الأصل أن تقليد المفاتيح أو التغيير فيها من الأعمال التحضيرية لإرتكاب جريمة، سواء كانت سرقة أو غيرها، والأعمال التحضيرية لا عقاب عليها لذاتها إلا إذا نص المشرع على ذلك. وقد قدر المشرع أن هذا الفعل في ذاته يمثل خطورة، إذ قد يساعد في ارتكاب جريمة بإزالة عقبات تعترض تنفيذها، ولذلك اعتبر الفعل جريمة خاصة مستقلة عن جريمة السرقة، وإن عاقب عليها في صورتها البسيطة بذات العقوبة المقررة للسرقة، دون أن ينص على اعتبارها في حكم السرقة، حتى لو كان المقصود من تقليد المفاتيح - كما هو الغالب التحضير بإرتكاب سرقة، أو كانت الآلة قد طلب تصنيعها خصيصا لإستعمالها في ارتكاب جريمة أياً كانت.
أركان الجريمة :
تقع الجريمة على محل حدده المشرع بأنه مفتاح أو آلة، وتقوم بإجتماع ركن مادي وركن معنوي.
أولاً : محل الجريمة :
يلزم أن ينصب الفعل الذي تقوم به الجريمة على ما يستعمل لفتح الأشياء المغلقة من مفاتيح أو آلات، تخصص لأداء ذات الغرض الذي يؤديه المفتاح، مثل "الطفاشة" التي تستعمل لفتح الأقفال المغلقة. ولا أهمية لنوع المفتاح أو شكله أو حجمه، متى كان مخصصاً بحسب طبيعته لفتح الأماكن أو الأشياء المغلقة. ويستوي في الآلة التي تؤدي وظيفة المفتاح أن تكون كذلك بطبيعتها أو أن يكون استعمالها في الفتح على وجه عارض.
لكن تعبير الآلة لا يقتصر مدلوله بحسب عبارة النص على ما يستعمل في فتح الأماكن المغلقة، بل إن المشرع يعني كل آلة يمكن أن تستعمل في ارتكاب جريمة لم يحدد نوعها. لذلك نعتقد أنه ليس بشرط في الآلة التي يقوم المتهم بتصنيعها أن تكون مما يستعمل في الفتح، بل قد تكون مما يستعمل في الضرب أو القتل أو الإجهاض أو التزوير أو التزييف أو غير ذلك من الأفعال المجرمة. فالمشرع يجرم تصنع آلة ما توقع استعمالها في ارتكاب جريمة"، سواء كانت تستعمل في فتح المكان لارتكاب جريمة فيه، أو كانت الآلة التي جرى تصنيعها تستعمل في ذاتها وسيلة لارتكاب الجريمة كائنة ما كانت.
ثانياً : الركن المادي :
يتحقق الركن المادي بالتقليد أو التغيير في المفاتيح، أو بصنع آلة تؤدي وظيفة المفتاح، أو تستعمل في ارتكاب جريمة. والتقليد يراد به صنع مفتاح على مثال مفتاح آخر. ويقصد بالتغيير إدخال تعديل على مفتاح موجود کي يصير مماثلاً المفتاح أصلي، تمهيداً لاستعماله في فتح المكان الذي يستعمل المفتاح الأصلي الفتحه. والصنع يعني خلق شيء لم يكن له وجود، وهو يعني إنتاج آلات في حكم المفتاح، أي تصلح للفتح أو يستعان بها عليه، أو تصلح لارتكاب جريمة.
وقد استعمل المشرع فعل التقليد أو التغيير بالنسبة للمفتاح كأداة للفتح، واقتصر بالنسبة للآلة التي تستعمل في ارتكاب جريمة على فعل الصناعة أي الإنتاج؛ ومع ذلك يمكن تصور فعل التغيير بالنسبة للألة إذا كان من شأن التعديل فيها جعلها صالحة لفتح المكان أو لارتكاب جريمة معينة. والغالب فيمن يريد إستعمال آلة لارتكاب جريمة معينة أن يطلب تصنيعها في الصورة التي تحقق الغرض الذي يبغيه.
ثالثاً : الركن المعنوي :
جريمة تقليد المفاتيح أو صنع الآلات التي تستعمل في ارتكاب الجرائم جريمة عمدية، يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي. والقصد الذي تقوم به هذه الجريمة عبر عنه الشارع بتعبير "مع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة".
