loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- تنص المادة 316 مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات فى الفقرة الأولى على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تجاوز سبع سنوات على السرقات التى ترتكب فى إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية " ، لما كان ذلك ، و كانت المحكمة الإستئنافية قد قضت بحبس المطعون ضده ثلاثة أشهر فإنها تكون قد نزلت بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر بمقتضى المادة سالفة البيان . لما كان ما أورده الحكم الإبتدائى - الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه - لا يبين منه فى يقين ما إذا كانت السرقة قد إرتكبت فى " قطار " و هو إحدى وسائل النقل البرية أم فى مكان آخر ، و كان عدم تفطن المحكمة إلى إستظهار هذا الركن - الذى ترشح له الواقعة كما أوردتها - يصم حكمها بالقصور الذى له وجه الصدارة على سائر أوجه الطعن بما يتعين معه نقضه ، و كان هذا القصور من شأنه أن يعجز محكمة النقض من التقرير برأى فى شأن ما أثير من خطأ فى تطبيق القانون فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة .

(الطعن رقم 1426 لسنة 49 جلسة 1980/01/17 س 31 ع 1 ص 114 ق 21).

2- إن ما قرره الحكم من اعتبار السكين التي ضبطت مع أحد المتهمين وقت السرقة الحاصلة ليلاً - سلاحاً يتوافر بحمله الظرف المشدد فى جناية السرقة إذا لم يكن لحمله مبرر من الضرورة أو الحرفة وكان مقصوداً به تسهيل جريمة السرقة تأويل صحيح للقانون ولا يؤثر فى صحة هذا التأويل أن يكون الشارع فى القانون رقم 75 لسنة 1958 قد ألغى المادة 25 من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر وهي التي كانت تعاقب على حمل وإحراز الأسلحة البيضاء كما ألغى الجدول رقم 1 الملحق بهذا القانون والمشتمل على بيان هذه الأسلحة, لا يؤثر هذا الإلغاء فى صحة التأويل المذكور, لأنه وقف على إحراز الأسلحة البيضاء وحملها باعتبار أن هذا الحمل أو الإحراز فى غير هذا النوع من الأسلحة جريمة خاصة لا يتوقف تحقق وقوعها ولا العقاب عليها على كشف السبب فى حملها أو إحرازها, أما إذا كان حمل شيء من الأسلحة البيضاء لمناسبة أرتكاب جريمة أخرى وللاستعانة به على إيقاعها, استعمل السلاح, أو لم يستعمل فإنه يعد سلاحاً يتوافر به الظرف المشدد الذي نص عليه القانون فى المادة 316 من قانون العقوبات.

(الطعن رقم 1046 لسنة 28 جلسة 1958/10/20 س 9 ع 3 ص 821 ق 201)

3- لما كانت العبرة فى إعتبار السلاح ظرفاً مشدداً فى السرقة ليست بمخالفة حمله لقانون الأسلحة و الذخائر و إنما تكون بطبيعة هذا السلاح و هل هو معد فى الأصل للإعتداء على النفس عندئذ لا يفسر حمله إلا بأنه لإستخدامه فى هذا الغرض ، أو أنه من الأدوات التى تعتبر عرضاً من الأسلحة التى تحدث الفتك إن لم تكن معدة له بحسب الأصل - كالسكين أو المطواة - و هو الأمر الذى خلصت إليه المحكمة فى الدعوى الراهنة فى حدود سلطتها و دللت عليه تدليلاً سائغاً ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن و فى شأن عدم إستخدام سلاح ما فى إرتكاب الحادث ، لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التى إعتنقتها محكمة الموضوع للواقعة و جدلاً موضوعياً فى سلطتها فى إستخلاص تلك الصورة كما إرتسمت فى وجدانها و هو ما تستقل بالفصل فيه بغير معقب .

(الطعن رقم 6280 لسنة 53 جلسة 1984/03/27 س 35 ص 348 ق 75)

4- لما كانت العلة إلى تشديد العقوبة فى جريمة السرقة إذا اقترنت بحمل السلاح أن حمل الجاني للسلاح يشد أزره ويلقى الرعب فى قلب المجني عليه أو من يخف لنجدته ويهيئ السبيل للجاني لاستعماله وقت الحاجة . وهذه العلة تتوافر بلا شك إذا كان السلاح المحمول سلاحاً بطبيعته أي معداً أصلاً للاعتداء على النفس وهو الحال فى الدعوى الماثلة فحمله يعتبر فى جميع الأحوال ظرفاً مشدداً حتى ولو لم يكن لمناسبة السرقة . وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده فى مدوناته قد استظهر واقعة حمل الطاعن للمدية ( قرن غزال ) حال ارتكابه جريمة السرقة التي قارفها مع المحكوم عليه الآخر وقد تم ضبطها بحوزة الطاعن فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى ولا عليه إن لم يعرض للسببية بين السرقة وحمل السلاح . مادام السلاح المحمول هو سلاح بطبيعته . ومن ثم يضحى منعي الطاعن فى هذا الخصوص غير سديد .

(الطعن رقم 1310 لسنة 82 جلسة 2014/02/06 س 65 )

5- لما كانت المادة 316 مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 59 لسنة 1970 تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تجاوز سبع سنوات وفقاً لما جاء بالفقرة " أولاً منها " على السرقات التى ترتكب فى إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية . و تضمنت المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه لقصد الشارع من إضافة هذ النص إلى مواد قانون العقوبات أنه يستهدف " توفير الحماية للمواطنين فى تنقلاتهم " . فدل بذلك على أنه لا يوفر بتشديد العقاب حماية لوسيلة النقل فى ذاتها لكن المراد كفالة أمن ركابها بما يجعل وجود أشخاص فيها شرطاً لإعمال هذا النص .

(الطعن رقم 3605 لسنة 50 جلسة 1981/06/14 س 32 ص 667 ق 118)

6- إذا وقعت السرقة على إحدى وسائل النقل أو أجزاء منها و هى خالية من الركاب تخلف مناط التشديد بمقتضى النص المذكور " و إن جاز العقاب عليها إعمالاً لنص آخر " . لما كانت الواقعة حسبما إستقرت فى يقين المحكمة الإستئنافية - أخذاً من أسباب حكمها و تلك التى أوردها الحكم الجزئى و إعتنقها الحكم المطعون فيه وقد وقعت على أجزاء السيارة و هى خالية من الركاب واقفة معطلة فإنها لا تخضع لحكم المادة 316 مكرراً " ثالثاً " من قانون العقوبات وإنما تتوافر فيها كافة العناصرالقانونية للجنحة المعاقب عليها بالمادة 318 من القانون المذكور وإذ إرتأى الحكم المطعون فيه تخفيف العقوبة المقضى بها على المطعون ضده بالحكم المستأنف و قضى بتعديل هذا الحكم وأوقع عليه العقوبة التى قدرها فى الحدود المقررة بالنص المنطبق عليها فإن طعن النيابة يكون على غير سند من القانون ويتعين القضاء برفضه موضوعاً وإن تعين تصحيح أسباب الحكم المطعون فيه فى شأن مادة العقاب بإستبدال المادة 318 من قانون العقوبات الواجبة التطبيق على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم بالمادة 1/316 مكرراً ثالثاً من القانون المذكورالتى أخضعها لحكمها خطأ لما هو مقرر من أن الحكم ما دام قد وصف الفعل وبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجبة التطبيق  فإن خطأه فى ذكر مادة العقاب لايبطله ولايقتضى نقضه وإكتفاء بتصحيح أسبابه عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض 

(الطعن رقم 3605 لسنة 50 جلسة 1981/06/14 س 32 ص 667ق 118)

7- لما كان القانون رقم 59 لسنة 1970 المعمول به من تاريخ نشره فى 13/8/1970 وهو تاريخ سابق لتاريخ الجريمة التي دين بها المطعون ضدهما قد أضاف إلى قانون العقوبات فيما أضاف من مواد - نص المادة 316 مكرراً ثالثاً التي قضت الفقرة الثانية منها - وهي المنطبقة على واقعة الدعوى - بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سبع سنوات على السرقات التي تحصل فى مكان مسكون أو أحد ملحقاته إذا تم دخول المكان بواسطة التسور أو الكسر ...، وكانت المحكمة الاستئنافية قضت بحبس المتهمين شهراً واحداً فإنها تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون بنزولها بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر بمقتضى المادة سالفة البيان.

(الطعن رقم 1049 لسنة 46 جلسة 1977/01/17 س 28 ع 1 ص 116 ق 24)

8- العبرة فى اعتبار السلاح ظرفا مشددا فى السرقة ليست بمخالفة حمله لقانون الأسلحة والذخائر وإنما تكون لطبيعة هذا السلاح وهل معد فى الأصل للاعتداء على النفس وعندئذ لا يفسر حمله إلا بأنه لاستخدامه فى هذا الغرض, أو أنه من الأدوات التي تعتبر عرضا من الأسلحة لكونها تحدث الفتك وإن لم تكن معدة له بحسب الأصل كالسكين أو المطواة فلا يتحقق الظرف المشدد بحملها إلا إذا استظهرت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية بأدلة سائغة أن حملها كان لمناسبة السرقة, ولما كان الحكم المطعون فيه فيما أورده فى مدوناته سواء فى بيانه لواقعة الدعوى أو أدلة ثبوتها لم يستظهر أن حمل الطاعن للسكين التي ضبطت معه عند القبض عليه فى أعقاب اقترافه واقعة السرقة كان بمناسبة ارتكابه لتلك الجريمة فإنه يكون معيب بالقصور الذي يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم مما يتعين معه نقضه والإعادة.

(الطعن رقم 1185 لسنة 61 جلسة 2001/04/29 س 52 ع 1 ص 458 ق 78)

9 ـ لما كانت الفقرة الثانية من المادة 316 مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات قد نصت على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تجاوز سبع سنوات على السرقات التى تحصل فى مكان مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته إذا تم دخوا المكان بواسطة التسور أو الكسور أو إستعمال مفاتيح مصطنعة أو إنتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة و لما كان من المقرر أن التسور المعتبر ظرفاً مشدداً للسرقة هو دخول الأماكن المسورة من غير أبوابها مهما كانت طريقته يستوى فى ذلك إستعمال سلم أو الصعود على الجدار أو الوثب إلى الداخل من نافذة أو شرفة أو الهبوط إليه من أية ناحية فالتسور كما عرفه القانون يتحقق بدخول الأماكن المسورة من غير أبوابها ، لما كان ذلك و كان الطاعن قد إعترف بوجه النعى أنه دخل مسكن المجنى عليه من الشرفة كما إعترف بذلك فى التحقيقات و هو يكفى لذاته لتحقق ظرف التسور المشدد لعقوبة السرقة والذى لا يشترط لتوافره سوى دخول الأماكن المسورة من غير أبوابها فإن ما يثيره الطاعن بوجه النعى من مجادلة فى عدم توافر الظروف المشددة يكون و لا محل له .

