loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كان الطاعن أدين بجريمة سرقة التيار الكهربائي المؤثمة بالمادة 317 من قانون العقوبات ، وكان القرار بالقانون رقم 87 لسنة 2015 - بإصدار قانون الكهرباء - قد صدر بعد الحكم المطعون فيه ، ونص فى مادته الواحدة والسبعين على أنه : " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر .... ، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي ، وتنقضي الدعوى الجنائية فى حال التصالح " . وإذ كان البين من مطالعة المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن الطاعن قدم دليل سداد قيمة التيار الكهربائي محل الجريمة التي دين بها ، فإن القانون الجديد يكون هو الأصلح له - المتهم - وقد صدر بعد وقوع الفعل وقبل الفصل فيه بحكم بات ، فإنه يكون هو الواجب التطبيق ولمحكمة النقض من تلقاء نفسها عملاً بما هو مخول لها بمقتضى المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 - فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض – أن تقضي بنقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف وبانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح .

(الطعن رقم 23361 لسنة 4 جلسة 2015/11/15)

2- المكان المسور هو كل مكان محاط بسياج يضع به الحائز عقبة حقيقية تعترض كل داخل إليه عن غير طرق بابه المعد لذلك، وعليه فإن العنصر الأساسي فى فكرة التسور هو " العقبة " التي تعترض الداخل إليه من غير بابه، بحيث يتعين عليه أن يبذل مجهوداً غير عادياً للدخول إليه، فإذا كان المكان محاط بسياج ولكن من ثلاث جهات فقط أو أحاط به من جميع الجهات ولكن تركت فيه فتحة كبيرة يستطيع أي شخص أن يدخل منها بدون صعوبة أو كان السياج منخفضاً وكان القصد منه أن يكون بمثابة حدود ترسم به أبعاد المكان، فإن المكان لا يعتبر مسوراً، ذلك أن المشرع لم يعرف المكان المسور ولكن إقتصر فى المادة 317 من قانون العقوبات علي بيان أماكن مسورة صنعت بمواد أوردها علي سبيل المثال وعليه فقد تكون مادة التسور حديداً أو أسلاكاً أو زجاجاً أو غيرها. وكان الحكم المطعون فيه قد أعتبر مكان وقوع الجريمة طريقا عاما لما أورده من مؤدى معاينة النيابة العامة أن الطريق يصلح لمرور المركبات والدواب والمارة، وهو ما لا يتناقض مع ما أشار إليه الطاعنين بأسباب الطعن علي فرض صحته من أن المعاينة أوردت أن مكان الواقعة أرض فضاء محاطة بالبراميل، إذ أن رسم السياج علي هذا النحو لا يشكل عقبة حقيقية تعترض كل داخل إليه، ويكون الحكم قد أصاب صحيح القانون، ويضحي النعي فى هذا المقام تأويلاً غير صحيح فى القانون.

(الطعن رقم 18765 لسنة 71 جلسة 2009/01/26 س 60 ص 96 ق 12)

3- الطريق العام هو كل طريق يباح للجمهور المرور فيه فى كل وقت وبغير قيد سواء كانت الأرض مملوكة للحكومة أم للأفراد ، وأن مفهوم الطريق العام يسرى على ما فى داخل المدن أو القرى أو خارجها سواء بسواء ، وأن الحكمة فى تشديد العقوبة على السرقات التي تقع فى الطرق العمومية هي تأمين المواصلات ، وكان من المقرر أيضاً أن المكان المسور هو كل مكان محاط بسياج يضع به الحائز عقبة حقيقة تعترض كل داخل إليه عن غير طرق بابه المعد لذلك ، وعليه فإن العنصر الأساسي فى فكرة التسور هو العقبة التي تعترض الداخل إليه من غير بابه ، بحيث يتعين عليه أن يبذل مجهوداً غير عادياً للدخول إليه ، فإذا كان المكان محاط بسياج ولكن من ثلاث جهات فقط أو أحاط به من جميع الجهات ولكن تركت فيه فتحة كبيرة يستطيع أي شخص أن يدخل بدون صعوبة أو كان السياج منخفضاً وكان القصد منه أن يكون بمثابة حدود ترسم به أبعاد المكان ، فإن المكان لا يعتبر مسوراً ، ذلك أن المشرع لم يعرف المكان المسور ولكن اقتصر فى المادة 317 من قانون العقوبات على بيان أماكن مسورة صنعت بمواد أوردها على سبيل المثال وعليه فقد تكون مادة التسور حديداً أو أسلاكاً أو زجاجاً أو غيرها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر مكان وقوع الجريمة طريقاً عاماً لما أورده من مودى معاينة النيابة العامة أن الطريق يصلح لمرور المركبات والدواب والمارة ، وهو ما لا يتناقض مع ما أشار إليه الطاعنين بأسباب الطعن على فرض صحته من أن المعاينة محاطة بالبراميل ، إذ أن رسم السياج على هذا النحو لا يشكل عقبة حقيقية تعترض كل داخل إليه ، ويكون الحكم قد أصاب صحيح القانون ويضحى النعي فى هذا المقام تأويلاً غير صحيح فى القانون .

(الطعن رقم 18765 لسنة 71 جلسة 2009/01/26 س 60 ص 96 ق 12)

4- يكفي لتوفر ظرف تعدد الجناة المنصوص عليه فى الفقرة الخامسة من المادة 317 من قانون العقوبات وقوع السرقة من شخصين فأكثر - لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن مقارفة جريمة الشروع فى السرقة مع شخص آخر فإن الحكم إذ أنزل عليه العقاب بموجب المواد 45، 47، 317 / 5 ، 321 من قانون العقوبات يكون بريئاً من قالة الخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 134 لسنة 48 جلسة 1978/05/07 س 29 ع 1 ص 474 ق 88)

5- إذا طلبت النيابة العامة من المحكمة أن تطبق فى حق المتهمين الفقرة السابعة من المادة 317 من قانون العقوبات فإعتبرتهما المحكمة فاعلين أصليين فى جريمة السرقة و طبقت فى حقهما الفقرة الخامسة من هذه المادة و عاقبتهما بالحبس مع الشغل لمدة شهرين فإنه لا يكون لهما جدوى من القول بأن النيابة العامة لم تطلب تطبيق الفقرة الخامسة من المادة 317 من قانون العقوبات فى حقهما .

(الطعن رقم 181 لسنة 26 جلسة 1956/04/16 س 7 ع 2 ص 564 ق 163)

6- لا جدوى للطاعن مما يثيره فى صدد عدم ثبوت الإكراه فى السرقة ما دامت العقوبة المقضي بها عليه تدخل فى نطاق العقوبة المقررة بالمادة 317 من قانون العقوبات للسرقة التي تحصل ليلاً و هو ما يسلم به .

(الطعن رقم 345 لسنة 21 جلسة 1951/05/07 س 2 ع 3 ص 1053 ق 384)

7- لا جدوى للمتهم من القول بأن الفقرة السابعة من المادة 317 من قانون العقوبات غير منطبقة فى حقه ما دامت مدة الحبس المقضى عليهما بها المقررة فى القانون لجريمة السرقة البسيطة المنطبقة على المادة 318 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 181 لسنة 26 جلسة 1956/04/16 س 7 ع 2 ص 564 ق 163)

8- إن المادة 317 /8 من قانون العقوبات صريحة فى اعتبار الاختلاسات التي تحصل من المحترفين بنقل الأشياء فى العربات أو المراكب أو أحد أتباعهم، إذا سلمت إليهم الأشياء المذكورة بصفتهم السابقة، من قبيل السرقة، وإعطائها حكمها، بالرغم من وجود المال المختلس فى يد من اختلسه عند وقوع الاختلاس. وإذن فليس فى القانون ما يلزم صاحب المال المسروق، بتقديم دليل كتابي على وجود هذا المال تحت يد سارقيه، بل يخضع الإثبات فى هذا الأمر إلى قواعد الإثبات فى المواد الجنائية عامة.

(الطعن رقم 1031 لسنة 21 جلسة 1951/11/05 س 3 ع 1 ص 129 ق 49)

9- لما كان الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه أثناء مرور الشرطيين السريين ... ...، .... ... فى ميناء الإسكندرية ضبطا الطاعن والمتهم الآخر ومعهما عربة نقل محملة بورق كرافت وبسؤالهما اعترفا بأن الحمولة مسروقة من ميناء البصل وأقر الطاعن بقصد السرقة بينما قرر زميله المتهم الآخر بأن الطاعن طلب إليه نقل الورق المسروق فتوجه معه إلى باب الجمرك حيث قام بوضع الورق المسروق على العربة وتم ضبطهما حال محاولتهما الخروج بها. ثم أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة فى حق الطاعن وزميله أدلة مستمدة من اعترافهما فى محضر ضبط الواقعة ومن ضبطهما فى مكان الحادث ومعهما المسروقات وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. ثم خلص الحكم إلى إدانة الطاعن والمتهم الآخر على أساس أن الواقعة جنحة شروع فى سرقة وعاقبهما بالمواد 45، 47، 317/5، 321 من قانون العقوبات وما انتهى إليه الحكم تتوافر به جريمة الشروع فى السرقة كما هي معرفة به فى القانون، ذلك أن الطاعن إذ قام مع المتهم الآخر بوضع الورق المسروق على عربة النقل وحاول الخروج به من باب الجمرك يكون بهذا قد تعدى مرحلة التحضير ودخل فعلاً فى دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالاً إلى ارتكاب السرقة التي اتفق على ارتكابها مع المتهم الآخر بحيث أصبح عدولهما بعد ذلك باختيارهما عن مفارقة الجريمة المقصودة بالذات أمراً غير متوقع ويكون ما ارتكباه سابقاً على ضبطهما شروعاً فى جنحة السرقة .

(الطعن رقم 134 لسنة 48 جلسة 1978/05/07 س 29 ع 1 ص 474 ق 88)

 

شرح خبراء القانون

السرقة من مكان مسكون أو معد للسكني أو ملحقاته المادة 317/ 1

راعى القانون ما للمكان المسكون من حرمة فهو المكان الذي يهدأ فيه الإنسان وأهم ما يميز المكان المسكون عن غيره من الأماكن هو الإقامة الفعلية فيه ومن مظاهرها تناول الطعام والخلود للراحة والنوم ولا يشترط أن يكون النوم ليلاً فقد يقتضي عمل صاحب المكان العمل ليلاً والنوم نهاراً.

ومن أمثلة هذه المساكن المنزل والفندق والمستشفى والمدرسة الداخلية والسجن والعشة والكوخ والخيمة بل والعربات الكبيرة التي يستخدمها الجوالة ويقيمون فيها وعربات النوم بالسكك الحديدية ولا يشترط أن تكون الأماكن المسكونة مخصصة أصلاً للسكن بل يكفي أن تتوافر فيها مظاهر السكن وأهمها النوم مثال ذلك دور الحكومة التي ينام فيها الحارس وغيرها من الأماكن المخصصة للأعمال والتي يبيت فيها بعض الأشخاص كالمحال التجارية والمعيار الذي نضعه في هذا الصدد هو هل يستعمل المكان عادة للنوم فيه ولا أهمية بعد ذلك لما إذا كان المكان معدا لغرض إضافي آخر أو لا.

وقد مد القانون المصري حماية الأماكن المسكونة إلى الأماكن الملحقة بها والمخصصة لمنافعه كغرف الغسيل والمطبخ والحرج والحديقة وعشش الطيور.

والآن وقد أوضحنا المراد بالمكان الذي يتوافر به الظرف المشدد يهمنا أن نشير إلى ما يأتي:

1- لا يشترط في الشيء المسروق أن يكون من الأشياء التي يحوزها أو يملكها صاحب المسكن بل يتوافر الظرف المشدد بسرقة أشياء ملحقة بالبناء نفسه كالشبابيك وقضبان الحديد وكذلك الأمر إذا وقعت السرقة على أشياء يحوزها أو يملكها أشخاص في المنزل بصفة عارضة كالضيوف.

2- لا يشترط أن تقع السرقة بطريق الدخول غير المشروع فتستوي صفة المتهم أكان واحداً ممن يقيمون فيه أم كان غريبا عنه. فالظرف المشدد يتوافر حتى وإن ارتكبها صاحب المنزل نفسه على ضيف يقيم عنده لأن المسكن في هذه الحالة يعد منسوباً إلى هذا الضيف أيضاً أي أن حرمته يتمتع بها كل من يقيم فيه.

3- لا يشترط وقت السرقة وجود شخص في المكان المسكون أو المعد للسكن.

السرقة من محل معد للعبادة والمادة 317/ 1:

راعى القانون ما تتمتع به محلات العبادة من حرمة دينية فشدد العقوبة على السرقات التي تقع فيها وقد لاحظ القانون - فضلاً عن الحرمة الدينية لهذه المحلات - أن المترددين عليها تتوافر لديهم الثقة والطمأنينة مما يجدر مع حمايتهم كذلك.

ويعد المحل معداً للعبادة إذا كان مخصصاً لإقامة الشعائر الدينية السماوية کالمساجد والكنائس والمعابد ويسري ذلك على المحال المخصصة للعبادة داخل الأماكن كما هي الحال في المصلي في جامعة أو مدرسة أو شركة.

ولا يشترط أن تكون السرقة من متعلقات هذا المحل بل يستوي أن تقع على شيء من متعلقات أحد المصلين.

ويستوي أن تقع السرقة وقت إقامة الشعائر الدينية أو في غيرها وكل ما يشترط أن يكون المحل قد أغلق كما في المصليات الملحقة بالمدارس في أثناء الإجازة الصيفية أو عطلت فيه الشعائر الدينية لأحد الأسباب.

ويستوي أن يكون المحل مفتوحاً للجمهور كافة أو ملحقاً بإحدى المستشفيات أو المدارس أو الجمعيات.

السرقة في مكان مسور بواسطة الكسر من الخارج مع التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة المادة 317/ 2 :

واجه المشرع في هذه الظروف المشددة نوعا من المجرمين الذين لا يترددون في ارتكاب السرقة رغم الأسوار التي تحيط بالمكان وإحكام غلقه فيقدون بكل جرأة على تجاوز هذه الأسوار سواء بطريق التسور أو الكسر من الخارج أو استعمال مفاتيح ثم اغتيال مال المجني عليه وقد أقام المشرع بهذه الظروف قرينة بسيطة على خطورة المحرم مما يقتضي معاملته على نحو يتفق مع جسامة هذه الخطورة .

ويشترط لتوافر هذا الشرط المشدد شرطان الأول يتعلق بمكان السرقة بينما يتعلق الآخر بوسيلتها.

 أولاً : أن يكون المكان مسوراً :

على ضوء الحكمة من هذا الظرف المشدد وهي خطورة المحرم يشترط أن يكون المكان الذي وقعت فيه السرقة مسوراً أي أن يكون محاطاً بسياج يلتف حول المكان كله على نحو يعوق اجتيازه عن طريق باب الدخول ولا عبرة بالمادة المكون منها السور أو ارتفاعه أو متانته وإنما يكفي مجرد وجود سياج يرمز إلى الحيطة التي بذلها صاحب المكان لمنع دخول الغرباء ولا يحول دون توافر هذا الظرف أن يكون بابه قد ترك مفتوحاً.

ثانياً : السرقة بواسطة الكسر من الخارج أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة:

(أ) الكسر من الخارج: يراد به تحطيم أحد الحواجز التي تحول دون دخول الجاني المكان المسور بإحدى وسائل العنف لفتح مدخل للسارق مثال ذلك كسر زجاج النافذة أو كسر قفل الباب أو نقب جدار السور أو ثني بعض أعمدته .

ولكن، ما الحل لو دخل السارق المكان من باب المكان المسور ثم كسر باب إحدى الغرف الداخلية أو حطم باب الخزائن المحتوية على النقود المراد سرقتها.

في هذه الحالة لا يتوافر الظرف المشدد لأن العبرة هي بالكسر الذي يرتكبه الجاني لدخول المكان المسور فإذا جاء هذا الدخول على نحو طبيعي لا يتحقق الظرف المشدد بالكسر من الداخل وآية ذلك أمران الأول أن القانون قد استعمل لفظ الكسر من الخارج لا مجرد الكسر فقط والثاني أنه ساوى بين الكسر من الخارج والتسور مما يؤكد أن الكسر يجب أن يكون كالتسور هو وسيلة لاقتحام المكان المسور وأخيراً فإن العبرة هي بطريقة اقتحام المكان لا في كيفية الوصول إلى الشيء المسروق بداخل هذا المكان.

(ب) التسور: باجتياز المحيط الخارجي للمكان بأية وسيلة غير طبيعية كالتسلق واستعمال سلم أو القفز من سطح مجاور وقد عرفته محكمة النقض بأنه دخول الأماكن المسورة من غير أبوابها مهما كانت طريقته يستوي في ذلك استعمال سلم أو الصعود على الجدار أو الوثوب إلى الداخل من نافذة أو الهبوط إليه من أية ناحية.

(ج) استعمال مفاتيح مصطنعة: ويراد به استعمال مفتاح يختلف عن المفتاح الأصلي المعد لفتح المكان المسور أو استعمال آلة لفتحه ولا يعد مفتاحاً مصطنعاً للمفتاح الأصلي إذا حصل عليه الجاني بطريق غير مشروع.

أحكام مشتركة: تشترك الوسائل الثلاثة السابق تحديدها بما يأتي :

- أن يكون استعمالها أصلاً بقصد السرقة فإذا استعمل الجاني إحدى هذه الوسائل لغرض آخر كمقابلة شخص ثم سولت له نفسه سرقة أحد الأشياء لا يتوافر أي من هذه الظروف الثلاثة.

- يستوي استعمالها بقصد الدخول للسرقة أو الخروج بالمسروقات حيث يكون الخروج بالمسروقات أمراً لازماً لإتمام السرقة لاستتباب حيازته لها.

السرقة مع كسر الأختام المادة 317/ 3:

قد تقتضي المصلحة العامة وضع بعض الأختام الحكومية على محل أو حرز معين ضماناً لعدم العبث بمحتوياته وتقديراً للاحترام الواجب لهذه الأختام وما ينطوي عليه كسرها من استهتار بأوامر الحكومة - رأي المشرع تشديد العقاب إذا التجأ السارق إلى كسر الأختام من أجل ارتكاب السرقة وغني عن البيان أن هذا الكسر يجب أن يكون متعمداً ووسيلة لإتمام السرقة فلا يتوافر الظرف المشدد إذا كان الكسر بطريق الإهمال أو استهدف الجاني منه الاطلاع على أوراق معينة ولو اتجهت نيته إلى سرقة أشياء أخرى في حرز آخر دون التجاء إلى كسر الأختام.

والمراد بالكسر في هذا الصدد هو رفع الختم من موضعه بأي طريقة كانت ولو لم يلحقه أدني تلف.

هذا وقد عاقب المشرع على العبث بالأختام الحكومية في المواد من 147 إلى 150 عقوبات والمادة 153 عقوبات وتعاقب هذه المواد على الإهمال في حراسة هذه الأختام (المادتان 147 و 148) وعلى كسرها عمداً (المواد 149 و 150 و 153).

وبالنسبة إلى الكسر العمدي للأختام فقد ميز المشرع بين نوعين من الأختام :

الأول: أختام موضوعة على أوراق أو أمتعة المتهم في جناية أو لمحكوم عليه في جناية، وفي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على سنة فإن كان الفاعل لذلك هو الحارس نفسه يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى سبع (المادة 149 عقوبات).

الثاني: أختام موضوعة لأمر غير ما ذكر فيما تقدم وفي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه فإن كان الفاعل لذلك هو الحارس نفسه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة (المادة 150 عقوبات).

ويلاحظ أن القانون وضع ظرفين مشددين في هذه الأحوال :

1- صفة الجاني:

إذا كان الجاني هو الحارس على النوع الأول للأختام فتعد الواقعة جناية ويعاقب الفاعل بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات (المادة 149/ 2 عقوبات) ويعاقب بالنسبة للنوع الثاني من الأختام بالحبس مدة لا تتجاوز سنة المادة 150 عقوبات).

2- الإكراه:

إذا حصل كسر الأختام بطريق الإكراه فتعد الواقعة جناية ويعاقب الفاعل بالسجن المشدد (المادة 153 عقوبات).

ووفقاً لما تقدم فإنه إذا كسرت الأختام لارتكاب السرقة نكون حيال جريمتين غير قابلتين للتجزئة الأولى هي السرقة بكسر الأختام وعقوبتها الحبس لمدة يجوز أن تصل إلى ثلاث سنوات والثانية هي جنحة أو جناية كسر الأختام على التفصيل السابق بيانه فإذا كان كسر الختم يعد جنحة طبقاً للمادة 150 عقوبات طبقت عقوبة السرقة بوصفها العقوبة الأشد وفقاً للمادة 32/ 2 عقوبات. أما إذا كان الكسر مما يعد جناية (المادتان 149/ 2 و 153 عقوبات) فتوقع عقوبة الجناية بوصفها العقوبة الأشد.

السرقة ليلاً المادة 317/ 4 :

شدد المشرع عقوبة السرقة التي تقع ليلاً بالنظر إلى اعتبارين: الأول هو سهولة ارتكاب السرقة في طيات الظلام والثاني هو ما يلاقيه المجني عليه من صعوبة في حماية نفسه في الظلام.

والمشكلة التي يثيرها هذا الظرف هي في تحديد معناه والأمر لا يخرج عن أحد تفسيرين إما التقييد بالمعنى الفلكي لليل وتحديده بأنه الفترة التي تقع ما بين غروب الشمس وشروقها وإما الاستئناس بالمصلحة التي راعاها القانون حين نص على تشديد العقوبة وربط فكرة الليل بالوقت الذي يخيم فيه الظلام ولو كان قبل الغروب أو بعده بفترة معينة.

واتجهت إليه محكمة النقض المصرية في بعض أحكامها، بينما اعتنقت التفسير الثاني في أحكام و أخرى ومؤدي هذا التفسير الأخير أن تحديد ظرف الليل هو مسألة موضوعية - تترك للمحكمة حسبما تطمئن إلى وقت جنوح الظلام. وهذا التفسير هو الذي أخذت به محكمة النقض المصرية إذ قضت أن توافر ظرف الليل في جريمة السرقة مسألة موضوعية وعلى ذلك فإن بدأت السرقة ليلاً وانتهت نهاراً بعد طلوع الفجر فإن توافر الظرف المشدد من عدمه مسألة موضوعية متروكة للمحكمة في تقدير ما إذا كانت معظم ماديات الجريمة قد وقعت ليلاً أو لا.

السرقة مع تعدد الفاعلين المادة 317/ 5 :

شدد القانون عقوبة السرقة التي تحصل من شخصين فأكثر بالنظر إلى أن تعدد الفاعلين يضفي خطورة على الجريمة تبدو في قوة الجناة وشدة بأسهم وهو ما يضعف مقاومة المجني عليه.