فالقاعدة أن تقليد المفاتيح أو التغيير فيها أو صنع الآلات لا يعد جريمة في ذاته، ولو قام بذلك شخص غير محترف لهذه الأفعال. لكن الجريمة تتحقق إذا توافر لدى المتهم أثناء التقليد أو التغيير أو الصنع للمفتاح أو الآلة، العلم بأن ما ينتجه سوف يستخدم في إرتكاب جريمة. وقد عبر المشرع عن العلم "بالتوقع"، وهو علم ينصرف إلى واقعة مستقبلة تتمثل في إستعمال المفتاح أو الآلة في إرتكاب جريمة. فإذا ثبت من الظروف والملابسات أن من قلد أو صنع المفتاح أو الأداة قد توقع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة، ولم يثنه هذا التوقع عن إتيان فعله، توافر في حقه القصد الجنائي وقامت مسئوليته عن جريمة تقليد المفاتيح. أما إذا كان الفاعل قد صنع المفتاح أو الآلة لمن طلب منه ذلك معتقداً أنه صاحب المكان الذي يراد فتحه، أو أنه يريد استعمال الآلة في غرض مشروع فلا يتوافر القصد الجنائي الديه.
ويجب أن يكون المتهم قد توقع بالفعل أن المفتاح سوف يستعمل في إرتكاب جريمة، فلا يقوم مقام التوقع الفعلي إمكان التوقع أو وجوبه، لأن الإكتفاء بإمكان التوقع أو وجوبه معناه إلزام كل من يصنع مفتاحاً أو آلة أن يتحرى عن الغرض الذي سوف يستعمل فيه هذا المفتاح أو تلك الآلة، والامتناع عن الصنع إذا توقع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة؛ وواضح أن هذا الالتزام لا يمكن أن يفرضه القانون الاستحالة الوفاء به، لا سيما بالنسبة لمن كان محترفاً صناعة مثل هذه الأشياء. وتطبيقاً لذلك لا يتوافر القصد الجنائي في هذه الجريمة لدي من صنع مفتاحاً لآخر معتقداً بحسن نية أنه مالك المكان أو مستأجره، إذا إستعمل هذا الشخص المفتاح في ارتكاب جريمة، وثبت أنه كان في استطاعة صانع المفتاح أن يتوقع استعماله في ارتكاب جريمة لو تحرى عن ذلك.
ولم يحدد المشرع الجريمة التي ينبغي أن ينصرف إليها توقع من صنع المفتاح أو الآلة، فقد يتوقع استعمال المفتاح أو الآلة في إرتكاب جريمة سرقة أو في ارتكاب جريمة أخرى؛ وقد يتوقع إستعماله في إرتكاب جريمة ما دون أن ينصرف توقعه إلى جريمة معينة. والغرض أن المتهم يتوقع عند التقليد أو الصناعة استعمال المفتاح في جريمة، دون أن تنصرف إرادته إلى مساعدة الجاني في ارتكابها عن طريق صنع المفتاح أو الآلة. أما إذا توقع استعمال المفتاح في ارتكاب جريمة، وقام على الرغم من هذا التوقع بصنعه قاصداً معاونة فاعل الجريمة، فهو شريك بالمساعدة في الجريمة التي سوف يستعمل المفتاح في تسهيل ارتكابها.
العقوبة :
قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين، وهي نفس العقوبة المقررة للسرقة في صورتها البسيطة. ومع ذلك فهذه الجريمة لم يعتبرها المشرع في حكم السرقة، وإنما نص عليها في الباب الخاص بجرائم السرقة. ويترتب على ذلك أنه لا يعاقب على الشروع فيها، لأنها جنحة لم ينص المشرع على عقاب الشروع في ارتكابها؛ كما لا تنطبق عليها الأحكام الخاصة بعقوبة السرقة فيما يتعلق بالعود أو الظروف التي تشدد عقاب السرقة.