(الطعن رقم 2520 لسنة 55 جلسة 1985/06/13 س 36 ص 796 ق 140)

10- لما كانت المادة 316 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات قد نصت على أن " يعاقب بالسجن على السرقات التى تقع على المهمات أو الأدوات المستعملة أو المعدة للإستعمال فى مرافق المواصلات السلكية و اللاسلكية أو توليد أو توصيل التيار الكهربائى .. و كان البين من المفردات المضمومه أن مهندس الشركة المجنى عليها قد قرر بأن قطع الحديد المسروقة ليست من المهمات أو الأدوات المستعملة أو المعدة للإستعمال فى توليد أو توصيل التيار الكهربائى . و خلت الأوراق مما يظاهر ما إنتهى إليه الحكم المطعون فيه فى هذا الصدد ، و بالتالى فإن نص المادة 316 آنف البيان لا ينطبق على واقعة الدعوى و يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم الإختصاص لأن الواقعة جناية منهياً للخصومة على خلاف ظاهره لأن محكمة الجنايات سوف تقضى حتماً بعدم إختصاصها بنظر الدعوى بإعتبار الواقعة جنحة فيما لو رفعت إليها و من ثم يكون طعن النيابة العامة فى الحكم الماثل جائزاً و قد إستوفى فى طعنها الشكل المقرر . لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم إختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه . و لما كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن نظر الموضوع فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإعادة لمحكمة أول درجة .

(الطعن رقم 5539 لسنة 53 جلسة 1984/02/01 س 35 ص 102 ق 20)

شرح خبراء القانون

السرقة من شخص واحد مع حمل السلاح المادة 316 مكرراً ثالثاً :

شدد القانون عقوبة السرقة مع حمل السلاح، بالنظر إلى ما يترتب على حمل السلاح من بث الذعر في نفس المجني عليه أو من يخف لنجدته وإضعاف مقاومته وتهيئة السبيل للجاني لاستعماله وقت الحاجة. فضلاً عن أن حمل الجاني للسلاح يشد أزره، مما يضاعف من خطورته.

ويثور التساؤل عن المقصود بالسلاح في هذا الصدد، ولا صعوبة بالنسبة إلى السلاح بطبيعته، أي المعد أصلا للاعتداء على النفس، كالخناجر والمسدسات والبنادق. إنما تثور الدقة بالنسبة إلى غيرها من الأسلحة التي أعدت في الأصل الأغراض أخرى ولكنها تصلح مع ذلك في ظروف معينة كوسيلة للاعتداء على الإنسان، كالمطواة والسكين والمقص والفأس، وتسمى الأسلحة بالتخصص.

ولتحديد مدى كون حمل هذا النوع من السلاح ظرفاً مشدداً يتعين الرجوع إلى - علة التشديد. ولما كانت هذه العلة هي خطورة الجاني المسلح، فإن السلاح على بالتخصيص يمكن اعتباره ظرفاً مشدداً في السرقة متى ثبت أن الجاني قد حمله عمداً و معه في أثناء السرقة ليشد به أزره ويبعث به الخوف في نفس المجني عليه. وهنا نتبين أثر الخلاف بين السلاح بطبيعته والسلاح بالتخصيص في أن الأول يعد في جميع الأحوال ظرفاً مشدداً ولو لم يحمله الجاني معه لمناسبة السرقة، بخلاف النوع الثاني فإنه لا يعد بحسب الأصل ظرفاً مشدداً إلا إذا حمله الجاني من أجل السرقة.

السرقة التي تقع في إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية المادة - 316 مكرراً ثالثاً / 1:

استحدث القانون رقم 59 لسنة 1970 بتعديل قانون العقوبات هذا النوع من جنح السرقة المشددة. وقد روعي أن إجراءات الأمن لا تتوافر في هذه الوسائل مما يجب معه أن يكون لدى الأشخاص وازع شخصي نحو احترام القانون هذا إلى جانب أن المجني عليهم في وسائل النقل قد لا يتاح لهم الانتفاع بحماية الشرطة.

ويقصد بوسائل النقل في هذا الشأن ما هو مقرر للاستعمال العام، وتشمل قطارات السكك الحديدية، وسيارات الأتوبيس، ومركبات الترام، والبواخر، والطائرات ونحوها. فلا يتوافر الظرف المشدد في وسائل النقل الخاصة.

ويستوي أن تكون هذه الوسائل حاملة للركاب أو البضائع أو البريد، ويجب أن تقع السرقة في أثناء تشغيل هذه الوسائل، فلا يتوافر الظرف المشدد إذا وقعت السرقة في وسيلة النقل في فترة تخزينها أو إصلاحها. على أنه يستوي أن تقع السرقة في أثناء سير وسيلة النقل التي تتوقف في إحدى المحطات أو المواني أو المطارات حسب الأحوال .

السرقة من مكان مسكون أو معد للسكنى أو إحدى ملحقاته بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة بالمادة 316 مكرراً ثالثاً / 2:

يتوقف هذا التشديد على توافر الظرف المشدد الأول المنصوص عليه في المادة 317 عقوبات والسالف بیانه، بالإضافة إلى توافر الظرف المشدد الثاني المنصوص عليه في المادة نفسها بشأن السرقة من مكان سكني أو معد للسكني عن طريق التسور أو الكسر من الخارج أو استعمال مفاتيح مصطنعة، مع إضافة وسائل أخرى الدخول هذا المكان هي انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة.

وقد لاحظ المشرع أن السرقة من مكان مسكون عن طريق دخوله بوسيلة غير مشروعة ينطوي على اعتداء أشد جسامة وينبئ عن خطورة أشد للجاني، فشدد العقوبة على السرقة إذا اجتمع الظرفان المشددان معاً، أي المسكن والوسيلة غير المشروعة (المادة 316 مكرراً ثالثاً/ 2 المضافة بالقانون رقم 59 لسنة 1970) وقد بينا فيما تقدم المقصود بالمكان المسكون أو المعد للسكن أو أحد ملحقاته، وبينا أيضاً المقصود بالتسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة.

وقد ساوى القانون بين تلك الوسائل وانتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة ويلاحظ أن الادعاء بالقيام أو التكليف بخدمة عامة هو نوع من الصفة الكاذبة، ولكننا لا نقر صياغة النص التي أخذت بمطلق الوسائل غير المشروعة دون تحديدها، فهو أمر غير جائز في قانون العقوبات لمخالفته لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يتطلب تحديد الفعل محل التجريم تحديداً دقيقاً. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني،  الصفحة: 570)

نصت المادة 316 مكرراً (ثالثاً) والمعدلة بالقانون رقم 14 لسنة 1973 - على أحوال ثلاث تشدد فيها عقوبة السرقة في حدها الأدني وحدها الأقصى، وذلك بأن عاقبت بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سبع سنوات على السرقات الآتية:

أولاً: السرقات التي ترتكب في إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية. ويندرج تحت وسائل النقل أي وسيلة مواصلات معدة لنقل الأشخاص أو الأشياء من مكان لآخر سواء بالداخل أم بالخارج وسواء بين المدن بعضها وبعض أو في داخل تلك المدن. ويستوي أن تكون وسائل النقل تستخدم الطرق البرية كالسيارات والقطارات أو الطرق المائية كالسفن والمراكب والعائمات التي تنتقل من شاطئ إلى آخر أو تستخدم الطرق الجوية كالطائرات.

وجب الإعمال الظرف المشدد أن تقع السرقة كاملة أو في مرحلة الشروع، في وسيلة النقل ذاتها أثناء قيامها بالنقل. ويستوي أن تقع السرقة أثناء توقف وسيلة النقل وقتية بالمحطات أو للراحة لمواصلة السير بعد ذلك.

ويستوي لإعمال التشديد أن تكون السرقة قد وقعت من متعهد النقل أو من شخص آخر. فلا مجال هنا لإعمال التشديد الخاص بالسرقات من متعهدي النقل والمنصوص عليه بالمادة 317 / 8 والمقرر لها عقوبة أقل من تلك المنصوص عليها بالمادة 316  مكرراً (ثالثاً) إلا حيث ينتفي إعمال التشديد الوارد بتلك المادة الأخيرة. إذ من غير المتصور أن يميز المشرع السرقات التي تقع من متعهدي النقل ويقرر لها عقوبة أقل من تلك التي تقع من أشخاص آخرين.

ومن ناحية أخرى لا يمكن قصر التشديد الوارد بالمادة 316 مكرراً ثالثاً على وسائل نقل الأشخاص دون الأشياء. إذ أن هذا يعتبر تخصيصاً بلا مخصص. والأصل أن المطلق يؤخذ على إطلاقه ما يوجد ما يقيده.

ثانياً: السرقات التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته إذا تم دخول المكان بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة.

وقد شدد المشرع عقوبة السرقة من مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته إذا اقترن هذا الظرف المشدد بظرف آخر من الظروف المنصوص عليها. وهي التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة.

ومعنى ذلك أن السرقة من مكان مسكون هي التي تشدد إذا تم الدخول إلى المكان بإحدى الطرق المنصوص عليها. وقد سبق لنا التعرض لمعنى المكان المسكون وأيضا وسائل الدخول إليه المتمثلة في التسور والكسر واستعمال المفاتيح المصطنعة. وقد أضاف المشرع إلى وسائل الدخول انتحال صفة كاذبة أو إدعاء التكليف بخدمة عامة. ويكفي لتوافر الصفة الكاذبة مجرد انتحال الصفة ولو لم يدعم ذلك مظاهر خارجية مؤيدة لذلك.

ومثال ذلك انتحال صفة رجال المباحث أو رجال الصحة أو موظف إدارة الكهرباء أو التليفونات. كذلك يتوافر التشديد إذا تم الدخول بواسطة الادعاء بالقيام بعمل من أعمال الخدمة العامة كادعاء القيام بإجراء حصر للتعداد. ثم أردف المشرع بغير ذلك من الوسائل غير المشروعة. ويقصد بذلك الدخول بطرق التحايل والخداع الذي يؤثر في إرادة من سيصدر عنه الرضاء بالدخول.

ثالثاً: السرقات التي تقع ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ:

جعل المشرع من حمل السلاح ظاهراً أو مخبأ ظرفاً مشدداً للسرقة في حدها الأدنى وحدها الأقصي نظراً لما يبرزه هذا الظرف من خطورة إجرامية الفاعل ويسهل له ارتكاب الجريمة، ولذلك ساوى بين حمل السلاح ظاهراً أو مخبأ.

ولم يعرف المشرع المصري المقصود بالسلاح لإعمال هذا الظرف المشدد، ولا يغني في ذلك تحديد الأسلحة التي يلزم الترخيص بحملها وفقاً القانون رقم 394 لسنة 1954، ذلك أن حكمة التشديد تتوافر بالنسبة لأدوات وأسلحة من غير المنصوص عليها بالقانون سالف الذكر.

والسلاح لغة ينصرف إلى أي أداة يستخدمها الفرد في الدفاع أو الاعتداء، غير أن هناك أدوات أعدت خصيصاً للدفاع أو الاعتداء، وأدوات أخرى يمكن استعمالها في هذا الغرض دون أن تكون قد صنعت خصيصاً لذلك.

