loading

موسوعة قانون العمل

المذكرة الإيضاحية

(الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009)

وتنص المادة (187) على أن تطبق هيئة التحكيم القوانين المعمول بها وأن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية أو العرف أو مبادئ العدالة، وكل ذلك وفقاً للحالة الإقتصادية والإجتماعية السائدة في منطقة المنشأة ، على أن يصدر الحكم بأغلبية الآراء ، فإذا تساوت پرجح الجانب الذي منه الرئيس ويكون مسبباً ويعتبر بمثابة حکم صادر من محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية. 

(الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الرابع)

مع اختلاف في المادة التي يتعين على هيئة التحكيم أن تنظر فيها النزاع وتفصل فيه : فبينما كانت المدة بموجب نص المادة 107 من القانون 137 لسنة 1981 المشار إليه بعشرين يوماً من بدء نظر النزاع فإن المشروع رأي مد هذه المهلة فأصبحت لا تجاوز شهرين من بدء نظر النزاع. 

وتطبق هيئة التحكيم القوانين المعمول بها ولها تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية والعرب ومبادئ العدالة وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة في المنطقة. 

ويصدر قرار الهيئة بأغلبية الآراء ويكون مسبباً ويعتبر بمثابة حكم صادر عن محكمة الاستئناف بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من قلم كتاب محكمة الاستئناف المختصة. 

وعلى رئيس الهيئة إعلان طرفي النزاع بصورة من قرار التحكيم بكتاب مسجل، وذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره. 

وترسل هيئة التحكيم ملف الموضوع بعد إعلان طرفي النزاع على الوجه المذكور في الفقرة السابقة إلى الجهة الإدارية المختصة لقيد منطوق القرار في سجل خاص، وإيداع الملف بمحفوظاتها وتعطي مستخرجات منه لذوي الشأن. 

ولكل من طرفي النزاع أن يطعن في القرار أمام محكمة النقض بالشروط والأوضاع والإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية .

 

الأحكام

1 ـ مناط إختصاص هيئه التحكيم وفقا لنص المادة 93 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 هو قيام نزاع خاص بالعمل أو بشروطه بين واحد أو أكثر من أصحاب العمل وجميع عمالهم أو فريق منهم , مفاد نص المادة 1 / 102 من ذات القانون أن هيئه التحكيم ملزمه أصلا بتطبيق أحكام القوانين فيما يعرض عليها من منازعات بين أرباب الأعمال وعمالهم وأن لها بجانب هذا الأصل رخصه أجازها لها القانون هي أن تستند إلى أحكام الشريعه الإسلاميه و العرف ومبادئ العداله في إجابه العمال إلى بعض مطالبهم التى لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون و ذلك وفقاً للحاله الإقتصاديه و الإجتماعيه العامة في المنطقه .

( الطعن رقم 2013 لسنة 54 ق -لسة  19 / 11 / 1989 )

2 ـ هيئة التحكيم وفقاً للمادة 1/ 203 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 - الذى يحكم واقعة النزاع - ملزمة أصلاً بتطبيق أحكام القوانين و القرارات التنظيمية العامة المعمول بها فيما يعرض لها من منازعات جماعية بين العمال و أصحاب الأعمال ، و لها بجانب هذا الأصل الذى يجب إتباعه أن تستند إلى العرف و مبادىء العدالة وفقاً للحالة الإقتصادية و الإجتماعية العامة في المنطقة في إجابة مطالب العمال التى لا ترتكن إلى حقوق تؤدى إليها نصوص القانون

( الطعن رقم 1616 لسنة 51 ق - جلسة 31 / 1 / 1983 )

3 ـ هيئة التحكيم - وفقا للمادة 203 من القانون رقم 91 لسنة 1959 المقابلة للمادة 16 من القانون رقم 318 لسنة 1952 ، وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - ملزمة أصلا بتطبيق القوانين واللوائح فيما يعرض لها من منازعات جماعية بين العمال وأصحاب العمل ولها إلى جانب هذا الأصل رخصة الإستناد إلى العرف ومبادىء العدالة في إجابة مطالب العمال التى لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون وذلك وفقا للحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة في المنطقة ، ولا سبيل إلى إلزامها بإختيار العمل بالرخصة الممنوحة لها ، ولا عليها إذا هى استعملت أحد وجهيها دون الوجه الآخر ، وهى غير مكلفة في ذلك ببيان أسباب اختيارها أحد الوجهين . وإذ كان القرار المطعون فيه قد خلص إلى أن مطلب العمال لا يرتكن إلى حق مقرر لهم في القانون وطبق مبادىء العدالة فألزم الشركة المطعون عليها نصف الأجور في العطلات الخارجة عن إرادة العامل ، فإنه لا يكون قد خالف القانون .