ولا يتحقق التعدد كظرف مشدد إلا إذا وجد مع الفاعل الأصلي مساهمون أصليون مثله فلا يكفي لتوافر التعدد وجود شريك مع الفاعل ولو كان بطريق المساعدة وعلة ذلك أن التشديد يقوم على أثر التعدد في نفس المجني عليه وهو ما يتوقف على وجود الجناة في مسرح الجريمة على النحو الذي يجعلهم فاعلين أصليين وقد استقرت محكمة النقض في مصر على اعتبار الجاني فاعلاً أصلياً مع غيره إذا ظهر على مسرح الجريمة وكان له دور في وقوعها وتوافر لديه قصد التدخل في ارتكابها.

السرقة الواقعة على جرحى الحرب المادة 317/ 9 :

شدد القانون العقاب على السرقات التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحى حتى من الأعداء وقد استحدث هذا النص بالقانون رقم 13 لسنة 1940 تنفيذاً - التعهدات مصر بتحسين حالة الجرحى والمرضى في الحرب وذلك وفقاً للمعاهدة الدولية الصادرة في سنة 1939 و النافذة المفعول في مصر ابتداء من 25 يناير سنة 1934 طبقاً للمرسوم الصادر في 24 أغسطس سنة 1933 .

وقد راعى المشرع في هذا التشديد حماية جريح الحرب الذي يفرض القانون الدولي العام معاملته وفقاً لأصول معينة فضلاً عن ضعف مقاومة هذا الجريح.

ويشترط لتوافر هذا الظرف المشدد تحقق شرطين :

الأول : قيام حرب فعلية بين دولتين أو أكثر ولا يغني عن ذلك حالة قطع العلاقات السياسية.

الثاني: أن يكون المجني عليه في السرقة جريحاً في هذه الحرب من جراء العمليات الحربية ويستوي في ذلك أن يكون من المواطنيين أو الأعداء أو من المدنيين أو العسكريين والفرض في هذه الحرب أن تكون على قدر من الجسامة بحيث تقعده عن المقاومة.

ولا يتوافر الظرف المشدد إذا كان المجني عليه وقت السرقة قد توفى متأثراً بجراحه ففي هذه الحالة تزول عنه.

عاقب القانون على السرقة المقترنة بالظروف المشددة الشخصية وهذه الظروف ترجع في جملتها إلى صفة الجاني وتكمن علة التشديد في الثقة الخاصة في الجاني والمستمدة من الصفة التي يتمتع بها.

وفيما يأتي نبين الظروف الشخصية التي أوردها القانون لتشديد عقوبة السرقة .

أولاً : الخادم بالأجرة المادة 317 / 7 :

يرجع تشديد العقاب في هذه الحالة إلى علاقة الخدمة التي تربط الجاني بالمجني عليه والتي تؤدي إلى تمتعه بثقة مخدومه وتمكنه بناء على هذه الثقة من وضع يده بسهولة على أمواله.

ويشترط لتوافر هذا الظرف شرطان:

1- أن يكون الجاني خادماً بالاجرة : ويقصد به كل من يعمل في خدمة شخص ويقضي لوازمه ولوازم عائلته الخاصة لقاء أجر معين مثال ذلك الطاهي والسفرجي والبواب والسائق ومربية الأطفال ولا عبرة بقيمة هذا الأجر ولا شكله فيستوي أن يكون نقداً أو عيناً كما أنه لا عبرة بالمدة المقررة لهذا الأجر فيستوي أن يكون أسبوعياً أو شهرياً.

ولا يشترط أن تكون الخدمة مستمرة طوال اليوم فهو شرط لا موجب له، بل يكفي أن تكون أعمال الخدمة بصورة منتظمة ولو كانت لمدة ساعة واحدة في اليوم أو يوماً واحداً في الأسبوع كما لا يشترط أن يتفرغ الخادم بأجر لخدمته فقد يعمل الخدمة آخرين في غير الأوقات التي يخدم فيها مخدومه المجني عليه.

2- أن تقع السرقة إضراراً بالمخدوم: وهو ما يتحقق إذا كان المال المسروق مملوكاً للمخدوم أو موجوداً في حيازته كالإيجار أو الوديعة أو الرهن أو العارية فإذا كان المال مملوكاً لغيره ولو كان موجوداً معه في المسكن نفسه كالضيوف فلا يتوافر الظرف المشدد.

ولا يشترط أن تقع السرقة في منزل المخدوم بل كل ما يشترط هو أن يكون المال مملوكاً له سواء كان في منزله أو في مقر خدمته أو في مكان آخر.

ثانياً : المستخدمون والصناع والصبيان المادة 317/ 7 :

ويرجع تشديد العقاب في هذه الحالة إلى رابطة العمل التي تربط الجاني بالمجني عليه والتي تسهل له الوصول إلى الشيء المسروق.

ويشترط لتوافر هذا الظرف شرطان:

1- أن يكون الجاني من المستخدمين أو الصناع أو الصبيان: ويقصد بهم أولئك الذين يعملون في خدمة شخص دون أن يتصل عملهم بشخصه فالذي يميزهم عن طائفة الخدم أن الأعمال التي يؤدونها تتصل بالحرفة أو المهنة التي يشتغل بها المجني عليه بخلاف الخدم الذين تتصل أعمالهم بشخص المجني عليه مثال هؤلاء الكاتب والسكرتير العامل في المصانع أو المحال التجارية.

وإذا كان المجني عليه موظفاً عاماً توافرت في حقه جناية الاختلاس (المادة 112 عقوبات) أو الاستيلاء بغير حق على مال عام (المادة 113 عقوبات) حسب الأحوال متى توافرت أركان أي من الجريمتين.

2- أن تقع السرقة في محل العمل: ويستوي في هذه الحالة أن يكون المسروق مملوكاً لصاحب العمل أو في حيازته مملوكاً للغير أو في حوزته المادية كما إذا كان مع أحد العمال أو المترددين على المحل هذا بخلاف السرقة من الخدم فإنه يشترط فيها أن تقع إضراراً بالمخدوم ولو لم يكن ذلك في محل الخدمة.

ثالثاً : متعهدو النقل المادة 317/ 8 :

يرجع التشديد في هذه الحالة إلى العلاقات التي تربط الجاني بالمجني عليه والتي ترتب عليها تسلمه المنقولات لنقلها على نحو يسهل له الاستيلاء عليها مما يقتضي أن يكون على مستوى الثقة في الاحتفاظ بهذه الأشياء وعدم الاستيلاء على حيازتها.

وتجدر الإشارة إلى خروج المشرع عن القواعد العامة حين جعل هذه الحالة ظرفاً مشدداً في السرقة ذلك أن توافر عقد النقل بين المجني عليه ومتعهدي النقل يؤدي إلى تسليم المنقولات إلى هؤلاء على سبيل الحيازة الناقصة مما ينفي ركن الاختلاس وكل ما يتصور في هذه الحالة هو توافر جريمة خيانة الأمانة إذا ما اتجهت نية الجاني إلى تملك هذه الأشياء ومن هذا يبين خروج هذا الظرف المشدد عن القواعد العامة في الركن المادي للسرقة فضلاً عن تشديد العقوبة.

ويشترط لتوافر هذا الظرف المشدد في القانون الحالي شرطان:

1- أن يكون الجاني مكلفا بنقل الأشياء بأجر ولو لم تكن مهنته الأصلية هي النقل: مثال ذلك الحمالون وأصحاب عربات وسيارات النقل وعمال السكك الحديدية والمكلفين بالنقل.

2- أن تكون المسروقات قد سلمت إلى الجاني لنقلها بصفته طرفاً في عقد النقل: فلا يتوافر الظرف المشدد إذا كانت المسروقات لم تسلم إليه لنقلها ولو كانت مملوكة للمتعاقد معهم على النقل حتى ولو كان راكباً معهم مثال ذلك سرقة أشياء من الأمتعة الشخصية للراكب والتي يحتفظ بها معه والسرقة التي يرتكبها عامل القطار على طرد وضعه مالكه بالقطار لنقله.

ولكن ما الحكم إذا توافر في الجريمة ظرف مشدد مما يغير وصفها كجناية (كالسرقة بالإكراه) كما إذا قاوم الراكب المتهم (متعهد النقل) في أثناء شروعه في سرقة بعض الأمتعة المكلف بنقلها فاستعمل الجاني معه الإكراه لإتمام السرقة في هذه الحالة تعد الواقعة جناية سرقة بالإكراه. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة 2016 الكتاب الثاني ،  الصفحة: 561)

نصت المادة 317 عقوبات على عدد من الظروف المشددة لجنح السرقة وجعلت من توافر أحدها سبباً لتشديد العقوبة والعقوبة المقررة للسرقة المشددة هي الحنس مع الشغل الذي يصل إلى ثلاث سنوات بالإضافة إلى عقوبة مراقبة البوليس في حالة العود بحد أدنى سنة وبحد أقصى سنتين.

والظروف المشددة للسرقة هي:

السرقات التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكن أو فى أحد ملحقاته أو في أحد المحلات المعدة للعبادة.

جعل المشرع من مكان ارتكاب الجريمة ظرفاً مشدداً للسرقة إذا كان المكان مسكوناً أو معداً للسكن.

ويقصد بالمكان المسكون ذلك المهيأ بطبيعته للإقامة العادية بمحتوياتها المختلفة من نوم ومأكل وراحة بما يضفي عليه صفة الخصوصية لمن يعيش فيه.

ويستوي أن تكون الإقامة بالمسكن دائمة أو مؤقتة كما يستوي أن تكون الإقامة فيه لأشخاص محددين أم غير محددين ولذلك يندرج تحت المكان المسكون خلال المنازل المستشفيات والفنادق وبيوت الشباب والمدن الجامعية.

كذلك يندرج تحت الأماكن المسكونة تلك المخصصة لإقامة بعض العمال أو الموظفين بالمدارس والمصانع والمحال التجارية وغيرها ولا يشترط أن يكون المكان المسكون على شكل معين فقد يكون مبنياً أو محاطاً عليه بأخشاب أو نحوها كما يستوي أن يكون ثابتاً أو قابلاً للتحرك مثل الخيام والعربات الملحقة بالسيارات للرحلات وغير ذلك كما يعتبر مكاناً مسكوناً الغرف الموجودة بالسفن لإقامة الركاب وكذلك دواوين النوم بقطارات السكك الحديدية أثناء سفرها.

ولا يلزم أن يكون مسكوناً فعلاً بل يكفي أن يكون معداً للسكن ويقصد بالإعداد للسكن أن يكون المكان مهيأ للإقامة الدائمة أو المؤقتة ولكنه خلو من الإقامة الفعلية لأحد لغياب حائزه.

ومثال ذلك منازل المصايف التي لا تشغل إلا في فترة الصيف إذا وقعت الجريمة في غير فترة شغلها الفعلي وكذلك الشقق المفروشة إذا لم تكن مشغولة بمستأجر فعلي أما المنازل والشقق المبنية فعلاً ولكنها خالية من المقومات الضرورية للحد الأدنى للإقامة فلا يعتبر في حكم الأماكن المعدة للسكن ولا كانت معروضة للإيجار أو مستعملة كمخزن.

وإذا كان المكان معد للإقامة الأغراض العمل دون السكن فلا يعتبر الظرف المشدد متوافرة ومثال ذلك مكاتب المحامين والعيادات والمكاتب التجارية التي تتخذ مقراً لها بعض الشقق في العمارات السكنية.

ويأخذ حكم المكان المسكون أو المعد للسكن الملحقات المتصلة مباشرة بالمكان مثل الحديقة والجراج والغرف المتواجدة بأسطح المنازل للأغراض المنزلية وحظائر الدواجن والحيوانات المتصلة بالمبني.

ويتوافر الظرف المشدد سواء كان وجود الجاني فيه مشروع أو غير مشروع أو سواء كان الجاني من المقيمين فيه أم كان وجوده فيه بصفة عارضة.

المحلات المعدة للعبادة :

ساوى المشرع في التشديد بين السرقات التي تحصل في الأماكن المسكونة أو المعدة للسكن وبين السرقات التي تحصل في أحد المحلات المعدة للعبادة ويقصد بهذه المحلات تلك المخصصة للعبادة المتعلقة بدين من الأديان السماوية التي يعترف بها نظامنا القانوني العام ويكون المحل مخصصاً للعبادة إذا كان قد أعد لإقامة الشعائر الدينية الخاصة بدين من تلك الأديان.

ولا يشترط أن تقع الجريمة أثناء أقامة الشعائر الدينية أو أثناء فتح المكان المهجور فالتشديد يتوافر إذا وقعت الجريمة أثناء غلق المكان في غير الأوقات المخصصة لإقامة الشعائر الدينية.

ويشترط في المحل المخصص للعبادة أن يكون مفتوحاً للجمهور ولو كان مقيد الدخول فيه بالنسبة لمجموعة معينة من الجمهور فالمساجد المقامة والكسر من الخارج ينصرف إلى أفعال العنف المستخدمة ضد الأشياء لتعطيل فاعليتها ولا أهمية لوسيلة الكسر المستخدمة ولا للمكان من السور الذي حدث به الكسر فالكسر كما يمكن أن يتم باستخدام الطاقة البدنية يمكن أن يتم باستخدام أي وسيلة أخرى من شأنها إحداثه.

وكما يمكن أن يحدث الكسر في أي جزء من السور يمكن أن ينصب على الباب الخارجي المخصص للدخول.

ومعنى الكسر ينصرف إلى الفتح بطريقة غير طبيعية ولو لم يتم يترتب عليها إتلاف مادام قد استخدم العنف في الفتح بشكل غير طبيعي ولذلك يتحقق الظرف المشدد إذا قام الجاني بالضغط على الباب المخصص للدخول فانفتح الباب ولم تحدث به تلفيات.

ويلاحظ أن الكسر لابد أن يكون من الخارج ولذلك فإن أي كسر بداخل المكان كالأبواب الداخلية لا يتحقق به الظرف المشدد.

أما التسور فيقصد به تخطي السور بأي وسيلة من الوسائل سواء بالتسلق أو باستخدام سلم أو بوضع أحجار أو أشياء يرتفع بواسطتها إلى الحد الذي يسمح له بالقفز من أعلى السور أو من الدخول عن طريق فتحة عليا في السور وقد استقر قضاء النقض على أن التسلق كما عرفه القانون يتحقق بدخول الأماكن المسورة من غير أبوابها مهما كانت طريقته (نقض15/12/1958  - س 9 - 258 - 1068).ويقصد بالمفاتيح المصطنعة أي أداة استخدمها الجاني في فتح الباب الخارجي للمكان من المكان المخصص عادة لفتحه ويستوي بعد ذلك أن تكون تلك الأداة هي مفتاح أعد الفتح الأبواب المماثلة أو كان قطعة حديد أو صلب من شأنها فتح الباب بدلاً من المفتاح.

ويعتبر المفتاح مصطنعاً ويتوافر الظرف المشدد ولو كان نسخة زائدة من المفتاح الأصلي إذا كان غير مسموح بدخول من استعمله إلا بإذن المالك .

ويتوافر الظرف المشدد ولو استعمل المفتاح الأصلي بغير علم ورضاء المالك كما لو ترك المالك المفتاح لدى أخر علي سبيل الوديعة فقام المودع لديه بفتح الباب بالمفتاح وسرقة محتويات المكان.

الشرط الثالث :

أن يكون الدخول إلى المكان بواسطة الطرق السابقة هو بقصد السرقة.

فإذا كان الدخول بقصد آخر ثم طرأت نية السرقة بعد الدخول فلا يتوافر الظرف المشدد.

وقد ثار خلاف في الفقه حول ما إذا كانت الطرق الثلاث السابقة تشدد العقوبة في حالة الدخول إلى المكان أم أن التشديد يتوافر إذا ما لجأ إليها الجاني للخروج من المكان.

ذهب البعض إلى أن التشديد يشترط فيه أن تكون الوسائل المشار إليها هي لدخول المكان ولا يطبق التشديد في حالة استخدامها للخروج ولو بالمسروقات.

بينما ذهب البعض الآخر إلى أن التشديد يتوافر في الحالين مادامت الجريمة لم تتم أما إذا كان الكسر أو التسور أو المفاتيح المصطنعة إنما استخدمت لفرار الجاني بنفسه دون المسروقات فلا يطبق الظرف المشدد.

والواقع أن الرأي الأول أقرب إلى روح النص ويتفق مع علته التشريعية ومع الألفاظ والعبارات المستخدمة من قبل المشرع فضلاً عن أن الأخذ بالرأي الثاني يؤدي إلى توافر الظرف المشدد في الأحوال التي يكون فيها الدخول إلى المكان بالطريق العادي سواء كان دخولاً مشروعاً أو غير مشروع ثم قيام الداخل بتصير نيته إلى السرقة ومحاولة الهروب بالمسروقات عن طريق التسور أو غيره من الطرق المنصوص عليها وهذا يؤدي إلى التوسع في التشديد دون مقتضى من المنطق القانوني.

السرقات التي تحصل بكسر الأختام المنصوص عليها في الباب التاسع من الكتاب الثاني: والمقصود بذلك كسر الأختام الموضوعة لحفظ محل أو أوراق أو أمتعة بناء على أمر صادر من إحدى جهات الحكومة أو إحدى المحاكم المادة 147 وما بعدها.

والغرض هنا أن السرقة حدثت من غير الحارس وإلا طبقت الفقرة الثانية من المادة 149 والتي تعاقب الحارس الذي يفك تلك الأختام بعقوبة الجناية وهي السجن من ثلاث سنين إلى سبع سنين تطبيقاً للقواعد العامة في الارتباط غير القابل للتجزئة ذلك أنه في هذا الفرض تتعدد السرقة من جناية فك الأختام من الحارس وترتبطان بعضهما ببعض ارتباطاً غير قابل للتجزئة مما يستتبع تطبيق العقوبة المقررة للجريمة الأشد ويلاحظ أن المادة 152 عقوبات قد نصت على أن سرقة الأوراق أو المستندات أو السجلات أو الدفاتر المتعلقة بالحكومة أو أوراق مرافعة قضائية إذا كانت محفوظة في المخازن الحكومية المعدة لها أو مسلمة إلى شخص مأمور بحفظها يعاقب بالحبس.

بينما تعاقب المادة 317 بالحبس مع الشغل على السرقات التي تحصل بكسر الأختام المنصوص عليها في الباب التاسع من الكتاب الثاني ولذلك فإن سرقة الأوراق والأشياء المذكورة بالمادة 152 إذا حدثت بكسر الأختام فإن النص الواجب التطبيق يكون هو نص المادة 3/317  باعتبارها النص الخاص بالنسبة للمادة 152 .

 4- السرقات التي تحصل ليلاً :

اعتبر المشرع ظرف الليل ظرفاً مشدداً في جريمة السرقة وبعض الجرائم الأخرى ورغم ذلك فلم يعرف المشرع المقصود بالليل كما فعلت بعض التشريعات الجنائية المعاصرة وقد ذهبت بعض أحكام النقض القديمة إلى ربط التعريف بالحكمة من التشديد والمتمثلة في سهولة ارتكاب الجريمة من قبل الجاني وسهولة اختفائه وصعوبة حدوث مقاومة من المجني عليه فعرفت الليل بأنه الفترة التي يسودها الظلام من بعد الغروب وبعد الفجر إلى ما قبل الشروق.

وقد استقر قضاؤها بعد ذلك على أن توافر ظرف الليل في جريمة السرقة من المسائل الموضوعية التي يقدرها و يستقل بها قاضي الموضوع نقض 30 /1 /  1950  - مجموعة 25سنة ص 763) إلا أنها تعرضت صراحة لتعريف الليل بأنه الفترة ما بين غروب الشمس إلى شروقها مستدلة في ذلك بموقف المشرع بالنسبة لأحكام انتهاك حرمة ملك الغير المأخوذة عن القانون السوداني والذي عرف الليل بأنه الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها وبالقواعد الخاصة بمراقبة البوليس والتي هي وفقاً لقانون التشرد والاشتباه محددة بالفترة ما بين الغروب والشروق وقضت محكمة النقض بأن التفرقة بين ما يقع على أثر الغروب وقبيل الشروق وبين ما يقع في باقي الفترة التي تتخللها ليس لها في الواقع وحقيقة الأمر ما يبررها وانتهت المحكمة إلى أنه إذا كان الحكم قد أثبت أن الحادث وقع عقب الفجر بقليل أي قبل شروق الشمس وبناء عليه عد الحادث شروعاً في سرقة مشددة علي أساس توافر ظرف الليل فإنه لا يكون قد أخطأ (نقض 4/11/1947 مجموعة 25سنة ص 762 - نقض 6/1/1948 - مجموعة 25سنة ص 763)

 - السرقات التي تحصل من شخصين فأكثر :

جعل المشرع من تعدد الجناة ظرفاً مشدداً للسرقة وذلك نظراً لأن التعدد يسهل ارتكاب الجريمة من ناحية ويقلل مقاومة المجني عليه من ناحية أخري ويتوافر التعدد إذا وقعت السرقة من شخصين على الأقل وقد ثار الخلاف في الفقه حول ما إذا كان يشترط في التعدد أن يكون بين فاعلين أم يكفي تعدد المساهمين ولو كانت مساهمتهم هي مجرد مساهمة تبعية لا ترقی بصاحبها إلى مرتبة الفاعل الأصلي.

فقد اتجه البعض إلى أن ظرف التعدد يتوافر متى تعدد المساهمون في الجريمة ولو كانت مساهمتهم تبعية مع فاعل أصلي منفرد باعتبار أن الحكمة من التشديد في نظرهم إنما هي توافر الخطورة الإجرامية لدى مرتكبي الجريمة المتعددين بطريقة المساهمة ولو كانت تبعية علي حين اتجه البعض الآخر إلى أن حكمة التشديد تكمن في سهولة التنفيذ للجريمة بواسطة الجناة المتعددين وهذا لا يتحقق إلا إذا كانوا جميعهم لهم صفة الفاعل الأصلي.

وهذا الرأي هو الراجح فقها وقضاء نظراً لأن المشرع وضع في اعتباره التشديد السهولة المادية لارتكاب الجريمة في حالة التعدد وهي لا تتوافر إلا بتعدد الفاعلين ومساهمتهم مع بعضهم البعض في تنفيذ الجريمة.

ولعل هذا هو السبب الذي دعا محكمة النقض المصرية إلى التوسع في معنى الفاعل وإضفاء تلك الصفة على الشريك بالمساعدة أثناء التنفيذ والذي يقوم بدور رئيسي حسبما اتفق عليه الجناة أثناء التنفيذ ويوجد لذلك على مسرح الجريمة.

ومعني ذلك أن الشركاء سواء بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة في غير الحالة السابقة لا يحتسبون ضمن العدد اللازم لتوافر الظرف المشدد.