ومن هنا يجب التفرقة بين الأسلحة بطبيعتها من ناحية، والأسلحة بالاستعمال، وذلك في مجال إعمال التشديد الخاص بحمل السلاح.

1- أسلحة بطبيعتها:

ويقصد بالأسلحة بطبيعتها تلك المعدة أصلاً للفتك بالأنفس سواء في سبيل الاعتداء أو في سبيل الدفاع، ويستوي أن تكون تلك الأسلحة النارية كالبنادق والمسدسات أم قاطعة كالسيوف والحراب أم واخزة كالخناجر، أم راضية كالملاكم الحديدية والعصي المعدة لذلك، وغير ذلك من الأسلحة المعاقب على إحرازه وحمله بمقتضى القانون رقم 394 لسنة 1954، فهذه الأسلحة معدة لاستخدامها في المساس بسلامة الجسم سواء في سبيل الاعتداء أو لرده أي للدفاع.

ويتوافر الظرف المشدد بحمل السلاح بطبيعته ظاهراً أو مخبأ، بغض النظر عما إذا كان الجاني قد حمله لاستخدامه في الاعتداء أو الإرهاب المجني عليه، أو كان حمله إياه لأي سبب آخر بريء لا علاقة له بالجريمة، وإنما تصادف وجوده معه أثناء ارتكابها، ولذلك قضى بأن مجدر حمل السلاح ظاهراً أو مخبأ وقت السرقة يعد ظرفاً مشددة للجريمة ولو كان المتهم من واجبه أو من حقه أن يحمل السلاح لأي سبب من الأسباب أو غرض من الأغراض المشروعة الجائزة، أي ولو كان لم يقصد من حملة الاستعانة به واستخدامه في الجريمة ( نقض24/3/1947  - 769). ذلك أن العلة التي من أجلها غلظ الشارع العقاب على السرقة إذا كان مرتكبها وقت مفارقتها يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ هي أن مجرد السلاح من شأنه أن يشد أزر الجاني ويلقي الرعب في قلب المجني عليه إذا ما وقع بصره عليه ولو مصادفة وأن يسر للجاني فضلاً عن السرقة التي قصد إلى ارتكابها، سبيل الاعتداء به، إذا ما أراد، على كل من يهم بضبطه أو يعمل على الحيلولة بينه وبين تنفيذ مقصده مما لا يهم معه أن يكون السلاح ملحوظاً في جملة ارتكاب السرقة أو غير ملحوظ (26/3/1645  - ۲۳/ ۳ / 1942- 769- 768).

ولا يشترط لإعمال الظرف المشدد أن يكون السلاح صالحة للاستعمال حسب الغرض المخصص له. فيتحقق الظرف المشدد ولو كان المسدس أو البندقية ليس بها ذخيرة أو أن بها خللاً يحول دون انطلاق المقذوف الناري ما دام يمكن استخدامه في الاعتداء على الآخرين بحالته.

2- الأسلحة بالاستعمال أو الغرضية:

ويقصد بذلك الأدوات والآلات التي أعدت لأغراض بريئة، تتعلق بمظاهر الحياة المختلفة ولم تعد أصلاً للفتك والاعتداء ولكن يمكن استخدامها في ذلك. ومثال ذلك السكاكين والسواطير المنزلية والبلط والفئوس والعصي وغير ذلك من الأدوات المعدة لمتطلبات الحياة.

ويتوافر الظرف المشدد بحمل هذه الأسلحة العرضية إذا كان حملها بمناسبة الجريمة. ويكون ذلك تبعاً للغرض أو القصد من حملها ولو كانت لم تستعمل فعلاً أثناء ارتكابها. فلا يشترط أن يكون هدف الجاني استخدام تلك الأسلحة أثناء ارتكاب الجريمة وإنما يكفي أن يكون حمله إياها لشد أزره أو استخدامها إذا لزم الأمر للهروب بالمسروقات أو لمنع القبض عليه أثناء هروبه.

ولكن يلاحظ بالنسبة لهذا النوع من الأسلحة العرضية أن الظرف المشدد لا يتوافر إلا إذا كان الهدف من حملها استعمالها أو مكنة استعمالها في الاعتداء على الأشخاص. أما إذا كانت قد حملت أو استعملت لأغراض كسر الأشياء أو تحطيمها فلا يتوافر التشديد محل البحث.

ومن ناحية أخرى يتوافر التشديد ولو كان حمل السلاح العرضي لم يكن بقصد استعماله في الجريمة، ولكن تغيرت نية الجاني أثناء ارتكاب الجريمة.

وغني عن البيان أن تحديد الهدف والقصد من حمل السلاح العرضي من المسائل التي يستقل بها قاضي الموضوع يستخلصه من أي دليل أو قرينة في الدعوى كاستعمال السلاح أو التهديد باستعماله أو عدم وجود ما لا يسوغ حمله في الظروف التي حمل فيها. ولذلك قضى بأنه إذا كان المستفاد من الوقائع الثابتة بالحكم أن المحكمة قد اعتبرت أن تيل الهندسين لم يكن إلا لمناسبة السرقة فإن الظرف المشد يكون متحققا 15/3/1979  رقم 71) ويستوي بالنسبة للسلاح العرضي أن يكون حمله ظاهراً أو مخبأ.

3- حمل السلاح في حالة تعدد الجناة :

إذا تعدد الجناة فيكتفي التشديد بالنسبة لجميع المساهمين الأصليين أو التبعيين أن يكون أحد الجناة يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ ولكن يلزم أن يتوافر في الجاني حامل السلاح صفة الفاعل أو الفاعل مع غيره. ويعتبر المساهم فاعلاً مع غيره إذا قام أثناء التنفيذ بعمل يعتبر رئيسية وفق توزيع الأدوار بين الجناة، ولو كان لا يرقى إلى مرتبة الشروع وذلك حسبما استقر عليه قضاء النقض. .

وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه يكفي لمعاقبة المتهمين في السرقة يحمل السلاح أن يكون حامل السلاح قد باشر عملاً من الأعمال التي اتفق هو وزملاؤه على تنفيذ السرقة بها، ولا يشترط أن يكون قد باشر تلك الأعمال جميعاً. فإذا كان هو قد وقف لهم على مقربة من مكان الحادث يحرسهم حتى يتمكنوا من نقل المسروقات فإنه في هذه الحالة يكون فاعلاً معهم في السرقة على أساس أن العمل الذي قام به هو من الأعمال التي اتفقوا بها على إتمام السرقة، ولا يصح الاعتراض على ذلك بأن هذا الذي كان معه السلاح لم يتصل بالمسروق بل كان واقفاً ينتظر زملاءه. (نقض 19/1/1948 - ص 869)

4- طبيعة الظروف المشددة للسرقة :

إن الظروف المشددة للسرقة المنصوص عليها (بالمادة 316 مكرراً ثالثاً) وتلك المنصوص عليها بالمادة 317 عقوبات هي في معظمها من الظروف المادية التي تسري على جميع الفاعلين والشركاء علموا بها أو لم يعلموا، على التفصيل السابق بيانه بالقسم العام من قانون العقوبات. ولا يعتبر من الظروف الشخصية الخاصة بأحد الفاعلين إلا صفة الخادم، والمستخدم بالأجر. (317 /7). وصفة متعهد النقل وتابعيه (317 / 8).

والقاعدة بالنسبة للظروف الشخصية أنها لا تسري إلا بالنسبة لمن توافرت في حقه ولا تسري بالنسبة لتبعية المساهمين إلا إذا كانوا يعلمون بها، وكل ذلك بالتطبيق للقواعد العامة في مدى سريان الظروف الشخصية المشددة لباقي المساهمين المادة 41 (أولاً).... عقوبات. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة: 193)

جنح السرقة المشددة المنصوص عليها في المادة 316 مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات

تأصيل الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة ۳۱۱ مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات : نصت المادة 316 مكرراً ثالثاً من قانون العقوبات على أن « يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سبع سنوات» :

(أولاً) على السرقات التي ترتكب في إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية .

(ثانياً) على السرقات التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته إذا تم دخول المكان بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة .

(ثالثاً) على السرقات التي تقع ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ » وهذه الظروف الثلاثة ترد إلى أصول ثلاثة : تشديد يرجع إلى مكان ارتكاب الجريمة، وقد نصت عليه الفقرة الأولى؛ وتشديد يرجع إلى الوسيلة التي استعملت في ارتكابها، وقد نصت عليه الفقرة الثالثة ؛ وتشديد يفترض ارتكاب الجريمة في مكان معين واستعمال وسيلة معينة في ارتكابها، أي يجمع بين عنصري الظرفين السابقين، وقد نصت على هذا الظرف الفقرة الثانية .

مقدار التشديد :

يعاقب على السرقة المقترنة بأحد الظروف السابقة « بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سبع سنوات » ويعني ذلك أن نوع العقوبة لا يتغير عما لو كانت السرقة بسيطة أو توافر لها أحد الظروف التي نصت عليها المادة 317 من قانون العقوبات، فهي الحبس دائماً ويترتب على ذلك أن السرقة المقترنة بأحد هذه الظروف تبقى جنحة ويكفي لتحقق التشديد أن يتوافر أحد هذه الظروف، فلا يشترط توافر اثنين أو اجتماع الثلاثة ويجوز بالإضافة إلى هذه العقوبة أن يحكم بمراقبة البوليس وفقاً للقواعد التي نصت عليها المادة 320 من قانون العقوبات  ويعاقب على الشروع في السرقات المقترنة بأحد هذه الظروف، وتحدد عقوبته وفقاً للضابط الذي نصت عليه المادة 321 من قانون العقوبات.

1- ارتكاب السرقة في إحدى وسائل النقل

علة التشديد :

يقوم هذا التشديد على عنصر وحيد مستمد من مكان ارتكاب السرقة، ويفترض ارتكابها في إحدى وسائل النقل، وعلة تشديد العقاب هي الحرص على تأمين سبل المواصلات، إذ يتردد الناس في استعمالها إذا كانت السرقات ترتكب فيها على نطاق واسع، مما يضر بمقومات الرخاء الاقتصادي في البلاد، وبالإضافة إلى ذلك، فإن مرتكب هذه الجريمة خطير خطورة تنم عنها جرأته في السرقة من مكان متحرك حركة سريعة ومواجهته من أجل ذلك مخاطر عديدة ونيته في التغلب عليها بأفعال قد تكون خطيرة.

وسيلة النقل :

عبر الشارع عن مكان ارتكاب السرقة في قوله أنه « إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية ». وقد أطلق الشارع عبارته، فلم يتطلب شروطاً في وسيلة النقل، بل إنه سوى بين أنواعها برية ومائية وجوية.