وقد قرر المشرع ظرفاً مشدداً لعقاب جريمة تقليد المفاتيح، يتحقق إذا كان الجاني محترفة صناعة عمل المفاتيح والأقفال؛ أي إذا توافرت فيه صفة خاصة تتعلق بكونه خبيرة بصناعة المفاتيح والأقفال، وهو ما يسهل له ارتكاب الجريمة. وهذا الظرف شخصي، يترتب على توافره رفع الحد الأقصى للحبس مع الشغل إلى ثلاث سنوات.تقليد المفاتيح
علة التجريم:
نصت على هذه الجريمة المادة 324 من قانون العقوبات في قولها « كل من قلد مفاتيح أو غير فيها أو صنع آلة ما مع توقع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين أما إذا كان الجاني محترفا ص ناعة عمل المفاتيح والأقفال فيعاقب بالحبس مع الشغل » وهذه الجريمة ليست صورة من السرقة أو من المساهمة فيها، بل أن القانون لم ينص على جعلها في حكم السرقة ولهذه الجريمة صورة بسيطة، ولها إلى جانب ذلك صورة مشددة .
وتقليد المفاتيح أو التغيير فيها عمل تحضيري للسرقة أو لجريمة أخرى، وعلى هذا الوصف لا عقاب عليه . ولكن الشارع قدر أنه يمثل خطورة في ذاته، إذ يقدم عونا لارتكاب جريمة، وبدونه كان ارتكابها يستحيل أو تعترضه صعوبات؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن المتهم الذي توقع استعمال المفتاح المقلد أو المغير في ارتكاب جريمة فلم يثنه ذلك عن فعله تنطوي شخصيته على خطورة .
أركان الجريمة، تقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة : موضوع، هو مفتاح أو آلة في حكم المفتاح ؛ ورکن مادی، قوامه فعل التقليد أو التغيير ؛ وركن معنوي يتخذ صورة القصد الجنائي .
المفتاح أو الآلة. يمكن إجمال موضوع الجريمة بأنه « آلة أو أداة مخصصة بحسب طبيعتها أو بحسب العرف لفتح الأقفال » والمفتاح هو المثال الواضع الأداة يصدق عليها هذا التعريف، ولكن الشارع لم يقصر موضوع الجريمة عليه، بل جعله شاملاً كل آلة لها ذات التخصيص ويسرى النص على جميع المفاتيح: ويستوي أن يكون المفتاح مخصصاً لفتح الباب الخارجي لمبنى أو باب إحدى غرفه أو لفتح خزانة . وسواء أن يكون أسلوبه في الفتح بدائياً أو متطوراً ويشمل تعبير « الآلة » الذي استخدمه الشارع كل « أداة لها تخصيص المفتاح »، سواء أكان التخصيص أصلياً لأنها صنعت من أجل ذلك أم كان عارضاً جرى به العرف، ويستوي في هذه الحالة الأخيرة أن يكون هذا العرف عاما أو محصوراً لدى من يزاولون مهنة معينة، كصناع الأقفال أو المجرمين كالطفاشة .
التقليد أو التغيير: يقوم الركن المادي لهذه الجريمة بأحد فعلين : التقليد أو التغيير . والتقليد له ذات دلالته في النصوص الأخرى التي استعمله الشارع فيها : فهو صناعة مفتاح على مثال مفتاح آخر، وهو ما يفترض تشكيل المتهم مادة خاماً – قد تكون معدناً أو سواه - لتصير مماثلة المفتاح معين ومؤدية وظيفته في فتح قفل معين . والتغيير يعني إدخال تعديل على مفتاح كي يصير مماثلاً لمفتاح آخر، وصالحاً تبعاً لذلك لفتح القفل الذي أعد له ذلك المفتاح . ويستوي نوع التعديل ومداه وأسلوب تحقيقه .
وفعلا التقليد والتغيير متصوران بالنسبة للآلة التي هي في حكم المفتاح كما أنهما يتصوران بالنسبة للمفتاح ذاته . ومع ذلك فقد عبر الشارع بلفظ « صنع » عن الفعل الذي ينصب على الآلة، والصناعة هي التقليد. ويتصور التغيير بالنسبة للألة، كما لو كانت بحسب أصلها غير معدة لفتح الأقفال، ولكنها صارت صالحة لذلك بعد تعديل أدخل عليها.
