(الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009)
فإذا ما قبل الطرفان هذه التوصيات كلها أو بعضها يثبت ذلك في اتفاقية توقع منها ومن الوسيط، فإذا رفضاها أو رفضها أحدهما فيجب أن يكون هذا الرفض - سواء لكل التوصيات أو بعضها - مسبباً مع إجازة أن يمهل الوسيط رافض التوصيات ثلاثة أيام للعدول عن رفضه وذلك قبل أن يقدم الوسيط تقريره إلى الجهة الإدارية المختصة (المادة 177).
(الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الرابع)
إذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات الخاصة بحل النزاع كان عليه أن يبدي أسباب الرفض ويجوز للوسيط - حسب تقديره وفي ضوء أسباب الرفض - إعطاء مهلة أقصاها ثلاثة أيام لمن رفض للعدول عن موقفه وقبول التوصيات وذلك أن يرفع الوسيط تقريره إلى الجهة الإدارية المختصة.
وجدير بالذكر أن مرحلة الوساطة التي أشارت إليها هذه المواد جاءت بدلاً من النظام الذي كان معمولاً به من قبل وهو اللجوء إلى لجنة تسوية المنازعات المحلية بالمحافظة والتي كانت تشكل برئاسة مدير مديرية القوى العاملة المختص بالمحافظة وعضوية مدير مكتب علاقات العمل وصاحب العمل أو من يمثله ويمثل المنظمة النقابية المختصة وممثلي المحافظ وكان على هذه اللجنة أن تقوم بتسوية النزاع خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ تقديم الطلب لها وإلا عليها أن تحيل النزاع خلال الأسبوع الرابع إلى المجلس المركزي لتسوية المنازعات بتقرير مفصل بنتيجة سعيها ونقاط الاتفاق والخلاف مصحوبة بالمستندات فإذا لم يتمكن المجلس المركزي من تسوية النزاع خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ تقديم الطلب للجنة المحلية وجب إحالة النزاع إلى هيئة التحكيم .
وفي تقديري أن النظام الذي كان معمولاً به أفضل من نظام الوساطة للأسباب الآتية :
1- قیام مكتب علاقات العمل المختص بإعداد تقرير واف عن النزاع وأسبابه يعرض على لجنة تسوية المنازعات والتي كانت تهيئ للأطراف المتنازعة حرية الحوار والمناقشة برعاية الحكومة التي تعمل من خلال الحوار على تقرير وجهتي النظر بينهما حتى يتمكن من الاتفاق على أسس التسوية التي تصاغ في اتفاق جماعي ، وينتهي النزاع في هذه الحالة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب إلى اللجنة.
2- وفي حالة تمسك أحد الأطراف بمطالبة وإخفاق اللجنة المحلية كان يحال الموضوع إلى المجلس المركزي لتسوية النزاع الذي عليه خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ تقديم الطلب إلى اللجنة المحلية البت في النزاع ، وإلا يحال النزاع إلى التحكيم في حالة إخفاقه وعليه فكلا النظامين ينتهي في حالة الإخفاق إلى التحكيم .
ولكن النظام الذي كان معمولاً به كان يتيح للحكومة بإعتبارها أحد أطراف العمل وهمها الإستقرار الإجتماعي للحوار مع الأطراف المتنازعة للتقريب بين وجهات نظرهم وكذا ما كانت تنجح في ذلك ، وبالنظر إلى المدد الزمنية التي حددها القانون الملغي والقانون الحالي فكانت 60 يوماً في القانون الملغي حتى يتم الإحالة للتحكيم بينما في القانون الحالي تصل إلى 103 يوم - حتى يحال الموضوع إلى التحكيم ، هذا فضلاً عما كان يحققه النظام السابق من حيدة تامة طوال مراحل بحث النزاع ، ومن ثم قد تلاحظ اختزال دور الحكومة كأحد أطراف العمل الثلاثة في هذه المرحلة .
