1- لما كانت المادة 116 مكرراً من القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 إذ نصت على أن : " يزداد بمقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأى جريمة إذ وقعت من بالغ على طفل ، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له حق الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه أو كان خادماً عند من تقدم ذكرهم " فقد دلت فى صريح عباراتها وواضح دلالتها على أن الشارع قد استثنى الحالات الواردة بتلك المادة ومنها الجرائم التي تقع من بالغين على أطفال من الخضوع للحد الأدنى للعقوبة المقررة فى المواد 14 ، 16 ، 18 من قانون العقوبات ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمتي السرقة بالإكراه وإحراز سلاح أبيض بغير ترخيص وأعمل فى حقه المادة 32 من قانون العقوبات ثم عاقبه بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ، وكانت عقوبة السرقة بالإكراه باعتبارها الجريمة الأشد المقررة بالمادة 315 من قانون العقوبات هي السجن المؤبد أو المشدد ، وإذ لم يعمل الحكم نص المادة 116 مكرراً من قانون الطفل ويزيد بمقدار المثل الحد الأدنى لعقوبة السجن المشدد المقررة لجريمة السرقة بالإكراه لتكون السجن المشدد لمدة ست سنوات ، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون مما يوجب تصحيحه وفقاً للقانون ، إلا أنه لما كان الطعن مقدماً من المحكوم عليه وحده دون النيابة العامة فإنه يمتنع على هذه المحكمة تصحيح هذا الخطأ حتى لا يضار الطاعن بطعنه عملاً بنص المادة 43 من القانون 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 24118 لسنة 83 جلسة 2014/06/07 س 65 )
2- العبرة فى اعتبار حمل السلاح ظرفاً مشدداً فى حكمالمادة 315 من قانون العقوبات ليست بمخالفة حمله لقانون الأسلحة والذخائر ، وإنما تكون بطبيعة هذا السلاح وهل هو معه فى الأصل للاعتداء على النفس وعندئذ لا يفسر حمله إلا بأنه لاستخدامه فى هذا الغرض ، أو أنه من الأدوات التي تعتبر عرضاً من الأسلحة التى تحدث الفتك وإن لم تكن معدة بحسب الأصل كالسكين أو المطواة فلا يتحقق الظرف المشدد يحملها إلا إذا استظهرت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أن حملها كان لمناسبة السرقة ، وهو الأمر الذى خلصت إليه المحكمة فى الدعوى المطروحة فى حدود حقها ودللت عليه بالأدلة السائغة ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويكون منعى الطاعن عليه فى هذا الخصوص غير سديد .
(الطعن رقم 7651 لسنة 81 جلسة 2013/03/11)
3- لا يجدي الطاعنين النعي بدعوى القصور فى استظهار نية القتل أو عدم الرد على دفاعهم بانتفائها لديهما ، لانتفاء مصلحتهما منه ذلك بأن البين من مدونات الحكم أنه أوقع عليهما عقوبتي السجن المؤبد للطاعن الأول والسجن لمدة عشر سنوات للطاعن الثاني عن الجرائم المسندة إليهما جريمة القتل العمد وجريمة الإتلاف العمد التي ترتب عليها تعريض حياة الناس للخطر وجريمة السرقة فى طريق عام ليلاً مع حمل السلاح وهي العقوبة المقررة لهذه الأخيرة بنص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 315 من قانون العقوبات ، ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد أخذت الطاعن الأول بقسط من الرأفة فى نطاق ما يجرى به نص المادة 17 من قانون العقوبات ، إذ إنها لم تنزل بالعقوبة إلى حدها الأدنى الذي تجيزه تلك المادة ، مما مفاده أنها قدرت تناسب العقوبة المقضي بها مع الواقعة الثابتة لديها .
(الطعن رقم 11017 لسنة 75 جلسة 2010/12/23)
4- لما كان النعي على الحكم المطعون فيه بأنه لم ينزل بالعقوبة التي قضى بها على الطاعن إلى عقوبة الحبس فهو لا يصادف صحيح القانون: ذلك بأن المادة 72 من قانون العقوبات - قبل إلغائها - كانت تنص على أنه: " لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد عمره على خمس عشرة سنة ولم يبلغ سبع عشرة سنة كاملة". وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يبين أولاً العقوبة الواجب تطبيقها بقطع النظر عن هذا النص مع ملاحظة موجبات الرأفة إن وجدت ، فإن كانت العقوبة هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم بالسجن مدة لا تنقص عن عشر سنين ، وإن كانت الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم بالسجن وقد استقر الفقه والقضاء فى ظل تطبيق هذا النص المنقول عن نص المادة 66 من قانون العقوبات الصادر سنة 1904 على أن القانون يفترض فيمن بلغ الخامسة عشرة أن إدراكه قد كمل وأصبح أهلاً لحمل مسئولية أفعاله كاملة ، من أجل ذلك توقع عليه العقوبات العادية . غير أنه رؤى أن يجنب من يكون فى هذه السن عقوبتي الإعدام والأشغال الشاقة لأن فى تنفيذ الأولى قسوة لا تقبلها النفوس، وعقوبة الأشغال الشاقة أشد من أن تحتملها بنيته فتعرضها للتلف. وأن كل ما يتطلبه القانون بهذا النص ألا يحكم على من يكون فى هذه المرحلة من العمر بعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة بنوعيها، فلا يلجأ لهذا النص إلا إذا رأت محكمة الجنايات أن تحكم عليه بعقوبة منها، فإن أمكن تلافيها بوسيلة أخرى فلا حاجة له. ولذلك نصت المادة المذكورة صراحة على وجوب مراعاة موجبات الرأفة إن وجدت قبل تطبيق النص، فإذا نزلت العقوبة بتطبيق ظروف الرأفة وفقاً للمادة 17 من قانون العقوبات عن عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بأن صارت سجناً أو حبساً فلا تطبق المادة 72 المشار إليها لأن أغراض الشارع قد تحققت. وإذ ألغيت المادة 72 من قانون العقوبات بالقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث، حلت محلها المادة 15 من هذا القانون فنصت على قاعدة استبعاد عقوبتي الإعدام والأشغال الشاقة بنوعيها دون أن تشير إلى مبررات الرأفة، إلا أن الرأي ظل مستقراً على ما كان عليه فى ظل المادة 72 من قانون العقوبات . على ما سلف بيانه. وأخيراً فقد حل قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 محل قانون الأحداث ونص فى المادة 111 المعدلة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 الذي يسرى على واقعة الطعن الماثل على أنه: " لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذي لم يجاوز سن الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة. ومع عدم الإخلال بحكم المادة 17 من قانون العقوبات، إذا ارتكب الطفل الذي تجاوز سن خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن ، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. ويجوز للمحكمة بدلاً من الحكم بعقوبة الحبس أن تحكم عليه بالتدبير المنصوص عليه فى البند (8) من المادة (101) من هذا القانون. " ومن ثم فقد عاد المشرع بإشارته الصريحة للمادة 17 من قانون العقوبات إلى ما كان عليه فى ظل المادة 66 من قانون العقوبات الصادر سنة 1904 ثم المادة 72 الملغاة من قانون العقوبات القائم، مؤكداً بذلك ما استقر عليه الفقه والقضاء من فهم لمقصد المشرع من معاملة الطفل الذي جاوز سن الخامسة عشرة على ما سلف بيانه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه والذي دان الطاعن بجريمة السرقة المعاقب عليها بالمادة 315 من قانون العقوبات بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت قد عامله بالرأفة فى الحدود المقررة بالمادة 17 من قانون العقوبات فنزل بالعقوبة المقررة إلى عقوبة السجن ثلاث سنوات وهي عقوبة يجوز الحكم بها على الطفل فإنه لا يجوز له أن يتمسك بوجوب معاملته بالمادة 111 من قانون الطفل.
(الطعن رقم 3391 لسنة 79 جلسة 2010/02/08 س 61 ص 111 ق 15)
5- لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق ، وأن تجزئة الدليل من اطلاقات محكمة الموضوع وفى إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة للدليل ما يفيد ضمناً أنها اطرحتها ، ومادامت قد أوردت عناصر قضائها وخلصت منها بما لا تناقض فيه ، وكان مجرد الاختلاف فى تقدير مسافة إطلاق النار بين أقوال الشهود فى التحقيق وبين ما قال به التقرير الطبي الشرعي ليس من شأنه أن يهدر شهادة هؤلاء الشهود ، وإنما الأمر فى ذلك كله مرجعه لتقدير المحكمة ، وليس هو من وجوه الدفاع الجوهرية التي تقتضى رداً خاصاً مادام حكمها مبيناً على أصل ثابت فى الدعوى ، ومادام لها أن تأخذ من شهادة الشاهد ما تطمئن إليه وتطرح منها ما لا ترتاح إليه ، إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى مبلغ اطمئنانها إلى صحة الدليل الذى تبنى عليه عقيدتها ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها وكان ما أورده سائغاً فى العقل ومقبولاً فى بيان كيفية حدوث الحادث ولا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من إمكان حصولها على الصورة التي قررها شهود الإثبات والتي تأيدت بباقي الأدلة التي أوردتها ، فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عٍقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض ، فضلاً عن أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعنين بجريمة السرقة مع التعدد بالطريق العام مع حمل سلاح المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 315 من قانون العقوبات ، وليس بجريمة السرقة بإكراه فإن النعي بخصوص تناقض أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي الشرعي بشأن مسافة إطلاق الأعيرة النارية وعدد الطلقات لا يكون متعلقاً بالحكم المطعون فيه ولا متصلاً به ، ومن ثم فإن النعي على الحكم فى هذا الشأن يكون غير سديد .
(الطعن رقم 18765 لسنة 71 جلسة 2009/01/26 س 60 ص 96 ق 12)
6- لما كان تقدير العقوبة فى الحدود المقررة فى القانون مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع وهي غير ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها إلى توقيع العقوبة بالقدر الذي رأته وكانت المادة 315 من قانون العقوبات تقضي بأن عقوبة السرقة التي ترتكب فى الطرق العامة إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وكان أحدهم على الأقل حاملا سلاحا ظاهرا أو مخبأ هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة كما تقضي المادة 46 منه بأن يعاقب على الشروع فى الجنايات بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤبدة وكانت المحكمة غير مقيدة فى تحديد مدة عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إلا بما نص عليه فى المادة 14 من قانون العقوبات ومن عدم جواز النزول بها عن ثلاث سنوات أو بما يجاوز خمس عشر سنة فإن عقوبة الأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات المقضي بها على الطاعن تكون فى نطاق العقوبة المقررة قانوناً لجريمة الشروع فى السرقة فى الطريق العام مع التعدد وحمل السلاح التي دين الطاعن بها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون فى غير محله.
(الطعن رقم 13375 لسنة 69 جلسة 2002/09/17 س 53 ص 828 ق 141)
7- لما كانت العبرة فى اعتبار حمل السلاح ظرفاً مشدداً فى حكم المادة 315 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 59 لسنة 1970 هى بطبيعة هذا السلاح وهل معد فى الأصل للاعتداء على النفس وعندئذ لايفسر حمله إلا بأنه لاستخدامه فى هذا الغرض ، أو أنه من الأدوات التى تعبر عرضاً من الأسلحة لكونها تحدث الفتك وإن لم تكن معدة له بحسب الأصل فلا يتحقق الظرف المشدد بحملها إلا إذا استظهرت المحكمة أن حملها كان لمناسبة السرقة ، وكانت المطواة قرن الغزال هى مما يندرج تحت النوع الأول من الأسلحة ، اعتباراً بأن الشارع قدر خطورة حيازتها أو إحرازها مما حداه إلى التدخل التشريعى بالقانون رقم 165 لسنة 1981 ومن بعده القانون رقم 97 لسنة 1992 المعدل لأحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر وأعاد إدراج الأسلحة البيضاء ومن بينها المطواة قرن الغزال واعتبرها فى عداد الأسلحة التى لا يجوز حيازتها أو إحرازها بغير ترخيص بعد أن كان قد عدل عن ذلك فى ظل سريان أحكام القانون رقم 75 لسنة 1958 الذى كان قد أخرجها عن نطاق التأثيم وهو ما يتعين معه إعمال قصد الشارع واعتبار أن هذا النوع من السلاح الأبيض من الأسلحة المعدة للاعتداء على النفس بطبيعتها فى هذا الخصوص .
(الطعن رقم 7082 لسنة 66 جلسة 1998/06/03 س 49 ص 790 ق 104)
8- الأصل فى قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً فى نص ما لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى فى كل نص آخر يرد فيه ، وهو ما يتأدى معه بالضرورة صرف معنى الاسلحة البيضاء ومن بينها المطواة قرن الغزال فى القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 165 لسنة 1981 و 97 لسنة 1992 ، لمعنى السلاح الوارد فى نص المادة 315 من قانون العقوبات كظرف مشدد فى جريمة السرقة التى انتظمتها . ظاهراً كان هذا السلاح أم مخباً قصد بحمله استعماله فى السرقة أم عدم استعماله . وكانت العلة الداعية إلى تشديد العقوبة فى جريمة السرقة إذا اقترنت بحمل السلاح أن حمل الجاني للسلاح يشد أزره ويلقى الرعب فى قلب المجنى عليه أو من يخف لنجدته ويهيىء السبيل للجانى لاستعماله وقت الحاجة وهذه العلة تتوافر بلا شك إذا كان السلاح المحمول سلاحاً بطبيعته أى معد أصلاً للاعتداء على النفس _ وهو الشأن فى الدعوى _ فحمله يعتبر فى جميع الأحوال ظرفاً مشدداً حتى ولو لم يكن لمناسبة السرقة وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده فى مدوناته قد استظهر واقعة حمل الطاعن للمطواة قرن الغزال حال ارتكابه جريمة السرقة التى قارفها مع المحكوم عليه الأخر . وقد تم ضبطها بحوزة الطاعن فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى ولا عليه إن لم يعرض للسببية بين السرقة وحمل السلاح . مادام السلاح المحمول هو سلاح بطبيعته. ومن ثم يضحى منعى الطاعن عليه فى هذا الخصوص غير سديد .
(الطعن رقم 7082 لسنة 66 جلسة 1998/06/03 س 49 ص 790 ق 104)
9- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن بجريمة السرقة باكراه المنصوص عليها فى المادة 314 من قانون العقوبات وليس بجريمة السرقة فى إحدى وسائل النقل البرية المنصوص عليها فى المادة 315 من قانون العقوبات فإن النعى على الحكم بالقصور فى التدليل على مكان وقوع الجريمة لا يكون متعلقاً بالحكم المطعون فيه ولا متصلاً به ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثانى فى هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
(الطعن رقم 18716 لسنة 63 جلسة 1995/12/17 س 46 ص 1280 ق 194)
10- الخطأ فى رقم مادة العقاب المنطبقة على الواقعة لا يترتب عليه بطلان الحكم ما دام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الادانة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها وكانت الواقعة على الصورة التى اعتنقها الحكم المطعون فيه تشكل الجنايات المعاقب عليها بالمواد 267/2، 268، 290، 314 من قانون العقوبات فإن خطا الحكم فى ذكر المادة 314 بأنها المادة 315 من قانون العقوبات لا يعيبه ما دام ان العقوبة التى انزلها على الطاعنين تدخل فى نطاق عقوبة هذه المادة ويكون منعى الطاعن الأول فى هذا الخصوص على غير أساس.
(الطعن رقم 5249 لسنة 62 جلسة 1994/04/19 س 45 ص 541 ق 88)
11- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما حاصله أنه حال سير المجنى عليه فى الطريق فى ساعة متأخرة من ليلة الحادث إعترض طريقه الطاعن و آخران و هدده الطاعن و أحد مرافقيه بمديتين كما جذبه إحداهما من ملابسه و مكنا ثالثهم من سرقة سترته وحذائه تحت تأثير التهديد بالإعتداء عليه ، و أورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو فى حق الطاعن أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها و لا يجادل الطاعن فى أن لها معينها الصحيح فى الأوراق . لما كان ذلك ، و كان ما أورده الحكم على النحو سالف الإشارة ، تتوافر به كافة العناصر القانونية لجناية السرقة المنصوص عليها فى الفقرتين الأولى و الثانية من المادة 315 من قانون العقوبات فإن الحكم إذ خلص إلى إدانة الطاعن على هذا الأساس يكون قد إقترن بالصواب و يضحى من ثم ما يثيره الطاعن فىهذا الصدد غير سديد .
(الطعن رقم 8203 لسنة 60 جلسة 1991/10/24 س 42 ع 1 ص 1057 ق 146)
12- لما كان الحكم المطعون فيه قد ساق فى مدوناته بيانا لواقعة الدعوى ما مؤداه أنه أثناء قيادة المجنى عليه لسيارته الأجرة فى الطريق العام استوقفه الطاعنان و آخرون سبق الحكم عليهم و طلبوا منه توصيلهم لجهة .... فاستجاب لهم و أثناء سيره فوجىء بأحدهم يضع سكينا على رقبته و شهر الآخرون مدى فى وجهه و هددوه باستعمالها و استولوا منه تحت هذا التهديد . على مبلغ سبعين جنيها ثم انزلوه من السيارة وفروا بها هاربين و من ثم فلا يجدى الطاعن الأول ما يثيره بشأن عدم توافر نية السرقة بالنسبة للسيارة الاجرة و أن هذة الواقعة مجرد جنحة ما دام قد ثبت فى حقه و باقى الجناة مقارفتهم جناية سرقة نقود المجنى عليه المنصوص عليها فى المادة 315 من قانون العقوبات و التى تكفى لحمل العقوبة المحكوم بها عليه .
(الطعن رقم 8262 لسنة 58 جلسة 1989/03/23 س 40 ص 445 ق 76)
13- إن المفهوم الطريق العام وفق نص المادة 315 من قانون العقوباتالمعدل بالقانون رقم 59 لسنة 1970 يسرى على ما فى داخل المدن أو القرى أو خارجها سواء بسواء ، و كانت العبرة فى إعتبار حمل السلاح ظرفاً مشدداً فى حكم المادة 315 من قانون العقوبات ليست بمخالفة حمله لقانون الأسلحة و الذخائر و إنما تكون بطبيعة هذا السلاح و هل هو معد فى الأصل للإعتداء على النفس و عندئذ لا يفسر حمله بأنه لإستخدامه فى هذا الغرض ، أو أنه من الأدوات التى تعتبر عرضاً من الأسلحة التى تحدث القتل و إن لم تكن معدة له بحسب الأصل - كالسكين أو المطواه - فلا يتحقق الظرف المشدد بحملها إلا إذا إستظهرت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أن حملها كان لمناسبة السرقة .
(الطعن رقم 1344 لسنة 55 جلسة 1985/05/29 س 36 ص 724 ق 127)
14- لما كانت الجريمة التى إسندت إلى الطاعن و غيره من المتهمين هى السرقة بالإكراه و قد وقعت هذه الجناية بطريق التهديد بإستعمال السلاح " المدى " معاقباً عليها بالمادة 315 من قانون العقوبات ، و كانت النيابة العامة قد قدمتهم إلى المحاكم العادية فإن الإختصاص بمحاكمتهم ينعقد للقضاء الجنائي العادى . يؤيد هذا ما نصت عليه المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية فى فقرتها الأخيرة من أنه فى أحوال الإرتباط التى يجب فيها رفع الدعوى عن جميع الجرائم أمام محكمة واحدة ، إذا كانت بعض الجرائم من إختصاص المحاكم العادية و بعضها من إختصاص محاكم خاصة ، يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك - و إذ كان قرار رئيس الجمهورية رقم 560 لسنة 1981 - بإعلان حالة الطوارئ و كذلك أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ و منها الجرائم المنصوص عليها فى القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة و الذخائر و القوانين المعدلة له قد خلا أيهما كما خلا أى تشريع آخر من النص على إنفراد محاكم أمن الدولة المشكلة وفق قوانين الطوارئ بالفصل وحدها دون غيرها فى هذه الجرائم أو الجرائم المرتبطة بها أو المرتبطة هى بها - فإنه لا يغير من هذا الأصل العام ما نصت عليه المادة الثانية من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981 من أنه " إذا كون الفعل الواحد جرائم متعدده أو وقعت عدة جرائم مرتبطة بعضها ببعض لغرض واحد و كانت إحدى تلك الجرائم داخله فى إختصاص محاكم أمن الدولة فعلى النيابة تقديم الدعوى برمتها إلى محاكم أمن الدولة " طوارئ " و تطبق هذه المحاكم المادة 32 من قانون العقوبات " ذلك أنه لو كان الشارع قد أراد أفراد محاكم أمن الدولة بالفصل وحدها دون سواها فى أى نوع من الجرائم لعمد إلى الإفصاح عنه صراحة على غرار نهجه فى الأحوال المماثلة .
