشديد العقاب على جناية السطو على المساكن أنه قد اجتمعت لها أغلب الظروف المشددة للسرقة فكل ظرف على حدة يكفي لتشديد عقوبة السرقة ، ومنها ما يجعلها جناية؛ فإذا اجتمعت على النحو الذي حدده الشارع، فلا شك في أن السرقة تبلغ بذلك أقصى الخطورة وتكون جديرة بأشد العقوبات المقررة للسرقة وترتكب جنايات السطو على المساكن عصابات خطيرة ، وتقطع ظروف ارتكابها بأن الجناة لا يتورعون عن التذرع بأخطر الوسائل لتحقيق مآربهم وإذا تكاثرت هذه الجنايات فهي تخل بالأمن العام على نحو بالغ الخطورة.
التزبی بزی أحد الضباط أو موظف عمومي و إبراز أمر مزوراً مدعياً صدوره من طرف الحكومة: قدمنا أن الشارع أشار في الفقرة ثالثاً من المادة 316 مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات إلى «انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة » باعتباره وسيلة للدخول إلى المكان المسكون أو المعد للسكن تستوى فی الحكم بالكسر والتسور واستعمال المفاتيح المصطنعة ، وتقوم إشارة الشارع في المادة 313 من قانون العقوبات إلى « التزيی بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر مزوراً مدعياً صدوره من طرف الحكومة » على ذات الفكرة ، فهو وسيلة غير مألوفة للدخول إلى المكان المسكون أو المعد للسكن تقوم على الخداع . وقد اعتبر الشارع تزیي المتهم بزي أحد الضباط أو زی موظف عام أو إبراز أمر مزيف مدعی صدوره من الحكومة أحد عناصر التشديد في هذه الجناية ، لأنه يستغل الثقة التي يضعها المجنى عليه في السلطات العامة ومن يمثلونها والطاعة التي يعتبر نفسه ملزماً بها إزاءهم.
ويريد الشارع بتزيى المتهم بزي أحد الضباط أو زی موظف عام أن يتخذ لنفسه مظهراً خارجياً يشبه المظهر الذي يتخذه عادة بعض موظفي الدولة سواء أكانوا من الضباط أو من غيرهم ، ويدخل في ذلك ارتداؤه زياً أو وضعه إشارة يتميز بها فريق من الموظفين العامين ولا يشترط أن يدعي المتهم لنفسه صراحة صفة الموظف العام، ذلك أن ارتداءه هذا الزی ينطوي بالضرورة على انتحال ضمنی لهذه الصفة ولما كانت هذه الجناية تفترض تعدد المتهمين ، فإنه لا يشترط أن يرتدي جميعهم زى الموظف العام ، و إنما يكفي أن يفعل ذلك أحدهم ويذكر أن الآخرين مساعدوه ويريد الشارع بإبراز أمر مزور مدعی صدوره من الحكومة أن يقدم المتهمون إلى المجني عليه ورقة تتضمن أمراً مكتوباً منسوباً إلى إحدى السلطات العامة يمنحهم الحق في دخول المسكن الإجراء عمل رسمي فيه ، كأمر من النيابة العامة أو قاضي التحقيق بتفتيش المسكن أو القبض على شخص فيه . ويجب أن يكون الأمر مكتوباً ، ولكن لا يشترط أن تكون قد روعيت في كتابته الأوضاع والأشكال التي يقيد بها القانون هذا النوع من الأوامر .
أما إذا تزيا المتهم بزی موظف في شخص معنوي خاص کشركة أو جمعية أو أبرز أمراً مزوراً مدعی صدوره منه ، واستعان بذلك على ارتكاب السرقة فلا يتوافر في حقه هذا الظرف المشدد.
عقوبة الجناية، حدد الشارع عقوبة هذه الجناية بالسجن المؤبد ويعاقب على الشروع فيها وفقاً للقواعد العامة . والظروف المشددة التي تفترضها هذه الجناية ذات طابع عيني، ومن ثم يتأثر بها جميع المساهمين فيها. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 1052)
تنص المادة 313 على أن يعاقب بالسجن المؤبد من وقعت منه سرقة مع اجتماع الشروط الخمسة الآتية :
الأول : أن تكون هذه السرقة حصلت ليلاً.
الثاني : أن تكون السرقة واقعة من شخصين فأكثر.
الثالث : أن يوجد مع أحدهم أسلحة ظاهراً أو مخبأة.
الرابع : أن يكون السارقون قد دخلوا داراً أو منزلاً أو أوده أو ملحقاتها مسكونة أو معدة للسكن بواسطة تسور جدار أو كسر باب ونحوه أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو بواسطة التزيی بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو بإبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة.
الخامس: أن يفعلوا الجناية المذكورة بطريق الإكراه أو التهديد باستعمال أسلحتهم.
فالمشرع يتطلب اجتماع عدة ظروف أثناء ارتكاب السرقة .
فجناية السطو يجب أن تقع ليلاً، مع تعدد الجناة بحيث يكونون اثنين أو أكثر ، وأن يتوافر ظرف حمل السلاح ولو من أحدهم ، سواء كان السلاح بطبيعته أو بالاستعمال ، وسواء كان ظاهراً أو مخبأ.
كذلك يتطلب المشرع أن تقع الجريمة في مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته عبر عنه المشرع بالدار أو المنزل أو الأوده ، ولكنه ذكر هذه المحال على سبيل المثال لا الحصر ، فيسرى النص على السرقة من المكان المسكون أو المعد للسكن في المعنى الذي سبق تحديده بصدد البحث في الظروف التي نصت عليها المادة 317 عقوبات.
- وسيلة دخول المكان :
اشترط المشرع أن يكون دخول هذا المكان قد تم بوسائل معينة هي : تسور جدار أو كسر باب أو نحوه أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو بواسطة التزيی بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة.
والمقصود بالزى هنا هو الزي الرسمي الذي يرتديه بعض رجال - السلطة العامة ليميزهم عن غيرهم من الناس ، مثل زي ضباط وجنود الشرطة أو الجيش ، ولما كانت الحكمة من اشتراط هذه الوسيلة تتمثل في استغلال الجاني طاعة الناس لرجال السلطة العامة ، فإن هذه الحكمة تتوافر إذا اقتصر الجاني على وضع شارة معينة تدل على أنه يشغل وظيفة معينة كالشارات التي يضعها الخفراء على غطاء الرأس.
ولا يشترط أن يرتدي جميع الجناة الزي الرسمي بل يكفي أن يقع ذلك من أحدهم فحسب ولما كان المقصود هو الزي الرسمي فإنه يترتب على ذلك أن ظرف التشديد يتخلف إذا ارتدى الجاني زياً مميزاً لعمال شركة معينة.
ويلاحظ أن التشديد يقتضي أن يكون ارتداء الزي أو وضع العلامة المميزة بطريقة غير مشروعة، ويعني ذلك أن الظرف لا يتوافر إذا استعان الموظف بزيه الرسمي الصحيح على دخول المكان لارتكاب السرقة.
ويقصد بإبراز الأمر المزور المدعى صدوره من طرف الحكومة أن يقدم الجناة إلى المجنى عليه أمراً مكتوباً مدعی صدوره من جهة حكومية خلافاً للحقيقة، مثل الأمر الصادر من عضو النيابة العامة أو من قاضى التحقيق بتفتيش أحد المنازل أو بالقبض على أحد الأشخاص . وتفترض عبارة النص أن الأمر يجب أن يكون مكتوباً وأن يكون مزوراً وأن يكون منسوباً إلى جهة حكومية، ويعني ذلك أن تخلف أحد هذه الأمور ينتفى به ظرف التشديد ، فلا يتحقق الظرف المشدد إذا اقتصر الجاني على مجرد الإدعاء الشفوی بوجود أمر بدخول المكان ، أو إذا استعان بأمر صحيح صادر من جهة حكومية في دخول المكان بقصد السرقة.
وسيلة ارتكاب السرقة :
اشترط المشرع لتحقق التشديد أن تقع السرقة بإحدى وسيلتين : الإكراه ، والتهديد باستعمال السلاح ، والإكراه هنا.
وهو ارتكاب أفعال العنف المادية على جسم إنسان لتنفيذ السرقة . أما التهديد باستعمال السلاح فهو ضرب من ضروب الإكراه المعنوي الذي يوجهه الجاني إلى المجني عليه ليشل مقاومته ويتمكن من ارتكاب جريمة السرقة.
أثر التشديد :
إذا توافرت جميع الظروف المذكورة عند ارتكاب جريمة السرقة ، أصبحت عقوبتها السجن المؤبد . ولما كانت هذه الظروف ظروفاً عينية فإنها تسري على جميع المساهمين في الجريمة. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 813)
يطلق الفقه الجنائي المصري على هذه الجريمة اصطلاحاً جريمة "السطو على المساكن" أو " السطو على المنازل" أو سطو العصابات ومن الواضح أن الظروف المحيطة بالسرقة متعددة وجسيمة في آن واحدة وهذا ما يبرر شدة العقاب عليها وفيما يلي توضيح للمقصود بكل ظرف من هذه الظروف الخمسة:
1- ظرف الزمان (الليل) :
أن تقع الجريمة ليلاً والليل كما هو مستقر عليه له بداية ونهاية ويختلف تحديد بداية ونهاية الليل حسب فصل ارتكاب الجريمة (هل هو فصل الشتاء أم فصل الصيف... إلخ .
ويعد ظرف الليل من المسائل المادية التي تخضع لتقدير أهل الخبرة على أساس أن الجاني أو الجناة يمكنهم بسهولة أن يتستروا تحت جناح الظلام وبالتالي يسهل ارتكابهم جريمة السرقة من جهة ويسهل اختفاؤهم من جهة أخرى كما يصعب التعرف عليهم من جهة الشهود من جهة ويسهل اختفاؤهم من جهة أخرى .
- ظرف التعدد :
ويراد بالتعدد ارتكاب الجريمة بواسطة شخصين فأكثر ويكون هذا التعدد موجوداً كلما ارتكب السرقة شخصان على الأقل بصفة فاعلين أصليين وكذلك يوجد التعدد متى كان الفاعل الأصلي شريك واحد على الأقل اشترك معه وساعده عند تنفيذ الجريمة كما لو وقف متربصا عند مكان الجريمة ليدرأ عند خطر القبض أو ليحمل معه المتاع المسروق أما إذا فعل الشريك قاصراً على التحريض أو الاتفاق أو امداد الفاعل الأصلى بالأسلحة أو الأدوات اللازمة أو مساعدته بأية طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكاب الجريمة فلا يعتبر ظرف التعدد موجوداً عندئذ ولا محل لتشديد العقاب لأن التنفيذ تم على يد شخص واحد.