إضافة إلى ما سبق وكان النزاع يتعلق بفريق العمال داخل المنشأة ولم يكن في هذه المنشأة لجنة نقابية وتولت النقابة العامة المفاوضة مع صاحب العمل وانتهت المفاوضة إلى الفشل ، ولكن النقابة العامة لسبب ما تقاعست عن طلبها من الجهة الإدارية تحريك إجراءات الوساطة أو في ختام تقديم تقرير الوساطة تقاعست عن طلبها من الجهة الإدارية إحالة ملف النزاع إلى التحكيم .. فهل يحرم هذا الفريق من العاملين من حق اللجوء للتقاضي للحصول على حقوقهم؟
بكل أسف نقول إن هذا وارد .. حيث قد ترى بعض النقابات العامة أن إحالة النزاع إلى الوسيط أو التحكيم قد يضر بمصالح القائمين عليها مع السلطات المختصة وكان يجب أن يتضمن التشريع آلية تعطي الحق لمن ينوب عن هذا الفريق بوكالة قانونية حق مخاطبة الجهة الإدارية لتحريك إجراءات الوساطة أو الإحالة إلى التحكيم ، وأما وأن هذه الآلية التشريعية غير موجودة فلا يمكن حرمان هذا الفريق من حق دستوري وقانوني وهو (مع عدم الإخلال بحق التقاضي الوارد في المادة 168) ، وعليه يمكن لهذا الفريق اللجوء إلى القضاء شريطة أن يكون فريق العال قد اتبع إجراءات التفاوض ، حيث إن المنظمة النقابية حينها تمارس المفاوضة نيابة عن فريق العمال الذين لا توجد لديهم منظمة نقابية ، فإنها تمارسها کوکيل عن العمال أو فريق منهم ، وإذا تقاعس الوكيل عن أداء دوره في الدفاع عن حقوق العمال ورفض إخطار الجهة الإدارية لتحريك إجراءات الوساطة فإنه يكون قد خرج عن حدود الوكالة القانونية ، ويحق للعاملين الإعتصام بالقضاء بعد إعذار النقابة وصاحب العمل والجهة الإدارية . (راجع الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 495)
ليس لهذا النص شبيه بتشريعات العمل الملغاة.
وقد استحدث حكم هذه المادة ما درج عليه الفقة الفرنسي الذي يرى أن الوسيط حين يعلن توصيته على طرفي النزاع يحاول شرح عناصرها مبيناً وجهة نظره في التقريب بينهما من أجل حثهم على الأخذ بها وبالتالي تعتبر الإستجابة للتوصية بمثابة موافقة من طرفي النزاع على توقيع اتفاقية بذلك .
ومن هذا يتضح أن الوساطة إذا حققت هدفها عن طريق التوفيق بين أطراف النزاع فإنها تغني عن الإلتجاء إلى التحكيم الذي هو نظام يعتمد بدوره على تدخل أطراف أخرى غير طرفي النزاع .
وفي حالة رفض أي من الطرفين أو كليهما لتوصية الوسيط فيجب تسجيل هذا الرفض كتابة ومدعمة بأسبابه لأن حق الرفض شأنه شأن سائر الحقوق يجب أن يدور في إطار مبدأ عدم التعسف طبقاً للقواعد العامة .
وللوسيط أن يمهل الطرف الرافض لمدة ثلاثة أيام ليتدبر أمره إذ يجوز أن يعدل عن الرفض ويوافق على التوصية وهذه المهلة جوازية وهي ليست من المواعيد المتعلقة بالنظام العام وقد تكون هذه المهلة مطلوبة إذا كان الطرف الرافض يريد التشاور مع منظمته أو مستشاريه أو غير ذلك من الأسباب والإعتبارات .
وطبقاً للقانون الفرنسي فإن الطرف الرافض للتوصية لابد أن يخطر الوسيط بذلك كتابة في مهلة ثمانية أيام بخطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول .
وطبقاً للقانون الفرنسي رقم 561 الصادر في 13 يولية سنة 1971 فإن الوسيط وهو يقدم توصيته يأخذ في اعتباره المعطيات الإجتماعية والإقتصادية للنزاع كما يراعي الأوضاع الإقتصادية والمالية والتجارية للمشروعات وأيضاً الأوضاع الإجتماعية للعمال الذين يخصهم النزاع .
وطبقاً لنفس القانون فإن الطرفين إذا وافقا على توصية الوسيط أصبحت ملزمة لهما ويجب على الوسيط أن يحتفظ بالأسرار المهنية . ( راجع الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثالث، صفحة 145)