(الطعن رقم 4209 لسنة 54 جلسة 1985/03/28 س 36 ص 493 ق 82)
15- الطاعن لا يضار إعمالاً بالمادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه إذا كان الإستئناف مرفوع من غير النيابة العامة فليس للمحكمة إلا أن تؤيد الحكم أو تعدله لمصلحة رافع الإستئناف و كان الثابت فى هذه الدعوى أنها رفعت على المتهم أمام محكمة الجنح لإتهامه بإرتكاب جنحة سرقة ، و كانت محكمة أول درجة قد قضت بحبسه سنة مع الشغل و النفاذ ، فإستأنف المحكوم عليه وحده و قضت المحكمة الإستئنافية بعدم إختصاصها بنظر الدعوى تأسيساً على أن الواقعة تشكل جناية السرقة بإكراه المنصوص عليها بالمادة 315 من قانون العقوبات ، فإن ما قضت به المحكمة يكون مخالفاً للقانون و يتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه .
(الطعن رقم 87 لسنة 55 جلسة 1985/02/21 س 36 ص 293 ق 49)
16- الطريق العام هو كل طريق يباح للجمهور المرور فيه فى كل وقت و بغير قيد سواء أكانت الأرض مملوكة للحكومة أم للأفراد ، و كان الحكم قد أثبت فى مدوناته أن الطاعن أرتكب جريمة الشروع فى السرقة بالإكراه فى إحدى سيارات النقل العام أثناء تشغيلها و عند وقوفها فى إحدى المحطات و هو ما يكفى لتطبيق حكم المادة 315 من قانون العقوبات .
(الطعن رقم 5146 لسنة 54 جلسة 1985/02/06 س 36 ص 214 ق 34)
17- لما كانت المادة 46 من قانون العقوبات قد نصت على أن عقوبة الشروع فى الجناية التى عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقته هى الأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً أو السجن ، و كانت عقوبة جناية السرقة بالإكراه فى الطرق العامة أو فى إحدى وسائل النقل طبقاً لنص المادة 315 من قانون العقوبات هى الأشغال الشاقة المؤقتة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الشروع فى السرقة بالإكراه فى الطريق العام و فى إحدى وسائل النقل البرية و أعمل فى حقه المواد 45,46، 3/315 من قانون العقوبات و قضى بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً يكون قد خالف القانون بتجاوزه نصف الحد القصى المقرر لعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة مما يقتضى هذه المحكمة - لمصلحة الطاعن و إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 إن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون ولو لم يرد ذلك بأسباب الطعن .
(الطعن رقم 5146 لسنة 54 جلسة 1985/02/06 س 36 ص 214 ق 34)
18- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الشروع فى السرقة من إحدى وسائل النقل المائية من شخصين فأكثر يحمل أحدهم سلاحاً ، و أخذهما بعقوبة تدخل فى حدود العقوبة المقررة لهذه الجريمة عملاً بالمادة 315 من قانون العقوبات بعد تطبيق المادة 17 من ذات القانون - و بعد أن إستظهر فى مدوناته أركانها و أورد عليها أدلة سائغة لا يمارى الطاعنان فى أن لها معينها من الأوراق ، فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعنان فى شأن ركن الإكراه فى السرقة ، ما دام أن الحكم قد إستظهر حصول الشروع فى السرقة من وسيلة من وسائل النقل المائى من جناة متعددين يحمل أحدهم سلاحاً ، عرف حامل السلاح أم لم يعرف ، أخطأ الحكم فى تحديد حامله أم لم يخطئ ، لما هو مقرر من أن حمل السلاح فى السرقة ظرف مادى متصل بالفعل الإجرامى يسرى على كل من قارف الجريمة فاعلاً كان أم شريكاً و لو لم يعلم به ، و كانت المحكمة قد إستظهرت فى حدود سلطتها التقديرية أن حمل المطواة كان لمناسبة السرقة ، فإن مناعى الطاعنين فى هذا الصدد تكون غير ذات أثر فى النتيجة التى خلص إليها الحكم .
(الطعن رقم 279 لسنة 54 جلسة 1984/10/31 س 35 ص 706 ق 155)
19- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن بجريمة السرقة مع آخر فى طريق عام حالة كونه حاملا سلاحا المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 315 من قانون العقوبات و ليس بجريمة السرقة بإكراه فإن النعى على الحكم بالقصور فى إستظهار ظرف الإكراه فى السرقة لا يكون متعلقا بالحكم المطعون فيه و لا متصلا به و من ثم فإن ما يثيره الطاعن بهذا النعى لا يكون مقبولا .
(الطعن رقم 5842 لسنة 52 جلسة 1983/04/14 س 34 ص 537 ق 107)
20- لما كانت العبرة فى إعتبار حمل السلاح ظرفاً مشدداً فى حكم الفقرة الأولى من المادة 315 من قانون العقوبات ليست بمخالفة حمله لقانون الأسلحة و الذخائر و إنما تكون بطبيعة هذا السلاح و هل هو معد فى الأصل للإعتداء على النفس و عندئذ لا يفسر حمله إلا بأنه لإستخدامه فى هذا الغرض ، أو أنه من الأدوات التى تعتبر عرضاً من الأسلحة التى تحدث الفتك و إن لم تكن معدة له بحسب الأصل - كالسكين أو المطواة - فلا يتحقق الظرف المشدد بحملها إلا إذا إستظهرت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أن حملها كان لمناسبة السرقة ، و هو الأمر الذى خلصت إليه المحكمة فى الدعوى المطروحة فى حدود حقها و دللت عليه بالأدلة السائغة فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون و يكون منعى الطاعن عليه فى هذا الخصوص غير سديد .
(الطعن رقم 5842 لسنة 52 جلسة 1983/04/14 س 34 ص 537 ق 107)
21- لما كان الحكم قد أثبت حصول السرقة فى مكان يقع بالطريق العام و هو شارع السودان بمدينة إمبابة - بما لا ينازع فيه الطاعن - و إذ كانت الطرق العامة داخل المدن معدودة من الطرق العامة فى حكم المادة 315 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 59 سنة 1970 المنطبقة على واقعة الدعوى فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم فى هذ الصدد لا يكون سديدا .
(الطعن رقم 5842 لسنة 52 جلسة 1983/04/14 س 34 ص 537 ق 107)
22- السيارة الأجرة معدودة من وسائل النقل البرية فى عرف الفقرة الأولى من المادة 315 من قانون العقوبات .
(الطعن رقم 1634 لسنة 49 جلسة 1980/03/16 س 31 ع 1 ص 384 ق 71)
23- متى كان يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أن المحكمة خلصت إلى صحة الواقعة المسندة إلى الطاعن كما صورها الاتهام وهي مقارفته لجريمة السرقة التامة وبمعاقبته بمقتضاها طبقاً للوصف المشار إليه إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 315 من قانون العقوبات، فإنه لا يؤثر فى سلامة الحكم أن يكون قد استهل وصف التهمة بلفظ "الشروع" مادام الظاهر من سياقه أن مرد ذلك زلة قلم أثناء التدوين.
(الطعن رقم 175 لسنة 43 جلسة 1973/04/09 س 24 ع 2 ص 510 ق 106)
24- إذا كان ما أثبته الحكم من وقائع الدعوى تتوافر فيه العناصر القانونية لجناية السرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح، المعاقب عليها بالمادة 314 من قانون العقوبات، وكانت العقوبة التي أوقعها على المتهم تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لهذه الجريمة، فلا جدوى من الطعن على هذا الحكم بأنه قد اعتبر تلك الجريمة سرقة بإكراه فى طريق عمومي وطبق على المتهم المادة 315 من قانون العقوبات.
(الطعن رقم 983 لسنة 20 جلسة 1951/03/06 س 2 ع 2 ص 691 ق 262)
25- لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعن بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات وهى إحدى العقوبتين التخييريتين المقررتين للجريمة التامة المنصوص عليها فى المادة315/1 من قانون العقوبات دون النزول بها إلى الحد الوارد فى المادة 46 من قانون العقوبات فإنه يكون مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون بتجاوزه نصف الحد الأقصى المقرر لعقوبة السجن المشدد ، مما يقتضى هذه المحكمة لمصلحة الطاعن وإعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون بالنسبة للطاعن ولو لم يرد ذلك فى أسباب طعنه والقضاء باستبدال عقوبة السجن المشدد لمدة سبع سنوات بعقوبة السجن المشدد لمدة عشر سنوات المقضي بها .
(الطعن رقم 1310 لسنة 82 جلسة 2014/02/06 س 65 )
26 ـ لما كانت العلة الداعية إلى تشديد العقوبة فى جريمة السرقة إذا اقترنت بحمل السلاح أن حمل الجاني للسلاح يشد أزره ويلقي الرعب فى قلب المجني عليه أو من يخف لنجدته ويهيئ السبيل للجاني لاستعماله وقت الحاجة، وهذه العلة تتوافر بلا شك إذا كان السلاح المحمول سلاحاً بطبيعته أي معد أصلاً للاعتداء على النفس - وهو الحال فى الدعوى الماثلة - فحمله يعتبر فى جميع الأحوال ظرفاً مشدداً حتى ولو لم يكن لمناسبة السرقة. وإذ كان الحكم المطعون فيه فيما أورده على السياق المتقدم ذكره قد استظهر واقعة حمل المحكوم عليه الأول ........... للمطواة قرن الغزال حال ارتكابه جريمة السرقة التي قارفها معه الطاعن، وقد تم ضبطها بحوزة المحكوم عليه الأول فإنه يكون قد بين الواقعة بما تتوافر به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها ودلل على ثبوتها فى حقه بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ولا عليه إن لم يعرض للسببية بين السرقة وحمل السلاح، مادام السلاح المحمول هو سلاح بطبيعته، ومن ثم يضحى منعى الطاعن عليه فى هذا الخصوص غير سديد.
(الطعن رقم 28440 لسنة 59 جلسة 1990/05/17 س 41 ع 1 ص 738 ق 129 )
27 - المقرر أن حمل السلاح في السرقة مثل ظرفي الإكراه والتهديد باستعماله وهي من الظروف المادية العينية المتصلة بالفعل الإجرامي ويسري حكمها على كل من قارف الجريمة أو أسهم فيها فاعلاً كان أو شريكاً ولو لم يعلم بهذين الظرفين لو كان وقوعهما من بعضهم دون الآخرين ، كما أنه يكفى لتوافر ظرفي الطريق العام وتعدد الجناة المنصوص عليهما في المادة 315 من قانون العقوبات أن تقع السرقة في طريق يباح للجمهور المرور فيه في كل وقت وبغير قيد سواء أكانت الأرض مملوكة للحكومة أم للأفراد من شخصين فأكثر ، لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة أن الطاعن وآخرين مجهولين قاموا سرقة السيارة والمتعلقات الشخصية المملوكة للمجنى عليه وكان ذلك بطريق الإكراه بأن استوقفوه حال قيادته لسيارته وأشهروا في وجهه أسلحة نارية وبيضاء واعتدوا عليه بالضرب محدثين إصابته مما أوقع الرعب في نفسه وتمكنوا بتلك الوسيلة القسرية من الاستيلاء على المسروقات ، ومن ثم فإن ما أثاره دفاع المحكوم عليه من انتفاء أركان جريمة السرقة في حقه لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديًا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح ، وهو ما لا تقبل أثارته لدى محكمة النقض ، ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن بعدم توافر أركان جريمة السرقة وأطرحه في منطق سابغ وتدليل مقبول ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد أضحى غير سديد.
(الطعن رقم 8761 لسنة 92 ق - جلسة 22 / 11 / 2023 )
فشروط إعمال المادة 315 هي الآتية:
أولاً: المكان يجب أن تقع السرقة في أحد الطرق العامة داخل المدن أو القرى أو خارجها أو في وسيلة من وسائل النقل البرية أو الجوية أو المائية.
الطرق العامة :
يقصد بالطرق العامة هنا الطرق الواقعة بين المدن والقرى لربطها بعضها ببعض وكذلك الطرق الواقعة داخل المدن والقرى والتي تندرج تحت مفهوم الشوارع والحواري فالطريق العام بهذا المعنى ينصرف إلى أي طريق مسموح بالمرور فيه من الجمهور دون تمييز وقد كان هناك خلاف حول ما إذا كان مفهوم الطريق العام ينصرف إلى الطرق البرية وحدها أم أنه يشمل أيضاً الطرق المائية وقد حسم المشرع هذا الخلاف بتعديل المادة 315 بالقانون رقم 59 لسنة 1970 الذي ساوى بين الطرق البرية والمائية سواء داخل المدن والقرى أم خارجها.
وما دامت العبرة في تحديد مفهوم الطريق العام هي بالسماح بالمرور به من الكافية دون تمييز فإن ملكية الطريق لا قيمة لها في تحديد مفهومه فقد يكون مملوكة للدولة أو مملوكة للأفراد.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه من المتفق عليه أن الطريق العام هو كل طريق يباح للجمهور المرور فيه في كل وقت وبغير قيد سواء أكانت أرضه مملوكة للحكومة أم للأفراد فوقوع سرقة على جسر ترعة مباح للمرور عليه يقع تحت متناول المادة سواء أكانت هذه الترعة عمومية مملوكة جسرها للحكومة أم كانت خصوصية ولكن المرور عليها مباح 1931/12/14 - طعن رقم 897 - لسنة 2 ق .
كما قضت بأن الحكمة من تشديد العقوبة على السرقات التي تقع في الطريق العمومية هي تأمين المواصلات (5/10/1964 - ص 15 - ص 552 ) ويشترط أن تقع السرقة على أشياء في حالة حركة أي في حالة تنقل ولذلك لا تتوافر الجريمة التي نحن بصددها إذا وقعت السرقة على أشياء ثابتة بالطريق العام كالأشجار وأعمدة الكهرباء والتماثيل التي تزين الطرق وغير ذلك من الأشياء الثابتة.
ويستوي أن تقع السرقة على منقولات يحملها المجني عليه أو على أشياء ترافقه في وسيلة نقله ولكن يشترط أن يكون المجني عليه أو من يمثله مرافقة المنقولات ولذلك لا ينطبق نص المادة 315 على السرقات التي تحدث من متعهد النقل على الأشياء المتعهد بنقلها إذا لم يكن المجني عليه مرافقة لها وينطبق النص في حالة السرقة على متعهد النقل ذاته بطبيعة الحال.
ويستوي أيضاً أن تقع السرقة من أشخاص مرافقين للمجني عليه أم أنهم انقضوا عليه أثناء سيره وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض أن حكمة تشديد العقوبة على السرقات التي تقع في الطرق العمومية تتوافر سواء وقعت السرقة على المجني عليه من لصوص انقضوا عليه في عرض الطريق أو من لصوص رافقوه منذ البداية (نقض 5/10/1964 - 552).
2- وسائل النقل الجوية والماشية:
نص المشرع على تشديد عقوبات السرقات التي تقع في الطرق العامة أو في أي وسيلة من وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية وقد كان يغني عن ذلك الاعتداد بوقوع السرقة في الطرق العامة باعتبار أن وسائل النقل المختلفة عدا الجوية تتخذ الطرق العامة سبيلاً لتنقلها وخاصة بعد التوسع في مفهوم الطرق العامة بحيث يشمل الطرق المائية ولكن قيمة النص تبدو بالنسبة للسرقات التي تقع في وسائل النقل الجوية باعتبار أن الطرق الجوية تخرج عن مفهوم الطرق العامة.
ويكفي وقوع السرقة في وسيلة النقل سواء كانت لنقل البضائع أو نقل الركاب كما يستوي أن يكون الجناة ممن يوجدون على ظهر وسيلة النقل أم أنهم انقضوا عليها أثناء سيرها ووجودها بالطرق العامة، مع ملاحظة ما سبق ذكره بصدد السرقة من متعهد النقل.
ولكن يلزم أن تكون وسيلة النقل التي ارتكبت فيها السرقة في حالة سير أو تأهب أما إذا كانت في حالة توقف في الجراجات الخاصة بها فلا ينطبق النص باعتبار أن الحكمة من التشديد في تأمين وسائل المواصلات ولذلك ينطبق التشديد إذا ما وقعت السرقة في وسيلة النقل أثناء توقفها في المحطات أو لأي سبب طارئ.
ثانياً : أن يتوافر في السرقة حالة من الحالات الآتية:
1- إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وكان أحدهم على الأقل حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ. وهذه الحالة تقوم على ظرفين هما تعدد الفاعلين وحمل السلاح من أحدهما ظاهراً أو مخبأ ويراعي في التعدد وفي حمل السلاح ما سبق بيانه.
2- إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر بطريق الإكراه فيلزم توافر تعدد الفاعلين بالإضافة إلى الإكراه على النحو السابق البيان.
3- إذا وقعت السرقة ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً وكان ذلك ليلاً أو بطريق الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح وهذه الحالة بالرغم من صياغة النص لا تتوافر إلا إذا كان الفاعل واحداً ذلك أنه إذا تعدد الفاعلون مع حمل السلاح من أحدهم أو مع الإكراه والتهديد باستعمال السلاح فإن الفقرة أولاً وثانية من المادة 315 هما اللتان تنطبقان ولذلك فإن الفقرة ثالثاً تنطبق حيث يكون الفاعل فرداً واحداً مع توافر ظرف حمل السلاح والليل أو توافر ظرف الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح.
العقوبة:
العقوبة المقررة للجريمة في السجن المشدد. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني، الصفحة: 212)
جناية السرقة في الطرق العامة أو إحدى وسائل النقل :
تمهيد : نصت على هذه الجناية المادة 315 من قانون العقوبات في قولها « يعاقب بالسجن المشدد على السرقات التي ترتكب في الطرق العامة سواء كانت داخل المدن أو القرى أو خارجها أو في إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية في الأحوال الآتية: (أولاً) إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وكان أحدهم على الأقل حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ (ثانياً) إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر بطريق الإكراه (ثالثاً) إذا وقعت السرقة ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً وكان ذلك ليلاً أو بطريق الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح » ويقوم التشديد على عنصرين مكان الجريمة الذي يتعين أن يكون طريقاً عاماً او إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية وتوافر إحدى الحالات الثلاث التي نصت عليها المادة 315 من قانون العقوبات ويتضح بذلك أن الشارع يعتبر خطورة السرقة في الطريق العام أو وسيلة النقل مستمدة من كونه يتيح للجناة التذرع بوسائل خطيرة في ارتكابها وقد سلف تحديد دلالة وسيلة النقل ودلالة كل عنصر من عناصر الحالات الثلاث التي نصت عليها المادة 315 من قانون العقوبات ولذلك نقتصر فيما يلي على تحديد مدلول « الطريق العام ».
علة التشديد :
الطرق العامة نوعان : طرق تمتد خارج المدن والقرى لكي تصل فيما بينها وطرق تمتد داخل كل مدينة أو قرية على حدة لكي تصل بين أحيائها فإذا ارتكبت السرقة في طريق عام ممتد فيما بين مدينتين أو قريتين فإن علة التشديد الأساسية هي السهولة التي تتميز بها هذه السرقة لانعزال المكان الذي ارتكبت فيه وابتعاده عن مراکز تجمعات السكان وعن الإشراف المباشر لرجال الشرطة وهذه السرقات تهدد على نحو خطير أمن المواصلات بين أجزاء الدولة وتمس تبعاً لذلك مقومات الرخاء الاقتصادي فيها وهذه العلة الأخيرة تتوافر بالنسبة للسرقات التي ترتكب في طريق عام يمتد داخل مدينة أو قرية إذ تهدد أمن المواصلات بين أحيائها بل أنها العلة الوحيدة لتشديد العقاب على هذه السرقات .