3- ظرف حمل السلاح :
يضع المشرع المصري تعريفاً للسلاح الأمر الذي دعا الفقه والقضاء إلى تعريف الأسلحة تعريفاً واسعاً يشمل كل ما يستعين به الإنسان على الاعتداء والأسلحة على نوعين بطبيعتها وبالاستعمال فالأسلحة بطبيعتها هي الأدوات المعدة أصلاً للفتك بالأنفس كالبنادق والمسدسات والسيوف والحراب والملاكم الحديدية والخناجر والعصي المزودة بأطراف حديدية. والسرقة الواقعة مع حمل سلاح من هذا النوع يتحقق بها الظرف المشدد لأن حمله لا يمكن تفسيره عندئذ إلا بأنه للاستخدام في السرقة ولو كان حمل المتهم للسلاح في الحقيقة راجعاً إلى سبب لا اتصال له بالجريمة كأن يكون من مقتضيات عمله الرسمي أن يحمل السلاح وقت القيام به ذلك أن المشرع إذ نص على التشديد لهذا الظرف قد قدر أن من يحمل سلاحاً هو شر ممن لا يحمل ولذلك فقد جعل مناط التشديد هو حمل السلاح في ذاته بعض النظر عما إذا كان قد لوحظ في حملة ارتكاب السرقة أم لم يلاحظ فيه ارتكاب جريمة بل أن الظرف يتحقق ولو كان السلاح غير معبأ ولم يكن مع المتهم رصاص لحشوه بل لو كان السلاح بطبيعته فاسداً غير صالح للاستعمال أما الأسلحة بالاستعمال فهي أدوات ليست معدة بطبيعتها للفتك بالانسان وإنما هذه معدة للوفاء ببعض أغراض الحياة كالزراعة أو الصناعة أو شئون المنزل وأن جاز أن يترتب على استخدامها على نحو معين الاعتداء على الإنسان ومنها البلط والفئوس والمناجل والسكاكين العادية والمقصات والمطارق والمطواه وشفرات الحلاقة فهذه لايتحقق الظرف المشدد من مجرد حملها إلا إذا استظهرت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية أن حملها كان لمناسبة السرقة .
4- ظرف المكان وطريقة الدخول إليه :
تطلب المشرع الجنائي كذلك أن تحدث جريمة السرقة في دار أو منزل أو غرفة (أوده) أو ملحقاتها بشرط أن تكون مسكونة أو معدة للسكنى وأن يتم الدخول إلى هذا المكان بأحدى الطرق الخمسة التي حددها المشرع على سبيل الحصر كما يبين من صریح نص الفقرة الرابعة من المادة 313 عقوبات على النحو الآتي:
(أ) تسور جدار.
(ب) أو كسر باب ونحوه.
(ج) أو استعمال مفاتيح مصطنعة.
د) أو التزيی بزي أحد الضباط أو موظف عمومي.
(هـ) أو أبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة.
وبناء على ذلك فحدوث السرقة في مكان غير مسكون (كالطريق العام أو كالأتوبيس العام) یعنی تخلف هذا الشرط وبالتالي عدم وجوب تشديد العقاب ولو توافرت يداهة باقي الشروط ولا يهم حدوث السرقة بعد ذلك في داخل فيلا أو داخل شقة أو حتى داخل شقة أو حتى داخل غرفة أو داخل ملحق بهذه الفيلا أو الشقة أو بهذه الغرفة كالجراج الملحق بالمبنى ولإيداع السيارات به فنوعية المكان المسكون أو المعد للسكنى ليست متطلبة من قبل المشروع الجنائي.
المقصود بالتسور :
لا يقع التسور إلا باجتماع أمرين أولهما أن يكون السارق قد توصل إلى دخول المكان بغير الطرق التي تستعمل للدخول عادة كأن يكون قد استعان على ذلك بسلم أو حبل أو بتسلق جدار أو شجرة وعلى كل حال فلا يشترط أن يكون قد استخدم في سبيل ذلك مجهوداً عنيفاً فدخول منزل من نافذة لا تبعد كثيراً عن سطح الأرض بعد تسورا لكن لا يعد تسوراً دخول منزل من باب عادي مفتوح أو من فتحة في جدار أو من جزء كتهدم في سور وثانيهما أن يكون السارق قد استخدام السور للدخول في منزل مسكون أو في مكان مسور وينبني على هذا أن التسور لا يكون ظرفاً مشدداً إلا في هاتين الحالتين فقط وبشرط أن يكون قد استعمل من الخارج بقصد الوصول إلى الداخل فالتسور من الداخل إلى الخارج أو من جزء من داخل المنزل أو المكان إلى جزء آخر منه لا يعد ظرفاً مشدد.
المقصود بالكسر :
يقصد بالكسر استعمال العنف في اقتحام حاجز أو فتح قفل أو نحو ذلك من الأدوات المعدة للإغلاق وسد السبيل.
فلا يتحقق الكسر المقصود هنا باجتماع أمرين الأمر الأول أن يكون الجاني قد استعان في الفتح والدخول بوسيلة من وسائل العنف التي لا يلجأ إليها الإنسان في الأحوال العادية كالكسر والقطع والخلع والتهدم والنقب وما أشبه ذلك والأمر الثاني أن يكون الشئ المكسور معداً في الأصل للإغلاق وسد السبيل كجدار أو سقف أو باب أو شباك أو قفل أو نحو ذلك فلا يعد کسراً رفع التراب عن شئ مدفون في الأرض.
استعمال مفاتيح مصطنعة:
المفتاح المصطنع هو المفتاح المقلد أو المغير ويدخل في حكمه أيضا كافة الآلات التي تستخدم لفتح الأقفال وكذا المفتاح الصحيح الذي يستعمل في غير موضعه فإذا استعمل الجاني مفتاح باب لفتح باب آخر عد مستعملاً لمفتاح مصطنع ولا يعتبر مفتاحا مصطنعا المفتاح الأصلى لقفل إذا حصل عليه الجاني بطريق غير مشروع ولابد لاعتبار استعمال المفاتيح المصطنعة ظرفا مشددا أن تستعمل بقصد الدخول إلى المكان المسور أما استعمال مفتاح مصطنع داخل المكان للوصول من غرفة إلى أخرى فلا يعد ظرفاً مشدداً .
التزيي بازياء كاذبة أو أبراز أوامر مزورة :
وشرط اعتبار هذا هو أن يكون قد استخدم وسيلة لدخول منزل مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته وعلة التشديد هنا أن الجاني قد استخدم سطوة الحكومة في انتهاك حرمة السكن ولا يعد ظرفاً مشدداً التجاء السارق إلى حيلة أخرى غير ما ذكر لدخول المنزل كادعاء أنه عامل في شركة النور أو المياه جاء للكشف على العداد أوما أشبه ذلك .
ويلزم فوق وجوب توافر الشروط سالفة الذكر أن تكون السرقة قد وقعت أما بالإكراه أى العنف البدني الموجه إلى شخص معين لتسهيل السرقة وأما بالتهديد المجرد بأستخدام السلاح يستوي أن يكون سلاحاً بطبيعته أو بحسب استعماله.
القصد الجنائي :
القصد الجنائية هو ذات القصد الجنائي في السرقة عموماً أى هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب الجاني وقت ارتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية امتلاكه والذي يهم في هذا الموضوع أن اتجاه الإرادة إلى الاختلاس يجب أن يتم في وقت معاصر لواقعة اقتحام المكان فإذا اقتحم الجناه المكان مثلا لخطف شخص ثم سولت لهم أنفسهم سرقة شئ به فإن هذه الجناية لا تكون متوافره . (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع ، الصفحة : 121 )
تعاقب المادة محل التعليق على السرقات التي تقوم بها العصابات المسلحة على المنازل ليلاً، وهو نوع من السرقات قليل الوقوع في الوقت الحاضر ويدل إنتشار هذه السرقات في أي مجتمع على اختلال حالة الأمن فيه على نحو ينذر بالخطر، وتتضح خطورة هذه السرقات من عند الظروف التي تطلب المشرع اجتماعها لقيامها، وكل ظرف منها يكفي بذاته لتشديد عقوبة جنحة السرقة أو لتحويلها إلى جناية. فإجتماع هذا العدد من الظروف المتنوعة يجعل السرقة على درجة عالية من الخطورة، ويبرر العقاب عليها بأشد العقوبات المقررة لجريمة السرقة.
والظروف التي تطلب المشرع اجتماعها القيام جناية السطو على المساكن هي : ظرف الليل وتعدد الجناه (شخصين فأكثر) ، وحمل السلاح، والإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح، ووقوع السرقة في مكان مسكونة أو معد للسكن أو أحد ملحقاته بإحدى الوسائل المبينة بالمادة محل التعليق، أما الظرف الخامس والأخير فهو دخول المسكن بواسطة التزيي بزي أحد الضباط أو موظف عمومي أو إبراز أمر مزور مدعی صدوره من موظف الحكومة. فهذا الظرف الأخير هو الذي سوف نقوم بالتعرض له بالشرح والتعليق في هذه المادة. على أننا سوف نتصدى بالبحث والتعليق للظروف المشددة الأربعة الأولى عند شرحنا للمواد اللاحقة منعا للتكرار.
التزيي بزي أحد الضباط أو موظف عمومي:
ويعتبر هذا الظرف وسيلة غير مألوفة وغير مشروعة يتزرع بها الجناة لخداع أصحاب المكان حتى يسمحوا لهم بالدخول إليه. ويستعمل الجناة في ذلك ثقة الأفراد في السلطات العامة ومن يمثلونها وواجب الطاعن الذي يلتزمون به في مواجهتها.
