loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- معيار التمييز بين الأسلحة النارية غير المششخنة والمششخنة . ماهيته ؟مجرد قول الشهود أن المطعون ضده كان يحمل بندقية آلية وقت ارتكاب الجريمة أو ضبط مظروف فارغ مما يستخدم على هذه البنادق . غير كاف لاعتبار السلاح مششخناً . علة ذلك ؟إدانة المطعون ضده بجريمة إحراز سلاح ناري مششخن لا يجوز الترخيص به وإنزال مواد العقاب المقررة لها قانوناً دون ضبط السلاح المستخدم فى الجريمة وفحصه فنياً . خطأ فى تطبيق القانون . وجوب أخذه بالقدر المتيقن فى حقه وهو إحراز سلاح ناري ومعاقبته بالمادة 26 من القانون 394 لسنة 1954 والجدول رقم (2) الملحق به . إعمال الارتباط فى حق المطعون ضده ومعاقبته بعقوبة تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة السرقة بالإكراه ذات العقوبة الأشد . أثره ؟ لما كان معيار التمييز بين الأسلحة النارية غير المششخنة الواردة فى الجدول رقم (2) الملحق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر ، المعدل بالقانون رقم 6 لسنة 2012 وهي الأسلحة النارية ذات الماسورة المصقولة من الداخل ، وبين الأسلحة النارية المششخنة الواردة فى الجدول رقم (3) الملحق بالقانون المذكور ، هو ما إذا كانت ماسورة السلاح الناري مصقولة من الداخل أم مششخنة ، دون اعتبار لنوع الذخيرة التي تستعمل عليه ، وهى مسألة فنية بحتة تقتضي فحص ماسورة السلاح من الداخل بواسطة أحد المختصين فنيًا ، لبيان ما إذا كانت ماسورة السلاح مصقولة من الداخل أم مششخنة ، حتى تتمكن المحكمة من تحديد الجدول واجب التطبيق ، وتطبيق القانون على الوجه الصحيح ، فلا يكفي فى ذلك مجرد قول الشهود أن المطعون ضده كان يحمل بندقية آلية وقت ارتكاب الجريمة ، أو ضبط مظروف فارغ عيار 7,62× 39 مما تستخدم على هذه البنادق . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان المطعون ضده بجريمة السرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح ، بالطريق العام ، وإحراز سلاح ناري مششخن " بندقية آلية " لا يجوز الترخيص به ، وعاقبه بالمادتين 314 ، 315 من قانون العقوبات ، والمواد 1/1 ، 2 ، 6 ، 25 مكرر/1 ، 26 من القانون رقم 394 لسنة 1954المعدل بالقانون رقم 6 لسنة 2012 والبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم (3) الملحق به، وكان الثابت بالأوراق أن السلاح المستخدم فى الجريمة لم يضبط ، ولم يجر فحصه فنيًا ، ولم يثبت أنه من البنادق الآلية المششخنة سريعة الطلقات الواردة بالبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون المذكور ، فإنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يأخذ المطعون ضده بالقدر المتيقن فى حقه ، وهو أنه كان يحرز سلاحًا ناريًا ، ويعاقبه بالمادة 26 من القانون سالف الذكر ، والجدول رقم (2) الملحق به ، ولما كان الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ تطبيقه ، مما كان يؤذن بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة ، بيد أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أعمل فى حق المطعون ضده ما تقضي به نص المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبه بالسجن المشدد خمس سنوات ، وهي عقوبة تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة لسرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح المنصوص عليها فى المادة 314 من قانون العقوبات ، وهى الجريمة ذات العقوبة الأشد ، فإنه لا جدوى من النقض والإعادة .

(الطعن رقم 20221 لسنة 83 جلسة 2014/05/12)

2- حيث إنه يبين من الإطلاع على الأوراق أن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين بجرائم السرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح والإكراه على توقيع سند مثبت لدين وإحراز سلاح ناري وذخيرة مما تستعمل فيه وإحراز سلاح أبيض بدون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية وبعد أن أثبت فى مدوناته ضم تقرير الباحث الاجتماعي للطاعن الثاني وثبت منه أنه حدث قضى بمعاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات عملاً بالمادة 314 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من ذات القانون والمواد 2/1 ،95/1 ، 112/1، 2من القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل لما كان ذلك وكانت المادة 314 من قانون العقوبات قد نصت على أن يعاقب بالسجن المشدد من ارتكب سرقه بالإكراه فإذا ترك الإكراه أثر جروح تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد وكان القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل الذي يحكم واقعة الدعوى والذي عمل به اعتباراً من 29/3/1996 قد نص فى المادة 2 منه على أنه " يقصد بالطفل فى مجال الرعاية المنصوص عليها فى هذا القانون كل من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة ويكون إثبات سن الطفل بموجب شهادة ميلاده أو بطاقة شخصيه أو أي مستند رسمي آخر ) كما نص فى المادة 95 منه ( على أنه لا يعتد فى تقدير سن الحدث بغير وثيقة رسمية فإذا أثبت عدم وجودها تقدر سنة بواسطة خبير ") وكانت المادة 101 من ذات القانون تنص على أن ( يحكم على الطفل الذي لم يبلغ سنه خمس عشرة سنه إذا ارتكب جريمة بأحد التدابير الآتية 1 التوبيخ 2 التسليم 3 الإلحاق بالتدريب المهني 4 الالتزام بواجبات معينه 5 الاختبار القضائي 6 الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية 7 الإيداع فى إحدى المستشفيات المتخصصة وعدا المصادرة وإغلاق المحال لا يحكم على هذا الطفل بأي عقوبة أو تدبير منصوص عليه فى قانون آخر وكان النص فى المادة 112 منه على أن " لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد أو المشدد على المتهم الذي زاد سنه عن ستة عشرة سنة ميلادية ولم يبلغ الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة وفى هذه الحالة إذا ارتكب المتهم جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات ، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن المؤبد يُحكم عليه بالسجن الذي لا تقل مدته عن سبع سنوات وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن المشدد يحكم عليه بالسجن ، ولا تخل الأحكام السابقة بسلطة المحكمة فى تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات فى الحدود المسموح بتطبيقها قانوناً على الجريمة التي وقعت من المتهم ، وهو ما يضحى معه تحديد السن بالركون فى الأصل إلى الأوراق الرسمية قبل ما عداها ذا أثر فى تعيين ما إذا كان يُحكم على الطفل بإحدى العقوبات المنصوص عليها فى القوانين ومنها الحبس ، ومن ثم يتعين على المحكمة استظهار هذا السن فى هذه الحال فى حكمها على نحو ما ذكر . لما كان ذلك ولئن كان الأصل أن تقدير السن أمر متعلق بموضوع الدعوى لا يجوز لمحكمة النقض أن تعرض له ، إلا أن محل ذلك أن تكون محكمة الموضوع قد تناولت مسألة السن بالبحث والتقدير، وأتاحت للمتهم والنيابة العامة إبداء ملاحظتهما فى هذا الشأن ، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يستظهر على النحو الذي نص عليه القانون سن الطاعن الثاني رغم أنه أمر لازم لتعيين العقوبة التي توقع عليه قانوناً على السياق المتقدم فإنه يكون معيباً بالقصور الذي يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة وهو ما يتسع له وجه الطعن بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإعادة .

(الطعن رقم 8831 لسنة 78 جلسة 2011/04/07)

3- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية أحيلت على المطعون ضده أصلاً إلى محكمة الجنايات بوصفها جناية شروع فى سرقة مبلغ مالي بالإكراه عن طريق التهديد بسلاح ناري - محدث صوت - وتمكن بهذه الوسيلة من شل مقاومة المجني عليه وانتزاع المبلغ النقدي منه وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه والجريمة متلبس بها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى نوعياً على قوله : " وحيث إن العبرة فى اعتبار حمل السلاح ظرفاً مشدداً فى جرائم السرقة مع حمل السلاح هي بطبيعة هذا السلاح ، وهل هو معد فى الأصل للاعتداء على النفس وعندئذ لا يفسر حمله إلا بأنه كان لاستخدامه لهذا الغرض كالأسلحة النارية مثلاً أو أنه من الأدوات التي تعتبر عرضاً من الأسلحة لأنها تحدث القتل وإن لم تكن معدة له بحسب أصلها ، ومثلها كالمطواة التي لا يتحقق الظرف المشدد بحملها إلا إذا كان حملها لمناسبة السرقة ولا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا ثبت علم السارق أنه يحمل سلاحاً . لما كان ذلك ، وكان المتهم الماثل فى هذه القضية قد استعمل محدثاً للصوت ، وهو ليس سلاحاً بطبيعته ولا يصلح أن يكون سلاحاً بالتخصيص لأنه لا يحدث الفتك ولا يصلح له كأداة فى الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه أو غيره إذ اقتضى تنفيذ السرقة ، ومن ثم تنتفي عنه صفة السلاح اللازم توافرها فى جرائم السرقة مع حمل السلاح أو التهديد باستعماله فى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 314 من قانون العقوبات وتخرج بذلك الواقعة محل الدعوى من نطاق جنايات السرقة وبالتالي ينعدم اختصاص هذه المحكمة بنظرها " . لما كان ذلك ، وكانت العلة التي من أجلها غلظ الشارع العقاب على السرقة إذا كان مرتكبها يحمل سلاحاً إنما هي مجرد حمل مثل هذا السلاح ، ولو كان الجاني لم يقصد من حمله الاستعانة به واستخدامه فى الجريمة ، وذلك لما يلقيه مجرد حمله من رعب فى نفس المجني عليه ، وهذه العلة تتوافر ولو كان السلاح فاسداً أو غير صالح للاستعمال أو كان مجرد مسدس صوت ، طالما أن مظهره يؤدي إلى الغرض المقصود من حمله ويحقق العلة من تغليظ العقاب فى هذه الحالة ، وإذ كان الثابت أن الطاعن قد اتخذ التهديد باستعمال السلاح هو مسدس الصوت وسيلة لتعطيل مقاومة المجني عليه فى ارتكاب جريمة السرقة ، فإن الإكراه الذي يتطلبه القانون فى المادة 314 من قانون العقوبات يكون محققاً على ما استقر عليه قضاء النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بعدم اختصاص المحكمة رغم اختصاصها بنظر الدعوى ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه ، ولما كان هذا الخطأ الذي تردى إليه الحكم قد حجب المحكمة عن نظر موضوع الدعوى ، فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة .

(الطعن رقم 14030 لسنة 74 جلسة 2009/01/21 س 60 ص 76 ق 10)

4- ظرف الإكراه فى السرقة عينى متعلق بالأركان المادية المكونة للجريمة ولذلك فهو يسرى على كل من أسهم فى الجريمة المقترنة به ولو كان وقوعه من أحدهم فقط دون الباقين وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن تعدى على المجنى عليه باستعمال سلاح أبيض " مطواة " كما أن المتهم الآخر أيضاً تعدى على المجنى عليه باستعمال سلاح أبيض " سكين " لتعطيل مقاومته فى ارتكاب السرقة فإن كلاً منهما يكون فاعلاً للجريمة باعتبارها جناية سرقة بإكراه حتى ولو لم يكن الطاعن يحمل سلاحاً , فإن الإكراه الذى يتطلبه القانون فىالمادة 314 من قانون العقوبات يكون محققاً على ما استقر عليه قضاء النقض ولا يكون الحكم قد خالف القانون فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الصدد لا يكون مقبولاً .

(الطعن رقم 52611 لسنة 72 جلسة 2008/10/04 س 59 ص 373 ق 69)

5- لما كان القانون لم ينص فى المادة 314 من قانون العقوبات على نوع معين من أنواع الإكراه فتعطيل مقاومة المجنى عليه كما يصح أن يكون بالوسائل المادية التى تقع مباشرة على جسم الإنسان يصح أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح ، ولا يشترط أن يقع الإكراه على المجنى عليه فى السرقة بل يصح أن يقع على غيره ممن يقف عقبة أو يعترض السارق عند هروبه بالشئ المسروق وهو متلبس بفعل السرقة ، كما لا يشترط فى فعل الإكراه أن يكون سابقاً أو مقارناً لفعل الاختلاس متى كان لاحقاً له مباشرة وكان الغرض منه النجاة بالشئ المختلس . فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر أن ما صدر من الطاعن من إطلاق عيار نارى على الخفير النظامى الذى شاهده متلبساً بالسرقة ليتمكن من الفرار بالمسروقات شروعاً فى سرقة بالإكراه يكون صحيحاً فى القانون ، ويضحى النعى على الحكم من قصور فى التسبيب أو خطأ فى تطبيق القانون فى غير محله ولا يعدو ما يدعيه الطاعن فى أسباب طعنه من أن إطلاقه العيار النارى كان للنجاة بنفسه سوى منازعة فى صورة الدعوى كما استخلصتها المحكمة من أدلة الدعوى مما لا يجوز المجادلة فى شأنه أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 3526 لسنة 65 جلسة 2004/12/19 س 55 ع 1 ص 851 ق 125)

6- لما كانت العقوبة المقررة لجريمة السرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح طبقا لنص المادة 314 من قانون العقوبات التي دين الطاعن بموجبها هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة الطاعن بالمادة 17 من قانون العقوبات وقد جرى قضاء محكمة النقض على أنه يتعين على محكمة الموضوع إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته بالمادة 17 المشار إليها ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد فى هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فى الجريمة محل الاتهام مما كان يجيز للمحكمة أن تنزل بالعقوبة إلى الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة أشهر، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وهي إحدى العقوبتين التخييريتين المقررتين لجريمة السرقة بالإكراه الذي يترك أثر جروح رغم معاملته بالمادة 17 من قانون العقوبات فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 17628 لسنة 61 جلسة 2001/07/01 س 52 ع 1 ص 593 ق 107)

7- لما كانت الفقرة الأخيرة من المادة 112 من قانون الطفل تنص على أنه "ولا تخل الأحكام السابقة بسلطة المحكمة فى تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات فى الحدود المسموح بتطبيقها قانوناً على الجريمة التي وقعت من المتهم" والتي تمت إضافتها عند مناقشة مشروع قانون الطفل قصد بها على ما بين من مضبطة مجلس الشعب إعمالاً على العقوبة المقررة للجريمة فى قانون العقوبات والقوانين المكملة لا على العقوبة المقررة للطفل فى المادتين 111، 112 من القانون 12 لسنة 1996 وذلك حتى لا يكون الطفل فى وضع أسوأ من البالغ ولا وجه للقول بأن عقوبة السجن التي وردت فى قانون الطفل فى المادتين المشار إليهما بالنسبة للجرائم التي عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة هي التي حلت العقوبة الأصلية وعليها دون غيرها إعمال المادة 17 من قانون العقوبات لأن ذلك مردود بأن صراحة نص الفقرة الأخيرة من المادة 112 من قانون الطفل على أن استعمال المادة 17 من قانون العقوبات إنما يرد على الحدود المسموح بتطبيقها على الجريمة لا على العقوبة المقررة للطفل فى القانون 12 لسنة 1996 ومع وضوح النص وصراحته لا وجه لتأويله لحمله على غير المعنى الظاهر من لفظه وعلى غير رغبة الشارع منه ولأنه لو أراد القانون تخفيفاً فوق تخفيف العذر القانوني الوارد فى قانون الطفل لما أعوزه النص على ذلك كما فعل بالنسبة للطفل الذي بلغ خمسة عشرة سنة ولم يبلغ ستة عشرة سنة إذا ما ارتكب جريمة عقوبتها السجن فلقد نصت الفقرة الثانية للمادة 111 من قانون المار ذكره على أن للقاضي بدلاً من النزول بالعقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن 3 شهور وهو نطاق إعمال المادة 17 من قانون العقوبات أجاز للقاضي أن يحكم بدلاً من الحبس بإيداع الطفل إحدى المؤسسات ومن المعروف أن الإيداع هو تدبير أخف من عقوبة الحبس السالبة للحرية، ومما يؤكد أن استعمال المادة 17 من قانون العقوبات إنما يرد على العقوبة الواردة فى قانون العقوبات أو القوانين المكملة أن المادة 112 من قانون الطفل لم تحدد عقوبة للجريمة التي عقوبتها السجن إذا ما ارتكبها طفل زاد سنه على ست عشرة سنة ميلادية ولم يبلغ الثامنة عشر سنة وبالتالي لا يوجد ما ترد عليه المادة 17 من قانون العقوبات ولا يساغ القول بأن هذه الطفل غير معاقب على هذه الجريمة أو أنه محروم من موجبات الرأفة التي تسمح بها المادة 17 من قانون العقوبات فى حين أن الطفل الأصغر منه سنة عملاً بالمادة 111 معاقب على الجريمة واستعمال المشرع بالنسبة له حدود المادة 17 وزاد على نطاقها كما سلف ذكره، وعلى هذا النظر يتعين القول بأن المشرع عندما استبدل حداً أدنى من السجن فى المادة 112 من قانون الطفل بعقوبتي الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة واستبدل السجن بالأشغال الشاقة المؤقتة فى هذه المادة ولم يقض إلا بعقوبة السجن بالنسبة للطفل فى المادة 111 من القانون 12 سنة 1996 إذا ما ارتكب جرائم عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إنما قصد المشرع أن يحول بين الطفل وبين أقصى العقوبة المغلظة لعدم ملاءمتها تاركاً ما سواها لنص العقاب الأصلي وما يرد عليه من تخفيف وفق المادة 17 من قانون العقوبات بدليل أن صدر نص المادتين 111، 112 بعدم إنزال هذه العقوبات المغلظة، ثم أعمل بعد ذلك مباشرة بالنسبة للطفل الذي بلغ سنه خمس عشرة سنة ولم يبلغ ست عشرة سنة المادة 17 من قانون العقوبات وجوبياً وزاد تخفيفاً عندما استبدل الإيداع بالحبس. وبالنسبة للمادة 112 من قانون الطفل وضع العقوبة التي تحل محل أقصى العقوبة المغلظة تاركاً الأمر فيما سواها للقواعد العامة. لذلك لم ينص على عقوبة إذا ما ارتكب الطفل فى المادة 112 جريمة عقوبتها السجن على السياق المتقدم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعن الثالث وهو طفل زاد سنه على ست عشرة سنة ميلادية كاملة ولم يبلغ الثامنة عشرة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة قد قضى عليه بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عشر سنوات وهي عقوبة ممنوعة بنص المادة 112 من قانون الطفل وإذا ما كانت الجرائم التي أثبتها الحكم فى حق هذا الطفل هي السرقة بالإكراه وهتك عرض المجني عليها بتصويرها عارية بغير رضاها وأشد عقوبة لهذه الجرائم المرتبطة هي المعاقب عليها بالمادة 314 من قانون العقوبات الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة بينما فى قانون الطفل هي السجن فإنه يتعين تصحيح العقوبة المقضي بها على الطاعن الثالث بجعلها السجن لمدة 3 سنوات وذلك عملاً بحق محكمة النقض المقرر فى المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ما دام العوار الذي شاب الحكم لم يرد على بطلانه أو على بطلان فى الإجراءات أثر فيه

