(الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009)
واجبات العمال ومساءلتهم
يتضمن المشروع في المادة (56) منه النص على واجبات العمال مضيفاً بعض الواجبات إلى الواجبات الواردة في القانون القائم وبعض الواجبات الواردة في قانون نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 م، ويشار في هذا الصدد إلى إلزام العامل باتباع النظم التي يضعها صاحب العمل لتنمية مهارته وخبراته علمياً وثقافياً أو لتأهيله للقيام بعمل يتماشى مع التطور التقني في المنشأة، تمشياً مع ما ورد بالمادة (76) والتي أجازت لصاحب العمل تدريب العامل وتأهيله للقيام بعمل مختلف يتماشى مع ذلك التطور .
ويحرص المشروع في المادة (57) منه على بيان ما يحظر على العامل إتيانه بنفسه أو بواسطة غيره، ويلاحظ أن أحكام هذه المادة مستقاة في مجموعها من أحكام المادة (79) من القانون رقم 48 لسنة 1978 المشار إليه .
ويضيف المشروع في المادة (59) ضمانة جديدة إلى ضمانات التأديب، يشترط بموجبها في الفعل الذي يجوز مساءلة العامل عنه تأديبياً أن يكون ذا صلة بالعمل، كما يستحدث النص على أن تحدد لائحة الجزاءات المخالفات التي تستوجب توقيع جزاء من الجزاءات المبينة في المادة (60) بما يحقق تناسب الجزاء مع المخالفة، أخذاً با استقرت عليه أحكام القضاء واتفاقاً مع قواعد العدالة، كما تضيف الفقرة الثالثة من نفس المادة حكماً لا يجوز بمقتضاه توقيع جزاء تأديبي على العامل بعد تاریخ ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً .
وتحدد المادة (60) الجزاءات التأديبية التي توقع على العامل دون غيرها حيث يرد النص على بيان الجزاءات التأديبية في صلب القانون وليس في قرار وزاري نظراً لخطورة ممارسة السلطة التأديبية من ناحية واستقراراً للقواعد الخاصة بها من ناحية أخرى .
ويتجه المشروع إلى زيادة عدد الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العمال الذي يخلون بالتزاماتهم لتيسير تطبيق مبدأ تناسب الجزاء مع قدر جسامة المخالفة المرتكبة، ويستهدي المشروع في ذلك بما جاء بالمادة (82) من القانون رقم 48 لسنة 1978 في شأن العاملين بالقطاع العام، والقانون رقم 137 لسنة 1981 والقرارات الوزارية المنفذة له، وفي هذا الصدد رؤي استخدام عبارة " الخصم" بدلاً من " الغرامة "، وألغيت عقوبة الوقف عن العمل اکتفاء بعقوبة الخصم من الأجر، وذلك حسماً للخلاف الفقهي الذي أثير حول مضمون الجزاءين ومدی تعارضهما ومدى إمكانية تطبيقهما معاً، کما رؤي استبعاد الإنذار الكتابي بالفصل كجزاء مع الإبقاء عليه باعتباره إجراء من إجراءات الفصل وهو ما ينبغي أن يكون واضحاً في لائحة الجزاءات الخاصة بالمنشأة الصادرة تنفيذاً لأحكام المادة (58) .
ويلاحظ أخيراً من حيث الصياغة استخدام عبارة (الجزاء) بدلاً من عبارة (العقوبة) التي وردت ببعض النصوص في القوانين السابقة .
وتحظر المادة (61) على صاحب العمل أن يوقع على العامل عن المخالفة الواحدة جزاء الخصم الذي يزيد على أجر عشرة أيام وأن يقتطع من أجر العامل وفاءً للجزاءات التي يوقعها أكثر من أجر خمسة أيام في الشهر الواحد .
فإذا حدد الخصم بنسبة محددة من الأجر اعتبر أن المقصود بالأجر هو الأجر اليومي للعامل .
وتحدد المادة (63) حالات العود وتشديد الجزاء وتستبقي القواعد العامة الواردة في القرارات الوزارية بشأن اللائحة النموذجية لتنظيم العمل واللائحة النموذجية للجزاءات .