القصد الجنائي :
عبر الشارع عن القصد الجنائي المتطلب في هذه الجريمة بتعبير « مع توقع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة ». ونحدد فيما يلى عناصر القصد :
يجب أن يعلم المتهم أن من شأن فعله تقليد مفتاح أو آلة لها حكم المفتاح أو التغيير فيها، وأن يعلم أن نتيجة ذلك وجود مفتاح أو آلة صالحة الفتح قفل غير الذي أعد له ؛ وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن تتجه إرادته إلى هذا الفعل ونتيجته . وبهذين العنصرين يقوم القصد العام وفقاً للقواعد العامة. ولكن الشارع لم يكتف به بل تطلب أن يكون المتهم «قد توقع استعمال المفتاح أو الآلة في ارتكاب جريمة ». ويقوم بهذا التوقع « قصد خاص »، باعتباره ينصرف إلى واقعة ليست من مادیات هذه الجريمة ويعني التوقع العلم الذي انصرف إلى واقعة مستقبلة، هي جريمة ترتكب فيما بعد عن طريق هذا المفتاح أو الآلة . ويتعين أن يتوافر لدى المتهم التوقع الفعلي، ولا يكفي مجرد إمكانه ووجوبه . وتطبيقا لذلك، فإنه إذا صنع شخص لآخر مفتاحاً معتقداً أنه الحائز الشرعي للمكان الذي يريد أن يفتحه به، فلا يسأل عن هذه الجريمة، ولو ثبت أنه كان في استطاعته لو تحرى عن ذلك أن يتوقع أنه سوف يستعمله في ارتكاب جريمة . ويفترض الشارع أن التوقع انصرف إلى جريمة ما، أي جريمة غير محددة ويستنتج ذلك من ضرورة رسم الحدود الفاصلة بين نطاق هذه الجريمة ونطاق الاشتراك بالمساعدة في الجريمة التي يستعمل المفتاح أو الآلة في تسهيل ارتكابها: ذلك أنه إذا توقع المتهم جريمة معينة سوف يستعمل المفتاح في تسهيل ارتكابها ومع ذلك أقدم على فعله مريدا معاونة فاعلها فهو شريك فيها بالمساعدة . وعلى هذا النحو نستطيع القول بأن القصد في جريمة تقليد المفاتيح يتطلب عنصراً سلبياً، هو ألا يتوقع المتهم جريمة معينة ولا تنصرف إليها إرادته . ويفرض المنطق القانوني أن يسوي بين الجرائم كافة، فيستوي أن يتوقع المتهم استعمال المفتاح في ارتكاب سرقة أو ارتكاب أية جريمة أخرى كاتلاف أو انتهاك حرمة ملك الغير أو قتل ...، بل يجوز أن يكون ما توقعه هو استعماله في ارتكاب جريمة لم يحدد نوعها، فكان يتوقع استعماله في سرقة أو إتلاف دون أن يكون لديه سبب لترجيح أحد الاحتمالين على الآخر.
وإذا كان القصد يتطلب توقع استعمال المفتاح أو الآلة في ارتكاب جريمة، فمؤدي ذلك أنه يكتفي بهذا التوقع، فلا يتطلب انصراف الإرادة إلى ذلك الاستعمال .
ويخرج من نطاق النص حالة ما إذا توقع المتهم أن المفتاح الذي يصنعه أو يغير فيه سوف يخصص لاستعمال مشروع، وأبرز مثال لذلك أن يأتي فعله لحساب مالك المكان الذي يراد استعمال المفتاح لفتح بابه، ويستوي بالمالك الحائز الشرعي كمستأجر المكان وينتفي القصد كذلك لدي من صنع المفتاح لحساب شخص غير الحائز الشرعي، إذا اعتقد أنه الحائز الشرعي أو اعتقد أنه يعمل لحسابه . وينتفي القصد في النهاية لدى شخص يقلد المفتاح الإثبات مهارته في التقليد أو لاستكمال مجموعة فنية لديه، فكان بذلك لا يتوقع أي استعمال غير مشروع للمفتاح .
وتستوي البواعث لدى المتهم، فسواء أن يكون باعثه تقاضى أجر أو أداء خدمة مجانية لشخص أو توقى غضبه إذا رفض صناعة المفتاح .
عقوبة الجريمة، حدد الشارع لهذه الجريمة عقوبة الحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين . وهذه الجريمة ليست سرقة أو في حكم السرقة . ويترتب على ذلك أنه لا عقوبة على الشروع فيها، ولا تعتبر مماثلة للسرقة في تطبيق أحكام العود، ولا توقع عقوبة مراقبة البوليس في حالة العود، ولا تشدد هذه العقوبة إذا توافر أحد الظروف المشددة التي تشدد عقوبة السرقة .