وغني عن البيان أن التعدد المكون للظرف المشدد يفترض قيام المساهمة الجنائية الأصلية بين الجناة. فإذا انتفت المساهمة الجنائية بأن ارتكب الجريمة أكثر من شخص كل لحسابه دون أن تتوافر لدي أي منهم نية التداخل في جريمة الآخر فلا يتوافر الظرف المشدد.

وجدير بالذكر أن التعدد يعتبر ظرفا ماديا للجريمة. ولذلك فهو يتوافر ولو كان بعض الفاعلين غير معاقب لتوافر مانع من موانع المسئولية أو مانع من موانع العقاب أو لا يمكن تحريك الدعوي الجنائية قبله إلا بناء على شكوى من المجني عليه.

بمعنى أنه يحسب ضمن العدد اللازم لتوافر الظرف المشدد كل من ساهم مادياً بسلوك يضفي عليه صفة الفاعل بغض النظر عن مسئوليته الجنائية أو عن استحقاقه للعقوبة أو عن إمكانية رفع الدعوى الجنائية عليه من عدمه.

 - السرقات التي تحصل من الخدم بالأجرة إضراراً بمخدوميهم أو الصناع أو الصبيان في المحلات التي يشتغلون فيها عادة :

وهذا الظرف المشدد يسري بالنسبة لطائفتين من الأشخاص:

الأولى هي طائفة الخدم إضراراً بمخدوميهم.

والثانية: هي طائفة الصناع أو الصبيان وعموماً المستخدمين في المحلات التي يشتغلون فيها عادة.

وحكمة التشديد بالنسبة للطائفة الأولي تتمثل في جناية الثقة التي يوليها المخدوم لخادمه بالنسبة لأمواله فضلاً عن سهولة ارتكاب الجريمة وتتوافر صفة الخادم إذا توافرت صفة الدوام في خدمة شخص متصلة في شأن من شئون حياته اليومية فيدخل في ذلك خدم المنازل والطهاة والسائقون والبوابون الخصوصيون.

ويلزم أن تكون الخدمة بأجر. ولذلك لا يسري التشديد بالنسبة لمن يقومون بالخدمة تطوعاً ويتوافر الأجر إذا كان هناك مقابل للخدمة ويستوي أن يكون في شكل تقديري أو بمعنى ويلزم أيضاً أن يكون الخادم منقطعاً للخدمة ولذلك تنتفي الصفة بالنسبة لمن يقومون بالخدمة على فترات.

ولا يكفي لتوافر الظرف ثبوت صفة الخادم بالتحديد السابق وإنما يلزم أن تقع السرقة إضراراً بالمخدوم ومعنى ذلك أنه لا يكفي وقوع السرقة على مال موجود بمكان الخدمة ولو كان لغير المخدوم وإنما يشترط أن يكون المال موضوع السلوك الإجرامي مملوكاً للمخدوم ويكفي هذا لتوافر الظرف ولو وقعت السرقة خارج المكان الذي يعمل فيه الخادم بالأجر.

أما بالنسبة للطائفة الثانية وهم طائفة المستخدمين أو الصناع أو الصبيان فهي تشمل جميع من يعمل في محل خاص أياً كان نوعه وحكمة التشديد هي سهولة ارتكاب الجريمة ولذلك اكتفى المشرع لتوافر الظرف المشدد بوقوع السرقة في المحل الذي يعمل فيه الجاني ولو كان المال مملوكاً لغير صاحب المحل.

وغني عن البيان أن اشتراط صلة معينة في الجاني أو في المال موضوع الجريمة سواء لقيام الجريمة أو للتشديد في العقوبة يتطلب إحاطة علم الجاني بتلك الصفة وإلا انتفي القصد الجنائي بالنسبة للجريمة المشددة.

- السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل الأشياء :

نصت الفقرة (ثامناً) من المادة 317 على تشديد عقوبة السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل الأشياء فى العربات أو المراكب أو على دواب الحمل أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء أو أحد أتباعهم إذا سلمت إليهم الأشياء المذكورة بصفتهم السابقة.

وقد ذهب الفقه وقضاء النقض إلى أن الفقرة السابقة من المادة 317 تشكل استثناء علي القواعد العامة باعتبار أن تسليم الأشياء إلى محترفي النقل بصفتهم السابقة إنما يكون بناء على عقد من عقود الأمانة والذي من شأنه نفي الاختلاس في السرقة.

فقد قضت محكمة النقض بأنه وإن كان التسليم الحاصل إلى المحترفين بنقل الأشياء فى العربات أو المراكب أو على دواب الحمل إنما يقع بناء على عقد من عقود الائتمان يتم بين صاحب الشيء ومتعهد نقله سواء أكان العقد شفوياً أم كتابياً وكان من مقتضى ذلك أن تنتقل حيازة الشيء إلى مستلمه إلا أنه إذا اختلس هذا المحترف الشيء المسلم إليه فإنه يعد سارقاً بحكم الفقرة الثامنة من المادة 317 .

وقد يفترض على هذا النص بأنه شذ عن القواعد العامة للسرقة إذ لم يعتد بالتسليم الحاصل في هذه الحالة والذي من شأنه أن ينقل حيازة الشيء المسلم إلى مستلمة فإذا اختلسه عد خائناً للأمانة لا سارقاً. غير أنه لا محل للاجتهاد في مقام النص الصريح فالاختلاس الذي يقع من هؤلاء المحترفين أو أحد أتباعهم يعتبر سرقة ولكن في حدود النص المقرر لهذا الاستثناء فقط نقض 21 /12 / 1931  - مجموعة 25سنة ص 769- نقض 22/5/1939- ص 770- نقض 25/ 3/ 1946 - ص 769)

وتطبيقاً لذلك إذا كانت واقعة الدعوى هى أن المتهم بوصفه قائد سيارة نقل استلم من المجني عليه مائة شيكارة أسمنت بمقتضى بوليصة لتوصيلها إلى آخر فلم يسلم منها إلا 45 شيكارة فإن الحكم إذا انتهى إلى اعتبار الواقعة سرقة لا يكون قد أخطأ في شيء (نقض 12 / 3 / 1957 - س 8 - ص 252).

وترتيباً على ذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المادة 317 / 8 عقوبات صريحة في اعتبار الاختلاسات التي تحصل من المحترفين بنقل الأشياء فى العربات أو المراكب أو أحد أتباعهم إذا سلمت إليهم الأشياء المذكورة بصفتهم السابقة من قبيل السرقة بالرغم من وجود المال المختلس في يد من اختلسه عند وقوع الاختلاس ولكن فليد في القانون ما يلزم صاحب المال المسروق بتقديم دليل كتابي على وجود هذا المال تمت بيد سارقيه بل يخضع الإثبات في هذا الأمر إلى قواعد الإثبات في المواد الجنائية عامة (نقض 5 / 11 / 1951 - مجموعة 25 سنة ص 770)

ولكن يلاحظ أن المادة 317 بفقراتها المختلفة إنما تشدد عقوبة السرقة ومن ثم فهي تفترض أن ما وقع من الجاني يعتبر سرقة وفقاً للمادة 311 عقوبات وإذا كانت الفقرة الثامنة من المادة 317 نصت على السرقات التي تحصل من محترفي النقل فالذي نعتقده هو أن المشرع يعني السرقات بالمعنى الدقيق وهي التي تنصب على محتوى الأشياء التي تسلم مغلقة لنقلها بحالتها.

أما إذا انصب السلوك على الأشياء المسلمة ذاتها فإننا نكون بصدد خيانة أمانة والأمر في ذلك لا يختلف عن وضع الخادم الذي يسلم حرزاً مغلقاً لتوصيله إلى آخر فيستحوذ عليه كله فلا نكون في هذه الحالة بصدد سرقة وإنما خيانة أمانة فإذا فك الحرز المغلق واختلس شيئاً منه وأغلقه ثانية وسلمه فإنه يعد سارقة وفقاً للقواعد العامة.

 ومع ذلك وأياً كان الرأي فالتشديد محل البحث يشترط :

أولاً: أن يكون من محترفي النقل أو يكون تابعة لمحترفي نقل والتبعية المقصودة هنا تنصرف إلى توافر أي نوع من الإشراف أو الرقابة من قبل المتعهد بالنقل على من قام بالنقل الفعلي ولذلك يسري التشديد بالنسبة للقائمين بعملية النقل من الباطن.

والاحتراف لا يتطلب سوى أن يكون النقل بالأجر ولو كان لأول مرة كما يسري هذا التشديد أيضاً على المكلف بنقل الأشياء بأجر ولو كان غير محترف للنقل فإذا كان النقل بدون أجر فلا يسري التشديد وإنما تطبق القواعد العامة.

وثانياً : أن يكون الشيء قد سلم إلى الجاني بصفته السابقة.

وثالثاً: أن يكون التسليم قد تم بناء على عقد نقل الأشياء ولذلك لا يسري هذا التشديد على المكلف بنقل الأشخاص بالنسبة لأمتعتهم المرافقة لهم ويستوي بعد ذلك أن يكون النقل خاضعة لرقابة وإشراف المجني عليه أو بعيدة عن رقابته.

 ويستوي أن يكون العقد مكتوباً أو شفوياً.

رابعاً: أن يقع الاختلاس والأشياء ما زالت في عهدة الجاني فلا ينطبق التشديد إذا وقعت السرقة بعد تسليم الأشياء إلى المجني عليه أو قبل استلامها منه.

وجدير بالذكر أنه إذا كان القضاء قد استقر على اعتبار اختلاس محترفي النقل للأشياء المسلمة إليهم بهذه الصفة سرقة فإن ذلك يكون في حدود النص المقرر لهذا الاستثناء فقط.

ومعنى ذلك أنه إذا توافرت ظروف تجعل جناية من جنايات السرقة فلا يتغير وصف الجريمة وإنما تكون العبرة بوصفها الأصلي وهو خيانة الأمانة إلا إذا توافرت السرقة بمقوماتها القانونية بأن انصبت على محتوى الأشياء المسلمة في حرز مغلق.

السرقات التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحى حتى الأعداء :

وهذا التشديد صدر بالقانون رقم 13 لسنة 1940 تنفيذاً لمعاهدة 1929 الدولية والخاصة بتحسين حال جرحى الحرب واتفاقية جنيف.

 ويشترط لإعمال التشديد:

أولاً: أن تكون السرقة وقعت أثناء قيام الحرب ولا يلزم أن تقع أثناء المعارك وإنما يكفي توافر حالة الحرب.

وثانياً: أن تقع السرقة على أحد الجرحى والمصابين من العمليات الحربية ويستوي أن يكون وطنية أو أجنبية أو حتى من جنود الأعداء ويتحقق الظرف المشدد متى كانت الإصابة نتيجة لعمليات حربية ولو بعيداً عن ميدان القتال كما هو الشأن بالنسبة للإصابات من عمليات القصف بالطائرات للمنشآت العسكرية أو المدنية.

ويرى البعض أن السرقات التي تقع على القتلى يتوافر بالنسبة لها الظرف المشدد لتوافر الحكمة من التشديد غير أن هذا التوسع لا يتفق وصراحة النص على الجرحى فقط دون القتلى.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثاني،  الصفحة:  178 )

جنح السرقة المشددة المنصوص عليها في المادة 317 من قانون العقوبات :

تأصيل الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة 317 من قانون العقوبات ترد هذه الظروف إلى المجموعات التالية : التشديد الذي يرجع إلى مكان ارتكاب السرقة ، والتشديد الذي يرجع إلى زمن ارتكابها والتشديد الذي ينبني على استعمال وسيلة معينة في ارتكابها والتشديد الذي يفترض تعدد مرتكبيها والتشديد الذي يقوم على صفة لدى الجاني  والتشديد الذي يفترض صفة لدى المجني عليه .

مقدار التشديد : تتحد الظروف السابقة جميعاً من حيث مقدار التشديد الذي يترتب على كل منها فتصير عقوبة السرقة « الحبس مع الشغل » ويجوز بالإضافة إلى هذه العقوبة أن يحكم بمراقبة البوليس بذات الشروط التي نصت عليها المادة 320 من قانون العقوبات وبين الحدين اللذين وضعتهما ويعاقب على الشروع في هذه السرقات المشددة وتحدد عقوبته وفقاً للضابط الذي نصت عليه المادة 321 من قانون العقوبات .

التشديد الذي يرجع إلى مكان ارتكاب السرقة

تقسيم: يضم هذا التشديد ظروفاً ثلاثة : ارتكاب السرقة في مكان مسكون أو معد للسكني أو في ملحقاته ، وارتكابها في محل عبادة ، وارتكابها في مكان مسور .

ارتكاب السرقة في مكان مسكون أو معد للسكني أو فى ملحقاته

علة التشديد :

حدد الشارع هذا الظرف المشدد بقوله « السرقات التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكني أو فى ملحقاته » ويعني ذلك أن هذا الظرف يتحقق بارتكاب السرقة في أحد أماكن ثلاثة المكان المسكون والمكان المعد للسكن وملحقات أحد هذين المكانين وعلة تشديد العقاب على السرقة المرتكبة في مسكن أنها تتضمن اعتداء على حرمة المسكن إلى جانب ما تنطوي عليه من اعتداء على المال وبالإضافة إلى ذلك فهذه السرقة تفترض تخطى سياج الحماية الذي أحاط به الحائز ماله عندما وضعه في مسكنه ويعني ذلك أنها تتضمن اعتداء أشد على الحيازة وحين ينجح السارق في دخول المسكن فهو يرتكب سرقة سهلة لأن المجني عليه يتخلى في مسكنه عن وسائل الحيطة التي يتخذها عادة في غير مسكنة .

المكان المسكون : يراد بالمكان المسكون كل مكان يسكنه فعلاً شخص أو أكثر ويعني ذلك أن العنصر الذي تقوم عليه فكرة المكان المسكون هو « التخصيص الفعلي والحال للسكني » والمراد بالسكن الإقامة وتعني لإقامة تخصيص المكان لمظاهر الحياة التي يحرص كل شخص على أن يكون في عزلة حين يباشرها وأهم هذه المظاهر هي النوم والخلود للراحة أو العمل الهادي فإذا ثبتت السكن في المكان فلا عبرة بتخصيصه المعتاد أو الغرض الذي خصص له عند صناعته ولا عبرة كذلك بالاسم الذي يطلق عليه لغة أو عرفاً أو بالمادة التي صنع منها وتطبيقاً لذلك فإن الفنادق والمستشفيات والسجون والمدارس التي بها أقسام داخلية ومساكن الطلبة في المدن الجامعية ودور الضيافة على اختلاف أنواعها تعتبر « أماكن مسكونة » ويعني ذلك أنه ليس من عناصر المكان المسكون أن يكون ثابتاً فالسفينة أو العربة الكبيرة أو الكشك أو الخيمة تعتبر مساكن إذا أقام فيها شخص ولا عبرة بمادة الصناعة أكانت الخشب أو القماش أو الجلد ولا أهمية لكون هذا المكان خصص أصلاً لغير السكن وغني عن البيان أن المكان يعتبر « مسكوناً » ولو كان ساكنه ينام فيه فقط ويبقى خالياً فيما عدا ذلك الوقت ولا أهمية لكون وقت نومة الليل أو النهار .

أما إذا كان المكان مما يجتمع فيه خلال فترة من اليوم عدد من الناس ابتغاء غرض معين فلا يقيم فيه أحد ثم ينصرفون كالمدارس والكليات والمباني المخصصة للإدارات والمرافق العامة كمباني الوزارات والمحاكم ومراكز الشرطة والبنوك والنوادي والمصانع والمحلات التجارية فهو لا يعتبر مكاناً مسكوناً ولكن إذا أقام فيه شخص كحارس يبيت الليل للحراسة اعتبر « مكاناً مسكوناً.

المكان المعد للسكنى : إن تعبير « المكان المعد للسكنى » ينصرف إلى أحد مدلولین : أولهما المكان المخصص بطبيعته للسكن ولو أنه لم يسكن بعد كمبنى شید وعرض للإيجار ولكن لم يسكنه أحد بعد أو شقة مفروشة خلت من مستأجرها ولم يحل أحد محله بعد والمدلول الثاني يراد به المكان المسكون فعلاً ولو أن ساكنة لا يقيم فيه مؤقتاً مثال ذلك منزل في مصيف أو مشتى لا يقيم فيه ساكنة إلا خلال شهور محدودة في السنة فقط أو منزل في الريف ينزل فيه ساكنه يوم العطلة الأسبوعية فقط أو منزل في دولة أجنبية لا يقيم فيه ساكنه إلا حينما يأتي إلى هذه الدولة ومن بين هذين المدلولين نعتقد أن الشارع يريد المدلول الثاني ذلك أن علة التشديد وهي الاعتداء على حرمة المسكن لا تتصور إلا إذا كان ثمة مسكن وهو ما يقتضي أن يكون المكان مسكوناً فعلاً وإن يكن ذلك في صورة متقطعة.

ملحقات المكان المسكون أو المعد للسكن  :

مد الشارع نطاق التشديد إلى السرقات التي ترتكب في ملحقات المكان المسكون أو المعد للسکن وعلة ذلك أنها تعتبر - في تقدير الشارع - جزءاً من المكان الملحقة به ومن ثم تكتسب حرمته ويكون لها حكماً «صفة المسكن » فيكون ارتكاب السرقة فيها اعتداء على حرمته بما يحقق علة التشديد  ويراد بهذه الملحقات أماكن تتصل مباشرة بالمسكن أو يضمها وإياه سور واحد ومخصصة لتهيئة ظروف الإقامة المعتادة فيه ويعني ذلك أنها أجزاء من المسكن ولها ذات تخصيصه وإن يكن ذلك في صورة غير مباشرة وأهم أمثلة للملحقات الغرف المقامة في السطح والمعدة لغسل الملابس أو تربية الطيور وبدروم المنزل ومكان إيواء السيارة والحديقة  ولكن لا يعتبر من ملحقات المسكن أرض زراعية مملوكة لساكنة ولكنها تقع خارج أسواره ذلك أن انفصالها عن السور ينفي عنها أن تكون جزءا منه وينفي تبعاً لذلك أن يكون لها نصيب من حرمته .

تستوي لدى القانون صفة المتهم وعلاقته بالمجني عليه :

تستوي صفة المتهم أكان غريباً عن المسكن فاقتحمه أو تسلل إليه أم كان واحداً ممن ينزلون أو يقيمون فيه بوجه مشروع وبناء على ذلك يشدد عقاب الخادم أو الضيف أو الإبن الذي يسرق في المسكن مالاً مملوكاً لرب المسكن أو غيره بل إن رب المسكن يشدد عقابه إذا سرق مالاً لضيفه أو لخادمه.

ب -ارتكاب السرقة في محل معد للعبادة : 

علة التشديد عبر الشارع عن هذا الظرف المشدد بقوله إن السرقة قد ارتكبت في « أحد المحلات المعدة للعبادة » وقد شدد الشارع العقاب على السرقة التي ترتكب في « محل معد للعبادة » لأن لهذا المكان حرمة فالسارق يعتدي على هذه الحرمة بالإضافة إلى اعتدائه على المال ومن ناحية ثانية فإن هذه السرقة تتميز بالسهولة إذ يستغل السارق انصراف المجني عليه إلى العبادة وغفلته تبعاً لذلك عن رعاية ماله .

مدلول المحل المعد للعبادة : المحل المعد للعبادة هو كل مكان خصص لإقامة شعائر دين من الأديان ولا يشترط اعتراف الدولة صراحة بهذا الدين ولكن يكفي ألا تنكره ولا يقتصر وصف « المحل المعد للعبادة » على الأماكن التي أعدت ليدخلها كل عابد کمسجد أو كنيسة عامين وإنما يصدق كذلك على كل محل خصص للعبادة ولو كان لا يسمح بالدخول فيه إلا لفئة من الناس كمصلی ملحق بمدرسة أو مستشفى أو دير أما إذا فقد المكان تخصيصه للعبادة كمسجد تقادم عليه الزمن فانصرف الناس عن العبادة فيه وصار مجرد أثر تاریخي فإن حرمته كمعبد تزول عنه .

وسواء في تحقق التشديد أن يكون موضوع السرقة مملوكاً لأحد العابدين فيه أو مملوكاً لمحل العبادة أو الهيئة التي تديره كسجاد المسجد أو صندوق النذور به أو مملوكاً لخادم هذا المحل أو القائم على إدارة الشعائر فيه ويتحقق التشديد إذا ارتكب السرقة شخص يعمل في هذا المحل كخادمه أو مديره .

جـ - ارتكاب السرقة في مكان مسور :

عناصر التشديد : عرف الشارع السرقات المقترنة بهذا الظرف المشدد بأنها « السرقات التي تحصل في مكان مسور بحائط أو بسياج من شجر أخضر أو حطب يابس أو بخنادق ويكون ذلك بواسطة كسر من الخارج أو تسور أو باستعمال مفاتيح مصطنعة » ويعني ذلك أن التشديد يعتمد على عنصرين  مكان ارتكاب السرقة وكونه مكاناً مسوراً ووسيلة الدخول فيه لارتكاب السرقة وكونها إحدى الوسائل التي أوردها النص على سبيل الحصر .

علة التشديد : علة التشديد مستمدة من عنصرية : فقد شدد الشارع العقاب على السرقة من المكان المسور لأن المجني عليه الذي يتخذ الاحتياط لصيانة ماله أجدر بالحماية ممن يترك ماله سهل المنال وتتضمن هذه السرقة عدواناً أشد على الحيازة فبقدر ما تزداد العقبات التي يتعين على السارق اجتيازها للوصول إلى المال موضوع السرقة تزداد جسامة ما ينطوي عليه فعله من عدوان على حيازة المجنى عليه وتكشف هذه السرقة عن خطورة السارق فهو يبذل مجهوداً كبيراً لينفذ جريمته ويتقبل احتمال أن يصادف المجني عليه في ذلك المكان ويواجه مقاومته وتقترن هذه السرقة في الغالب بعنف على الأشياء إلى جانب ما تنطوي عليه من اعتداء على الملكية.

المكان المسور: لم يعرف الشارع المكان المسور ولكن اقتصر على إيراد أمثلة لكيفية تسويره فذكر أنه « مسور بحائط أو بسياج من شجر أخضر أو حطب يابس أو بخنادق » وفي ضوء العلة من تشديد العقاب نعرف المكان المسور بأنه «كل مكان محاط بسياج يضع به الحائز عقبة حقيقية تعترض كل داخل إليه عن غير الطريق المعد لذلك » .