ويراد بوسيلة النقل أداة تعارف الناس على استعمالها في التنقل من مكان إلى آخر  ومؤدى ذلك أن الضابط في وسيلة النقل هو استقرار العرف على تخصيصها في الاستعمال السابق ويستوي أن تكون الوسيلة معدة لنقل الأشخاص أو البضائع أو البريد، أو معدة لنقل كل ذلك على السواء ويستوي أن تكون عامة يستطيع الناس دون تمييز استعمالها، أو أن تكون مخصصة لفئة من الناس يجمع بينهم رباط ما، كعربة خصصها رب عمل النقل عماله أو بضائعه أو سيارة مخصصة لنقل تلاميذ مدرسة أو الاستعمال سكان حي؛ بل يجوز أن تكون خاصة، كسرقة ارتكبها شخص أوقف سيارة يستقلها مالكها ثم استولى على بعض ما فيها . وإذا كانت وسيلة النقل عامة، فسواء صفة القائم على استغلالها : أكان الدولة أم شخصاً معنوياً عاماً أم خاصاً أم كان فرداً عادياً ويستوي لدى القانون أن تكون بدائية كعربة تجرها الحيوانات أو سفينة شراعية، أو أن تستغل في تسييرها أحدث الأساليب، وفي هذه الحالة يستوى نوع القوة التي تسير بها . ولم يتطلب الشارع أن تكون وسيلة النقل عاملة بين المدن والقرى على نحو تربط به بين أجزاء الدولة وتخترق طرقا بعيدة عن العمران كالقطارات وسيارات النقل بين المدن . بل يجوز أن تكون عاملة في داخل المدينة كعربات الترام وسيارات النقل العام بين أحياء المدينة أو في داخل حي واحد . وقد صرح الشارع بأنه يستوي أن تكون وسيلة النقل برية أو مائية أو جوية. ولم يتطلب القانون صفة خاصة في السارق أو المجنى عليه أو المال المسروق . ويتعين أن ترتكب السرقة ووسيلة النقل متحركة في طريق سيرها، إذا لا تتوافر علة التشديد من حيث حماية أمن المواصلات والتغليظ على السارق الجريء إلا إذا كانت وسيلة النقل في حالة الحركة المعتادة، بالإضافة إلى أنها لا تعتبر  وسيلة نقل  من حيث وظيفتها إلا حين تستخدم بالفعل في هذا الغرض وتطبيقاً لذلك فإن الظرف المشدد لا يتوافر إذا ارتكبت السرقة في عربة قطار لم يزل بعد في محطة الرحيل أو في سيارة تركها حائزها على جانب الطريق.

ويتعين كذلك أن ترتكب السرقة حين يكون بها أشخاص، إذ يستهدف الشارع بالتشديد  توفير الحماية للمواطنين في تنقلاتهم وتطبيقاً لذلك، لا يتوافر الظرف المشدد إذا ارتكبت السرقة على أجزاء سيارة معطلة في الطريق، لا يوجد بها أشخاص .

2- ارتكاب السرقة في مكان مسكون عن طريق الدخول فيه بوسيلة غير مألوفة عناصر التشديد وعلته، يقوم هذا التشديد على عنصرين :

يفترض أولهما أن السرقة قد ارتكبت «في مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته»؛ ويفترض ثانيهما أنه قد تم الدخول في المكان الذي ارتكبت السرقة فيه « بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة » والعنصر الأول يشير به الشارع إلى المكان الذي ارتكبت السرقة فيه أما العنصر الثاني، فيشير به إلى الوسيلة التي استعملها السارق للدخول في هذا المكان.

والعنصر الأول يقوم به أحد الطرفين المشددين الذين نصت عليهما الفقرة الأولى من المادة 317 من قانون العقوبات، أما العنصر الثاني فهو في ذات الوقت عنصر في الظرف المشدد الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 317 من قانون العقوبات . وقد سبق تفصيل علة التشديد حين ترتكب السرقة في مكان مسكون أو معد للسكني أو في ملحقاته، كما تقدم تفصيل علة اعتبار الدخول في مكان السرقة عن طريق الكسر أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة عنصراً في أحد الظروف المشددة للسرقة وحين يجتمع العنصران على النحو الذي يقوم به هذا الظرف المشدد، فإن علة التشديد بناء عليه هي مجموع علتي التشديد في عنصريه وعلى سبيل الإجمال، فثمة اعتداء على حرمة المسكن يضاف إلى الاعتداء على المال، وثمة خطورة واضحة تكشف عنها شخصية السارق وتتضح من استعماله وسيلة غير مألوفة و غير مشروعة للدخول في المكان الذي ارتكب جريمته فيه .

وقد سبق تفصيل العنصر الأول من عنصري التشديد الذي يفترض ارتكاب السرقة في « مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته»، وسبق كذلك بيان المقصود بالتسور والكسر واستعمال مفاتيح مصطنعة باعتبارها وسائل إلى الدخول في المكان الذي ارتكبت فيه، وقد سوى بها الشارع في الحكم «انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة ». ونقتصر فيما يلي على تحديد المراد بهاتين الوسيلتين وقد حرص الشارع على بيان أن نصه على هذه الوسائل ليس على سبيل الحصر، فأردف بيانه بقوله « أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة».

انتحال صفة كنبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة: سبق أن نص الشارع على هاتين الوسيلتين للدخول في مكان السرقة في المادة 313 من قانون العقوبات (الشرط الرابع)، وإن كان قد عبر عنهما في صياغة مختلفة أعطتهما نطاقا أضيق، فقال « بواسطة التزيی بزى أحد الضباط أو إبراز أمر مزور مدعی صدوره من طرف الحكومة » ؛ والجامع بين هاتين الوسيلتين والوسائل الثلاثة التي ألحقها الشارع بهما في الحكم (أي الكسر والتسور واستعمال المفاتيح المصطنعة) أنها جميعاً طرق غير مألوفة للدخول إلى مكان ارتكاب السرقة، وهي تبعاً لذلك غير مشروعة لتضمنها اعتداء على حيازة هذا المكان .

ولكن يفرق بين النوعين من الوسائل أن أحدهما يفترض العنف في حين يفترض ثانيهما التدليس والتدليس طريق غير مألوف للدخول، لأن الطريق المألوف هو الحصول على إذن الحائز الذي يعطيه وهو على بينة من شخصية الداخل وغرضه من الدخول وقد اعتد الشارع بانتحال الصفة الكاذبة، لأن السارق يستغل الثقة المرتبطة بهذه الصفة واعتد بإدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة، لأن السارق يستغل الثقة التي يضعها المجنى عليه في السلطات العامة التي يدعي السارق أن الخدمة العامة هي باسمها أو لحسابها.

والمراد بانتحال الصفة الكاذبة إدعاء السارق هذه الصفة لنفسه أو الشريك له في جريمته، وتعتبر الصفة كاذبة من حيث أن السارق لا يتمتع بها وتطبيقاً لذلك فإن هذا الانتحال لا يتصور إلا ممن ليست له هذه الصفة، أما ذو الصفة الذي يحتج بها للدخول في مسكن المجني عليه وارتكاب السرقة فيه فلا يتوافر بالنسبة له هذا الظرف المشدد ولا يشترط أن يكون انتحال الصفة كتابياً، فيجوز أن يكون شفوياً؛ بل يجوز أن يكون ضمنياً مستفاداً من اتخاذ السارق مظهر من لهم هذه الصفة؛ ولم يتطلب الشارع أن يتذرع السارق بصفة عامة، فقد أطلق لفظ « الصفة » . وتطبيقاً لذلك فمن ادعى أنه طبيب واستطاع الدخول إلى المسكن من أجل الكشف على شخص فيه ثم ارتكب سرقة به يتوافر بالنسبة له هذا الظرف المشدد .

أما ادعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة، فيراد به تذرع السارق بأمر منسوب زوراً إلى سلطة عامة يتضمن تفويضه القيام باسمها أو لحسابها بخدمة عامة يقتضي أداؤها الدخول إلى المسكن؛ مثال ذلك أن يدعي أنه مكلف من السلطة المختصة بالدخول إلى المسكن لتفتيشه أو القبض على شخص به أو معاينته لغرض ما يهم السلطات العامة . وسواء أن يكون الأمر الذي يتذرع به المتهم شفوياً أو كتابياً وإذا كان كتابياً، فسواء أن تكون قد روعيت في كتابته الأوضاع والأشكال التي يقيد بها القانون هذا النوع من الأوامر أو ألا تكون قد روعيت.

3- السرقة مع حمل السلاح ظاهراً أو مخبأ

علة التشديد :

عبر الشارع عن السرقات المقترنة بهذا الظرف المشدد بأنها « السرقات التي تقع ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ . وهذا الظرف يتصل بوسيلة تنفيذ السرقة، وهو كاف بذاته لتشديد العقاب وقد وسع الشارع من نطاق الظرف المشدد، فاستوى لديه أن يحمل السلاح ظاهراً أو مخبأ .

وعلة تشديد العقاب على السرقات التي يحمل مرتكبوها أسلحة أنها سهلة التنفيذ، إذ أن رؤية المجني عليه السارق يحمل سلاحاً تجعله يجبن عن الدفاع عن ماله،  ولكن إذا لم تتحقق هذه العلة لكون السلاح مخبأ فلم يره المجني عليه، فإن ثمة علة ثانية للتشديد :

فالسارق الذي يحمل سلاحاً ولو كان مخبأ أكثر خطورة ممن لا يحمل، ذلك أن حمله يجعله أكثر جرأة، إذ يشعره أنه صار أكثر قدرة على البطش بالمجني عليه إذا قاوم، ثم إن ذلك يكشف عن نية استعمال السلاح عند الحاجة إلى التغلب على هذه المقاومة، ويعني قبوله احتمال إيذاء المجنى عليه أو غيره في جسمه.

مدلول السلاح :

السلاح  كل أداة من شأنها لو استعملت أن تمس سلامة الجسم فهو أداة تضيف إلى القدرة البدنية لدى السارق على إيذاء المجني عليه أو غيره قدرة جديدة  . والسلاح نوعان : سلاح  بطبيعته، وسلاح بتخصيصه.  (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:  1019)

هذه المادة معدلة بالقانون رقم 14 لسنة 1973 الجريدة الرسمية فيها 5 أبريل سنة 1973 العدد 64. السرقات التي ترتكب في إحدى وسائل النقل (م 316 مكرراً ثالثاً).

استحدث القانون تشديد العقاب على السرقة في إحدى وسائل النقل البرية أو الجوية أو المائية وقيل أن الغرض من النص هو توفير الحماية للمواطنين في تنقلاتهم والمقصود بوسائل النقل برية أو بحرية أو جوية هو الوسائل التي تنقل مختلف الناس كالترام والأتوبيس وقطارات السكك الحديدية وسيارات الركوب بالأجرة والبواخر والطائرات فلا يدخل في ذلك العربات الخاصة بأصحابها ولايشدد العقاب إلا إذا حصلت السرقة في إحدى هذه الوسائل فإذا ارتكبت على الأرض في الزحام قبل الركوب مباشرة فلا محل لانطباق هذا التشديد ومتى كانت السرقة قد وقعت في إحدى هذه الوسائل فإن التشديد ينطبق سواء كان السارق من عمال هذه الوسائل أو من غيرهم من الناس .