(الطعن رقم 5233 لسنة 68 جلسة 2000/12/12 س 51 ص 814 ق 162)

8- لما كان الإكراه يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة ، فكما يصح أن يكون تعطيل مقاومة المجني عليه بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسمه ، فإنه يصح أيضاً أن يكون باستعمال السلاح . وإن كان الحكم لدى تحصيله لواقعة الدعوى قد بين أن الطاعن والمتهمين الآخرين "اتفقوا على ارتكاب السرقات ثم استقلوا سيارة أجرة يقودها المجني عليه وإنهم عندما وصلوا إلى منطقة خالية من المارة طلبوا من السائق التوقف بجانب من الطريق بحجة النزول وما أن فعل حتى شهروا فى وجهه أسلحة بيضاء كانوا يحملونها وطلبوا منه إخراج كل ما يحمله من نقود مهددين له بتلك الأسلحة وبالقتل إذا علا صوته فخاف على نفسه وتعطلت بذلك مقاومته وتمكن الجناة بهذه الوسيلة من الإكراه من الاستيلاء على نقوده ..." . فإن الإكراه الذي تطلبه القانون فى المادة 314 من قانون العقوبات يكون متحققاً ، ويكون غير سديد النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون بدعوى أن الإكراه لم يترك أثراً بالمجني عليه.

(الطعن رقم 6280 لسنة 66 جلسة 1998/04/13 س 49 ص 548 ق 72)

9- ان الاكراه فى السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الاشخاص بتعطيل قوة المقاومة او اعدامها عندهم تسهيلا للسرقة ولا يشترط لتحقيق الظرف المشدد المنصوص عليه فى المادة 314 من قانون العقوبات ان يكون الاعتداء سابقا او مقارنا لفعل الاختلاس بل يتحقق ولو كان قد تلاه مباشرة متى كان الغرض منه النجاة بالشئ المختلس واثبات الارتباط بين السرقة والاكراه هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام قد استخلصه مما ينتجه .

(الطعن رقم 19031 لسنة 65 جلسة 1997/10/04 س 48 ع 1 ص 1009 ق 150)

10- لما كان القانون وإن لم ينص فى المادة 314 من قانون العقوبات على التهديد باستعمال السلاح وعلى عده بمنزلة الإكراه كما فعل فى بعض المواد الأخرى , إلا أنه مادام التهديد باستعمال السلاح هو فى ذاته ضرب من ضروب الإكراه لأن شأنه شأن الإكراه تماماً من حيث إضعاف المقاومة وتسهيل السرقة ، وما دام القانون لم يخصه بالذكر فى المواد التى ذكره فيها مع الإكراه إلا لمناسبة ما اقتضاه مقام التحدث عن وجود السلاح مع الجاني كظرف مشدد ، ولم يقصد التفريق بينه وبين الإكراه ، بل قصد تأكيد التسوية بينهما فى الحكم ، فإن مفاد ذلك ، أن تعطيل مقاومة المجنى عليه كما يصح أن يكون بالوسائل المادية التى تقع مباشرة على جسم المجنى عليه ، يصح أيضاً أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح ، وفى إشارة المادة 314 من قانون العقوبات إلى الإكراه إطلاقاً ، ما يكفى لأن يندمج فى الإكراه كل وسيلة قسرية تستعمل لغل يد المجنى عليه عن المقاومة والحيلولة بينه وبين منع الجاني عن مقارفة جريمته ، ويستوى فى الأداة المهدد بها أن تكون سلاحاً بطبيعته أو بالتخصيص متى ثبت أن الجاني قد حملها عمداً لمناسبة السرقة ليشد بها أزره وليتخذ منها وسيلة لتعطيل مقاومة المجنى عليه فى ارتكاب السرقة ، وهو ما يستخلصة قاضى الموضوع من أى دليل أو قرينة فى الدعوى فى حدود سلطته التقديرية .

(الطعن رقم 16939 لسنة 64 جلسة 1996/09/23 س 47 ع 1 ص 868 ق 126)

11- لما كان الحكم قد أثبت فى حق الطاعن ارتكاب جناية الشروع فى السرقة بإكراه على الصورة آنفة البيان ، وكانت العلة التى من أجلها غلظ الشارع العقاب على السرقة إذ كان مرتكبها يحمل سلاحاً إنما هى مجرد حمل مثل هذا السلاح ولو كان الجاني لم يقصد من حمله الاستعانة به واستخدامه فى الجريمة ، وذلك لما يلقيه مجرد حمله من رعب فى نفس المجنى عليه ، وهذه العلة تتوافر ولو كان السلاح فاسداً أو غير صالح للإستعمال أو كان مجرد مسدس صوت طالما أن مظهره يؤدى إلى الغرض المقصود من حمله ويحقق العلة من تغليظ العقاب فى هذه الحالة ، وإذ كان الثابت أن الطاعن قد اتخذ التهديد بإستعمال السلاح وهو مسدس الصوت وسيلة لتعطيل مقاومة المجنى عليه فى ارتكاب السرقة ، فإن الإكراه الذى يتطلبة القانون فى المادة 314 من قانون العقوبات يكون متحققا على ما استقر عليه قضاء النقض ، ولا يكون الحكم قد خالف القانون .

(الطعن رقم 16939 لسنة 64 جلسة 1996/09/23 س 47 ع 1 ص 868 ق 126)

12- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن بجريمة السرقة باكراه المنصوص عليها فى المادة 314 من قانون العقوباتوليس بجريمة السرقة فى إحدى وسائل النقل البرية المنصوص عليها فى المادة 315 من قانون العقوبات فإن النعى على الحكم بالقصور فى التدليل على مكان وقوع الجريمة لا يكون متعلقاً بالحكم المطعون فيه ولا متصلاً به ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثانى فى هذا الشأن لا يكون مقبولاً .

(الطعن رقم 18716 لسنة 63 جلسة 1995/12/17 س 46 ص 1280 ق 194)

13- الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه على الواقعة، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة التي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان به الطاعنين، وكان مرد التعديل هو استبعاد الحكم تهمة الشروع فى القتل المنسوبة إلى المحكوم عليه الآخر واعتبار ما وقع منه من اعتداء على المجني عليها عنصراً من عناصر الإكراه فى جريمة السرقة المسندة إلى ثلاثتهم ومؤاخذتهم عن هذه الجريمة بمقتضى المادة 314 من قانون العقوباتبدلاً من المادة 313 من ذات القانون الواردة بأمر الإحالة وهو ما يدخل فى نطاق سلطة محكمة الموضوع دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع، ومن ثم فإن تعييب الحكم فى هذا الخصوص بأنه انطوى على إخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولاً.

(الطعن رقم 28486 لسنة 59 جلسة 1990/11/19 س 41 ع 1 ص 1037 ق 187)

14- لما كان الثابت من مدونات الحكم - على ما سلف بيانه - أنه خلص فى بيان كاف إلى توافر أركان جريمة السرقة بالإكراه المعاقب عليها بالفقرة الثانية من المادة 314 من قانون العقوبات وتوافر الدليل عليها فى حق الطاعن، فلا يعيبه من بعد عدم تحدثه صراحه عن نية السرقة.

(الطعن رقم 28294 لسنة 59 جلسة 1990/05/10 س 41 ع 1 ص 703 ق 122)

15- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة السرقة بالإكراه وآخذ الطاعن بعقوبة تدخل فى حدود العقوبة المقررة لهذه الجريمة عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 314 من قانون العقوبات - وهي إحدى المواد التي أحالته النيابة بها - بعد تطبيق المادة 17 من ذات القانون وبعد أن استظهر فى مدوناته أركانها وأورد عليها أدلة سائغة فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن فى شأن عدم توافر التعدد الذي تتطلبه المادة 315 عقوبات والتي أحالته بها النيابة العامة مع المادة 2/314 عقوبات مادامت المحكمة لم تعمل فى حقه المادة الأولى وأدانته بالمادة الأخيرة.

(الطعن رقم 28294 لسنة 59 جلسة 1990/05/10 س 41 ع 1 ص 703 ق 122)

16- لا يجدي الطاعن النعي بدعوى القصور فى استظهار نية القتل بالنسبة له أو عدم الرد على دفاعه بانتفائها لديه، ولا التحدي بطلب تطبيق المادة 235 من قانون العقوبات، لانتفاء مصلحته منه ذلك بأن البين من مدونات الحكم أنه أوقع عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة عن الجريمتين المسندتين إليه - جريمة القتل العمد وجريمة السرقة بإكراه الذي ترك بالمجني عليه أثر جروح - وهي العقوبة المقررة لهذه الأخيرة بنص الفقرة الثانية من المادة 314 من قانون العقوبات كما أنها مبررة بنص المادة 235 من ذات القانون. ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد أخذته بقسط من الرأفة فى نطاق ما يجري به نص المادة 17 من قانون العقوبات، إذ أنها لم تنزل بالعقوبة إلى حدها الأدنى الذي تجيزه تلك المادة، مما مفاده أنها قدرت تناسب العقوبة المقضي بها مع الواقعة الثابتة لديها. لما كان ذلك، وكان النعي بأن المحكمة لم تعامله بمزيد من الرأفة مردوداً بما هو مقرر من أن تقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانوناً وتقدير قيام موجبات الرأفة وعدم قيامها هو من أطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، وكانت العقوبة التي أنزلها الحكم بالطاعن - على ما سلف بيانه - تدخل فى نطاق العقوبة المقررة قانوناً للجريمة التي دانه بها، فإن مجادلته فى هذا الخصوص لا تكون مقبولة .

(الطعن رقم 1430 لسنة 48 جلسة 1978/11/20 س 29 ع 1 ص 809 ق 167)

17- لا يلزم فى الإعتداء الذى تتوافر به جناية السرقة بإكراه أن يكون الإكراه سابقا أو مقارنا لفعل الإختلاس ، بل إنه يكفى أن يكون كذلك و لو أعقب فعل الإختلاس ، متى كان قد تلاه مباشرة و كان الغرض منه النجاة بالشئ المختلس ، سواء وقع على المجنى عليه نفسه أو على غيره لمنعه من ملاحقة السارق و استرداد ما سرقه . و لما كان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن نشل حافظة النقود من المجنى عليها و سلمها لآخر فلما لاحقه إبنها إعترض الطاعن سبيله و ضربه بالعصا على ذراعيه حتى يمكن السارق معه من الفرار بما سرقه ، و تم له ما أراد ، فإن ما أثبته من ذلك تتوافر به جناية السرقة بالإكراه كما هى معرفة فى المادة 314 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 1850 لسنة 37 جلسة 1967/12/18 س 18 ع 3 ص 1277 ق 272)

18- إذا كان الحكم قد قال " إن المجنى عليها ذكرت أنها تمكنت من الإمساك بالمتهم الذى إعتدى عليها و قاومها فترك بجسمها تلك الآثار المادية التى ثبتت فى التقرير الطبى فحال بينها و بين الإمساك بزملائه فى السرقة ، فمكنهم من سلب النقود و المصاغ و الفرار بها ، و مصداقاً لهذا شهد سائر الشهود بأنهم وجدوا المجنى عليها و زوجها يستغيثان و يمسكان بالمتهم الذى كان يستعمل العنف مع المجنى عليها محاولا الفرار بما سرقه و زملاؤه " - فإن هذا الذى قاله الحكم يتحقق به ركن الإكراه فى جريمة السرقة بالإكراه المنصوص عليها فى المادة 314 من قانون العقوبات على ما إستقر عليه قضاء محكمة النقض .

(الطعن رقم 968 لسنة 24 جلسة 1954/10/04 س 6 ع 1 ص 18 ق 8)

19- إن القانون لم ينص فى المادة 314 من قانون العقوبات على نوع معين من أنواع الإكراه. ولما كان تعطيل مقاومة المجني عليه كما يصح أن يكون بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسم المجني عليه يصح أيضا أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح، فإنه إذا كان الجاني قد اتخذ التهديد باستعمال السلاح وسيلة لتعطيل مقاومة المجني عليه فى ارتكاب جريمة السرقة فإن الإكراه الذي يتطلبه القانون فى تلك المادة يكون متحققاً.

(الطعن رقم 860 لسنة 22 جلسة 1952/10/28 س 4 ع 1 ص 47 ق 20)

20- إذا كان ما أثبته الحكم من وقائع الدعوى تتوافر فيه العناصر القانونية لجناية السرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح، المعاقب عليها بالمادة 314 من قانون العقوبات، وكانت العقوبة التي أوقعها على المتهم تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لهذه الجريمة، فلا جدوى من الطعن على هذا الحكم بأنه قد اعتبر تلك الجريمة سرقة بإكراه فى طريق عمومي وطبق على المتهم المادة 315 من قانون العقوبات.

(الطعن رقم 983 لسنة 20 جلسة 1951/03/06 س 2 ع 2 ص 691 ق 262)

21- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه رد على دفع الطاعن الوارد بوجه الطعن بقوله : " و إذ كان المقرر بأن تعاطى الجواهر المخدرة على فرض أن ما تعاطاه لمتهم بالفعل منها - عن إختيار و رغبة دون أن يكره على ذلك لا يعدم مسئولية متعاطيها عما يرتكبه من أفعال مؤثمة " . لما كان ذلك و كان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد إستقر على أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات - هى التى تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها ، فإن مفهوم ذلك أن من يتناول مادة مخدرة مختاراً و عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرئم التى تقع منه و هو تحت تأثيرها ، فالقانون فى هذه الحالة يجرى عليه حكم المدرك التام الإدراك مما ينبنى عليه توفر القصد الجنائي لديه ، إلا أنه لما كانت هناك بعض جرائم يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائى خاص فإنه لا يمكن القول بإكتفاء الشارع فى ثبوت هذا القصد بإفتراضات قانونية ، بل يجب التحقق من قيامه من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع ، لما كان ذلك ، و كانت جرائم السرقة مما يتطلب القانون فيها قصداً جنائياً خاصاً ، و كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة السرقة بإكراه و إقتصر فى الرد على دفعه بإنتفاء مسئوليته لتناوله عقاقير مخدرة أفقدته الشعور و الإدراك - على مطلق القول بأن تناول العقاقير المخدرة إختياراً لا ينفى المسئولية الجنائية دون أن يحقق هذا الدفاع بلوغاً إلى غاية الأمر فيه - و يبين مبلغ تأثير هذه العقاقير المخدرة فى إدراك الطاعن و شعوره على الرغم مما لهذا الدفاع - لو صح - من أثر فى قيام القصد الخاص فى الجريمة التى دانه بها أو إنتفائه أو يبين أنه كانت لديه النية على إرتكاب الجريمة من قبل ثم أخذ العقاقير المخدرة لتكون مشجعاً له على إقترافها فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يوجب نقضه ، و إذ كان هذا الخطأ قد حجب محكمة الموضوع عن تحقيق واقعة تناول العقاقير المخدرة التى قال بها الطاعن و أثرها فى توافر القصد الجنائي لديه أو إنتفائه فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإعادة .

(الطعن رقم 8210 لسنة 60 جلسة 1991/10/24 س 42 ع 1 ص 1065 ق 147)

22- الاكراه فى السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص بتعطيل قوة المقاومة أو اعدامها عندهم تسهيلا السرقة و كان لا يشترط لتحقق الظرف المشدد المنصوص عليه فى المادة 314 من قانون العقوبات أن يكون الاعتداء الذى ينشأ عنه الجرح سابقا أو مقارنا لفعل الاختلاس بل يتحقق و لو كان قد تلاه مباشرة متى كان الغرض منه النجاة بالشئ المختلس .

(الطعن رقم 4371 لسنة 59 جلسة 1989/11/05 س 40 ص 866 ق 143)

23- التسليم الذى ينفى ركن الاختلاس فى جريمة السرقة يجب أن يكون برضاء حقيقى من واضع اليد مقصوداً به التخلى عن الحيازة حقيقة وعدم الرضا لا عدم العلم هو الذى يهم فى جريمة السرقة والحاصل فى هذه الدعوى أن المجنى عليه لم يسلم نقوده برضاء منه بل أخذها أحد المتهمين قسراً عنه ولما طالب بها أجبر على ترك السيارة دونها بإستعمال الاكراه الذى ترك به جروحاً بينما هرب الجناة بالمسروقات ويستوى فى الاكراه أن يكون سابق على السرقة أو لاحقاً عليها ما دام بقصد الهروب بالمسروقات .

(الطعن رقم 1515 لسنة 57 جلسة 1995/01/05 س 46 ص 84 ق 8)

24- لما كانت واقعة الدعوى حسبما استخلصتها المحكمة من مطالعة أوراقها وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بالجلسة تتحصل فى أن اتفاقاً قد تم بين المتهم الماثل ............ والمتهمين الثلاثة الآخرين الذين سبق الحكم عليهم على أن يكونوا فيما بينهم تشكلاً عصابياً ينتحلون فيه صفة رجال المباحث حتى يتمكنوا من الاستيلاء على نقود من يصادفهم من المواطنين وسرقتهم بالاكراه وتنفيذاً لهذا الاتفاق فقد استقل الأربعة فى ليلة 13 من أغسطس سنة 1982 السيارة الأجرة رقم ............. القاهرة بقيادة واحد منهم بعد أن وزعت الأدوار فيما بينهم بأن ينتحل المتهم الماثل صفة ضابط المباحث وآخر صفة رقيب شرطة بينما يكون دور أحدهم هو سب نظام الحكم القائم, ليستدرج بذلك من يستقل معهم السيارة حتى يتم لهم تخويفه ثم الاستيلاء على نقوده ، وفى مدينة ............. كان المجنى عليه .............. وصاحبه ............... يبغيان العودة الى بلدتهما .......... فاستقلا سيارة المتهمين وفى الطريق نفذ من كان عليه سب نظام الحكم ما تم الاتفاق عليه فإنبرى له المنتحل من بينهم لصفة رقيب الشرطة وصفعه على وجهه معلناً أن ضابط المباحث يستقل السيارة وحينئذ أمره المتهم الماثل الموكول اليه القيام بهذا الدور الأخير أن يجعل المجنى عليه وصاحبه يخرجان ما معهما من أوراق وأمتعة ونقود ، فأخرج الأول مبلغ الف وعشرين جنيهاً استولى عليها وسلمها للمتهم الماثل الذى قام بإحتجازه ورفض اعادته لصاحبه ولما أصر الأخير على استرداده أمره بمغادرة السيارة ، فلما تشبث بها أثناء نزوله منها من قام بدور رقيب الشرطة بمطواه وأحدث به إصاباته المبينة بالتقرير الطبى المرفق فخارت قواه وسقط أرضاً وانطلقت السيارة بالمتهم الماثل والثلاثة الآخرين هاربين وقد اعترف المتهم الماثل والثلاثة الاخرون فى تحقيقات النيابة العامة بإرتكابهم الحادث بالدور الذى قام به كل منهم خلال ارتكابه. ومن حيث أن الواقعة على تلك الصورة المتقدمة قام الدليل على صحتها وثبوتها بيقين فى حق المتهم الماثل ............. من شهادة كل من المجنى عليه ..................... و ................ ومن اعتراف المتهم وزملائه تفصيلاً فى تحقيقات النيابة العامة بإرتكاب الحادث وبما ثبت من التقرير الطبى الموقع على المجنى عليه ................ ومما دلت عليه تحريات الشرطة إذ شهد المجنى عليه ....... بأنه وصاحبه ....... كان يبغيان العودة الى بلدتهما ........ يوم 13 أغسطس سنة 1982 ، وأثناء وقوفهما أمام المعهد الدينى بمدينة ........... وكانت الساعة التاسعة والنصف مساء وقفت سيارة أجرة يستقلها أربعة منهم المتهم الماثل وعرضوا توصيلهما الى بلدتهما وفى الطريق دار حديث من أحد أولئك الأربعة أخذ فيه يسب نظام الحكم القائم ، وحينئذ انبرى له آخر من الباقين وصفعه على وجهه مخبراً إياه بأنه رقيب شرطة وأن المتهم الماثل ضابط مباحث ، وهنا طلب الآخير من سابقه أن يقوم بتفتيش من بالسيارة واذ فتش .......الشاهد الثانى عثر معه على مبلغ جنيهين أعيد اليه بعد ذلك بينما عثر معه على مبلغ الف وعشرين جنيهاً استولى عليها وسلمها للمتهم الماثل الذى رفض إعادة هذا المبلغ اليه عندما طالبه بذلك ولما أصر على استرداده أمره بالنزول من السيارة الا أنه تشبت بها أثناء نزوله منها مستغيثاً فقام الذى تولى تفتيشه من أولئك الأربعة بطعنه بمطواه وأحدث به الاصابات المبينة بالتقرير الطبى المرفق فخارت قواه وسقط أرضاً وانطلقت السيارة بالمتهم الماثل ورفاقه الثلاثة هاربين بها وشهد ............... بركوبه وصاحبه الشاهد الأول للسيارة الأجرة التى كان يستقلها المتهم الماثل وزملاؤه الثلاثة الآخرون وبتفتيشه عثر معه على ملبغ جنيهين رداً اليه ، وأنه بتفتيش المجنى عليه عثر معه على مبلغ الف وعشرين جنيهاً تم الاستيلاء عليها وأنه نزل من السيارة وأضطر لركوب سيارة أخرى وفى الطريق أبصر بالمجنى عليه ملقى على الارض مصاباً فنقله الى المستشفى وأضاف أن المجنى عليه أخبره بما فعله المتهمون قبله على النحو الذى أوراه فى شهادته ، واعترف المتهم الماثل بتحقيقات النيابة العامة أن اتفاقاً تم بينه وبين باقى المتهمين على أن يستقلوا سيارة يقودها أحدهم ، و وزعت بينهم الأدوار بأن ينتحل هو صفة ضابط المباحث وآخر صفة رقيب شرطة ويقوم ثالثهم بسب نظام الحكم القائم ليستدرج من يستقل معهم السيارة ويتمكنوا بذلك من الاستيلاء على نقوده وأن المجنى عليه .......... وزميله ......... استقلا السيارة من مدينة المنصورة ونفذت الخطة فقام من كان عليه سب نظام الحكم بالسب فصفعه منتحل صفة رقيب الشرطة على وجهه منبها الى وجوده كضابط مباحث وقد أمره بتفتيش الراكبين بحثاً عن ممنوعات ، فنفذ المنتحل لصفة رقيب الشرطة الأمر ، واستولى من المجنى عليه على مبلغ من المال كان معه وسلمه له ، ولما طالبه المجنى عليه برده أمره بالنزول من السيارة وكان قد أنزل صاحبه من قبل فتشبت المجنى عليه بالسيارة أثناء نزوله منها فطعنه المنتحل لصفة رقيب الشرطة بمطواه وأنزله عنوة فى الطريق ثم قام هو بتوزيع المبلغ على زملائه الذين اعترفوا بالتحقيقات بهذا المضمون ودلت تحريات المباحث أن المتهم الماثل وزملائه الثلاثة الآخرين هم مرتكبوا الحادث وأنهم قد أتفقوا فيما بينهم على تكوين تشكيل عصابى ينتحلون فيه صفة رجال المباحث وذلك ليتمكنوا من الاستيلاء على نقود من يصادفهم من المواطنين وسرقتها مستخدمين السيارة الأجرة قيادة أحدهم ونفاذا لهذا الاتفاق فقد استقلوا السيارة الأجرة رقم ............ القاهرة قيادة واحد منهم ، وزعت عليهم الأدوار فيما بينهم بأن انتحل المتهم الماثل صفة ضابط المباحث وآخر صفة رقيب شرطة والأخير منهم يكون دوره سب نظام الحكم القائم ليستدرج بذلك من يستقل معهم السيارة حتى يتم تخويفه والاستيلاء على نقوده ونفذ الاتفاق ، و وقع الحادث طبقاً لتصوير الشاهدين الأول والثانى المتقدم بيانه وثبت من التقرير الطبى أن المجنى عليه ........ مصاب بجرح قطعى أعلى الجفن الأيسر العلوى طوله 3سم وجرح أسفل الفك الأيسر طوله 3سم وبجلسات المحاكمة السابقة أنكر المتهم ما استند اليه ، وأمام هذه المحكمة التزم الصمت وقال المحامى الحاضر معه أن تسليم المجنى عليه للمبلغ كان نتيجة خدعة وهى ايهام المجنى عليه بأن المتهم وزميله من رجال المباحث والتسليم على هذا الأساس اختيارياً والتمس الحكم ببراءة المتهم واحتياطياً استعمال الرافة معه . والمحكمة تلتفت عن إنكار المتهم السابق اقتناعاً منها بما اوردته من أدلة الى أصل ثابت فى أوارق الدعوى .

(الطعن رقم 1515 لسنة 57 جلسة 1995/01/05 س 46 ص 84 ق 8)

25- لا يلزم أن يتحدث الحكم عن ركن الإكراه فى السرقة استقلالا ما دامت مدوناته تكشف عن توافر هذا الركن وترتب جريمة السرقة عليه وهو ما دلل عليه الحكم تدليلا سائغا فى معرض تحصيله لظروف الواقعة وانتهى إلى ثبوته فى حق الطاعنين. ولا يعيب الحكم أن اعتبر التهديد باستعمال السلاح إكراها، ذلك بأن تعطيل مقاومة المجني عليه كما يصح أن تكون بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسم المجني عليه يصح أيضاً أن تكون بالتهديد باستعمال السلاح ويندمج فى الإكراه كل وسيلة قسرية تستعمل لغل يد المجني عليه عن المقاومة والحيلولة بينه وبين منع الجاني من مقارفة جريمته - على أنه لا جدوى من النعي على الحكم فى هذا الخصوص طالما أنه قد استظهر حصول السرقة فى طريق عام من جناة متعددين يحملون سلاحا وهو ما يكفي لتبرير العقوبة المقضي بها ولو لم يقع إكراه من الفاعلين.

(الطعن رقم 1983 لسنة 48 جلسة 1979/04/01 س 30 ع 1 ص 411 ق 86)

26- لا يلزم فى الاعتداء الذي تتوافر به جناية السرقة بإكراه أن يكون الإكراه سابقاً أو مقارناً لفعل الاختلاس ، بل أنه يكفى أن يكون كذلك ولو أعقب فعل الاختلاس متى كان قد تلاه مباشرة وكان الغرض منه النجاة بالشيء المختلس سواء وقع على المجني عليه نفسه أو على غيره لمنعه من ملاحقة السارق واسترداد ما سرقه . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن سرق سيارة المجني عليه فلما لاحقه أطلق عليه عياراً نارياً من السلاح الذي كان يحمله حتى يتمكن من الفرار بما سرقه وتم له ما أراد ، فإن ما أثبته من ذلك تتوافر به جناية السرقة بالإكراه كما هي معرفة فى القانون .

(الطعن رقم 20352 لسنة 83 جلسة 2014/05/05 س 65 )

27- المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى وفى كل شبهة يثيرها والرد على ذلك ما دام الرد يستفاد ضمنا من القضاء بالأدانة استنادا إلى أدلة الثبوت السائغة التى أوردها الحكم فأن ما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم ترد على دفاعه بخصوص خلو محضر الاستدلالات من أصابات المجنى عليها وأقوال محررة فى هذا الصدد لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعى فيما أستقر فى عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التى أوردتها مما لا يقبل معه معاودة التصدى له أمام محكمة النقض.

(الطعن رقم 6118 لسنة 61 جلسة 1993/02/17 س 44 ع 1 ص 201 ق 25)

28- الإكراه يشمل كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة ، ويعتبر الإكراه ظرفاً مشدداً للسرقة إذا حصل بقصد الاستعانة به على السرقة أو النجاة بالشئ المسروق عقب وقوع الجريمة ، أما إذا حصل بقصد فرار السارق والنجاة بنفسه بعد ترك الشئ المسروق فلا يعتبر ظرفاً مشدداً بل هو إنما يكون جريمة قائمة بذاتها يعاقب عليها حسبما يقضى به القانون . لما كان ذلك ، وكان الثابت من المفردات – التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن – أن المجنى عليه الأول .... شاهد المطعون ضده الأول ..... داخل مسكنه بطريق التسور وما أن شاهده الأخير حتى لاذ بالفرار فتتبعه المجنى عليه سالف الذكر وشقيقه المجنى عليه الثانى .....وتمكنا من اللحاق به وتبين أن معه المطعون ضده الثانى ........ فما كان من المطعون ضدهما إلا أن تعديا بالضرب على المجنى عليهما سالفى الذكر فأحدثا بهما الإصابات المبينة بالتقريرين الطبيين المرفقين بالأوراق وكان ذلك بقصد الهروب للنجاة بنفسيهما من المجنى عليهما دون مسروقات ، ولم يرد بالتحقيقات |أو بأقوال المجنى عليهما بما يقطع بحصول ثمة شروع فى سرقة بإكراه . لما كان ذلك ، فإن جناية الشروع فى سرقة بإكراه فى مفهوم المادتين 313 ، 314 من قانون العقوبات تكون غير متوافرة فى هذه الواقعة ، وتعدو مجرد جنحة بالمادتين 242 ، 369 /1 ، 3 عقوبات وينعقد الاختصاص بالحكم فيها لمحكمة الجنح المختصة ، كما يحق لمحكمة الجنايات وقد أحيلت إليها أن تحكم بعدم الاختصاص بنظرها وإحالتها إلى المحكمة الجزئية ، مادامت قد رأت وبحق أن الواقعة كما هى مبينة فى أمر الإحالة وقبل تحقيقها بالجلسة تعد جنحة ، وذلك إعمالاً لنص المادة 382 /1 من قانون الإجراءات الجنائية . لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون فى شيء ، مما ينحسر عنه دعوى الخطأ فى تطبيقه ، ولما كان قضاء الحكم المطعون فيه غير منه للخصومة فى موضوع الدعوى ولا ينبنى عليه منع السير فيها ، فإن الطعن فيه بطريق النقض يكون غير جائز . لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن المقدم من النيابة العامة فى الحكم المطعون فيه عملاً بنص المادة 31 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1962 .

(الطعن رقم 9332 لسنة 81 جلسة 2012/07/07)

شرح خبراء القانون

جريمة السرقة بالإكراه:

نصت المادة 314 عقوبات على أن يعاقب بالسجن المشدد من ارتكب سرقة بالإكراه فإذا ترك الإكراه أثر جروح تكون العقوبة السجن المؤبد.

وقد أقام المشرع قرينة على خطورة الجاني الذي يلتجئ إلى الإكراه في سبيل ارتكاب السرقة فرفع الفعل إلى مصاف الجنايات، وشدد عقوبة الجناية إذا ترك الإكراه أثر جروح ولذا يمكن القول بأن مطلق الإكراه يعد ركناً في جناية السرقة لأنه يغير من وصف الجريمة وأن أثر الجروح يعد ظرفاً مشدداً لأن أثره يقتصر على رفع العقوبة.

وتثير هذه الجريمة نوعاً من الدقة في بحث مدلول الإكراه ومدى الارتباط بين الإكراه والسرقة وسوف يتضح كل ذلك عند بحث شروط هذا الإكراه وغني عن البيان أن الإكراه في السرقة هو من موضوعات الركن المادي في جناية السرقة بالإكراه ويجب الالتجاء دائماً إلى الأحكام العامة في أركان السرقة لاستجلاء ما عداه من موضوعات.

شروط توافر الإكراه في السرقة:

أولاً، الإكراه المادي :

رأينا في جريمتي هتك العرض بالقوة واغتصاب الإناث أن الإكراه ركن في هاتين الجريمتين وأن مدلوله ينصرف إلى مطلق عدم رضاء المجني عليه سواء كان نتيجة إكراه مادي أو معنوي ولكن لا يخلو الوضع في جريمة السرقة من الدقة في هذه المسألة ذلك أن عدم رضاء المجني عليه شرط لا غنى عنه لوقوع السرقة ابتداء ومن ثم فإن الاهتمام بأثر الإكراه على المجني عليه لا يكون بالنسبة إلى دلالته على عدم رضاء المجني عليه فحسب - فهو أمر مفترض في جنح السرقة وإنما يكون بالنسبة إلى ما يصاحبه من عنف مادي يدل على خطورة الجاني فمن المقرر أن الإكراه يشمل كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قدرة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة ولا أدل على صحة ارتباط فكرة الإكراه بالعنف المادي من أن القانون قد رفع عقوبة جناية السرقة بالإكراه إلى السجن المؤبد إذا ترك الإكراه أثر جروح وهو ما لا يتصور إلا إذا كان الإكراه عنفاً مادياً لا مجرد تهدید معنوي وإذا فإن الإكراه في الأصل يجب أن يكون مادياً وقد عرفته محكمة النقض بأنه يشمل كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة.