مدلول الطريق العام :
يعتبر الطريق عاماً كل سبيل مواصلات معتاد يباح استخدامه للناس كافة سواء بقيود أو بدون قيود وأهم عنصر في فكرة الطريق العام أنه سبيل مواصلات معتاد وهذا العنصر يستخلص من تخصيصه لذلك بناء على قرار صادر من سلطة مختصة أو بناء على عرف جرى بذلك أما إذا ارتكبت السرقة في مكان لا يوصف بأنه سبيل مواصلات فلا يتوافر الظرف المشدد وإن كان نائياً بعيداً عن العمران واتسمت السرقة فيه بخطورة خاصة وتطبيقاً لذلك فإن السرقات التي ترتكب في منطقة صحراوية أو جبلية لا تعتبر مرتكبة في طريق عام إذ ليست هذه المنطقة درباً للمواصلات يخلع عليها صفة الطريق العام أما العنصر الثاني في فكرة الطريق العام فهو الاعتراف للناس دون تمييز بمكنة استخدامه ويستوي في ذلك إطلاق هذه المكنة أو إيراد قيود عليها طالما أن في وسع أي شخص التزام هذه القيود كما لو اشترط أداء رسم أو الحصول على إذن أو ترخيص ولما كان الشارع قد سوى بين الطرق الممتدة خارج المدن أو القرى والطرق الممتدة في داخلها فإنه لم يعد من عناصر فكرة الطريق العام امتداده في مناطق بعيدة عن العمران وتجمع السكان ورعاية سلطات الأمن وبناء على ذلك يشدد العقاب على السرقات التي ترتكب في شوارع مدينة أو قرية ويشدد من باب أولى على السرقات التي ترتكب في أجزاء طريق عام يصل بين مدينتين أو قريتين إذا كانت هذه الأجزاء قريبة من مساكن المدينة أو القرية التي يصل بينها وبين سواها .
وليس من عناصر فكرة الطريق العام أن يشق على أرض تملكها الدولة أو شخص معنوي عام ولا أهمية لكونه برياً أو مائياً كنهر أو قناة ومن الجائز أن يتخذ شكل جسر أو نفق .
السرقات التي يشدد العقاب عليها لارتكابها في طريق عام :
ورد نص القانون مطلقاً في إشارته إلى السرقات التي يشدد عقابها في طريق عام ومن ثم ينبغي أن يتسع نطاق التشديد لجميع السرقات فلا تفرقة بين هذه الجرائم تفرقة ترجع إلى نوع الشيء المسروق أو قيمته أو كيفية ارتكاب السرقة أو كون الشيء المسروق يحمله المجني عليه في ملابسه مما اقتضى إحساسه بالذعر حين ارتكابها أو كونه في عربة له أو لسواه وارتكبت السرقة في غير حضوره ولم تصل إلى علمه ولم يشعر تبعاً لذلك بذعر ما ولا يشترط أن تقع السرقة والمجنى عليه في حالة الارتحال بل يجوز أن ترتكب خلال فترة استراحته من عناء جزء من الرحلة قطعة وسواء أن تقع السرقة على المجنى عليه « من لصوص انقضوا عليه في عرض الطريق أو من لصوص رافقوه منذ البداية» .
ولكن ثمن اعتبارات من علة التشديد تملى استبعاد بعض السرقات :
فالحرص على تأمين سبل المواصلات يقتضي أن تقع السرقة على شيء في سبيل الانتقال عبر الطريق العام أما إذا كان موضوعها شيئاً مودعاً على جانب الطريق العام أو دواب ضالة به فلا يتوافر الظرف المشدد ولكن يتوافر هذا الظرف إذا وقعت السرقة على أشياء أودعها مالكها في عربته التي تركها مؤقتاً على جانب الطريق العام أو ضل سبيله بعد أن غادرها وتستبعد من نطاق التشديد كذلك السرقة التي يرتكبها في الطريق العام مقاول النقل أو عماله إضراراً بالشخص الذي تعهد بنقله عبر الطريق العام فهذه السرقات لا تنطوي على فكرة مهاجمة وسيلة النقل من الخارج وهي الصورة التي يتحقق فيها تهديد أمن المواصلات ولكن إذا كان مرتكب السرقة أحد الركاب الذين تقلهم وسيلة النقل في الطريق العام فإن التشديد يتحقق .
عقوبة الجناية، حدد الشارع عقوبة هذه الجناية بالسجن المشدد بين حديه العامين ويعاقب على الشروع في هذه الجناية وهذا الظرف عيني ومن ثم يمتد تأثيره إلى جميع المساهمين في الجريمة . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 1043)
وقد عرفت محكمة النقض الطريق العام بأنه كل طريق يباح للجمهور المرور فيه في كل وقت وبغير قيد سواء كانت أرضه مملوكة للحكومة أو للأفراد.
وبناء على علة التشديد سالفة الذكر فقد استبعد من معنى الطرق العامة الشوارع والميادين والمتنزهات في المدن أو القرى ثم جاء القانون رقم 59 لسنة 1970 فعدل المادة 315 عقوبات على نحو أصبح معه مفهوم الطريق العام سارياً على ما في داخل المدن أو القرى أو خارجها سواء بسواء وانصرف التشديد أيضا، إلى السرقة في وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية والمقصود بها وسائل النقل العامة لا الخاصة.
ولا يشترط أن يكون المجني عليه سائراً على قدميه في الطريق العام بل يستوي أن يكون في عربة أو سيراً أو راكباً إحدى الدواب ويستوي أن تقع الجريمة من لصوص انقضوا على المجني عليه في الطريق العام أو من لصوص رافقوه منذ البداية.
ويلاحظ أن الظروف المشددة الأخرى والتي يجب توافر اثنان مع ظرف الطريق العام أو وسيلة النقل العام (1- التعدد مع حمل السلاح ظاهراً أو مخبأ 2- التعدد بطريق الإكراه . 3- حمل السلاح ليلاً. 4 - حمل السلاح بطريق الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح) كلها ظروف من شأنها أن تبث الذعر في نفس المجني عليه أي تفترض وجوده في نفسه ويستوي في الإكراه أن يكون بواسطة استعمال السلاح الذي يحمله الجاني أو أن يكون بغير هذه الوسيلة ولا يشترط تعدد الجناة في الصورتين الثالثة والرابعة سالفتي الذكر.
وبناء على ذلك فلا يتوافر ظرف الطريق العام إذا جاءت السرقة نتيجة العثور على أشياء مفقودة في الطريق العام والاحتفاظ بها بغية تملكها أو إذا وقعت السرقة على الأشجار القائمة على جانبي الطريق أو وقعت من متعهدي نقل الأشياء.
العقوبة :
يعاقب على هذه الجريمة بالسجن المؤبد أو المشدد. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ، الصفحة: 601)
شروط التشديد :
يتطلب المشرع لتحقق الظرف المشدد أن يتوافر شرطان :
الأول : ارتكاب السرقة في الطريق العام أو في إحدى وسائل النقل .
الثاني : أن يتوافر إحدى الحالات الثلاث التي نصت عليها المادة 315 ع.
- الشرط الأول : ارتكاب السرقة في الطريق العام أوفي إحدى وسائل النقل .
- تحديد معنى الطريق العام :
يقصد بالطريق العام «كل طريق يباح للجمهور المرور فيه في كل وقت وبغير قيد » سواء أكانت أرضه مملوكة للحكومة أو لأحد الأفراد فوقوع السرقة على جسر ترعة مباح المرور عليه يسري عليه التشديد سواء أكانت الترعة عمومية مملوكاً جسرها للحكومة أم كانت خصوصية ولكن المرور عليها مباح وسواء أن يكون الطريق خارج المدن أو القرى أو داخلاً في نطاقها أو مجاوراً لحدودها وسواء أن يتخذ الطريق العام شكل شارع أو كوبرى أو نفق أو غيره طالما تحقق أنه سبيل للانتقال من مكان إلى آخر ولذلك لا يتوافر التشديد إذا وقعت السرقة في الصحراء في غير الطرق الممهدة أو التي تسلكها القوافل.
الشرط الثاني : أن تتوافر إحدى الحالات التي نصت عليها المادة 315 :
لا يكفي ارتكاب السرقة في الطريق العام أو في إحدى وسائل النقل لجعل السرقة جناية وإنما يجب أن تقع السرقة في إحدى الحالات الثلاث المذكورة في المادة 315 من قانون العقوبات فإذا اقتصر الأمر على ارتكاب السرقة في الطريق العام دون أن تتوافر إحدى هذه الحالات لم يكن هناك سبب لتشديد عقوبة السرقة فتخضع لنص المادة 318 التي تعاقب على السرقة البسيطة وإذا اقتصر الأمر على ارتكاب السرقة في إحدى وسائل النقل دون أن تتوافر إحدى هذه الحالات كانت الجريمة جنحة سرقة مشددة تخضع لنص المادة 316 مكرراً ثالثاً.
والحالات التي نصت عليها المادة 315 هي:
أولاً : إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وكان أحدهم على الأقل حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخباً.
ثانياً : إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر بطريق الإكراه .
ثالثاً : إذا وقعت السرقة ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً وكان ذلك ليلاً أو بطريق الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح وهذه الحالات تثير ظروف تعدد الجناة وحمل السلاح والإكراه والليل والتهديد باستعمال السلاح وهي ظروف سبق البحث فيها بمناسبة دراسة جنح السرقة المشددة (المادة 317 ع) وجناية السرقة بإكراه (المادة 314 ع) فنكتفي هنا بالإحالة إليها.
أثر التشديد :
إذا تحقق الشرطان المذكوران أصبحت السرقة جناية عقوبتها السجن المؤبد أو المشدد. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 817)
هذه المادة معدلة بالقانون رقم 59 لسنة 1970 الصادر في 12/8/1970 والمنشور بالجريدة الرسمية في 13 أغسطس سنة 1970 العدد 33.
معنى الطريق العام :
الطريق العام هو كل سبيل يباح المرور فيه للجمهور بغیر تفرقة أو تمييز فإن كل سلوكه محظوراً على الكافة و مقصوراً على فئة معينة من الناس فإنه لا يعتبر طريقاً عاماً ومن قبيل ذلك الطرق التي يشقها الملاك في أرضهم ليصلوا منها إلى أملاكهم وقد يكون الطريق عاماً ثم تطرأ أسباب تدعو الدولة إلى إغلاقه في وجه الجمهور وتخصيصه لفئة معينة من الناس کرجال القوات المسلحة وفي هذه الحالة ينقلب الطريق خاصاً لا من حيث ملكيته بل من حيث استعماله ولذلك لايسرى حكم التشديد على ما يقع فيه من سرقات بيد أن تقييد المرور على بعض الطرق العامة أو على أجزاء منها بقيود يخضع لها الكافة مثل دفع رسم مالي لاينفي كون الطريق عاماً ولما كان المعول عليه في اعتبار الطريق عاماً أن يكون المرور فيه مباحاً للكافة يستوي أن تكون أرضه ملكاً للدولة أو لبعض الأفراد وكما أن ملكية الطريق لا أثر لها فكذلك شكله ومدی اتساعه وقيل بأن الصحارى لا تعد من الطريق العامة فيما عدا الدروب التي تسلكها القوافل ورد على ذلك بأن الصحاري والجبال على اتساع الأولى و ارتفاع الثانية تعتبر طرقاً عامة سواء تعلق الأمر بدروبها ومسالكها المطروقة أو بمناطقها النائية وجهاتها الوعرة فليس نأى المكان ولا وعورته حائلاً دون اعتباره طريقاً عاماً وأنما يحول دون اعتبار المكان طريقاً عاماً أن يكون سلوكاً محظوراً وليس ذلك هو الشأن في الصحاري والجبال أما المزارع فلا تعتبر طرقاً عامة لأن المرور فيها مباح إلا لأصحابها.
وليست كل سرقة تقع من طريق عمومي يتناولها حكم المادة 315 ع فهناك شرط ضمني مسلم به وهو أنه يجب أن تكون الأشياء المسروقة في طريق الانتقال أي يسير بها شخص في ذات الطريق العام فإن كانت ملقاه أو قائمة مثلاً على جانب الطريق كأدوات أو مهمات متروكة في الطريق أو تسربت إليه كالأشجار القائمة على جانبي الطريق فإن سرقتها لاتسرى عليها حكم المادة 315 عقوبات وكلمة طرق المستعملة في النص كما تطلق على السبل الأرضية تطلق أيضاً على الأنهار والترع فيقال الطرق المائية ثم أن الحكمة قائمة فحكمة التشديد هي تأمين المواصلات واقفال المكان الأمر الذي يسهل ارتكاب الجريمة حيث لا نجده .
المقصود بوسائل النقل :
المقصود بوسائل النقل العام هي وسائل النقل المعدة لنقل الأشخاص أو المنقولات دون تمييز سواء كانت برية كالسيارات الأجرة والتزام وسيارات الأتوبيس أو مائية كالمراكب والبواخر أو جوية كالطائرات ولا يشترط أن يكون النقل في هذه الوسائل بأجر فيعتبر من وسائل النقل العام الأتوبيس الذي تخصصه الشركة النقل العمال من المصنع إلى منازلهم دون أجر ولايشترط أن تكون وسيلة النقل العام تسير أو تقف بالطريق العام وقت السرقة لأن المشرع شدد العقوبة على وقوع السرقة في إحدى وسائل النقل أياً كان موقعها والحكمة من تشديد العقوبة في المادة 315 كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون هي تأمين المواصلات وحماية أمن المسافرين نظراً لما ينطوي على ارتكاب هذه الجرائم من استهتار بالغ بالقانون وإخلال بالأمن من العام. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة: 146)
الملاحظ من نص المادة محل التعليق أن المشرع لم يجعل من الطريق العمومي وحده ظرفة يشدد عقوبة السرقة أو يقلبها إلى جناية وإنما اشترط لرفع السرقة إلى جناية أن تجتمع مع الطريق العمومي ظروف أخرى ولم يعرف القانون الطريق العمومي ولتعريفه يرجع إلى حكمة التشديد وهي الحرص على تأمين المواصلات والضرب على أيدي المجرمين وعلى الأخص قطاع الطرق الذين ينتهزون فرصة البعد عن العمران ويعتدون على المارة والمسافرين في تلك الأماكن الخالية حيث يسهل إرتكاب الجريمة بينما يكون المجني عليه عاجزاً عن طلب الغوث والمعونة ومتى عرف ذلك أمكن تعريف الطريق العمومي بأنه كل طريق يباح للجمهور المرور فيه في كل وقت وبغير قيد سواء أكانت أرضه مملوكة للحكومة أم للأفراد فيدخل في ذلك السكك الزراعية والجسور وكافة الطرق التي تصل المدن أو القرى بعضها ببعض ولكن لا يعتبر طريقة عمومية بالمعنى المقصود هنا الطرق والشوارع والميادين الموجودة بداخل المدن أو القرى ولا أجزاء الطريق المجاورة المساكن المدن والقرى وعلى الأخص إذا كان عليها بعض المساكن وذلك لإنتفاء علة التشديد وهي إقفار المكان وصعوبة تلبية الإستغاثة وكذلك السكك الحديدية لأنها أولاً ليست من الطرق التي يباح للجمهور المرور فيها ولأن حكمة التشديد لا تتوافر إذا ارتكبت السرقة في قطار إذ لا يخلو عادة من الناس والسائد في الفقه والقضاء أن عبارة طريق عمومي قاصرة على السبل الأرضية فلا تعتبر طرقاً عمومية البحار والأنهار والترع.
وليست كل سرقة تقع في الطريق العام يتناولها حكم المادة محل التعليق فهذه المادة لا تنطبق إلا إذا كانت الأشياء المسروقة في طريق الإنتقال أي في حيازة شخص مار بالطريق العام فإذا كانت الأشياء ملقاة في الطريق العام أو قائمة على جانبه كالأدوات والآلات التي يتركها الزراع على جانب الطريق فإن سرقتها لا يتناولها حكم المادة محال التعليق لأن علة التشديد وهي قطع الطريق تكون منتفية ولكن إذا كانت الأشياء في حالة إنتقال فإنه يستوي أو تكون في جيب المجني عليه أو كتفه أو في عربة أو سيارة أو تحملها دابة وما إلى ذلك كما يستوي أن تقع السرقة أثناء سير المجني عليه بها أو في فترة إستراحة وسواء كان اللص يرافقه من أول الأمر أو انقض عليه أثناء سيره أو استراحته.
العقوبة :
يعاقب على السرقة الواقعة في الطريق العام أو في إحدى وسائل النقل إذا توافر أحد الظروف المنصوص عليها في المادة محل التعليق بالسجن المؤبد أو المشدد والظروف الواردة في النص عينية فيمتد تأثيرها إلى جميع المساهمين في السرقة والسرقة في هذه الظروف جناية ولذلك يعاقب على الشروع فيها. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع ، الصفحة : 243)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 77 ، 78 ، 79 . 279 ، 280 ، 281
(مادة 100)
يعد محارباً كل من ارتكب جريمة ضد النفس أو العرض أو المال أو إرهاب المارة، سواء وقع الفعل في طريق عام، أو في أي مكان داخل العمران، مع اجتماع الشروط الآتية:
(أ) أن يقع الفعل من شخصين فأكثر، أو من شخص واحد، متى توافرت له القدرة
على ارتكاب الجريمة.
(ب) أن يقع الفعل باستعمال السلاح، أو أية أداة صالحة للإيذاء أو بالتهديد بأي منها. (ج) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر.
(د) أن يكون الجاني قد باشر ارتكاب الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو
المعاونة، بشرط أن تقع الجريمة بناءً على هذا الاشتراك.
(مادة 101)
يعاقب المحارب حداً بالعقوبات الآتية:
(أ) بالإعدام إذا قتل نفساً عمداً، سواء استولى على مال أو لم يستول عليه.
(ب) بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى على المال أو العرض
أو الجسم، ولم يبلغ القتل أو الزنا.
(ج) بالسجن إذا أخاف السبيل فقط.
(مادة 102)
لا يجوز إبدال العقوبات المبينة في المادة السابقة، ولا العفو عنها.
(مادة 103)
يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر.
(مادة 104)
يسقط الحد المبين في المادة (101) من هذا القانون، إذا ترك الجاني تائبا باختياره ما هو عليه من الحرابة قبل القدرة عليه، وذلك بإحدى الطريقتين الآتيتين:
(أ) إذا ترك فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته إلى سلطات الأمن أو النيابة العامة بأية وسيلة كانت.
(ب) إذا سلم نفسه تائباً بعد علم السلطات بالجريمة، وقبل القبض عليه.
ولا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص، أو دية، أو رد المال.
كما لا يخل بالعقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً.
(مادة 105)
إذا تحققت النيابة العامة من توبة الجاني وفقاً لأحكام المادة السابقة - أمرت بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى.
(مادة 106)
إذا لم يكن الجاني بالغاً بالأمارات الطبيعية وقت ارتكاب الجريمة - يعزر على الوجه الآتي:
(أ) إذا كان قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه، أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة في القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث.
(ب) إذا أتم الثانية عشرة، ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
(ج) إذا أتم الخامسة عشرة، ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.
(مادة 107)
إثبات جريمة الحرابة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين
الآتيتين:
الأولى: إقرار الجاني قولا أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير منهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها.
الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها،
مبصرین قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها.
وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.
ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة .
ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها.
ولا يعد المجني عليه شاهدا إلا إذا شهد لغيره.
(مادة 108)
يجوز للجاني العدول عن إقراره إلى ما قبل الحكم النهائي من محكمة الجنايات، وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار.
(مادة 109)
إذا سقط الحد لعدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المادة (107) من هذا القانون، أو لعدول الجاني عن إقراره طبقاً للمادة (108)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به - تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً، وذلك متى ثبت للقاضي وقوعها بأدلة أو قرائن أخرى.
(مادة 110)
إذا عاد الجاني الذي نفذت عليه عقوبة القطع في جريمة الحرابة إلى ارتكاب فعل من أفعال الحرابة يوجب حد الإعدام، وقعت عليه هذه العقوبة، فإذا ارتكب من أفعال الحرابة ما يوجب توقيع عقوبة أخرى، يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات.