وتضيف المادة (64) حكماً جديداً يلزم صاحب العمل بأن يبدأ التحقيق مع العامل خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ اكتشاف المخالفة، كما يجيز للمنظمة النقابية التي يتبعها العامل أن تنيب ممثلاً عنها لحضور التحقيق ويقصد بممثل النقابة عضواً من أعضائها أو محام تنيبه عنها .
على أنه يجوز بالنسبة لجزاءي الإنذار والخصم من الأجر الذي لا يزيد مقداره على أجر ثلاثة أيام أن يكون التحقيق شفاهة مع إثبات مضمونه في القرار الذي يقتضي بتوقيع الجزاء، وذلك تيسيراً للإجراءات وتوفيراً للضمانات اللازمة للعامل في آن واحد .
وتستحدث المادة (65) من المشروع إجازة إجراء التحقيق بمعرفة صاحب العمل والذي يعهد به إلى إدارة الشئون القانونية بالمنشأة، أو إلى أي شخص آخر من ذوي الخبرة في هذا المجال، بشرط ألا يقل المستوى الوظيفي للمحقق عن مستوى العامل المنسوب إليه المخالفة، وتتسق هذه المادة مع حكم المادة (83) من القانون رقم 48 لسنة 1978 في شأن العاملين بالقطاع العام .
کما تستحدث المادة (66) حكماً يجيز لصاحب العمل أن يوقف العامل عن عمله مؤقتاً إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك مع صرف أجره کاملاً، فإذا وقع على العامل جزاء الفصل انتهت خدمته من تاريخ وقف، مع احتفاظه بما تقاضاه من أجر .
وتتضمن المادة (68) من المشروع ذات الأحكام الواردة في القرارات الوزارية بالنسبة لما تجيزه لصاحب العمل أو وكيله المفوض أو لعضو مجلس الإدارة المنتدب بشأن توقيع الجزاءات التأديبية، كما تجيز لمدير المنشأة توقيع جزاءي الإنذار والخصم من الأجر الذي لا يزيد مقداره على أجر ثلاثة أيام .
وتضيف المادة (69) حكماً يجيز لصاحب العمل فصل العامل إذا أخل بالأحكام الواردة بالباب الخامس من الكتاب الرابع .
(الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الرابع)
وأضاف المشروع نصاً جديداً لضمانات التأديب (مادة 59) والتي أصبح بموجبها يشترط في الفعل الذي يجوز مسألة العامل عليه تأديبياً أن يكون ذا صلة بالعمل وكذلك قرر أن تحدد لائحة الجزاءات المخالفات التي تستوجب توقيع جزاء من الجزاءات المبينة في المادة (60) من المشروع مع مراعاة تناسب الجزاء مع المخالفة وفكرة تناسب الجزاء والمخالفة مستحدثة في القانون ولكنها مأخوذة مما استقرت عليه أحكام القضاء تأكيداً لضرورتها من جهة واتفاقاً مع قواعد العدالة من جهة أخرى وأضافت الفقرة الثالثة من نفس المادة أنه لا يجوز توقيع جزاء تأديبي عن فعل لم يرد بلائحة الجزاءات أو توقيع جزاء تأديبي على العامل بعد تاريخ ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً .
1 ـ وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى ببطلان ذلك الجزاء الموقع على المطعون ضده مستنداً في ذلك إلى تطبيق أحكام قانون العمل لتوقيعه بعد تاريخ انتهاء التحقيق في المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً عملاً بنص المادة 59 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض المحكوم به رغم أن المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن البطلان الذي يشوب الجزاء التأديبي بسبب ما لحقه من عيب شكلي لا يستتبع حتماً القضاء للعامل بالتعويض عن فسخ العقد بغير بحث في صحة الأسباب التي بنى عليها هذا الفسخ ، وهو ما حجبه عن استظهار وتطبيق نصوص لائحة نظام العاملين بالشركة رقم 763 لسنة 1999 ولائحة الجزاءات التأديبية رقم 795 لسنة 1999 - والمنطبقتين على الواقعة – لما نسب للمطعون ضده الأول في غضون عام 2001 – فإنه يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون قد شابه القصور في التسبيب.