ويعني التزي بزي أحد الضباط أو زي موظف عام إرتداء الجاني زياً رسمياً أو زياً يشبه الزي الرسمي الذي يرتديه بعض موظفي الدولة ليميزهم عن غيرهم من الأفراد، مثل زي الضباط أو رجال الأمن بصفة عامة. ويترتب على ذلك أن التزي بزي موظف في جهة غير حكومية مثل شركة أو جمعية خاصة لا يوفر الظرف المشدد. والفرض أن الجاني يرتدي زيا لا حق له في التزيي به، فإذا كان له الحق في ذلك فلا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا أبرز أمراً مزوراً ادعی صدوره من طرف الحكومة، فالجندي الذي يرتدي زيه الرسمي و يستعين بذلك على دخول مكان السرقة، دون أن يدعي صدور أمر من طرف الحكومة، لا يتوافر في حقه الظرف المشدد. لكن ليس بلازم أن يدعي مرتدي الزي لنفسه صفة الموظف العام، بل يكفي إرتداء الزي الذي ينطوي بذاته على إدعاء ضمني لتلك الصف، كما لا يشترط أن يرتدي جميع الجناة الزي، وإنما يكفي أن يرتديه أحدهم فقط، إذ قد يفهم من ذلك أن الآخرين مساعدوه.
ويقوم مقام التزي بزي حكومي "إبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة". ويعني ذلك أن يقدم المتهمون أو أحدهم إلى المجني عليه أمرة مكتوبة ينسب صدوره زوراً إلى سلطة عامة لها حق الإذن بدخول الأماكن المسكونة الأغراض رسمية، مثال ذلك الإذن الصادر من النيابة العامة أو قاضي التحقيق بتفتيش منزل أو القبض على أحد القاطنين فيه. وقد تطلب القانون أن يكون الأمر مكتوبة، فإذا كان المتهم قد اقتصر على مجرد الإدعاء شفوياً بصدور الأمر فلا يتوافر الظرف المشدد. ويلزم أن يكون الأمر المدعى به صادراً عن سلطة عامة، فإذا كان منسوباً إلى جهة خاصة فلا يتوافر الظرف المشدد. ويلزم أخيرا أن يكون الأمر المكتوب مزورة، أي ينسب صدوره على غير الحقيقة إلى سلطة عامة، فإن كان حقيقية يتيح دخول المكان فاستغل الجاني وجوده في المكان وإرتكب سرقة فيه، فلا يتوافر الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة محل التعليق لانتقاء أحد شروط تطبيقه.
العقوبة:
إذا اجتمعت الظروف الخمسة التي تطلبتها المادة محل التعليق، كانت العقوبة هي السجن المؤبد. ويعاقب على الشروع فيها وفقاً للقواعد العامة. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع ، الصفحة : 236 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 279 ، 280
(مادة 568)
يعاقب بالسجن المؤبد على السرقة إذا توافرت فيها الظروف الآتية :
1- أن تقع ليلاً .
2- أن تقع من شخصين فأكثر .
3- أن يكون أحد الجناة حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ .
4- أن تقع في مكان مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته .
5- أن يكون الدخول إلى المكان المبين في الفقرة السابقة عن طريق تسور أو كسر أو إستعمال مفاتيح مصطنعة ، أو إنتحال صفة عامة صحيحة أو كاذبة ، أو إدعاء القيام بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة .
6- أن تقع بطريق الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو بإستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها .
(مادة 571)
يعاقب بالإعدام على الجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة إذا ترتب على الإكراه ،
أو التهديد ، أو إستخدام وسيلة مما ذكر فيها - موت شخص .
الجرائم الواقعة على المال
الفصل الأول
السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز
المواد من (567) - (584) :
تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي :
1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه.
كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة .
2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة .
3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة .
4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة .
5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة.
هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان .
6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة .
7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث .
8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها .
9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث .
10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته .
واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة .
11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة .
12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال .
أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه .
13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 98
إِكْرَاهٌ
التَّعْرِيفُ:
قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: أَكْرَهْتُهُ، حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ هُوَ لَهُ كَارِهٌ - وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ نَحْوُهُ - وَمَضَى صَاحِبُ اللِّسَانِ يَقُولُ: وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُرْهَ وَالْكَرْهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الأْحْرُفِ الَّتِي ضَمَّهَا هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَتَحُوهَا فَرْقًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلاَ فِي سُنَّةٍ تُتَّبَعُ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الْكَرْهُ (بِالْفَتْحِ): الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ: الْقَهْرُ، وَقِيلَ: (بِالْفَتْحِ) الإْكْرَاهُ، « وَبِالضَّمِّ » الْمَشَقَّةُ. وَأَكْرَهْتُهُ عَلَى الأْمْرِ إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ قَهْرًا. يُقَالُ: فَعَلْتُهُ كَرْهًا « بِالْفَتْحِ » أَيْ إِكْرَاهًا – وَعَلَيْهِ قوله تعالى (طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) فَجَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
وَلَخَصَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فُقَهَاؤُنَا إِذْ قَالُوا: الإِْكْرَاهُ لُغَةً: حَمْلُ الإْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ: أَكْرَهْتُ فُلاَنًا إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ.وَالْكَرْهُ « بِالْفَتْحِ » اسْمٌ مِنْهُ (أَيِ اسْمُ مَصْدَرٍ).
أَمَّا الإْكْرَاهُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ: فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ.
وَعَرَّفَهُ الْبَزْدَوِيُّ بِأَنَّهُ: حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ يَمْتَنِعُ عَنْهُ بِتَخْوِيفٍ يَقْدِرُ الْحَامِلُ عَلَى إِيقَاعِهِ وَيَصِيرُ الْغَيْرُ خَائِفًا بِهِ.
أَوْ هُوَ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ (أَيِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ) مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ.
وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ، فَسَّرُوهُ بِالْخَوْفِ، وَلَوْ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ الظَّلَمَةُ بِالْمُتَّهَمِينَ كَيْدًا. فَإِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْحَيَاءَ مَثَلاً، أَوِ التَّوَدُّدَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.
وَالْفِعْلُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) لَيْسَ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ خِلاَفِ الْقَوْلِ، وَلَوْ إِشَارَةَ الأْخْرَسِ، أَوْ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ، فَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ - لأِنَّهُ مِنْ عَمَلِ اللِّسَانِ - وَلَوْ مَفْهُومًا بِدَلاَلَةِ الْحَالِ مِنْ مُجَرَّدِ الأْمْرِ: كَأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوِ الأْمِيرِ، وَأَمْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَأَمْرِ الْخَانِقِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ الإْصْرَارُ.
وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إِكْرَاهٌ - وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْ - وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ تَضَمُّنَهُ التَّهْدِيدَ بِدَلاَلَةِ الْحَالِ.
وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَوِي الْبَطْشِ وَالسَّطْوَةِ أَيًّا كَانُوا، وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ نَفْسُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَجَبِّرِينَ التَّرَفُّعَ عَنِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُعَاقِبُونَ مُخَالِفِيهِمْ إِلاَّ بِهِ.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ - فِعْلٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) نَفْسِهِ - وَلَوْ كَانَ تَهْدِيدًا بِأَخْذِ أَوْ حَبْسِ مَالِهِ الَّذِي لَهُ وَقْعٌ، لاَ التَّافِهِ الَّذِي لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ تَهْدِيدًا بِالْفُجُورِ بِامْرَأَتِهِ إِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.وَيَسْتَوِي التَّهْدِيدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ الْمُهَدَّدِ بِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَخَذَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَغَطَّهُ فِي الْمَاءِ لِيَرْتَدَّ، وَالتَّهْدِيدُ الْمُجَرَّدُ، خِلاَفًا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُجَرَّدِ التَّهْدِيدِ، كَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدَهُ. الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ عَمَّارٍ هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الآْخَرُونَ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ لاَ فَرْقَ، وَإِلاَّ تَوَصَّلَ الْمُعْتَدُونَ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ - بِالتَّهْدِيدِ الْمُجَرَّدِ - دُونَ تَحَمُّلِ تَبَعَةٍ، أَوْ هَلَكَ الْوَاقِعُ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّهْدِيدُ إِذَا رَفَضُوا الاِنْصِيَاعَ لَهُ، فَكَانَ إِلْقَاءً بِالأْيْدِي فِي التَّهْلُكَةِ، وَكِلاَهُمَا مَحْذُورٌ لاَ يَأْتِي الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. بَلْ فِي الأْثَرِ عَنْ عُمَرَ - وَفِيهِ انْقِطَاعٌ - مَا يُفِيدُ هَذَا التَّعْمِيمَ: ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً فِي عَهْدِهِ تَدَلَّى يَشْتَارُ (يَسْتَخْرِجُ) عَسَلاً، فَوَقَفَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى الْحَبْلِ، وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا، وَإِلاَّ قَطَعْتُهُ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالإْسْلاَمَ، فَقَالَتْ: لَتَفْعَلَنَّ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا. وَرُفِعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى عُمَرَ، فَرَأَى طَلاَقَ الرَّجُلِ لَغْوًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَرْأَةَ وَلِذَا اعْتَمَدَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ الْفَرْقِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِ رَجُلٍ لاَ يَمُتُّ إِلَى الْمُهَدَّدِ بِسَبَبٍ، إِنْ هُوَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَكَانِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ يُرَادُ لِلْقَتْلِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِكْرَاهًا، حَتَّى لَوْ أَنَّهُ وَقَعَتِ الدَّلاَلَةُ مِمَّنْ طُلِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ، لَكَانَ الدَّالُّ مُعِينًا عَلَى هَذَا الْقَتْلِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُعِينُ شَرِيكٌ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ - وَذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي أَجْنَبِيٍّ إِكْرَاهٌ فِي الأْيْمَانِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ.
وَالْفِعْلُ، فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ)، هُوَ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ لاَ تَقْبَلُ الإْكْرَاهَ، فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ بِلاَ شَكٍّ.
وَفِيمَا يُسَمِّيهِ فُقَهَاؤُنَا بِالْمُصَادَرَةِ فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَمَا إِلَيْهَا، الْفِعْلُ الَّذِي يُطْلَبُ مِنَ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) دَفْعُ الْمَالِ وَغَرَامَتُهُ، لاَ سَبَبُ الْحُصُولِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ - كَاسْتِقْرَاضٍ - فَيَصِحُّ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَخْلَصَ لَهُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ فِي إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُ. وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي جَعْلِ السَّبَبِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ - أَنْ يَقُولَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مِنْ أَيْنَ أَتَى بِالْمَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) سَبَبًا، كَأَنْ قَالَ لَهُ: بِعْ كَذَا، أَوْ عِنْدَ ابْنِ نُجَيْمٍ اقْتَصَرَ عَلَى الأْمْرِ بِالْبَيْعِ دُونَ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَقَعَ هَذَا السَّبَبُ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ طَائِلَةِ الإْكْرَاهِ.
وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ - بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمُتَابِعِيهِ - إِذْ جَعَلُوا السَّبَبَ أَيْضًا مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِإِطْلاَقٍ.
وَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ بِإِيذَاءِ الْغَيْرِ، مِمَّنْ يُحِبُّهُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ - عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الإْكْرَاهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ - بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
الْمَحْبُوبُ رَحِمًا مَحْرَمًا، أَوْ - كَمَا زَادَ بَعْضُهُمْ - زَوْجَةً.
وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُقَيِّدُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا وَإِنْ نَزَلَ، أَوْ وَالِدًا وَإِنْ عَلاَ. وَالشَّافِعِيَّةُ - وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الأْصُولِيَّةِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يُقَيِّدُونَهُ إِلاَّ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِيذَاؤُهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَالزَّوْجَةِ، وَالصَّدِيقِ، وَالْخَادِمِ. وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. حَتَّى لَقَدِ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنَ الإْكْرَاهِ مَا لَوْ قَالَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، أَوِ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ (دُونَ غَيْرِهِمَا): طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، وَإِلاَّ قَتَلْتُ نَفْسِي، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَالَ: وَإِلاَّ كَفَرْتُ، لأِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ.
وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى.
كَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الإْلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ، أَيِ: الإِْلْجَاءِ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَافِي لِلْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ - وَجَارَاهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - اكْتَفُوا بِظَنِّ الضَّرَرِ مِنْ جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَعِبَارَتُهُمْ: يَكُونُ (أَيِ الإْكْرَاهُ) بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ:
الرِّضَا لُغَةً: الاِخْتِيَارُ. يُقَالُ: رَضِيتُ الشَّيْءَ وَرَضِيتُ بِهِ: اخْتَرْتُهُ.
وَالاِخْتِيَارُ لُغَةً: أَخْذُ مَا يَرَاهُ خَيْرًا.
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا.
فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ هُوَ: امْتِلاَءُ الاِخْتِيَارِ وَبُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إِلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ وَنَحْوِهَا.
أَوْ هُوَ: إِيثَارُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُهُ.
وَالاِخْتِيَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الآْخَرِ.
أَوْ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ.
حُكْمُ الإْكْرَاهِ:
الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ مُحَرَّمًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ إِحْدَى الْكَبَائِرِ، لأِنَّهُ أَيْضًا يُنْبِئُ بِقِلَّةِ الاِكْتِرَاثِ بِالدَّيْنِ، وَلأِنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ».
شَرَائِطُ الإْكْرَاهِ
الشَّرِيطَةُ الأْولَى:
قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ، لِكَوْنِهِ مُتَغَلِّبًا ذَا سَطْوَةٍ وَبَطْشٍ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَلاَ أَمِيرًا - ذَلِكَ أَنَّ تَهْدِيدَ غَيْرِ الْقَادِرِ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ.
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:
خَوْفُ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) مِنْ إِيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ إِذَا كَانَ الْمَخُوفُ عَاجِلاً. فَإِنْ كَانَ آجِلاً، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالأْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ مَعَ التَّأْجِيلِ. وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَلَوْ إِلَى الْغَدِ.
وَالْمَقْصُودُ بِخَوْفِ الإْيقَاعِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، ذَلِكَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الأْدِلَّةِ، وَتَعَذُّرِ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِيقَةِ.
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ:
أَنْ يَكُونَ مَا هُدِّدَ بِهِ قَتْلاً أَوْ إِتْلاَفَ عُضْوٍ، وَلَوْ بِإِذْهَابِ قُوَّتِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَإِذْهَابِ الْبَصَرِ، أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَطْشِ أَوِ الْمَشْيِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهَا، أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَمِنْهُ تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُلِ بِاللِّوَاطِ.
أَمَّا التَّهْدِيدُ بِالإْجَاعَةِ، فَيَتَرَاوَحُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، فَلاَ يَصِيرُ مُلْجِئًا إِلاَّ إِذَا بَلَغَ الْجُوعُ بِالْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) حَدَّ خَوْفِ الْهَلاَكِ.
ثُمَّ الَّذِي يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْشْخَاصِ وَالأْحْوَالِ: فَلَيْسَ الأْشْرَافُ كَالأْرَاذِلِ، وَلاَ الضِّعَافُ كَالأْقْوِيَاءِ، وَلاَ تَفْوِيتُ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَتَفْوِيتِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، يُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ قَدْرَهَا.
الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ:
أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَوْلاَ الإْكْرَاهُ، إِمَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ - وَإِمَّا لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، وَإِمَّا لِحَقِّ الشَّرْعِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ ظُلْمًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ، أَوْ نَفْسِ هَذَا الشَّخْصِ، أَوِ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَوْ عَلَى ارْتِكَابِ مُوجِبِ حَدٍّ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ.
الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ:
أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى إِطْلاَقِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُتَعَيِّنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - مَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُصَادَرَةِ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي فِقْرَةِ .
وَمِنْهُ يُسْتَنْبَطُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَالَةِ الإْبْهَامِ أَدْنَى إِلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ أَوْغَلُ فِي الاِعْتِدَادِ بِالإْكْرَاهِ حِينَئِذٍ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ مَجَالُ الإْبْهَامِ أُمُورًا مُعَيَّنَةً.
أَمَّا الإْكْرَاهُ عَلَى طَلاَقِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، أَوْ قَتْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمَعَهُمْ مُوَافِقُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِرَغْمِ هَذَا التَّخْيِيرِ.
وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يَتَحَقَّقُ؛ لأِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ طَلاَقِ كُلٍّ بِطَلاَقِ الأْخْرَى، وَكَذَا فِي الْقَتْلِ، نَتِيجَةَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ.وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.
الشَّرِيطَةُ السَّادِسَةُ:
أَلاَّ يَكُونَ لِلْمُكْرَهِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خُيِّرَ الْمُكْرَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِتَسَاوِي هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ أَوْ تَفَاوُتِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ وَالْحِلُّ، وَتَفْصِيلُ الْكَلاَمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
إِنَّ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلاَ يُبَاحُ أَصْلاً، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا وَالْقَتْلِ.
أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ.
أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.
أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ طَلاَقِ امْرَأَتِهِ وَبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْنَ جَمْعِ الْمُسَافِرِ الصَّلاَةَ فِي الْحَجِّ وَفِطْرِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الأْرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ الأَْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُرْمَةِ أَوِ الْحِلِّ، يَتَرَتَّبُ حُكْمُ الإْكْرَاهِ عَلَى فِعْلِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ بِخِلاَفَاتِهِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ إِلاَّ عَلَى الأْحَدِ الدَّائِرِ دُونَ تَفَاوُتٍ، وَهَذَا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي مُعَيَّنٍ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، فَنَفَوْا حُصُولَ الإْكْرَاهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.
وَإِنْ تَفَاوَتَ الأْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مَنْدُوحَةً، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى الْمُقَابِلِ لَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْمُقَابِلُ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَالْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَمْ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَمْ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَبَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ، وَالإْفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ حُكْمُهُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ بِخِلاَفَاتِهِ.
وَتَكُونُ هَذِهِ الأْفْعَالُ مَنْدُوحَةً مَعَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ لاَ تَكُونُ مَنْدُوحَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَفِي الصُّوَرِ الثَّلاَثَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَهِيَ مَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّ الزِّنَى أَوِ الْقَتْلَ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ فِعْلُهُ صَادِرًا عَنْ طَوَاعِيَةٍ لاَ إِكْرَاهٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الإْذْنُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ، وَكَانَ الْفَاعِلُ عَالِمًا بِالإْذْنِ لَهُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ عِنْدَ الإْكْرَاهِ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ فِي حُكْمِ الأْمْرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الإْبَاحَةِ، فَلاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَنْدُوحَةً عَنْ فِعْلِ الآْخَرِ، وَيَكُونُ
الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، مَتَى كَانَ بِأَمْرٍ مُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوْ لأِحَدِ الأْعْضَاءِ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ أَوِ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مَنْدُوحَةً عَنِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا يَظَلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوْ بِغَيْرِ مُتْلِفٍ لأِحَدِهِمَا، لأِنَّ الإْكْرَاهَ بِغَيْرِ الْمُتْلِفِ لاَ يُزِيلُ الْحَظْرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا. وَالإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ - وَإِنْ كَانَ يُزِيلُ الْحَظْرَ - إِلاَّ أَنَّ إِزَالَتَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الاِضْطِرَارِ، وَلاَ اضْطِرَارَ مَعَ وُجُودِ الْمُقَابِلِ الْمُبَاحِ.
تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ
يَنْقَسِمُ الإْكْرَاهُ إِلَى: إِكْرَاهٍ بِحَقٍّ، وَإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَإِكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ.
أَوَّلاً: الإْكْرَاهُ بِحَقٍّ:
تَعْرِيفُهُ:
هُوَ الإْكْرَاهُ الْمَشْرُوعُ، أَيِ الَّذِي لاَ ظُلْمَ فِيهِ وَلاَ إِثْمَ.
وَهُوَ مَا تَوَافَرَ فِيهِ أَمْرَانِ:
الأْوَّلُ: أَنْ يَحِقَّ لِلْمُكْرِهِ التَّهْدِيدُ بِمَا هَدَّدَ بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِقُّ لِلْمُكْرِهِ الإْلْزَامُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ عَلَى الإْسْلاَمِ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ، حَيْثُ تَوَافَرَ فِيهِ الأْمْرَانِ، وَكَذَلِكَ إِكْرَاهُ الْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِكْرَاهُ الْمُولِي عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى زَوْجَتِهِ أَوْ طَلاَقِهَا إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الإْيلاَءِ.