فإذا تكرر العود، تكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
(مادة 111)
يجوز للجاني العائد طبقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة السابقة بعد انقضاء ثلاث سنوات هجرية على سجنه - أن يتقدم بطلب إلى النيابة العامة يعلن فيه توبته عن جريمة الحرابة، وعلى النيابة أن تحيل الطلب بعد تحقيقه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم.
وتحكم المحكمة بالإفراج عن الجاني إذا ثبتت لها توبته، ويجوز لها أن تأمر بوضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة لا تزيد عن باقي العقوبة المحكوم بها.
وإذا رفضت المحكمة الطلب، فلا يجوز تجديده قبل انقضاء سنة هجرية على الأقل
من تاريخ الحكم برفضه.
(مادة 112)
إذا رأت النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق توافر أركان الجريمة الحدية ودليلها الشرعي - أصدر رئيس النيابة أو من يقوم مقامه أمرا بإحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة.
(مادة 113)
لا تسري على جريمة الحرابة الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، بشأن انقضاء الدعوى الجنائية، أو سقوط العقوبة بمضي المدة.
(مادة 114)
تعتبر عقوبة قطع اليد والرجل من خلاف سابقة في الترتيب على العقوبات المبينة في المادة (72) من هذا القانون.
وفي جميع الأحوال تجب هذه العقوبة باقي العقوبات السالبة للحرية الواردة في هذا القانون، إذا كانت عن جرائم وقعت قبل الحكم بعقوبة الحد.
(مادة 115)
تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى للمحكوم عليه ولو كانت شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصابع إذا لم يخش عليه من الهلاك في حالة الشلل.
ويمتنع القطع في الحالات الآتية:
(أ) إذا كانت يده اليسرى مقطوعة أو شلاء، أو مقطوعة الإبهام أو إصبعين غير الإبهام.
(ب) إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة أو شلاء، أو بها عرج يمنع المشي عليها.
(ج) إذا ذهبت يده اليمنى ورجله اليسرى لسبب وقع بعد ارتكابه جريمة الحرابة.
وإذا امتنع القطع يستبدل به السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وفي هذه الحالة يعرض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه الأمر على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ للقضاء بعقوبة السجن بعد التحقق من امتناع القطع للأسباب المبينة بالفقرة السابقة.
(مادة 569)
يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت على السرقة إذا وقعت في طريق عام داخل أو خارج مدينة أو قرية ، أو في إحدى وسائل النقل البرية ، أو المائية ، أو الجوية مع توافر أحد الظروف الآتية :
1- أن تقع من شخصين فأكثر یكون أحدهم حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ .
2- أن تقع من شخصين فأكثر بطريق الإكراه ، أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو بإستخدام أية وسيلة تعدم مقاومة المجني عليه ، أو تنقص منها .
3- أن تقع ليلاً من شخص، يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ .
4- أن تقع من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ بطريق الإكراه ، أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو بإستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها.
(مادة 571)
يعاقب بالإعدام على الجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة إذا ترتب على الإكراه ،
أو التهديد ، أو إستخدام وسيلة مما ذكر فيها - موت شخص .
(مادة 572)
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات على السرقة في إحدى الحالات التالية :
1- إذا وقعت ليلاً من شخصين فأكثر یكون أحدهم حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ .
2- إذا وقعت ليلاً في مكان مسكون أو معد للسكنى ، أو إحدى ملحقاته من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ .
3- إذا وقعت على أسلحة ، أو ذخيرة ، أو مهات القوات المسلحة ، أو غيرها من القوات النظامية.
4- إذا وقعت على مهمات أو أدوات مستعملة أو معدة للإستعمال في مرفق المواصلات السلكية أو اللاسلكية ، أو توليد أو توصيل الكهرباء أو المياه أو الصرف الصحي التي تنشئها الحكومة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو وحدات القطاع العام ، أو المرخص في إنشائها لمنفعة عامة .
وتكون العقوبة السجن المؤقت ، إذا توافرت في السرقة أكثر من حالة من الحالات المشار إليها في هذه المادة .
الجرائم الواقعة على المال
الفصل الأول
السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز
المواد من (567) - (584) :
تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي :
1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه.
كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة .
2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة .
3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة .
4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة .
5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة.
هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان .
6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة .
7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث .
8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها .
9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث .
10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته .
واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة .
11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة .
12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال .
أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه .
13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع .
حد الحرابة
تعتبر الحرابة - أو قطع الطريق - من أخطر الجرائم على أمن المجتمع؛ لما فيها من خروج على سلطان الدولة، وترويع للآمنين من مواطنيها، واعتداء على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، لذلك واجهت الشريعة الغراء هذه الجريمة بأشد العقوبات؛ ردعا للجناة وإرهاباً لنفوسهم، وتأميناً لسلامة المجتمع، ومحافظة على أمنه واستقراره.
والأصل في جريمة الحرابة قول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الآيتان (33)، (34) من سورة المائدة.
ومن الأحاديث النبوية ما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا »
وقد التزم المشروع في تقنين جريمة الحرابة أحكام الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب معين، مؤثراً عند الخلاف الرأي الذي قدر أنه أوفي بالمصلحة، وأكثر مسايرة لتطور المجتمع.
مادة (100):
يعد محارباً كل من ارتكب جريمة ضد النفس أو المال أو إرهاب المارة، سواء وقع الفعل في طريق عام، أو في مكان داخل العمران، مع اجتماع الشروط الآتية:
(أ) أن يقع الفعل من شخصين فأكثر، أو من شخص واحد، متى توافرت له القدرة على ارتكاب الجريمة.
(ب) أن يقع الفعل باستعمال السلاح، أو أية أداة صالحة للإيذاء، أو بالتهديد بأي منهما.
(ج) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر.
(د) أن يكون الجاني قد باشر ارتكاب الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو المعاونة بشرط أن تقع الجريمة بناء على هذا الاشتراك.
الإيضاح
الجريمة وشروطها:
استهل المشروع أحكامه بتعريف لهذه الجريمة بين فيه الحالات التي يعتبر فيها الجاني مرتكباً لجريمة الحرابة، وأوضح شروطها، وأولها: أن تقع في طريق عام، وقد اتفق الفقهاء على ذلك فيما عدا الإمام مالك وأهل الظاهر، الذين يوسعون معنى الحرابة حتى تشمل كل الأماكن حتى الدار إذا دخل الجاني مسلحاً ومعه قوة، كما اختلف الفقهاء في مكان الطريق، وهل ينبغي أن يكون خارج العمران؟ أم تقع الحرابة ولو كان الطريق داخل المدينة. فقال أبو حنيفة ومحمد: إن العمل المكون للجريمة يعتبر حرابة، إذا حصل خارج المصر أي خارج العمران. أما داخل العمران فلا يكون حرابة ولا قطعاً للطريق، لإمكان الغوث غالباً داخل العمران. (البدائع، الجزء السابع ص 92 ، شرح فتح القدير، ج 4 / ص 275). وأخذ بهذا الرأي أكثر فقهاء الشيعة. وحجة هذا الرأي أن قطع الطريق يقتضي الانقطاع عن الناس وعن قوة الدولة، والطريق لا ينقطع فيه المرور أو يمكن قطعه على المارين إلا خارج الأمصار والقرى، وجدير بالذكر أن هذا الرأي هو الذي أخذ به الفقه الحديث في القوانين الوضعية، حيث يجمع فقهاء القانون الجنائي في جريمة السرقة بإكراه في الطريق العام، على أن المقصود بالتجريم هو حماية الطرق التي تقع خارج المدن، وتصل بين مواقع العمران، وذلك لقلة المرور فيها، وحاجتها إلى التأمين والحماية.
وذهب أبو يوسف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (مواهب الجليل، ج 6 / ص 314 ، مغني المحتاج، ج 4 / ص 180 ، المغني، ج 10/ ص 303). إلى أن قطع الطريق يتحقق داخل العمران أو خارجه، إذ العبرة فيه بإمكان الغوث لا بموقع الطريق (البحر الرائق، الجزء الخامس ص 66، والبدائع، الجزء السابع ص 92).
وقد أخذ المشروع باعتبار الفعل حرابة، سواء وقع في طريق عام، أو في مكان داخل العمران.
كما وقع الخلاف بين الفقهاء فيما إذا كان يشترط في جريمة الحرابة تعدد الجناة، أم تتحقق الجريمة ولو وقعت من شخص واحد ؛ فذهب رأي إلى أنه يشترط التعدد؛ لأن المحاربين هم الذين يجتمعون في قوة وشوكة يحمي بعضهم بعضاً ، وتكون لهم القدرة على إخافة الناس وإثارة القلق والفزع بينهم. وذهب أبو حنيفة وبعض فقهاء الشافعية إلى جواز وقوع الجريمة من جماعة أو من شخص واحد، متى كانت له قوة القطع (ابن عابدین، جزء 3 ص 293 ، والبدائع، جزء 7 ص 10). وبهذا الرأي أخذ المشروع؛ نظراً لتطور الأسلحة الحديثة وشدة فتكها، وإمكان استخدامها من شخص واحد، بحيث تكون له القدرة بمفرده على ارتكاب الجريمة، والتغلب على عديد من الناس.
كما تناولت الفقرة (ج) من هذه المادة الشروط الواجب توافرها في المحارب الذي يقام عليه الحد وأولها العقل والبلوغ، وهما شرطان لا خلاف عليها؛ لأنها أساس التكليف. ثم يأتي بعد ذلك الاختيار؛ لأن المكره لا إرادة له، ولا حد عليه باتفاق الفقهاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». (مواهب الجليل) جزءاً ص312 ، وحاشية الدسوقي جزء ص340، وبدائع الصنائع، جزء 7 ص 176، والمغني جزء 8 ص 260 ، ومغني المحتاج، جزء 4 ص 174).
کا اشترط المشروع في الجاني عدم الاضطرار، فإذا كان الجاني مضطراً للحرابة لدفع الهلاك عن نفسه بأخذ مأكل أو ملبس أو ما أشبه - سقط عنه الحد والتعزير جميعاً ؛ لقوله تعالى: ومن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا قطع في مجاعة مضطر». كما أسقط عمر بن الخطاب الله عنه الحد في عام المجاعة.
وقد اختلف الفقهاء في تحقيق الحرابة من المرأة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن الحرابة لا تتحقق من المرأة، وأنه يشترط في المحارب الذكورة: «البدائع جزء 7 ص 91). وذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والزيدية، وأهل الظاهر إلى أن المرأة والرجل سواء يؤخذون بالحد جميعا؛ لأن النص عام. مواهب الجليل جزء 6 ص 313 - والمدونة جزء 16 ص 102 وحاشية الدسوقي جزء 4 ص 348 ، ومغني المحتاج جزء 4 ص 180) وقد أخذ المشروع برأي الجمهور فلم يشترط الذكورة في المحارب.
کما اختلف الفقهاء في اشتراط وجود سلاح مع الجاني فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يشترط السلاح ويكفي أن يعتمد المحارب على قوته الجسدية. مواهب الجليل ج6/ ص 314، أسنى المطالب، ج 4 / ص 154). وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أنه يجب أن يكون للجاني قوة القطع بسلاح أو غيره مما في حكمه کالعصا والحجر والخشب ونحوها (بدائع الصنائع، ج ۷ ص ۹۰، المبسوط، ج ۹ ص ۱۹۸، والمغني، ج ۱۰/ ص ۳۰۶).
وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير.
وقد وقع الخلاف فيما إذا كان يشترط لتوقيع حد الحرابة أن يبلغ المال المأخوذ نصاباً معيناً أو أن يكون في حرز مثله. فذهب الحنفية والشافعية إلى اشتراط النصاب والحرز الإيقاع الحد (شرح فتح القدير، جزء 4 ص 269 ، والمبسوط، جزء 9 ص 200) وذهب مالك إلى عدم اشتراط ذلك، على أساس أن العقوبة إنها توقع على المحاربة لله ورسوله دون نظر إلى قدر المال وحرزه. ( مواهب الجليل، جزء 6 ص 314 ، وحاشية الدسوقي، جزء 4 ص 348 ، والمدونة جزء 16 ص 100). ولذات العلة يرى مالك، وأهل الظاهر عدم سقوط حد الحرابة ليكون بعض الجناة من ذوي الأرحام لأن العقوبة لحق الله، لحماية أمن الأمة ولا ينظر فيها إلى الآحاد، وإنما ينظر فيها إلى الاعتداء على محارم الله تعالى المغني ج 10 / ص 318 . وقد أخذ المشروع في هذا الصدد برأي مالك فلم يشترط النصاب أو الحرز، ولم يسقط الحد عن ذوي الأرحام استناداً إلى أن المقصود بالحد في الحرابة هو خطورة الفعل في ذاته، وما ينطوي عليه من اعتداء على أمن الجماعة، والسعي في الأرض فساداً بغض النظر عن المال موضوع الجريمة، أو أشخاص آخذيه.
الاشتراك في الجريمة:
الأصل في القانون الوضعي هو التسوية في التأثيم والعقاب بين الفاعل الأصلي الذي يباشر الجريمة بنفسه، وبين الشريك الذي يساهم في ارتكابها بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة. أما في الفقه الإسلامي فهناك خلاف في الرأي: ذهب الشافعي إلى أنه لا يعتبر محارباً إلا من باشر فعل الحرابة بنفسه، أما المتسبب فيه أو المعين عليه فلا يعد محارباً ، ولو كان حاضراً وقت المباشرة فيكتفى بتعزیره ؛ إذ الحد لا يجب إلا بارتكاب المعصية التي تستوجبه الأحكام السلطانية للماوردي، ص 59 و 61، ونهاية المحتاج جزء 7 ص 164، والمغني جزء 10 ص 318).
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن كل من ساهم في أفعال الحرابة يعتبر محارباً وتوقع عليه ذات العقوبة، سواء كان شریكاً بالمباشرة أو متسبباً في الجريمة (محرضاً) أو معيناً عليها. واستندوا في ذلك إلى أن المحاربة على خلاف غيرها من الحدود - تقوم على التكاليف والمعاضدة والمناصرة، وأن دور الردء والمعين فيها لا يقل أهمية عن دور المباشر، إذ لا يتمكن المباشر من ارتكابها في الغالب إلا بقوة المعين وشوكته (المدونة جزء 16 ص100 ، وشرح الزرقاني جزء 8 ص 110 ، والبدائع جزء 7 ص 91 ، وشرح فتح القدير جزء 4 ص 271 ، والمغني جزء 10 ص 319).
وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فنص في البند (د) من المادة (100) على أنه يشترط في الجاني أن يكون قد باشر الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو المعاونة، بشرط أن تقع الجريمة بناء على هذا الاشتراك». .
مادة (101): يعاقب المحارب حدا بالعقوبات الآتية:
(أ) بالإعدام إذا قتل نفسا عمدا، سواء استولى على مال، أو لم يستول عليه.
(ب) بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى على المال أو العرض أو الجسم، ولم يبلغ القتل أو الزنا.
(ج) بالسجن إذا أخاف السبيل فقط.
الإيضاح
العقوبة:
اختلف الفقهاء فيما إذا كانت العقوبات الواردة في الآية الكريمة قد وردت على سبيل
التخيير، أو على سبيل التنويع.
فذهب رأي إلى أن هذه العقوبات قد وردت على سبيل التخيير، حيث عبرت الآية الكريمة بلفظه أو ، وهي في اللغة أداة تخيير، فيكون الإمام - بناء على ذلك مخيراً - في توقيع هذه العقوبات على من يرتكب فعل الحرابة غير مفيد بنوع الفعل المرتكب، وإنها يترك لتقديره فيوقع ما يراه مناسباً من العقوبات لظروف كل فعل، وممن رأى هذا الراي سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح، ومن الفقهاء مالك وأهل الظاهر. (شرح الخرشي، ج5/ ص 248 ، وحاشية الدسوقي، ج 4 / ص 349).
وذهب رأي آخر إلى أن الآية الكريمة قد جعلت عقوبة لكل نوع من أفعال الحرابة، وأن لفظ «أو» إنما يفيد تنوع العقاب بتنوع الفعل. وبهذا الرأي أخذ الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في بعض الروايات. وحجة هذا الرأي أنه لا يمكن إجراء التخيير على ظاهره، بل لا بد أن تكون العقوبة متناسبة مع قدر الاعتداء، ويقول الكاساني في البدائع « إن قطع الطريق متنوع في ذاته، وإن كان متحداً من حيث الأصل، فقد يكون بأخذ المال وحده، وقد يكون بالقتل لا غير، وقد يكون بالجمع بين أمرين، وقد يكون بالتخويف لا غير، فكان سبب الوجوب مختلفاً ، فلا يحمل على التخيير بل على بيان الحكم لكل نوعه البدائع، جزء 7 ص 94، المبسوط، ج 9 ص 195، مغني المحتاج ج 4 / ص 182).
ويستند هذا الرأي إلى ما روي عن ابن عباس في تفسير النص القرآني، من أنهم: « إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا؛ وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض». وقد روى الشافعي هذا الأثر في مسنده.
وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فجعل العقاب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى المحارب على المال أو العرض أو الجسم، ولم يبلغ الاعتداء القتل أو الزنا، ويعاقب المحارب بالسجن إذا أخاف السبيل فقط، وبالإعدام إذا قتل نفساً عمداً ، سواء استولى على مال أو لم يستول عليه (شرح فتح القدير، ج 4 / ص 268 ، المبسوط، ج 6 / ص 195 ، البدائع، ج 7 ص 93). كما اختار المشروع السجن في تطبيق عقوبة النفي أخذاً برأي الحنفية، الذين قالوا بأن النفي من الأرض لا يمكن أن يراد بحقيقته ؛ لأن الخروج من أرض الله مستحيل، فلا بد من المجاز الذي يتفق مع إرادة العقاب والزجر وكف الأذى عن المسلمين، وهو ما يتحقق بالحبس ( البدائع جزء 7 ص 95، و الجصاص أحكام القرآن، جزء 2 ص 412، وبداية المجتهد جزء 4 ص 456).
مادة (102): لا يجوز إبدال العقوبات المبينة في المادة السابقة ولا العفو عنها.
الإيضاح
ولما كانت حدود الله عقوبات مقدرة محددة لا مجال لتخفيضها، أو استبدال غيرها بها، أو وقفها، كما أنه لا عفو فيها ولا شفاعة - فقد حرص المشروع على تأكيد هذا المعنى في هذه المادة، فنص على أنه لا يجوز إبدال العقوبات الجدية في جريمة الحرابة، ولا العفو عنها.
مادة (103): يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر.
الإيضاح
الشروع في الجريمة :
وإذا كانت جرائم الحدود هي أشد أنواع الجرائم في نظر الشارع الإسلامي - فقد نص المشروع في هذه المادة على اعتبارها جناية، ولما كان لا خلاف على أن الحد في الحرابة لا يجب إلا على الجريمة التامة، أما الشروع أو الجريمة غير التامة فلا حد عليها، وإنما يعزر الجاني إذا اشتمل فعله على معصية (المبسوط للسرخسي، ج 9 ص 199 ، والهداية، جزء 2 ص 98 ، و درر الأحكام، جزء 2 ص 85 ، ونهاية المحتاج، جزء 7 ص 162 ، والمغني، جزء 10 ص 313 و 314). فقد نص المشروع على أنه يعاقب على الشروع في الحرابة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون.
مادة (104): يسقط الحد المبين في المادة (101) من هذا القانون، إذا ترك الجاني تائباً باختياره ما هو عليه من الحرابة قبل القدرة عليه، وذلك بإحدى الطريقتين الآتيتين:
(أ) إذا ترك فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته إلى سلطات الأمن أو النيابة العامة بأية وسيلة كانت.
(ب) إذا سلم نفسه تائباً بعد علم السلطات بالجريمة وقبل القبض عليه.
ولا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص أو دية أو رد المال.
كما لا تخل بالعقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا کون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً .
الإيضاح
سقوط الحد بالتوبة:
ولما كان حد الحرابة يسقط بالتوبة عملاً بقوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
فقد عالج المشروع في المادة (104) سقوط الحد بتوبة الجاني. وقد فرض المشروع
حالتين للتوبة، الأولى: أن يترك الجاني فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته لسلطات الأمن أو النيابة العامة بأي وسيلة كانت. والثانية: أن يسلم الجاني نفسه تائباً بعد اكتشاف الجريمة وقبل القبض عليه من السلطات.