ومن أمثلة الإكراه المادي لي ذراع المجني عليه وانتزاع الساعة من يده بالقوة والقبض على رقبة المجني عليه وأخذ ما بيده عنوة ونزع قرط من أذن فتاة بعنف يقطع طرف أذنها وإلقاء غطاء على رأس المجني عليه حتى لا يميز السارق أو وضع قطعة مبللة بمادة مخدرة على أنف المجني عليه لتخديره.

ولا يشترط مطلقاً أن يصل هذا الإكراه إلى درجة معينة من العنف بل يكفي لتوافره أي قدر منه ولا يكفي لوقوع الإكراه مجرد اختطاف الشيء من المجني عليه قبل تنبهه ودون مقاومة منه فمباغتة المجني عليه بسرقة حافظته لا يعد إكراها مادام لم يصدر من الجاني فعل من شأنه التأثير على المني عليه وتعطيل مقاومته أو إعدامها) على أنه إذا بدأ الجاني في اختطاف الشيء من يد المجني عليه (حقيبة يد مثلاً) فقاومه هذا الأخير مما اضطر الجاني إلى بذل مزيد من الجهد بأن جذب الشيء بعنف من يده، فإن الإكراه المادي يعد متوافراً .

وبناء عليه فلا يكفي لتوافر الإكراه ارتكاب السرقة في أثناء نوم المجني عليه إلا إذا تسبب الجاني في تخدير المجني عليه فذلك يعد صورة من صور العنف كما لا يكفي مجرد إكراه المجني عليه معنوياً على تسليم المنقولات تحت ضغط التهديد بأذي يلحق أولاده أو نشر فضيحة تمس شرفه واعتباره مثلاً.

ثانياً، أن يوجه الإكراه ضد إنسان:

کون الإكراه ظرفاً يعطل المقاومة التي تعترض تنفيذ السرقة يقتضي بداهة اشتراط وقوع هذا الإكراه على إنسان فلا يغني أي مظهر من مظاهر القوة التي يلجأ إليها الجاني على الأشياء مثل تحطيم مصباح الكهرباء أو قطع أسلاك التليفون أو قتل كلب الحراسة أو كسر القفل.

ولا يشترط في الإنسان الذي يقع عليه الإكراه أن يكون هو المجني عليه نفسه بل يكفي أن يقع على أي شخص آخر ممن يقف عقبة أو يعترض السارق عند هروبه بالشيء المسروق ومن شأنه أن يقاوم الجاني لمصلحة المجني عليه مثال ذلك الاعتداء على زوجة المجني عليه لمنعها من الصراخ والاعتداء على بواب المنزل للتمكن من اقتحامه والاعتداء على بعض المارة الذين تعقبوا السارق فور خروجه من المنزل ومعه الأشياء المسروقة لمنعهم من اللحاق به.

أما إذا وقع الإكراه على إنسان آخر لا يقف عقبة في سبيل إتمام السرقة بقصد تحديد المجني عليه للتنازل عن الشيء المسروق في سبيل عدم الاستمرار في هذا الإكراه فذلك يعد إكراها معنوياً للمجني عليه لا تقوم به جناية السرقة مثال ذلك أن يمسك الجاني بولد المجني عليه ويلوي ذراعيه في عنف ثم يهدد المجني عليه بقتل هذا الولد إذا لم يسلمه شيئاً في حوزته دون إخلال باعتبار هذا الفعل جنحة ابتزاز طبقاً للمادة 326 عقوبات.

ثالثاً :  أن يقع الإكراه بقصد السرقة:

يتعين أن يلجأ الجاني إلى الإكراه كوسيلة لارتكاب السرقة أي لابد من الالتجاء إلى هذا الإكراه لتسهيل السرقة عن طريق تعطيل المقاومة التي تحول بينه وبين تنفيذها ولا يغني عن ذلك الالتجاء إلى الإكراه لغرض آخر ولو كان سابقاً أو معاصراً للسرقة مثال ذلك أن يتشاجر شخص مع آخر فيصيبه بجرح يقع بعده مغشياً عليه ثم تطرأ فكرة السرقة عند الجاني فيسرق ما يعثر عليه أو ما يسقط منه في أثناء المشاجرة أو أن يشرع الجاني في السرقة فتخيب جريمته ويعدو وراءه بعض المارة للقبض عليه فيستعمل مع أحدهم الإكراه لمنعه من القبض عليه وعادة ما يدعي بعض الأفراد حدوث سرقة بالإكراه في أثناء المشاجرة التي يفقد فيها أحد المتشاجرين شيئاً من ممتلكاته كحافظة نقود أو قرط ولا شك في أن الباعث الأصلي على التشاجر هو الذي يحسم شبهة الجناية فما دام هذا الباعث بعيداً عن السرقة فإن الإكراه الذي يبذل في أثناء التشاجر لا يكون القصد منه السرقة وبالتالي فالسرقات العرضية التي تحدث في أثناء المشاجرات أو بعدها لا تكون مقترنة بالإكراه .

ومتى استعمل الجاني الإكراه بقصد السرقة فلا يصلح دفاعاً أن يدعي أنه لم يكن محتاجاً إلى هذا الإكراه نظراً لعزم المجني عليه على تسليمه المال قبل استعمال الإكراه مادام قد ثبت أن الجاني استعمل العنف المادي معه بقصد السرقة.

ويفترض هذا الشرط أن يكون الإكراه سابقاً أو معاصراً للسرقة أو عند هروب السارق بالشيء المسروق وهو متلبس بفعل السرقة.

العقوبة :

إذا وقعت السرقة مقترنة بالإكراه على النحو المتقدم صارت جناية عقوبتها السجن المشدد فإذا ترك الإكراه أثر جروح تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد.

ولا يشترط في آثار الجروح أن تصل إلى درجة معينة ولكن المشرع وقد عبر عنها بآثار الجروح يتعين أن تكون الجروح واضحة ظاهرة مما يترك أثراً يحتاج علاجاً فلا يكفي مجرد الخدوش أو الرضوض البسيطة التي تندمل دون علاج والأمر على أية حال متروك لمحكمة الموضوع في تقدير آثار الجروح.

ولما كان الإكراه ظرفاً عينياً فإنه يسري على المساهمين في الجريمة كافة سواء علموا به أو لم يعلموا.  (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة: 581)

والسرقة بالإكراه المنصوص عليها بالمادة 314 هي من الجرائم المركبة التي تقوم الواقعة الإجرامية فيها على السرقة والإكراه ليكونا معاً نموذجاً قانونياً مستقلاً.

والسرقة بالإكراه تفترض وقوع جريمة السرقة كاملة أو في شكل شروع على الأقل وأن يصاحب السرقة فعل الإكراه ويستوي أن يكون الإكراه معاصرة لفعل الاختلاس أو تالية مباشرة له ما دام وقع بقصد إتمام السرقة وتمكين الجاني من سيطرته الكاملة على المسروق بما يسمح له بالتصرف فيه تصرف المالك.

 وتتميز هذه الجريمة عن جنايات السرقة الأخرى في أن المشرع يكتفي فيها بتوافر الإكراه دون تطلب أي شرط آخر بل إن توافر أي ظرف آخر كالليل أو التعدد أو التهديد باستعمال السلاح يجعل الواقعة جناية تندرج تحت نص آخر خلاف نص المادة 314.

أركان الجريمة:

 والعناصر التي تقوم عليها السرقة بالإكراه هي :

أولاً: وقوع السرقة تامة أو في مرحلة الشروع.

 ثانياً: وقوع إكراه على المجني عليه أو أي شخص آخر.

ثالثاً: أن يكون الإكراه الواقع على الشخص بقصد إتمام السرقة.

 الإكراه :

 يلاحظ أن المشرع تكلم في المادة 314 عن الإكراه ولم يذكر التهديد باستعمال السلاح كما فعل في المادة 313 الخاصة بجناية السطو. ومن ناحية أخرى فرق في العقوبة بين الإكراه الذي يترك أثر جروح والإكراه الذي لم يترك جروحاً.

وقد جرى الفقه على أن الإكراه يقصد به استخدام العنف ضد الأشخاص والذي يندرج تحت الإكراه المادي بمعنى أن الإكراه في جناية السرقة بالإكراه لا ينصرف إلا إلى الإكراه المادي دون الإكراه المعنوي.

غير أن العنف ليس هو الإكراه فالعنف وسيلة والإكراه هو نتيجة للعنف ولذلك فإن الإكراه قد يتحقق رغم عدم المساس بسلامة جسم المجني عليه الواقع عليه الإكراه كما هو الشأن في الإكراه المعنوي واستخدام الحيلة أو الخداع لفقدان المجني عليه قدرته على الحركة كما لو تحايل الجاني على المجني عليه لتناول مادة مخدرة ذهبت بعقله والتهديد باستعمال السلاح ولو كان السلاح المستخدم غير صالح وأنه مجرد لعبة.

والواقع هو أن الإكراه المعني في السرقة إنما ينصرف إلى أي وسيلة يستخدمها الجاني قسراً لتعطيل مقاومة المجني عليه أو لشل حركته سواء أخذت صورة العنف المباشر على جسم المجني عليه أو أخذت صورة التهديد بخطر الإضرار بحياته أو ببدنه إضراراً لا قبل له بتحمله ومثال ذلك التهديد بخطف ابن أو اغتصاب المجني عليه.

وعلى ذلك يعتبر إكراها في هذا المعنى دفع المجني عليه أو ضربه أو حجزه في غرفة ومنعه من الخروج وكذلك أخذ ملابسه وهو عار أثناء الاستحمام أو إعطاؤه مادة مخدرة رغم إرادته كذلك يعتبر إكراها تهديداً المجني عليه بإطلاق النار عليه إذا تحرك وتحطيم مقعده الآلي الذي يتحرك به إذا كان مشلولاً.

كذلك الحال إذا ناول الجاني المجني عليه شراباً به مادة مخدرة بطريق التحايل.

وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن الإكراه في السرقة يتحقق بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً السرقة فكما يصح أن يكون تعطيل المقاومة بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسمه فإنه يصح أيضاً أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح كما قضت أيضاً بأن القانون لم ينص في المادة 314 عقوبات على نوع معين من أنواع الإكراه ولما كان تعطیل مقاومة المجني عليه كما يصح أن يكون بالوسائل المادية التي تقع مباشرة على جسم المجني عليه يصح أيضاً أن يكون بالتهديد باستعمال السلاح فإذا كان الجاني قد اتخذ التهديد باستعمال السلاح وسيلة لتعطيل مقاومة المجني عليه في ارتكاب جريمة السرقة فإن الإكراه الذي يتطلبه القانون في تلك المادة يكون متحققاً (28/10/1952 مجموعة 25 سنة 767 -24/5/1943 - ص 767 - س 18 -ص 846).

 العلاقة بين الإكراه وبين السرقة:

يلزم أن تكون هناك رابطة بين الإكراه وبين إتمام السرقة في ذهن الجاني بمعنى أن يكون الإكراه قد بوشر من قبل الجاني ليتمكن من السرقة ولا يشترط أن يكون الإكراه قد سهل ارتكاب السرقة.

فالسرقة تكون بإكراه ولو كان العنف المباشر على المجني عليه لم يكن كافية للتغلب على مقاومة المجني عليه إذا في هذه الحالة إذا لم تتم السرقة نكون بصدد شروع في سرقة بالإكراه فالعنف المكون بالإكراه غير مرتبط بالقابلية للمقاومة من عدمه أما بالنسبة للتهديد بالضرر فيلزم أن يكون الإكراه ملجئاً.

ومن ناحية أخرى فإن الوسيلة المستخدمة لتعطيل مقاومة المجني عليه يستوي فيها أن تكون مؤدية إلى تلك النتيجة بذاتها أم بعد إعدادها على نحو معين كما هو الشأن في بعض النباتات المخدرة.

وإذا انتفت تلك الرابطة الذهنية بين الإكراه والسرقة فإن جناية السرقة بالإكراه تنتفي ويحاسب الجاني على جريمتين: السرقة والعدوان الذي بوشر على المجني عليه، فمن يضرب أخر بقصد الانتقام ثم ينتهز فرصة انشغاله بجروحه فيخطف منه منقولاً من منقولاته لا نكون بصدد سرقة بالإكراه وإنما بصدد جنحة ضرب وجنحة سرقة.

وإذا كان يشترط التلازم الذهني بين الإكراه والسرقة فيلزم أن يكون الإكراه معاصرة للسرقة.

والإكراه يعتبر من الظروف العينية التي تسري على المساهمين علموا به أو لم يعلموا تطبيقاً للقواعد العامة في المساهمة الجنائية.

العقوبة:

فرق المشرع في العقوبة بين فرضين:

الأول: إذا لم يترك الإكراه أثر جروح، تكون العقوبة هي: السجن المشدد.

الثاني: إذا ترك الإكراه أثر جروح فإن العقوبة تكون هي السجن المؤبد أو المشدد وغني عن البيان أنه يكفي وجود آثار جروح مهما كانت المدة المقررة للعلاج ويراعي في تحديد معنى الجروح ما سبق بيانه في صدد جرائم الضرب والجرح. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة: 207 )

جناية السرقة بالإكراه :

تمهيد : نصت على هذه الجناية المادة 314 من قانون العقوبات في قولها « يعاقب بالسجن المشدد من ارتكب سرقة بإكراه فإذا ترك الإكراه أثر جروح تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد » ويتضح بذلك أن التشديد الذي تفترضه هذه الجناية يقوم على عنصر وحيد هو الإكراه وهذا العنصر يتعلق بوسيلة تنفيذ السرقة ويفسر ذلك طابعه العيني وقد جعل الشارع التشديد على درجتين تفترض أولاهما مجرد الإكراه وتفترض ثانيتهما ترتب أثر جروح على الإكراه .

علة التشديد شدد الشارع العقاب على السرقة التي ترتكب بالإكراه لأنها تتضمن اعتداء على شخص المجنى عليه أو شخص سواه إلى جانب ما تنطوي عليه من عدوان على ماله وبالإضافة إلى ذلك فإن السرقة بالإكراه تكشف عن خطورة كبيرة تنطوي عليها شخصية السارق إذ يستهين بسلامة جسم شخص في سبيل إشباع طمعه في ماله.

التعريف بالإكراه و الإكراه « عمل قسر وإجبار يأتيه السارق اليحبط المقاومة التي يبديها المجنى عليه أو غيره اعتراضا لتنفيذ السرقة » ويتضح من هذا التعريف أن الإكراه الذي يعتبر ظرفاً مشدداً للسرقة هو الإكراه المادي إذ الفكرة الأساسية فيه أنه عمل مادي من شأنه قهر مقاومة مادية  ومؤدي ذلك أن يستبعد من نطاقه «الإكراه المعنوي» أي مجرد تهديد المجني عليه أو غيره بشر إن لم يتخل عن المقاومة  ولكن هذا الأصل يرد عليه تحفظ فقد اعتبر القضاء « التهديد باستعمال السلاح » وهو محض إكراه معنوى كافياً ليقوم به هذا الظرف المشدد وتقتضي دراسة الإكراه البحث في اشتراط وقوعه على شخص ثم تحديد درجة العنف المتطلبة فيه وبيان الصلة بينه وبين السرقة .

 وقوع الإكراه على الأشخاص :

هذا الشرط مستمد من علة التشديد: فإذا كان الشارع يشدد العقاب لأن فعل السارق يتضمن اعتداء على الأشخاص إلى جانب ما ينطوي عليه من اعتداء على الأموال فإن هذه العلة لا تتحقق إلا إذا وقع الإكراه على شخص والأصل أن يقع الإكراه على المجني عليه إذ هو الذي يدافع عن ماله ولكن الظرف المشدد يتحقق كذلك إذا وقع الإكراه على أي شخص قاوم تنفيذ السرقة أو اعتقد السارق أنه سيقاوم تنفيذها ويتعين أن يكون هذا الشخص عالماً بوقوع السرقة حتى يكون الاعتقاد السارق باحتمال المقاومة ما يبرره من حيث الواقع وتطبيقاً لذلك فإنه إذا اعتدی السارق على شخص حاول القبض عليه لمجرد أنه رآه يجري دون أن يكون عالماً بارتكابه سرقة فلا يقوم بذلك الظرف المشدد .

وبناء على هذا الشرط فإن الظرف المشدد لا يتحقق إذا وقع العنف على جماد أو حيوان ولو كان ذلك بقصد تسهيل السرقة : فإذا ارتكب السارق أعمال العنف على الخزانة لتحطيمها والاستيلاء على ما تحتويه أو على المصابيح لإطفائها أو على كلب الحراسة لإسكاته أو على الدابة المسروقة للفرار بها فلا يتحقق بذلك الإكراه ولكن إذا وقع العنف على دابة يمتطيها المجنى عليه بحيث تعدى إليه وكان من شأنه إرهابه فتخلى عن الدابة أو عن مال آخر يحمله عليها تحقق الإكراه بذلك.