أَثَرُهُ:
وَالْعُلَمَاءُ عَادَةً يَقُولُونَ: إِنَّ الإْكْرَاهَ بِحَقٍّ، لاَ يُنَافِي الطَّوْعَ الشَّرْعِيَّ - وَإِلاَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ إِكْرَاهَ الْعِنِّينِ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى الإْنْفَاقِ، وَالْمَدِينِ وَالْمُحْتَكِرِ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَرْضٌ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَقْبَرَةِ أَوِ الطَّرِيقِ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ التَّوْسِيعِ، وَمَنْ مَعَهُ طَعَامٌ يَحْتَاجُهُ مُضْطَرٌّ.
ثَانِيًا: الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ:
تَعْرِيفُهُ:
الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الإْكْرَاهُ ظُلْمًا، أَوِ الإْكْرَاهُ الْمُحَرَّمُ، لِتَحْرِيمِ وَسِيلَتِهِ، أَوْ لِتَحْرِيمِ الْمَطْلُوبِ بِهِ. وَمِنْهُ إِكْرَاهُ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لَهُ.
الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ:
تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ يَتَفَرَّدُ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ.
فَالإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِإِتْلاَفِ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهَا، أَوْ بِإِتْلاَفِ جَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ بِقَتْلِ مَنْ يُهِمُّ الإْنْسَانَ أَمْرُهُ.
وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ وَلاَ يُعْدِمُهُ. أَمَّا إِعْدَامُهُ لِلرِّضَا، فَلأِنَّ الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَكُونُ مَعَ أَيِّ إِكْرَاهٍ.
وَأَمَّا إِفْسَادُهُ لِلاِخْتِيَارِ دُونَ إِعْدَامِهِ، فَلأِنَّ الاِخْتِيَارَ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ بِتَرْجِيحٍ مِنَ الْفَاعِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَزُولُ بِالإْكْرَاهِ، فَالْمُكْرَهُ يُوقِعُ الْفِعْلَ بِقَصْدِهِ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ تَارَةً يَكُونُ صَحِيحًا سَلِيمًا، إِذَا كَانَ مُنْبَعِثًا عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَتَارَةً يَكُونُ فَاسِدًا، إِذَا كَانَ ارْتِكَابًا لأِخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كِلاَهُمَا شَرٌّ، فَفَعَلَ أَقَلَّهُمَا ضَرَرًا بِهِ، فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ لِمَا فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، بَلِ اخْتِيَارًا فَاسِدًا.
وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ: الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ، كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَالضَّرْبِ الَّذِي لاَ يُخْشَى مِنْهُ الْقَتْلُ أَوْ تَلَفُ بَعْضِ الأْعْضَاءِ.
وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لاَ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ اضْطِرَارِ الْمُكْرَهِ إِلَى الإْتْيَانِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ مَا هُدِّدَ بِهِ بِخِلاَفِ النَّوْعِ الأْوَّلِ.
أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُقَسِّمُوا الإْكْرَاهَ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الإْكْرَاهُ وَمَا لاَ يَتَحَقَّقُ، وَمِمَّا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يُؤْخَذُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ بِمَا سَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَمَّا مَا يُسَمَّى بِالإْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَعَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأْخْرَى لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ، فَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي لاَ يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: الْكُفْرُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالْمَعْصِيَةُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ، كَالْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ، وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ لَهَا زَوْجٌ، وَسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ صَحَابِيٍّ، أَوْ قَذْفٍ لِمُسْلِمٍ.
وَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: شُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالطَّلاَقُ وَالأْيْمَانُ وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالآْثَارِ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ:
هَذَا الأْثَرُ مَوْضِعُ خِلاَفٍ، بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِاخْتِلاَفِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ الإْكْرَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الإْقْرَارَاتِ، كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ إِبْطَالَ الإْقْرَارِ وَإِلْغَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ. فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِمَالٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ طَلاَقٍ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَاطِلاً، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، لأِنَّ الإْقْرَارَ إِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّرْجِيحُ مَعَ الإْكْرَاهِ، إِذْ هُوَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لاَ يَقْصِدُ بِإِقْرَارِهِ الصِّدْقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُدِّدَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ فِيهَا إِفْسَادَهَا لاَ إِبْطَالَهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، حَسَبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لاَزِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْمُكْرَهُ الثَّمَنَ، أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُهُ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الإْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ لاَ يُعْدِمُ الاِخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ فِعْلِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ أَوِ الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ الاِرْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَإِذَنْ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى فِقْدَانِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ لاَ بُطْلاَنُهُ. وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالُوا بِصِحَّتِهِمَا مَعَ الإْكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ مُلْجِئًا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: الزَّوَاجُ وَالطَّلاَقُ وَمُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ.
وَعَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ - عِنْدَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ - قَائِمًا مَقَامَ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقَائِلِهِ قَصْدٌ إِلَى مَعْنَاهُ، كَمَا فِي الْهَازِلِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ صَحِيحَةً إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ، مَعَ انْعِدَامِ قَصْدِهِ إِلَيْهَا، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآْثَارِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأْفْعَالِ، كَالإْكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ مَنْ لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ لِغَيْرِهِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الإْكْرَاهِ وَالْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ غَيْرَ مُلْجِئٍ - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ، أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَلاَ يَحِلُّ الإْقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ. وَإِذَا أَقْدَمَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) عَلَى الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ كَانَتِ الْمَسْئُولِيَّةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، لاَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ.
وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْعَمَلِ الْمُهِينِ لِذِي الْجَاهِ - فَالأْفْعَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - أَفْعَالٌ أَبَاحَهَا الشَّارِعُ أَصَالَةً دُونَ إِكْرَاهٍ كَالأْكْلِ وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى ارْتِكَابِهَا وَجَبَ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) أَنْ يَرْتَكِبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.
ب - أَفْعَالٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ إِتْيَانَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ أَوِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ، فَالْعَقْلُ مَعَ الشَّرْعِ يُوجِبَانِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.
فَهَذِهِ يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ فِعْلُهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الإْتْيَانُ بِهَا، إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قَتْلُ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وَلاَ شَكَّ أَنَّ الإْكْرَاهَ الْمُلْجِئَ مِنَ الضَّرُورَةِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ الإْثْمَ فِيهَا. فَيُبَاحُ الْفِعْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا. وَتَنَاوُلُ الْمُبَاحِ دَفْعًا لِلْهَلاَكِ عَنِ النَّفْسِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا - وَاجِبٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا لَمْ يُحَدَّ، لأَِنَّهُ لاَ جِنَايَةَ حِينَئِذٍ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا شُرِعَ زَجْرًا عَنِ الْجِنَايَاتِ.
ج - أَفْعَالٌ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى مَاتَ، كَانَ مُثَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوِ الاِسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْإنْسَانُ عَلَى الإْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ).
وَمِنَ السُّنَّةِ مَا جَاءَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ « أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ: شَرٌّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ».
وَقَدْ أَلْحَقَ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ بِهَذَا النَّوْعِ الإْكْرَاهَ عَلَى إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَوْ صَبَرَ وَتَحَمَّلَ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ الإْتْلاَفِ عَلَى الْحَامِلِ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْفَاعِلِ، لأِنَّ فِعْلَ الإْتْلاَفِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، فَيَثْبُتُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
د - أَفْعَالٌ لاَ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، فَهَذِهِ الأْفْعَالُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْهَا ضَيَاعُ نَفْسِهِ، لأِنَّ نَفْسَ الْغَيْرِ مَعْصُومَةٌ كَنَفْسِ الْمُكْرَهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عِقَابُ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي نَوْعِ هَذَا الْعِقَابِ.
فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: إِنَّهُ الْقِصَاصُ، لأِنَّ الْقَتْلَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ عَلَى آلَةِ الْقَتْلِ.
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إِنَّهُ الدِّيَةُ، لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَامِلِ وَالْمُكْرَهِ.
وَهَذَا الْقَتْلُ يَقُومُ مَانِعًا مِنَ الإْرْثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مُكَلَّفًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ فَلاَ يَكُونُ مَانِعًا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفًا.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) فَلاَ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَ الْمُكْرَهِ وَلاَ الْمُكْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ كَأَنْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلأِنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا عَنِ الْمَقْتُولِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَمَّ إِكْرَاهٌ، لأِنَّ الْمُهَدَّدَ بِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ وَلاَ شَيْءَ مِنْ آثَارِهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي هَذَا الْقَتْلِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ لأَقْتُلَنَّكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُ مَا هُوَ الأْهْوَنُ فِي ظَنِّهِ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: يَصْبِرُ وَلاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ، لأِنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إِهْلاَكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الأْنْهُرِ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: الزِّنَا، فَإِنَّهُ لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ الإْكْرَاهِ، كَمَا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ، لأِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا لاَ تَرْتَفِعُ بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، فَإِذَا فَعَلَهُ إِنْسَانٌ تَحْتَ تَأْثِيرِ الإْكْرَاهِ كَانَ آثِمًا، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لأِثَرِ الإْكْرَاهِ، نَصُّهُ:
الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْقَوْلِ أَمِ الْفِعْلِ. وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلاً يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَكَذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:
أ - فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حِلًّا أَوْ إِقْرَارًا أَوْ يَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّخْوِيفِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى مَلأَ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) شَيْئًا مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - طَائِعًا بَعْدَ زَوَالِ الإْكْرَاهِ لَزِمَ عَلَى الأْحْسَنِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلاَ تَصِحُّ إِجَازَتُهُ.
ب - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ
صُوَرِهِ، أَوْ قَذْفِ الْمُسْلِمَ بِالزِّنَا، أَوِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ خَلِيَّةٍ (غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ)، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأْشْيَاءِ إِلاَّ فِي حَالَةِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، لاَ فِيمَا دُونَهُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ سَجْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ مُرْتَدًّا، وَيُحَدُّ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ، وَفِي الزِّنَا.
ج - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ، أَوْ عَلَى زِنًا بِمُكْرَهَةٍ، أَوْ بِامْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ، فَلاَ يَجُوزُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا لِلْقَاتِلِ مِنْ مِيرَاثِ الْمَقْتُولِ، لأِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) يُقْتَصُّ مِنْهُ أَيْضًا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.
فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ، كَالإْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَبَتْرِ الأْعْضَاءِ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ) يَخْتَارُ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ اللَّقَانِيُّ.وَإِنْ زَنَى يُحَدُّ.
د - وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ - غَيْرِ الْكُفْرِ - لاَ حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَأَكْلِهِ مَيْتَةً، أَوْ إِبْطَالِ عِبَادَةٍ كَصَلاَةٍ وَصَوْمٍ، أَوْ عَلَى تَرْكِهَا فَيَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الصَّلاَةِ يَكُونُ الإْكْرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، وَلاَ يَسْقُطُ وُجُوبُهَا. وَفِي شُرْبِ الْخَمْرِ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ.
وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِهَذَا النَّوْعِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، خِلاَفًا لِلْمَذْهَبِ.
وَيُضِيفُ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالإْكْرَاهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ لأِنَّهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.
أ - الإْكْرَاهُ بِالْقَوْلِ:
إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حَلًّا أَوْ أَيَّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَمَلاً بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ » إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ رَفْعَ مَا وَقَعَ لِمَكَانِ الاِسْتِحَالَةِ، وَإِنَّمَا رَفْعُ حُكْمِهِ، مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْعُمُومُ فِي مَوْضِعِ دَلاَلَتِهِ. وَبِمُقْتَضَى أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ يُقَرِّرُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِلاَّ فِي الصَّلاَةِ فَتَبْطُلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلاَ يَجِبُ، بَلِ الأْفْضَلُ الاِمْتِنَاعُ مُصَابَرَةً عَلَى الدِّينِ وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ.
وَفِي طَلاَقِ زَوْجَةِ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) أَوْ بَيْعِ مَالِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ فِيهِ إِذْنًا - أَبْلَغُ.
وَالإْكْرَاهُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، وَفِي الإْكْرَاهِ بِالْحُكْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، فَلاَ يَرْتَفِعُ الإْثْمُ عَنْ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلاَ عَنِ الْحَاكِمِ الْبَاطِلِ، وَحُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ حُكْمُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)
ب - الإْكْرَاهُ بِالْفِعْلِ:
لاَ أَثَرَ لِلإْكْرَاهِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلاَّ فِيمَا يَأْتِي:
(1) الْفِعْلُ الْمُضَمِّنُ كَالْقَتْلِ أَوْ إِتْلاَفِ الْمَالِ أَوِ الْغَصْبِ، فَعَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)،وَإِنْ قِيلَ: لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) بِمَا غَرِمَ فِي إِتْلاَفِ الْمَالِ، لأِنَّهُ افْتَدَى بِالإْتْلاَفِ نَفْسَهُ عَنِ الضَّرَرِ. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ: فَيُقْتَلُ هُوَ - الْمُكْرَهُ - (بِالْفَتْحِ) وَمَنْ أَكْرَهَهُ.
(2) الزِّنَا وَمَا إِلَيْهِ: يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ)
بِالزِّنَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ حُكْمُهُ.
(3) الرَّضَاعُ: فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فِي الْمُنَاكَحَاتِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا.
(4) كُلُّ فِعْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بُطْلاَنُ الصَّلاَةِ، كَالتَّحَوُّلِ عَنِ الْقِبْلَةِ، وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَتَرْكِ قِيَامِ الْقَادِرِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالْحَدَثِ، فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِمَا تَقَدَّمَ بِرَغْمِ الإْكْرَاهِ عَلَيْهِ.
(5) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ: تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الَّذِي تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) مَجُوسِيًّا، أَوْ مُحْرِمًا وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ الإْكْرَاهَ يُسَاوِي النِّسْيَانَ، فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ، إِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ، فَلاَ يَسْقُطُ تَدَارُكُهُ، وَلاَ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الإْتْلاَفِ، فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ، إِلاَّ الْقَتْلَ عَلَى الأْظْهَرِ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:
أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ تَقَعُ بَاطِلَةً مَعَ الإْكْرَاهِ إِلاَّ النِّكَاحَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإْكْرَاهِ، قِيَاسًا لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِلِ.وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ مَعَ الإْكْرَاهُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ « لاَ طَلاَقَ فِي إِغْلاَقٍ »، وَالإْكْرَاهُ مِنَ الإْغْلاَقِ.
ب - وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لاَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، وَمَتَى زَالَ عَنْهُ الإْكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إِسْلاَمِهِ، وَالأْفْضَلُ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَصْبِرَ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الإْسْلاَمِ مَنْ لاَ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَأَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الإْسْلاَمِ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلاَمِهِ طَوْعًا.
أَمَّا مَنْ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ عَلَى الإْسْلاَمِ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ فَأَسْلَمَ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا.
ج - وَالإْكْرَاهُ يُسْقِطُ الْحُدُودَ عَنِ الْمُكْرَهِ، لأِنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ
د - وَإِذَا أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ صَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَحَبَّ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ أَحَدِهِمَا، وَأَخْذَ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنَ الآْخَرِ أَوِ الْعَفْوَ فَلَهُ ذَلِكَ.وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ.
وَالْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.
فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) فَإِنَّهُ
يَكُونُ هَدَرًا، وَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ دِيَةَ وَلاَ قِصَاصَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
أَثَرُ إِكْرَاهِ الصَّبِيِّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ:
إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ صَبِيًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ آلَةً فِي يَدِ الْمُكْرِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ.
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، اعْتُبِرَ آلَةً عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ.
وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ). وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، لاَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، لأَِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ، وَالْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) شَرِيكُ الْمُخْطِئِ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 153
ب - السَّرِقَةُ:
السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَخْذُهُ خُفْيَةً ظُلْمًا فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ فِي بَابِهَا.
فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِرَابَةَ فِيهَا مُجَاهَرَةٌ وَمُكَابَرَةٌ وَسِلاَحٌ.
الأْصْلُ فِي جَزَاءِ الْحِرَابَةِ:
الأْصْلُ فِي بَيَانِ جَزَاءِ الْحِرَابَةِ قوله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْض ( إِلَخْ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا فِي الصُّفَّةِ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِنَا رِسْلاً، فَقَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الصَّرِيخُ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ وَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
مَنْ يُعْتَبَرُ مُحَارِبًا:
الْمُحَارِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ كُلُّ مُلْتَزِمٍ مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَالَ بِقُوَّةٍ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَعْرِيفَاتٌ أُخْرَى لاَ تَخْرُجُ فِي مَفْهُومِهَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.
وَلاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِ شُرُوطٍ فِي الْمُحَارِبِينَ حَتَّى يُحَدُّوا حَدَّ الْحِرَابَةِ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْجُمْلَةِ هِيَ:
أ - الاِلْتِزَامُ.
ب - التَّكْلِيفُ.
ج - وُجُودُ السِّلاَحِ مَعَهُمُ.
د - الْبُعْدُ عَنِ الْعُمْرَانِ.
هـ - الذُّكُورَةُ.
و - الْمُجَاهَرَةُ.
وَلَمْ يَتَّفِقِ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا، بَلْ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِهَا اخْتِلاَفٌ بَيَانُهُ كَمَا يَلِي:
أ - الاِلْتِزَامُ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ: أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا، فَلاَ يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ، وَلاَ الْمُعَاهَدُ، وَلاَ الْمُسْتَأْمَنُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) وَهَؤُلاَءِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَبَعْدَهَا، ولقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (وَلِخَبَرِ: «الإْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ».وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَقَدِ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ فَلَهُ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا.
وَظَاهِرُ عِبَارَةِ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ فِي أَحْكَامِ الْحِرَابَةِ. وَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ
فَقَدْ وَقَعَ الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ يَكُونُ مُحَارِبًا أَوْ لاَ.
ب - التَّكْلِيفُ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ شَرْطَانِ فِي عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ لأِنَّهُمَا شَرْطَا التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَنْ اشْتَرَكَ مَعَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ. وَقَالُوا: لأِنَّهَا شُبْهَةٌ اخْتُصَّ بِهَا وَاحِدٌ فَلَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْبَاقِينَ. كَمَا لَوِ اشْتَرَكُوا فِي الزِّنَى بِامْرَأَةٍ.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ شَرِيكَ الصَّبِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَحَصَرُوا مُسْقِطَاتِ الْحَدِّ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي تَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مُسْقِطًا آخَرَ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ رَجُلٌ هَارِبًا وَقَتَلَهُ صَبِيٌّ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ عِنْدَهُمْ.وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ شَرِيكَ الصَّبِيِّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ يُحَدُّ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ فِي الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِ الْمَارَّةِ فَلاَ حَدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَاشَرَ الْعُقَلاَءُ الْفِعْلَ أَمْ لَمْ يُبَاشِرُوا، وَقَالُوا: لأِنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضُ الْعِلَّةِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْحُكْمُ. وَقَالَ وَأَبُو يُوسُفَ: إِذَا بَاشَرَ الْعُقَلاَءُ الْفِعْلَ يُحَدُّونَ.
ج - الذُّكُورَةُ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الذُّكُورَةُ.
فَلَوِ اجْتَمَعَ نِسْوَةٌ لَهُنَّ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ فَهُنَّ قَاطِعَاتُ طَرِيقٍ وَلاَ تَأْثِيرَ لِلأْنُوثَةِ عَلَى الْحِرَابَةِ، فَقَدْ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالتَّدْبِيرِ مَا لِلرَّجُلِ فَيَجْرِي عَلَيْهَا مَا يَجْرِي عَلَى الرَّجُلِ مِنْ أَحْكَامِ الْحِرَابَةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الذُّكُورَةُ: فَلاَ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَإِنْ وَلِيَتِ الْقِتَالَ وَأَخْذَ الْمَالِ، لأِنَّ رُكْنَ الْحِرَابَةِ هُوَ: الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ وَالْمُغَالَبَةِ وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ عَادَةً لِرِقَّةِ قُلُوبِهِنَّ وَضَعْفِ بِنْيَتِهِنَّ، فَلاَ يَكُنَّ مِنْ أَهْلِ الْحِرَابَةِ.