الظرف المشدد : نص الشارع على هذا الظرف المشدد في قوله « أما إذا كان الجاني محترفا صناعة عمل المفاتيح والأقفال فيعاقب بالحبس مع الشغل » . والعنصر الوحيد الذي يقوم على هذا الظرف مستمد من صفة الجاني، وكونه يحترف صناعة عمل المفاتيح والأقفال . وعلة تشديد العقاب بناء عليه أن من شأنه أن يصير ارتكاب الجريمة سهلاً بما يوفره للمتهم من خبرة، ثم أنه يغلب أن يأتي فعله نظير أجر مما يعنى دناءة بواعثه وهذا الظرف شخصی، ومن ثم يخضع لجميع أحكام هذا النوع من الظروف . والاحتراف يعني ممارسة هذا العمل على وجه من الاعتياد نظير أجر . ولكن لا يشترط أن يكون ذلك العمل هو الحرفة الوحيدة للمتهم . والأثر المترتب على توافر هذا الظرف هو أن توقع عقوبة الحبس مع الشغل بين حديها العامين .(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة : 1081)
ولهذه الجريمة ركنان : الركن المادي والركن المعنوي :
الركن المادي :
ويتمثل في إحدى صور ثلاثة : تقليد المفاتيح، ويقصد به صنع مفتاح مماثل لمفتاح آخر، وتغيير المفاتيح، ويقصد به عمل تعديل في مفتاح حتی يصلح لفتح شیء، وصنع آلة ما، ويقصد بذلك صنع شيء يستخدم في الفتح.
الركن المعنوي
ويتمثل في إرادة تقليد المفتاح أو تغييره أو صنع الآلة مع توقع الجاني استعمال المفتاح أو الآلة في ارتكاب جريمة، فإذا انتفى هذا التوقع انتفى القصد الجنائي في هذه الجريمة، مثال ذلك أن يصنع مفتاحاً لباب مكان معين بناء على طلب شخص يعتقد أنه مالك أو حائز شرعی لهذا المكان، ولو كان اعتقاده خاطئاً.
ولم يحدد المشرع طبيعة الجريمة التي يتطلب توقع الجانی استعمال المفتاح أو الآلة فيها، ومع ذلك فإن الجريمة المقصودة في هذا النص هی جريمة السرقة أو إحدى الجرائم الملحقة بها كجريمة اختلاس الأشياء المحجوز عليها أو المرهونة . وهذا التحديد مستنتج من عدة أمور : أولاً : الصلة الوثيقة التي بين تقليد المفاتيح وبين جريمة السرقة، ثانياً: كون المشرع قرر لجريمة تقليد المفاتيح ذات العقوبة المقررة للسرقة، ثالثاً: إيراد النص الخاص بتقليد المفاتيح في باب السرقة، فإذا كان المشرع قد رأى المعاقبة على تقليد المفاتيح أياً كانت الجريمة التي توقع الجاني استعمالها فيها، لكان قد وضعه في الكتاب الأول من قانون العقوبات الذي يتضمن الأحكام العامة، وهو السبيل الذي طرقه بشأن النص على جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة (المادة 44 مكرراً) .
بتوافر هذين الركنين، تقوم الجريمة، فيستحق الجاني العقاب دون توقف على كون المفتاح المقلد أو المغير أو الآلة قد استعمل في ارتكاب الجريمة فعلاً أو لم يستعمل، أما إذا كان الجاني يعلم أن المفتاح أو الآلة سيستعمل في ارتكاب سرقة معينة، ثم ارتكبت هذه الجريمة باستعمال المفتاح المقلد أو المغير أو الآلة، فإنه يعتبر شريكاً بالمساعدة في الأعمال المسهلة لجنحة السرقة المشددة (المادة 2/317).
العقوبة :
يقرر المشرع عقابا عن جريمة تقليد المفاتيح عقوبة الحبس مع الشغل مدة لاتزيد على سنتين . ويشدد العقاب فيجعله الحبس مع الشغل إذا كان الجاني محترفاً صناعة عمل المفاتيح والأقفال، ويبرر هذا التشديد استغلال الجاني حرفته في ارتكاب الجرائم.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 841)
تقليد المفاتيح في حد ذاته عمل تحضيري ولا يعاقب عليه في الأصل بحسب القواعد العامة ولكن الشارع رأى أن يجعل هذا الفعل جريمة من نوع خاص وهذا الجريمة مكونة من ركنين فعل مادى وهو تقليد المفاتيح أو تغييرها أو صنع آلة ما وركن أدبي وهو توقع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة.