درجة العنف المتطلبة في الإكراه : لم يتطلب الشارع في الإكراه أن يبلغ درجة معينة من العنف فقد ورد لفظ « الإكراه » مرسلاً ومن ثم لا يشترط أن يكون من شأنه تهديد حياة المجني عليه بالخطر أو إحداث جروح والدليل على ذلك أنه اعتبر الإكراه الخطير الذي يترك أثر جروح مقتضياً مزيداً من تشديد العقاب مما يفهم منه أن مطلق الإكراه كاف للتشديد في درجته الأولى .

ولكن يتعين أن يكون العنف على شيء من الأهمية بحيث يؤثر في مقاومة المجني عليه فيحبطها وتقدير درجة العنف والقول بكفايته لتحقق الظرف المشدد من شأن قاضي الموضوع .

التهديد باستعمال السلاح: التهديد باستعمال السلاح صورة من الإكراه المعنوي وقد كان ذلك مقتضياً تقرير عدم كفايته ليقوم به الظرف المشدد ولكن محكمة النقض استقرت على اعتباره في حكم الإكراه المادي بحيث يقوم به هذا الظرف وقد احتجت لذلك بأن القانون قد أشار إلى الإكراه إطلاقاً وفي إشارته هذه « ما يكفي أن يندمج في الإكراه كل وسيلة قسرية تستعمل لغل يد المجنى عليه عن المقاومة والحيلولة بينه وبين منع الجاني من مقارنة جريمته » وبأن التهديد باستعمال السلاح يحقق علة التشديد «لأنه يضعف مقاومة المجني عليه ويسهل السرقة » وبأن القانون قد سوى بين الإكراه والتهديد باستعمال السلاح في المادتين 313 ، 315 من قانون العقوبات فيفرض المنطق القانوني إقرار هذه المساواة كذلك في المادة 314 من قانون العقوبات کي يكون للإكراه في جميع نصوص القانون ذات المدلول والنطاق وسواء أن يهدد السارق باستعمال السلاح بطبيعته أو سلاح بتخصيصه كقطعة من الحديد مثلاً متى ثبت أنه قد حمله عمداً لمناسبة السرقة ليشتد به أزره وليتخذ منه وسيلة لتعطيل مقاومة المجني عليه في ارتكاب السرقة ولكن يتعين أن يهدد المتهم باستعمال السلاح ومن ثم لا يكفي مجرد حمله ولو بصورة ظاهرة.

تطبيقات الإكراه : أمثلة الإكراه عديدة : فالإمساك بيد المجني عليه وكم فمه كي لا يستغيث ووضع مادة مخدرة في فمه أو أنفه وإحراق مواد تشعره بالدوار حين يستنشقها ووضع مادة حارقة في عينه کي ينشغل بآلامه عن المقاومة ووضع قطعة من القماش حول رأسه کي لا يرى السارق ودفعه بشدة كي يسقط أرضاً تطبيقات واضحة للإكراه ومن باب أولى يتحقق الإكراه بضرب المجنى عليه ولو كان الضرب بسيطاً أو إحداث جروح بجسمه ويتحقق الإكراه إذا نزع السارق قرطاً من أذن امرأة بقوة فقطع طرفها وقد قضى بأن يعتبر إكراها إعطاء المجني عليه مادة مخدرة فيفقد القدرة على مقاومة السارق أو تضعف لديه هذه القدرة  وإمساك أحد المتهمين بذراع المجني عليه وضغطه عليه ربما يتمكن المتهم  الآخر من إدخال يده في جيبه وإخراج ما به من النقود وقذف المجنى عليه بالرمال في وجهه ثم جذب الحقيبة التي يحملها ولا يشترط أن يقتصر السارق على استعمال أعضاء جسمه في اقتراف فعل الإكراه بل يستوي في ذلك أن يسخر حيواناً أو جماداً.

ولكن لا يتحقق الإكراه بمجرد الاستيلاء على مال شخص نائم إذ لا يعني نوم المجني عليه وغفلته عن رعاية ماله سوى عدم رضائه بأخذ السارق ماله ولا يتحقق الإكراه إذا غافل السارق المجني عليه واختطف منه ماله قبل أن تتنبه قوة المقاومة لديه ولكن إذا تنبهت لديه هذه القوة فصدر عنه عنف مادي لتعطيلها تحقق الإكراه بذلك.

الصلة بين الإكراه والسرقة و تطلب الشارع هذه الصلة في وصفة للسرقة بأنها  بإكراه أي أنها ارتكبت  عن طريق الإكراه وهذه الصلة يفرضها دور الإكراه في السرقة وأنه كان وسيلة تنفيذها وهي صلة مزدوجة فهي صلة سببية نفسية تفترض أن الإكراه كان في خطة السارق وسيلة تنفيذ السرقة وهي كذلك صلة زمنية تفترض أن الإكراه قد عاصر ارتكاب السرقة .

صلة السببية النفسية بين الإكراه والسرقة : تغني هذه الصلة أن « الإكراه كان بقصد السرقة ». واشتراط هذه الصلة مرتبط بعلة التشديد : فخطورة السارق لا تتحقق إلا إذا ثبت أنه قد استخدم وسيلة خطيرة في تنفيذ السرقة واستخدام الوسيلة يعني جعلها جزءاً من المشروع الإجرامي أي اتجاه القصد إلى الاستعانة بها في تنفيذ هذا المشروع  وأوجه هذه الصلة متنوعة فقد يكون الإكراه لتهيئة السرقة كمن يضرب المجني عليه لإضعافه أو إرهابه أو يخدره وقد يكون الإكراه لتسهيل السرقة ويأتيه السارق أثناء ارتكابه فعل الاختلاس لتمكينه من إتمامه كمن يبدأ في فعله فيصطدم بمقاومة المجني عليه فيضربه ليتمكن من الاستمرار فيه وقد يكون الإكراه في النهاية مقصوداً به تمكين السارق من أن يحوز الشيء حيازة تامة فيباشر عليه مظاهر السيطرة التي تفترضها الحيازة .

فإذا انتفت الصلة بين الإكراه والسرقة فلم يكن قصد السارق حين صدر الإكراه عنه متجها إلى السرقة بل كان يستهدف به غاية أخرى كمن ضرب آخر انتقاماً ثم لما رأى تخاذله انتهز الفرصة فسرق ماله أو لاحظ سقوط شیء من ملابسه فاستولى عليه أو ارتكب السارق فعل الإكراه ليتمكن من الفرار تاركاً خلفه المسروقات فإن الظرف المشدد لا يتوافر بذلك .

معاصرة الإكراه للسرقة : هذه الصلة متفرعة عن الصلة السابقة : فلا يتصور أن يكون الإكراه وسيلة السرقة إلا إذا كان معاصراً لها سواء كان قبيل البدء في تنفيذها أو أثناءه أما إذا كان لاحقاً عليها فلا يكون وسيلة لها لأن الوسيلة لا تتصور في المنطق لاحقة على الغاية ولا يثير هذا الشرط صعوبة بالنسبة للإكراه الذي يستهدف تهيئة السرقة أو تسهيلها فهو في الحالين معاصر لها أما إذا كان الإكراه لتمكين السارق من الفرار بالمسروق فإن الشك يثور حول ما إذا كان معاصراً للسرقة أو لاحقاً عليها.

وقد وضعت محكمة النقض ضابطاً المعاصرة الإكراه للسرقة مضمونه أنه إذا صدر الإكراه والسرقة لم تزل في حالة التلبس فهو معاصر لها أما إذا صدر بعد انقضاء هذه الحالة فهو لاحق على السرقة ولا يقوم به الظرف المشدد وفي بعض أحكامها لم تذكر لفظ «التلبس» ولكنها اكتفت بتطلب صدور الإكراه « عقب السرقة مباشرة » وقد قضت تطبيقاً لهذا الضابط أن « يعتبر الإكراه ظرفاً مشدداً للسرقة إذا حصل بقصد الاستعانة به على السرقة أو النجاة بالشيء المسروق عقب وقوع الجريمة أما إذا حصل بقصد فرار السارق والنجاة بنفسه بعد ترك الشيء المسروق فلا يعتبر ظرفاً مشدداً بل هو إنما يكون جريمة قائمة بذاتها يعاقب عليها بما يقضي به القانون » وهذا الضابط يقود في أغلب الحالات إلى نتائج مقبولة ويمكن أن ترد هذه النتائج إلى أصلين اعتبار الإكراه الذي يحصل والسارق لم يغادر بعد مسكن المجني عليه كافياً ليقوم به الظرف المشدد واعتبار الإكراه الذي يصدر حين يتعرض للسارق لمقاومة المجني عليه من أجل نجاته بالمسروق كافياً كذلك لتوافر الظرف المشدد ولكن عيب هذا الضابط أن له طابعاً إجرائياً في حين أن المشكلة التي تثيرها معاصرة الإكراه للسرقة ذات طابع موضوعي.

ونرى أن النتائج التي تريد المحكمة القول بها يمكن الوصول إليها إذا حددنا على وجه دقيق لحظة تمام السرقة وقلنا أن كل إكراه يصدر قبل هذه اللحظة يعد بالضرورة معاصراً للسرقة إن لحظة تمام السرقة هي لحظة خروج الشيء من حيازة المجنى عليه بحيث تنقضي سلطاته عليه ثم دخوله في حيازة السارق بحيث يكون في مكنته وحده مباشرة هذه السلطات  ويبدو أن هذه الفكرة ليست غريبة على قضاء محكمة النقض فقد قالت في أحد أحكامها تعليلاً لمعاصرة الإكراه للسرقة « أن تمام استحواذ المتهم على الشيء المسروق لم يكن ميسوراً إلا بما ارتكب من إكراه » وحين يتتبع المجني عليه السارق محاولاً استرداد ماله فإن السرقة لا تعتبر تامة إلا إذا تخلص السارق منه فكف عن تتبعه وكف عن محاولته استرداد ماله لأنه طالما يتعرض للتتبع ومحاولة الاسترداد فهو لا يستطيع أن يباشر عليه سلطات الحيازة ولا يمكن القول بأن الشيء قد خرج تماماً من حيازة المجني عليه وتطبيقاً لذات الفكرة فإنه إذا ارتكب السارق أفعال الإكراه وهو لا يزال بعد في المسكن الذي ارتكبت فيه السرقة فإن معاصرة الإكراه للسرقة تعتبر متحققة فطالما ظل السارق في بيت المجني عليه فهو وما يحوزه من مسروقات لا يزال في حوزته ومن ثم فإن السرقة تعتبر أنها لم تتم بعد وما يرتكب حينذاك من إكراه يعتبر معاصراً للسرقة أما إذا انتفى التعاصر بين الإكراه والسرقة فلم يرتكب إلا بعد أن تمت السرقة فلا يتوافر الظرف المشدد وإنما تقوم به جريمة متميزة عن السرقة مثال ذلك أن يعلم المجني عليه لدى عودته إلى بيته بارتكاب السرقة وتمامها فيبحث عن السارق حتى يصادفه فيضربه الأخير تخلصاً منه.

طبيعة الإكراه : الإكراه ظرف عيني ومن ثم يسري على جميع المساهمين في السرقة ولو لم يعلموا به بل ولو عبر أحدهم عن رفضه له ومن باب أولى لا يجوز للمتهم أن يدفع مسئوليته عن الإكراه بقوله إنه لم يسهم في اقتراف الفعل الذي قام الإكراه به.

عقوبة السرقة بالإكراه : حدد الشارع درجتين لتشديد عقوبة السرقة إذا توافر لها الإكراه فإذا توافر في السرقة مطلق الإكراه كانت عقوبتها السجن المشدد بين حديها العامين أما إذا ترك الإكراه أثر جروح فالعقوبة هي السجن المؤبد أو السجن المشدد بين حديه العامين وقد استدل الشارع بالجروح على خطورة الإكراه ويعني ذلك أن علة التشديد في درجته الثانية هي ازدياد خطورة الإكراه ويفهم لفظ الجروح في مدلوله القانوني المعتاد فهو كل تمزق فى أنسجة الجسم.  ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:  1032)

فالإكراه يعتبر ظرفاً مشدداً يجعل من جريمة السرقة جناية عقوبتها السجن المشدد فإذا ترك الإكراه أثر جروح أصبحت العقوبة السجن المؤبد أو المشدد فقد قرر المشرع أن المجرم الذي يستعمل الإكراه لتنفيذ السرقة هو شخص شديد الخطورة على الأمن إذ لا يتورع أن يعتدي على الأشخاص في سبيل تحقيق اعتدائه على الأموال.

معنى الإكراه وشروطه :

لم يحدد المشرع معنى الإكراه ويمكن تعريفه بأنه القيام بأعمال العنف على جسم إنسان توصلاً إلى ارتكاب السرقة ومن هذا التعريف يتبين ضرورة أن يتوافر للإكراه عدة شروط.

-أولاً أن يقع الإكراه على إنسان :

يجب التحقق الإكراه أن توجه أعمال العنف إلى إنسان وذلك حتى تتحقق علة تشديد العقاب المتمثلة في وقوع الاعتداء على المال والشخص في وقت واحد وعلى ذلك لا يتوافر الإكراه إذا وجهت أعمال العنف إلى قطعة أثاث ككسر الخزانة أو الدواليب أو كسر المصباح أو إطفائه أو إلى حيوان كضرب كلب الحراسة أو قتله لإتمام السرقة.

وإذا تحقق هذا الشرط فإنه يستوي بعد ذلك صلة الشخص الذي وقع عليه الإكراه بالمال محل السرقة فسواء كان هو المالك أو الحائز أو شخص غيرهما اعترض سبيل السارق أو ظن السارق أنه سيقاومه أو كان أحد رجال الأمن فاجأ السارق أثناء ارتكاب جريمته.

ثانياً : أن يقع الإكراه بعمل من أعمال العنف المادي :

استعمل المشرع في نص المادة 314 لفظ «الإكراه» ؛ ولفظ الإكراه إذا أطلق ينصرف إلى نوعي الإكراه : المادي والمعنوي.

أن الفقه مجمع على أن المقصود بالاكراه في المادة 314  هو الإكراه المادي أي أعمال العنف التي يوقعها الجاني على أحد الأشخاص قضاء على مقاومته أو إضعافاً لها وتوصلاً إلى ارتكاب جريمة السرقة.

وتحقق الإكراه المادي في هذا المعنى يكفي لتوافر الظرف المشدد فليس بشرط أن يكون العنف قد هدد حياة المكره أو أصابه بأذى شديد.

ويستوي في وقوع الإكراه أن يكون من الجاني على المجنى عليه مباشرة أو عن طريق الاستعانة بألة أو بحيوان .

ثالثاً : أن يكون الإكراه بقصد السرقة :

يجب أن يستهدف الجاني من ارتكاب أفعال الإكراه تنفيذ جريمة السرقة أو إتمامها فإذا تخلف هذا القصد لا يتحقق الظرف المشدد وبناء على ذلك فإذا ضرب الجاني المجني عليه انتقاماً منه ثم عنت له فكرة السرقة فسرق ماله لا تعد السرقة واقعة بالإكراه كذلك لا يتحقق الإكراه إذا ارتكب أفعال العنف ليتمكن من الهرب بعد أن تخلى عن الأشياء المسروقة.

ويقتضي تحقق هذا الشرط أن يكون الإكراه سابقاً أو معاصراً لارتكاب جريمة السرقة ولذلك يكون من الأهمية بمكان لتحديد التكييف القانوني لأفعال الإكراه أن يحدد وقت وقوعه بالنسبة لوقت تنفيذ جريمة السرقة فإذا وقع قبل البدء في تنفيذ جريمة السرقة أو أثناء تنفيذها اعتبر ظرفاً مشدداً لها أما إذا وقع بعد تمامها فإنه لا يعد كذلك وإنما يسأل الجاني عن أفعال الإكراه باعتبار تكييفها القانوني.

وقد أثار تحديد الوقت الذي يعتبر فيه الإكراه ظرفاً مشدداً لجريمة السرقة خلافاً في الفقه فذهب رأي إلى أن الإكراه يعتبر ظرفاً مشدداً الجريمة السرقة حتى ولو وقع بعد تمام الجريمة مباشرة طالما أن الجريمة في حالة التلبس وذلك لتحقق علة التشديد سواء كان الإكراه معاصراً أو لاحقاً مباشرة على ارتكاب الجريمة وذهب رأي آخر إلى أن المناط في تحديد تكييف الإكراه بأنه ظرف مشدد لجريمة السرقة هو اللحظة التي تتم فيها جريمة السرقة.

والرأي الأخير يفضل سابقه حيث يعتمد على تحديد لحظة إتمام جريمة السرقة وهو أمر موضوعي يجب اللجوء إليه للفصل في المشكلة التي نحن بصددها وهي مشكلة موضوعية أما الأخذ بمعيار التلبس فهو أمر غير مقبول لأنه يؤدي أحياناً إلى اعتبار الإكراه ظرفاً مشدداً ولو وقع بعد تمام الجريمة إذ أن بعض صور التلبس تكون بعد وقوع الجريمة بوقت قصير فضلاً عن تعلق آثاره بالإجراءات الجنائية وحدها ولا شأن له بالأحكام الموضوعية .