وَلِهَذَا لاَ يُقْتَلْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلاَ يُحَدُّ كَذَلِكَ
مَنْ يُشَارِكُهُنَّ فِي الْقَطْعِ مِنَ الرِّجَالِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. سَوَاءٌ بَاشَرُوا الْجَرِيمَةَ أَمْ لَمْ يُبَاشِرُوا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا بَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ الْقِتَالَ وَأَخْذَ الْمَالِ، يُحَدُّ الرِّجَالُ الَّذِينَ يُشَارِكُونَهَا، لأِنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِعَدَمِ الأْهْلِيَّةِ، لأِنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، بَلْ لِعَدَمِ الْمُحَارَبَةِ عَادَةً، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يُشَارِكُونَهَا، فَلاَ يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ.
د - السِّلاَحُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ السِّلاَحِ فِي الْمُحَارِبِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُحَارِبِ سِلاَحٌ، وَالْحِجَارَةُ وَالْعِصِيُّ سِلاَحٌ «هُنَا» فَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلنَّاسِ بِالْعِصِيِّ وَالأَْحْجَارِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ.
وَلاَ يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمْلَ السِّلاَحِ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَوْ بِاللَّكْزِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ.
هـ - الْبُعْدُ عَنِ الْعُمْرَانِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْبُعْدُ عَنِ الْعُمْرَانِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فَقْدُ الْغَوْثِ.
وَلِفَقْدِ الْغَوْثِ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ، وَلاَ يَنْحَصِرُ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْعُمْرَانِ.
فَقَدْ يَكُونُ لِلْبُعْدِ عَنِ الْعُمْرَانِ أَوِ السُّلْطَانِ.
وَقَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ أَهْلِ الْعُمْرَانِ، أَوْ لِضَعْفِ السُّلْطَانِ.
فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ بَيْتًا وَشَهَرُوا السِّلاَحَ وَمَنَعُوا أَهْلَ الْبَيْتِ مِنَ الاِسْتِغَاثَةِ فَهُمْ قُطَّاعُ طُرُقٍ فِي حَقِّهِمْ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ إِذَا وُجِدَ فِي الْعُمْرَانِ وَالأْمْصَارِ وَالْقُرَى كَانَ أَعْظَمَ خَوْفًا وَأَكْثَرَ ضَرَرًا، فَكَانَ أَوْلَى بِحَدِّ الْحِرَابَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْبُعْدِ عَنِ الْعُمْرَانِ. فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمُ الإْرْعَابُ وَأَخْذُ الْمَالِ فِي الْقُرَى وَالأْمْصَارِ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ، وَقَالُوا: لأِنَّ الْوَاجِبَ يُسَمَّى حَدَّ قُطَّاعِ الطُّرُقِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلأِنَّ مَنْ فِي الْقُرَى وَالأْمْصَارِ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ غَالِبًا فَتَذْهَبُ شَوْكَةُ الْمُعْتَدِينَ، وَيَكُونُونَ مُخْتَلِسِينَ وَهُوَ لَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ.
و - الْمُجَاهَرَةُ:
الْمُجَاهَرَةُ أَنْ يَأْخُذَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ الْمَالَ جَهْرًا فَإِنْ أَخَذُوهُ مُخْتَفِينَ فَهُمْ سُرَّاقٌ، وَإِنِ اخْتَطَفُوا وَهَرَبُوا فَهُمْ مُنْتَهِبُونَ وَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ إِنْ خَرَجَ الْوَاحِدُ، وَالاِثْنَانِ عَلَى آخِرِ قَافِلَةٍ، فَاسْتَلَبُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ لأِنَّهُمْ لاَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ. وَإِنْ تَعَرَّضُوا لِعَدَدٍ يَسِيرٍ فَقَهَرُوهُمْ، فَهُمْ قُطَّاعُ طُرُقٍ.
حُكْمُ الرِّدْءِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرِّدْءِ أَيْ الْمُعِينِ لِلْقَاطِعِ بِجَاهِهِ أَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ أَوْ بِتَقْدِيمِ أَيِّ عَوْنٍ لَهُمْ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْقَطْعَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، لأِنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ، وَلأِنَّ مِنْ عَادَةِ الْقُطَّاعِ أَنْ يُبَاشِرَ الْبَعْضُ، وَيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْبَعْضُ الآْخَرُ، فَلَوْ لَمْ يُلْحَقِ الرِّدْءُ بِالْمُبَاشِرِ
فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُحَدُّ الرِّدْءُ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ كَسَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا.
عُقُوبَةُ الْمُحَارِبِينَ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ عُقُوبَةَ الْمُحَارِبِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لاَ تَقْبَلُ الإِِْسْقَاطَ وَلاَ الْعَفْوَ مَا لَمْ يَتُوبُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.
وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ: أَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَمْ عَلَى التَّنْوِيعِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ «أَوْ» فِي الآْيَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الأْحْكَامِ، وَتَوْزِيعِهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا فِي الْجِنَايَاتِ:
فَمَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، قُتِلَ وَصُلِبَ. وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى.
وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَقْتُلْ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً نُفِيَ مِنَ الأْرْضِ.
وَالنَّفْيُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَعْزِيرٌ وَلَيْسَ حَدًّا، فَيَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِغَيْرِهِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ إِنْ رَأَى الإْمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالُوا: بِهَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الآْيَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى: أَنْ يُقَتَّلُوا إِنْ قَتَلُوا. أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ الْقَتْلِ إِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ. أَوْ تُقَطَّعُ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ، إِنِ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ، إِنْ أَرْعَبُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا وَلَمْ يَقْتُلُوا، وَحَمَلُوا كَلِمَةَ «أَوْ» عَلَى التَّنْوِيعِ لاَ التَّخْيِيرِ، كَمَا فِي قوله تعالى: ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ: كُونُوا هُودًا وَقَالَتِ النَّصَارَى: كُونُوا نَصَارَى وَلَمْ يَقَعْ تَخْيِيرُهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّة.
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِجْرَاءُ الآْيَةِ عَلَى ظَاهِرِ التَّخْيِيرِ فِي مُطْلَقِ الْمُحَارِبِ لأِمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ: أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ، يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الْجِنَايَةِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا بِمُقْتَضَى
الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى: ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) فَالتَّخْيِيرُ فِي جَزَاءِ الْجِنَايَةِ الْقَاصِرَةِ بِمَا يَشْمَلُ جَزَاءَ الْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَفِي الْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ بِمَا يَشْمَلُ جَزَاءَ الْجِنَايَةِ الْقَاصِرَةِ خِلاَفُ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ.
يَزِيدُ هَذَا إِجْمَاعُ الأْمَّةِ عَلَى أَنَّ قُطَّاعَ الطُّرُقِ إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ، لاَ يَكُونُ جَزَاؤُهُمُ الْمَعْقُولُ النَّفْيَ وَحْدَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ التَّخْيِيرِ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّخْيِيرَ الْوَارِدَ فِي الأْحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَرْفِ التَّخْيِيرِ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهِ إِذَا كَانَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَاحِدًا كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ السَّبَبُ مُخْتَلِفًا، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ التَّخْيِيرَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي نَفْسِهِ.
وَقَطْعُ الطَّرِيقِ مُتَنَوِّعٌ، وَبَيْنَ أَنْوَاعِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْجَرِيمَةِ، فَقَدْ يَكُونُ بِأَخْذِ الْمَالِ فَقَطْ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقَتْلِ لاَ غَيْرُ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الأْمْرَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّخْوِيفِ فَحَسْبُ، فَكَانَ سَبَبُ الْعِقَابِ مُخْتَلِفًا. فَتُحْمَلُ الآْيَةُ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ فَيُقَتَّلُونَ وَيُصَلَّبُونَ إِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ، وَتُقَطَّعُ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ إِنْ أَخَذُوا الْمَالَ لاَ غَيْرُ، وَيُنْفَوْنَ مِنَ الأْرْضِ، إِنْ أَخَافُوا الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا نَفْسًا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: بَدَأَ بِالأْغْلَظِ فَالأْغْلَظِ وَالْمَعْهُودُ مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ، الْبُدَاءَةُ بِالأْخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ التَّرْتِيبُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالأْغْلَظِ فَالأْغْلَظِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَخَذَ قَبْلَ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ حُبِسَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ حَتَّى يَتُوبَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الآْيَةِ، وَإِنْ أَخَذَ مَالاً مَعْصُومًا بِمِقْدَارِ النِّصَابِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ، وَإِنْ قَتَلَ مَعْصُومًا وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً قُتِلَ. أَمَّا إِنْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ، وَهُوَ الْمُحَارِبُ الْخَاصُّ فَالإْمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ فَقَطْ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلْبِ هُنَا طَعْنُهُ وَتَرْكُهُ حَتَّى يَمُوتَ وَلاَ يُتْرَكُ أَكْثَر مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ إِفْرَادُ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ انْضِمَامِ الْقَتْلِ أَوِ الصَّلْبِ إِلَيْهِ، لأِنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ وَأَخْذُ مَالٍ، وَالْقَتْلُ وَحْدَهُ فِيهِ الْقَتْلُ، وَأَخْذُ الْمَالِ وَحْدَهُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَفِيهِمَا مَعَ الإْخَافَةِ لاَ يُعْقَلُ الْقَطْعُ وَحْدَهُ. وَقَالَ: صَاحِبَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: يُصْلَبُونَ وَيُقْتَلُونَ وَلاَ يُقْطَعُونَ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ الآْيَةَ تَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْجَزَاءَاتِ الأْرْبَعَةِ.
فَإِذَا خَرَجُوا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَدَرَ عَلَيْهِمُ الإْمَامُ، خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَيْ هَذِهِ الأْحْكَامَ إِنْ رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الإْمَامُ مَالِكٌ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
وَهُوَ إِنْ قَتَلَ فَلاَ بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ، إِلاَّ إِنْ رَأَى الإْمَامُ أَنَّ فِي إِبْقَائِهِ مَصْلَحَةً أَعْظَمَ مِنْ قَتْلِهِ.