ويتضح من هذا التعريف أن العنصر الأساسي في فكرة السور هو « العقبة » التي تعترض الداخل إليه من غير بابه بحيث يتعين عليه أن يبذل مجهوداً غير عادي للدخول إليه وتطبيقاً لذلك فإن المكان لا يعتبر مسوراً إذا أحاط به سياج ولكن من جهات ثلاث فقط أو أحاط به من جميع الجهات ولكن تركت فيه فتحة كبيرة يستطيع أي شخص أن يدخل منها بدون صعوبة أو كان السياج منخفضاً وكان القصد منه أن يكون بمثابة حدود ترسم أبعاد المكان فإذا تحقق بالسياج معنى « العقبة » المعترضة طريق الداخل فسواء ما عدا ذلك من الاعتبارات سواء المادة التي صنع منها وقد صرح الشارع بأنه سواء أن يكون السور حائطاً أو شجراً أخضر أو حطباً يابساً أو خنادق وهذا البيان قد ورد على سبيل المثال فقد تكون مادة السور حديداً أو أسلاكاً أو زجاجاً .

ولا يشترط أن يكون السور شديد الارتفاع أو العمق بل يكفي أن يكون بالقدر الذي يجعل الدخول غير متاح إلا بمجهود غير عادي ولا أهمية لوجود باب أو عدم وجوده و إذا وجد الباب فإن التسوير يظل متحققاً ولو كان من السهل فتحه أو تحطيمه .

وسائل الدخول إلى المكان المسور لا يكفي لتشديد العقاب أن ترتكب السرقة في المكان المسور بل يجب أن يكون الدخول إليه بإحدى الوسائل التي حددها الشارع وهذه الوسائل هي الكسر والتسور و استعمال مفاتيح مصطنعة والفكرة الجامعة بينها أنها وسائل غير عادية لدخول مكان ارتكاب السرقة فكل منها تمثل طريقة للدخول في هذا المكان مختلفة عن الطريق المألوف المعتاد الذي خصصه الحائز للدخول فيه وجرت عادة الناس باستعماله لذلك وقد حدد الشارع هذه الوسائل على سبيل الحصر فلا يجوز أن تقاس عليها وسيلة أخرى وإن كانت في ذاتها غير مألوفة .

ولا يتوافر الظرف المشدد إلا إذا ثبت أن قصد المتهم من استخدام الوسيلة التي نص عليها القانون أن يرتكب السرقة في ذلك المكان الذي دخل إليه بهذه الوسيلة أما إذا قصد غرضاً آخر ثم سنحت له فرصة السرقة فانتهزها فلا يتوافر الظرف المشدد ذلك أن علة التشديد لا تتحقق إلا إذا كانت هذه الوسيلة جزءاً من المشروع الإجرامي وهو ما يقتضي أن يكون قصد المتهم بهذه الوسيلة أن يستعين بها في تنفيذ السرقة يقتضي ذلك أن يكون الإلتجاء إلى هذه الوسيلة سابقاً على تنفيذ السرقة أو معاصراً له أما إذا جاء لاحقاً على تمامه فلا يقوم به الظرف المشدد وتطبيقاً لذلك فإنه إذا أتم المتهم السرقة دون کسر ثم تذكر أنه نسى في مكان ارتكابها شيئاً فكسر ذلك المكان لكي يسترد ما نسيه فإن الظرف المشدد لا يتوافر بذلك .

الكسر: عبر الشارع عن هذه الوسيلة بعبارة كسر من الخارج وقد أراد بهذه الإضافة أن يستبعد الكسر من الداخل والكسر عمل عنيف يحطم به السارق كل أو بعض السور الذي أحاط به المجني عليه مكان السرقة .

ويستخلص من هذا التعريف أن الفكرة الأساسية في الكسر أنه «عنف » واشتراط الشارع فيه أن يكون « من الخارج » يقتضي تطلب وقوعه على السور الخارجي لمكان ارتكاب السرقة ويعني ذلك أن عنصري الكسر هما العنف ووقوعه على السور الخارجي ويستوي نوع العنف وصورته يستوي عنف يحطم السور بأكمله وعنف يحطم جزءاً منه ولو كان ضئيلاً طالما أنه يكفي لتحقيق غرض المتهم منه وتطبيقاً لذلك يعد کسراً من الخارج أن يهدم المتهم جزءاً من السور أو يحدث فتحة به أو يحطم بابه المغلق أو يحطم نافذة فيه أو يكسر القفل الذي أحكم إغلاق الباب أو النافذة به أو ينتزع المسامير التي ثبت بها هذا القفل والأصل في الكسر من الخارج أن يكون الوسيلة للدخول إلى مكان ارتكاب السرقة يتحقق هذا المعنى إذا وجد أحد السارقين في داخل ذلك المكان دون كسر لأنه خادم يعمل فيه مثلاً ثم حطم الباب من الداخل ليمكن شريكه من الدخول وارتكاب السرقة ذلك أن الجريمة واحدة ويعتبر الكسر الذي ارتكبه أحد السارقين هو وسيلة تنفيذها ويتحقق معنى الكسر الخارجي إذا استطاع السارق الدخول في مكان السرقة دون كسر ثم ارتكب الكسر ليتمكن من الخروج منه بالمسروقات ذلك أن السرقة لا تتم إلا بمغادرة مكان ارتكابها ولذلك يعتبر الفعل المرتكب الاستطاعة مغادرته فعلاً يرتكب في سبيل تنفيذ السرقة.

وقد اشترط الشارع في الكسر أن يكون  من الخارج أي أن يقع على السور الخارجي للمكان الذي ارتكبت السرقة فيه ومن ثم فإن  الكسر الداخلي  الذي يقع على الحوائط أو الأبواب الداخلية أو على الخزائن والصناديق التي أودعت فيها الأشياء موضوع السرقة لا يقوم به الظرف المشدد .

التسور : عبر الشارع عن هذه الوسيلة بلفظ  تسور  مجرداً فلم يشترط فيه أن يكون  من الخارج  كما فعل بالنسبة للكسر ولكن الإجماع منعقد على أن الظرف المشدد لا يقوم إلا بالتسور الخارجي ذلك أن علة التشديد لا تتحقق إلا في حالته بالإضافة إلى أنه لا مبرر من المنطق القانوني للتفرقة بين الكسر والتسور والتسور هو  تخطي العقبة التي يضعها الحائز لتعترض طريق من يحاول الاعتداء على ماله دون تحطيمها أي اجتياز هذه العقبة باعتلائها ثم الهبوط منها ويعني ذلك أن التسور يشبه بالكسر في انطوائه على الدخول في مكان السرقة بوسيلة غير مألوفة  ولكنه يختلف عنه في تجرده من العنف والتسور الخارجي وحده هو الذي يقوم به الظرف المشدد ويفترض التسور الخارجي تخطى السور الخارجي للمكان الذي ارتكبت السرقة فيه ويفترض بطبيعته أسلوباً للدخول في ذلك مختلفاً عن الكيفية التي يلتجئ إليها الحائز عادة ومن ثم كان متميزاً بطابع من الشذوذ وسواء أن يستعمل التسور للدخول في المكان لارتكاب السرقة أو للخروج منه بالمسروقات.

والأصل أن يستعين السارق على ذلك بأداة ويستوي نوع هذه الأداة فقد يستعمل سلماً أو يستعين بحبل وقد لا يستعين السارق بأداة ولكن يشترط في هذه الحالة أن يأتي حركة جسمية غير عادية لاستطاعة اجتياز السور عن غير الطريق المألوف كأن يقفز الخندق المحيط بالمكان أو يحفر نفقاً أسفل السور أو يتسلق مواسير المياه ويدخل من نافذة تركت مفتوحة أو يعتلي شجرة مجاورة للسور ثم يقفز منها إلى داخل المكان .

 استعمال مفاتيح مصطنعة : يريد الشارع بالمفتاح المصطنع كل مفتاح غير المفتاح الذي أعد خصيصاً لباب المكان الذي ارتكبت السرقة في داخله وهذا المدلول متسع فيشمل المفتاح الذي يصنعه السارق على مثال المفتاح الحقيقي تقليداً له ويشمل كل مفتاح تجری به تعديلات ليصير مماثلاً للمفتاح الحقيقي ويشمل المفتاح الخاص بمكان آخر الذي يكتشف السارق أنه مماثل لمفتاح المكان الذي يريد ارتكاب السرقة فيه فيستعمله للدخول فيه ويشمل المفتاح الأصلي لذلك المكان إذا فقد تخصيصه لضياعه أو سرقته مثلاً ثم صنع الحائز مفتاحاً آخر استبدله به وتطبيقاً لذلك فإنه إذا احتفظ الخادم بمفتاح البيت بعد تركه الخدمة ثم استعمله في ارتكاب السرقة فإن الظرف المشدد يتوافر بذلك ويعتبر مفتاحاً مصطنعاً كذلك المفتاح الحقيقي للباب إذا كان مخصصاً لاستعمال احتياطي عند فقد المفتاح الأصلي فلم يكن تبعاً لذلك مفتاحه الحقيقي في الظروف العادية ويعتبر في حكم المفاتيح المصطنعة الآلات والأدوات التي تستعمل لفتح الأقفال .

ولكن إذا كان مفتاح المكان الذي ارتكبت السرقة فيه لا يزال محتفظاً بتخصيصه الأصلي فهو لا يعتبر مفتاحاً مصطنعاً وإن استعمله السارق للدخول إلى المكان الذي ارتكبت السرقة فيه كما لو كان المجني عليه قد نسيه في موضع ما فأخذه السارق بل ولو كان قد أخذه خلسة من حوزته أو استولى عليه عن طريق النصب أو خيانة الأمانة ذلك أنه طالما لم يزل على تخصيصه الأصلى ولم يستبدل به ما يحل محله فلا يعتبر مفتاحاً مصطنعاً بالإضافة إلى أن تكييف المفتاح بأنه حقيقي أو مصطنع يتوقف على الخصائص الذاتية للمفتاح لا على طريقة الحصول عليه.

2- التشديد الذي يرجع إلى وسيلة ارتكاب السرقة السرقة بكسر الأختام :

علة التشديد : نص الشارع على ظرف مشدد وحيد للسرقة يرجع إلى وسيلة ارتكابها هو السرقة بكسر الأختام وقد نص عليها بقوله « السرقات التي تحصل بكسر الأختام المنصوص عليه في الباب التاسع من الكتاب الثانی » ويفترض هذا الظرف أن المكان أو الوعاء الذي يحتوي على الأشياء المسروقة قد وضع عليه ختم بمقتضى أمر من السلطات العامة کي لا يفتح إلا بناء على تصريح منها فحطم المتهم هذا الختم وسرق كل أو بعض ما يحتويه المكان أو الوعاء المختوم به عليه وهذا الظرف عيني وعلة التشديد أن المتهم قد أضاف إلى اعتدائه على الملكية إخلاله بالاحترام الواجب للسلطة التي وضعت الختم وإهداره للغرض الذي من أجله وضعته .

شروط التشديد : يتطلب التشديد شروطاً ثلاثة :

وجود ختم وضع على المكان أو الوعاء الذي يحتوي على المسروقات وأن يصدر عن المتهم فعل كسر لهذا الختم وأن يرتكب هذا الفعل بقصد السرقة .

ويراد بالختم العلامة الدالة على إحدى السلطات العامة التي تضعها بناء على القوانين أو اللوائح أو القرارات الإدارية على مكان أو وعاء أو حرز أياً كان تحقيقاً لغرض معين وسواء أن تكون هذه السلطة قضائية أو إدارية وقد حدد الشارع الغرض من الختم بأنه «حفظ محل أو أوراق أو أمتعة بناء على أمر صادر من إحدى جهات الحكومة أو إحدى المحاكم في مادة من المواد » (المادة 147 من قانون العقوبات) ومثال ذلك وضع ختم على محل صدر حكم أو قرار بإغلاقه منعاً لإعادة فتحه خلافاً لما قضى به ذلك القرار أو الحكم ووضع ختم على حرز يحتوي على أشياء ضبطت في تحقيق جنائي ضماناً لتقديمها إلى المحكمة في الصورة التي ضبطت بها .

وكسر الختم هو رفعه من موضعه وإبطال أثره في حماية الأشياء المختوم به عليها وتستوي الوسيلة التي يحقق بها المتهم ذلك فقد يحطم الختم وقد ينتزعه من موضعه دون أن يتلفه، وقد يقطع القماش أو الورق الذي وضع الختم عليه ومؤدي ذلك أن كسر الختم لا يعني بالضرورة تحطيمه.

ويتطلب القانون في النهاية أن يثبت أن كسر الختم كان بقصد سرقة بعض ما يحتويه الوعاء الذي وضع الختم عليه أي أن يكون غرض المتهم من الكسر هو ارتکاب سرقة موضوعها المحتويات السابقة أما إذا كان يستهدف غرضاً آخر كالاستطلاع أو كسر الختم بخطئه ثم انتهز الفرصة وارتكب السرقة فلا يتوافر الظرف المشدد .

3- التشديد الذي يرجع إلى زمن ارتكاب السرقة السرقة ليلاً :

علة التشديد : نص الشارع على هذا الظرف في قوله « السرقات التي تحصل ليلاً » ويعني ذلك أن قوام هذا الظرف هو الوقت الذي ترتكب فيه الجريمة وهذا الظرف عيني و علة تشديد العقاب على السرقة التي ترتكب ليلاً هي السهولة التي يصادفها السارق في تنفيذ جرائمه فالمجني عليه يباغت بها وقد خلد إلى الراحة وفي الغالب استسلم إلى النوم فلا يستطيع أن يدافع عن ماله الدفاع الذي كان يستطيعه لو ارتكبت السرقة نهاراً ومن ناحية ثانية فالسارق يكشف عن خطورة خاصة إذ يستغل الظروف السابقة وفي الغالب يضمر العزم علی استعمال الإكراه مستتراً بالظلام إذا اقتضت السرقة ذلك .

مدلول الليل : يتردد الفكر بين رأيين في تحديد هذا المدلول : فقد يحدد الليل في مدلول فلكي بأنه الفترة من اليوم المنحصرة بين غروب الشمس وشروقها وقد يحدد في مدلول عرفي بأنه الفترة من اليوم التي يخيم فيها الظلام ويسود الهدوء وتقفر الطرقات ويخلد أغلب الناس إلى الراحة وواضح الاختلاف بين المدلولين فالليل في المدلول الثاني أقصر إذن يستبعد منه الوقت الذي يعقب غروب الشمس مباشرة ولكن يبقى الضوء خلاله منتشراً وإن يكن خافتاً و يظل أغلب الناس على نشاطهم و الطرقات على امتلائها ويستبعد منه كذلك وقت مماثل يسبق شروق الشمس  ويمتاز المدلول الأول بالضبط والتحديد فلحظتا الغروب والشروط محددتان على وجه لا يتطرق إليه شك أما المدلول الثاني فينقصه مثل هذا الضبط  إذ يعتمد على تقدير القاضي ، وقوله بما إذا كان الظلام والهدوء قد ساد في وقت السرقة إلى الحد الذي يبرر التشديد وهذا المدلول نسبی إذ يختلف باختلاف الفصول والأماكن ولكن ميزة هذا الرأي أنه متصل بعلة التشديد ذلك أن سهولة تنفيذ السرقة ترتبط بالظلام والإفقار والنوم أكثر مما تتصل باللحظة الفلكية لغروب الشمس وشروقها  وقد تبنت محكمة النقض المدلول الفلكي الليل فقالت إنه « إذا كان القانون لم يحدد بداية الليل ونهايته فقد أفاد أنه قصد ما تواضع الناس عليه من أنه الفترة بين غروب الشمس وشروقها » وقد استخلصت من ذلك أن السرقة تعتبر قد ارتكبت ليلاً إذا وقعت عقب الفجر بقليل أي قبل شروق الشمس.

وإذا وقع جزء من تنفيذ السرقة في الليل وجزء منه في النهار كما لو ابتدأ قبل حلول الليل واستمر بعد ذلك أو ابتدأ قرب انتهاء الليل واستمر بعد طلوع النهار فإن السرقة في مجموعها تعتبر مرتكبة في الليل إذا يكفي أن جزءاً من ركنها المادي تحقق أثناء الليل حتى تتوافر علة التشديد إذ قد استغلت في تنفيذ هذا الجزء السهولة المرتبطة بالظلام والهدوء وهذا الجزء مهد أو أتم الأجزاء الأخرى من ماديات السرقة.

4- التشديد الذي يرجع إلى تعدد السارقين :

علة التشديد : عبر الشارع عن السرقات المقترنة بهذا الظرف المشدد في قوله « السرقات التي تحصل من شخصين فأكثر» .

ويقوم هذا الظرف على عنصر وحيد هو « تعدد مرتكبي السرقة » وعلة تشديد العقاب على السرقة التي يرتكبها شخصان أو أكثر هي سهولة تنفيذ هذه السرقة فرؤية المجنى عليه أشخاصاً عديدين يساهمون في الاعتداء على ماله تلقى الرعب في نفسه فتجعله يجبن عن مقاومتهم في حين يحتمل لو كان السارق شخصاً واحداً أن يقاومه ويتغلب عليه وبالإضافة إلى ذلك فالتعدد يعني خطورة الجريمة ومرتكبيها إذ قد تحمل الجرأة المستمدة من التعدد على أفعال خطيرة لم يكن يقدم السارق عليها لو كان بمفرده.

مدلول التعدد :

عبر الشارع عن التعدد في قوله أن السرقة قد حصلت « من شخصين فأكثر » ويعني ذلك أن يكتفي بالحد الأدنى للتعدد فيكفي للتشديد كون السارقين أثنين فقط ويفترض التعدد وحدة الجريمة إذ في هذا الوضع فحسب يمكن القول بأن مرتكبي الجريمة قد تعددوا أما إذا تعددت بقدر عدد الجناة جرائم السرقة بحيث كان لكل سرقة مرتكب وحيد فلا يتحقق بذلك التعدد وإن جمع بين هذه السرقات تقارب في الزمن أو تماثل في البواعث والمرجع في القول بوحدة الجريمة إلى الضوابط المقررة في « نظرية المساهمة الجنائية» .

ويثير مدلول التعدد التساؤل عما إذا كان يشترط أن يكون جميع المتهمين فاعلين للسرقة في المعنى الذي حددته المادة 39 من قانون العقوبات أم أن هذا الظرف يتحقق كذلك إذا كان فاعل السرقة شخصاً واحداً ولكن كان له فيها شركاء إن الإجابة على هذا التساؤل يجب أن تستلهم من علة التشديد وهی سهولة تنفيذ السرقة لرعب المجنى عليه وجرأة الجناة لشعور كل منهم بأن زملاءه في الجريمة يشدون أزره وهذه العلة لا تتحقق إلا إذا ظهر السارقون مجتمعين في مكان تنفيذ الجريمة.

ويقود ذلك إلى اشتراط تعدد الفاعلين إذ القضاء يقر صفة « الفاعل » لكل من عهد إليه في خطة الجريمة بدور رئيسي اقتضى ظهوره على مسرح الجريمة إذ يعد فعله عملاً من الأعمال المكونة لها فيصدق عليه تعريف الفاعل الذي أوردته الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات وتطبيقاً لذلك فإن التشديد لا يتحقق إذا كان فاعل السرقة واحداً ولكن حرضه عليها شخص أو أكثر او اتفق معه على ارتكابها أو ساعده في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لها طالما أن هذه المساعدة لم تقتض ظهوره على مسرح الجريمة ولكن يتحقق التشديد إذا ساهم مع فاعل السرقة شخص كان دوره مراقبة الطريق أو تلهية المجني عليه کی يسهل لزميله السرقة أو حراسته أثناء تنفيذه جريمته .

التشديد الذي يرجع إلى صفة السارق :

تقسيم: نص الشارع على ظروف ثلاثة يعتمد التشديد فيها على صفة توافرت لدى السارق هذه الظروف هي كون السارق خادماً للمجني عليه وكونه مستخدماً أو صانعاً أو صبياً وكونه من المحترفين بنقل الأشياء وهذه الظروف شخصية ومن شأنها التغيير من وصف الجريمة.

(أ) السرقة التي يرتكبها خادم

علة التشديد :

عبر الشارع عن السرقات التي يتوافر لها هذا الظرف المشدد في قوله « السرقات التي تحصل من الخدم بالأجرة إضراراً بمخدوميهم » ويستخلص من ذلك أن هذا الظرف يقوم على عنصرين کون المتهم خادماً ووقوع السرقة إضراراً بمخدومه.

وعلة التشديد أن الخادم الذي يرتكب السرقة إضراراً بمخدومه يضيف على اعتدائه على ماله إخلاله بالثقة التي وضعها فيه وهي ثقة كان المخدوم مضطراً إلى وضعها فيه لأن طبيعة العلاقة بينهما تقتضيها ومن ناحية ثانية فهذه السرقة سهلة التنفيذ فالخادم توضع بين يديه أشياء مخدومه ليستعين بها في عمله ويصرح له بالدخول في أنحاء بيته المختلفة ويتيح له ذلك الاطلاع على تفاصيله ومعرفة الأماكن التي وضعت فيها الأشياء الثمينة .

 مدلول الخادم : الخادم شخص يؤجر خدماته لآخر على وجه ينقطع فيه لذلك بحيث يحوز ثقة عامة من مخدومه ويتضح من هذا التعريف أن صفة الخادم تقوم على عناصر ثلاثة أن يكون العمل المكلف به هو خدمة شخص آخر وأن ينقطع له وأن يكون ذلك نظير أجر .

فالعنصر الأول يفترض أن يكون العمل هو خدمة آخر أي القيام بالأعمال المادية التي يحتاج إليها في حياته اليومية ومن ثم يستبعد من عداد الخدم من يقومون بأعمال ذهنية لحساب غيرهم كالسكرتير الخاص والمحاسب ومدير المكتبة الخاصة ولكن يستوي أن يكون المخدوم شخصاً طبيعياً أو معنوياً ويستوي كذلك أن يكون عقد الخدمة صحيحاً أو باطلاً ويستوي في النهاية أن يكون المتهم ملحقاً بخدمة شخص المخدوم (كسائق السيارة الخاصة) أو خدمة بيته .

والعنصر الثاني يفترض انقطاع الخادم لعمله إذ أن ذلك الانقطاع هو الذي يتيح له حيازة ثقة مخدومه والدخول بغير قيود في أنحاء بيته ومن ثم يستبعد من عداد الخدم الشخص الذي يوزع وقته على خدمة أشخاص متعددين فيتردد عليهم بصفة منتظمة أو عارضة كاليستاني الذي يمر على الحديقة من وقت لآخر.

والعنصر الثالث يقتضي أن يكون العمل نظير أجر وقد صرح الشارع بهذا العنصر في قوله « الخدم بالأجرة » وعلته أن الأجر عنصر في عقد الخدمة الذي يربط بين الخادم و مخدومه ومن ثم يستبعد من عداد الخدم القريب الفقير الذي يقيم في بيت قريبه ويشارك في العمل المنزلي ويتلقي بين الحين والحين بعض الهبات أو يشارك أقاربه طعامهم ولكن لا يشترط أن يكون الأجر نقدياً فقد يكون طعاماً يقدم على نحو دوري منتظم أو مأوي يراعي فيه حسب قصد الطرفين أنه المقابل الكافي للخدمات التي يقدمها المتهم .