السرقات التي تحصل في مكان مسكون ( 316 مكرراً ثالثاً/2) السرقة من مكان مسكون أو معد للسكني أو أحد ملحقاته بوسيلة غير مشروعة تنطوي على اعتداء أكثر جسامة وتنم عن خطورة أشد للجاني ولهذا فقد شدد المشرع العقوبة في هذه الحالة وجعلها الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سبع سنوات ويشترط لتوافر هذه الجريمة اجتماع ظرفين مشددين هما:

1- المكان فيلزم أن يكون هذا المكان مسكون أو معد للسكن أو إحدى ملحقاته.

2- الوسيلة غير المشروعة وقد حدد المشرع في الفقرة بعض هذه الوسائل وهي التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة ولم يصادف المشرع التوفيق حينما أورد في عجز الفقرة عبارة " أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة" لأن ذلك يتطلب اجتهاد وقیاس وهو أمر غير جائز في القانون الجنائي لمخالفته مبدأ لا جريمة ولا عقوبة بغير نص.

وجدير بالإشارة أن انتحال الصفة الكاذبة أو ادعاء القيام أو التكليف بخدمة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة لايجب أن تلتبس مع انتحال الصفة الكاذبة أو اتخاذ وسيلة غير مشروعة كإحدى طرق الاحتيال في جريمة النصب اذهنا انتحال الصفة الكاذبة لا يكون إلا لتسهيل الدخول إلى المكان المسكون أو المعد للسكنى أو أحد ملحقاته كمن يدعى كذبا أنه محصل قيمة التيار الكهربائي المجرد الدخول أمام حارس العمارة أما انتحال الصفة الكاذبة أو اتخاذ الطريق غير المشروع في النصب فيكون ركنا ماديا في جريمة النصب يوجه صوب المجني عليه ذاته لاخلافه.

السرقة ولو من شخص واحد يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ (319  مكرراً ثالثاً / 3):

المعول عليه هو أن تقع السرقة والجاني حامل سلاحاً فمتى تحقق هذا الظرف تحققاً مادياً بقطع النظر عن علله وأسبابه فقد استوفى القانون مراده وحقق كلمته وليس بلازم لتشديد العقوبة ضبط السلاح طالما اطمأنت المحكمة إلى أقوال المجني عليه والشهود من أن الجاني كان يحمل سلاحاً وقت الحادثة.  (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 157)

أولاً: السرقة التي تقع في إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية (الفقرة الأولى من المادة محل التعليق):

استحدث القانون رقم 59 لسنة 1970 بتعديل قانون العقوبات هذا النوع من جنح السرقة المشددة. وقد روعي أن إجراءات الأمن لا تتوافر في هذه المسائل مما يجب معه أن يكون لدى الأشخاص وازع شخصي نحو إحترام القانون. هذا إلى أن المجني عليهم في وسائل النقل قد لا يتاح لهم الإنتفاع بحماية الشرطة.

ويقصد بوسائل النقل في هذا الشأن ما هو مقرر للاستعمال العام وتشمل قطارات السكك الحديدية وسيارات الأتوبيس ومركبات الترام والبواخر والطائرات ونحوها. فلا يتوافر الظرف المشدد في وسائل النقل الخاصة ويستوي أن تكون هذه الوسائل حاملة للركاب أو للبضائع أو البريد.

ويجب أن تقع السرقة أثناء تشغيل هذه الوسائل فلا يتوافر الظرف المشدد إن وقعت السرقة في وسيلة النقل في فترة تخزينها أو إصلاحها، على أنه يستوي أن تقع السرقة أثناء تشغيل سير وسيلة النقل أو توقفها في إحدى المحطات أو المواني أو المطارات حسب الأحوال.

ثانياً: السرقة التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكن أو أحد ملحقاته بواسطة التسور أو الكسر أو إستعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة (الفقرة الثانية من المادة محل التعليق) :

لاحظ المشرع أن السرقة من مكان مسكون عن طريق دخوله بوسيلة غير مشروعة ينطوي على إعتداء أكثر جسامة للجاني فشدد العقوبة على السرقة إذا إجتمع الظرفان المشددان معا: المسكن والوسيلة غير المشروعة.

وقد ساوى القانون بين التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة وبين انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة هو نوع من الصفة الكاذبة. ولكننا لا نقر صياغة النص التي أخذت بمطلق الوسائل غير المشروعة دون تحديدها، وهو أمر غير جائز في قانون العقوبات لمخالفته لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

ثالثاً: السرقة مع حمل السلاح (الفقرة الثالثة من المادة محل التعليق):

شدد المشرع عقوبة السرقة مع حمل السلاح، بالنظر إلى ما يترتب على حمل السلاح من بث الذعر في نفس المجني عليه وإضعاف مقاومته وتسهيل مهمة الجاني.

ويثور التساؤل عن المقصود بالسلاح في هذا الصدد ولا صعوبة بالنسبة إلى السلاح بطبيعته أي المعد أصلا للاعتداء على النفس، كالخناجر والمدافع والمسدسات والبنادق. إنما تثور الدقة بالنسبة إلى غيرها من الأسلحة التي أعدت في الأصل لأغراض بريئة إلا أنها تصلح مع ذلك في ظروف معين کوسيلة للإعتداء على الإنسان، كالمطواه والسكين والمقص والفأس وتسمى بالأسلحة بالتخصيص. ولتحديد مدى إعتبار حمل هذا النوع من السلاح ظرفاً مشدداً يتعين الرجوع إلى علة التشديد. ولما كانت هذه العلة هي خطورة الجاني المسلح، فإن السلاح بالتخصيص يمكن اعتباره ظرفاً مشدداً في السرقة متى ثبت أن الجاني قد حمله عمدا معه أثناء السرقة ليشد به أزره ويبعث به الخوف في نفس المجني عليه. وهنا نتبين أثر الخلاف بين السلاح بطبيعته والسلاح بالتخصيص في أن الأول يعتبر في جميع الأحوال ظرفاً مشدداً ولو لم يحمله الجاني معه بمناسبة السرقة بخلاف النوع الثاني فإنه لا يعتبر ظرفاً مشدداً إلا إذا حمله الجاني من أجل هذه السرقة.

ولا يشترط بعد ذلك أن يكون السلاح ظاهراً أو مخبأ. كما لا يشترط أن يضبط السلاح بالفعل بل يكفي أن تطمئن المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية إلى أن ثمة سلاح كان يحمله الجاني وقت السرقة. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الرابع، الصفحة : 255)

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 280 ، 281 ، 282   

(مادة 572) 

يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات على السرقة في إحدى الحالات التالية : 

1- إذا وقعت ليلاً من شخصين فأكثر یكون أحدهم حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ . 

2- إذا وقعت ليلاً في مكان مسكون أو معد للسكنى ، أو إحدى ملحقاته من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ .

3- إذا وقعت على أسلحة ، أو ذخيرة ، أو مهات القوات المسلحة ، أو غيرها من القوات النظامية . 

4- إذا وقعت على مهمات أو أدوات مستعملة أو معدة للإستعمال في مرفق المواصلات السلكية أو اللاسلكية ، أو توليد أو توصيل الكهرباء أو المياه أو الصرف الصحي التي تنشئها الحكومة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو وحدات القطاع العام ، أو المرخص في إنشائها لمنفعة عامة . 

وتكون العقوبة السجن المؤقت ، إذا توافرت في السرقة أكثر من حالة من الحالات المشار إليها في هذه المادة . 

(مادة 573) 

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز سبع سنوات إذا وقعت السرقة مع توافر أحد الظروف الآتية : 

1- أن تقع في مكان معد للعبادة ، أو مكان مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته . 

2- أن تقع في إحدى وسائل النقل البرية ، أو المائية ، أو الجوية ، أو في محطة ، أو ميناء ، أو مطار . 

3- إذا وقعت ليلاً . 

4- إذا وقعت بطريق التسور أو الكسر من الخارج ، أو إستعمال مفاتيح مصطنعة أو صحيحة بغير موافقة صاحبها . 

5- إذا وقعت عن طريق تحطيم وعاء أو حرز أيا كان ، أو عن طريق إقتحام غرفة بالكسر . 

6- إذا وقعت من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ . 

7- إذا وقعت من شخص يتخذ صفة عامة صحيحة أو كاذبة ، أو يدعى القيام بخدمة عامة . 

8- إذا وقعت من شخصين فأكثر . 

9- إذا وقعت من عامل في مكان عمله ، أو إضراراً بمتبوعه ، أو ممن يحترف النقل على الأشياء المكلف بنقلها ، أو من صاحب صناعة أو حرفة على الأشياء المسلمة له بهذه الصفة. 

10- إذا وقعت أثناء الحرب على الجرحى ، ولو من الأعداء .

11- إذا وقعت على دابة من دواب الركوب ، أو الجر ، أو الحمل ، أو على ماشية . 

12- إذا وقعت السرقة بطريق النشل . 

الجرائم الواقعة على المال 

الفصل الأول

السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز 

المواد من (567) - (584) : 

تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه. 

كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة . 

2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة . 

3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة . 

4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة . 

5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة. 

هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان . 

6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد  أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة . 

7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث . 

8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها . 

9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث . 

10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته . 

واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة . 

11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة . 

12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال . 

أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه . 

13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس ، الصفحة / 98

إِكْرَاهٌ

التَّعْرِيفُ:

قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: أَكْرَهْتُهُ، حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ هُوَ لَهُ كَارِهٌ - وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ نَحْوُهُ - وَمَضَى صَاحِبُ اللِّسَانِ يَقُولُ: وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُرْهَ وَالْكَرْهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الأْحْرُفِ الَّتِي ضَمَّهَا هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَتَحُوهَا فَرْقًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلاَ فِي سُنَّةٍ تُتَّبَعُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الْكَرْهُ (بِالْفَتْحِ): الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ: الْقَهْرُ، وَقِيلَ: (بِالْفَتْحِ) الإْكْرَاهُ، « وَبِالضَّمِّ » الْمَشَقَّةُ. وَأَكْرَهْتُهُ عَلَى الأْمْرِ إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ قَهْرًا. يُقَالُ: فَعَلْتُهُ كَرْهًا « بِالْفَتْحِ » أَيْ إِكْرَاهًا – وَعَلَيْهِ قوله تعالى (طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) فَجَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.

وَلَخَصَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فُقَهَاؤُنَا إِذْ قَالُوا: الإِْكْرَاهُ لُغَةً: حَمْلُ الإْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ: أَكْرَهْتُ فُلاَنًا إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ.وَالْكَرْهُ « بِالْفَتْحِ » اسْمٌ مِنْهُ (أَيِ اسْمُ مَصْدَرٍ).

أَمَّا الإْكْرَاهُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ: فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ.

وَعَرَّفَهُ الْبَزْدَوِيُّ بِأَنَّهُ: حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ يَمْتَنِعُ عَنْهُ بِتَخْوِيفٍ يَقْدِرُ الْحَامِلُ عَلَى إِيقَاعِهِ وَيَصِيرُ الْغَيْرُ خَائِفًا بِهِ.

أَوْ هُوَ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ (أَيِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ) مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ.

وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ، فَسَّرُوهُ بِالْخَوْفِ، وَلَوْ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ الظَّلَمَةُ بِالْمُتَّهَمِينَ كَيْدًا. فَإِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْحَيَاءَ مَثَلاً، أَوِ التَّوَدُّدَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.

وَالْفِعْلُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) لَيْسَ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ خِلاَفِ الْقَوْلِ، وَلَوْ إِشَارَةَ الأْخْرَسِ، أَوْ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ، فَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ - لأِنَّهُ مِنْ عَمَلِ اللِّسَانِ - وَلَوْ مَفْهُومًا بِدَلاَلَةِ الْحَالِ مِنْ مُجَرَّدِ الأْمْرِ: كَأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوِ الأْمِيرِ، وَأَمْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَأَمْرِ الْخَانِقِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ الإْصْرَارُ.

وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إِكْرَاهٌ - وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْ - وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ تَضَمُّنَهُ التَّهْدِيدَ بِدَلاَلَةِ الْحَالِ.

وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَوِي الْبَطْشِ وَالسَّطْوَةِ أَيًّا كَانُوا، وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ نَفْسُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَجَبِّرِينَ التَّرَفُّعَ عَنِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُعَاقِبُونَ مُخَالِفِيهِمْ إِلاَّ بِهِ.

ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ - فِعْلٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) نَفْسِهِ - وَلَوْ كَانَ تَهْدِيدًا بِأَخْذِ أَوْ حَبْسِ مَالِهِ الَّذِي لَهُ وَقْعٌ، لاَ التَّافِهِ الَّذِي لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ تَهْدِيدًا بِالْفُجُورِ بِامْرَأَتِهِ إِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.وَيَسْتَوِي التَّهْدِيدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ الْمُهَدَّدِ بِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَخَذَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَغَطَّهُ فِي الْمَاءِ لِيَرْتَدَّ، وَالتَّهْدِيدُ الْمُجَرَّدُ، خِلاَفًا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُجَرَّدِ التَّهْدِيدِ، كَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدَهُ. الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ عَمَّارٍ هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الآْخَرُونَ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ لاَ فَرْقَ، وَإِلاَّ تَوَصَّلَ الْمُعْتَدُونَ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ - بِالتَّهْدِيدِ الْمُجَرَّدِ - دُونَ تَحَمُّلِ تَبَعَةٍ، أَوْ هَلَكَ الْوَاقِعُ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّهْدِيدُ إِذَا رَفَضُوا الاِنْصِيَاعَ لَهُ، فَكَانَ إِلْقَاءً بِالأْيْدِي فِي التَّهْلُكَةِ، وَكِلاَهُمَا مَحْذُورٌ لاَ يَأْتِي الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. بَلْ فِي الأْثَرِ عَنْ عُمَرَ - وَفِيهِ انْقِطَاعٌ - مَا يُفِيدُ هَذَا التَّعْمِيمَ: ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً فِي عَهْدِهِ تَدَلَّى يَشْتَارُ (يَسْتَخْرِجُ) عَسَلاً، فَوَقَفَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى الْحَبْلِ، وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا، وَإِلاَّ قَطَعْتُهُ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالإْسْلاَمَ، فَقَالَتْ: لَتَفْعَلَنَّ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا. وَرُفِعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى عُمَرَ، فَرَأَى طَلاَقَ الرَّجُلِ لَغْوًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَرْأَةَ وَلِذَا اعْتَمَدَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ الْفَرْقِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِ رَجُلٍ لاَ يَمُتُّ إِلَى الْمُهَدَّدِ بِسَبَبٍ، إِنْ هُوَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَكَانِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ يُرَادُ لِلْقَتْلِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِكْرَاهًا، حَتَّى لَوْ أَنَّهُ وَقَعَتِ الدَّلاَلَةُ مِمَّنْ طُلِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ، لَكَانَ الدَّالُّ مُعِينًا عَلَى هَذَا الْقَتْلِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُعِينُ شَرِيكٌ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ - وَذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي أَجْنَبِيٍّ إِكْرَاهٌ فِي الأْيْمَانِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ.

وَالْفِعْلُ، فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ)، هُوَ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ لاَ تَقْبَلُ الإْكْرَاهَ، فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ بِلاَ شَكٍّ.

وَفِيمَا يُسَمِّيهِ فُقَهَاؤُنَا بِالْمُصَادَرَةِ فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَمَا إِلَيْهَا، الْفِعْلُ الَّذِي يُطْلَبُ مِنَ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) دَفْعُ الْمَالِ وَغَرَامَتُهُ، لاَ سَبَبُ الْحُصُولِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ - كَاسْتِقْرَاضٍ - فَيَصِحُّ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَخْلَصَ لَهُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ فِي إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُ. وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي جَعْلِ السَّبَبِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ - أَنْ يَقُولَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مِنْ أَيْنَ أَتَى بِالْمَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) سَبَبًا، كَأَنْ قَالَ لَهُ: بِعْ كَذَا، أَوْ عِنْدَ ابْنِ نُجَيْمٍ اقْتَصَرَ عَلَى الأْمْرِ بِالْبَيْعِ دُونَ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَقَعَ هَذَا السَّبَبُ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ طَائِلَةِ الإْكْرَاهِ.

وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ - بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمُتَابِعِيهِ - إِذْ جَعَلُوا السَّبَبَ أَيْضًا مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِإِطْلاَقٍ.

وَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ بِإِيذَاءِ الْغَيْرِ، مِمَّنْ يُحِبُّهُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ - عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الإْكْرَاهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ - بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ

الْمَحْبُوبُ رَحِمًا مَحْرَمًا، أَوْ - كَمَا زَادَ بَعْضُهُمْ - زَوْجَةً.

وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُقَيِّدُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا وَإِنْ نَزَلَ، أَوْ وَالِدًا وَإِنْ عَلاَ. وَالشَّافِعِيَّةُ - وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الأْصُولِيَّةِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يُقَيِّدُونَهُ إِلاَّ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِيذَاؤُهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَالزَّوْجَةِ، وَالصَّدِيقِ، وَالْخَادِمِ. وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. حَتَّى لَقَدِ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنَ الإْكْرَاهِ مَا لَوْ قَالَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، أَوِ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ (دُونَ غَيْرِهِمَا): طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، وَإِلاَّ قَتَلْتُ نَفْسِي، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَالَ: وَإِلاَّ كَفَرْتُ، لأِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ.

وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى.

كَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الإْلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ، أَيِ: الإِْلْجَاءِ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَافِي لِلْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ - وَجَارَاهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - اكْتَفُوا بِظَنِّ الضَّرَرِ مِنْ جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَعِبَارَتُهُمْ: يَكُونُ (أَيِ الإْكْرَاهُ) بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ:

الرِّضَا لُغَةً: الاِخْتِيَارُ. يُقَالُ: رَضِيتُ الشَّيْءَ وَرَضِيتُ بِهِ: اخْتَرْتُهُ.

وَالاِخْتِيَارُ لُغَةً: أَخْذُ مَا يَرَاهُ خَيْرًا.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا.

فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ هُوَ: امْتِلاَءُ الاِخْتِيَارِ وَبُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إِلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ وَنَحْوِهَا.

أَوْ هُوَ: إِيثَارُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُهُ.

وَالاِخْتِيَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الآْخَرِ.

أَوْ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ.

حُكْمُ الإْكْرَاهِ:

الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ مُحَرَّمًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ إِحْدَى الْكَبَائِرِ، لأِنَّهُ أَيْضًا يُنْبِئُ بِقِلَّةِ الاِكْتِرَاثِ بِالدَّيْنِ، وَلأِنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ».

شَرَائِطُ الإْكْرَاهِ

الشَّرِيطَةُ الأْولَى:

قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ، لِكَوْنِهِ مُتَغَلِّبًا ذَا سَطْوَةٍ وَبَطْشٍ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَلاَ أَمِيرًا - ذَلِكَ أَنَّ تَهْدِيدَ غَيْرِ الْقَادِرِ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ.

الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:

خَوْفُ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) مِنْ إِيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ إِذَا كَانَ الْمَخُوفُ عَاجِلاً. فَإِنْ كَانَ آجِلاً، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالأْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ مَعَ التَّأْجِيلِ. وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَلَوْ إِلَى الْغَدِ.

وَالْمَقْصُودُ بِخَوْفِ الإْيقَاعِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، ذَلِكَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الأْدِلَّةِ، وَتَعَذُّرِ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِيقَةِ.

الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ:

أَنْ يَكُونَ مَا هُدِّدَ بِهِ قَتْلاً أَوْ إِتْلاَفَ عُضْوٍ، وَلَوْ بِإِذْهَابِ قُوَّتِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَإِذْهَابِ الْبَصَرِ، أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَطْشِ أَوِ الْمَشْيِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهَا، أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَمِنْهُ تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُلِ بِاللِّوَاطِ.

أَمَّا التَّهْدِيدُ بِالإْجَاعَةِ، فَيَتَرَاوَحُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، فَلاَ يَصِيرُ مُلْجِئًا إِلاَّ إِذَا بَلَغَ الْجُوعُ بِالْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) حَدَّ خَوْفِ الْهَلاَكِ.

ثُمَّ الَّذِي يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْشْخَاصِ وَالأْحْوَالِ: فَلَيْسَ الأْشْرَافُ كَالأْرَاذِلِ، وَلاَ الضِّعَافُ كَالأْقْوِيَاءِ، وَلاَ تَفْوِيتُ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَتَفْوِيتِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، يُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ قَدْرَهَا.

الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ:

أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَوْلاَ الإْكْرَاهُ، إِمَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ - وَإِمَّا لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، وَإِمَّا لِحَقِّ الشَّرْعِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ ظُلْمًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ، أَوْ نَفْسِ هَذَا الشَّخْصِ، أَوِ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَوْ عَلَى ارْتِكَابِ مُوجِبِ حَدٍّ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ:

أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى إِطْلاَقِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُتَعَيِّنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - مَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُصَادَرَةِ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي فِقْرَةِ .

وَمِنْهُ يُسْتَنْبَطُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَالَةِ الإْبْهَامِ أَدْنَى إِلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ أَوْغَلُ فِي الاِعْتِدَادِ بِالإْكْرَاهِ حِينَئِذٍ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ مَجَالُ الإْبْهَامِ أُمُورًا مُعَيَّنَةً.

أَمَّا الإْكْرَاهُ عَلَى طَلاَقِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، أَوْ قَتْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ:

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمَعَهُمْ مُوَافِقُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِرَغْمِ هَذَا التَّخْيِيرِ.

وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يَتَحَقَّقُ؛ لأِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ طَلاَقِ كُلٍّ بِطَلاَقِ الأْخْرَى، وَكَذَا فِي الْقَتْلِ، نَتِيجَةَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ.وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.