إذا ارتكبت السرقة بإكراه شددت عقوبتها لتصبح السجن المشدد فإذا ترك الإكراه أثر جروح أصبحت العقوبة السجن المؤبد أو المشدد.

والإكراه ظرف عيني يتعلق بماديات الجريمة ولذلك يمتد أثره إلى جميع المساهمين فيها فاعلين أو شركاء ولو كان قد وقع من أحدهم فحسب وسواء علموا به أو لم يعلموا. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  803)

لم يعرف الشارع الإكراه المقصود في باب السرقة ولكن محكمة النقض کا عرفته بأنه يشمل كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلاً للسرقة ويجب الاعتبار الإكراه ظرفاً مشدداً للسرقة أن يكون موجهاً ضد الأشخاص فأعمال العنف أو الاعتداء التي تقع على الأشخاص بأعمال العنف أو الاعتداء التي تقع على الأشياء أو الحيوانات وتكون مصاحبة للسرقة لاتعد إكراهاً.

كما يعتبر الإكراه ظرفاً مشدداً للسرقة متى كان موجها ضد شخص ما سواء أكان هذا الشخص هو مالك الشئ المسروق أم غيره ومن ثم فإنه ليس من الضروري أن يكون ظرف الإكراه واقعاً على المجنى عليه نفسه بل يكفي حصوله ضد أي شخص ساعد في منع حصول الجريمة فالسارق الذي يفاجئه رجال الحفظ في محل الواقعة متلبساً بالجريمة فيضربهم يعد مرتكباً لجريمة السرقة بإكراه.

 أنواع الإكراه :

الإكراه المادي :

يتوسع القضاء في تحديد الإكراه المادي فيجب وكما سبق القول أن يكون الإكراه موجها ضد الأشخاص وأن يكون مادياً كما يشترط أن يكون سابقاً أو معاصراً لارتكاب السرقة وبخصوص الشرط الأخير فقد قيل بأن الأصل أن الإكراه المعتبر هنا هو الإكراه الذي يرتكب لتسهيل السرقة بمنع المجني عليه أو غيره من مقاومة السارق عند ارتكابها ولا يثور شك في معاصرة الإكراه للسرقة إذا ارتكبت أفعال العنف قبل بدء الجاني في تنفيذ فعل الاختلاس بقصد التمهيد لهذا الفعل كذلك لايثور الشك أيضاً إذا ارتكبت هذه الأفعال أثناء تنفيذ الاختلاس بقصد إتمامه.

ولكن ما حكم الإكراه الذي يقع عقب السرقة مباشرة فإذا سرق الجاني من منزل لم يجد به أحد وعند خروجه منه ارتكب أفعال العنف لكي يتمكن من مغادرة هذا المكان أو ليتخلص من مقاومة المجنى عليه أو من يحضر لنجدته هل تعتبر هذه الأفعال من قبيل الإكراه في السرقة وفي ذلك أجابت محكمة النقض المصرية بأنه من المقرر أنه لايشترط في الاعتداء الذي تتوافر به جريمة السرقة بإكراه أن يكون الإكراه سابقاً أو مقارناً لفعل الاختلاس بل يكفي أن يكون كذلك ولو أعقب فعل الاختلاس متى كان قد تلاه مباشرة وكان الغرض منه النجاة بالشىء المختلس.

 الإكراه المعنوي :

الإكراه الادبى أو المعنوي بالتهديد لا يعد ظرفاً مشدداً للسرقة إلا في حالة واحدة نص عليها القانون وهي التهديد باستعمال السلاح أما التهديد بالأقوال أو الاشارات فمهما بلغ تأثيره على نفس المجني عليه ومهما كانت خطورته في ذاته فلا يعد إكراه في حكم المادة 314 ع والمواد الأخرى التي جعل فيها الإكراه ظرفاً مشدداً للسرقة وهذا مستفاد من نص المادة 314 ع إذ قرن فيها بين الإكراه الذي يترك أثر جروح والذي لايترك أثراً من هذا القبيل وهذا غير منصور إلا في الإكراه المادي ومن جهة أخرى فقد نص القانون خصيصاً في المادتين 313 فقرة خامسة 316 فقرة ثالثة على التهديد باستعمال السلاح واعتبره كافياً لتشديد العقوبة ومساوياً للإكراه في الحكم وهذا يدل على أن ما عدا ذلك من ضروب الإكراه الأدبي لايعتد بها في تشديد عقوبة السرقة ومن ثم فإنه وأن كان الشارع لم ينص صراحة في المادة 314 ع على التهديد باستعمال السلاح ويعده بمنزلة الإكراه إلا أنه متى لوحظ أن التهديد باستعمال السلاح هو في ذاته إكراه لأنه يضعف مقاومة المجني عليه ويسهل السرقة ولوحظ أن القانون سوى بين التهديد باستعمال السلاح والإكراه في حكم المادتين 313 ، 315 ع يكون من المتعين قانون الأخذ بهذه التسوية في حكم المادة 314 ع. وبناء على ذلك تعتبر الواقعة سرقة بإكراه في حكم المادة 314 ع إذا كان مع السارق حربة أو سكين هند بها المجني عليه وإذا رفع السارق سكيناً في وجه زوجة المجنى عليه ليمنعها من الاستغاثة وإذا صوب شخص سلاحاً نارياً عليه أو أطلق منه عياراً نارياً على سبيل التهديد. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع ، الصفحة : 132)

يعتبر المشرع المصري ظرف الإكراه وحده كافية لرفع السرقة إلى جناية وذلك لأن الإكراه أشد خطراً على المجتمع من الظروف المشددة للعقوبة فالسرقة بالإكراه تنطوي على اعتداء على الشخص والمال معاً.

تعريف ظرف الإكراه:

يمكن تعريف الإكراه بأنه كل عمل من أعمال العنف يوجه ضد الأشخاص وذلك للتغلب على مقاومة تقف حائلاً ضد تنفيذ السرقة والإكراه الذي يشدد العقاب على السرقة هو عمل من أعمال العنف المادي الذي يستهدف القضاء على المقاومة المادية التي قد يبديها المجني عليه أو غيره.

ولقيام ظرف الإكراه يجب أن يتوافر شروط أربعة:

الشرط الأول: أن يكون الإكراه موجها ضد شخص فأعمال العنف والإعتداء التي تقع على الأشياء أو الحيوانات وتكون مصاحبة للسرقة لا تعد إكراها ومن هذا القبيل كسر الدواليب والخزائن أو كسر المصباح أو إطفاؤه وكذلك قتل كلب الحراسة أو ضربه للتمكن من السرقة ولكن يستوي أن يقع الإكراه على مالك الشيء أو على حائزه أو على شخص آخر ولو لم تكن له علاقة بمالك الشيء أو

حائزة فلو فاجأ خفير لصاً أثناء السرقة فاعتدى عليه اللص بالضرب فإن ظرف الإكراه يكون متوافراً.

الشرط الثاني: ويجب أن يكون الإكراه الواقع على الشخص مادياً فالقانون لا يكتفي بالإكراه المعنوي وعلى ذلك لا يعتبر إكراها في حكم السرقة التهديد بالأقوال أو الإشارات مهما بلغ تأثيره على المجني عليه وهذا مستفاد من نص المادة محل التعليق وقد فرق الشارع في العقاب بين الإكراه الذي يترك أثر جروح والذي لا يترك أثراً من هذا القبيل وهذا يعني أن الإكراه المقصود هو الإكراه المادي.

ويراد بالإكراه المادي العنف المادية الموجه مباشرة إلى جسم إنسان بقصد إضعاف مقاومته للتمكن من السرقة ولا يشترط في الإكراه أن يهدد الإنسان في حياته أو يلحق به أذى بليغة فأي درجة من العنف تكفي وعلى ذلك يعد إكراهها ضرب المجني عليه أو صده بالعنف أو إلقاؤه على الأرض أو تعطيل يديه أو عصب عينيه أو إلقاء تراب فيهما أو كم فمه حتى لا يستغيث وكذلك يعد إكراه إسقاط شخص على آخر للخروج من الباب بالمسروق أو نزع قرط من أذن فتاة أو إمساك المجني عليه حتى يتمكن الفاعل الآخر من فض محتويات جيوبه ولكن يشترط أن ينطوي العمل على شيء من العنف فمجرد خطف الشيء لا يعد إكراهاً والأمر من ذلك موكول للمحكمة ومن قبيل الإكراه المادي إعطاء مواد مخدرة للمجني عليه تفقده شعوره وتعطل بذلك قوة مقاومته.

وليس من الضروري لتحقيق الإكراه أن يمس الجاني بفعله جسم المجني عليه مباشرة فيستوي أن يستعمل الجاني أعضاء جسمه في إكراه المجني عليه أو يسخر حيواناً أو آلة في تحقيق ذلك ومن هذا القبيل أيضاً حرق مواد تحدث دوارة لدى المجني عليه وتفقده المقاومة ولكن السرقة من شخص خلال نومه لا تعد سرقة بإكراه وكل ما هناك أن الرضاء ينعلم وهو شرط أساسي في السرقة على العموم وإنما الإكراه شيء آخر يشترط فيه أن يأتي الفاعل عملاً مادياً يصيب به جسم المجني عليه بقصد إضعاف مقاومته هو ما لا يتوافر في هذه الصورة .

الشرط الثالث: يجب أن يكون هناك إرتباط بين الإكراه والسرقة فيتخذ الإكراه وسيلة لإتمام غرض الجاني في السرقة فإذا لم تكن هناك علاقة بين الإكراه والسرقة فلا يتوافر الظرف المشدد كما إذا إرتكب الإكراه بقصد هتك عرض ثم ارتكبت السرقة عرضاً ومن هذا القبيل أيضاً ما إذا إعتدي السارق بالضرب على شريكه في السرقة لأنه أراد الإستئثار بالشيء المسروق.

الشرط الرابع: يجب أن يكون الإكراه سابقاً أو معاصرة السرقة وهو نتيجة للشرط السابق عليه وقد عبر القانون عن ذلك بعبارة " سرقة بإكراه فالإكراه الذي يقع بعد تمام السرقة لا تؤثر على طبيعتها وإنما يؤاخذ عليه على حدة بحسب جسامته إذ لا تربطه عندئذ بالسرقة أية حيلة قانونية ولذلك يتعين لمعرفة أثر الإكراه في السرقة أن ينظر إلى المرحلة التي وقع فيها فإذا وقعت الجريمة في مرحلة الشروع كان له أثره سواء تحققت الجريمة أو خاب أثرها وإذا حصل بعد تمامها فلا أثر له على السرقة.

العقوبة :

إذا توافر ظرف الإكراه كانت السرقة جناية وقد حدد المشرع أثر الإكراه في تشديد العقاب تبعاً لما إذا كان قد ترك أثر جروح أو لم يترك فإذا لم يترك الإكراه أثر جروح كانت عقوبة السرقة المرتكبة به في السجن المشدد أما إذا ترك الإكراه أثر جروح وهو ما يعني أنه كان على درجة عالية من الخطورة فقد جعل المشرع العقوبة هي السجن المؤبد أو المشدد وإذا بلغ الإكراه درجة القتل، فالواقعة لا تعد سرقة بإكراه وإنما جناية قتل مرتبط بجنحة سرقة ويعاقب عليها طبقاً للمادة (234) عقوبات وهي الإعدام أو السجن المؤبد.

والإكراه ظرف عيني يتصل بماديات الجريمة ولذلك يسري على جميع المساهمين في السرقة من فاعلين وشركاء فيشدد عقابهم جميعاً ولو وقع من أحدهم فقط وهو يشدد عقاب جميع المساهمين في السرقة ولو لم يعلم به بعضهم أو كان قد اعترض عليه ويعاقب على الشروع في السرقة بإكراه طبقاً لنص المادة (46) عقوبات.

ولما كان الإكراه ظرفاً يستوجب تشديد عقوبة السرقة، كان من اللازم أن يبين حكم الإدانة عن السرقة بإكراه حدوث الإكراه ويكفي في هذا الصدد أن يكون سرد القاضي للوقائع كاشفاً بوضوح عن حدوث الإكراه ويعني ذلك أنه لا يلزم التحدث عن ظرف الإكراه إستقلالاً أو ذكره بلفظه صراحة في الحكم فإذا نازع المتهم في وجود الإكراه تعين على محكمة الموضوع أن تدلل على وجوده وتورد من الأسانيد ما يدل صراحة على توافره  وإلا كان حكمها قاصراً. كما يلزم أن يبين حكم الإدانة توافر الصلة بين الإعتداء على المجني عليه وفعل السرقة إذ بدون هذه الصلة لا يقوم الظرف المشدد.

وإذا ترك الإكراه أثر جروح بالمجني عليه وجب بيانها بإعتبارها ترتب درجة أعلى من التشديد. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع ، الصفحة : 239)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 69 ، 70 . 280

(مادة 85) 

يكون مرتكباً جريمة السرقة المعاقب عليها حداً - كل من أخذ وحده أو مع غيره مالاً مملوكاً للغير مع اجتماع الشروط الآتية: 

(أ) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر. 

(ب) أن يأخذ الجاني المال خفية. 

(ج) أن يكون المال المسروق منقولاً ، متمولاً ، محترماً ، في حرز مثله ، لا تقل قيمته عن سبعة عشر جراماً من الذهب الخالص، ويقوم جرام الذهب بالسعر المحدد وقت ارتكاب الجريمة من مصلحة دمغ المصوغات والموازين . 

(مادة 86)

 يعاقب السارق حداً بقطع يده اليمنى ، فإن كانت مقطوعة قبل السرقة عوقب حداً بقطع رجله اليسرى، فإن كانت هذه مقطوعة قبل السرقة عوقب تعزيراً بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات.

 وفي جميع الأحوال يحكم عليه برد المسروق إن وجد، وإلا فبقيمته وقت السرقة. 

(مادة 87) 

يطبق حد السرقة على كل من سرق مالاً مملوكاً للدولة ، أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة، أو الشركات، أو المنشآت - إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات تساهم في مالها بنصيب، متى اكتملت باقي الشروط المبينة في المادة (85). 

 (مادة 89)

 لا يجوز إبدال عقوبة القطع، ولا العفو عنها. 

(مادة 90)

 يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر. 

(مادة 91)

 إذا لم يكن الجاني بالغاً بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة، يعزر على الوجه الآتي :

(أ) إذا كان الجاني قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة بالقانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث. 

(ب) وإذا كان قد أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بضربه بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين ضربة. 

(ج) وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة، ولم يتم الثامنة عشرة يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. 

(مادة 92)

 إثبات جريمة السرقة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين: 

الأولى: إقرار الجاني قولا أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها. 

الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها، مبصرین ، قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها. 

وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.

 ويفترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة . 

ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلا عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها. 

ولا يعد المجني عليه شاهدا، إلا إذا شهد لغيره. 

(مادة 93)

 يجوز للمقر العدول عن إقراره إلى ما قبل الحكم النهائي من محكمة الجنايات، وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار. 

(مادة 94) 

 إذا سقط الحد لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (92) ، أو لعدول المتهم عن إقراره طبقا للمادة (93)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به - تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانونا، وذلك متى ثبت للقاضي وقوعها بأدلة أو قرائن أخرى. 

(مادة 95)

 إذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة السرقة المعاقب عليها حداً في أي وقت بعد تنفيذ القطع عن السرقة الأولى - عوقب حداً بقطع رجله اليسرى، فإن كانت مقطوعة أو تكرر العود في أي وقت، عوقب تعزيراً بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات. 

مادة 96)

 إذا رأت النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق توافر أركان الجريمة المعاقب عليها حداً ودليلها الشرعي - أصدر رئيس النيابة أو من يقوم مقامه أمراً بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة. 

(مادة 97) 

لا تسري على جريمة السرقة المعاقب عليها حداً - الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية في شأن انقضاء الدعوى الجنائية، أو سقوط العقوبة بمضي المدة. 

(مادة 98)

 تكون عقوبة قطع اليد أسبق في الترتيب من العقوبات المبينة في المادة (72) من هذا القانون، وفي جميع الأحوال تجب هذه العقوبة باقي العقوبات السالبة للحرية للجريمة الواردة في القانون المذكور، إذا كانت عن جرائم وقعت قبل الحكم بعقوبة الحد. 

(مادة 99)

 تقطع يمنى المحكوم عليه ولو كانت شلاء، أو مقطوعة الإبهام، أو الأصابع، إذا لم يخش عليه من الهلاك في حالة الشلل. 

ويمتنع تنفيذ القطع في الحالات الآتية: 

(أ) إذا كانت يده اليسرى مقطوعة، أو شلاء، أو مقطوعة الإبهام أو أصبعين غير الإبهام. 

(ب) إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة، أو شلاء، أو بها عرج يمنع المشي عليها. 

(ج) إذا ذهبت يمناه لسبب وقع بعد ارتكابه جريمة السرقة.