وفي كلا الحالتين لا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص أو دية أو رد المال؛ لأنها من حقوق العباد، كما لا يخل بتوقيع العقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كان الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً »
کا نصت المادة (105) من المشروع على أنه إذا تحققت النيابة من توبة الجاني وفقاً لأحكام المادة السابقة - أمرت بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى.
مادة (106): إذا لم يكن الجاني بالغا وقت ارتكاب الجريمة، يعزر على الوجه الآتي:
(أ) إذا كان قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه لوالديه، أو لمن له حق الولاية على نفسه، أو إيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة في القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث.
(ب) إذا أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
(ج) إذا أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات.
تعزير الصبي:
يمر الإنسان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بمرحلتين قبل أن يصل إلى البلوغ، الذي يفترض أنه قد اكتمل له فيه الإدراك والإرادة وأصبح مسئولاً عن أفعاله بصورة كاملة الأولى: مرحلة عدم التمييز، وهي من تاريخ الولادة حتى قبل إتمامه السابعة، وفيها لا يكون مسئولاً جنائياً. والثانية: وتبدأ من السابعة حتى البلوغ، وفيها يعزر على الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعزير المناسبة لسنه، مع العمل على إصلاح شأنه ، وهو ما التزمه المشروع في المادة (106) عند تحديد عقوبات التعزير التي توقع على الصغير .
وإذا كانت سن البلوغ - حسبما تقضي المادة (31) من المشروع - هو بإتمام ثاني عشرة سنة هجرية، ما لم يثبت بلوغ الجاني قبل ذلك بالطريق الشرعي - فإنه إذا أثبت للمحكمة أنه قد ظهرت على الصبي أمارات البلوغ الطبيعية قبل تمام الثامنة عشرة - فتوقع عليه عقوبة الحد التي توقع على البالغ، متى توافرت شروط توقيعها.
الإثبات:
مادة (107):
إثبات جريمة الحرابة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين:
الأولى: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها.
الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها، مبصرین قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها.
وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.
ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة، ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها، ولا يعد المجني عليه شاهداً إلا إذا شهد لغيره.
الإيضاح تثبت جريمة الحرابة بها تثبت به جرائم الحدود عامة، وقد أخذت الشريعة الغراء في إثبات جرائم الحدود بنظام الدليل المحدد، حتى لا يترك الأمر فيها المحض تقدير القاضي، والدليل الشرعي المقبول في جرائم الحدود هو الإقرار والشهادة، وهو ما التزمه المشروع في إثبات حد الحرابة.
كما حرص المشروع على النص على أنه يكفي الإقرار مرة واحدة؛ نظراً لاختلاف الرأي فيما إذا كان ينبغي أن يتكرر الإقرار بمقدار عدد الشهود، أم يكفي الإقرار مرة واحدة، وقد أخذ المشروع في ذلك برأي الجمهور من أنه لا حاجة للتكرار إلا في حد الزنا، ولا يقاس عليه. «المبسوط، ج 9 ص 182 ، البدائع ج 7 ص 51 ، ابن عابدين جزء 2 ص 294». كما نص المشروع على أن تكون البينة بشهادة رجلين، وتثبت الجريمة عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.
شروط صحة الإقرار والشهادة:
کا حرص المشروع على أن تضم نصوصه شروط صحة الإقرار والشهادة، دون إحالة في ذلك إلى كتب الفقه - کا جرت بعض التشريعات العربية -، وذلك التزاماً منه بمبدأ الشرعية الذي يقضي بأن يبين القانون الجنائي كل ما يتصل بالجريمة والعقوبة من أركان وشروط وأحكام، دون أن يكمل في ذلك بها يخرج عن نصوصه، هذا فضلاً عن مشقة الرجوع إلى كتب الفقه، وصعوبة تحديد الراجح بين المذاهب أو داخل المذهب الواحد.
وقد تناولت المادة (107) من المشروع شروط صحة الإقرار، وهي أن يكون الجاني عاقلاً بالغاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً لا خفاء فيه، تفصح عبارته عن حقيقة المقصود به دون لبس أو غموض، وأن يكون منصباً على ارتكاب الجريمة بكل أركانها وشروطها «تبصرة الحكام، جزء 2 ص 40».
کا نص المشروع في المادة (108) على جواز رجوع الجاني عن إقراره آخذاً برأي الجمهور. وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار « شرح الخرشي، جزء 5 ص 344، حاشية الدسوقي، جزء 4 ص 345، مواهب الجليل، جزء 6 ص 312 ، وأسني المطالب، جزء 4 ص 150 ، والبدائع، جزء 7 ص 88 ، وفتح القدير، ج 4 / ص 258.
ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العدالة في الشاهد؛ لقوله سبحانه وتعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)، ولقوله تعالى: (إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ). والمراد بالعدالة أن يجتنب الشخص الكبائر، ويتقي في الغالب الصغائر. ومن المتفق عليه أن مما يخل بالعدالة ارتكاب أفعال الفسق، والأفعال التي تنال من المروءة، أو تجرح الكرامة. «شرح الخرشي، ج5/ ص 177 ، ومواهب الجليل، ج 6 / ص 150 ، وشرح فتح القدیر، ج 4 / ص 407، وتبصرة الحكام، ج 1 / ص 217».
وقد اختلف الفقهاء في ثبوت العدالة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب على القاضي التحري عن عدالة الشهود، والتحقق من ثبوتها ولو لم يجرحهم المشهود عليه، لأن عدالة الشاهد شرط لازم للحكم بمقتضى شهادته « مواهب الجليل، ج 6 / ص 150 ، وأسنى المطالب ج 4 / ص 312 ، والمغني، ج 9 ص 165».
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يفترض في الشاهد العدالة ما لم يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة. واستثنى من ذلك الحدود والقصاص فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يجرحهم الخصم لأنه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها. (شرح فتح القدير ج4 ص 116، البدائع ج 6 / ص 270 ، المبسوط ج 9 ص 38).
وذهب المالكية إلى أنه يكتفى بظاهر عدالة الشاهد ولا يسأل عنه، إلا إذا جرحه المشهود عليه؛ وذلك استنادا إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الناس عدول بعضهم على بعض، إلا محدودا في قذف». (حاشية الدسوقي، ج 4 / ص 319).
وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فنص في المادة (107) الفقرة الثالثة على أنه «فترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة». وقد آثر المشروع هذا الرأي عملاً على سرعة البت في القضايا، ولصعوبة تحقيق صفة تتناول كل حياة الشاهد ولا تقتصر على وقائع محددة، وهو تحقيق قد يطول أمده، ويتعذر في أغلب الأحيان إجراؤه. ولذلك اعتبر المشروع أن الأصل في الشاهد العدالة، ما لم يثبت العكس بأن يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة بنسبة وقائع معينة محددة من شأنها أن تحل بعدالته، فإذا ثبت للقاضي من التحقيق صدق ادعائه، رد شهادة الشاهد لانتفاء العدالة.
كما اشترط المشروع في الشاهد الإبصار والقدرة على التعبير قولاً أو كتابة، وإنما اشترط المشروع الإبصار رغم وقوع الخلاف عليه في الفقه؛ لأن جريمة الحرابة تقوم على الأفعال المرئية التي تقتضي تمييز الأشخاص والأفعال بالبصر. ويستند المشروع في ذلك إلى ما يراه الحنفية من اشتراط الإبصار في الشاهد عند التحمل وعند الأداء؛ لأن الشهادة تقتضي العلم بالواقعة وتمييزها بأوصافها الخاصة ومعرفة المشهود له والمشهود عليه « المبسوط، ج 16 / ص 129 ، وشرح فتح القدير، ج 6 / ص 29 » كما يستند المشروع كذلك إلى ما يراه الشافعية من عدم جواز شهادة الأعمى في الأفعال المرئية كالقتل والسرقة وقطع الطريق «المهذب، ج2/ ص 33، ومغني المحتاج، ج 4 / ص 44 »
أما اشتراط القدرة علي التعبير قولاً أو كتابة، فقد أخذ المشروع فيه برأي المالكية من قبول شهادة الأخرس إذا استطاع أن يؤديها بالكتابة، ذلك أن الكتابة تستوي مع القول في إمكان التعبير عن الفكرة في وضوح. «حاشية الدسوقي، ج4/ ص167، شرح الخرشي ج5/ ص 179 ومواهب الجليل ج6 ص154،،.
وإذا كان لا خلاف في الفقه حول قطعية الشهادة وصراحتها وورودها على كافة وقائع الجريمة وزمانها و مكانها، فقد اشترط المشروع في الفقرة الرابعة من المادة (107) لصحة الشهادة أن تكون صريحة الدلالة على وقوع الجريمة بالشروط المبينة في القانون، فلا يكفي أن يشهد الشاهد على بعض وقائع الجريمة وشروطها، ويشهد الآخر على باقيها بحيث تتكامل الشهادتان، بل ينبغي أن يشهد كل شاهد منها على كافة وقائع الجريمة وشروطها المبينة في القانون، أما إذا زاد عدد الشهود عن اثنين، فيكفي أن يتوفر نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة على حدة، فيجوز أن يشهد شاهدان على واقعة، ويشهد آخران على واقعة أخرى، وتثبت الجريمة بشهادتهم جميعاً طالما اكتمل نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة.
كما أفسح المشروع للجاني مجال الرجوع في إقراره طوال مراحل نظر الدعوى، حتى صدور الحكم النهائي من محكمة الجنايات، إذ بهذا الحكم تخرج الدعوى من ولاية المحكمة.
عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي:
عني المشروع بالنص في المادة (109) على أنه في حالة عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المواد (107) من المشروع، أو لعدول الجاني عن إقراره طبقاً للمادة (108)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في قانون العقوبات أو أي قانون آخر إذا كون الفعل جريمة معاقبا عليها قانوناً ، وذلك متى ثبت للقاضي ارتكابها بأي دليل أو قرينة أخرى، وذلك على أساس أن الإثبات في الحدود يعتبر ركناً موضوعياً في الجريمة الحدية، بحيث إذا لم يتوافر انتفت الجريمة لفقدان أحد أركانها، فإذا كون ذات الفعل المادي جريمة معاقباً عليها تعزيراً بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر، وجب معاقبة الجاني عليها على أساس أنها تعتبر جريمة أخرى تختلف عن الجريمة الحدية في أركانها. إذ ينقصها ركن الإثبات وإن اتحدت مع الجريمة الحدية في باقي الأركان، ويكون إثباتها في هذه الحالة متروكاً المطلق تقدير القاضي الجنائي دون التقيد بدليل أو قرينة معينة تمشياً مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من أن إثبات جرائم التعزير - خلافاً لجرائم الحدود والقصاص - لا يتقيد بطرق خاصة « الفتاوی الهندية، ج 2 ص 167». وهو ما يتفق مع مبدأ حرية الإثبات في المسائل الجنائية المعمول به في القانون الوضعي.
العود:
کا عالج المشروع في المادة (110) عود الجاني إلى ارتكاب الجريمة بعد توقيع الحد، عليه. وإذا كان الأصل في القوانين الوضعية هو تشديد العقاب في حالة العود؛ زيادة في ردع الجاني الذي لم تردعه عقوبة الجريمة الأولى - فإن الوضع يختلف بالنسبة للحدود، فالعقوبة الحدية لا يجوز تشدیدها مهما تكرر العود؛ ذلك أن الحدود عقوبات معينة محددة لا مجال للزيادة فيها أو النقص منها، ولا يحل للحاكم أو القاضي تجاوزها، وإلا كان متجاوزاً حدود الله، هذا أمر لا جدال فيه ولا خلاف عليه، وإنما وقع الخلاف في إمكان توقيع حد القطع في الجريمة التالية على الجاني العائد الذي سبق قطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وهل تقطع باقي أطرافه، أو تستبدل بعقوبة القطع عقوبة أخرى؟
ذهب رأي إلى جواز تكرار القطع حتى تقطع كل أطرافه، وحجته خبر روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مضمونه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في السرقة الثالثة والرابعة، كما يستدل هذا الرأي من القياس بأن الأطراف تقطع جميعها في القصاص لأجل حقوق العباد، فتقطع أيضاً إذا تكررت السرقة، ومن هذا الرأي مالك والشافعي.
وذهب رأي آخر إلى أنه بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى لا تقطع له يد ولا رجل، بل يحبس حتى تستبين توبته. وحجة هذا الرأي أن قطع شيء بعد اليد اليمنى والرجل اليسرى لا يمكن معه أن يقوم المقطوع بحاجاته، ويستند هذا الرأي إلى ما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من أنه أتي برجل مقطوع اليد والرجل اليسرى، فقال لأصحابه ما ترون في هذا؟ قالوا: « اقطعه يا أمير المؤمنين». قال: « قتلته إذن، وما عليه القتل». ومن هذا الرأي الحسن البصري، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبو سفيان الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل.
وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع؛ لأن فيه إبقاء على حياة الجاني، وحتى يستطيع أن ينال بنفسه المطالب الضرورية لحياته، وفي هذا الأساس جرى المشروع في المادة (110) على أنه إذا ارتكب العائد من أفعال الحرابة ما يستوجب الإعدام أو الإعدام والصلب - وقعت عليه هاتان العقوبتان، أما إذا اقتصر على ارتكاب ما يوجب حد القطع، فإنه لا قطع عليه، ويكتفى بعقوبة السجن.
أما ما نصت عليه المادة (111) بشأن إجراءات التحقق من توبة العائد، فهي إجراءات تنظيمية قصد بها التثبت من حصول التوبة بالفعل، والاطمئنان إلى عدم عودة الفاعل للجريمة مرة أخرى، ولكن كانت التوبة في ذاتها أمراً مضمراً بين العبد وربه، إلا أنه لما كانت الأحكام لا تناط إلا بالمظاهر الخارجية الواضحة - فقد وضعت هذه الإجراءات التحقيق هذه الغاية.
أحكام خاصة في القطع:
وقد يحدث أحياناً أن تكون يد السارق اليمني ورجله اليسرى شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصبع، وفي هذه الحالة اختلف الفقهاء في شأن القطع، فذهب الحنفية إلى أنها تقطع؛ لأنها لو كانت سليمة تقطع باتفاق، فالناقصة المعيبة أولى بالقطع « البدائع، ج 7/ ص 87». وبهذا الرأي أخذ المشروع في الفقرة الأولى من المادة (115).
كما أن هناك حالات أخرى رأى الفقهاء ألا قطع فيها، وهي الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة.
فبالنسبة للحالتين (أ)، (ب) أخذ فيهما المشروع بمذهب الحنفية؛ لأن القطع شرع للزجر لا للإهلاك «شرح فتح القدير، ج 4 / ص 250 ، المبسوط، ج 9 ص 168).
أما بالنسبة للحالة (ج) فقد أخذ المشروع فيها برأي الجمهور الذي يرى أن القطع يسقط، ولا ينتقل الحد إلى عضو آخر «شرح الخرشي، ج5/ ص 345، حاشية الدسوقي ج 4 / ص 347 ، مواهب الجليل، ج 6 / ص 313 ، البدائع ج 7 ص 88 ، المغني ج 10/ ص 269 .
على أن امتناع القطع في الحالات السابقة لا يعفي الجاني من عقوبة التعزير، ولذلك قضى المشروع في الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أن تستبدل بالقطع في هذه الحالات السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 98
إِكْرَاهٌ
التَّعْرِيفُ:
قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: أَكْرَهْتُهُ، حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ هُوَ لَهُ كَارِهٌ - وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ نَحْوُهُ - وَمَضَى صَاحِبُ اللِّسَانِ يَقُولُ: وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُرْهَ وَالْكَرْهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الأْحْرُفِ الَّتِي ضَمَّهَا هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَتَحُوهَا فَرْقًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلاَ فِي سُنَّةٍ تُتَّبَعُ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الْكَرْهُ (بِالْفَتْحِ): الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ: الْقَهْرُ، وَقِيلَ: (بِالْفَتْحِ) الإْكْرَاهُ، « وَبِالضَّمِّ » الْمَشَقَّةُ. وَأَكْرَهْتُهُ عَلَى الأْمْرِ إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ قَهْرًا. يُقَالُ: فَعَلْتُهُ كَرْهًا « بِالْفَتْحِ » أَيْ إِكْرَاهًا – وَعَلَيْهِ قوله تعالى (طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) فَجَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
وَلَخَصَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فُقَهَاؤُنَا إِذْ قَالُوا: الإِْكْرَاهُ لُغَةً: حَمْلُ الإْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ: أَكْرَهْتُ فُلاَنًا إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ.وَالْكَرْهُ « بِالْفَتْحِ » اسْمٌ مِنْهُ (أَيِ اسْمُ مَصْدَرٍ).
أَمَّا الإْكْرَاهُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ: فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ.
وَعَرَّفَهُ الْبَزْدَوِيُّ بِأَنَّهُ: حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ يَمْتَنِعُ عَنْهُ بِتَخْوِيفٍ يَقْدِرُ الْحَامِلُ عَلَى إِيقَاعِهِ وَيَصِيرُ الْغَيْرُ خَائِفًا بِهِ.
أَوْ هُوَ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ (أَيِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ) مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ.
وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ، فَسَّرُوهُ بِالْخَوْفِ، وَلَوْ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ الظَّلَمَةُ بِالْمُتَّهَمِينَ كَيْدًا. فَإِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْحَيَاءَ مَثَلاً، أَوِ التَّوَدُّدَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.
وَالْفِعْلُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) لَيْسَ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ خِلاَفِ الْقَوْلِ، وَلَوْ إِشَارَةَ الأْخْرَسِ، أَوْ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ، فَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ - لأِنَّهُ مِنْ عَمَلِ اللِّسَانِ - وَلَوْ مَفْهُومًا بِدَلاَلَةِ الْحَالِ مِنْ مُجَرَّدِ الأْمْرِ: كَأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوِ الأْمِيرِ، وَأَمْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَأَمْرِ الْخَانِقِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ الإْصْرَارُ.
وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إِكْرَاهٌ - وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْ - وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ تَضَمُّنَهُ التَّهْدِيدَ بِدَلاَلَةِ الْحَالِ.
وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَوِي الْبَطْشِ وَالسَّطْوَةِ أَيًّا كَانُوا، وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ نَفْسُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَجَبِّرِينَ التَّرَفُّعَ عَنِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُعَاقِبُونَ مُخَالِفِيهِمْ إِلاَّ بِهِ.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ - فِعْلٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) نَفْسِهِ - وَلَوْ كَانَ تَهْدِيدًا بِأَخْذِ أَوْ حَبْسِ مَالِهِ الَّذِي لَهُ وَقْعٌ، لاَ التَّافِهِ الَّذِي لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ تَهْدِيدًا بِالْفُجُورِ بِامْرَأَتِهِ إِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.وَيَسْتَوِي التَّهْدِيدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ الْمُهَدَّدِ بِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَخَذَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَغَطَّهُ فِي الْمَاءِ لِيَرْتَدَّ، وَالتَّهْدِيدُ الْمُجَرَّدُ، خِلاَفًا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُجَرَّدِ التَّهْدِيدِ، كَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدَهُ. الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ عَمَّارٍ هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الآْخَرُونَ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ لاَ فَرْقَ، وَإِلاَّ تَوَصَّلَ الْمُعْتَدُونَ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ - بِالتَّهْدِيدِ الْمُجَرَّدِ - دُونَ تَحَمُّلِ تَبَعَةٍ، أَوْ هَلَكَ الْوَاقِعُ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّهْدِيدُ إِذَا رَفَضُوا الاِنْصِيَاعَ لَهُ، فَكَانَ إِلْقَاءً بِالأْيْدِي فِي التَّهْلُكَةِ، وَكِلاَهُمَا مَحْذُورٌ لاَ يَأْتِي الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. بَلْ فِي الأْثَرِ عَنْ عُمَرَ - وَفِيهِ انْقِطَاعٌ - مَا يُفِيدُ هَذَا التَّعْمِيمَ: ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً فِي عَهْدِهِ تَدَلَّى يَشْتَارُ (يَسْتَخْرِجُ) عَسَلاً، فَوَقَفَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى الْحَبْلِ، وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا، وَإِلاَّ قَطَعْتُهُ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالإْسْلاَمَ، فَقَالَتْ: لَتَفْعَلَنَّ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا. وَرُفِعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى عُمَرَ، فَرَأَى طَلاَقَ الرَّجُلِ لَغْوًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَرْأَةَ وَلِذَا اعْتَمَدَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ الْفَرْقِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِ رَجُلٍ لاَ يَمُتُّ إِلَى الْمُهَدَّدِ بِسَبَبٍ، إِنْ هُوَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَكَانِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ يُرَادُ لِلْقَتْلِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِكْرَاهًا، حَتَّى لَوْ أَنَّهُ وَقَعَتِ الدَّلاَلَةُ مِمَّنْ طُلِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ، لَكَانَ الدَّالُّ مُعِينًا عَلَى هَذَا الْقَتْلِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُعِينُ شَرِيكٌ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ - وَذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي أَجْنَبِيٍّ إِكْرَاهٌ فِي الأْيْمَانِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ.