الشَّرِيطَةُ السَّادِسَةُ:

أَلاَّ يَكُونَ لِلْمُكْرَهِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خُيِّرَ الْمُكْرَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِتَسَاوِي هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ أَوْ تَفَاوُتِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ وَالْحِلُّ، وَتَفْصِيلُ الْكَلاَمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:

إِنَّ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلاَ يُبَاحُ أَصْلاً، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا وَالْقَتْلِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ طَلاَقِ امْرَأَتِهِ وَبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْنَ جَمْعِ الْمُسَافِرِ الصَّلاَةَ فِي الْحَجِّ وَفِطْرِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الأْرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ الأَْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُرْمَةِ أَوِ الْحِلِّ، يَتَرَتَّبُ حُكْمُ الإْكْرَاهِ عَلَى فِعْلِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ بِخِلاَفَاتِهِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ إِلاَّ عَلَى الأْحَدِ الدَّائِرِ دُونَ تَفَاوُتٍ، وَهَذَا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي مُعَيَّنٍ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، فَنَفَوْا حُصُولَ الإْكْرَاهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.

وَإِنْ تَفَاوَتَ الأْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مَنْدُوحَةً، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى الْمُقَابِلِ لَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْمُقَابِلُ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَالْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَمْ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَمْ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَبَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ، وَالإْفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ حُكْمُهُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ بِخِلاَفَاتِهِ.

وَتَكُونُ هَذِهِ الأْفْعَالُ مَنْدُوحَةً مَعَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ لاَ تَكُونُ مَنْدُوحَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَفِي الصُّوَرِ الثَّلاَثَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَهِيَ مَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّ الزِّنَى أَوِ الْقَتْلَ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ فِعْلُهُ صَادِرًا عَنْ طَوَاعِيَةٍ لاَ إِكْرَاهٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الإْذْنُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ، وَكَانَ الْفَاعِلُ عَالِمًا بِالإْذْنِ لَهُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ عِنْدَ الإْكْرَاهِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ فِي حُكْمِ الأْمْرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الإْبَاحَةِ، فَلاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَنْدُوحَةً عَنْ فِعْلِ الآْخَرِ، وَيَكُونُ 

الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، مَتَى كَانَ بِأَمْرٍ مُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوْ لأِحَدِ الأْعْضَاءِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ أَوِ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مَنْدُوحَةً عَنِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا يَظَلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوْ بِغَيْرِ مُتْلِفٍ لأِحَدِهِمَا، لأِنَّ الإْكْرَاهَ بِغَيْرِ الْمُتْلِفِ لاَ يُزِيلُ الْحَظْرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا. وَالإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ - وَإِنْ كَانَ يُزِيلُ الْحَظْرَ - إِلاَّ أَنَّ إِزَالَتَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الاِضْطِرَارِ، وَلاَ اضْطِرَارَ مَعَ وُجُودِ الْمُقَابِلِ الْمُبَاحِ.

تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ

يَنْقَسِمُ الإْكْرَاهُ إِلَى: إِكْرَاهٍ بِحَقٍّ، وَإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَإِكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ.

أَوَّلاً: الإْكْرَاهُ بِحَقٍّ:

تَعْرِيفُهُ:

هُوَ الإْكْرَاهُ الْمَشْرُوعُ، أَيِ الَّذِي لاَ ظُلْمَ فِيهِ وَلاَ إِثْمَ.

وَهُوَ مَا تَوَافَرَ فِيهِ أَمْرَانِ:

الأْوَّلُ: أَنْ يَحِقَّ لِلْمُكْرِهِ التَّهْدِيدُ بِمَا هَدَّدَ بِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِقُّ لِلْمُكْرِهِ الإْلْزَامُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ عَلَى الإْسْلاَمِ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ، حَيْثُ تَوَافَرَ فِيهِ الأْمْرَانِ، وَكَذَلِكَ إِكْرَاهُ الْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِكْرَاهُ الْمُولِي عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى زَوْجَتِهِ أَوْ طَلاَقِهَا إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الإْيلاَءِ.

أَثَرُهُ:

وَالْعُلَمَاءُ عَادَةً يَقُولُونَ: إِنَّ الإْكْرَاهَ بِحَقٍّ، لاَ يُنَافِي الطَّوْعَ الشَّرْعِيَّ - وَإِلاَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ إِكْرَاهَ الْعِنِّينِ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى الإْنْفَاقِ، وَالْمَدِينِ وَالْمُحْتَكِرِ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَرْضٌ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَقْبَرَةِ أَوِ الطَّرِيقِ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ التَّوْسِيعِ، وَمَنْ مَعَهُ طَعَامٌ يَحْتَاجُهُ مُضْطَرٌّ.

ثَانِيًا: الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ:

تَعْرِيفُهُ:

الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الإْكْرَاهُ ظُلْمًا، أَوِ الإْكْرَاهُ الْمُحَرَّمُ، لِتَحْرِيمِ وَسِيلَتِهِ، أَوْ لِتَحْرِيمِ الْمَطْلُوبِ بِهِ. وَمِنْهُ إِكْرَاهُ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لَهُ.

الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ:

تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ يَتَفَرَّدُ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ.

فَالإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِإِتْلاَفِ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهَا، أَوْ بِإِتْلاَفِ جَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ بِقَتْلِ مَنْ يُهِمُّ الإْنْسَانَ أَمْرُهُ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ وَلاَ يُعْدِمُهُ. أَمَّا إِعْدَامُهُ لِلرِّضَا، فَلأِنَّ الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَكُونُ مَعَ أَيِّ إِكْرَاهٍ.

وَأَمَّا إِفْسَادُهُ لِلاِخْتِيَارِ دُونَ إِعْدَامِهِ، فَلأِنَّ الاِخْتِيَارَ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ بِتَرْجِيحٍ مِنَ الْفَاعِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَزُولُ بِالإْكْرَاهِ، فَالْمُكْرَهُ يُوقِعُ الْفِعْلَ بِقَصْدِهِ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ تَارَةً يَكُونُ صَحِيحًا سَلِيمًا، إِذَا كَانَ مُنْبَعِثًا عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَتَارَةً يَكُونُ فَاسِدًا، إِذَا كَانَ ارْتِكَابًا لأِخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كِلاَهُمَا شَرٌّ، فَفَعَلَ أَقَلَّهُمَا ضَرَرًا بِهِ، فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ لِمَا فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، بَلِ اخْتِيَارًا فَاسِدًا.

وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ: الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ، كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَالضَّرْبِ الَّذِي لاَ يُخْشَى مِنْهُ الْقَتْلُ أَوْ تَلَفُ بَعْضِ الأْعْضَاءِ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لاَ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ اضْطِرَارِ الْمُكْرَهِ إِلَى الإْتْيَانِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ مَا هُدِّدَ بِهِ بِخِلاَفِ النَّوْعِ الأْوَّلِ.

أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُقَسِّمُوا الإْكْرَاهَ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الإْكْرَاهُ وَمَا لاَ يَتَحَقَّقُ، وَمِمَّا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يُؤْخَذُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ بِمَا سَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَمَّا مَا يُسَمَّى بِالإْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَعَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأْخْرَى لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا.

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ، فَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي لاَ يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: الْكُفْرُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالْمَعْصِيَةُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ، كَالْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ، وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ لَهَا زَوْجٌ، وَسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ صَحَابِيٍّ، أَوْ قَذْفٍ لِمُسْلِمٍ.

وَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: شُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالطَّلاَقُ وَالأْيْمَانُ وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالآْثَارِ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ:

هَذَا الأْثَرُ مَوْضِعُ خِلاَفٍ، بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِاخْتِلاَفِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ الإْكْرَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الإْقْرَارَاتِ، كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ إِبْطَالَ الإْقْرَارِ وَإِلْغَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ. فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِمَالٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ طَلاَقٍ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَاطِلاً، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، لأِنَّ الإْقْرَارَ إِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّرْجِيحُ مَعَ الإْكْرَاهِ، إِذْ هُوَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لاَ يَقْصِدُ بِإِقْرَارِهِ الصِّدْقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُدِّدَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ فِيهَا إِفْسَادَهَا لاَ إِبْطَالَهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، حَسَبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لاَزِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْمُكْرَهُ الثَّمَنَ، أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُهُ.

وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الإْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ لاَ يُعْدِمُ الاِخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ فِعْلِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ أَوِ الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ الاِرْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَإِذَنْ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى فِقْدَانِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ لاَ بُطْلاَنُهُ. وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالُوا بِصِحَّتِهِمَا مَعَ الإْكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ مُلْجِئًا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: الزَّوَاجُ وَالطَّلاَقُ وَمُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ.

وَعَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ - عِنْدَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ - قَائِمًا مَقَامَ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقَائِلِهِ قَصْدٌ إِلَى مَعْنَاهُ، كَمَا فِي الْهَازِلِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ صَحِيحَةً إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ، مَعَ انْعِدَامِ قَصْدِهِ إِلَيْهَا، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآْثَارِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأْفْعَالِ، كَالإْكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ مَنْ لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ لِغَيْرِهِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الإْكْرَاهِ وَالْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.

فَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ غَيْرَ مُلْجِئٍ - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ، أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَلاَ يَحِلُّ الإْقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ. وَإِذَا أَقْدَمَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) عَلَى الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ كَانَتِ الْمَسْئُولِيَّةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، لاَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ.

وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْعَمَلِ الْمُهِينِ لِذِي الْجَاهِ - فَالأْفْعَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

أ - أَفْعَالٌ أَبَاحَهَا الشَّارِعُ أَصَالَةً دُونَ إِكْرَاهٍ كَالأْكْلِ وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى ارْتِكَابِهَا وَجَبَ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) أَنْ يَرْتَكِبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.

ب - أَفْعَالٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ إِتْيَانَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ أَوِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ، فَالْعَقْلُ مَعَ الشَّرْعِ يُوجِبَانِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.

فَهَذِهِ يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ فِعْلُهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الإْتْيَانُ بِهَا، إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قَتْلُ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وَلاَ شَكَّ أَنَّ الإْكْرَاهَ الْمُلْجِئَ مِنَ الضَّرُورَةِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ الإْثْمَ فِيهَا. فَيُبَاحُ الْفِعْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا. وَتَنَاوُلُ الْمُبَاحِ دَفْعًا لِلْهَلاَكِ عَنِ النَّفْسِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا - وَاجِبٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا لَمْ يُحَدَّ، لأَِنَّهُ لاَ جِنَايَةَ حِينَئِذٍ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا شُرِعَ زَجْرًا عَنِ الْجِنَايَاتِ.

ج - أَفْعَالٌ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى مَاتَ، كَانَ مُثَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوِ الاِسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْإنْسَانُ عَلَى الإْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ).

وَمِنَ السُّنَّةِ مَا جَاءَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ « أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ: شَرٌّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ  صلى الله عليه وسلم : فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، قَالَ  صلى الله عليه وسلم : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ».