 (د) إذا تملك الجاني المال المسروق قبل القطع.

 وإذا امتنع القطع في الحالات الثلاث الأولى، يستبدل به السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات. 
وفي جميع الأحوال يعرض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ للتحقق من أسباب امتناع القطع، والحكم بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة أو بعدم تنفيذها، إذا توافرت الحالة المنصوص عليها في البند (د). 

(مادة 570) 

يعاقب بالسجن المؤقت على السرقة ، إذا وقعت بطريق الإكراه ، أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو بإستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها . 

وتكون العقوبة السجن المؤبد أو المؤقت ، إذا نشأ عن الوسائل المتقدمة جرح أو ضرر جسدي . 

(مادة 571)

يعاقب بالإعدام على الجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة إذا ترتب على الإكراه ، 

أو التهديد ، أو إستخدام وسيلة مما ذكر فيها - موت شخص . 

الجرائم الواقعة على المال 

الفصل الأول

السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز 

المواد من (567) - (584) : 

تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه. 

كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة . 

2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة . 

3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة . 

4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة . 

5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة. 

هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان . 

6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد  أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة . 

7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث . 

8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها . 

9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث . 

10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته . 

واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة . 

11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة . 

12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال . 

أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه . 

13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس ، الصفحة / 98

إِكْرَاهٌ

التَّعْرِيفُ:

قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: أَكْرَهْتُهُ، حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ هُوَ لَهُ كَارِهٌ - وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ نَحْوُهُ - وَمَضَى صَاحِبُ اللِّسَانِ يَقُولُ: وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُرْهَ وَالْكَرْهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الأْحْرُفِ الَّتِي ضَمَّهَا هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَتَحُوهَا فَرْقًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلاَ فِي سُنَّةٍ تُتَّبَعُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الْكَرْهُ (بِالْفَتْحِ): الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ: الْقَهْرُ، وَقِيلَ: (بِالْفَتْحِ) الإْكْرَاهُ، « وَبِالضَّمِّ » الْمَشَقَّةُ. وَأَكْرَهْتُهُ عَلَى الأْمْرِ إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ قَهْرًا. يُقَالُ: فَعَلْتُهُ كَرْهًا « بِالْفَتْحِ » أَيْ إِكْرَاهًا – وَعَلَيْهِ قوله تعالى (طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) فَجَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.

وَلَخَصَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فُقَهَاؤُنَا إِذْ قَالُوا: الإِْكْرَاهُ لُغَةً: حَمْلُ الإْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ: أَكْرَهْتُ فُلاَنًا إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ.وَالْكَرْهُ « بِالْفَتْحِ » اسْمٌ مِنْهُ (أَيِ اسْمُ مَصْدَرٍ).

أَمَّا الإْكْرَاهُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ: فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ.

وَعَرَّفَهُ الْبَزْدَوِيُّ بِأَنَّهُ: حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ يَمْتَنِعُ عَنْهُ بِتَخْوِيفٍ يَقْدِرُ الْحَامِلُ عَلَى إِيقَاعِهِ وَيَصِيرُ الْغَيْرُ خَائِفًا بِهِ.

أَوْ هُوَ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ (أَيِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ) مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ.

وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ، فَسَّرُوهُ بِالْخَوْفِ، وَلَوْ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ الظَّلَمَةُ بِالْمُتَّهَمِينَ كَيْدًا. فَإِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْحَيَاءَ مَثَلاً، أَوِ التَّوَدُّدَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.

وَالْفِعْلُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) لَيْسَ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ خِلاَفِ الْقَوْلِ، وَلَوْ إِشَارَةَ الأْخْرَسِ، أَوْ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ، فَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ - لأِنَّهُ مِنْ عَمَلِ اللِّسَانِ - وَلَوْ مَفْهُومًا بِدَلاَلَةِ الْحَالِ مِنْ مُجَرَّدِ الأْمْرِ: كَأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوِ الأْمِيرِ، وَأَمْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَأَمْرِ الْخَانِقِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ الإْصْرَارُ.

وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إِكْرَاهٌ - وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْ - وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ تَضَمُّنَهُ التَّهْدِيدَ بِدَلاَلَةِ الْحَالِ.

وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَوِي الْبَطْشِ وَالسَّطْوَةِ أَيًّا كَانُوا، وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ نَفْسُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَجَبِّرِينَ التَّرَفُّعَ عَنِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُعَاقِبُونَ مُخَالِفِيهِمْ إِلاَّ بِهِ.

ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ - فِعْلٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) نَفْسِهِ - وَلَوْ كَانَ تَهْدِيدًا بِأَخْذِ أَوْ حَبْسِ مَالِهِ الَّذِي لَهُ وَقْعٌ، لاَ التَّافِهِ الَّذِي لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ تَهْدِيدًا بِالْفُجُورِ بِامْرَأَتِهِ إِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.وَيَسْتَوِي التَّهْدِيدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ الْمُهَدَّدِ بِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَخَذَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَغَطَّهُ فِي الْمَاءِ لِيَرْتَدَّ، وَالتَّهْدِيدُ الْمُجَرَّدُ، خِلاَفًا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُجَرَّدِ التَّهْدِيدِ، كَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدَهُ. الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ عَمَّارٍ هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الآْخَرُونَ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ لاَ فَرْقَ، وَإِلاَّ تَوَصَّلَ الْمُعْتَدُونَ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ - بِالتَّهْدِيدِ الْمُجَرَّدِ - دُونَ تَحَمُّلِ تَبَعَةٍ، أَوْ هَلَكَ الْوَاقِعُ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّهْدِيدُ إِذَا رَفَضُوا الاِنْصِيَاعَ لَهُ، فَكَانَ إِلْقَاءً بِالأْيْدِي فِي التَّهْلُكَةِ، وَكِلاَهُمَا مَحْذُورٌ لاَ يَأْتِي الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. بَلْ فِي الأْثَرِ عَنْ عُمَرَ - وَفِيهِ انْقِطَاعٌ - مَا يُفِيدُ هَذَا التَّعْمِيمَ: ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً فِي عَهْدِهِ تَدَلَّى يَشْتَارُ (يَسْتَخْرِجُ) عَسَلاً، فَوَقَفَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى الْحَبْلِ، وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا، وَإِلاَّ قَطَعْتُهُ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالإْسْلاَمَ، فَقَالَتْ: لَتَفْعَلَنَّ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا. وَرُفِعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى عُمَرَ، فَرَأَى طَلاَقَ الرَّجُلِ لَغْوًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَرْأَةَ وَلِذَا اعْتَمَدَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ الْفَرْقِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِ رَجُلٍ لاَ يَمُتُّ إِلَى الْمُهَدَّدِ بِسَبَبٍ، إِنْ هُوَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَكَانِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ يُرَادُ لِلْقَتْلِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِكْرَاهًا، حَتَّى لَوْ أَنَّهُ وَقَعَتِ الدَّلاَلَةُ مِمَّنْ طُلِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ، لَكَانَ الدَّالُّ مُعِينًا عَلَى هَذَا الْقَتْلِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُعِينُ شَرِيكٌ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ - وَذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي أَجْنَبِيٍّ إِكْرَاهٌ فِي الأْيْمَانِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ.

وَالْفِعْلُ، فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ)، هُوَ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ لاَ تَقْبَلُ الإْكْرَاهَ، فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ بِلاَ شَكٍّ.

وَفِيمَا يُسَمِّيهِ فُقَهَاؤُنَا بِالْمُصَادَرَةِ فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَمَا إِلَيْهَا، الْفِعْلُ الَّذِي يُطْلَبُ مِنَ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) دَفْعُ الْمَالِ وَغَرَامَتُهُ، لاَ سَبَبُ الْحُصُولِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ - كَاسْتِقْرَاضٍ - فَيَصِحُّ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَخْلَصَ لَهُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ فِي إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُ. وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي جَعْلِ السَّبَبِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ - أَنْ يَقُولَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مِنْ أَيْنَ أَتَى بِالْمَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) سَبَبًا، كَأَنْ قَالَ لَهُ: بِعْ كَذَا، أَوْ عِنْدَ ابْنِ نُجَيْمٍ اقْتَصَرَ عَلَى الأْمْرِ بِالْبَيْعِ دُونَ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَقَعَ هَذَا السَّبَبُ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ طَائِلَةِ الإْكْرَاهِ.

وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ - بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمُتَابِعِيهِ - إِذْ جَعَلُوا السَّبَبَ أَيْضًا مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِإِطْلاَقٍ.

وَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ بِإِيذَاءِ الْغَيْرِ، مِمَّنْ يُحِبُّهُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ - عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الإْكْرَاهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ - بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ

الْمَحْبُوبُ رَحِمًا مَحْرَمًا، أَوْ - كَمَا زَادَ بَعْضُهُمْ - زَوْجَةً.

وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُقَيِّدُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا وَإِنْ نَزَلَ، أَوْ وَالِدًا وَإِنْ عَلاَ. وَالشَّافِعِيَّةُ - وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الأْصُولِيَّةِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يُقَيِّدُونَهُ إِلاَّ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِيذَاؤُهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَالزَّوْجَةِ، وَالصَّدِيقِ، وَالْخَادِمِ. وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. حَتَّى لَقَدِ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنَ الإْكْرَاهِ مَا لَوْ قَالَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، أَوِ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ (دُونَ غَيْرِهِمَا): طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، وَإِلاَّ قَتَلْتُ نَفْسِي، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَالَ: وَإِلاَّ كَفَرْتُ، لأِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ.

وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى.

كَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الإْلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ، أَيِ: الإِْلْجَاءِ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَافِي لِلْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ - وَجَارَاهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - اكْتَفُوا بِظَنِّ الضَّرَرِ مِنْ جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَعِبَارَتُهُمْ: يَكُونُ (أَيِ الإْكْرَاهُ) بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ:

الرِّضَا لُغَةً: الاِخْتِيَارُ. يُقَالُ: رَضِيتُ الشَّيْءَ وَرَضِيتُ بِهِ: اخْتَرْتُهُ.

وَالاِخْتِيَارُ لُغَةً: أَخْذُ مَا يَرَاهُ خَيْرًا.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا.

فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ هُوَ: امْتِلاَءُ الاِخْتِيَارِ وَبُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إِلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ وَنَحْوِهَا.

أَوْ هُوَ: إِيثَارُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُهُ.

وَالاِخْتِيَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الآْخَرِ.

أَوْ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ.

حُكْمُ الإْكْرَاهِ:

الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ مُحَرَّمًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ إِحْدَى الْكَبَائِرِ، لأِنَّهُ أَيْضًا يُنْبِئُ بِقِلَّةِ الاِكْتِرَاثِ بِالدَّيْنِ، وَلأِنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ».

شَرَائِطُ الإْكْرَاهِ

الشَّرِيطَةُ الأْولَى:

قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ، لِكَوْنِهِ مُتَغَلِّبًا ذَا سَطْوَةٍ وَبَطْشٍ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَلاَ أَمِيرًا - ذَلِكَ أَنَّ تَهْدِيدَ غَيْرِ الْقَادِرِ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ.

الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:

خَوْفُ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) مِنْ إِيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ إِذَا كَانَ الْمَخُوفُ عَاجِلاً. فَإِنْ كَانَ آجِلاً، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالأْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ مَعَ التَّأْجِيلِ. وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَلَوْ إِلَى الْغَدِ.

وَالْمَقْصُودُ بِخَوْفِ الإْيقَاعِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، ذَلِكَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الأْدِلَّةِ، وَتَعَذُّرِ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِيقَةِ.

الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ:

أَنْ يَكُونَ مَا هُدِّدَ بِهِ قَتْلاً أَوْ إِتْلاَفَ عُضْوٍ، وَلَوْ بِإِذْهَابِ قُوَّتِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَإِذْهَابِ الْبَصَرِ، أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَطْشِ أَوِ الْمَشْيِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهَا، أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَمِنْهُ تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُلِ بِاللِّوَاطِ.

أَمَّا التَّهْدِيدُ بِالإْجَاعَةِ، فَيَتَرَاوَحُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، فَلاَ يَصِيرُ مُلْجِئًا إِلاَّ إِذَا بَلَغَ الْجُوعُ بِالْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) حَدَّ خَوْفِ الْهَلاَكِ.

ثُمَّ الَّذِي يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْشْخَاصِ وَالأْحْوَالِ: فَلَيْسَ الأْشْرَافُ كَالأْرَاذِلِ، وَلاَ الضِّعَافُ كَالأْقْوِيَاءِ، وَلاَ تَفْوِيتُ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَتَفْوِيتِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، يُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ قَدْرَهَا.

الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ:

أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَوْلاَ الإْكْرَاهُ، إِمَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ - وَإِمَّا لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، وَإِمَّا لِحَقِّ الشَّرْعِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ ظُلْمًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ، أَوْ نَفْسِ هَذَا الشَّخْصِ، أَوِ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَوْ عَلَى ارْتِكَابِ مُوجِبِ حَدٍّ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ:

أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى إِطْلاَقِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُتَعَيِّنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - مَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُصَادَرَةِ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي فِقْرَةِ .

وَمِنْهُ يُسْتَنْبَطُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَالَةِ الإْبْهَامِ أَدْنَى إِلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ أَوْغَلُ فِي الاِعْتِدَادِ بِالإْكْرَاهِ حِينَئِذٍ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ مَجَالُ الإْبْهَامِ أُمُورًا مُعَيَّنَةً.

أَمَّا الإْكْرَاهُ عَلَى طَلاَقِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، أَوْ قَتْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ:

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمَعَهُمْ مُوَافِقُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِرَغْمِ هَذَا التَّخْيِيرِ.

وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يَتَحَقَّقُ؛ لأِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ طَلاَقِ كُلٍّ بِطَلاَقِ الأْخْرَى، وَكَذَا فِي الْقَتْلِ، نَتِيجَةَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ.وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.

الشَّرِيطَةُ السَّادِسَةُ:

أَلاَّ يَكُونَ لِلْمُكْرَهِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خُيِّرَ الْمُكْرَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِتَسَاوِي هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ أَوْ تَفَاوُتِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ وَالْحِلُّ، وَتَفْصِيلُ الْكَلاَمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:

إِنَّ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلاَ يُبَاحُ أَصْلاً، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا وَالْقَتْلِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ طَلاَقِ امْرَأَتِهِ وَبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْنَ جَمْعِ الْمُسَافِرِ الصَّلاَةَ فِي الْحَجِّ وَفِطْرِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الأْرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ الأَْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُرْمَةِ أَوِ الْحِلِّ، يَتَرَتَّبُ حُكْمُ الإْكْرَاهِ عَلَى فِعْلِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ بِخِلاَفَاتِهِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ إِلاَّ عَلَى الأْحَدِ الدَّائِرِ دُونَ تَفَاوُتٍ، وَهَذَا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي مُعَيَّنٍ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، فَنَفَوْا حُصُولَ الإْكْرَاهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.

وَإِنْ تَفَاوَتَ الأْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مَنْدُوحَةً، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى الْمُقَابِلِ لَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْمُقَابِلُ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَالْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَمْ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَمْ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَبَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ، وَالإْفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ حُكْمُهُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ بِخِلاَفَاتِهِ.

وَتَكُونُ هَذِهِ الأْفْعَالُ مَنْدُوحَةً مَعَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ لاَ تَكُونُ مَنْدُوحَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَفِي الصُّوَرِ الثَّلاَثَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَهِيَ مَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّ الزِّنَى أَوِ الْقَتْلَ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ فِعْلُهُ صَادِرًا عَنْ طَوَاعِيَةٍ لاَ إِكْرَاهٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الإْذْنُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ، وَكَانَ الْفَاعِلُ عَالِمًا بِالإْذْنِ لَهُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ عِنْدَ الإْكْرَاهِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ فِي حُكْمِ الأْمْرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الإْبَاحَةِ، فَلاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَنْدُوحَةً عَنْ فِعْلِ الآْخَرِ، وَيَكُونُ 

الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، مَتَى كَانَ بِأَمْرٍ مُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوْ لأِحَدِ الأْعْضَاءِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ أَوِ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مَنْدُوحَةً عَنِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا يَظَلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوْ بِغَيْرِ مُتْلِفٍ لأِحَدِهِمَا، لأِنَّ الإْكْرَاهَ بِغَيْرِ الْمُتْلِفِ لاَ يُزِيلُ الْحَظْرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا. وَالإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ - وَإِنْ كَانَ يُزِيلُ الْحَظْرَ - إِلاَّ أَنَّ إِزَالَتَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الاِضْطِرَارِ، وَلاَ اضْطِرَارَ مَعَ وُجُودِ الْمُقَابِلِ الْمُبَاحِ.

تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ

يَنْقَسِمُ الإْكْرَاهُ إِلَى: إِكْرَاهٍ بِحَقٍّ، وَإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَإِكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ.