أما التقليد فيراد به الاصطناع فمن صنع مفتاحاً على مثال مفتاح آخر عد مقلداً طبقاً للمادة محل التعليق وأما التغيير فيراد به ادخال تعديل على مفتاح قديم اليصير صالحاً لفتح شئ غير الذي أعد له في الأصل ولم يقتصر القانون علی هاتين الحالتين بل يعاقب أيضاً على صنع أية آلة تصلح للفتح أو تساعد عليه.
ولابد أن يكون هذا التقليد أو التغيير أو الاصطناع مقترناً بقصد جنائي وهو أن يتوقع المقلد استعمال المفاتيح المقلدة أو المغيرة في ارتكاب جريمة فلا عقاب إذا كان الصانع قد صنع المفاتيح بناء على طلب صاحب الدار أو المكان المطلوب له المفتاح كما أنه لايعاقب إذا اعتقد بحسن نية أن طالب المفتاح هو المالك الحقيقي. ولم يبين الشارع نوع الجريمة التي صنع المفتاح تسهيلاً لارتكابها ومع عموم النص يمكن معاقبة كل من يقلد مفتاحاً ولكن ورود النص في باب السرقة يفيد أن الشارع يقصد جريمة السرقة مثل غيرها والواقع أن استعمال المفاتيح المقلدة أكثر ارتباطا بجريمة السرقة منه بغيرها.ويلاحظ أن الفاعل يؤاخذ بمقتضى المادة 324 سواء وقعت السرقة أو لم تقع وإذا كان يعلم أن المفتاح أو الآلة ستستعمل في سرقة معينة ووقعت السرقة بناء على استعمال المفتاح المصطنع كان الفاعل شريكاً بطريق المساعدة في الأعمال المسهلة للسرقة ووجب تطبيق المادة 317/ 2 عليه مع المادتين 40، 41 أما إذا لم تقع السرقة أو يشرع فيها على الأقل فلا يكون هناك محل لتطبيق قواعد الاشتراك في السرقة ولا يبقى إلا تطبيق المادة 324 وهي لم تفرق بين ما إذا كانت السرقة معينة أو غير معينة.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الرابع، الصفحة : 186)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 283
(مادة 580)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين كل من صنع أو قلد أو حاز مفاتيح أوغيرها ، بقصد إستعمالها في جريمة سرقة ، أو كان عالماً أنها ستستخدم في ذلك .
وتكون العقوبة الحبس إذا كان الجاني يحترف صنع هذه الأشياء .
الجرائم الواقعة على المال
الفصل الأول
السرقة وما في حكمها، والاغتصاب والابتزاز
المواد من (567) - (584) :
تقابل مواد هذا الفصل المواد من (311) - (326) من القانون القائم ، معدلة بالقوانين أرقام (39) لسنة 1939 ، (13) لسنة 1940 ، (64) لسنة 1947 ، (424) لسنة 1954 ، (112) لسنة 1956 ، (136) لسنة 1956 ، (14) لسنة 1973 ، (59) لسنة 1977 ، (90) لسنة 1980 ، وأهم سمات المشروع ما يلي :
1- المادة (355) من المشروع عرفت السرقة بأنها إختلاس منقول مملوك لغير الجاني بقصد إمتلاكه، ثم عددت الحالات التي يتحقق فيها الإختلاس إضافة لحالات جديدة وتقنيناً لما استقر عليه القضاء المصري، فالفقرة الثانية من المادة تعرض لما يعد إختلاساً، وبأنه كل فعل يخرج به الجاني المال من حوزة غيره دون رضائه ولو عن طريق غلط وقع فيه الغير ، وذلك لإدخاله في حيازة أخرى ، كما نصت الفقرة الثالثة على قيام جريمة السرقة إذا كان الفاعل لا يملك الشيء المسروق وحده بل كان شريكاً على الشيوع فيه.