وَلَيْسَ لَهُ تَخْيِيرٌ فِي قَطْعِهِ، وَلاَ نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ. وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ لاَ تَخْيِيرَ فِي نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلاَفٍ، وَإِنْ أَخَافَ السَّبِيلَ فَقَطْ فَالإْمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ، بِاعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ. هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ تُصْلَبُ، وَلاَ تُنْفَى، وَإِنَّمَا حَدُّهَا: الْقَطْعُ مِنْ خِلاَفٍ، أَوِ الْقَتْلُ الْمُجَرَّدُ وَاسْتَدَلُّوا بِظَاهِرِ الآْيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ بِكَلِمَةِ «أَوْ» وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّخْيِيرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ «أَوْ» فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ.
كَيْفِيَّةُ تَنْفِيذِ الْعُقُوبَةِ:
أ - (النَّفْيُ):
18 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً وَلَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا فَعُقُوبَتُهُ النَّفْيُ مِنَ الأْرْضِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نَفْيُهُ حَبْسُهُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ: إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ إِبْعَادُهُ عَنْ بَلَدِهِ إِلَى مَسَافَةِ الْبُعْدِ وَحَبْسُهُ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْحَبْسُ أَوْ غَيْرُهُ كَالتَّغْرِيبِ كَمَا فِي الزِّنَى.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: نَفْيُهُمْ: أَنْ يُشَرَّدُوا فَلاَ يُتْرَكُوا يَسْتَقِرُّونَ فِي بَلَدٍ.
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ كَنَفْيِ الزَّانِي.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا تُغَرَّبُ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِعُمُومِ النَّصِّ ( أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ).
وَاشْتَرَطُوا لِتَغْرِيبِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا مَحْرَمُهَا فَإِِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَحْرَمُهَا فَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تُغَرَّبُ إِلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِتَقْرَبَ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْفَظُوهَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُؤَخَّرُ التَّغْرِيبُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَغْرِيبَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلاَ صَلْبَ.
ب - الْقَتْلُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُغَلَّبُ فِي قَتْلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، إِذَا قَتَلَ فَقَطْ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّهُ يُغَلَّبُ الْحَدُّ، فَيُقْتَلُ وَإِنْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ، وَلاَ يُشْتَرَطُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، فَيَقْتُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، كَمَا لاَ عِبْرَةَ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْقَوَدِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لأِحْمَدَ: يُغَلَّبُ جَانِبُ الْقِصَاصِ لأِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ فَيُقْتَلُ قِصَاصًا أَوَّلاً، فَإِذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ
الْقِصَاصِ عَنْهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَيُشْتَرَطُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، لِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»وَعَلَى هَذَا إِذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوِ الْحُرُّ غَيْرَ حُرٍّ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً، لَمْ يَقْتُلْ قِصَاصًا، وَيَغْرَمُ دِيَةَ الذِّمِّيِّ، وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ.
ج - الْقَطْعُ مِنْ خِلاَفٍ:
يُرَاعَى فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ مَا يُرَاعَى فِي قَطْعِ السَّارِقِ.وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَرِقَةٌ).
د - الصَّلْبُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ الصَّلْبِ، وَمُدَّتِهِ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: يُصْلَبُ حَيًّا، وَيُقْتَلُ مَصْلُوبًا.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُتْرَكُ مَصْلُوبًا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُحَدَّدُ مُدَّةُ الصُّلْبِ بِاجْتِهَادِ الإْمَامِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا لِلتَّشْهِيرِ بِهِ ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُقْتَلُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ: يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْقَتْلَ عَلَى الصَّلْبِ لَفْظًا. فَيَجِبُ تَقْدِيمُ مَا ذُكِرَ أَوَّلاً فِي الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ).وَلأِنَّ فِي صَلْبِهِ حَيًّا تَعْذِيبًا لَهُ.وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإْحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ».
وَعَلَى هَذَا الرَّأْيِ: يُقْتَلُ، ثُمَّ يُغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَيُتْرَكُ مَصْلُوبًا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلاَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ مَا يَتَّصِلُ بِالصَّلْبِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَصْلِيبٌ).
ضَمَانُ الْمَالِ وَالْجِرَاحَاتِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ:
إِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى الْمُحَارِبِ، فَهَلْ يُضْمَنُ مَا أَخَذَهُ مِنَ الْمَالِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْجِرَاحَاتِ ؟ اخْتَلَفَ الأْئِمَّةُ فِي ذَلِكَ:
فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالاً وَأُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ ضَمِنُوا الْمَالَ مُطْلَقًا.
ثُمَّ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ، لاَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الأْخْذَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالُوا: لأِنَّ وُجُودَ الضَّمَانِ لَيْسَ بِحَدٍّ فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُبَاشِرِ لَهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنًا لِلْمَالِ الْمَأْخُوذِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ لأَنَّهُمْ كَالْحُمَلاَءِ (الْكُفَلاَءِ) فَكُلُّ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أُخِذَ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِتَقَوِّي بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَمَنْ دَفَعَ أَكْثَر مِمَّا أَخَذَ يَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ.
أَمَّا الْجِرَاحَاتُ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا جَرَحَ جَرْحًا فِيهِ قَوَدٌ فَانْدَمَلَ لَمْ يَتَحَتَّمْ بِهِ قِصَاصٌ فِي الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بَلْ يُتَخَيَّرُ الْمَجْرُوحُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لأِنَّ التَّحَتُّمَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَاخْتُصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ، وَلأِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَرْعِ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْمُحَارِبِ بِالْجِرَاحِ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لأِحْمَدَ: يَتَحَتَّمُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالنَّفْسِ لأِنَّ الْجِرَاحَ تَابِعَةٌ لِلْقَتْلِ فَيَثْبُتُ فِيهَا مِثْلُ حُكْمِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِيَّةِ: يَتَحَتَّمُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لأِنَّهُمَا مِمَّا يَسْتَحِقَّانِ فِي الْمُحَارَبَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
أَمَّا إِذَا سَرَى الْجُرْحُ إِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ يَتَحَتَّمُ الْقَتْلُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالاً وَأُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا رَدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا لاَ يَضْمَنُونَهُ، لأِنَّهُ لاَ يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ سَوَاءٌ كَانَتْ خَطَأً أَمْ عَمْدًا، لأِنَّهُ إِذَا كَانَتْ خَطَأً، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الأْمْوَالِ، وَلاَ يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ مَعَ إِقَامَةِ الْحَدِّ فَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ.
مَا تَثْبُتُ بِهِ الْحِرَابَةُ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ جَرِيمَةَ الْحِرَابَةِ تَثْبُتُ قَضَاءً بِالإْقْرَارِ، أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرُّفْقَةِ فِي الْحِرَابَةِ، فَإِذَا شَهِدَ عَلَى
الْمُحَارِبِ اثْنَانِ مِنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لأِنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ بَحَثَ لَمْ يَلْزَمْهُمُ الإْجَابَةُ، أَمَّا إِذَا تَعَرَّضُوا لأِنْفُسِهِمَا بِأَنْ يَقُولاَ: قَطَعُوا عَلَيْنَا الطَّرِيقَ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَنَا لَمْ يُقْبَلاَ، لاَ فِي حَقِّهِمَا وَلاَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِلْعَدَاوَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتُقْبَلُ عِنْدَهُ فِي الْحِرَابَةِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ. حَتَّى لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى رَجُلٍ اشْتُهِرَ بِالْحِرَابَةِ أَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَهِرُ بِالْحِرَابَةِ تَثْبُتُ الْحِرَابَةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهُ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (شَهَادَةٌ وَإِقْرَارٌ).
سُقُوطُ عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ:
يَسْقُطُ حَدُّ الْحِرَابَةِ عَنِ الْمُحَارِبِينَ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ فِي شَأْنِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَقًّا لِلَّهِ، وَهُوَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ مِنْ خِلاَفٍ، وَالنَّفْيِ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْحَدَّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.
أَمَّا حُقُوقُ الآْدَمِيِّينَ فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. فَيَغْرَمُونَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إِذَا قَتَلُوا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَلاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْحَقِّ فِي مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 161
قَطْعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ:
فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: فَإِذَا سَرَقَ مِنَ الْحَمَّامِ لَيْلاً قُطِعَ، لأِنَّهُ بُنِيَ لِلْحِرْزِ، وَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ نَهَارًا لاَ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ نَهَارًا، فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ، وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ بَعْضَ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالنَّهَارِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ نِصَابًا مِنْ آلاَتِهِ أَوْ مِنْ ثِيَابِ الدَّاخِلِينَ يُقْطَعُ: إِنْ كَانَ دَخَلَهُ لِلسَّرِقَةِ لاَ لِلاِسْتِحْمَامِ، أَوْ نَقَبَ حَائِطَهُ وَدَخَلَ مِنَ النَّقْبِ أَوْ تَسَوَّرَ وَسَرَقَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْحَمَّامِ حَارِسٌ أَمْ لاَ. أَمَّا إِنْ سَرَقَ الْحَمَّامَ مِنْ بَابِهِ أَوْ دَخَلَهُ مُغْتَسِلاً فَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ لأِنَّهُ خَائِنٌ .وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُقْطَعُ سَارِقُ الْحَمَّامِ إِنْ كَانَ لِلْمَتَاعِ حَافِظٌ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الثِّيَابِ الْمَسْرُوقَةِ أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَافِظٌ فَلاَ يُقْطَعُ، لأِنَّهُ مَأْذُونٌ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ، فَجَرَى مَجْرَى سَرِقَةِ الضَّيْفِ مِنَ الْبَيْتِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي دُخُولِهِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لأِنَّهُ مَتَاعٌ لَهُ حَافِظٌ .وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «سَرِقَةٌ».
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 153
اشْتِرَاطُ حَمْلِ السِّلاَحِ لِحَدِّ الْحِرَابَةِ (قَطْعُ الطَّرِيقِ):
يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الَّذِي يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سِلاَحٌ، وَالْحِجَارَةُ وَالْعَصَا سِلاَحٌ هُنَا، فَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلنَّاسِ بِالْعِصِيِّ وَالأْحْجَارِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ.
وَلاَ يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمْلَ السِّلاَحِ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَوْ بِالْكَسْرِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ، أَيْ: بِالْكَفِّ مَقْبُوضَةً.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 297
اللَّيْلُ:
اللَّيْلُ: فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوِ الشَّمْسِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: هُوَ مِنْ غِيَابِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوْ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
والصلة بين اليوم والليل التضاد