ارتكاب السرقة إضراراً بالمخدوم : عبر الشارع عن هذا الشرط في قوله إن السرقة ارتكبت « إضراراً بمخدوميهم » وهذا الشرط متصل بعلة التشديد باعتباره يعني إخلال المتهم بالثقة التي وضعت فيه واعتداءه على المصلحة التي كلف برعايتها والصورة الواضحة الإضرار السرقة بالمخدوم أن يكون المال المسروق مملوكاً له ولكن نطاق التشديد لا يقتصر عليها وإنما يتسع كذلك الحالة ما إذا كان المخدوم حائزاً ذلك المال حيازة ناقصة إذ يعرضه ذلك الإلتزام بالتعويض قبل مالكه ويستوي أن ترتكب السرقة في المكان الذي يعمل فيه المتهم أو في أي مكان آخر أما إذا لم يصب المخدوم ضرر فلا يتوافر الظرف المشدد ولو ارتكبت في بيت المخدوم كما لو سرق الخادم مال ضيف نازل لديه أو مال خادم آخر.

(ب) السرقة التي يرتكبها مستخدم أو صانع أو صبي :

علة التشديد : عبر الشارع عن السرقات المقترنة بهذا الظرف المشدد في قوله « السرقات التي تحصل من المستخدمين أو الصناع أو الصبيان فى معامل أو حوانيت من استخدموهم أو في المحلات التي يشتغلون فيها عادة ويستخلص من هذا النص أن الشارع يبنى التشديد على عنصرين عنصر مستمد من صفة المتهم وكونه مستخدماً أو صانعاً أو صبياً لدى المجني عليه أما العنصر الثاني فيتعلق بمكان ارتكاب السرقة وكونه معمل أو حانوت المجني عليه أو المحل الذي يشتغل فيه المتهم عادة .

وقد شدد الشارع العقاب على السرقة المقترنة بهذا الظرف لأنها تنطوي على إساءة للثقة التي وضعها رب العمل في مستخدمة أو الصانع أو الصبي لديه وهي ثقة اضطرارية تنبع عن طبيعة العلاقة بينهما ويقتضيها تمكينه من القيام بالأعمال المعهود بها إليه وبالإضافة إلى ذلك فهذه السرقة سهلة الارتكاب بالنظر إلى وجود الأشياء موضوع السرقة في يد المتهم وعلمه بخفايا المكان الذي يشتغل فيه عادة واستطاعته الدخول فيه دون رقابة عليه.

صفة السارق :

تطلب الشارع في السارق إحدى صفات ثلاث:

أن يكون مستخدماً أو صانعاً أو صبياً وثمة ما هو مشترك بين هذه الصفات  فيتعين القيام بعمل لحساب شخص آخر على وجه من الانتظام النسبي بحيث تتوافر لدى القائم به عادة أدائه والفروق بين هذه الصفات بعد ذلك غير جوهرية فهي ترجع إلى نوع العمل الذي يؤديه فالمستخدم يقوم بعمل ذهني لحساب شخص آخر ويتقاضى عنه أجراً ومثاله السكرتير والمحاسب والمحصل والقائم بعمل إداري أو كتابي أياً كان وسواء أن يكون عمله لحساب شخص طبيعي أو معنوي والصانع يقوم بعمل يدوي الحساب شخص آخر ويتقاضى أجراً عن عمله وسواء أن يكون هذا العمل زراعياً أو صناعياً أو تجارياً وسواء أن يكون لحساب شخص طبيعي أو معنوي والصبي شخص يتلقى تمريناً أو تدريباً مهنياً لدى رب عمل ويغلب أن يكون صغير السن ولكن ذلك ليس بشرط وليس الأجر عنصراً في صفته فقد لا يتقاضى شيئاً بل إنه قد يؤدي مقابلاً للتمرين الذي يتلقاه .  

والعنصر الجوهري في هذه الصفات هو أداء العمل في صورة من الإعتياد إذ أن هذا الاعتياد هو الذي يمنح القائم بالعمل ثقة رب هذا العمل ويتيح له أن يدخل في حرية إلى الأمكنة التي يحوزها وتطبيقاً لذلك فإنه لا تشديد إذا ارتكبت السرقة من عامل استدعی عرضاً إلى منزل ليقوم يعمل فيه ذلك أنه لا يحوز ثقة رب المنزل الذي لا ينفك يراقبه طالما بقى في بيته .

مكان السرقة و تطلب الشارع أن ترتكب السرقة في « المعمل أو الحانوت أو المكان الذي يشتغل فيه المتهم عادة » والجامع بين هذه التعبيرات أنها تشير إلى أماكن استقرت عادة المتهم بالعمل فيها ومن ثم يبدو هذا الشرط متفرعاً من العنصر المتطلب في صفة السارق وهو أداؤه العمل في صورة من الاعتياد ونعتقد بناء على ذلك أن إشارة الشارع إلى « المعمل والحانوت » هي على سبيل المثال ، وأن الفكرة الجوهرية قد حددها الشارع في قوله « المحلات التي يشتغلون فيها عادة » وقد أراد الشارع بلفظ « المعمل » أن يشير إلى كل مكان يؤدي فيه عمل صناعی ، أياً كان حجمه أو رأسماله أو عدد عماله ومدى اعتماده على الأساليب الفنية الحديثة ، فهو يرادف لفظي المصنع والورشة . وأراد بلفظ « الحانوت » أن يشير إلى المكان الذي يباشر فيه عمل تجاری ، ولا عبرة بنوع تجارته أو حجمه أو عدد من يعملون فيه ، فهو يرادف ألفاظ المتجر والدكان والمخزن والبيت التجاري ويتحقق التشديد كذلك إذا ارتكبت السرقة في مكان يؤدي فيه عمل زراعي وسواء أن يطلق عليه لفظ المزرعة أو الحقل أو الحديقة. ولا يشترط أن يكون المال موضوع السرقة مملوكاً لرب العمل فمن الجائز أن يكون مملوكاً لشخص أتي به إلى هذا المكان لإصلاحه أو مملوكاً للمستخدم أو صانع أو صبي آخر يعمل كذلك في هذا المكان وبناء على ذلك فإن التشديد لا يتحقق إذا ارتكب المتهم السرقة في منزل رب عمله ولكن يتحقق الظرف المشدد إذا ارتكبت السرقة في منزل التزم رب العمل بمقاولة فيه فقد صار هذا المنزل محلاً يشتغل فيه عماله عادة.

(جـ) السرقة التي يرتكبها محترف نقل الأشياء :

علة تشديد العقاب : نص الشارع على السرقات المقترنة بهذا الظرف المشدد في قوله « السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل الأشياء في العربات أو المراكب أو على دواب الحمل أو أي إنسان آخر مكلف بنقل أشياء أو أحد أتباعهم إذا سلمت إليهم الأشياء المذكورة بصفتهم السابقة » ويستخلص من ذلك أن هذا الظرف المشدد يتطلب توافر عنصرين أولهما  صفة السارق وكونه محترف نقل أشياء أو مكلفاً بذلك وثانيهما سند تسليم الشيء إليه وكونه صفته السابقة .

وعلة تشديد العقاب هي إخلال المتهم بالثقة التي وضعها فيه المجني عليه حينما سلمه شيئاً لنقله وهي ثقة اضطرارية إذ لا يتيسر قيامه بنشاطه ما لم توضع هذه الثقة فيه ويعني ذلك أن المتهم أضاف إلى اعتدائه على المال إخلاله بهذه الثقة فكان بذلك أخطر ممن اعتدى على المال فقط ومن ناحية ثانية ، فإن المتهم قد استغل وجود الشيء بين يديه وابتعاده عن رقابة مالکه کي يرتكب جريمة سهلة .

التشديد الذي يرجع إلى صفة المجنى عليه

السرقة ضد جريح الحرب 

إحالة : يندرج في هذا السبب للتشديد ظرف وحيد يفترض ارتكاب السرقة أثناء الحرب ضد أحد جرحاها وقد نص الشارع على هذا الظرف في الفقرة التاسعة من المادة 317 من قانون العقوبات التي قضت بتشديد العقوبة على « السرقات التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحى حتى من الأعداء » وعلة التشديد هي ذات علة التشديد عقوبات القتل والجرح أو الضرب إذا ارتكبت الجريمة أثناء الحرب إضراراً بجريح حرب وشروط التشديد واحدة في هذه الفئات من الجرائم . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية،  الصفحة:  995)

السرقة من مكان مسكون أو معد للسكني أو محل عبادة

تحديد الظرف المشدد : يقرر المشرع اعتبار حصول السرقة في مكان مسكون أو معد للسكن أو في ملحقاته أو في أحد المحلات المعدة للعبادة ظرفاً مشدداً العقوبة جريمة السرقة مع الإبقاء عليها جنحة.

 المكان المسكون : المكان المسكون هو المكان الذي يقيم فيه بعض الناس حيث الخلود إلى الراحة والخلود إلى النفس ومباشرة مظاهر الحياة الطبيعية كالأكل والراحة والنوم.

والمكان المسكون بهذا المعنى يدخل فيه الأماكن المخصصة بحسب طبيعتها للسكن كالمنازل والفنادق والمستشفيات والمدارس الداخلية والملاجىء والسجون كما يدخل فيه الأماكن المسكونة فعلاً وإن لم تكن مخصصة للسكن كالمحلات التجارية والمدارس والبنوك والمصانع إذا كان يقيم فيها ولو شخص واحد كمن يتولى حراستها.

فإذا انتفى عن المكان شرط الإقامة الفعلية لا يسرى الظرف المشدد ولو كان المكان يجتمع فيه عدد كبير من الناس لفترة طويلة كالمدارس أو المصالح الحكومية أو المسارح إذا لم يكن يبيت في أي منها أحد كشخص يقوم على حراستها  كما لا تعد عربات السكك الحديدية مكاناً مسكوناً ولو كانت معدة للنوم إذ النوم غير السكن  فبينما لا يتطلب النوم غير قضاء الليل فإن السكني تتطلب الإقامة والاستقرار.

ويستوي في المكان المسكون الشكل الذي يتخذه أو الإسم الذي يطلق عليه فقد يكون قصراً أو منزلاً أو كوخاً أو خيمة أو قبواً أو كشكاً كما يستوي أن يكون ثابتاً كمنزل أو متحركاً كعوامة أو عربة للرحلات بها مكان للنوم ويستوي أخيراً أن يكون مصنوعاً من الطوب أو الخشب أو الصفيح أو القماش.

 المكان المعد للسكنى :

هو المكان المخصص للإقامة فيه وإن كان سكانه لا يقيمون فيه  مؤقتاً كمنزل في قرية أو في مصيف لا يشغله ساكنة إلا في بعض أوقات من السنة ويثور التساؤل في هذا الصدد عن مدى اعتبار المنزل الذي تم بناؤه بحيث أصبح صالحاً للسكن ولكن لم يسكنه أحد بعد يذهب الرأي الراجح فقها إلى أنه لا يعتبر مكاناً معداً للسكن لانتفاء علة التشديد بالنسبة له وهي الاعتداء على حرمة المسكن ويسري نفس الحكم على المكان المفروش غير المسكون استناداً إلى ذات الحجة.

ملحقات المكان المسكون أو المعد للسكن :

لا يقصر المشرع نطاق التشديد على السرقات التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكن وإنما يمد هذا النطاق إلى ملحقات هذه الأماكن وذلك تقديراً منه أنها تعتبر امتداداً لها لاتصالها بها وتخصيصها لمنافعها مما يجعل دخول هذه الملحقات اعتداء على حرمة المسكن ويعتبر من ملحقات المسكن كل مكان متصل به مباشرة ومخصص لمنافعه كحجرة على السطح أعدت للغسيل أو عشة لتربية الطيور أو جراج أو حديقة أو منور أو مخزن موجود تحت الأرض أو غرفة خادم منشأة بجوار المسكن بحيث تكون داخل السور الذي يحيط به.

المحلات المعدة للعبادة :

يسري التشديد على حالة السرقة في محل معد للعبادة وذلك نظراً لأن لهذه الأماكن حرمة تفوق حرمة المساكن ويقصد بالمحل المعد للعبادة المكان المهيأ لإقامة الشعائر الدينية كالمسجد أو الكنيسة أو المعبد.

ويشترط في محل العبادة أن تمارس فيه الشعائر الدينية فعلاً فإذا لم تعد تباشر فيه العبادة كما لو أصبح مجرد أثر تاريخي زالت عنه صفته وانحسر عنه أثر التشديد.

وتظل لمحل العبادة صفته سواء كان مفتوحاً لأي شخص دون تمييز أو كان مخصصاً لفئة معينة كمصلى في مدرسة أو مستشفى أو في ملجأ فحرمة المكان متحققة في الحالتين.

ويستوي في السرقة من محل العبادة أن يكون السارق أو المجني عليه من نفس الديانة التي تباشر شعائرها في المحل أو من غيرها كما يستوي في الشيء المسروق أن يكون من الأشياء الخاصة بمحل العبادة أو الخاصة بأحد القائمين على خدمته أو أحد المصلين.

اختلاف درجة التشديد باختلاف وسيلة دخول المكان المسكون أو المعد للسكن أو أحد ملحقاته يجب التمييز في صدد السرقة من مكان مسكون أو معد للسكن أو أحد ملحقاته بين حالتين فرق بينهما المشرع من حيث درجة تشديد العقوبة وإن أبقى على نوع الجريمة كجنحة في كل منهما.

الحالة الأولى : دخول المكان المسكون أو المعد للسكن أو أحد ملحقاته بطريقة مشروعة وارتكاب السرقة فيه مثال ذلك أن يكون السارق أحد الضيوف أو أن تقع السرقة من شخص مقيم في المسكن على شخص آخر مقيم معه كما إذا وقعت السرقة من صاحب المنزل على أحد الضيوف أو من خادم مقيم في المنزل على خادم آخر مقيم معه فعلة التشديد وهی حماية حرمة المسكن تكون متوافرة في هذه الحالات إذ أن لكل ش خص يقيم في مكان معين حق التمتع بحرمة المسكن.

وفي هذه الحالة يقصر المشرع تشديد العقوبة على الحبس مع الشغل المادة 317 أولاً ع).

الحالة الثانية: دخول المكان المسكون أو المعد للسكن أو أحد ملحقاته بطريقة غير مشروعة وقد جعل المشرع عقوبة السارق في هذه الحالة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سبع سنوات وقد أورد المشرع هذا التشديد بالقانون رقم 59 لسنة 1970 الذي أضاف إلى نصوص السرقة المادة 316 مكرراً ثالثاً التي تنص على تشديد العقاب بالصورة المذكورة على السرقات التي تحصل في مكان مسكون أو معد للسكن أو أحد ملحقاته إذا تم دخول المكان بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة أو انتحال صفة كاذبة أو إدعاء القيام أو التكليف بخدمة عامة أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة.

والوسائل التي أوردها المشرع في هذا النص ليست إلا مجرد أمثلة الوسائل غير المشروعة لدخول المسكن يدل على ذلك ما أورده في آخر النص من قوله « أو غير ذلك من الوسائل غير المشروعة » .

وترجع علة زيادة التشديد في هذه الحالة ليس إلى مراعاة حرمة المسكن وتوفير الطمأنينة للمواطنين في مساكنهم فحسب كما هو الشأن في الحالة الأولى وإنما ترجع إلى أن السرقة من المسكن عن طريق دخوله بوسيلة غير مشروعة تنطوي على اعتداء أكثر جسامة وتنم عن خطورة أكبر لدى الجانى.

ويلاحظ أن المشرع لم يمد نطاق التشديد في حالة الدخول بوسيلة غير مشروعة إلى السرقة من المحلات المعدة للعبادة وإنما يقصر تشدید العقاب بالنسبة لها على الحبس مع الشغل سواء كان الدخول بوسيلة مشروعة أو غير مشروعة اللهم إلا إذا صدق عليها وصف المسكن وهو أمر يتحقق إذا كان هناك من يقيم فيها كالحارس الذي يقيم في محل العبادة.

السرقة من مكان مسور بالكسر أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة

تحديد الظرف المشدد

يقرر المشرع تشديد العقاب إلى الحبس مع الشغل على السرقات التي تحصل في مكان مسور بحائط أو بسياج من شجر أخضر أو حطب يابس أو بخنادق ويكون ذلك بواسطة كسر من الخارج أو تسور أو باستعمال مفاتيح مصطنعة (المادة 317 ثانياً) ويعني هذا النص أنه يشترط لتحقق الظرف المشدد أمران : الأول يتعلق بمكان ارتكاب الجريمة فيجب أن تقع السرقة في مكان مسور والثاني يتعلق بوسيلة دخول هذا المكان إذا يجب أن تكون الكسر من الخارج أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة فإذا توافر أحد الأمرين دون الآخر لا يكون مجال للتشديد.

ويلاحظ أن قصد السرقة يجب أن يكون معاصراً لوسيلة الدخول فإذا تحققت وسيلة الدخول بقصد آخر كما لو تسور شخص مكاناً بقصد لقاء عشيقته أو تلبية لاستغاثة ثم عنت له فكرة السرقة فنفذها لا يسأل إلا عن سرقة بسيطة .

وعلة التشديد عند توافر هذا الظرف ترجع من ناحية إلى أن الشخص الذي عنى بالمحافظة على ماله فأقام حول المكان سوراً هو شخص جدير بحماية القانون ومن ناحية أخرى، فإن المجرم الذي لم يمنعه تسوير المكان أو غلقه من الدخول للسرقة فبذل الجهد بلجوئه إلى إحدى الوسائل المذكورة في النص هو شخص خطير يجب تشديد العقاب عليه.

- شروط التشديد :

 - أولاً- أن يكون المكان مسوراً :

يقصد بالمكان المسور المكان المحاط بحاجز يمكن إغلاقه ويحول دون الدخول إلى هذا المكان بسهولة فهذا الوضع هو الذي تتحقق معه علة التشديد وهي كون المالك قد أحاط المكان من جميع جهاته بهذا الحاجز تعبيراً عن رغبته في منع دخوله إلا لمن يسمح لهم بذلك ويترتب على ذلك أن شرط المكان المسور ينتفي إذا كان السور غير محيط بجميع أضلاع المكان أو وجدت بالسور فتحة كبيرة ولم يوضع عليها باب إذ من شأن وجود الباب ولو كان غير محكم الإغلاق أن يعبر عن عدم جواز الدخول إلا لمن يسمح له بذلك.

ثانياَ - أن يكون الدخول إلى المكان بوسيلة معينة :

لا يكفي لتحقق الظرف المشدد أن يكون المكان مسوراً وإنما تطلب المشرع فضلاً عن ذلك أن يتم الدخول للسرقة من المكان المسور بإحدى وسائل نص عليها على سبيل الحصر وهي الكسر من الخارج والتسور واستعمال مفاتيح مصطنعة ولا يتحقق بها التشديد إلا إذا كان القصد منها ارتكاب السرقة.

الكسر من الخارج :

هو استعمال العنف في تحطيم أو نزع جزء من السور المحيط بالمكان المسور يتيح للجاني الدخول إليه لارتكاب السرقة فيدخل في هذا النطاق إزالة بعض قوالب الطوب التي بنى بها السور أو نزع بعض الأعمدة الخشبية التي يتكون منها أو نقب جزء من الحائط المكون له أو خلع قفل الباب الذي يغلقه بنزع مساميره وعلى العكس من ذلك لا يعد کسراً لتمكن من إيجاد مدخل للجاني دون استعمال العنف فإذا أدخل الجاني يده من فتحة صغيرة بالباب ثم جذب المزلاج أو رفع الشنكل لا يتحقق الظرف المشدد.

ولكن استعمال العنف لا يكفي وإنما يجب أن يقع الكسر من الخارج وعلى ذلك فإن الظرف المشدد يتخلف إذا وقع الكسر من الداخل ككسر باب داخلي أو كسر خزانة داخلية أو حفر الأرض للوصول إلى المال المخبأ فيها على الرغم من استعمال العنف في ذلك وذلك إذا كان السارق قد دخل دون كسر من الخارج كما لو كان قد تسلل من باب السور الذي وجده مفتوحاً.

ويلاحظ أن الكسر من الخارج لا يتحقق به الظرف المشدد إلا إذا كان وسيلة الجاني للسرقة في المكان المسور وبناء على ذلك فإن وقعت السرقة على أجزاء من السور نفسه انتفى عن الكسر أنه وسيلة وبالتالي لا يتحقق الظرف المشدد مثال ذلك أن تقع السرقة على بعض الأعمدة الخشبية التي يتكون منها السور .

ويستوي أن يكون الكسر من الخارج سابقاً أو معاصراً لارتكاب السرقة والصورة المتبادرة للأذهان هي أن يكون الكسر سابقاً كوسيلة الدخول الجانى لارتكاب السرقة ولكن من المتصور أن يدخل الجاني دون كسر كما لو تسلل من باب مفتوح وعند خروجه وجده مغلقاً فكسره أو كسر جزءاً من السور لكي يتمكن من الخروج هنا يجب أن نميز بين وضعين الوضع الأول ألا تكون جريمة السرقة قد تمت بعد وذلك إذا كان السارق يحمل المسروقات عند خروجه إذ لا تزال حتى هذه اللحظة لم تخرج من حيازة المجني عليه وتدخل في حيازة الجاني بحيث تصبح تحت سيطرته الفعلية فإذا حدث الكسر قبل أن تتم السرقة اعتبر ظرفاً مشدداً لها الوضع الثاني أن تكون جريمة السرقة قد تمت ثم حاول الجاني الخروج فلجأ إلى الكسر مثال ذلك أن يكون قد ألقي بالمسروقات من نافذة المكان أو من خلف السور إلى شريك له فر بها أو كان المسروق مأكولاً فالتهمة في مكانه هنا يكون الكسر لاحقاً على تمام السرقة فلا يعد ظرفاً مشدداً لها وإنما يسأل عنه الجاني استقلالاً عن السرقة.

2-التسور:

يعني التسور اجتياز السور من غير المدخل العادي دون استعمال العنف فيدخل في هذا المعنى تسلق الجاني السور بنفسه أو بالاستعانة بشيء کسلم أو كرسي أو بعض الأحجار أو على ظهر شريك له كما يدخل فيه اجتياز السور بأي طريق آخر كالقفز عبره إلى المكان المسور من سطح منزل مجاور وتسلق المواسير ويتطلب الفقه في التسور بعض الجهد فإذا خلا من ذلك لا يعد تسوراً ولذلك يخرج من معنى التسور الدخول من الباب المفتوح أو من ثغرة في السور أو من سرداب موجود تحت السور ومتصل بالداخل.