كما وأن الفقرة الأخيرة أوضحت أنه يعتبر منقولاً في تطبيق أحكام السرقة ، المنقول حسب المال ، وكذلك القوى الطبيعية كهربائية أو مائية أو ضوئية ، وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى ، ليتسع بذلك معنى المنقول ليواكب التقدم العلمي وما قد يأتي به مستقبلاً من مخترعات ما دامت تشکل قوة أو طاقة محرزة .
2- جعل المشروع من الإكراه أو التهديد بإستعمال السلاح ، أو إستخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها قسائم متساوية ، بعد أن ثار خلاف بين الفقه والقضاء في إعتبار التهديد بإستعمال السلاح قرين الإكراه ، حيث يغفل الشارع ذكر التهديد بإستعمال السلاح ونزولاً على آراء الفقه ما استقر عليه القضاء من تعريف الإكراه بأنه كل وسيلة قسرية تعدم أو تقلل قوة المقاومة عند المجني عليه أو الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه ، فقد نص المشروع على إعتبار استخدام أية وسيلة تعدم المقاومة أو تنقص منها ، نوعاً من الإكراه وصورة من صور أعمال القسر ، فمن يستعمل عقاقير أو جواهر مخدرة ليعدم قوة المقاومة لدى المجني عليه أو ينقص منها ؛ ليتمكن بذلك من إختلاس المنقول - يعد مستعملاً لطرق قسرية ، وبداهة أن هذا الحكم يسري في شأن الغير الذي يقاوم الجاني لصالح المجني عليه في السرقة .
3- المادة (571) من المشروع استحدثت حكماً بمقتضاه تكون العقوبة بالإعدام للجرائم المبينة في المواد الثلاث السابقة عليها ، إذا ترتب على الإكراه أو التهديد أو إستخدام وسيلة مما ذكر في هذه المواد - موت شخص ، وذلك زجراً وردعاً للجناة في هذه الجرائم الخطيرة .
4 - المادة (573) من المشروع تقابل المادة (317) من القانون القائم ، وقد بين المشروع فيها الظروف المشددة لجنحة السرقة ، وأضاف إليها من تلك الظروف ما تستلزمه المصلحة العامة ، وقد أبانت عنها اثنتا عشرة فقرة تباعاً ، روعي في صياغتها الوضوح والدقة والبعد عن اللبس ، بما لا يحتاج إلى إضافة .
5- المادة (574) من المشروع تبين حالات السرقة الإعتبارية ، وهي إختلاس مالك المنقول له بعد أن كان قد رهنه لدين عليه أو على غيره ، كذلك من يعثر على شيء أو حيوان مفقود ولم يرده إلى صاحبه ، أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام إذا إحتبسه بنية تملكه ، وهذه الفقرة الأخيرة تقابل (321) مکرراً من القانون القائم ، مضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ، وقد حلت هذه المادة محل دكريتو الأشياء الفاقدة بعد إدخال التعديل عليه حتى يكون النص أكثر إنضباطاً ، ثم سوى المشروع في الحكم بين العثور على الشيء المفقود والإستيلاء على مال ضائع ، أو وقع في حيازته بطريق الغلط أو الصدفة.
هذا وقد عرضت الفقرة الأخيرة من المادة لسرقة الحاصلات والثمار الزراعية التي لم تنقل من الحقل أو البستان ، فأجاز الحكم بعقوبة الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه ، ومناط إعمال هذه الإجازة أن لا يبارح الجاني مكان وجود هذه الحاصلات أو الثمار ، فهي قاصرة في الواقع على من يأكل هذه الأشياء في الحقل أو البستان .
6- المادة (576) من المشروع مستحدثة بما تضمنته من جواز إضافة عقوبة الجلد أربعين جلدة إلى العقوبات المبينة في المواد السابقة عليها ، وغني عن البيان أن الأربعين جلدة تمثل الحد الأقصى لعقوبة الجلد، ومن ثم جاز للقاضي أن ينزل عن ذلك والعقوبة مستوحاة من عقوبة الجلد في الشريعة .
7- المادة (577) من المشروع مستحدثة وقصد منها حماية الأحداث من التغرير بهم ودفعهم إلى إرتكاب جرائم السرقة ، وتتحقق الجريمة قبل الجاني بمجرد تحريض الحدث - وهو من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره - فإن أتى التحريض ما قصده الجاني منه عد شریكاً بالتحريض للحدث .