أَوَّلاً: الإْكْرَاهُ بِحَقٍّ:

تَعْرِيفُهُ:

هُوَ الإْكْرَاهُ الْمَشْرُوعُ، أَيِ الَّذِي لاَ ظُلْمَ فِيهِ وَلاَ إِثْمَ.

وَهُوَ مَا تَوَافَرَ فِيهِ أَمْرَانِ:

الأْوَّلُ: أَنْ يَحِقَّ لِلْمُكْرِهِ التَّهْدِيدُ بِمَا هَدَّدَ بِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِقُّ لِلْمُكْرِهِ الإْلْزَامُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ عَلَى الإْسْلاَمِ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ، حَيْثُ تَوَافَرَ فِيهِ الأْمْرَانِ، وَكَذَلِكَ إِكْرَاهُ الْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِكْرَاهُ الْمُولِي عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى زَوْجَتِهِ أَوْ طَلاَقِهَا إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الإْيلاَءِ.

أَثَرُهُ:

وَالْعُلَمَاءُ عَادَةً يَقُولُونَ: إِنَّ الإْكْرَاهَ بِحَقٍّ، لاَ يُنَافِي الطَّوْعَ الشَّرْعِيَّ - وَإِلاَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ إِكْرَاهَ الْعِنِّينِ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى الإْنْفَاقِ، وَالْمَدِينِ وَالْمُحْتَكِرِ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَرْضٌ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَقْبَرَةِ أَوِ الطَّرِيقِ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ التَّوْسِيعِ، وَمَنْ مَعَهُ طَعَامٌ يَحْتَاجُهُ مُضْطَرٌّ.

ثَانِيًا: الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ:

تَعْرِيفُهُ:

الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الإْكْرَاهُ ظُلْمًا، أَوِ الإْكْرَاهُ الْمُحَرَّمُ، لِتَحْرِيمِ وَسِيلَتِهِ، أَوْ لِتَحْرِيمِ الْمَطْلُوبِ بِهِ. وَمِنْهُ إِكْرَاهُ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لَهُ.

الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ:

تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ يَتَفَرَّدُ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ.

فَالإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِإِتْلاَفِ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهَا، أَوْ بِإِتْلاَفِ جَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ بِقَتْلِ مَنْ يُهِمُّ الإْنْسَانَ أَمْرُهُ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ وَلاَ يُعْدِمُهُ. أَمَّا إِعْدَامُهُ لِلرِّضَا، فَلأِنَّ الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَكُونُ مَعَ أَيِّ إِكْرَاهٍ.

وَأَمَّا إِفْسَادُهُ لِلاِخْتِيَارِ دُونَ إِعْدَامِهِ، فَلأِنَّ الاِخْتِيَارَ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ بِتَرْجِيحٍ مِنَ الْفَاعِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَزُولُ بِالإْكْرَاهِ، فَالْمُكْرَهُ يُوقِعُ الْفِعْلَ بِقَصْدِهِ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ تَارَةً يَكُونُ صَحِيحًا سَلِيمًا، إِذَا كَانَ مُنْبَعِثًا عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَتَارَةً يَكُونُ فَاسِدًا، إِذَا كَانَ ارْتِكَابًا لأِخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كِلاَهُمَا شَرٌّ، فَفَعَلَ أَقَلَّهُمَا ضَرَرًا بِهِ، فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ لِمَا فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، بَلِ اخْتِيَارًا فَاسِدًا.

وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ: الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ، كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَالضَّرْبِ الَّذِي لاَ يُخْشَى مِنْهُ الْقَتْلُ أَوْ تَلَفُ بَعْضِ الأْعْضَاءِ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لاَ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ اضْطِرَارِ الْمُكْرَهِ إِلَى الإْتْيَانِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ مَا هُدِّدَ بِهِ بِخِلاَفِ النَّوْعِ الأْوَّلِ.

أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُقَسِّمُوا الإْكْرَاهَ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الإْكْرَاهُ وَمَا لاَ يَتَحَقَّقُ، وَمِمَّا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يُؤْخَذُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ بِمَا سَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَمَّا مَا يُسَمَّى بِالإْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَعَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأْخْرَى لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا.

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ، فَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي لاَ يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: الْكُفْرُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالْمَعْصِيَةُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ، كَالْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ، وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ لَهَا زَوْجٌ، وَسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ صَحَابِيٍّ، أَوْ قَذْفٍ لِمُسْلِمٍ.

وَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: شُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالطَّلاَقُ وَالأْيْمَانُ وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالآْثَارِ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ:

هَذَا الأْثَرُ مَوْضِعُ خِلاَفٍ، بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِاخْتِلاَفِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ الإْكْرَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الإْقْرَارَاتِ، كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ إِبْطَالَ الإْقْرَارِ وَإِلْغَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ. فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِمَالٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ طَلاَقٍ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَاطِلاً، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، لأِنَّ الإْقْرَارَ إِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّرْجِيحُ مَعَ الإْكْرَاهِ، إِذْ هُوَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لاَ يَقْصِدُ بِإِقْرَارِهِ الصِّدْقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُدِّدَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ فِيهَا إِفْسَادَهَا لاَ إِبْطَالَهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، حَسَبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لاَزِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْمُكْرَهُ الثَّمَنَ، أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُهُ.

وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الإْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ لاَ يُعْدِمُ الاِخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ فِعْلِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ أَوِ الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ الاِرْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَإِذَنْ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى فِقْدَانِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ لاَ بُطْلاَنُهُ. وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالُوا بِصِحَّتِهِمَا مَعَ الإْكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ مُلْجِئًا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: الزَّوَاجُ وَالطَّلاَقُ وَمُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ.

وَعَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ - عِنْدَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ - قَائِمًا مَقَامَ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقَائِلِهِ قَصْدٌ إِلَى مَعْنَاهُ، كَمَا فِي الْهَازِلِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ صَحِيحَةً إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ، مَعَ انْعِدَامِ قَصْدِهِ إِلَيْهَا، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآْثَارِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأْفْعَالِ، كَالإْكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ مَنْ لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ لِغَيْرِهِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الإْكْرَاهِ وَالْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.

فَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ غَيْرَ مُلْجِئٍ - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ، أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَلاَ يَحِلُّ الإْقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ. وَإِذَا أَقْدَمَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) عَلَى الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ كَانَتِ الْمَسْئُولِيَّةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، لاَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ.

وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْعَمَلِ الْمُهِينِ لِذِي الْجَاهِ - فَالأْفْعَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

أ - أَفْعَالٌ أَبَاحَهَا الشَّارِعُ أَصَالَةً دُونَ إِكْرَاهٍ كَالأْكْلِ وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى ارْتِكَابِهَا وَجَبَ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) أَنْ يَرْتَكِبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.

ب - أَفْعَالٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ إِتْيَانَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ أَوِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ، فَالْعَقْلُ مَعَ الشَّرْعِ يُوجِبَانِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.

فَهَذِهِ يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ فِعْلُهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الإْتْيَانُ بِهَا، إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قَتْلُ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وَلاَ شَكَّ أَنَّ الإْكْرَاهَ الْمُلْجِئَ مِنَ الضَّرُورَةِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ الإْثْمَ فِيهَا. فَيُبَاحُ الْفِعْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا. وَتَنَاوُلُ الْمُبَاحِ دَفْعًا لِلْهَلاَكِ عَنِ النَّفْسِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا - وَاجِبٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا لَمْ يُحَدَّ، لأَِنَّهُ لاَ جِنَايَةَ حِينَئِذٍ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا شُرِعَ زَجْرًا عَنِ الْجِنَايَاتِ.

ج - أَفْعَالٌ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى مَاتَ، كَانَ مُثَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوِ الاِسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْإنْسَانُ عَلَى الإْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ).

وَمِنَ السُّنَّةِ مَا جَاءَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ « أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ: شَرٌّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ  صلى الله عليه وسلم : فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، قَالَ  صلى الله عليه وسلم : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ».

وَقَدْ أَلْحَقَ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ بِهَذَا النَّوْعِ الإْكْرَاهَ عَلَى إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَوْ صَبَرَ وَتَحَمَّلَ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ الإْتْلاَفِ عَلَى الْحَامِلِ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْفَاعِلِ، لأِنَّ فِعْلَ الإْتْلاَفِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، فَيَثْبُتُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

د - أَفْعَالٌ لاَ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، فَهَذِهِ الأْفْعَالُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْهَا ضَيَاعُ نَفْسِهِ، لأِنَّ نَفْسَ الْغَيْرِ مَعْصُومَةٌ كَنَفْسِ الْمُكْرَهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عِقَابُ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي نَوْعِ هَذَا الْعِقَابِ.

فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: إِنَّهُ الْقِصَاصُ، لأِنَّ الْقَتْلَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ عَلَى آلَةِ الْقَتْلِ.

وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إِنَّهُ الدِّيَةُ، لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَامِلِ وَالْمُكْرَهِ.

وَهَذَا الْقَتْلُ يَقُومُ مَانِعًا مِنَ الإْرْثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مُكَلَّفًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ فَلاَ يَكُونُ مَانِعًا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفًا.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) فَلاَ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَ الْمُكْرَهِ وَلاَ الْمُكْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ كَأَنْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلأِنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا عَنِ الْمَقْتُولِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَمَّ إِكْرَاهٌ، لأِنَّ الْمُهَدَّدَ بِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ وَلاَ شَيْءَ مِنْ آثَارِهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي هَذَا الْقَتْلِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ لأَقْتُلَنَّكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُ مَا هُوَ الأْهْوَنُ فِي ظَنِّهِ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: يَصْبِرُ وَلاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ، لأِنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إِهْلاَكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.

وَنَقَلَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الأْنْهُرِ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: الزِّنَا، فَإِنَّهُ لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ الإْكْرَاهِ، كَمَا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ، لأِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا لاَ تَرْتَفِعُ بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، فَإِذَا فَعَلَهُ إِنْسَانٌ تَحْتَ تَأْثِيرِ الإْكْرَاهِ كَانَ آثِمًا، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لأِثَرِ الإْكْرَاهِ، نَصُّهُ:

الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْقَوْلِ أَمِ الْفِعْلِ. وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلاً يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَكَذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حِلًّا أَوْ إِقْرَارًا أَوْ يَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّخْوِيفِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى مَلأَ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) شَيْئًا مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - طَائِعًا بَعْدَ زَوَالِ الإْكْرَاهِ لَزِمَ عَلَى الأْحْسَنِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلاَ تَصِحُّ إِجَازَتُهُ.

ب - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ

صُوَرِهِ، أَوْ قَذْفِ الْمُسْلِمَ بِالزِّنَا، أَوِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ خَلِيَّةٍ (غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ)، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأْشْيَاءِ إِلاَّ فِي حَالَةِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، لاَ فِيمَا دُونَهُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ سَجْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ مُرْتَدًّا، وَيُحَدُّ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ، وَفِي الزِّنَا.

ج - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ، أَوْ عَلَى زِنًا بِمُكْرَهَةٍ، أَوْ بِامْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ، فَلاَ يَجُوزُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا لِلْقَاتِلِ مِنْ مِيرَاثِ الْمَقْتُولِ، لأِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) يُقْتَصُّ مِنْهُ أَيْضًا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ، كَالإْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَبَتْرِ الأْعْضَاءِ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ) يَخْتَارُ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ اللَّقَانِيُّ.وَإِنْ زَنَى يُحَدُّ.

د - وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ - غَيْرِ الْكُفْرِ - لاَ حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَأَكْلِهِ مَيْتَةً، أَوْ إِبْطَالِ عِبَادَةٍ كَصَلاَةٍ وَصَوْمٍ، أَوْ عَلَى تَرْكِهَا فَيَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الصَّلاَةِ يَكُونُ الإْكْرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، وَلاَ يَسْقُطُ وُجُوبُهَا. وَفِي شُرْبِ الْخَمْرِ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ.

وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِهَذَا النَّوْعِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، خِلاَفًا لِلْمَذْهَبِ.

وَيُضِيفُ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالإْكْرَاهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ لأِنَّهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.

أ - الإْكْرَاهُ بِالْقَوْلِ:

إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حَلًّا أَوْ أَيَّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَمَلاً بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ » إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ رَفْعَ مَا وَقَعَ لِمَكَانِ الاِسْتِحَالَةِ، وَإِنَّمَا رَفْعُ حُكْمِهِ، مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْعُمُومُ فِي مَوْضِعِ دَلاَلَتِهِ. وَبِمُقْتَضَى أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ يُقَرِّرُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِلاَّ فِي الصَّلاَةِ فَتَبْطُلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلاَ يَجِبُ، بَلِ الأْفْضَلُ الاِمْتِنَاعُ مُصَابَرَةً عَلَى الدِّينِ وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ.

وَفِي طَلاَقِ زَوْجَةِ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) أَوْ بَيْعِ مَالِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ فِيهِ إِذْنًا - أَبْلَغُ.

وَالإْكْرَاهُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، وَفِي الإْكْرَاهِ بِالْحُكْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، فَلاَ يَرْتَفِعُ الإْثْمُ عَنْ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلاَ عَنِ الْحَاكِمِ الْبَاطِلِ، وَحُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ حُكْمُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)

ب - الإْكْرَاهُ بِالْفِعْلِ:

لاَ أَثَرَ لِلإْكْرَاهِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلاَّ فِيمَا يَأْتِي:

(1) الْفِعْلُ الْمُضَمِّنُ كَالْقَتْلِ أَوْ إِتْلاَفِ الْمَالِ أَوِ الْغَصْبِ، فَعَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)،وَإِنْ قِيلَ: لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) بِمَا غَرِمَ فِي إِتْلاَفِ الْمَالِ، لأِنَّهُ افْتَدَى بِالإْتْلاَفِ نَفْسَهُ عَنِ الضَّرَرِ. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ: فَيُقْتَلُ هُوَ - الْمُكْرَهُ - (بِالْفَتْحِ) وَمَنْ أَكْرَهَهُ.

(2) الزِّنَا وَمَا إِلَيْهِ: يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ)

بِالزِّنَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ حُكْمُهُ.

(3) الرَّضَاعُ: فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فِي الْمُنَاكَحَاتِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا.

(4) كُلُّ فِعْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بُطْلاَنُ الصَّلاَةِ، كَالتَّحَوُّلِ عَنِ الْقِبْلَةِ، وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَتَرْكِ قِيَامِ الْقَادِرِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالْحَدَثِ، فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِمَا تَقَدَّمَ بِرَغْمِ الإْكْرَاهِ عَلَيْهِ.

(5) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ: تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الَّذِي تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) مَجُوسِيًّا، أَوْ مُحْرِمًا وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ.

قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ الإْكْرَاهَ يُسَاوِي النِّسْيَانَ، فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ، إِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ، فَلاَ يَسْقُطُ تَدَارُكُهُ، وَلاَ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الإْتْلاَفِ، فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ، إِلاَّ الْقَتْلَ عَلَى الأْظْهَرِ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:

أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ تَقَعُ بَاطِلَةً مَعَ الإْكْرَاهِ إِلاَّ النِّكَاحَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإْكْرَاهِ، قِيَاسًا لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِلِ.وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ مَعَ الإْكْرَاهُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ « لاَ طَلاَقَ فِي إِغْلاَقٍ »، وَالإْكْرَاهُ مِنَ الإْغْلاَقِ.

ب - وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لاَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، وَمَتَى زَالَ عَنْهُ الإْكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إِسْلاَمِهِ، وَالأْفْضَلُ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَصْبِرَ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الإْسْلاَمِ مَنْ لاَ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَأَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الإْسْلاَمِ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلاَمِهِ طَوْعًا.

أَمَّا مَنْ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ عَلَى الإْسْلاَمِ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ فَأَسْلَمَ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا.

ج - وَالإْكْرَاهُ يُسْقِطُ الْحُدُودَ عَنِ الْمُكْرَهِ، لأِنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ

د - وَإِذَا أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ صَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَحَبَّ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ أَحَدِهِمَا، وَأَخْذَ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنَ الآْخَرِ أَوِ الْعَفْوَ فَلَهُ ذَلِكَ.وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ.

وَالْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) فَإِنَّهُ

يَكُونُ هَدَرًا، وَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ دِيَةَ وَلاَ قِصَاصَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

أَثَرُ إِكْرَاهِ الصَّبِيِّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ:

إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ صَبِيًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ آلَةً فِي يَدِ الْمُكْرِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ.

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، اعْتُبِرَ آلَةً عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ.

وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ). وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، لاَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، لأَِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ، وَالْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) شَرِيكُ الْمُخْطِئِ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع عشر ، الصفحة /  153

ب - السَّرِقَةُ:

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَخْذُهُ خُفْيَةً ظُلْمًا فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ فِي بَابِهَا.

فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِرَابَةَ فِيهَا مُجَاهَرَةٌ وَمُكَابَرَةٌ وَسِلاَحٌ.