ويستوي في التسور - كما هو الشأن بالنسبة للكسر من الخارج - أن يكون المقصود به الدخول إلى المكان الذي تقع فيه السرقة أو الخروج منه مع التحفظ الذي سبقت الإشارة إليه وهو ضرورة ألا تكون السرقة قد تمت قبل التسور للخروج.

استعمال مفاتيح مصطنعة:

يقصد بالمفتاح المصطنع كل أداة استعملها الجاني في فتح باب المكان الذي تقع فيه السرقة فيما عدا المفتاح الذي يستعمله حائز المكان فيدخل في هذا النطاق أي شيء يستعمله السارق في فتح الباب الخارجي للمكان سواء كان مفتاحاً مقلداً أو آلة كتلك التي يستعملها اللصوص عادة في فتح الأبواب ويوسع الفقه المصري من نطاق المفاتيح المصطنعة فيدخل فيها المفتاح الحقيقي للباب إذا كان صاحبه قد فقده واستبدل به غيره فعثر عليه السارق واستعمله في فتح الباب ويذهب القضاء الفرنسي إلى أبعد من ذلك فيمد نطاق المفاتيح المصطنعة إلى المفتاح الحقيقي إذا استعمل في غير الغرض المخصص له فقضى بتوافر وسيلة استعمال مفاتيح مصطنعة في حالة صاحب الفندق الذي استعمل المفتاح الاحتياطي في ارتكاب السرقة في غرفة أحد النزلاء وفي حالة صاحب المنزل الذي استعمل نسخة أخرى في فتح منزله المؤجر.

السرقة بكسر الأختام :

والمقصود بذلك فك الأختام التي توضع لحفظ محل أو أوراق أو أمتعة بناء على أمر صادر من إحدى جهات الحكومة أو إحدى المحاكم (م147 ) . فيتوافر الظرف المشدد بالنسبة لمن يسرق أشياء من حرز وضعت فيه بعد ضبطها من أحد أعضاء النيابة أو أحد مأموري الضبط القضائي أو أمتعة من محل أغلق بناء على حكم قضائي صادر بغلقه متى كانت السرقة عن طريق كسر الختم الموضوع على الحرز أو المحل.

ويعاقب المشرع في الباب التاسع من الكتاب الثاني على فك الأختام الحكومية بعقوبة أخف من عقوبة السرقة إلا إذا كان الفاعل هو الحارس فتعد جريمته جناية وكان مقتضى تطبيق القواعد العامة في تعدد الجرائم والعقوبات إذا ارتكب الجاني جريمة فك الختم وجريمة السرقة أن توقع عليه عقوبة السرقة البسيطة لأنها العقوبة الأشد ولكن المشرع لم يكتف بذلك  وإنما جعل من اتخاذ فك الختم وسيلة للسرقة ظرفاً يشدد من عقوبة السرقة ذاتها (المواد من 147 إلى 150ع) وعلى ذلك فإذا ارتكب الجاني جريمة فك الختم كوسيلة للسرقة وقعت عليه عقوبة السرقة المشددة أما إذا كان مرتكب جريمة فك الأختام للسرقة هو الحارس فإن العقوبة التي توقع عليه هي عقوبة جريمة فك الأختام إذ هي أشد من عقوبة السرقة المشددة .

وذلك تطبيقاً لقواعد تعدد الجرائم والعقوبات المادة 2/32ع). وكلمة كسر كلمة واسعة يدخل في نطاقها إتلاف الختم كما يدخل فيها فكه دون إتلافه فيتوافر الظرف المشدد في الحالتين.

السرقة ليلاً :

لم يضع القانون تحديداً لمعنى الليل ولذلك اختلف الفقه حول هذا التحديد  فذهب رأي إلى أن الليل يمتد خلال فترة الظلام فحسب فيبدأ من الغسق إلى الفجر والغسق هو الوقت الذي تزول فيه فترة الشفق التي يكون الضوء فيها منتشرة بعد الغروب والفجر هو الفترة التي يبدأ فيها الضوء في البزوغ قبل الشروق وبذلك يخرج من نطاق الليل فترتا الشفق والفجر فإذا وقعت السرقة في أي منهما لا يتحقق الظرف المشدد ويؤيد هذا الرأى أن الحكمة التي قرر المشرع التشديد من أجلها هي كون الجاني ينتهز فرصة الهدوء الذي يسود أثناء الظلام ليستفيد من سهولة ارتكاب الجريمة والظلام لا ينتشر تماماً بحيث يسهل معه ارتكاب الجريمة إلا فيما بين الغسق والفجر أما الفترة التالية للغروب مباشرة والفترة السابقة على الشروق مباشرة فلا تتحقق فيهما علة التشديد إذ ينتشر فيهما الضوء ويقبل الناس على الحركة.

وذهب رأي آخر إلى أن الليل يمتد منذ غروب الشمس إلى شروقها  أخذاً بالمعنى الفلكي الليل.

وقد ترددت أحكام محكمة النقض فيما بين الرأيين فذهبت في أول الأمر إلى تبني الاتجاه الأول فقضت بأن السرقة التي تقع قبيل طلوع الشمس تعتبر واقعة نهاراً وبأن ارتكاب الجريمة في العشرة الدقائق التالية للغروب لا يعتبر حاصلاً ليلاً لأن الليل لا يقبل بمجرد مضي هذه البرهة اليسيرة بعد الغروب وقد اعتبرت محكمة النقض حينئذ أن القول بتوافر ظرف الليل مسألة موضوعية تدخل في تقدير قاضي الموضوع .

ثم عدلت محكمة النقض المصرية عن هذا الاتجاه وتبنت الرأي الثاني فقضت في أحد أحكامها بأن قانون العقوبات إذ نص على الليل ظرفاً مشدداً للسرقة (المواد 315 ، 316 ، 317 ) ولقتل الحيوان والإضرار به (م 357 ) ولإتلاف الزراعة (م 368) ولانتهاك حرمة ملك الغير (م 372 ) .. إلخ دون أن يحدد بدايته ونهايته فقد أفاد أنه إنما قصد به ما تواضع الناس عليه من أنه الفترة بين غروب الشمس وشروقها ولو كان الشارع قد قصد معنى آخر لأفصح عنه كما فعل في قانون المرافعات وكما فعلت بعض التشريعات الأجنبية مثل قانون العقوبات البلجيكي الذي عرف الليل بأنه الفترة التي تبدأ بعد غروب الشمس بساعة وتنتهي قبل شروقها بساعة ومما يؤيد هذا النظر أن القانون الخاص بالمتشردين والمشتبه فيهم والمرسوم بقانون الخاص بمراقبة البوليس قد اعتبر الليل الفترة بين الغروب وبين الشروق وأن الشارع قد اتخذ أحكام انتهاك حرمة ملك الغير عن القانون السوداني الذي نص على أن الليل هو عبارة عن الفترة بين غروب الشمس وبين شروقها ومع ذلك فإن التفرقة بين ما يقع على أثر الغروب وقبيل الشروق وبين ما يقع في باقي الفترة التي تتخللهما ليس لها في الواقع وحقيقة الأمر ما يبررها وإذا كان الحكم قد أثبت أن الحادث وقع عقب الفجر بقليل أي قبل شروق الشمس وبناء على ذلك عد ظرف الليل متوافراً فإنه لا يكون قد أخطأ.

(۱) نقض 4 نوفمبر سنة 1947 مجموعة القواعد القانونية ج7 رقم 407 ص 391.

وباسناد تحديد معنى الليل إلى قصد المشرع تكون محكمة النقض قد اعتبرته أمراً قانونياً فلا يدخل في إطلاقات قاضي الموضوع إلا تحديد وقت ارتكاب الجريمة أما تقدير ما إذا كان هذا الوقت يدخل في معنى الليل أو لا يدخل فهو أمر يخضع لرقابة محكمة النقض.

ومع ذلك فقد ذهبت محكمة النقض في وقت لاحق إلى القول بأن توافر ظرف الليل في جريمة السرقة مسألة موضوعية.

نقض 30 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام محكمة النقض السنة الأولى رقم 90 ص 277 .

 مما یعنی ميلها إلى الرأي الأول.

ونحن نميل إلى تأييد الرأي الذي يحدد الليل بالمعنى الفلكي بین غروب الشمس وشروقها لأنه أكثر تحديداً وأدنى إلى تحقيق العدالة وهو الرأي السائد في الفقه والقضاء الفرنسيين.

ويثور التساؤل في حالة ما إذا بدأت جريمة السرقة قبل الغروب وامتد ارتكابها إلى ما بعده أو بدأت قبل الشروق وامتدت إلى ما بعده يعد ظرف الليل متوافراً ما دام قد تحقق قبل تمام السرقة.

السرقة من شخصين فأكثر :

يتطلب المشرع لتحقق الظرف المشدد وقوع السرقة من اثنين على الأقل ويعني ذلك أنه يتطلب تحقق أمرين :

الأمر الأول : تعدد الفاعلين الأصليين في الجريمة فلا يتحقق الظرف إذا كان مرتكب الجريمة شخصاً واحداً ساهم معه شخص آخر بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة إذ يعتبر الأخير شريكاً ويبرر ذلك أن النص صريح في تطلب تعدد الفاعلين حيث قرر « السرقات التي تحصل من شخصين فأكثر » فضلاً عن أن حكمة التشديد تنتفي وهي زيادة قوة الجناة وضعف قدرة المجني عليه على المقاومة حين يكون الفاعل وهو المنفذ للجريمة شخصاً واحداً مهما تعدد شركاؤه إذ لا يظهر هؤلاء أمام المجنى عليه لا سيما إذا لاحظنا أن المساهم بالمساعدة إذا ظهر على مسرح الجريمة وقت ارتكابها يعتبر وفقاً للاتجاه الحديث لمحكمة النقض المصرية وللقضاء الفرنسي فاعلاً أصلياً للجريمة وليس مجرد شريك فيها وتطبيقاً لذلك فإنه إذا اتفق شخص مع زميله على السرقة وذلك بأن يدخل الزميل المنزل لأخذ المسروق ويبقى هو على مقربة منه يحرسه ليتمكن من التنفيذ فإنه يكون فاعلاً للسرقة لا شريكاً فيتحقق بوجوده الظرف المشدد.

الأمر الثاني : وحدة الجريمة المرتكبة فلا يكفي لتحقق ظرف التشديد أن يرتكب شخصان أو أكثر عدة سرقات كل منها مستقل عن الآخر في وقت واحد وعلى مجني عليه واحد كما لو هاجم بعض المتظاهرين محلاً تجارياً وسرق كل منهم بعض البضائع الموجودة فيه وإنما يشترط أن تكون الجريمة المرتكبة واحدة بأن يقوم كل من المساهمين بارتكاب الفعل المادي المكون للجريمة أو جزء منه فضلاً عن توافر قصد المساهمة لديه وهو على حد تعبير محكمة النقض المصرية «نية التداخل مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله » فتحقق وحدة الجريمة هو الذي تتحقق به علة التشديد إذ تزداد قوة وجرأة المساهم لعلمه بوجود مساهم آخر أو مساهمين معه.

إذا تحقق هذا الأمران يتوافر الظرف المشدد ولو كان أحد المساهمين غير معروف أو حكم ببراءته لامتناع مسئوليته كالصغير أو المجنون أو كان قد توفي فانقضت الدعوى الجنائية قبله أو كان ممن يقيد المشرع رفع الدعوى الجنائية عليه بشكوى المجني عليه ولم تقدم الشكوى.

السرقة من الخدم بالأجرة والمستخدمين والصناع والصبيان

وترجع علة التشديد في هذه الحالات إلى خيانة الجاني للثقة التي أودعها فيه المجنى عليه فضلاً عن أنه بحكم علاقته بالمجني عليه بتاح له الدخول إلى الأماكن التي يضع فيها المجني عليه أمواله مما يجعل الوصول إليها أمرا يسيراً.

يشترط لتشديد العقاب على الخدم أن يتحقق أمران :

1- صفة الخادم ، وهذه لا تتوافر إلا بتحقق شرطين :

الأول : أن يكون الجاني منقطعاً لخدمة المجني عليه حتى تقوم بشأنه علة التشديد وهي كونه يقيم في منزل المجني عليه أو يتردد عليه يومياً لوقت طويل مما يجعله موضعاً للثقة فيدخل في هذا النطاق الخادم والطاهي والسفرجي والسائق والخفير والمرضع والمربية أما إذا كان الجاني يتردد على عدة أشخاص ليؤدي خدمات متقطعة فلا تتوافر فيه صفة الخادم وبناء على ذلك لا يعتبر خادماً كل من الغسالة التي تعمل يوما كل أسبوع أو الطاهي الذي يطهو مرة كل بضعة أيام أو البستاني الذي يرعى الحديقة ساعة كل يوم.

والثاني : أن يكون الإنقطاع الخدمة مقابل أجر سواء كان أجراً نقدياً أو عينياً كبيراً أو ضئيلاً يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً وبناء على ذلك فالضيف أو القريب أو الصديق الذي يقوم بأعمال الخدمة في المنزل لا يعتبر خادماً لأنه لا يتقاضى عن عمله أجراً ولا يغير من هذا الوضع أن يقدم إليه صاحب المنزل من وقت لأخر بعض الهدايا تقديراً لجهوده.

2- الإضرار بالمخدوم :

لا يكفي لتوافر ظرف التشديد أن تتوافر صفة الخادم في السارق وإنما يجب أن تكون السرقة قد وقعت منه إضراراً بمخدومه ويتحقق هذا الشرط إذا وقعت السرقة على شيء يحوزه المخدوم سواء حيازة كاملة کالمالك أو حيازة ناقصة كما إذا كان الشيء مؤجراً له أو مودعاً لديه ويستوي بعد ذلك أن يكون الشيء موجوداً في المكان الذي يؤدي فيه الخادم عمله كالمنزل أو في مكان آخر فيتوافر ظرف التشديد بالنسبة للخادم الذي يسرق مالاً مملوكاً لمخدومه ومودعاً لدى شخص آخر أو يسرق شيئاً من مزرعة مخدومه أو من مكتبه.

وبناء على ذلك لا يتحقق ظرف التشديد إذا لم تقع السرقة إضراراً بالمخدوم وإنما وقعت إضراراً بضيف للمخدوم أو إضراراً بخادم آخر يعمل في نفس المكان مع ملاحظة أن التشديد قد يتحقق حينئذ استناداً السبب آخر کوقوع السرقة في مكان مسكون.

وغني عن البيان أن الظرف المشدد لا يتوافر إلا إذا كان علم الجاني منصرفاً وقت الفعل إلى أنه يقوم بفعله إضراراً بمخدومه.

ثانياً : المستخدمون والصناع والصبيان :

يقصد بالمستخدمين والصناع و الصبيان الأشخاص الذين يقومون لقاء أجر بأعمال ذهنية أو يدوية ذات طابع فني مما يخرج عن نطاق أعمال الخدم فيدخل في نطاقهم الكاتب والمحاسب والسكرتير والعامل في المصانع أو المكاتب الخاصة أو المحلات التجارية سواء كانوا يعملون لدى شخص طبيعي أو شخص معنوي ويخرج الموظفون العموميون من نطاق هذه الفئة لأن المشرع قد وضع لهم نصوصاً خاصة زاد فيها من درجة تشديد العقاب .

والأصل أن يحصل المستخدمون والصناع والصبيان على أجر ولكن قد يحدث بالنسبة للصبيان ألا يتقاضوا أجرا بل ربما دفعوا مقابلاً لتدريبهم على حرفة معينة ولا يمنع ذلك من سريان الظرف المشدد عليهم.

وقد اشترط المشرع بالنسبة لهذه الفئة أن تقع السرقة في مكان العمل وهو المكان الذي يباشر فيه الجاني عمله عادة ، وذلك لتحقق علة التشديد وهي سهولة الوصول إلى الشيء المسروق ووقوع السرقة في هذا المكان يكفي فيستوي بعد ذلك أن تقع السرقة إضراراً بالمخدوم أو بشخص آخر كالزميل في المصنع أو العميل في المحل التجاري ويختلف هذا الوضع عما هو عليه بالنسبة للخادم وعلى ذلك فإذا وقعت السرقة في غير مكان العمل ولو إضراراً بالمخدوم لا يتوافر الظرف المشدد كما لو سرق الكاتب مالاً مملوكاً لصاحب المكتب من منزله.

السرقة من محترفي نقل الأشياء :

وترجع علة لاه التشديد في هذه الحالة إلى أن متعهد النقل يخون الثقة التي يودعها فيه المجني عليه باعتباره ملتزماً بالمحافظة على الأشياء التي يقوم بنقلها هذا فضلاً عن أن وجود الشيء تحت يد متعهد النقل ييسر له سرقته ويجعل من العسير على المجني عليه الدفاع عن ماله.

- خروج النص على القواعد العامة :

يمثل هذا النص خروجاً على القواعد العامة في جريمة السرقة فقد سبق القول بأن فعل الاختلاس في هذه الجريمة يقع على شيء في حيازة غير الجاني وهذا التكييف غير قائم بالنسبة للحالة التي نحن بصددها إذ أن الأشياء التي تسلم إلى متعهد النقل تنتقل إليه حيازتها بمقتضى عقد العمل وهو عقد من عقود الأمانة فاستيلاؤه عليها يعد في حقيقته خيانة أمانة .

ولما كان الاستثناء لا يتوسع فيه فإنه يجب أن يقتصر تكييف الفعل استثناء بأنه سرقة على حالة توافر شروط الظرف المشدد الوارد في المادة 317 ثامناً فإذا توافرت هذه الشروط يعتبر الفعل سرقة يعاقب على الشروع فيه وتصبح الجريمة جناية إذا تحققت الظروف المشددة التي تحيلها إلى جناية أما إذا تخلفت هذه الشروط فإن الفعل يرتد إلى التكييف الحقيقي له وهو خيانة الأمانة فتطبق عليها أحكامها .

شروط التشديد :

يتطلب المشرع لتوافر هذا الظرف المشدد أمرين :

1- الأول : أن يكون المتهم متعهد نقل أي ملتزماً بنقل الشيء من مكان إلى آخر مقابل أجر وبذلك يخرج من هذا النطاق كل من يتطوع لنقل الشيء بغير أجر.

ويستوي لدى المشرع الحرفة التي يحترفها الناقل فلا يشترط أن يكون النقل هو حرفته الأصلية وإنما قد يكون له حرفة أخرى ولم يقم بالنقل إلا بصورة عارضة كذلك تستوي الوسائل المستعملة في النقل فقد ينقل متعهد النقل الشيء بنفسه كالحمال أو مستعيناً بحيوان كالجمال أو عن طريق السيارات أو الطائرات أو البواخر أو عربات اليد كذلك يدخل في هذا النطاق العمال المشرفون على نقل البضائع في السكك الحديدية.

2- الثاني : أن يكون الشيء قد سلم إلى متعهد النقل بهذه الصفة أي باعتباره ملتزماً بالنقل لقاء أجر فينتفي الطرف المشدد إذا كان الشيء لم يسلم إلى متعهد النقل كما لو اختلسه قبل تسلمه أو كان قد سلم إليه ثم اختلسه بعد إعادته إلى صاحبه كذلك ينتفي الظرف المشدد إذا كان تسلیم الشيء غير مستند إلى عقد النقل كما لو سرق سائق سيارة الركوب أمتعة لأحد الركاب .

ويستوي لدى القانون أن يكون من تسلم الشيء هو متعهد النقل نفسه أو أحد أتباعه.

كذلك يستوي أن يقع الاختلاس من متعهد النقل نفسه أو من أحد أتباعه الذين يساهمون معه في عملية النقل فلا يقع الاختلاس من التابع الذي لا شأن له بهذه العملية فلا يتوافر الظرف المشدد إذا وقعت السرقة من الخادم المعهود إليه مجرد تنظيف مكتب الناقل .

السرقة التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحی

علة التشديد :

وترجع علة التشديد إلى أن الجاني يستغل الظروف السيئة التي يكابدها الجريح والتي تجعله عاجزاً عن حماية ماله.

نطاق التشديد :

يتوافر الظرف المشدد إذا تحقق شرطان :

1- الأول يتعلق بزمان ارتكاب الجريمة : فيجب أن تقع الجريمة أثناء الحرب ويرجع في تحديد معنى الحرب إلى قواعد القانون الدولي مع ملاحظة أن فترة الهدنة التي يتوقف فيها القتال تعتبر داخلة في زمن الحرب وبناء على ذلك لا يتحقق الظرف المشدد إذا ارتكبت الجريمة أثناء فترة ثورة داخلية مسلحة أو بعد انتهاء الحرب ولو كان المجني عليه قد جرح أثناء الحرب.

2- الثاني يتعلق بصفة في المجنى عليه : وهي أن يكون جريحاً من جرحى الحرب فالمشرع يتطلب قيام صلة سببية بين حالة الحرب القائمة وبين جروح المجني عليه وتوافر هذه الصلة يكفي فيستوي بعد ذلك أن يكون المجنى عليه من الجنود الذين جرحوا في ميدان القتال أو أحد المدنيين الذين جرحوا نتيجة غارة جوية كذلك يستوي أن يكون المجني عليه من المواطنين أو من الأجانب ولو كان من رعايا الأعداء.

وتقتضي علة التشديد أن تكون الإصابة على درجة من الجسامة بحيث يصعب معها على المجنى عليه حماية ماله كذلك يذهب جانب من الفقه إلى القول بسريان الظرف المشدد على حالة السرقة من الجريح بعد وفاته متأثراً بجراحه نظراً لتحقق حكمة التشديد من باب أولى.

السرقة في إحدى وسائل النقل :

ولا يشترط المشرع لتحقق هذا الظرف إلا أن تقع الجريمة في مكان معین هو إحدى وسائل النقل فإذا وقعت السرقة على الأرض قبل ركوب وسيلة النقل أو بعد النزول منها ولو مباشرة لا يتوافر ظرف التشديد ويستوي في وسيلة النقل أن تكون برية كالقطارات والترام والأوتوبيسات والسيارات العامة والخاصة أو مائية كالبواخر والمراكب واللنشات والزوارق والأوتوبيسات النهرية أو جوية كالطائرات كذلك يستوي أن تقع الجريمة من أحد العاملين في هذه الوسائل أو من أحد الركاب.

العاشر: السرقة مع حمل السلاح :

وترجع علة التشديد في هذه الحالة إلى أن حمل الجاني للسلاح يدل على خطورته ويشعره بقوته ويجعله أكثر جرأة ويتيح له مقاومة المجنى عليه ولو اقتضى الأمر جرحه أو قتله هذا فضلاً عن أن رؤية المجني عليه للسلاح في حالة ظهوره تلقي الرعب في نفسه وتشعره بخطورة مقاومة الجاني للدفاع عن ماله .