8- المادة (578) من المشروع تقابل المادة (323) مکرراً أولاً من القانون القائم مضافة بالقانون رقم (90) لسنة 1980 ، واتسع حكمها ليشمل إلى جانب السيارة الدراجة ، أو أية آلة ميكانيكية ، أو دابة من دواب الجر، أو الركوب أو العمل ، متى تم الإستعمال أو الإستخدام بغير موافقة المالك ، وهذه الجريمة سرقة إعتبارية؛ لأنها ترد على المنفعة وليس ملكية الشيء ، كما أنها مجردة من نية التملك، فإن لابستها هذه النية كانت الجريمة سرقة حقيقية لا مراء فيها .
9- المادة (581) من المشروع تقرر ظرفاً مشدداً للجنح المنصوص عليها في هذا الفصل ، يترتب على توافره تغليظ العقوبة برفعها إلى ضعف المقررة لها ، وذلك متى وقعت الجريمة المعنية بإنتهاز الجاني حدوث هياج أو فتنة أو حريق أو أية كارثة أخرى ، فإن لم يكن الجاني قد إنتهز ظرفاً مما ذكر ، كان عاقداً العزم على السرقة ، ثم تصادف حدوث شيء مما ذکر - فلا يعد ذلك ظرفاً مشدداً قبله ، بمعنى أنه يجب أن تقوم في ذهن الجاني فكرة الجريمة بالنظر إلى حادث مما ذكر ، وأنه ما كان يفعل لولا هذا الحادث .
10 - المادة (582) من المشروع صيغت بوضوح لتشمل مطلق السند وعمومه دون تمثيل بأنواع تدخل في عمومه كما يفعل التشريع القائم في المادة (325) منه ، ويأخذ ذات الحكم تعديل السند أو إلغاؤه أو إتلافه أو توقيعه لإتحاد الحكمة من التجريم في جميع هذه الحالات ، على أن مناط العقاب هو الحصول على شيء مما عدده النص بالقوة أو التهدید آیاً كان نوعه مادياً أم أدبياً ، أم بإستخدام أية وسيلة قهرية ، فالعبرة إذن في هذه الوسائل أن تؤثر أو يكون من شأنها أن تؤثر في رضاء المجني عليه ، فيذعن لمطالب الجاني ، وما كان ليذعن لولا إستخدامها قبله ، أو أن تسلبه إرادته .
واستحدثت الفقرة الثانية من المادة ظرفاً مشدداً برفع العقوبة إلى السجن المؤبد أو المؤقت إذا نشأ عن الفعل جروح ، فإن نشأ عن الفعل موت شخص كانت العقوبة الإعدام ، وعلى هذا نصت الفقرة الأخيرة من المادة .
11 - المادة (583) من المشروع تعاقب على إبتزاز مال الغير بالتهديد ، ويستوي في حكمها أن يكون هذا المال غير مملوك بالكامل للجاني ، فإن كان المال مملوكاً له بالكامل انحسر تطبيق النص عليه ، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة إلى ظرف مشدد يترتب عليه مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ، هذا ويعاقب المشروع على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة التامة .
12 - المادة (584) من المشروع تعرض لقيود رفع الدعوى الجنائية في جرائم هذا الفصل وقد رئي أخذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك» عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية في جريمة من جرائم هذا الفصل قبل الأب، وإن علا، وسار المشروع على هذا النهج بالنسبة لجرائم الأموال التي أفصح عنها فيما بعد ، على أنه من المفهوم إذا صاحبت الجريمة أفعال يؤثمها القانون فإن الحظر يقتصر على جريمة السرقة دون غيرها من الأفعال .
أما إذا وقعت الجريمة من أحد الزوجين على مال الآخر ، أو من أحد الفروع على مال الأصول - فإن الدعوى لا تقام إلا بناء على شكوى من المجني عليه الذي يملك التنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجنائية بهذا التنازل متى لم يكن قد صدر في الدعوى حكم بات ، فإن كان قد صدر كان للمجني عليه أن يمنع تنفيذه أو الإستمرار في تنفيذه إن كان قد بدء في تنفيذه .
13- اقتضى المنهج الذي سلكه المشروع تبويب أحكام هذا الفصل ، ونقل الأحكام المقررة لإختلاس الأشياء المحجوزة قضائياً أو إدارياً ، والتهديد الكتابي والشفهي بواسطة شخص آخر إلى مواضعها الطبيعية المناسبة في المشروع .