وَقَدْ أَلْحَقَ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ بِهَذَا النَّوْعِ الإْكْرَاهَ عَلَى إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَوْ صَبَرَ وَتَحَمَّلَ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ الإْتْلاَفِ عَلَى الْحَامِلِ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْفَاعِلِ، لأِنَّ فِعْلَ الإْتْلاَفِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، فَيَثْبُتُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

د - أَفْعَالٌ لاَ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، فَهَذِهِ الأْفْعَالُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْهَا ضَيَاعُ نَفْسِهِ، لأِنَّ نَفْسَ الْغَيْرِ مَعْصُومَةٌ كَنَفْسِ الْمُكْرَهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عِقَابُ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي نَوْعِ هَذَا الْعِقَابِ.

فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: إِنَّهُ الْقِصَاصُ، لأِنَّ الْقَتْلَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ عَلَى آلَةِ الْقَتْلِ.

وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إِنَّهُ الدِّيَةُ، لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَامِلِ وَالْمُكْرَهِ.

وَهَذَا الْقَتْلُ يَقُومُ مَانِعًا مِنَ الإْرْثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مُكَلَّفًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ فَلاَ يَكُونُ مَانِعًا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفًا.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) فَلاَ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَ الْمُكْرَهِ وَلاَ الْمُكْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ كَأَنْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلأِنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا عَنِ الْمَقْتُولِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَمَّ إِكْرَاهٌ، لأِنَّ الْمُهَدَّدَ بِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ وَلاَ شَيْءَ مِنْ آثَارِهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي هَذَا الْقَتْلِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ لأَقْتُلَنَّكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُ مَا هُوَ الأْهْوَنُ فِي ظَنِّهِ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: يَصْبِرُ وَلاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ، لأِنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إِهْلاَكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.

وَنَقَلَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الأْنْهُرِ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: الزِّنَا، فَإِنَّهُ لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ الإْكْرَاهِ، كَمَا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ، لأِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا لاَ تَرْتَفِعُ بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، فَإِذَا فَعَلَهُ إِنْسَانٌ تَحْتَ تَأْثِيرِ الإْكْرَاهِ كَانَ آثِمًا، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لأِثَرِ الإْكْرَاهِ، نَصُّهُ:

الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْقَوْلِ أَمِ الْفِعْلِ. وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلاً يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَكَذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حِلًّا أَوْ إِقْرَارًا أَوْ يَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّخْوِيفِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى مَلأَ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) شَيْئًا مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - طَائِعًا بَعْدَ زَوَالِ الإْكْرَاهِ لَزِمَ عَلَى الأْحْسَنِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلاَ تَصِحُّ إِجَازَتُهُ.

ب - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ

صُوَرِهِ، أَوْ قَذْفِ الْمُسْلِمَ بِالزِّنَا، أَوِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ خَلِيَّةٍ (غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ)، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأْشْيَاءِ إِلاَّ فِي حَالَةِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، لاَ فِيمَا دُونَهُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ سَجْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ مُرْتَدًّا، وَيُحَدُّ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ، وَفِي الزِّنَا.

ج - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ، أَوْ عَلَى زِنًا بِمُكْرَهَةٍ، أَوْ بِامْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ، فَلاَ يَجُوزُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا لِلْقَاتِلِ مِنْ مِيرَاثِ الْمَقْتُولِ، لأِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) يُقْتَصُّ مِنْهُ أَيْضًا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ، كَالإْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَبَتْرِ الأْعْضَاءِ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ) يَخْتَارُ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ اللَّقَانِيُّ.وَإِنْ زَنَى يُحَدُّ.

د - وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ - غَيْرِ الْكُفْرِ - لاَ حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَأَكْلِهِ مَيْتَةً، أَوْ إِبْطَالِ عِبَادَةٍ كَصَلاَةٍ وَصَوْمٍ، أَوْ عَلَى تَرْكِهَا فَيَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الصَّلاَةِ يَكُونُ الإْكْرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، وَلاَ يَسْقُطُ وُجُوبُهَا. وَفِي شُرْبِ الْخَمْرِ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ.

وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِهَذَا النَّوْعِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، خِلاَفًا لِلْمَذْهَبِ.

وَيُضِيفُ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالإْكْرَاهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ لأِنَّهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.

أ - الإْكْرَاهُ بِالْقَوْلِ:

إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حَلًّا أَوْ أَيَّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَمَلاً بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ » إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ رَفْعَ مَا وَقَعَ لِمَكَانِ الاِسْتِحَالَةِ، وَإِنَّمَا رَفْعُ حُكْمِهِ، مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْعُمُومُ فِي مَوْضِعِ دَلاَلَتِهِ. وَبِمُقْتَضَى أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ يُقَرِّرُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِلاَّ فِي الصَّلاَةِ فَتَبْطُلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلاَ يَجِبُ، بَلِ الأْفْضَلُ الاِمْتِنَاعُ مُصَابَرَةً عَلَى الدِّينِ وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ.

وَفِي طَلاَقِ زَوْجَةِ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) أَوْ بَيْعِ مَالِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ فِيهِ إِذْنًا - أَبْلَغُ.

وَالإْكْرَاهُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، وَفِي الإْكْرَاهِ بِالْحُكْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، فَلاَ يَرْتَفِعُ الإْثْمُ عَنْ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلاَ عَنِ الْحَاكِمِ الْبَاطِلِ، وَحُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ حُكْمُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)

ب - الإْكْرَاهُ بِالْفِعْلِ:

لاَ أَثَرَ لِلإْكْرَاهِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلاَّ فِيمَا يَأْتِي:

(1) الْفِعْلُ الْمُضَمِّنُ كَالْقَتْلِ أَوْ إِتْلاَفِ الْمَالِ أَوِ الْغَصْبِ، فَعَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)،وَإِنْ قِيلَ: لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) بِمَا غَرِمَ فِي إِتْلاَفِ الْمَالِ، لأِنَّهُ افْتَدَى بِالإْتْلاَفِ نَفْسَهُ عَنِ الضَّرَرِ. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ: فَيُقْتَلُ هُوَ - الْمُكْرَهُ - (بِالْفَتْحِ) وَمَنْ أَكْرَهَهُ.

(2) الزِّنَا وَمَا إِلَيْهِ: يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ)

بِالزِّنَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ حُكْمُهُ.

(3) الرَّضَاعُ: فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فِي الْمُنَاكَحَاتِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا.

(4) كُلُّ فِعْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بُطْلاَنُ الصَّلاَةِ، كَالتَّحَوُّلِ عَنِ الْقِبْلَةِ، وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَتَرْكِ قِيَامِ الْقَادِرِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالْحَدَثِ، فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِمَا تَقَدَّمَ بِرَغْمِ الإْكْرَاهِ عَلَيْهِ.

(5) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ: تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الَّذِي تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) مَجُوسِيًّا، أَوْ مُحْرِمًا وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ.

قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ الإْكْرَاهَ يُسَاوِي النِّسْيَانَ، فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ، إِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ، فَلاَ يَسْقُطُ تَدَارُكُهُ، وَلاَ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الإْتْلاَفِ، فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ، إِلاَّ الْقَتْلَ عَلَى الأْظْهَرِ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:

أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ تَقَعُ بَاطِلَةً مَعَ الإْكْرَاهِ إِلاَّ النِّكَاحَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإْكْرَاهِ، قِيَاسًا لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِلِ.وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ مَعَ الإْكْرَاهُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ « لاَ طَلاَقَ فِي إِغْلاَقٍ »، وَالإْكْرَاهُ مِنَ الإْغْلاَقِ.

ب - وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لاَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، وَمَتَى زَالَ عَنْهُ الإْكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إِسْلاَمِهِ، وَالأْفْضَلُ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَصْبِرَ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الإْسْلاَمِ مَنْ لاَ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَأَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الإْسْلاَمِ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلاَمِهِ طَوْعًا.

أَمَّا مَنْ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ عَلَى الإْسْلاَمِ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ فَأَسْلَمَ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا.

ج - وَالإْكْرَاهُ يُسْقِطُ الْحُدُودَ عَنِ الْمُكْرَهِ، لأِنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ

د - وَإِذَا أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ صَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَحَبَّ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ أَحَدِهِمَا، وَأَخْذَ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنَ الآْخَرِ أَوِ الْعَفْوَ فَلَهُ ذَلِكَ.وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ.

وَالْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) فَإِنَّهُ

يَكُونُ هَدَرًا، وَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ دِيَةَ وَلاَ قِصَاصَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

أَثَرُ إِكْرَاهِ الصَّبِيِّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ:

إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ صَبِيًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ آلَةً فِي يَدِ الْمُكْرِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ.

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، اعْتُبِرَ آلَةً عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ.

وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ). وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، لاَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، لأَِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ، وَالْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) شَرِيكُ الْمُخْطِئِ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 153

اشْتِرَاطُ حَمْلِ السِّلاَحِ لِحَدِّ الْحِرَابَةِ (قَطْعُ الطَّرِيقِ):

يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الَّذِي يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سِلاَحٌ، وَالْحِجَارَةُ وَالْعَصَا سِلاَحٌ هُنَا، فَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلنَّاسِ بِالْعِصِيِّ وَالأْحْجَارِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ.

وَلاَ يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمْلَ السِّلاَحِ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَوْ بِالْكَسْرِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ، أَيْ: بِالْكَفِّ مَقْبُوضَةً.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 359

الْمُكَابَرَةُ وَحَدُّ السَّرِقَةِ

4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ السَّارِقِ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَابَرَةِ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَابَرَ إِنْسَانًا لَيْلاً حَتَّى سَرَقَ مَتَاعَهُ لَيْلاً فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ لأَِنَّ سَرِقَتَهُ قَدْ تَمَّتْ حِينَ كَابَرَهُ لَيْلاً فَإِنَّ الْغَوْثَ بِاللَّيْلِ قَلَّ مَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ تَمَكُّنُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَالسَّارِقُ قَدِ اسْتَخْفَى فِعْلُهُ مِنَ النَّاسِ بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ مَالاً فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ اسْتِحْسَانًا لأَِنَّ الْغَوْثَ فِي الْمِصْرِ بِالنَّهَارِ يَلْحَقُهُ عَادَةً فَالآْخِذُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ غَيْرَ مُسْتَخْفٍ لَهُ، وَذَلِكَ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي السَّرِقَةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمُكَابِرُ هُوَ الآْخِذُ لِلْمَالِ مِنْ صَاحِبِهِ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ فَلاَ قَطْعَ لأَِنَّهُ غَاصِبٌ وَالْغَاصِبُ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَابَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِهِ لَهُ مِنَ الْحِرْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِاللَّيْلِ دَارًا وَكَابَرُوا وَمَنَعُوا صَاحِبَ الدَّارِ مِنَ الاِسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 297

اللَّيْلُ:

اللَّيْلُ: فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوِ الشَّمْسِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: هُوَ مِنْ غِيَابِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوْ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

والصلة بين اليوم والليل التضاد .