تحديد معنى السلاح :

لم يضع المشرع المصري تعريفاً للسلاح الذي يتوافر بحمله ظرف التشديد ويمكن تعريفه بأنه كل أداة تصلح لأن يستخدمها الجاني في الاعتداء ويدخل في هذا التحديد نوعان من الأسلحة - الأسلحة بطبيعتها والأسلحة بالاستعمال.

الأسلحة بطبيعتها :

ويقصد بها الأدوات التي أعدت خصيصاً للجرح أو القتل بحيث لا تستعمل في غير ذلك الغرض من أمثلة ذلك البنادق والمسدسات والسيوف والخناجر والعصى الغليظة المركب عليها قطع من الحديد.

وحكم الأسلحة بطبيعتها أن مجرد حملها وقت ارتكاب السرقة يتحقق به الظرف المشدد فمن يحمل سلاحاً هو في ذاته شر ممن لا يحمل وهو شر موجب بذاته للتشديد.

فشرط حمل السلاح وحده يكفي ويستوي بعد ذلك أن يكون الجاني قد قصد بحمل السلاح استعماله في السرقة أو لم يقصد وإنما كان يحمله بحكم عمله كالجندي أو الخفير أو بمقتضى اعتياده على ذلك ويستوي أن يكون السلاح ظاهراً أو مخبأ إذ تتوافر علة التشديد في الحالتين كما يستوى أن يكون السلاح صالحاً للاستعمال أو غير صالح لذلك كبندقية فاسدة أو مسدس غير معبأ وليس مع الجاني رصاص لحشوه كذلك يستوي أخيراً أن تكون ظروف السرقة مما قد يقتضي استعمال السلاح أو أنها من البساطة بحيث لا يتصور استعماله فيها.

خلاصة القول أن مجرد حمل السلاح بطبيعته يتوافر به ظرف التشديد فإذا تجاوز الجاني حمل السلاح إلى استعماله أو التهديد به فإن ذلك يدخل في نطاق ظرف مشدد آخر يجعل من السرقة جناية.

الأسلحة بالتخصيص أو بالاستعمال :

هي أدوات ليست معدة للجرح أو القتل وإنما لأغراض أخرى وإن كان من شأنها أن تستعمل في الاعتداء من أمثلة ذلك السكاكين التي تستخدم في الطبخ والفؤوس والمناجل والبلط التي تستخدم في الزراعة والمطاوي والمفكات والمقصات التي تستخدم في الصناعة بل وكل ما يصلح للاعتداء كالعصي وقطع الحجارة.

وحكم الأسلحة بالتخصيص يختلف عن حكم الأسلحة بطبيعتها فإذا كان مجرد حمل السلاح بطبيعته يتوافر به الظرف المشدد فإن حمل السلاح بالاستعمال لا يتحقق به التشديد إلا إذا ثبت أن الجاني كان يحمله بقصد الاعتداء على من يعترض سبيله أثناء ارتكاب السرقة أو على الأقل بقصد التهديد باستعماله أي أن حمله كان بمناسبة السرقة فلا يكفي أن يثبت أن حمل السلاح كان بقصد استعماله في كسر القفل أو الباب وقصد استعمال السلاح أمر يستخلصه قاضي الموضوع من وقائع الدعوى كالتهديد باستعمال السلاح أو عدم وجود المقتضي لحمله في الظروف التي حمل فيها.

ومن البديهي أنه لا يشترط لتوافر الظرف المشدد أن يضبط السلاح بالفعل بل يكفي أن يثبت حمل الجاني السلاح وقت ارتكاب السرقة. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:  774)

وألغيت الفقرة سادساً بالقانون رقم 59 لسنة 1970 الصادر في 12/8/1970 والمنشور بالوقائع المصرية في 13 أغسطس سنة 1970 العدد أضيفت الفقرة تاسعاً بالقانون رقم 13 لسنة 1940 الصادر في 25 مارس سنة 1940 (الوقائع المصرية في 28 مارس سنة 1940 العدد 33 ).

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 281 ، 282 

(مادة 573) 

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز سبع سنوات إذا وقعت السرقة مع توافر أحد الظروف الآتية : 

1- أن تقع في مكان معد للعبادة ، أو مكان مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته . 

2- أن تقع في إحدى وسائل النقل البرية ، أو المائية ، أو الجوية ، أو في محطة ، أو ميناء ، أو مطار . 

3- إذا وقعت ليلاً . 

4- إذا وقعت بطريق التسور أو الكسر من الخارج ، أو إستعمال مفاتيح مصطنعة أو صحيحة بغير موافقة صاحبها . 

5- إذا وقعت عن طريق تحطيم وعاء أو حرز أيا كان ، أو عن طريق إقتحام غرفة بالكسر . 

6- إذا وقعت من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ . 

7- إذا وقعت من شخص يتخذ صفة عامة صحيحة أو كاذبة ، أو يدعى القيام بخدمة عامة . 

8- إذا وقعت من شخصين فأكثر . 

9- إذا وقعت من عامل في مكان عمله ، أو إضراراً بمتبوعه ، أو ممن يحترف النقل على الأشياء المكلف بنقلها ، أو من صاحب صناعة أو حرفة على الأشياء المسلمة له بهذه الصفة. 

10- إذا وقعت أثناء الحرب على الجرحى ، ولو من الأعداء .

11- إذا وقعت على دابة من دواب الركوب ، أو الجر ، أو الحمل ، أو على ماشية . 

12- إذا وقعت السرقة بطريق النشل . 

الجرائم الواقعة على المال 

الفصل الأول

السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز 

المواد من (567) - (584) : 

تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه. 

كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة . 

2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة . 

3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة . 

4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة . 

5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة. 

هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان . 

6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد  أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة . 

7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث . 

8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها . 

9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث . 

10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته . 

واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة . 

11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة . 

12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال . 

أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه . 

13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 297

اللَّيْلُ:

اللَّيْلُ: فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوِ الشَّمْسِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: هُوَ مِنْ غِيَابِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ أَوْ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

والصلة بين اليوم والليل التضاد .

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس ، الصفحة / 98

إِكْرَاهٌ

التَّعْرِيفُ:

قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: أَكْرَهْتُهُ، حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ هُوَ لَهُ كَارِهٌ - وَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ نَحْوُهُ - وَمَضَى صَاحِبُ اللِّسَانِ يَقُولُ: وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُرْهَ وَالْكَرْهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الأْحْرُفِ الَّتِي ضَمَّهَا هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَتَحُوهَا فَرْقًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلاَ فِي سُنَّةٍ تُتَّبَعُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الْكَرْهُ (بِالْفَتْحِ): الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ: الْقَهْرُ، وَقِيلَ: (بِالْفَتْحِ) الإْكْرَاهُ، « وَبِالضَّمِّ » الْمَشَقَّةُ. وَأَكْرَهْتُهُ عَلَى الأْمْرِ إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ قَهْرًا. يُقَالُ: فَعَلْتُهُ كَرْهًا « بِالْفَتْحِ » أَيْ إِكْرَاهًا – وَعَلَيْهِ قوله تعالى (طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) فَجَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.

وَلَخَصَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فُقَهَاؤُنَا إِذْ قَالُوا: الإِْكْرَاهُ لُغَةً: حَمْلُ الإْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ: أَكْرَهْتُ فُلاَنًا إِكْرَاهًا: حَمَلْتُهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ.وَالْكَرْهُ « بِالْفَتْحِ » اسْمٌ مِنْهُ (أَيِ اسْمُ مَصْدَرٍ).

أَمَّا الإْكْرَاهُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ: فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ.

وَعَرَّفَهُ الْبَزْدَوِيُّ بِأَنَّهُ: حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ يَمْتَنِعُ عَنْهُ بِتَخْوِيفٍ يَقْدِرُ الْحَامِلُ عَلَى إِيقَاعِهِ وَيَصِيرُ الْغَيْرُ خَائِفًا بِهِ.

أَوْ هُوَ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ (أَيِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ) مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ.

وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ، فَسَّرُوهُ بِالْخَوْفِ، وَلَوْ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ الظَّلَمَةُ بِالْمُتَّهَمِينَ كَيْدًا. فَإِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْحَيَاءَ مَثَلاً، أَوِ التَّوَدُّدَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.

وَالْفِعْلُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) لَيْسَ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ خِلاَفِ الْقَوْلِ، وَلَوْ إِشَارَةَ الأْخْرَسِ، أَوْ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ، فَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ - لأِنَّهُ مِنْ عَمَلِ اللِّسَانِ - وَلَوْ مَفْهُومًا بِدَلاَلَةِ الْحَالِ مِنْ مُجَرَّدِ الأْمْرِ: كَأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوِ الأْمِيرِ، وَأَمْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَأَمْرِ الْخَانِقِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ الإْصْرَارُ.

وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إِكْرَاهٌ - وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْ - وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ تَضَمُّنَهُ التَّهْدِيدَ بِدَلاَلَةِ الْحَالِ.

وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَوِي الْبَطْشِ وَالسَّطْوَةِ أَيًّا كَانُوا، وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ نَفْسُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَجَبِّرِينَ التَّرَفُّعَ عَنِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُعَاقِبُونَ مُخَالِفِيهِمْ إِلاَّ بِهِ.

ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ - فِعْلٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) نَفْسِهِ - وَلَوْ كَانَ تَهْدِيدًا بِأَخْذِ أَوْ حَبْسِ مَالِهِ الَّذِي لَهُ وَقْعٌ، لاَ التَّافِهِ الَّذِي لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ تَهْدِيدًا بِالْفُجُورِ بِامْرَأَتِهِ إِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.وَيَسْتَوِي التَّهْدِيدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ الْمُهَدَّدِ بِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَخَذَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَغَطَّهُ فِي الْمَاءِ لِيَرْتَدَّ، وَالتَّهْدِيدُ الْمُجَرَّدُ، خِلاَفًا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُجَرَّدِ التَّهْدِيدِ، كَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدَهُ. الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ عَمَّارٍ هَذَا، وَاسْتَدَلَّ الآْخَرُونَ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ لاَ فَرْقَ، وَإِلاَّ تَوَصَّلَ الْمُعْتَدُونَ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ - بِالتَّهْدِيدِ الْمُجَرَّدِ - دُونَ تَحَمُّلِ تَبَعَةٍ، أَوْ هَلَكَ الْوَاقِعُ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّهْدِيدُ إِذَا رَفَضُوا الاِنْصِيَاعَ لَهُ، فَكَانَ إِلْقَاءً بِالأْيْدِي فِي التَّهْلُكَةِ، وَكِلاَهُمَا مَحْذُورٌ لاَ يَأْتِي الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ. بَلْ فِي الأْثَرِ عَنْ عُمَرَ - وَفِيهِ انْقِطَاعٌ - مَا يُفِيدُ هَذَا التَّعْمِيمَ: ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً فِي عَهْدِهِ تَدَلَّى يَشْتَارُ (يَسْتَخْرِجُ) عَسَلاً، فَوَقَفَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى الْحَبْلِ، وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا، وَإِلاَّ قَطَعْتُهُ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالإْسْلاَمَ، فَقَالَتْ: لَتَفْعَلَنَّ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا. وَرُفِعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى عُمَرَ، فَرَأَى طَلاَقَ الرَّجُلِ لَغْوًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَرْأَةَ وَلِذَا اعْتَمَدَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ الْفَرْقِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِ رَجُلٍ لاَ يَمُتُّ إِلَى الْمُهَدَّدِ بِسَبَبٍ، إِنْ هُوَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَكَانِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ يُرَادُ لِلْقَتْلِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِكْرَاهًا، حَتَّى لَوْ أَنَّهُ وَقَعَتِ الدَّلاَلَةُ مِمَّنْ طُلِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ، لَكَانَ الدَّالُّ مُعِينًا عَلَى هَذَا الْقَتْلِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُعِينُ شَرِيكٌ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ - وَذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي أَجْنَبِيٍّ إِكْرَاهٌ فِي الأْيْمَانِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ.

وَالْفِعْلُ، فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ)، هُوَ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ لاَ تَقْبَلُ الإْكْرَاهَ، فَيَشْمَلُ الْقَوْلَ بِلاَ شَكٍّ.

وَفِيمَا يُسَمِّيهِ فُقَهَاؤُنَا بِالْمُصَادَرَةِ فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَمَا إِلَيْهَا، الْفِعْلُ الَّذِي يُطْلَبُ مِنَ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) دَفْعُ الْمَالِ وَغَرَامَتُهُ، لاَ سَبَبُ الْحُصُولِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ - كَاسْتِقْرَاضٍ - فَيَصِحُّ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَخْلَصَ لَهُ إِلاَّ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ فِي إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُ. وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي جَعْلِ السَّبَبِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ - أَنْ يَقُولَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مِنْ أَيْنَ أَتَى بِالْمَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) سَبَبًا، كَأَنْ قَالَ لَهُ: بِعْ كَذَا، أَوْ عِنْدَ ابْنِ نُجَيْمٍ اقْتَصَرَ عَلَى الأْمْرِ بِالْبَيْعِ دُونَ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَقَعَ هَذَا السَّبَبُ الْمُعَيَّنُ تَحْتَ طَائِلَةِ الإْكْرَاهِ.

وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ - بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمُتَابِعِيهِ - إِذْ جَعَلُوا السَّبَبَ أَيْضًا مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِإِطْلاَقٍ.

وَيَشْمَلُ التَّهْدِيدَ بِإِيذَاءِ الْغَيْرِ، مِمَّنْ يُحِبُّهُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ - عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الإْكْرَاهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ - بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ

الْمَحْبُوبُ رَحِمًا مَحْرَمًا، أَوْ - كَمَا زَادَ بَعْضُهُمْ - زَوْجَةً.

وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُقَيِّدُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا وَإِنْ نَزَلَ، أَوْ وَالِدًا وَإِنْ عَلاَ. وَالشَّافِعِيَّةُ - وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الأْصُولِيَّةِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يُقَيِّدُونَهُ إِلاَّ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِيذَاؤُهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَالزَّوْجَةِ، وَالصَّدِيقِ، وَالْخَادِمِ. وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. حَتَّى لَقَدِ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنَ الإْكْرَاهِ مَا لَوْ قَالَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، أَوِ الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ (دُونَ غَيْرِهِمَا): طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، وَإِلاَّ قَتَلْتُ نَفْسِي، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَالَ: وَإِلاَّ كَفَرْتُ، لأِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ.

وَفِي التَّقْيِيدِ بِالْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى.

كَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الإْلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ، أَيِ: الإِْلْجَاءِ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَافِي لِلْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ - وَجَارَاهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - اكْتَفُوا بِظَنِّ الضَّرَرِ مِنْ جَانِبِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَعِبَارَتُهُمْ: يَكُونُ (أَيِ الإْكْرَاهُ) بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ:

الرِّضَا لُغَةً: الاِخْتِيَارُ. يُقَالُ: رَضِيتُ الشَّيْءَ وَرَضِيتُ بِهِ: اخْتَرْتُهُ.

وَالاِخْتِيَارُ لُغَةً: أَخْذُ مَا يَرَاهُ خَيْرًا.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا.

فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ هُوَ: امْتِلاَءُ الاِخْتِيَارِ وَبُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إِلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ وَنَحْوِهَا.

أَوْ هُوَ: إِيثَارُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُهُ.

وَالاِخْتِيَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الآْخَرِ.

أَوْ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ.

حُكْمُ الإْكْرَاهِ:

الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ مُحَرَّمًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ إِحْدَى الْكَبَائِرِ، لأِنَّهُ أَيْضًا يُنْبِئُ بِقِلَّةِ الاِكْتِرَاثِ بِالدَّيْنِ، وَلأِنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ».

شَرَائِطُ الإْكْرَاهِ

الشَّرِيطَةُ الأْولَى:

قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) عَلَى إِيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ، لِكَوْنِهِ مُتَغَلِّبًا ذَا سَطْوَةٍ وَبَطْشٍ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَلاَ أَمِيرًا - ذَلِكَ أَنَّ تَهْدِيدَ غَيْرِ الْقَادِرِ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ.

الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:

خَوْفُ الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) مِنْ إِيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ إِذَا كَانَ الْمَخُوفُ عَاجِلاً. فَإِنْ كَانَ آجِلاً، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالأْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحَقُّقِ الإْكْرَاهِ مَعَ التَّأْجِيلِ. وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإْكْرَاهَ لاَ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَلَوْ إِلَى الْغَدِ.

وَالْمَقْصُودُ بِخَوْفِ الإْيقَاعِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، ذَلِكَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الأْدِلَّةِ، وَتَعَذُّرِ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِيقَةِ.

الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ:

أَنْ يَكُونَ مَا هُدِّدَ بِهِ قَتْلاً أَوْ إِتْلاَفَ عُضْوٍ، وَلَوْ بِإِذْهَابِ قُوَّتِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَإِذْهَابِ الْبَصَرِ، أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَطْشِ أَوِ الْمَشْيِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهَا، أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَمِنْهُ تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُلِ بِاللِّوَاطِ.

أَمَّا التَّهْدِيدُ بِالإْجَاعَةِ، فَيَتَرَاوَحُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، فَلاَ يَصِيرُ مُلْجِئًا إِلاَّ إِذَا بَلَغَ الْجُوعُ بِالْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) حَدَّ خَوْفِ الْهَلاَكِ.

ثُمَّ الَّذِي يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْشْخَاصِ وَالأْحْوَالِ: فَلَيْسَ الأْشْرَافُ كَالأْرَاذِلِ، وَلاَ الضِّعَافُ كَالأْقْوِيَاءِ، وَلاَ تَفْوِيتُ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَتَفْوِيتِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، يُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ قَدْرَهَا.

الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ:

أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَوْلاَ الإْكْرَاهُ، إِمَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ - وَإِمَّا لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، وَإِمَّا لِحَقِّ الشَّرْعِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ ظُلْمًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ، أَوْ نَفْسِ هَذَا الشَّخْصِ، أَوِ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَوْ عَلَى ارْتِكَابِ مُوجِبِ حَدٍّ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ:

أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى إِطْلاَقِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُتَعَيِّنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - مَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُصَادَرَةِ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي فِقْرَةِ .

وَمِنْهُ يُسْتَنْبَطُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَالَةِ الإْبْهَامِ أَدْنَى إِلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ أَوْغَلُ فِي الاِعْتِدَادِ بِالإْكْرَاهِ حِينَئِذٍ، لأِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ مَجَالُ الإْبْهَامِ أُمُورًا مُعَيَّنَةً.

أَمَّا الإْكْرَاهُ عَلَى طَلاَقِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، أَوْ قَتْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ:

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمَعَهُمْ مُوَافِقُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِرَغْمِ هَذَا التَّخْيِيرِ.

وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لاَ يَتَحَقَّقُ؛ لأِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ طَلاَقِ كُلٍّ بِطَلاَقِ الأْخْرَى، وَكَذَا فِي الْقَتْلِ، نَتِيجَةَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ.وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.

الشَّرِيطَةُ السَّادِسَةُ:

أَلاَّ يَكُونَ لِلْمُكْرَهِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خُيِّرَ الْمُكْرَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِتَسَاوِي هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ أَوْ تَفَاوُتِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ وَالْحِلُّ، وَتَفْصِيلُ الْكَلاَمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:

إِنَّ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلاَ يُبَاحُ أَصْلاً، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا وَالْقَتْلِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

أَوْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ طَلاَقِ امْرَأَتِهِ وَبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْنَ جَمْعِ الْمُسَافِرِ الصَّلاَةَ فِي الْحَجِّ وَفِطْرِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الأْرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ الأَْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُرْمَةِ أَوِ الْحِلِّ، يَتَرَتَّبُ حُكْمُ الإْكْرَاهِ عَلَى فِعْلِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ بِخِلاَفَاتِهِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ إِلاَّ عَلَى الأْحَدِ الدَّائِرِ دُونَ تَفَاوُتٍ، وَهَذَا لاَ تَعَدُّدَ فِيهِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي مُعَيَّنٍ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، فَنَفَوْا حُصُولَ الإْكْرَاهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.

وَإِنْ تَفَاوَتَ الأْمْرَانِ الْمُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مَنْدُوحَةً، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى الْمُقَابِلِ لَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْمُقَابِلُ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَالْكُفْرِ وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَمْ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَمْ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَبَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ، وَالإْفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ حُكْمُهُ الَّذِي سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ بِخِلاَفَاتِهِ.

وَتَكُونُ هَذِهِ الأْفْعَالُ مَنْدُوحَةً مَعَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ وَلاَ يُبَاحُ بِحَالٍ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ لاَ تَكُونُ مَنْدُوحَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَفِي الصُّوَرِ الثَّلاَثَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَهِيَ مَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الزِّنَا أَوِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّ الزِّنَى أَوِ الْقَتْلَ لاَ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ فِعْلُهُ صَادِرًا عَنْ طَوَاعِيَةٍ لاَ إِكْرَاهٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الإْذْنُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ، وَكَانَ الْفَاعِلُ عَالِمًا بِالإْذْنِ لَهُ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوحَةِ عِنْدَ الإْكْرَاهِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُحَرَّمًا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ فِي حُكْمِ الأْمْرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الإْبَاحَةِ، فَلاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَنْدُوحَةً عَنْ فِعْلِ الآْخَرِ، وَيَكُونُ 

الإْكْرَاهُ وَاقِعًا عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، مَتَى كَانَ بِأَمْرٍ مُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوْ لأِحَدِ الأْعْضَاءِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الأْمْرَيْنِ مُحَرَّمًا يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمُقَابِلُ لَهُ مُبَاحًا أَصَالَةً أَوْ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْنَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُكْرَهِ أَوِ الْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مَنْدُوحَةً عَنِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَوْ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا يَظَلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ لِلنَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ أَوْ بِغَيْرِ مُتْلِفٍ لأِحَدِهِمَا، لأِنَّ الإْكْرَاهَ بِغَيْرِ الْمُتْلِفِ لاَ يُزِيلُ الْحَظْرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا. وَالإْكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ - وَإِنْ كَانَ يُزِيلُ الْحَظْرَ - إِلاَّ أَنَّ إِزَالَتَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الاِضْطِرَارِ، وَلاَ اضْطِرَارَ مَعَ وُجُودِ الْمُقَابِلِ الْمُبَاحِ.

تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ

يَنْقَسِمُ الإْكْرَاهُ إِلَى: إِكْرَاهٍ بِحَقٍّ، وَإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَإِكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ.