الطعن رقم 9912 لسنة 81 ق - جلسة 17 / 2 / 2019 )
2 ـ مفاد النص في المادة الأولى من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام والمواد 44 من قانون شركات قطاع الأعمال العام والمادتين 58 ، 61 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 والمادة 97 / 4 من لائحة نظام العاملين بالشركة الطاعنة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن لصاحب العمل فسخ عقد العمل لإخلال العامل بأحد التزاماته الجوهرية المترتبة على هذا العقد ومرد ذلك أن عقد العمل مُلزم لطرفيه ويرتب في ذمتهما التزامات متبادلة تسوغ لأحدهما التحلل من رابطة العقد إذا امتنع الطرف الآخر عن تنفيذ التزاماته أو أخل بها بشرط أن يكون ذلك راجعاً إلى خطئه سواء عن عمد أو إهمال وقد جاء هذا النص عاماً يشمل جميع حالات إخلال العامل بالتزام من التزاماته المترتبة على عقد العمل . وكانت المادة 58 من قانون العمل سالف الذكر تنص على أنه " يجب على العامل 1ـ أن يؤدى العمل بنفسه تبعاً لتوجيه وإشراف صاحب العمل الخاصة وطبقاً لما هو محدد بالعقد ووفقاً لأحكام القانون وأنظمة العمل وعقوده الجماعية وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد . 2ـ أن يأتمر بأوامر صاحب العمل بتنفيذ العمل المتفق عليه الذى يدخل في عمله أو مهنته إذ لم يكن في هذه الأوامر ما يخالف العقد أو القانون أو الآداب ٠٠٠٠ " ومقتضى ذلك أنه يجب على العامل أداء عمله بدقة وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد كما أنه يلتزم بتوجيهات صاحب العمل وما يأمره به في تنفيذ العمل المنوط به بمقتضى عقد العمل طالما أن ذلك لا يخالف أحكام العقد أو القانون أو النظام العام والآداب .
(الطعن رقم 5470 لسنة 75 ق - جلسة 9/ 3/ 2006 )
3 ـ تقدير قيام المبرر لفصل العامل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما يستقل به قاضى الموضوع . وإذا كانت محكمة الموضوع قد إنتهت في حدود سلطتها التقديرية ولما ساقته من تدليل سائغ إلى عدم تناسب جزاء الفصل الموقع على المطعون ضده مع ما بدره من إهمال مما يجعل فصله مشوباً بالتعسف ، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه هذا الشأن يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 5470 لسنة 75 ق - جلسة 9/ 3/ 2006 )
السلطة التأديبية لصاحب العمل
- يعطي قانون العمل لصاحب العمل سلطة تأديب عماله ولقد نظم الفصل الثاني من الباب الخامس من قانون العمل قواعد تأديب العمال بعد أن أوضح واجباتهم، مما يعني أن التأديب جزاء الإخلال بالالتزام الوارد في القانون، أو اللائحة على ما سنرى، ودون أن ندخل في نقاش حول أساس تلك السلطة، فإننا نكتفي بالتأكيد أن سلطة الأمر والإدارة تصبح ذي قيمة إذا لم تحترم عن طريق توقيع جزاء على من يخالفها، ولكن ألا يكفي أن يتمثل الجزاء في الجزاءات المدنية التي توقع عند مخالفة الالتزامات العقدية، ولماذا الحاجة إلى سلطة تأديب؟
قضت محكمة النقض بأن سلطة صاحب العمل التأديبية قائمة بموجب علاقة العمل ولا ترتبط بلائحة جزاءات ولا بنص تشريعي يقررها ولا على النظام القانوني الذي يحكم عقد العمل فيكون له سلطة التأديب، إلا أنه يتقيد بقواعد التأديب المنصوص عليها في قانون العمل والقرارات الوزارية الصادرة نفذاً له.
لا جدال أن المشروع وهو جماعة منظمة، لا تستقيم الحياة فيه إلا بفرض احترام الأوامر، حتى يتمكن من تحقيق هدفه، وهذا يستوجب قيام سلطة عليا بفرض احترام الأوامر وتخويلها السلطات اللازمة في هذا الصدد، فالسلطة التأديبية أمر ضروري في كل جماعة من أجل أن يسود فيها النظام، ولهذا فإن تلك السلطة ليست مقصورة على علاقات العمل الخاص بل تسري في مجال عمال الحكومة والقطاع العام، مع الاختلاف في التفاصيل.
وتتميز السلطة التأديبية بأن صاحب العمل هو الذي يستقل بتوقيع الجزاء، فهو الخصم والحكم، ومن هنا كان لابد من إحاطة ممارسة تلك السلطة بعدة ضمانات حماية للعامل ولكفالة العدالة .
الخطأ التأديبي
تعريف الخطأ التأديبي :
- الخطأ التأديبي هو كل مخالفة للأوامر والتعليمات والقواعد العامة المتعلقة بتنظيم العمل في المنشأة والتي يستقل بتقديرها وتحديدها صاحب العمل سواء من الناحية الاقتصادية أو الفنية، ومخالفة هذه التعليمات والقواعد يؤدي إلى إدخال الاضطراب في سير وانتظام المشروع.
- ونرى مع بعض الفقه أن كل خطأ تأديبي يعتبر في نفس الوقت خطأ عقدياً، ولكن الخطأ العقدي أوسع من الخطأ التأديبي، فقد لا يكون الخطأ العقدي خطأ تأديبياً. فالخطأ التأديبي ينطوي على خطأ في تنفيذ العقد، ولكن كل إخلال بتنفيذ العقد لا يعتبر خطأ تأديبياً. فالالتزامات ومضمونها تتحدد في ضوء نصوص القانون والعقد وما ورد في اللائحة، وتحديد اللائحة لخطأ تأديبي يفيد أن الفعل ينطوي على مخالفة لما يجب أن يكون عليه سلوك العامل. فالعامل يلتزم بالائتمار بأوامر صاحب العمل، والخطأ التأديبي يتمثل في عدم احترام الأوامر التي يرى صاحب العمل أنها تخل بانتظام العمل والتي يحددها في اللائحة .
والمحافظة على نظام المشروع من الالتزامات البديهية التي تفرضها لوائح العمل وتستند إلى ما يجري عليه العمل في كل حرفة وتفرضه حسن النية في تنفيذ العقد، ومن ثم فإن اعتداء العامل على زميل له ينطوي على إخلال بالتزام يفرضه العقد على العامل .
ضوابط تحديد الخطة التأديبي :
– وندرس فيما يلى الضوابط التي يجب أن يتقيد بها صاحب العمل عند تحديد الخطأ التأديبي ، فندرس الأفعال التي تعتبر خطأ تأديبياً ثم ضرورة النص عليها في اللائحة
أولا: الأفعال التي لا يجوز أن تكون خطأ تأديبياً :
- إذا كان الأصل هو استقلال صاحب العمل بتحديد الأفعال التي تكون مخالفة تأديبية، إلا هناك بعض الأفعال التي لا يجوز لصاحب العمل أن يعتبرها مخالفات، وخارج هذه الأفعال يتمتع صاحب العمل بسلطته .
فيجب استبعاد الفعل الذي ينطوي على ممارسة العامل لحق مقرر له، ومنها الفعل الذي يرتكب خارج وقت ومكان العمل، والفعل الذي لا يعوق إطلاقاً النظام وحسن سير العمل في المشروع .
1- الأفعال التي تنطوي على ممارسة حق :
لا يمكن أن ينسب الخطأ لمن يمارس حقاً ، دون الإخلال بأحكام التعسف في استعمال الحق، فإذا كان يحق لصاحب العمل أن يحدد المخالفات التأديبية، إلا أنه لا يملك السلطة للمساس بالحريات العامة والحقوق المقررة قانوناً عن طريق تأثيم الأفعال المشروعة قانوناً، فلا يجوز تأثيم اشتراك العامل في اجتماع نقابي في الحدود المقررة قانوناً، ولا يعتبر خطأ تأديبياً الشهادة أمام القضاء في نزاع ضد صاحب العمل، فالشهادة واجب قانوني يجب احترامه، فالعمل المشروع لا يمكن أن يؤدي إلى اضطراب سير المشروع، والعاملة التي ترفض تفتيشها عند خروجها من العمل إذا كان من يتولى التفتيش رجلاً لا ترتكب خطأ تأديبياً لأنه وفقاً للقانون لا تفتش الأنثى إلا بواسطة أنثى.
2 - الأفعال المرتكبة خارج وقت ومكان العمل ولا تتصل بالعمل :
- يتمتع صاحب العمل بالسلطة التأديبية لضمان حسن سير العمل وانتظام المشروع، ومن ثم فمن المنطقي استبعاد الأفعال التي تتم خارج زمان ومكان العمل من الإطار التأديبي .
فالعامل يتمتع خارج إطار العمل بالحرية الكاملة كإنسان لا يدين بالتبعية لأحد .
فالأصل هو عدم مؤاخذة العامل إلا على ما يرتكبه من مخالفات وهو في خدمة المشروع، فالعامل لا يكون في تبعية صاحب العمل إلا فيما يتعلق بالعمل، ومن ثم تخرج عن نطاق السلطة التأديبية ما يتصل بالحياة الخاصة للعامل .
ولكن إذا كان الفعل الواقع خارج زمان ومكان العمل ينطوي على مخالفة التزام عقدي أو قانوني، فيعتبر خطأ تأديبياً. فالعامل الذي يفشي أسرار العمل خارج مكان العمل يرتكب مخالفة تأديبية جسيمة، فمثل هذه المخالفة تتصل بالعمل بالرغم ممن ابتعادها عن ظرفي الزمان والمكان .
ويمكن أن يعتبر الفعل مخالفة تأديبية إذا وقع خارج مكان العمل ولكن في وقت العمل، أو إذا وقع في خارج وقت العمل ولكن في مكان العمل مثل المشاجرة بين العمال خلال فترة الراحة بمطعم المصنع، ففي الحالتين يكون العامل خاضعاً لتبعية صاحب العمل، ويجب في هذه الحالات الأخيرة عدم التشدد في تقدير جسامة الخطأ لأنه غالباً ما يدخل اضطراباً يسيراً على حسن سير المشروع .
3- الأفعال التي لا تضر بحسن سير العمل في المشروع :
- تستهدف السلطة التأديبية كفالة حسن سير العمل في المشروع وانضباطه، فلا يجوز أن تؤثم بعض مظاهر الشكل الخارجي للعامل مثل إطالة الشعر أو الشارب، فمثل هذه الأمور لا صلة لها بحسن سير المشروع، وللعامل أن يمتنع عن تنفيذ أمر صاحب العمل بحلق شعره أو شاربه، ويجوز تأثيم الأفعال التي تضر بسلامة المشروع وحسن سيره مثل التدخين أثناء العمل إذا كان في التدخين خطورة على المنشأة وإدخال مشروبات روحية إلى أماكن العمل .
ولا يلزم أن يترتب على الفعل الإضرار في الحال بالمنشأة، فيكفي الضرر المستقبل أو حتى المحتمل لاعتبار الفعل مخالفة تأديبية .
وتوقيع جزاء جنائي بسبب ارتكاب فعل لا علاقة له بالعمل قد يؤدي إلى توقيع جزاء تأديبي إذا كان يؤثر على سمعة العامة أو المنشأة، مثل الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار، أما الجرائم التي لا تؤثر على السمعة من بعيد أو قریب فلا تبرر توقيع جزاء تأديبي مثل مخالفة قانون المرور .
وإعمالاً للقواعد العامة، ونظراً لأن الخطأ التأديبي يجب أن ينطوى على الإخلال بحسن سير العمل، فإن عدم الكفاية المهنية لا تعتبر مخالفة تأديبية، ولكن لا يجب الخلط بين عدم الكفاية المهنية والإهمال في أداء العمل، فالأخير ينطوي على مخالفة تأديبية .
ثانياً : ضرورة النص على الفعل في لائحة العمل :
- والواقع أن المخالفات التأديبية عديدة ومتنوعة وتختلف بحسب طبيعة وظروف كل مشروع. فالتدخين في مكان العمل قد لا يعتبر مخالفة تأديبية على الإطلاق، وقد يكون مخالفة جسيمة وخطيرة في حالات أخرى مثل التدخين في مصانع تكرير البترول .
يلجأ المشرع أحياناً إلى تحديد المخالفات التي يرى أن جسامتها تبرر الفصل وهو ما فعله المشرع المصري في المادة 69 من قانون العمل .
أما التحديد المسبق للمخالفات فيكون أكثر يسراً في اللوائح وخصوصاً لائحة العمل والجزاءات، وتقوم لائحة الجزاءات بتحديد المخالفات بالنظر إلى طبيعة العمل وظروفه، ولهذا فإن المخالفات تتلاءم مع كل حالة على حدة، ويجب أن تنطوى اللائحة على تفصيل للمخالفة حتى يكون العامل على بينة من الأمر .
ويكاد يجمع الفقه المقارن على أن قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص لا تسري في المجال التأديبي فما هو موقف المشرع المصري من الشق الأول وهو لا جريمة إلا بنص؟
طبقاً للمادة 58 من قانون العمل يلزم كل صاحب عمل بوضع لائحة تنظيم العمل والجزاءات، فلا يعفى أي صاحب عمل من ذلك.
ويكفي أن تكون صياغة المخالفات عامة على غرار قواعد المسئولية المدنية، فيعتبر الفعل مخالفة تأديبية من مجرد النص على أنه يعتبر مخالفة كل إخلال بالتزام يفرضه القانون أو العقد أو بحسن سير العمل في المنشأة مع ضرب عدة أمثلة على ذلك. فالتعداد الذي يرد في اللائحة لا يكون على سبيل الحصر، ويؤكد هذا أن المشرع عندما حدد حالات توقيع أخطر جزاء تأديبي وهو الفصل اكتفي بأن تكون المخالفة في صورة عدم ارتكاب خطأ جسيم، وضرب عدة أمثلة لذلك في المادة 69 من قانون العمل .
ولا يوجد ما يمنع من الاتفاق، خصوصاً بناء على اتفاق عمل جماعي، من اشتراط أن ألا تكون جريمة تأديبية إلا بنص على غرار العقوبات الجنائية. فمثل هذا الاتفاق يكون من شأنه تحقيق مزية للعمال ومن ثم يكون مشروعاً .
وعلى سبيل الاسترشاد حددت اللائحة النموذجية للجزاءات ثلاثة طوائف من المخالفات. الطائفة الأولى وتشمل المخالفات المتعلقة بمواعيد العمل، والطائفة الثانية تتعلق بمخالفة نظام العمل أو بأداء أعمال الوظيفة، والطائفة الأخيرة وتشمل المخالفات المتصلة بسلوك العامل في العمل .
ويجوز إضافة مخالفات أخرى في لائحة الجزاءات ويتمتع صاحب العمل بسلطة تقديرية في هذا الصدد. فالمخالفات الواردة في اللائحة جاءت على سبيل الاسترشاد والمثال ليس الحصر .
ويثور التساؤل عن حدود سلطة صاحب العمل في اعتبار بعض الأفعال مخالفات تأديبية ومدى تناسب الجزاء المحدد لها .
والأصل أن صاحب العمل يملك سلطة تقدير مدى خطورة أو تفاهة الفعل وبالتالى الجزاء الذي يتناسب معه .
ولكن إذا كان جزاء المخالفة هو الفصل فإن سلطة صاحب العمل يرد عليها قيدان :
القيد الأول : ورد في نص المادة 69 من قانون العمل التي حددت بعض الأفعال يستاهل ارتكابها توقيع جزاء الفصل، وهي الأفعال التي تنطوي على خطأ جسيم، فلا يكون الفصل جزاء لخطأ لم يصل إلى حد الجسامة .
القيد الثاني : لا يملك صاحب العمل توقيع جزاء الفصل، وإنما أصبح ذلك من سلطة القضاء. (راجع شرح قانون العمل، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني، الطبعة الرابعة 2020، دار النهضة العربية، الصفحة 413)
- سقوط الحق في توقيع العقوبة :
– تقرر المادة 59 / 2 من قانون العمل أنه لا يجوز توقيع جزاء تأديبى على العامل بعد تاريخ الانتهاء من التحقيق في المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً .
والحكمة من ذلك هو أن مرور هذا الميعاد يفيد عفو صاحب العمل، وتوقيع العقوبة بعد ذلك ينطوي على مفاجأة للعامل .
وعدم احترام هذا النص يؤدي إلى بطلان الإجراء وعدم الاعتداد به لتشديد العقوبة في حالة العود .
والفسخ أو الفصل لا يخضع لذلك القيد لأنه من سلطة المحكمة ويخضع لإجراءات قضائية مختلفة . (راجع شرح قانون العمل، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني، الطبعة الرابعة 2020، دار النهضة العربية، الصفحة 444)
هذا النص يعتبر من ضمانات التأديب والتي أصبح بموجبها يشترط في الفعل الذي يجوز مساءلة العامل عليه تأديبياً أن يكون ” ذا صلة بالعمل ” وكذلك قرر أن تحدد لائحة الجزاءات المخالفات التي تستوجب توقيع جزاء من الجزاءات المبينة في المادة 60 من المشروع مع مراعاة تناسب الجزاء مع المخالفة وفكرة تناسب الجزاء والمخالفة مستحدثة في القانون، ولكنها مأخوذة مما استقرت عليه أحكام القضاء تأكيداً لضرورتها من جهة ، واتفاقاً مع قواعد العدالة من جهة أخرى وأضافت الفقرة الثالثة من نفس المادة أنه لا يجوز توقيع جزاء تأديبي عن فعل لم يرد بلائحة الجزاءات أو توقيع جزاء تأديبي على العامل بعد تاريخ الإنتهاء من التحقيق في المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً .
جزاء المخالفة :
وفقاً لأحكام المادة 247 السابق الإشارة إليها. (راجع الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 234)
النصوص المقابلة :
تقابل المادة (66) من قانون العمل الموحد الملغي رقم 91 / 1959 کما تقابل المادة (60) من قانون العمل الملغي رقم 137 لسنة 1981.
لا عقوبة تأديبية بغير نص :
أضاف النص حكماً مستحدثاً وهو الفقرة الثالثة التي تقول لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية عن فعل لم يرد بلائحة تنظيم العمل والجزاءات وقد أحسن المشرع باستحداث هذا الحكم لأنه تطبيق لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص الذي طالما نادينا بتطبيقه في مجال سلطة صاحب العمل في التأديب بالمنشأة. كذلك حذف المشرع الفقرة التي كانت تقول ولا يجوز اتهام العامل في مخالفة مضى على كشفها أكثر من خمسة عشر يوماً، وحسناً فعل لأن ما جاء بالفقرة الأخيرة من النص الحالي فيه الضمان الكافي لإعمال الحكم الملغي .
تأصيل سلطة التأديب :
قد يبدو البحث في أساس سلطة صاحب العمل في تأديب عماله أن مردها هو القانون ذاته المتمثل في نص المادة (59) سالفة الذكر التي تحدد نطاق هذه السلطة وقيودها بالإضافة إلى ما تلاها من أحكام تضمنتها المواد التالية لها لكن المطلوب هو البحث عن تأصيل السلطة وردها إلى جذورها التي نبتت منها وتفرعت عنها .
ولم يجادل أحد - فيما تعلم- في ثبوت تلك السلطة ووجودها في كل تجمع colletivite خاص أو عام بما في ذلك المنشأة لكن الجدال ثار حول الأساس الذي تستمد منه هذه السلطة وجودها وفي ذلك يمكن إجمال الآراء التي طرحت في ثلاث نظريات أو أفكار رئيسية هي :
(1) النظرية التعاقدية أو الفردية.
(2) النظرية اللائحية أو التنظيمية.
(3) فكرة الإشراف والإدارة .
وجهة نظرنا في الموضوع :
سواء قيل أن الملكية في حد ذاتها وظيفة اجتماعية، أم أنها وظيفة المالك نفسه فإن أساسها هو العمل أو على الأقل يجب أن يكون للعمل المكانة البارزة فيها.
وهذا العمل يجب ألا ينظر إليه دائماً في نطاق المشروع الخاص على أنه يشكل روابط تبعية تقليدية بين أناس وآخرين وإنما يكون له دور أو مهمة اجتماعية يؤديها لتحقيق هدف الجماعة ويتمثل ذلك الدور في إقامة علاقات التعاون الاجتماعية بين رئيس المشروع وعماله بحيث يكون الجميع متساوون في تحمل مسئولية تحقيق هدفه الذي هو جزء من هدف تلك الجماعة .
ويجب النظر إلى حق الملكية على أنه يمنح صاحبه حقوقاً غير مقصودة لذاتها droit a fin alcuiste كحقوق الإدارة والإشراف والرقابة التي لا تهدف إلى تحقيق مصلحة أنانية egoiste وإنما تقترب من الوظائف الاجتماعية droits- fonction التي تكون مقيدة بأمرين أولهما تحقيق الغاية التي من أجلها قام المشروع أو ما يسمى بمبدأ التخصيص principe de specialite وثانيهما أداؤها بطريقة مجدية تعود بالنفع على جميع الأفراد الذين يتألف منهم المشروع، وهنا يتجلى الفارق الحيوي بين الاشتراكية والرأسمالية، فالرأسمالية لا ترى أساساً لسلطة صاحب العمل في توقيع العقوبات التأديبية سوى ملكيته للمشروع بناء على ملكيته لرأس المال ومن ثم تكون غاية هذه السلطة تحقيق مصلحة المشروع الرأسمالي بينما ترى الاشتراكية أن أساس تلك السلطة لا يمكن إلا أن يكون المسئولية فالمسئول عن المشروع سواء عن عنصر العمل أو رأس المال يجب أن تكون له السلطة التي تمكنه من النهوض بمسئوليته بما يحقق تنظيماً أفضل للعمل يكفل تنمية الإنتاج ويعزز التعاون الاجتماعي من أجل إشباع حاجات المجتمع الاشتراكي، حتى أن الفقه الأجنبي الحديث بات يدعو إلى تحليل روابط العمل في المنشأة في إطار الظروف الاجتماعية التي يرتبط فيها العمال بعلاقات تضامن مع رب العمل تمليها الروح المشتركة في التعاون .
وبناء على ما تقدم فإننا نرى أن أساس سلطة التأديب في المنشأة هو المصلحة الاجتماعية التي لابد لتحقيقها من تضافر أطراف ثلاثة أولها جماعة المنشأة ويمثلها صاحب العمل وثانيها جماهير العمال بالمنشأة من خلال منظماتهم النقابية وثالثها الجهة الإدارية المشرفة على تطبيق القانون الاجتماعي وكذا الجهات القضائية التي تراقب حسن هذا التطبيق ولابد أن تمارس هذه الأطراف الثلاثة مسئوليتها في ظل نظام تأديبي في المنشأة يتمثل في لائحة العمل والجزاءات .
طبيعة الجزاء التأديبي :
يقوم التأديب في المنشأة على فكرة الردع سواء ردع العامل المخطئ أو ردع زميله حتى لا يخطئ وفي هذا تتشابه العقوبة التأديبية مع العقوبة الجنائية في أن الأولى هدفها كفالة حسن انتظام وسير العمل بالمنشأة والثانية هدفها الدفاع عن النظام الاجتماعي وأن العقوبة التأديبية شأنها شأن العقوبة الجنائية لابد أن تكون معروفة ومنصوصاً عليها إعمالاً لمبدأ لا عقوبة إلا بنص. بيد أن الجريمة الجنائية كقاعدة عامة تخضع بدورها لمبدأ لا جريمة إلا بنص بمعنی أن الأفعال الإجرامية معروفة ومنصوص عليها ولا يجوز العقاب الجنائي عن فعل غير مؤثم قانوناً، لكن الجريمة التأديبية لم تكن في ظل قانون العمل الملغي معروفة إذ كان بإمكان صاحب العمل توقيع عقوبة تأديبية من العقوبات المنصوص عليها قانوناً عن أي فعل يرتكبه العامل ينطوي على إخلال بحسن انتظام وسير العمل بالمنشأة، وقد حدث تطور هائل إذ أخذت المادة (60) الجاري شرحها بمبدأ لا جريمة تأديبية إلا بنص فقضت بعدم جواز توقيع عقوبة تأديبية عن فعل لم يرد بلائحة تنظيم العمل والجزاءات كما حددت الأخطاء التأديبية الجسيمة في صلب القانون وهو المبدأ الذي طالما نادينا به في ظل القانون القديم .
ولا يشترط في التأديب في المنشأة أن يترتب على الفعل الذي ارتكبه العامل ضرر بها أو بصاحبها إذ يكفي أي قدر من الإخلال ما دام الفعل المعاقب عليه العامل مؤثماً تأديبياً طبقاً للائحة العمل والجزاءات. (الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثاني، صفحة 71)