وَالْفِعْلُ، فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ)، هُوَ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ لاَ تَقْبَلُ الإْكْرَاهَ، فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ بِلاَ شَكٍّ.
وَفِيمَا يُسَمِّيهِ فُقَهَاؤُنَا بِالْمُصَادَرَةِ فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَمَا إِلَيْهَا، الْفِعْلُ الَّذِي يُطْلَبُ مِنَ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) دَفْعُ الْمَالِ وَغَرَامَتُهُ، لاَ سَبَبُ الْحُصُولِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ - كَاسْتِقْرَاضٍ - فَيَصِحُّ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَخْلَصَ لَهُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ فِي إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُ. وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي جَعْلِ السَّبَبِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ - أَنْ يَقُولَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مِنْ أَيْنَ أَتَى بِالْمَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) سَبَبًا، كَأَنْ قَالَ لَهُ: بِعْ كَذَا، أَوْ عِنْدَ ابْنِ نُجَيْمٍ اقْتَصَرَ عَلَى الأْمْرِ بِالْبَيْعِ دُونَ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَقَعَ هَذَا السَّبَبُ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ طَائِلَةِ الإْكْرَاهِ.
وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ - بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمُتَابِعِيهِ - إِذْ جَعَلُوا السَّبَبَ أَيْضًا مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِإِطْلاَقٍ.
وَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ بِإِيذَاءِ الْغَيْرِ، مِمَّنْ يُحِبُّهُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ - عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الإْكْرَاهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ - بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
الْمَحْبُوبُ رَحِمًا مَحْرَمًا، أَوْ - كَمَا زَادَ بَعْضُهُمْ - زَوْجَةً.
وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُقَيِّدُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا وَإِنْ نَزَلَ، أَوْ وَالِدًا وَإِنْ عَلاَ. وَالشَّافِعِيَّةُ - وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الأْصُولِيَّةِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يُقَيِّدُونَهُ إِلاَّ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِيذَاؤُهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَالزَّوْجَةِ، وَالصَّدِيقِ، وَالْخَادِمِ. وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. حَتَّى لَقَدِ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنَ الإْكْرَاهِ مَا لَوْ قَالَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، أَوِ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ (دُونَ غَيْرِهِمَا): طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، وَإِلاَّ قَتَلْتُ نَفْسِي، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَالَ: وَإِلاَّ كَفَرْتُ، لأِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ.
وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى.
كَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الإْلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ، أَيِ: الإِْلْجَاءِ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَافِي لِلْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ - وَجَارَاهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - اكْتَفُوا بِظَنِّ الضَّرَرِ مِنْ جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَعِبَارَتُهُمْ: يَكُونُ (أَيِ الإْكْرَاهُ) بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ:
الرِّضَا لُغَةً: الاِخْتِيَارُ. يُقَالُ: رَضِيتُ الشَّيْءَ وَرَضِيتُ بِهِ: اخْتَرْتُهُ.
وَالاِخْتِيَارُ لُغَةً: أَخْذُ مَا يَرَاهُ خَيْرًا.
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا.
فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ هُوَ: امْتِلاَءُ الاِخْتِيَارِ وَبُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إِلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ وَنَحْوِهَا.
أَوْ هُوَ: إِيثَارُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُهُ.
وَالاِخْتِيَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الآْخَرِ.
أَوْ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ.
حُكْمُ الإْكْرَاهِ:
الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ مُحَرَّمًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ إِحْدَى الْكَبَائِرِ، لأِنَّهُ أَيْضًا يُنْبِئُ بِقِلَّةِ الاِكْتِرَاثِ بِالدَّيْنِ، وَلأِنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ».
شَرَائِطُ الإْكْرَاهِ
الشَّرِيطَةُ الأْولَى:
قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ، لِكَوْنِهِ مُتَغَلِّبًا ذَا سَطْوَةٍ وَبَطْشٍ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَلاَ أَمِيرًا - ذَلِكَ أَنَّ تَهْدِيدَ غَيْرِ الْقَادِرِ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ.
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:
خَوْفُ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) مِنْ إِيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ إِذَا كَانَ الْمَخُوفُ عَاجِلاً. فَإِنْ كَانَ آجِلاً، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالأْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ مَعَ التَّأْجِيلِ. وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَلَوْ إِلَى الْغَدِ.
وَالْمَقْصُودُ بِخَوْفِ الإْيقَاعِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، ذَلِكَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الأْدِلَّةِ، وَتَعَذُّرِ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِيقَةِ.
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ:
أَنْ يَكُونَ مَا هُدِّدَ بِهِ قَتْلاً أَوْ إِتْلاَفَ عُضْوٍ، وَلَوْ بِإِذْهَابِ قُوَّتِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَإِذْهَابِ الْبَصَرِ، أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَطْشِ أَوِ الْمَشْيِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهَا، أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَمِنْهُ تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُلِ بِاللِّوَاطِ.
أَمَّا التَّهْدِيدُ بِالإْجَاعَةِ، فَيَتَرَاوَحُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، فَلاَ يَصِيرُ مُلْجِئًا إِلاَّ إِذَا بَلَغَ الْجُوعُ بِالْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) حَدَّ خَوْفِ الْهَلاَكِ.
ثُمَّ الَّذِي يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْشْخَاصِ وَالأْحْوَالِ: فَلَيْسَ الأْشْرَافُ كَالأْرَاذِلِ، وَلاَ الضِّعَافُ كَالأْقْوِيَاءِ، وَلاَ تَفْوِيتُ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَتَفْوِيتِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، يُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ قَدْرَهَا.
الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ:
أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَوْلاَ الإْكْرَاهُ، إِمَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ - وَإِمَّا لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، وَإِمَّا لِحَقِّ الشَّرْعِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ ظُلْمًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ، أَوْ نَفْسِ هَذَا الشَّخْصِ، أَوِ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَوْ عَلَى ارْتِكَابِ مُوجِبِ حَدٍّ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ.
الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ:
أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى إِطْلاَقِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُتَعَيِّنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - مَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُصَادَرَةِ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي فِقْرَةِ .
وَمِنْهُ يُسْتَنْبَطُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَالَةِ الإْبْهَامِ أَدْنَى إِلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ أَوْغَلُ فِي الاِعْتِدَادِ بِالإْكْرَاهِ حِينَئِذٍ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ مَجَالُ الإْبْهَامِ أُمُورًا مُعَيَّنَةً.
أَمَّا الإْكْرَاهُ عَلَى طَلاَقِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، أَوْ قَتْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمَعَهُمْ مُوَافِقُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِرَغْمِ هَذَا التَّخْيِيرِ.
وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يَتَحَقَّقُ؛ لأِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ طَلاَقِ كُلٍّ بِطَلاَقِ الأْخْرَى، وَكَذَا فِي الْقَتْلِ، نَتِيجَةَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ.وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.
الشَّرِيطَةُ السَّادِسَةُ:
أَلاَّ يَكُونَ لِلْمُكْرَهِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خُيِّرَ الْمُكْرَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِتَسَاوِي هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ أَوْ تَفَاوُتِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ وَالْحِلُّ، وَتَفْصِيلُ الْكَلاَمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
إِنَّ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلاَ يُبَاحُ أَصْلاً، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا وَالْقَتْلِ.
أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ.
أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.
أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ طَلاَقِ امْرَأَتِهِ وَبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْنَ جَمْعِ الْمُسَافِرِ الصَّلاَةَ فِي الْحَجِّ وَفِطْرِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الأْرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ الأَْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُرْمَةِ أَوِ الْحِلِّ، يَتَرَتَّبُ حُكْمُ الإْكْرَاهِ عَلَى فِعْلِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ بِخِلاَفَاتِهِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ إِلاَّ عَلَى الأْحَدِ الدَّائِرِ دُونَ تَفَاوُتٍ، وَهَذَا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي مُعَيَّنٍ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، فَنَفَوْا حُصُولَ الإْكْرَاهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.
وَإِنْ تَفَاوَتَ الأْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مَنْدُوحَةً، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى الْمُقَابِلِ لَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْمُقَابِلُ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَالْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَمْ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَمْ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَبَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ، وَالإْفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ حُكْمُهُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ بِخِلاَفَاتِهِ.
وَتَكُونُ هَذِهِ الأْفْعَالُ مَنْدُوحَةً مَعَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ لاَ تَكُونُ مَنْدُوحَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَفِي الصُّوَرِ الثَّلاَثَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَهِيَ مَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّ الزِّنَى أَوِ الْقَتْلَ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ فِعْلُهُ صَادِرًا عَنْ طَوَاعِيَةٍ لاَ إِكْرَاهٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الإْذْنُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ، وَكَانَ الْفَاعِلُ عَالِمًا بِالإْذْنِ لَهُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ عِنْدَ الإْكْرَاهِ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ فِي حُكْمِ الأْمْرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الإْبَاحَةِ، فَلاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَنْدُوحَةً عَنْ فِعْلِ الآْخَرِ، وَيَكُونُ
الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، مَتَى كَانَ بِأَمْرٍ مُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوْ لأِحَدِ الأْعْضَاءِ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ أَوِ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مَنْدُوحَةً عَنِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا يَظَلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوْ بِغَيْرِ مُتْلِفٍ لأِحَدِهِمَا، لأِنَّ الإْكْرَاهَ بِغَيْرِ الْمُتْلِفِ لاَ يُزِيلُ الْحَظْرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا. وَالإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ - وَإِنْ كَانَ يُزِيلُ الْحَظْرَ - إِلاَّ أَنَّ إِزَالَتَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الاِضْطِرَارِ، وَلاَ اضْطِرَارَ مَعَ وُجُودِ الْمُقَابِلِ الْمُبَاحِ.
تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ
يَنْقَسِمُ الإْكْرَاهُ إِلَى: إِكْرَاهٍ بِحَقٍّ، وَإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَإِكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ.
أَوَّلاً: الإْكْرَاهُ بِحَقٍّ:
تَعْرِيفُهُ:
هُوَ الإْكْرَاهُ الْمَشْرُوعُ، أَيِ الَّذِي لاَ ظُلْمَ فِيهِ وَلاَ إِثْمَ.
وَهُوَ مَا تَوَافَرَ فِيهِ أَمْرَانِ:
الأْوَّلُ: أَنْ يَحِقَّ لِلْمُكْرِهِ التَّهْدِيدُ بِمَا هَدَّدَ بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِقُّ لِلْمُكْرِهِ الإْلْزَامُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ عَلَى الإْسْلاَمِ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ، حَيْثُ تَوَافَرَ فِيهِ الأْمْرَانِ، وَكَذَلِكَ إِكْرَاهُ الْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِكْرَاهُ الْمُولِي عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى زَوْجَتِهِ أَوْ طَلاَقِهَا إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الإْيلاَءِ.
أَثَرُهُ:
وَالْعُلَمَاءُ عَادَةً يَقُولُونَ: إِنَّ الإْكْرَاهَ بِحَقٍّ، لاَ يُنَافِي الطَّوْعَ الشَّرْعِيَّ - وَإِلاَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ إِكْرَاهَ الْعِنِّينِ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى الإْنْفَاقِ، وَالْمَدِينِ وَالْمُحْتَكِرِ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَرْضٌ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَقْبَرَةِ أَوِ الطَّرِيقِ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ التَّوْسِيعِ، وَمَنْ مَعَهُ طَعَامٌ يَحْتَاجُهُ مُضْطَرٌّ.
ثَانِيًا: الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ:
تَعْرِيفُهُ:
الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الإْكْرَاهُ ظُلْمًا، أَوِ الإْكْرَاهُ الْمُحَرَّمُ، لِتَحْرِيمِ وَسِيلَتِهِ، أَوْ لِتَحْرِيمِ الْمَطْلُوبِ بِهِ. وَمِنْهُ إِكْرَاهُ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لَهُ.
الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ:
تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ يَتَفَرَّدُ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ.
فَالإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِإِتْلاَفِ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهَا، أَوْ بِإِتْلاَفِ جَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ بِقَتْلِ مَنْ يُهِمُّ الإْنْسَانَ أَمْرُهُ.
وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ وَلاَ يُعْدِمُهُ. أَمَّا إِعْدَامُهُ لِلرِّضَا، فَلأِنَّ الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَكُونُ مَعَ أَيِّ إِكْرَاهٍ.
وَأَمَّا إِفْسَادُهُ لِلاِخْتِيَارِ دُونَ إِعْدَامِهِ، فَلأِنَّ الاِخْتِيَارَ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ بِتَرْجِيحٍ مِنَ الْفَاعِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَزُولُ بِالإْكْرَاهِ، فَالْمُكْرَهُ يُوقِعُ الْفِعْلَ بِقَصْدِهِ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ تَارَةً يَكُونُ صَحِيحًا سَلِيمًا، إِذَا كَانَ مُنْبَعِثًا عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَتَارَةً يَكُونُ فَاسِدًا، إِذَا كَانَ ارْتِكَابًا لأِخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كِلاَهُمَا شَرٌّ، فَفَعَلَ أَقَلَّهُمَا ضَرَرًا بِهِ، فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ لِمَا فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، بَلِ اخْتِيَارًا فَاسِدًا.
وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ: الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ، كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَالضَّرْبِ الَّذِي لاَ يُخْشَى مِنْهُ الْقَتْلُ أَوْ تَلَفُ بَعْضِ الأْعْضَاءِ.
وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لاَ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ اضْطِرَارِ الْمُكْرَهِ إِلَى الإْتْيَانِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ مَا هُدِّدَ بِهِ بِخِلاَفِ النَّوْعِ الأْوَّلِ.
أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُقَسِّمُوا الإْكْرَاهَ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الإْكْرَاهُ وَمَا لاَ يَتَحَقَّقُ، وَمِمَّا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يُؤْخَذُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ بِمَا سَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَمَّا مَا يُسَمَّى بِالإْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَعَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأْخْرَى لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ، فَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي لاَ يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: الْكُفْرُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالْمَعْصِيَةُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ، كَالْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ، وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ لَهَا زَوْجٌ، وَسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ صَحَابِيٍّ، أَوْ قَذْفٍ لِمُسْلِمٍ.
وَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: شُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالطَّلاَقُ وَالأْيْمَانُ وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالآْثَارِ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ:
هَذَا الأْثَرُ مَوْضِعُ خِلاَفٍ، بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِاخْتِلاَفِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ الإْكْرَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الإْقْرَارَاتِ، كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ إِبْطَالَ الإْقْرَارِ وَإِلْغَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ. فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِمَالٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ طَلاَقٍ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَاطِلاً، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، لأِنَّ الإْقْرَارَ إِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّرْجِيحُ مَعَ الإْكْرَاهِ، إِذْ هُوَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لاَ يَقْصِدُ بِإِقْرَارِهِ الصِّدْقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُدِّدَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ فِيهَا إِفْسَادَهَا لاَ إِبْطَالَهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، حَسَبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لاَزِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْمُكْرَهُ الثَّمَنَ، أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُهُ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الإْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ لاَ يُعْدِمُ الاِخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ فِعْلِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ أَوِ الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ الاِرْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَإِذَنْ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى فِقْدَانِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ لاَ بُطْلاَنُهُ. وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالُوا بِصِحَّتِهِمَا مَعَ الإْكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ مُلْجِئًا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: الزَّوَاجُ وَالطَّلاَقُ وَمُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ.
وَعَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ - عِنْدَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ - قَائِمًا مَقَامَ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقَائِلِهِ قَصْدٌ إِلَى مَعْنَاهُ، كَمَا فِي الْهَازِلِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ صَحِيحَةً إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ، مَعَ انْعِدَامِ قَصْدِهِ إِلَيْهَا، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآْثَارِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأْفْعَالِ، كَالإْكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ مَنْ لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ لِغَيْرِهِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الإْكْرَاهِ وَالْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ غَيْرَ مُلْجِئٍ - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ، أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَلاَ يَحِلُّ الإْقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ. وَإِذَا أَقْدَمَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) عَلَى الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ كَانَتِ الْمَسْئُولِيَّةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، لاَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ.
وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْعَمَلِ الْمُهِينِ لِذِي الْجَاهِ - فَالأْفْعَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - أَفْعَالٌ أَبَاحَهَا الشَّارِعُ أَصَالَةً دُونَ إِكْرَاهٍ كَالأْكْلِ وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى ارْتِكَابِهَا وَجَبَ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) أَنْ يَرْتَكِبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.
ب - أَفْعَالٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ إِتْيَانَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ أَوِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ، فَالْعَقْلُ مَعَ الشَّرْعِ يُوجِبَانِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.
فَهَذِهِ يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ فِعْلُهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الإْتْيَانُ بِهَا، إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قَتْلُ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وَلاَ شَكَّ أَنَّ الإْكْرَاهَ الْمُلْجِئَ مِنَ الضَّرُورَةِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ الإْثْمَ فِيهَا. فَيُبَاحُ الْفِعْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا. وَتَنَاوُلُ الْمُبَاحِ دَفْعًا لِلْهَلاَكِ عَنِ النَّفْسِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا - وَاجِبٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا لَمْ يُحَدَّ، لأَِنَّهُ لاَ جِنَايَةَ حِينَئِذٍ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا شُرِعَ زَجْرًا عَنِ الْجِنَايَاتِ.
ج - أَفْعَالٌ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى مَاتَ، كَانَ مُثَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوِ الاِسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْإنْسَانُ عَلَى الإْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ).
وَمِنَ السُّنَّةِ مَا جَاءَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ « أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ: شَرٌّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ».
وَقَدْ أَلْحَقَ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ بِهَذَا النَّوْعِ الإْكْرَاهَ عَلَى إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَوْ صَبَرَ وَتَحَمَّلَ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ الإْتْلاَفِ عَلَى الْحَامِلِ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْفَاعِلِ، لأِنَّ فِعْلَ الإْتْلاَفِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، فَيَثْبُتُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
د - أَفْعَالٌ لاَ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، فَهَذِهِ الأْفْعَالُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْهَا ضَيَاعُ نَفْسِهِ، لأِنَّ نَفْسَ الْغَيْرِ مَعْصُومَةٌ كَنَفْسِ الْمُكْرَهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عِقَابُ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي نَوْعِ هَذَا الْعِقَابِ.
فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: إِنَّهُ الْقِصَاصُ، لأِنَّ الْقَتْلَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ عَلَى آلَةِ الْقَتْلِ.
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إِنَّهُ الدِّيَةُ، لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَامِلِ وَالْمُكْرَهِ.