أَوَّلاً: الإْكْرَاهُ بِحَقٍّ:

تَعْرِيفُهُ:

هُوَ الإْكْرَاهُ الْمَشْرُوعُ، أَيِ الَّذِي لاَ ظُلْمَ فِيهِ وَلاَ إِثْمَ.

وَهُوَ مَا تَوَافَرَ فِيهِ أَمْرَانِ:

الأْوَّلُ: أَنْ يَحِقَّ لِلْمُكْرِهِ التَّهْدِيدُ بِمَا هَدَّدَ بِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِقُّ لِلْمُكْرِهِ الإْلْزَامُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ عَلَى الإْسْلاَمِ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ، حَيْثُ تَوَافَرَ فِيهِ الأْمْرَانِ، وَكَذَلِكَ إِكْرَاهُ الْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِكْرَاهُ الْمُولِي عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى زَوْجَتِهِ أَوْ طَلاَقِهَا إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الإْيلاَءِ.

أَثَرُهُ:

وَالْعُلَمَاءُ عَادَةً يَقُولُونَ: إِنَّ الإْكْرَاهَ بِحَقٍّ، لاَ يُنَافِي الطَّوْعَ الشَّرْعِيَّ - وَإِلاَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ إِكْرَاهَ الْعِنِّينِ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى الإْنْفَاقِ، وَالْمَدِينِ وَالْمُحْتَكِرِ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَرْضٌ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَقْبَرَةِ أَوِ الطَّرِيقِ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا مِنْ أَجْلِ التَّوْسِيعِ، وَمَنْ مَعَهُ طَعَامٌ يَحْتَاجُهُ مُضْطَرٌّ.

ثَانِيًا: الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ:

تَعْرِيفُهُ:

الإْكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الإْكْرَاهُ ظُلْمًا، أَوِ الإْكْرَاهُ الْمُحَرَّمُ، لِتَحْرِيمِ وَسِيلَتِهِ، أَوْ لِتَحْرِيمِ الْمَطْلُوبِ بِهِ. وَمِنْهُ إِكْرَاهُ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لَهُ.

الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ:

تَقْسِيمُ الإْكْرَاهِ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ يَتَفَرَّدُ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ.

فَالإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِإِتْلاَفِ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهَا، أَوْ بِإِتْلاَفِ جَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ بِقَتْلِ مَنْ يُهِمُّ الإْنْسَانَ أَمْرُهُ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ وَلاَ يُعْدِمُهُ. أَمَّا إِعْدَامُهُ لِلرِّضَا، فَلأِنَّ الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَكُونُ مَعَ أَيِّ إِكْرَاهٍ.

وَأَمَّا إِفْسَادُهُ لِلاِخْتِيَارِ دُونَ إِعْدَامِهِ، فَلأِنَّ الاِخْتِيَارَ هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ بِتَرْجِيحٍ مِنَ الْفَاعِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَزُولُ بِالإْكْرَاهِ، فَالْمُكْرَهُ يُوقِعُ الْفِعْلَ بِقَصْدِهِ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ تَارَةً يَكُونُ صَحِيحًا سَلِيمًا، إِذَا كَانَ مُنْبَعِثًا عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَتَارَةً يَكُونُ فَاسِدًا، إِذَا كَانَ ارْتِكَابًا لأِخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كِلاَهُمَا شَرٌّ، فَفَعَلَ أَقَلَّهُمَا ضَرَرًا بِهِ، فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ لِمَا فَعَلَهُ لاَ يَكُونُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، بَلِ اخْتِيَارًا فَاسِدًا.

وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ: الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ، كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَالضَّرْبِ الَّذِي لاَ يُخْشَى مِنْهُ الْقَتْلُ أَوْ تَلَفُ بَعْضِ الأْعْضَاءِ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لاَ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ اضْطِرَارِ الْمُكْرَهِ إِلَى الإْتْيَانِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ مَا هُدِّدَ بِهِ بِخِلاَفِ النَّوْعِ الأْوَّلِ.

أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُقَسِّمُوا الإْكْرَاهَ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الإْكْرَاهُ وَمَا لاَ يَتَحَقَّقُ، وَمِمَّا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يُؤْخَذُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ بِمَا سَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا، أَمَّا مَا يُسَمَّى بِالإْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَعَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأْخْرَى لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا.

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ إِكْرَاهًا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ، فَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي لاَ يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: الْكُفْرُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالْمَعْصِيَةُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ، كَالْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ، وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ لَهَا زَوْجٌ، وَسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ صَحَابِيٍّ، أَوْ قَذْفٍ لِمُسْلِمٍ.

وَمِنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِكْرَاهًا فِيهِ: شُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَالطَّلاَقُ وَالأْيْمَانُ وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالآْثَارِ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ:

هَذَا الأْثَرُ مَوْضِعُ خِلاَفٍ، بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِاخْتِلاَفِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ الإْكْرَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الإْقْرَارَاتِ، كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ إِبْطَالَ الإْقْرَارِ وَإِلْغَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ. فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِمَالٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ طَلاَقٍ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَاطِلاً، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، لأِنَّ الإْقْرَارَ إِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّرْجِيحُ مَعَ الإْكْرَاهِ، إِذْ هُوَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لاَ يَقْصِدُ بِإِقْرَارِهِ الصِّدْقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُدِّدَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَثَرُ الإْكْرَاهِ فِيهَا إِفْسَادَهَا لاَ إِبْطَالَهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، حَسَبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لاَزِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْمُكْرَهُ الثَّمَنَ، أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُهُ.

وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الإْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ لاَ يُعْدِمُ الاِخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ فِعْلِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ أَوِ الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ الاِرْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَإِذَنْ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى فِقْدَانِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ لاَ بُطْلاَنُهُ. وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالُوا بِصِحَّتِهِمَا مَعَ الإْكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ مُلْجِئًا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: الزَّوَاجُ وَالطَّلاَقُ وَمُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ.

وَعَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ - عِنْدَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ - قَائِمًا مَقَامَ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقَائِلِهِ قَصْدٌ إِلَى مَعْنَاهُ، كَمَا فِي الْهَازِلِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ صَحِيحَةً إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ، مَعَ انْعِدَامِ قَصْدِهِ إِلَيْهَا، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآْثَارِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأْفْعَالِ، كَالإْكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ مَنْ لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ لِغَيْرِهِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْحُكْمُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الإْكْرَاهِ وَالْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.

فَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ غَيْرَ مُلْجِئٍ - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ، أَوْ بَعْضَ الأْعْضَاءِ كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَلاَ يَحِلُّ الإْقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ. وَإِذَا أَقْدَمَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) عَلَى الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الإْكْرَاهِ كَانَتِ الْمَسْئُولِيَّةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، لاَ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ.

وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ مُلْجِئًا - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْعَمَلِ الْمُهِينِ لِذِي الْجَاهِ - فَالأْفْعَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

أ - أَفْعَالٌ أَبَاحَهَا الشَّارِعُ أَصَالَةً دُونَ إِكْرَاهٍ كَالأْكْلِ وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى ارْتِكَابِهَا وَجَبَ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) أَنْ يَرْتَكِبَ أَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.

ب - أَفْعَالٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ إِتْيَانَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ أَوِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ لاَ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ، فَالْعَقْلُ مَعَ الشَّرْعِ يُوجِبَانِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.

فَهَذِهِ يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ فِعْلُهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الإْتْيَانُ بِهَا، إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قَتْلُ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وَلاَ شَكَّ أَنَّ الإْكْرَاهَ الْمُلْجِئَ مِنَ الضَّرُورَةِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ الإْثْمَ فِيهَا. فَيُبَاحُ الْفِعْلُ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا. وَتَنَاوُلُ الْمُبَاحِ دَفْعًا لِلْهَلاَكِ عَنِ النَّفْسِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا - وَاجِبٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا لَمْ يُحَدَّ، لأَِنَّهُ لاَ جِنَايَةَ حِينَئِذٍ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا شُرِعَ زَجْرًا عَنِ الْجِنَايَاتِ.

ج - أَفْعَالٌ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى مَاتَ، كَانَ مُثَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوِ الاِسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْإنْسَانُ عَلَى الإْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ).

وَمِنَ السُّنَّةِ مَا جَاءَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ « أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ: شَرٌّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ  صلى الله عليه وسلم : فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإْيمَانِ، قَالَ  صلى الله عليه وسلم : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ».

وَقَدْ أَلْحَقَ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ بِهَذَا النَّوْعِ الإْكْرَاهَ عَلَى إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ إِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَوْ صَبَرَ وَتَحَمَّلَ الأْذَى، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ مُثَابًا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ الإْتْلاَفِ عَلَى الْحَامِلِ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْفَاعِلِ، لأِنَّ فِعْلَ الإْتْلاَفِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، فَيَثْبُتُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

د - أَفْعَالٌ لاَ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، فَهَذِهِ الأْفْعَالُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الإْقْدَامُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْهَا ضَيَاعُ نَفْسِهِ، لأِنَّ نَفْسَ الْغَيْرِ مَعْصُومَةٌ كَنَفْسِ الْمُكْرَهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِيقَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا، وَوَجَبَ عِقَابُ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي نَوْعِ هَذَا الْعِقَابِ.

فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: إِنَّهُ الْقِصَاصُ، لأِنَّ الْقَتْلَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْحَامِلِ بِجَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً لَهُ، وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ عَلَى آلَةِ الْقَتْلِ.

وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إِنَّهُ الدِّيَةُ، لأِنَّ الْقِصَاصَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَامِلِ وَالْمُكْرَهِ.

وَهَذَا الْقَتْلُ يَقُومُ مَانِعًا مِنَ الإْرْثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مُكَلَّفًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ فَلاَ يَكُونُ مَانِعًا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفًا.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) فَلاَ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَ الْمُكْرَهِ وَلاَ الْمُكْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ كَأَنْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلأِنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا عَنِ الْمَقْتُولِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَمَّ إِكْرَاهٌ، لأِنَّ الْمُهَدَّدَ بِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ وَلاَ شَيْءَ مِنْ آثَارِهِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي هَذَا الْقَتْلِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ لأَقْتُلَنَّكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُ مَا هُوَ الأْهْوَنُ فِي ظَنِّهِ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: يَصْبِرُ وَلاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ، لأِنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إِهْلاَكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.

وَنَقَلَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الأْنْهُرِ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: الزِّنَا، فَإِنَّهُ لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ الإْكْرَاهِ، كَمَا لاَ يُرَخَّصُ فِيهِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ، لأِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا لاَ تَرْتَفِعُ بِحَالٍ مِنَ الأْحْوَالِ، فَإِذَا فَعَلَهُ إِنْسَانٌ تَحْتَ تَأْثِيرِ الإْكْرَاهِ كَانَ آثِمًا، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأِنَّ الإْكْرَاهَ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لأِثَرِ الإْكْرَاهِ، نَصُّهُ:

الإْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْقَوْلِ أَمِ الْفِعْلِ. وَالإْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلاً يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَكَذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حِلًّا أَوْ إِقْرَارًا أَوْ يَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الإْكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّخْوِيفِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى مَلأَ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) شَيْئًا مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - طَائِعًا بَعْدَ زَوَالِ الإْكْرَاهِ لَزِمَ عَلَى الأْحْسَنِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلاَ تَصِحُّ إِجَازَتُهُ.

ب - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ

صُوَرِهِ، أَوْ قَذْفِ الْمُسْلِمَ بِالزِّنَا، أَوِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ خَلِيَّةٍ (غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ)، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأْشْيَاءِ إِلاَّ فِي حَالَةِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، لاَ فِيمَا دُونَهُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ سَجْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ اعْتُبِرَ مُرْتَدًّا، وَيُحَدُّ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ، وَفِي الزِّنَا.

ج - وَإِنْ كَانَ الإْكْرَاهُ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ، أَوْ عَلَى زِنًا بِمُكْرَهَةٍ، أَوْ بِامْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ، فَلاَ يَجُوزُ الإْقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا لِلْقَاتِلِ مِنْ مِيرَاثِ الْمَقْتُولِ، لأِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) يُقْتَصُّ مِنْهُ أَيْضًا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ فَقَتَلَهُ، فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لاَ مِيرَاثًا.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ وَلاَ دِيَةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ، كَالإْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَبَتْرِ الأْعْضَاءِ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ) يَخْتَارُ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ اللَّقَانِيُّ.وَإِنْ زَنَى يُحَدُّ.

د - وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ - غَيْرِ الْكُفْرِ - لاَ حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَأَكْلِهِ مَيْتَةً، أَوْ إِبْطَالِ عِبَادَةٍ كَصَلاَةٍ وَصَوْمٍ، أَوْ عَلَى تَرْكِهَا فَيَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الصَّلاَةِ يَكُونُ الإْكْرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، وَلاَ يَسْقُطُ وُجُوبُهَا. وَفِي شُرْبِ الْخَمْرِ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ.

وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِهَذَا النَّوْعِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ طَائِعَةٍ لاَ زَوْجَ لَهَا، خِلاَفًا لِلْمَذْهَبِ.

وَيُضِيفُ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِالإْكْرَاهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ لأِنَّهُ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

- يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ.

أ - الإْكْرَاهُ بِالْقَوْلِ:

إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حَلًّا أَوْ أَيَّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَمَلاً بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ » إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ رَفْعَ مَا وَقَعَ لِمَكَانِ الاِسْتِحَالَةِ، وَإِنَّمَا رَفْعُ حُكْمِهِ، مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْعُمُومُ فِي مَوْضِعِ دَلاَلَتِهِ. وَبِمُقْتَضَى أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ يُقَرِّرُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) إِلاَّ فِي الصَّلاَةِ فَتَبْطُلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلاَ يَجِبُ، بَلِ الأْفْضَلُ الاِمْتِنَاعُ مُصَابَرَةً عَلَى الدِّينِ وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ.

وَفِي طَلاَقِ زَوْجَةِ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) أَوْ بَيْعِ مَالِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ الإْكْرَاهُ فِيهِ إِذْنًا - أَبْلَغُ.

وَالإْكْرَاهُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، وَفِي الإْكْرَاهِ بِالْحُكْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا، فَلاَ يَرْتَفِعُ الإْثْمُ عَنْ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلاَ عَنِ الْحَاكِمِ الْبَاطِلِ، وَحُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ حُكْمُ الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)

ب - الإْكْرَاهُ بِالْفِعْلِ:

لاَ أَثَرَ لِلإْكْرَاهِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلاَّ فِيمَا يَأْتِي:

(1) الْفِعْلُ الْمُضَمِّنُ كَالْقَتْلِ أَوْ إِتْلاَفِ الْمَالِ أَوِ الْغَصْبِ، فَعَلَى الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ)،وَإِنْ قِيلَ: لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) بِمَا غَرِمَ فِي إِتْلاَفِ الْمَالِ، لأِنَّهُ افْتَدَى بِالإْتْلاَفِ نَفْسَهُ عَنِ الضَّرَرِ. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ: فَيُقْتَلُ هُوَ - الْمُكْرَهُ - (بِالْفَتْحِ) وَمَنْ أَكْرَهَهُ.

(2) الزِّنَا وَمَا إِلَيْهِ: يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ)

بِالزِّنَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ حُكْمُهُ.

(3) الرَّضَاعُ: فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فِي الْمُنَاكَحَاتِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا.

(4) كُلُّ فِعْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بُطْلاَنُ الصَّلاَةِ، كَالتَّحَوُّلِ عَنِ الْقِبْلَةِ، وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَتَرْكِ قِيَامِ الْقَادِرِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالْحَدَثِ، فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِمَا تَقَدَّمَ بِرَغْمِ الإْكْرَاهِ عَلَيْهِ.

(5) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ: تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) الَّذِي تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، كَالْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) مَجُوسِيًّا، أَوْ مُحْرِمًا وَالْمَذْبُوحُ صَيْدٌ.

قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ الإْكْرَاهَ يُسَاوِي النِّسْيَانَ، فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ، إِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ، فَلاَ يَسْقُطُ تَدَارُكُهُ، وَلاَ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الإْتْلاَفِ، فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ، إِلاَّ الْقَتْلَ عَلَى الأْظْهَرِ.

أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإْكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِاخْتِلاَفِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:

أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ تَقَعُ بَاطِلَةً مَعَ الإْكْرَاهِ إِلاَّ النِّكَاحَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإْكْرَاهِ، قِيَاسًا لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِلِ.وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ مَعَ الإْكْرَاهُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ « لاَ طَلاَقَ فِي إِغْلاَقٍ »، وَالإْكْرَاهُ مِنَ الإْغْلاَقِ.

ب - وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لاَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، وَمَتَى زَالَ عَنْهُ الإْكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إِسْلاَمِهِ، وَالأْفْضَلُ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَصْبِرَ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الإْسْلاَمِ مَنْ لاَ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَأَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الإْسْلاَمِ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلاَمِهِ طَوْعًا.

أَمَّا مَنْ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ عَلَى الإْسْلاَمِ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ فَأَسْلَمَ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا.

ج - وَالإْكْرَاهُ يُسْقِطُ الْحُدُودَ عَنِ الْمُكْرَهِ، لأِنَّهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ

د - وَإِذَا أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ صَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَحَبَّ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ أَحَدِهِمَا، وَأَخْذَ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنَ الآْخَرِ أَوِ الْعَفْوَ فَلَهُ ذَلِكَ.وَيُعْتَبَرُ الْقَتْلُ هُنَا مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ.

وَالْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَهُمَا.

فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرِهَ (بِالْكَسْرِ) فَإِنَّهُ

يَكُونُ هَدَرًا، وَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ (بِالْفَتْحِ)، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الإْكْرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلاَ دِيَةَ وَلاَ قِصَاصَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.إِلاَّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَ الْمِيتَتَيْنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

أَثَرُ إِكْرَاهِ الصَّبِيِّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ:

إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ صَبِيًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ آلَةً فِي يَدِ الْمُكْرِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ.

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، اعْتُبِرَ آلَةً عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ.

وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ).

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ). وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، لاَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، لأَِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ، وَالْمُكْرِهُ (بِالْكَسْرِ) شَرِيكُ الْمُخْطِئِ، وَلاَ قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ مُخْطِئٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والعشرون ، الصفحة / 153

اشْتِرَاطُ حَمْلِ السِّلاَحِ لِحَدِّ الْحِرَابَةِ (قَطْعُ الطَّرِيقِ):

يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ الَّذِي يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سِلاَحٌ، وَالْحِجَارَةُ وَالْعَصَا سِلاَحٌ هُنَا، فَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلنَّاسِ بِالْعِصِيِّ وَالأْحْجَارِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ.

وَلاَ يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمْلَ السِّلاَحِ بَلْ يَكْفِي عِنْدَهُمُ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَوْ بِالْكَسْرِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ، أَيْ: بِالْكَفِّ مَقْبُوضَةً.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاثون ، الصفحة / 359

الْمُكَابَرَةُ وَحَدُّ السَّرِقَةِ

4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ السَّارِقِ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَابَرَةِ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَابَرَ إِنْسَانًا لَيْلاً حَتَّى سَرَقَ مَتَاعَهُ لَيْلاً فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ لأَِنَّ سَرِقَتَهُ قَدْ تَمَّتْ حِينَ كَابَرَهُ لَيْلاً فَإِنَّ الْغَوْثَ بِاللَّيْلِ قَلَّ مَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ تَمَكُّنُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَالسَّارِقُ قَدِ اسْتَخْفَى فِعْلُهُ مِنَ النَّاسِ بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ مَالاً فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ اسْتِحْسَانًا لأَِنَّ الْغَوْثَ فِي الْمِصْرِ بِالنَّهَارِ يَلْحَقُهُ عَادَةً فَالآْخِذُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ غَيْرَ مُسْتَخْفٍ لَهُ، وَذَلِكَ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي السَّرِقَةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمُكَابِرُ هُوَ الآْخِذُ لِلْمَالِ مِنْ صَاحِبِهِ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ فَلاَ قَطْعَ لأَِنَّهُ غَاصِبٌ وَالْغَاصِبُ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَابَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِهِ لَهُ مِنَ الْحِرْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِاللَّيْلِ دَارًا وَكَابَرُوا وَمَنَعُوا صَاحِبَ الدَّارِ مِنَ الاِسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  121

ب - حَدُّ السَّرِقَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ السَّارِقِ قَطْعُ يَدِهِ  لقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وَأَوَّلُ مَا يُقْطَعُ مِنَ السَّارِقِ يَدُهُ الْيُمْنَى؛ لأِنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى فَكَانَتِ الْبِدَايَةُ بِهَا أَرْدَعَ؛ وَلأِنَّهَا آلَةُ السَّرِقَةِ، فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِقَطْعِهَا أَوْلَى.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي السَّارِقِ: «إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَلأِنَّهُ فِي الْمُحَارَبَةِ الْمُوجِبَةِ قَطْعَ عُضْوَيْنِ إِنَّمَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ، وَلاَ تُقْطَعُ يَدَاهُ، وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَانِيًا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) وَلأِنَّ الْيَدَ آلَةُ السَّرِقَةِ وَالْبَطْشِ فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِقَطْعِهَا أَوْلَى، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ - وَهَذَا شُذُوذٌ يُخَالِفُ قَوْلَ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الأْمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالأَْثَرِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا سَرَقَ ثَالِثًا بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه  أُتِيَ بِسَارِقٍ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ يُقَالُ لَهُ: سَدُومُ، وَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه : إِنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ، فَحَبَسَهُ عُمَرُ، وَلَمْ يَقْطَعْهُ.

وَلِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه  أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ - الْيُمْنَى - ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ وَقَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ - الْيُسْرَى - ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ وَقَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لأِصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: قَتَلْتُهُ إِذَنْ وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، لاَ أَقْطَعُهُ، إِنْ قَطَعْتُ يَدَهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَمَسَّحُ، وَإِنْ قَطَعْتُ رِجْلَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَمْشِي، بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ، إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ لاَ أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا، وَلاَ رِجْلاً يَمْشِي عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ وَحَبَسَهُ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَالِثًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى. فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي السَّارِقِ: «إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَلأِنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَتُقْطَعُ رِجْلُ السَّارِقِ مِنَ الْمَفْصِلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ.

الرِّدْءُ فِي السَّرِقَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّدْءَ إِذَا لَمْ يَدْخُلِ الْحِرْزَ، وَلَمْ يَشْتَرِكْ فِي إِخْرَاجِ الْمَالِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ.

وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَة).