1 ـ المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن النص في المادة 129 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 على أنه " لصاحب العمل أن ينهي عقد العمل ولو كان محدد المدة أو مبرماً لإنجاز عمل معين إذا حكم على العامل نهائياً بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة ، وذلك مالم تأمر المحكمة بوقف تنفيذ العقوبة " يدل على أن المشرع جعل الحكم على العامل بعقوبة جناية سبب لانتهاء الخدمة أياً كان نوع الجناية إذ يترتب عليها بطريق اللزوم اعتبار المحكوم عليه سيئ السيرة والسمعة وذلك لما للجنايات من خطورة بصفة عامة. لما كان ذلك وكان الثابت في الأوراق - وبما لا خلاف عليه بين الطرفين - أنه حكم على المطعون ضده نهائياً بالحبس سنة مع الشغل في الجناية المقيدة برقم 1898 لسنة 2007 شبين الكوم بتهمة القتل العمد ونفذ العقوبة، وكانت عقوبة الجناية التي أدين بها المطعون ضده تسوغ للطاعنة فصله من العمل بالاستناد لنص المادة 129 من قانون العمل المشار إليها ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر قرار فصل المطعون ضده من العمل مشوباً بالتعسف بمقولة أن العقوبة من العقوبات المقررة للجنحة وأنها ليست من الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه .
( الطعن رقم 2455 لسنة 81 ق - جلسة 4 / 11 / 2018 )
2 ـ مفاد نص المادة 61 من القانون رقم 137 لسنة 1981 أن المشرع جعل الحكم على العامل بعقوبة جناية سبباً لانتهاء الخدمة أياً كان نوع الجناية إذ يترتب عليها بطريق اللزوم اعتبار المحكوم عليه سيئ السيرة والسمعة وذلك لما للجنايات من خطورة بصفة عامة . لما كان ذلك وكان الثابت في الأوراق – وبما لا خلاف عليه بين الطرفين – أنه حكم على المطعون ضده نهائياً بالسجن لمدة خمس سنوات في الجناية المقيدة برقم ٠٠٠ لسنة 1997 كلى غرب إسكندرية بتهمة الضرب المفضى إلى الموت ، وكانت عقوبة الجناية التى أُدين بها المطعون ضده تسوغ للطاعنة فصله من العمل بالاستناد لنص الفقرة السابعة من المادة 61 المشار إليها ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر قرار فصل المطعون ضده من العمل مشوباً بالتعسف ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
( الطعن رقم 1575 لسنة 73 ق- جلسة 27 / 1 / 2005 )
3ـ مفاد نص المادة 61 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 – المنطبق على واقعة الدعوى – أن لصاحب العمل فسخ عقد العمل إذا أخل العامل بأحد التزاماته الجوهرية المترتبة على هذا العقد ومنها واجب الأمانة ومرد ذلك أن عقد العمل ملزم لطرفية ويرتب في ذمتهما التزامات متبادلة تسوغ لأحدهما التحلل من رابطة العقد إذا امتنع الطرف الآخر عن تنفيذ التزاماته أو أخل به بشرط أن يكون ذلك راجعاً إلى خطئه سواء عن عمد أو إهمال ، وقد جاء هذا النص عاماً ليشمل جميع حالات إخلال العامل بالتزام من التزاماته المترتبة على عقد العمل .
( الطعن رقم 9022 لسنة 80 ق - جلسة 19 / 12 / 2017) والطعن رقم 4672 لسنة 78 ق- جلسة 18 / 4 / 2017 )
إنهاء عقد العمل للحكم على العامل نهائياً بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيده للحرية
- كان قانون العمل السابق يضع هذه الحالة ضمن حالات الفصل التأديبي، ولقد اعترض على ذلك بمقولة أن الفصل في هذه الحالة لا يمكن أن يعتبر عقوبة تأديبية، إذ أن سلطة صاحب العمل لا تمتد إلى الحياة الخاصة للعامل، فالفسخ في هذه الحالة ليس إلا ممارسة لحق استثنائي في الإنهاء قرره المشرع صيانة لسمعة المنشأة، وذلك سواء كان العقد محدد المدة أو غير محدد المدة، فلا يلزم صاحب العمل بمراعاة قواعد الأخطار، ويترتب على أن الفصل في هذه الحالة لا يعتبر عقوبة تأديبية، أنه لا يكون هناك محل لاتباع قواعد التأديب مثل التحقيق وسماع دفاع العامل .
واعتناقاً من المشرع لهذا الرأي فلم ترد تلك الحالة ضمن حالات الفصل التأديبي، وإنما وردت باعتبارها مبرراً لإنهاء عقد العمل دون حاجة للبحث في اعتبارها عقوبة تأديبية أو أن تكون خطأ جسيماً، فالمفروض أن الخطأ التأديبي يكون متصلاً ومرتبطاً بالعمل وهو ما لا يتحقق بالضرورة عند ارتكاب جناية أو في حالة الحكم بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة .
- وغني عن البيان أن إنهاء عقد العمل يكون جوازياً لصاحب العمل، فقد يبقى على العامل بالرغم من ارتكاب هذه الأفعال. فنصت المادة 129 من قانون العمل على أن لصاحب العمل أن ينهي عقد العمل ولو كان محدد المدة أو مبرماً لإنجاز عمل إذا حكم على العامل نهائياً بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة وذلك ما لم تأمر المحكمة بوقف التنفيذ، ويجب التوافر سبب الإنهاء أن يكون العامل قد حكم عليه نهائياً بعقوبة جناية وفقاً لما نص علية قانون العقوبات أو حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، فقد تكون الجرائم الأخيرة من الجنح وليس من الجنايات، ولا يتوافر سبب الإنهاء إلا إذا حكم على العامل بعقوبة مقيدة للحرية واجبة النفاذ، أما إذا كانت المحكمة قد أمرت بوقف تنفيذ العقوبة فإن سبب الإنهاء لا يتوافر كذلك لا يتوافر سبب الإنهاء إذا كانت العقوبة هي الغرامة، ويجب أن يكون الحكم نهائياً طبقاً للقواعد العامة .
ويبدو أن العبرة بالحكم بعقوبة مقيدة للحرية وليس في ارتكاب جريمة معينة لأنه لو أمرت المحكمة بوقف فعل التنفيذ ما قام سبب الفصل بالرغم من ثبوت ارتكاب فعل يمس الشرف أو الأمانة أو الأداب، فإن كانت المحكمة قد أمرت بوقف التنفيذ فإن مبررات ذلك تكفي لعدم إنهاء العقد في نظر المشرع .
ويتحقق سبب الإنهاء دون اشتراط أن يكون للجريمة أي علاقة بالعمل، فلسنا بصدد حالة من حالات الفصل التأديبي، ولا يحق لصاحب العمل إنهاء العقد إذا لم يقض بعقوبة مقيدة للحرية إلا إذا اعتبر الفعل مكوناً لخطأ جسيم من جانب العامل، فالعامل الذي يعاقب بغرامة أو بحبس مع وقف التنفيذ قد يكون الفعل الذي ارتكبه مكوناً لخطأ جسيم ومن ثم يجوز إنهاء عقده استناداً إلى الخطأ الجسيم وليس للحكم بعقوبته، وهذه المادة من شأنها أن تجعل الفصل للسبب السابق بيانه يختلف عن الفصل التأديبي الذي وردت حالاته بالمادة 69 من القانون ولا يعتبر تطبيقاً لنظرية الفسخ للإخلال بالالتزام لأنه لا يشترط أن تكون للجريمة التي ارتكبها العامل صلة بعمله أو بصاحب العمل فلا يكون هناك إخلال بالتزام يرتبه العقد وإنما الفصل في هذه الحالة لا يعدو أن يكون إلا ممارسة لحق استثنائي في الإنهاء قرره المشرع لصاحب العمل صيانة سمعة المنشأة التي قد يسيء إليها أن يبقى بها عامل ثبت جرمه بحكم نهائی .
ولما كانت جريمة التجمهر والإتلاف لا تعتبر من الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، ولا تعد إخلالاً من العامل بالتزام يرتبه العقد، ومن ثم فإن طلب فصل العامل طبقاً للمادة 69 يكون فاقد السند القانوني، ويبدو أن محكمة النقض بدأت تتوسع في مفهوم الجريمة المخلة بالشرف والأمانة ، ولهذا عرفتها بأنها تلك التي ترجع إلى ضعف الخلق وإنحراف في الطبع وهو ما ينطبق على جرائم التجمهر ، استعراض القوة ، وقطع الطريق ، إطلاق النار وسفك الدماء والتي تمثل تعطيلاً لأحكام الدستور والقوانين ومنها منع مؤسسات الدولة من أداء وظيفتها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين وغيرها من الحريات العامة فضلاً عن الأضرار بالسلام الاجتماعي .
وقد قضت محكمة النقض بأن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد من الجرائم المخلة بالشرف والاعتبار، ومن ثم فإن قرار صاحب العمل بإنهاء خدمة العامل لارتكابه الجريمة السابقة يكون بمنأى التعسف حتى لو كان الحكم مع وقف التنفيذ، فوقف التنفيذ مع إدانة العامل في الجريمة يبرر إنهاء صاحب العمل للعقد ولا يكون الإنهاء تعسفياً.
ومن الواضح أنه في ظل قانون العمل الحالي فإن الحكم على العامل بالعقوبات المشار إليها يعتبر سبباً من أسباب الإنهاء المشروع بالإرادة المنفردة .
ولا خلاف في أن الحكم بالعقوبة باعتباره سبب الإنهاء يجب أن يقع قبل الإنهاء فالنتيجة لا يمكن أن تسبق السبب بل العكس هو الصحيح، كما أن القانون يشترط صدور حكم نهائي وهذا يستوجب بداهة أن الحكم النهائي يجب أن يصدر قبل الفصل وهو سبب ومبرر الإنهاء .
أما الإنهاء قبل صدور الحكم النهائي فهو إنهاء لمجرد الاتهام أو لصدور حكم غير نهائي، ويقع في إطار ارتكاب العامل لخطأ جسيم.
ولكن إذا أنهى صاحب العمل العقد قبل صدور الحكم النهائي ورفع العامل دعوى تعويض عن الإنهاء المخالف لأحكام القانون، ثم صدر قبل الفصل في دعوى التعويض الحكم الجنائي النهائي بالعقوبات سالفة الذكر، فما أثر ذلك على دعوى التعويض ؟
ذهبت الأحكام الصادرة في بعض البلاد العربية التي يوجد في تشريعاتها نص مطابق للمادة 129 من قانون العمل المصري، ذهبت إلى أنه لا يحق للعامل أن يطالب ببدل إنذار عن فصله إذا ما قضى بإدانته نهائياً في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب سواء صدر الحكم النهائي في هذه الجريمة قبل نظر دعواه للمطالبة بمستحقاته العمالية أو في أثنائها، لأن العبرة بتاريخ ارتكاب الجرم وليست بتاريخ صدور الحكم الجنائي، ومن المقرر أن للحكم الجنائي البات الصادر في الدعوى الجنائية بالبراءة أو الإدانة حجية تلتزم بها المحكمة المدنية فيما فصل فيه فصلاً ضرورياً لازماً في شأن وقوع الفعل المكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه المسائل فإنه يمتنع على المحكمة المدنية أن تعيد بحثها، ويتعين عليها أن تتقيد بها في الحدود المتصلة بها، ولا ينال من ذلك أن إنهاء الخدمة قد تم قبل صدور الحكم الجنائي فذلك مردود بأن تلك الوقائع تمت فعلاً قبل صدور الحكم الجنائي وليست بعده، ولكن بعد صدور الحكم الجنائي النهائي فان حجيته لها آثارها على الحقوق المدنية وتلتزم بها المحكمة المدنية ومن ثم فلا محل للتحدي بواقعة فصله قبل إدانته جنائياً.
كما قضى بأنه إذا كان يجوز لصاحب العمل فسخ العقد في حالة الحكم على العامل في جريمة ماسة بالشرف ينبغي أن يكون هذا الحكم نهائياً ومقتضى ذلك ألا ينشأ حق صاحب العمل في الفسخ في هذه الحالة إلا بعد الحكم النهائي، إلا أنه إذا استمرت المحاكمة الجنائية عن وقائع سابقة على الفصل جنائياً بشأنها فإن الحكم الجنائي يكون كاشفاً عنها وليس منشئاُ لها، فإن فصل العامل بسبب وقائع سابقة على تاريخ إنهاء عقده تمس الشرف والأمانة فإن هذا يخول صاحب العمل فصله دون أن يتسم ذلك بالتعسف مادام أيده الحكم الجنائي لاحقاً مما يستتبع عدم الحكم ببدل الإنذار أو التعويض أو مكافأة نهاية الخدمة .
ولقد لاقى هذا القضاء نقداً شديداً من جانب بعض الفقه.
- ونرى أنه بالرغم من أن نص المادة 129 من قانون العمل حاسمة كما أوضحنا في أن الفرض هو صدور الحكم النهائي قبل إنهاء العقد، إلا أن معطيات المشكلة تتغير تماماً في إطار حجية الحكم الجنائي على الدعوى المدنية، فإنهاء العقد قبل صدور الحكم الجنائي يخالف نص قانون العمل مما يرشح للاعتقاد بأن الإنهاء غير مبرر، ولكن صدور الحكم الجنائي بإدانة العامل عن الوقائع التي استند عليها صاحب العمل للتعجيل بقرار الإنهاء يجعل للحكم الجنائي حجية أمام المحكمة العمالية، فبالرغم من أنه لا يكفي لإنهاء العقد طبقاً للمادة 139 مجرد اتهام العامل أو قبل صدور حكم نهائي، إلا أن معطيات المشكلة تتأثر وتتعدل بصدور حكم نهائي بالإدانة قبل الفصل في دعوى التعويض.
ولهذا فإن القضاء السابق يصادف تصحيح القانون - في رأينا - وفي إطار حجية الجنائي على المدني وليس في إطار شروط تطبيق المادة 129 من قانون العمل.
ولكن يلاحظ أن حجية الحكم الجنائي تعني أن العامل قد ارتكب أفعالاً وقت الإنهاء تجعل من الإنهاء مبررة مما يحول دون الحكم بالتعويض، وتكون الوقائع التي أدت إلى صدور الحكم الجنائي هي مبرر الإنهاء ولكن الإنهاء لا يكون بسبب الحكم ذاته. وبعبارة أخرى فإن الحكم الجنائي اللاحق يلقي بظلال المشروعية على سبب الإنهاء السابق. (شرح قانون العمل، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني، الطبعة الرابعة 2020، دار النهضة العربية، الصفحة 693)
وهذا الحكم الذي أوردته هذه المادة سبق أن قرره نص المادة 7/61 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 مع إضافة بعض التعديلات حيث قرر النص حق صاحب العمل في الإنهاء أياً كان العقد إذا حكم على العامل نهائياً بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة - حيث أضاف التعديل ما لم تأمر المحكمة بإيقاف التنفيذ ولا يجوز لصاحب العمل الإنهاء. (الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 362)
هذا النص يقابل نص المادة 76/ 8 من القانون 91 لسنة 1959 والمادة 7/61 من القانون 137 لسنة 1971 .
وقد رؤى النص على هذه الحالة ضمن الأسباب المشتركة لإنتهاء علاقات العمل لأنها :
أولاً : لا تتعلق بنوع معين من أنواع العقود بل تنطبق سواء أكان العقد محدد المدة أم غير محدد المدة .
ثانياً : إن إنهاء صاحب العمل للعقد بسبب الحكم على العامل لا يعتبر إستعمالاً منه لسلطته التأديبية لأن الجريمة التي أرتكبها العامل قد تكون منبتة الصلة بعمل العامل ، وقد لا يكون لها أي إنعكاس على هذا العمل .
ثالثاً : إذ حكم على العامل بعقوبة جناية أو في جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الأداب العامة وذلك بحكم نهائي فلا مبرر مطلقاً لتقييد سلطة صاحب العمل في إنهاء علاقة العمل كما لا مبرر إطلاقاً لوجوب عرض الأمر على اللجنة المشار إليها بالمادة (71) . (الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثاني، صفحة 497)