وَهَذَا الْقَتْلُ يَقُومُ مَانِعًا مِنَ الإْرْثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مُكَلَّفًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ فَلاَ يَكُونُ مَانِعًا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفًا.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) فَلاَ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَ الْمُكْرَهِ وَلاَ الْمُكْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ كَأَنْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلأِنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا عَنِ الْمَقْتُولِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَمَّ إِكْرَاهٌ، لأِنَّ الْمُهَدَّدَ بِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ وَلاَ شَيْءَ مِنْ آثَارِهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي هَذَا الْقَتْلِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ لأَقْتُلَنَّكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُ مَا هُوَ الأْهْوَنُ فِي ظَنِّهِ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: يَصْبِرُ وَلاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ، لأِنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إِهْلاَكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الأْنْهُرِ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: الزِّنَا، فَإِنَّهُ لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ الإْكْرَاهِ، كَمَا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ، لأِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا لاَ تَرْتَفِعُ بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، فَإِذَا فَعَلَهُ إِنْسَانٌ تَحْتَ تَأْثِيرِ الإْكْرَاهِ كَانَ آثِمًا، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لأِثَرِ الإْكْرَاهِ، نَصُّهُ:
الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْقَوْلِ أَمِ الْفِعْلِ. وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلاً يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَكَذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:
أ - فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حِلًّا أَوْ إِقْرَارًا أَوْ يَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّخْوِيفِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى مَلأَ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) شَيْئًا مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - طَائِعًا بَعْدَ زَوَالِ الإْكْرَاهِ لَزِمَ عَلَى الأْحْسَنِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلاَ تَصِحُّ إِجَازَتُهُ.
ب - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ
صُوَرِهِ، أَوْ قَذْفِ الْمُسْلِمَ بِالزِّنَا، أَوِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ خَلِيَّةٍ (غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ)، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأْشْيَاءِ إِلاَّ فِي حَالَةِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، لاَ فِيمَا دُونَهُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ سَجْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ مُرْتَدًّا، وَيُحَدُّ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ، وَفِي الزِّنَا.
ج - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ، أَوْ عَلَى زِنًا بِمُكْرَهَةٍ، أَوْ بِامْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ، فَلاَ يَجُوزُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا لِلْقَاتِلِ مِنْ مِيرَاثِ الْمَقْتُولِ، لأِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) يُقْتَصُّ مِنْهُ أَيْضًا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.
فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ، كَالإْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَبَتْرِ الأْعْضَاءِ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ) يَخْتَارُ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ اللَّقَانِيُّ.وَإِنْ زَنَى يُحَدُّ.
د - وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ - غَيْرِ الْكُفْرِ - لاَ حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَأَكْلِهِ مَيْتَةً، أَوْ إِبْطَالِ عِبَادَةٍ كَصَلاَةٍ وَصَوْمٍ، أَوْ عَلَى تَرْكِهَا فَيَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الصَّلاَةِ يَكُونُ الإْكْرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، وَلاَ يَسْقُطُ وُجُوبُهَا. وَفِي شُرْبِ الْخَمْرِ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ.
وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِهَذَا النَّوْعِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، خِلاَفًا لِلْمَذْهَبِ.
وَيُضِيفُ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالإْكْرَاهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ لأِنَّهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.
أ - الإْكْرَاهُ بِالْقَوْلِ:
إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حَلًّا أَوْ أَيَّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَمَلاً بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ » إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ رَفْعَ مَا وَقَعَ لِمَكَانِ الاِسْتِحَالَةِ، وَإِنَّمَا رَفْعُ حُكْمِهِ، مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْعُمُومُ فِي مَوْضِعِ دَلاَلَتِهِ. وَبِمُقْتَضَى أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ يُقَرِّرُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِلاَّ فِي الصَّلاَةِ فَتَبْطُلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلاَ يَجِبُ، بَلِ الأْفْضَلُ الاِمْتِنَاعُ مُصَابَرَةً عَلَى الدِّينِ وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ.
وَفِي طَلاَقِ زَوْجَةِ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) أَوْ بَيْعِ مَالِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ فِيهِ إِذْنًا - أَبْلَغُ.
وَالإْكْرَاهُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، وَفِي الإْكْرَاهِ بِالْحُكْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، فَلاَ يَرْتَفِعُ الإْثْمُ عَنْ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلاَ عَنِ الْحَاكِمِ الْبَاطِلِ، وَحُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ حُكْمُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)
ب - الإْكْرَاهُ بِالْفِعْلِ:
لاَ أَثَرَ لِلإْكْرَاهِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلاَّ فِيمَا يَأْتِي:
(1) الْفِعْلُ الْمُضَمِّنُ كَالْقَتْلِ أَوْ إِتْلاَفِ الْمَالِ أَوِ الْغَصْبِ، فَعَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)،وَإِنْ قِيلَ: لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) بِمَا غَرِمَ فِي إِتْلاَفِ الْمَالِ، لأِنَّهُ افْتَدَى بِالإْتْلاَفِ نَفْسَهُ عَنِ الضَّرَرِ. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ: فَيُقْتَلُ هُوَ - الْمُكْرَهُ - (بِالْفَتْحِ) وَمَنْ أَكْرَهَهُ.
(2) الزِّنَا وَمَا إِلَيْهِ: يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ)
بِالزِّنَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ حُكْمُهُ.
(3) الرَّضَاعُ: فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فِي الْمُنَاكَحَاتِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا.
(4) كُلُّ فِعْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بُطْلاَنُ الصَّلاَةِ، كَالتَّحَوُّلِ عَنِ الْقِبْلَةِ، وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَتَرْكِ قِيَامِ الْقَادِرِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالْحَدَثِ، فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِمَا تَقَدَّمَ بِرَغْمِ الإْكْرَاهِ عَلَيْهِ.
(5) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ: تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الَّذِي تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) مَجُوسِيًّا، أَوْ مُحْرِمًا وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ الإْكْرَاهَ يُسَاوِي النِّسْيَانَ، فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ، إِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ، فَلاَ يَسْقُطُ تَدَارُكُهُ، وَلاَ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الإْتْلاَفِ، فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ، إِلاَّ الْقَتْلَ عَلَى الأْظْهَرِ.
أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:
أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ تَقَعُ بَاطِلَةً مَعَ الإْكْرَاهِ إِلاَّ النِّكَاحَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإْكْرَاهِ، قِيَاسًا لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِلِ.وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ مَعَ الإْكْرَاهُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ « لاَ طَلاَقَ فِي إِغْلاَقٍ »، وَالإْكْرَاهُ مِنَ الإْغْلاَقِ.
ب - وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لاَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، وَمَتَى زَالَ عَنْهُ الإْكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إِسْلاَمِهِ، وَالأْفْضَلُ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَصْبِرَ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الإْسْلاَمِ مَنْ لاَ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَأَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الإْسْلاَمِ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلاَمِهِ طَوْعًا.
أَمَّا مَنْ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ عَلَى الإْسْلاَمِ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ فَأَسْلَمَ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا.
ج - وَالإْكْرَاهُ يُسْقِطُ الْحُدُودَ عَنِ الْمُكْرَهِ، لأِنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ
د - وَإِذَا أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ صَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَحَبَّ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ أَحَدِهِمَا، وَأَخْذَ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنَ الآْخَرِ أَوِ الْعَفْوَ فَلَهُ ذَلِكَ.وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ.
وَالْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.
فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) فَإِنَّهُ
يَكُونُ هَدَرًا، وَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ دِيَةَ وَلاَ قِصَاصَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
أَثَرُ إِكْرَاهِ الصَّبِيِّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ:
إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ صَبِيًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ آلَةً فِي يَدِ الْمُكْرِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ.
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، اعْتُبِرَ آلَةً عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ.
وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ). وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، لاَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، لأَِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ، وَالْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) شَرِيكُ الْمُخْطِئِ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 280
قَطْعُ الطَّرِيقِ الَّذِي لاَ حَدَّ فِيهِ :
قَطْعُ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِ مِنْ جَرَائِمِ الْحُدُودِ، يَجِبُ لِكَيْ يَكُونَ فِيهِ الْحَدُّ أَنْ تَتَوَافَرَ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ، وَإِلاَّ فَلاَ يُقَامُ الْحَدُّ، وَيُعَزَّرُ الْجَانِي مَا دَامَ قَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا.
وَمِنَ الشُّرُوطِ: أَنْ يَكُونَ الْجَانِي بَالِغًا، ذَكَرًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، وَأَنْ تَكُونَ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ صَحِيحَةً، وَأَنْ لاَ يَكُونَ فِي الْقُطَّاعِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ لأِحَدِ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ فِيهِ مَالاً مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا مَمْلُوكًا، لاَ مِلْكَ فِيهِ لِلْقَاطِعِ، وَلاَ شُبْهَةَ مِلْكٍ، مُحَرَّزًا، نِصَابًا، وَأَنْ يَكُونَ قَطْعُ الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (حِرَابَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 48
التَّغْرِيبُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ:
وَرَدَ النَّفْيُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ فِي قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ).
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالنَّفْيِ فِي الآْيَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ الْحَبْسُ؛ لأِنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الأْرْضِ مُحَالٌ، وَإِلَى بَلَدٍ آخَرَ فِيهِ إِيذَاءٌ لأَِهْلِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْحَبْسُ، وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنَ الأْرْضِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِطَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَلاَ يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحْبَابِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ مِثْلُ التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَى، وَلَكِنَّهُ يُسْجَنُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ - إِذَا أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا أَوْ يَأْخُذَ مَالاً - يُعَزَّرُ بِالْحَبْسِ أَوِ التَّغْرِيبِ. وَقَالُوا: هَذَا تَفْسِيرُ النَّفْيِ الْوَارِدِ فِي الآْيَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ تَشْرِيدُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي الأْرْضِ، وَعَدَمُ تَرْكِهِمْ يَأْوُونَ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع عشر ، الصفحة / 153
حِرَابَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الْحِرَابَةُ مِنَ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ نَقِيضُ السِّلْمِ: يُقَالُ: حَارَبَهُ مُحَارَبَةً، وَحِرَابًا، أَوْ مِنَ الْحَرَبِ.
بِفَتْحِ الرَّاءِ: وَهُوَ السَّلْبُ.
يُقَالُ: حَرَبَ فُلاَنًا مَالَهُ أَيْ سَلَبَهُ فَهُوَ مَحْرُوبٌ وَحَرِيبٌ.
وَالْحِرَابَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ وَتُسَمَّى قَطْعَ الطَّرِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ هِيَ الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ، أَوْ لِقَتْلٍ، أَوْ لإِرْعَابٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ مُكَابَرَةً، اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ مُحَاوَلَةَ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الْعِرْضِ مُغَالَبَةً.
وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ كَابَرَ رَجُلاً عَلَى مَالِهِ بِسِلاَحٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي زُقَاقٍ أَوْ دَخَلَ عَلَى حَرِيمِهِ فِي الْمِصْرِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحِرَابَةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَغْيُ:
الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ: الْجَوْرُ، وَالظُّلْمُ، وَالْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الشَّرْعِيِّ: هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ إِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ مَقْطُوعِ الْفَسَادِ.
وَفَرَّقَ الإْمَامُ مَالِكٌ بَيْنَ الْحِرَابَةِ وَالْبَغْيِ بِقَوْلِهِ: الْبَغْيُ يَكُونُ بِالْخُرُوجِ عَلَى تَأْوِيلٍ - غَيْرِ قَطْعِيِّ الْفَسَادِ - وَالْمُحَارِبُونَ خَرَجُوا فِسْقًا وَخُلُوعًا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلٍ.
ب - السَّرِقَةُ:
السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَخْذُهُ خُفْيَةً ظُلْمًا فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ فِي بَابِهَا.
فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِرَابَةَ فِيهَا مُجَاهَرَةٌ وَمُكَابَرَةٌ وَسِلاَحٌ.
الأْصْلُ فِي جَزَاءِ الْحِرَابَةِ:
الأْصْلُ فِي بَيَانِ جَزَاءِ الْحِرَابَةِ قوله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْض ( إِلَخْ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا فِي الصُّفَّةِ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِنَا رِسْلاً، فَقَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الصَّرِيخُ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ وَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
مَنْ يُعْتَبَرُ مُحَارِبًا:
الْمُحَارِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ كُلُّ مُلْتَزِمٍ مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَالَ بِقُوَّةٍ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَعْرِيفَاتٌ أُخْرَى لاَ تَخْرُجُ فِي مَفْهُومِهَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.
وَلاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِ شُرُوطٍ فِي الْمُحَارِبِينَ حَتَّى يُحَدُّوا حَدَّ الْحِرَابَةِ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْجُمْلَةِ هِيَ:
أ - الاِلْتِزَامُ.
ب - التَّكْلِيفُ.
ج - وُجُودُ السِّلاَحِ مَعَهُمُ.
د - الْبُعْدُ عَنِ الْعُمْرَانِ.
هـ - الذُّكُورَةُ.
و - الْمُجَاهَرَةُ.
وَلَمْ يَتَّفِقِ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا، بَلْ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِهَا اخْتِلاَفٌ بَيَانُهُ كَمَا يَلِي:
أ - الاِلْتِزَامُ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ: أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا، فَلاَ يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ، وَلاَ الْمُعَاهَدُ، وَلاَ الْمُسْتَأْمَنُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) وَهَؤُلاَءِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَبَعْدَهَا، ولقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (وَلِخَبَرِ: «الإْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ».وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَقَدِ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ فَلَهُ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا.
وَظَاهِرُ عِبَارَةِ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ فِي أَحْكَامِ الْحِرَابَةِ. وَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ
فَقَدْ وَقَعَ الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ يَكُونُ مُحَارِبًا أَوْ لاَ.
ب - التَّكْلِيفُ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ شَرْطَانِ فِي عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ لأِنَّهُمَا شَرْطَا التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَنْ اشْتَرَكَ مَعَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ. وَقَالُوا: لأِنَّهَا شُبْهَةٌ اخْتُصَّ بِهَا وَاحِدٌ فَلَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْبَاقِينَ. كَمَا لَوِ اشْتَرَكُوا فِي الزِّنَى بِامْرَأَةٍ.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ شَرِيكَ الصَّبِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَحَصَرُوا مُسْقِطَاتِ الْحَدِّ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي تَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مُسْقِطًا آخَرَ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ رَجُلٌ هَارِبًا وَقَتَلَهُ صَبِيٌّ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ عِنْدَهُمْ.وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ شَرِيكَ الصَّبِيِّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ يُحَدُّ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ فِي الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِ الْمَارَّةِ فَلاَ حَدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَاشَرَ الْعُقَلاَءُ الْفِعْلَ أَمْ لَمْ يُبَاشِرُوا، وَقَالُوا: لأِنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضُ الْعِلَّةِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْحُكْمُ. وَقَالَ وَأَبُو يُوسُفَ: إِذَا بَاشَرَ الْعُقَلاَءُ الْفِعْلَ يُحَدُّونَ.
ج - الذُّكُورَةُ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الذُّكُورَةُ.
فَلَوِ اجْتَمَعَ نِسْوَةٌ لَهُنَّ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ فَهُنَّ قَاطِعَاتُ طَرِيقٍ وَلاَ تَأْثِيرَ لِلأْنُوثَةِ عَلَى الْحِرَابَةِ، فَقَدْ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالتَّدْبِيرِ مَا لِلرَّجُلِ فَيَجْرِي عَلَيْهَا مَا يَجْرِي عَلَى الرَّجُلِ مِنْ أَحْكَامِ الْحِرَابَةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الذُّكُورَةُ: فَلاَ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَإِنْ وَلِيَتِ الْقِتَالَ وَأَخْذَ الْمَالِ، لأِنَّ رُكْنَ الْحِرَابَةِ هُوَ: الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ وَالْمُغَالَبَةِ وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ عَادَةً لِرِقَّةِ قُلُوبِهِنَّ وَضَعْفِ بِنْيَتِهِنَّ، فَلاَ يَكُنَّ مِنْ أَهْلِ الْحِرَابَةِ.
وَلِهَذَا لاَ يُقْتَلْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلاَ يُحَدُّ كَذَلِكَ
مَنْ يُشَارِكُهُنَّ فِي الْقَطْعِ مِنَ الرِّجَالِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. سَوَاءٌ بَاشَرُوا الْجَرِيمَةَ أَمْ لَمْ يُبَاشِرُوا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا بَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ الْقِتَالَ وَأَخْذَ الْمَالِ، يُحَدُّ الرِّجَالُ الَّذِينَ يُشَارِكُونَهَا، لأِنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِعَدَمِ الأْهْلِيَّةِ، لأِنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، بَلْ لِعَدَمِ الْمُحَارَبَةِ عَادَةً، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يُشَارِكُونَهَا، فَلاَ يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ.
د - السِّلاَحُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ السِّلاَحِ فِي الْمُحَارِبِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُحَارِبِ سِلاَحٌ، وَالْحِجَارَةُ وَالْعِصِيُّ سِلاَحٌ «هُنَا» فَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلنَّاسِ بِالْعِصِيِّ وَالأَْحْجَارِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ.
وَلاَ يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمْلَ السِّلاَحِ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَوْ بِاللَّكْزِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ.
هـ - الْبُعْدُ عَنِ الْعُمْرَانِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْبُعْدُ عَنِ الْعُمْرَانِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فَقْدُ الْغَوْثِ.
وَلِفَقْدِ الْغَوْثِ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ، وَلاَ يَنْحَصِرُ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْعُمْرَانِ.
فَقَدْ يَكُونُ لِلْبُعْدِ عَنِ الْعُمْرَانِ أَوِ السُّلْطَانِ.
وَقَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ أَهْلِ الْعُمْرَانِ، أَوْ لِضَعْفِ السُّلْطَانِ.
فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ بَيْتًا وَشَهَرُوا السِّلاَحَ وَمَنَعُوا أَهْلَ الْبَيْتِ مِنَ الاِسْتِغَاثَةِ فَهُمْ قُطَّاعُ طُرُقٍ فِي حَقِّهِمْ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ إِذَا وُجِدَ فِي الْعُمْرَانِ وَالأْمْصَارِ وَالْقُرَى كَانَ أَعْظَمَ خَوْفًا وَأَكْثَرَ ضَرَرًا، فَكَانَ أَوْلَى بِحَدِّ الْحِرَابَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْبُعْدِ عَنِ الْعُمْرَانِ. فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمُ الإْرْعَابُ وَأَخْذُ الْمَالِ فِي الْقُرَى وَالأْمْصَارِ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ، وَقَالُوا: لأِنَّ الْوَاجِبَ يُسَمَّى حَدَّ قُطَّاعِ الطُّرُقِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلأِنَّ مَنْ فِي الْقُرَى وَالأْمْصَارِ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ غَالِبًا فَتَذْهَبُ شَوْكَةُ الْمُعْتَدِينَ، وَيَكُونُونَ مُخْتَلِسِينَ وَهُوَ لَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ.
و - الْمُجَاهَرَةُ:
الْمُجَاهَرَةُ أَنْ يَأْخُذَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ الْمَالَ جَهْرًا فَإِنْ أَخَذُوهُ مُخْتَفِينَ فَهُمْ سُرَّاقٌ، وَإِنِ اخْتَطَفُوا وَهَرَبُوا فَهُمْ مُنْتَهِبُونَ وَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ إِنْ خَرَجَ الْوَاحِدُ، وَالاِثْنَانِ عَلَى آخِرِ قَافِلَةٍ، فَاسْتَلَبُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ لأِنَّهُمْ لاَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ. وَإِنْ تَعَرَّضُوا لِعَدَدٍ يَسِيرٍ فَقَهَرُوهُمْ، فَهُمْ قُطَّاعُ طُرُقٍ.
حُكْمُ الرِّدْءِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرِّدْءِ أَيْ الْمُعِينِ لِلْقَاطِعِ بِجَاهِهِ أَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ أَوْ بِتَقْدِيمِ أَيِّ عَوْنٍ لَهُمْ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْقَطْعَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، لأِنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ، وَلأِنَّ مِنْ عَادَةِ الْقُطَّاعِ أَنْ يُبَاشِرَ الْبَعْضُ، وَيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْبَعْضُ الآْخَرُ، فَلَوْ لَمْ يُلْحَقِ الرِّدْءُ بِالْمُبَاشِرِ
فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُحَدُّ الرِّدْءُ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ كَسَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا.
عُقُوبَةُ الْمُحَارِبِينَ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ عُقُوبَةَ الْمُحَارِبِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لاَ تَقْبَلُ الإِِْسْقَاطَ وَلاَ الْعَفْوَ مَا لَمْ يَتُوبُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.
وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ: أَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَمْ عَلَى التَّنْوِيعِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ «أَوْ» فِي الآْيَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الأْحْكَامِ، وَتَوْزِيعِهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا فِي الْجِنَايَاتِ:
فَمَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، قُتِلَ وَصُلِبَ. وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى.
وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَقْتُلْ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً نُفِيَ مِنَ الأْرْضِ.
وَالنَّفْيُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَعْزِيرٌ وَلَيْسَ حَدًّا، فَيَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِغَيْرِهِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ إِنْ رَأَى الإْمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالُوا: بِهَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الآْيَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى: أَنْ يُقَتَّلُوا إِنْ قَتَلُوا. أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ الْقَتْلِ إِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ. أَوْ تُقَطَّعُ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ، إِنِ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ، إِنْ أَرْعَبُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا وَلَمْ يَقْتُلُوا، وَحَمَلُوا كَلِمَةَ «أَوْ» عَلَى التَّنْوِيعِ لاَ التَّخْيِيرِ، كَمَا فِي قوله تعالى: ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ: كُونُوا هُودًا وَقَالَتِ النَّصَارَى: كُونُوا نَصَارَى وَلَمْ يَقَعْ تَخْيِيرُهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّة.
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِجْرَاءُ الآْيَةِ عَلَى ظَاهِرِ التَّخْيِيرِ فِي مُطْلَقِ الْمُحَارِبِ لأِمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ: أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ، يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الْجِنَايَةِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا بِمُقْتَضَى
الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى: ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) فَالتَّخْيِيرُ فِي جَزَاءِ الْجِنَايَةِ الْقَاصِرَةِ بِمَا يَشْمَلُ جَزَاءَ الْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَفِي الْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ بِمَا يَشْمَلُ جَزَاءَ الْجِنَايَةِ الْقَاصِرَةِ خِلاَفُ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ.
يَزِيدُ هَذَا إِجْمَاعُ الأْمَّةِ عَلَى أَنَّ قُطَّاعَ الطُّرُقِ إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ، لاَ يَكُونُ جَزَاؤُهُمُ الْمَعْقُولُ النَّفْيَ وَحْدَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ التَّخْيِيرِ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّخْيِيرَ الْوَارِدَ فِي الأْحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَرْفِ التَّخْيِيرِ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهِ إِذَا كَانَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَاحِدًا كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ السَّبَبُ مُخْتَلِفًا، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ التَّخْيِيرَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي نَفْسِهِ.
وَقَطْعُ الطَّرِيقِ مُتَنَوِّعٌ، وَبَيْنَ أَنْوَاعِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْجَرِيمَةِ، فَقَدْ يَكُونُ بِأَخْذِ الْمَالِ فَقَطْ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقَتْلِ لاَ غَيْرُ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الأْمْرَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّخْوِيفِ فَحَسْبُ، فَكَانَ سَبَبُ الْعِقَابِ مُخْتَلِفًا. فَتُحْمَلُ الآْيَةُ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ فَيُقَتَّلُونَ وَيُصَلَّبُونَ إِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ، وَتُقَطَّعُ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ إِنْ أَخَذُوا الْمَالَ لاَ غَيْرُ، وَيُنْفَوْنَ مِنَ الأْرْضِ، إِنْ أَخَافُوا الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا نَفْسًا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: بَدَأَ بِالأْغْلَظِ فَالأْغْلَظِ وَالْمَعْهُودُ مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ، الْبُدَاءَةُ بِالأْخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ التَّرْتِيبُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالأْغْلَظِ فَالأْغْلَظِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَخَذَ قَبْلَ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ حُبِسَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ حَتَّى يَتُوبَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الآْيَةِ، وَإِنْ أَخَذَ مَالاً مَعْصُومًا بِمِقْدَارِ النِّصَابِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ، وَإِنْ قَتَلَ مَعْصُومًا وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً قُتِلَ. أَمَّا إِنْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ، وَهُوَ الْمُحَارِبُ الْخَاصُّ فَالإْمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ فَقَطْ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلْبِ هُنَا طَعْنُهُ وَتَرْكُهُ حَتَّى يَمُوتَ وَلاَ يُتْرَكُ أَكْثَر مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ إِفْرَادُ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ انْضِمَامِ الْقَتْلِ أَوِ الصَّلْبِ إِلَيْهِ، لأِنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ وَأَخْذُ مَالٍ، وَالْقَتْلُ وَحْدَهُ فِيهِ الْقَتْلُ، وَأَخْذُ الْمَالِ وَحْدَهُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَفِيهِمَا مَعَ الإْخَافَةِ لاَ يُعْقَلُ الْقَطْعُ وَحْدَهُ. وَقَالَ: صَاحِبَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: يُصْلَبُونَ وَيُقْتَلُونَ وَلاَ يُقْطَعُونَ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ الآْيَةَ تَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْجَزَاءَاتِ الأْرْبَعَةِ.
فَإِذَا خَرَجُوا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَدَرَ عَلَيْهِمُ الإْمَامُ، خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَيْ هَذِهِ الأْحْكَامَ إِنْ رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الإْمَامُ مَالِكٌ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
وَهُوَ إِنْ قَتَلَ فَلاَ بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ، إِلاَّ إِنْ رَأَى الإْمَامُ أَنَّ فِي إِبْقَائِهِ مَصْلَحَةً أَعْظَمَ مِنْ قَتْلِهِ.
وَلَيْسَ لَهُ تَخْيِيرٌ فِي قَطْعِهِ، وَلاَ نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ. وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ لاَ تَخْيِيرَ فِي نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلاَفٍ، وَإِنْ أَخَافَ السَّبِيلَ فَقَطْ فَالإْمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ، بِاعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ. هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ تُصْلَبُ، وَلاَ تُنْفَى، وَإِنَّمَا حَدُّهَا: الْقَطْعُ مِنْ خِلاَفٍ، أَوِ الْقَتْلُ الْمُجَرَّدُ وَاسْتَدَلُّوا بِظَاهِرِ الآْيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ بِكَلِمَةِ «أَوْ» وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّخْيِيرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ «أَوْ» فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ.
كَيْفِيَّةُ تَنْفِيذِ الْعُقُوبَةِ:
أ - (النَّفْيُ):
18 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً وَلَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا فَعُقُوبَتُهُ النَّفْيُ مِنَ الأْرْضِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نَفْيُهُ حَبْسُهُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ: إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ إِبْعَادُهُ عَنْ بَلَدِهِ إِلَى مَسَافَةِ الْبُعْدِ وَحَبْسُهُ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْحَبْسُ أَوْ غَيْرُهُ كَالتَّغْرِيبِ كَمَا فِي الزِّنَى.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: نَفْيُهُمْ: أَنْ يُشَرَّدُوا فَلاَ يُتْرَكُوا يَسْتَقِرُّونَ فِي بَلَدٍ.
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ كَنَفْيِ الزَّانِي.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا تُغَرَّبُ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِعُمُومِ النَّصِّ ( أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ).
وَاشْتَرَطُوا لِتَغْرِيبِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا مَحْرَمُهَا فَإِِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَحْرَمُهَا فَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تُغَرَّبُ إِلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِتَقْرَبَ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْفَظُوهَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُؤَخَّرُ التَّغْرِيبُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَغْرِيبَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلاَ صَلْبَ.
ب - الْقَتْلُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُغَلَّبُ فِي قَتْلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، إِذَا قَتَلَ فَقَطْ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّهُ يُغَلَّبُ الْحَدُّ، فَيُقْتَلُ وَإِنْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ، وَلاَ يُشْتَرَطُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، فَيَقْتُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، كَمَا لاَ عِبْرَةَ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْقَوَدِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لأِحْمَدَ: يُغَلَّبُ جَانِبُ الْقِصَاصِ لأِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ فَيُقْتَلُ قِصَاصًا أَوَّلاً، فَإِذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ
الْقِصَاصِ عَنْهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَيُشْتَرَطُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، لِخَبَرِ: «لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»وَعَلَى هَذَا إِذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوِ الْحُرُّ غَيْرَ حُرٍّ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً، لَمْ يَقْتُلْ قِصَاصًا، وَيَغْرَمُ دِيَةَ الذِّمِّيِّ، وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ.
ج - الْقَطْعُ مِنْ خِلاَفٍ:
يُرَاعَى فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ مَا يُرَاعَى فِي قَطْعِ السَّارِقِ.وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (سَرِقَةٌ).
د - الصَّلْبُ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ الصَّلْبِ، وَمُدَّتِهِ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: يُصْلَبُ حَيًّا، وَيُقْتَلُ مَصْلُوبًا.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُتْرَكُ مَصْلُوبًا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُحَدَّدُ مُدَّةُ الصُّلْبِ بِاجْتِهَادِ الإْمَامِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا لِلتَّشْهِيرِ بِهِ ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُقْتَلُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ: يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْقَتْلَ عَلَى الصَّلْبِ لَفْظًا. فَيَجِبُ تَقْدِيمُ مَا ذُكِرَ أَوَّلاً فِي الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ).وَلأِنَّ فِي صَلْبِهِ حَيًّا تَعْذِيبًا لَهُ.وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإْحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ».
وَعَلَى هَذَا الرَّأْيِ: يُقْتَلُ، ثُمَّ يُغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَيُتْرَكُ مَصْلُوبًا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلاَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ مَا يَتَّصِلُ بِالصَّلْبِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَصْلِيبٌ).
ضَمَانُ الْمَالِ وَالْجِرَاحَاتِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ:
إِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى الْمُحَارِبِ، فَهَلْ يُضْمَنُ مَا أَخَذَهُ مِنَ الْمَالِ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْجِرَاحَاتِ ؟ اخْتَلَفَ الأْئِمَّةُ فِي ذَلِكَ:
فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالاً وَأُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ ضَمِنُوا الْمَالَ مُطْلَقًا.
ثُمَّ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ، لاَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الأْخْذَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالُوا: لأِنَّ وُجُودَ الضَّمَانِ لَيْسَ بِحَدٍّ فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُبَاشِرِ لَهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنًا لِلْمَالِ الْمَأْخُوذِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ لأَنَّهُمْ كَالْحُمَلاَءِ (الْكُفَلاَءِ) فَكُلُّ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أُخِذَ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِتَقَوِّي بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَمَنْ دَفَعَ أَكْثَر مِمَّا أَخَذَ يَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ.
أَمَّا الْجِرَاحَاتُ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا جَرَحَ جَرْحًا فِيهِ قَوَدٌ فَانْدَمَلَ لَمْ يَتَحَتَّمْ بِهِ قِصَاصٌ فِي الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بَلْ يُتَخَيَّرُ الْمَجْرُوحُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لأِنَّ التَّحَتُّمَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَاخْتُصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ، وَلأِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَرْعِ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْمُحَارِبِ بِالْجِرَاحِ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لأِحْمَدَ: يَتَحَتَّمُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالنَّفْسِ لأِنَّ الْجِرَاحَ تَابِعَةٌ لِلْقَتْلِ فَيَثْبُتُ فِيهَا مِثْلُ حُكْمِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِيَّةِ: يَتَحَتَّمُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لأِنَّهُمَا مِمَّا يَسْتَحِقَّانِ فِي الْمُحَارَبَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
أَمَّا إِذَا سَرَى الْجُرْحُ إِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ يَتَحَتَّمُ الْقَتْلُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالاً وَأُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا رَدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا لاَ يَضْمَنُونَهُ، لأِنَّهُ لاَ يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ سَوَاءٌ كَانَتْ خَطَأً أَمْ عَمْدًا، لأِنَّهُ إِذَا كَانَتْ خَطَأً، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الأْمْوَالِ، وَلاَ يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ مَعَ إِقَامَةِ الْحَدِّ فَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ.
مَا تَثْبُتُ بِهِ الْحِرَابَةُ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ جَرِيمَةَ الْحِرَابَةِ تَثْبُتُ قَضَاءً بِالإْقْرَارِ، أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرُّفْقَةِ فِي الْحِرَابَةِ، فَإِذَا شَهِدَ عَلَى
الْمُحَارِبِ اثْنَانِ مِنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لأِنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ بَحَثَ لَمْ يَلْزَمْهُمُ الإْجَابَةُ، أَمَّا إِذَا تَعَرَّضُوا لأِنْفُسِهِمَا بِأَنْ يَقُولاَ: قَطَعُوا عَلَيْنَا الطَّرِيقَ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَنَا لَمْ يُقْبَلاَ، لاَ فِي حَقِّهِمَا وَلاَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِلْعَدَاوَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتُقْبَلُ عِنْدَهُ فِي الْحِرَابَةِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ. حَتَّى لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى رَجُلٍ اشْتُهِرَ بِالْحِرَابَةِ أَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَهِرُ بِالْحِرَابَةِ تَثْبُتُ الْحِرَابَةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهُ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (شَهَادَةٌ وَإِقْرَارٌ).
سُقُوطُ عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ:
يَسْقُطُ حَدُّ الْحِرَابَةِ عَنِ الْمُحَارِبِينَ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ فِي شَأْنِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَقًّا لِلَّهِ، وَهُوَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ مِنْ خِلاَفٍ، وَالنَّفْيِ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْحَدَّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.
أَمَّا حُقُوقُ الآْدَمِيِّينَ فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. فَيَغْرَمُونَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إِذَا قَتَلُوا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَلاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْحَقِّ فِي مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 92
حُكْمُ الرَّبِيئَةِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ:
الرَّبِيئَةُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (الْحِرَابَةِ) فَيُقْتَلُ مَعَ الْمُحَارِبِينَ إِذَا حَصَلَ الْقَتْلُ وَلَوْ بَاشَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ الْمُحَارَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَنَعَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ، وَمِنْ عَادَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُبَاشَرَةُ مِنَ الْبَعْضِ وَالإْعَانَةُ مِنَ الْبَعْضِ الآْخَرِ. بِخِلاَفِ سَائِرِ الْحُدُودِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ مَنْ كَانَ رَبِيئَةً لِلَّذِينَ قَتَلُوا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ أَعَانَ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ أَوْ كَثَّرَ جَمْعَهُمْ بِالْحُضُورِ أَوْ كَانَ عَيْنًا لَهُمْ، وَلَمْ يُبَاشِرْ بِنَفْسِهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.
(ر: قَطْعُ الطَّرِيقِ).
قَاطِعُ الطَّرِيقِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، وَكَانَ الْمَالُ الَّذِي أَخَذَهُ بِمِقْدَارِ مَا تُقْطَعُ بِهِ يَدُ السَّارِقِ، فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى؛ لقوله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْوَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ) وَبِهَذَا تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الآْيَةِ، وَهِيَ أَرْفَقُ بِهِ فِي إِمْكَانِ مَشْيِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإْمَامَ مُخَيَّرٌ، فَيَحْكُمُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ، سَوَاءٌ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، أَمْ قَتَلَ فَقَطْ، أَوْ أَخَذَ الْمَالَ فَقَطْ، أَمْ خَوَّفَ دُونَ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْخُذَ الْمَالَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (حِرَابَة).
أ - الرِّدْءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (الْحِرَابَةِ):
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّ الرِّدْءَ أَيِ الْمُعِينَ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، فَإِنْ بَاشَرَ أَحَدُهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ بِأَجْمَعِهِمْ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمْ يُقْتَلُ هُوَ وَالآْخَرُونَ؛ لأِنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ؛ وَلأَنَّ الْمُحَارَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَنَعَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ، وَمِنْ عَادَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُبَاشَرَةُ مِنَ الْبَعْضِ وَالإْعَانَةُ مِنَ الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَلاَ يَتَمَكَّنُ الْمُبَاشِرُ مِنْ فِعْلِهِ إِلاَّ بِقُوَّةِ الرِّدْءِ، فَلَوْ لَمْ يَلْحَقِ الرِّدْءُ بِالْمُبَاشِرِ لأََدَّى ذَلِكَ إِلَى انْفِتَاحِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُبَاشِرُ وَالرِّدْءُ كَالْغَنِيمَةِ، وَنَصَّ الدُّسُوقِيُّ عَلَى أَنَّ الرِّدْءَ يَشْمَلُ مَنْ يَتَقَوَّى الْمُحَارِبُونَ بِجَاهِهِ، إِذْ لَوْلاَ جَاهُهُ مَا تَجَرَّأَ الْقَاتِلُ عَلَى الْقَتْلِ، فَجَاهُهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْقَتْلِ حُكْمًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ أَعَانَ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ أَوْ كَثَّرَ جَمْعَهُمْ بِالْحُضُورِ، أَوْ كَانَ عَيْنًا لَهُمْ وَلَمْ يُبَاشِرْ بِنَفْسِهِ، بَلْ يُعَزَّرُ بِالْحَبْسِ وَالنَّفْيِ وَغَيْرِهِمَا.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (حِرَابَة).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 153
اشْتِرَاطُ حَمْلِ السِّلاَحِ لِحَدِّ الْحِرَابَةِ (قَطْعُ الطَّرِيقِ):
يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الَّذِي يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سِلاَحٌ، وَالْحِجَارَةُ وَالْعَصَا سِلاَحٌ هُنَا، فَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلنَّاسِ بِالْعِصِيِّ وَالأْحْجَارِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ.
وَلاَ يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمْلَ السِّلاَحِ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَوْ بِالْكَسْرِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ، أَيْ: بِالْكَفِّ مَقْبُوضَةً.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 260
قَطْعُ الرِّجْلِ مِنَ الْكَعْبِ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ:
ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَطْعِ رِجْلِ السَّارِقِ هُوَ مَفْصِلُ الْكَعْبِ، وَفَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه ذَلِكَ.
وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَيُتْرَكُ لَهُ الْعَقِبُ؛ لأِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ.
وَيُرَاعَى فِي كَيْفِيَّةِ قَطْعِ رِجْلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ مَا يُرَاعَى فِي قَطْعِ السَّارِقِ.
ر: (حِرَابَةٌ ف 20، وَسَرِقَةٌ ف 66).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 359
الْمُكَابَرَةُ وَحَدُّ السَّرِقَةِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ السَّارِقِ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَابَرَةِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَابَرَ إِنْسَانًا لَيْلاً حَتَّى سَرَقَ مَتَاعَهُ لَيْلاً فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ لأَِنَّ سَرِقَتَهُ قَدْ تَمَّتْ حِينَ كَابَرَهُ لَيْلاً فَإِنَّ الْغَوْثَ بِاللَّيْلِ قَلَّ مَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ تَمَكُّنُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَالسَّارِقُ قَدِ اسْتَخْفَى فِعْلُهُ مِنَ النَّاسِ بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ مَالاً فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ اسْتِحْسَانًا لأَِنَّ الْغَوْثَ فِي الْمِصْرِ بِالنَّهَارِ يَلْحَقُهُ عَادَةً فَالآْخِذُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ غَيْرَ مُسْتَخْفٍ لَهُ، وَذَلِكَ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي السَّرِقَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمُكَابِرُ هُوَ الآْخِذُ لِلْمَالِ مِنْ صَاحِبِهِ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ فَلاَ قَطْعَ لأَِنَّهُ غَاصِبٌ وَالْغَاصِبُ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَابَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِهِ لَهُ مِنَ الْحِرْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِاللَّيْلِ دَارًا وَكَابَرُوا وَمَنَعُوا صَاحِبَ الدَّارِ مِنَ الاِسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 297
اللَّيْلُ:
اللَّيْلُ: فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوِ الشَّمْسِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: هُوَ مِنْ غِيَابِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوْ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
والصلة بين اليوم والليل التضاد .