( الطعن رقم 280 لسنة 33 ق - جلسة 8 / 11 / 1967 )

4 ـ هيئة التحكيم وفقاً للمادة 16 من المرسوم بقانون رقم 318 لسنة 1952 - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - ملزمة أصلا بتطبيق أحكام القوانين واللوائح فيما يعرض لها من منازعات جماعية بين العمال وأصحاب الأعمال ولها إلى جانب هذا الأصل رخصة الإستناد إلى العرف ومبادئ العدالة في إجابة العمال إلى مطالبهم التى لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون وذلك وفقاً للحالة الإقتصادية والإجتماعية في المنطقة ، ومتى إلتزمت هيئة التحكيم الأصل المقرر لها وهو تطبيق القانون على النزاع ورأت فيما قرره العمال من حقوق ما يغنى عن التزيد فيها فلا سبيل إلى إلزامها بإختيار العمل بالرخصة المخولة لها و لا تثريب عليها في عدم الأخذ بها وهى في الحالين غير مكلفة ببيان أسباب إختيارها لأحد وجهى الرأى فيها كما أنها غير ملزمة ببحث مقتضيات العدالة والظروف الإقتصادية والإجتماعية التىترتكن إليها العمال في مطالبهم .

( الطعن رقم 104 لسنة 33 ق - جلسة 5 / 4 / 1967 )

4 ـ ليس في نصوص المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردى ما يوجب على صاحب العمل وضع كادر ينظم المسائل المالية المتعلقة بترتيب الوظائف و إنشاء الدرجات و منح الترقيات و العلاوات الدورية لعماله - و إذ كان ذلك و كانت هيئة التحكيم - و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - ملزمة أصلا بتطبيق أحكام القوانين و اللوائح فيما يعرض عليها من منازعات بين أصحاب الأعمال و العمال و لها إلى جانب هذا الأصل رخصة أجازها لها القانون هى أن تستند إلى العرف و مبادىء العدالة في إجابة العمال إلى بعض مطالبهم التى لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون و ذلك وفقا للحالة الإقتصادية و الإجتماعية العامة في المنطقة ، و كانت النقابة الطاعنة لم تقدم ما يدل على قيام عرف خاص يقتضى إلزام صاحب العلم بوضع مثل هذا الكادر كما أنها لم تنسب إلى مشروع الكادر الذى وضعته الشركة إخلاله بمراكز قائمة أو بحقوق مكتسبة لمستخدمى الشركة و عمالها ، فإن القرار المطعون فيه لا يكون مخالفاً للقانون فيما انتهى إليه من أنه ليس من إختصاص هيئة التحكيم إلزام الشركة بوضع كادر لعمالها على وجه معين .

( الطعن رقم 296 لسنة 26 ق - جلسة 22 / 12 / 1960 ) 

5 ـ مؤدى نص المادة 16 فقرة أولى من القانون رقم 318 لسنة 1952 في شأن التوفيق و التحكيم في منازعات العمل أن هيئة التحكيم ملزمة أصلا بتطبيق أحكام القوانين و اللوائح فيما يعرض عليها من منازعات بين أرباب الأعمال و العمال و أن لها بجانب هذا الأصل رخصة أجازها لها القانون هى أن تستند إلى العرف و مبادىء العدالة في إجابة العمال إلى بعض مطالبهم التى لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون ، و ذلك وفقا للحالة الإقتصادية و الإجتماعية في المنطقة .

( الطعن رقم 415 لسنة 25 ق - جلسة 14 / 1 / 1960 )
(
الطعن رقم 362 لسنة 23 ق جلسة 20/ 6/ 1957 )

شرح خبراء القانون

النصوص والمقابلة : 

تقابل المادة 102 من قانون 137/ 81 

كما تقابل المادة 203 من قانون 91 لسنة 1959. 

كما تقابل المادة الأولى فقرة 1 و 2 من القانون المدني. 

شرح وتعليق :  

بداية يتضح من مطالعة نص المادة عدم الانضباط من حيث الصياغة في فقرتها الأولى فقد بدأت بقولها «تطبق هيئة التحكيم القوانين المعمول بها فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف ... الخ» وكان الأولى أن يقال «حکمت الهيئة ... الخ» لكن يبدو أن واضعي النص نقلوه حرفياً عن الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني فجاء النص على ما عليه من عدم الدقة في الصياغة . 

ونعتقد أن نص المادة 102 الملغاة (من قانون 137/ 81) كانت أفضل من النص الجديد لأنها جعلت الشريعة الإسلامية الغراء مصدراً تالياً للتشريع لكن النص الجديد جعل الشريعة الإسلامية تالية العرف أخذا بما نصت عليه المادة الأولى من القانون المدني ولا ينبغي للعرف أن يسبق الشريعة الإسلامية كما أن من المحال ألا يوجد فيها نص يمكن تطبيقه إمتثالاً لقوله تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ).

ويشمل اختصاص هيئة التحكيم كل نزاع مهما كانت طبيعته سواء كان ناشئاً عن خلاف في تطبيق أو تأويل القانون أو لائحة أو حكم قضائي أو كان راجع إلى غير ذلك من المنازعات الاقتصادية التي لا تستند إلى القانون. 

والذي نراه متمشياً مع مقاصد المشرع أن هيئة التحكيم تلتزم بحسب الأصل بأن تطبق على النزاع التشريعات المعمول بها ولا خلاف في ذلك بين الفقه ولا بين أحكام النقض القديمة والحديثة أما الخلاف فيثور بشأن عدم وجود نص تشريعي يمكن تطبيقه على النزاع المعروض وفي هذا الصدد يعتقد أن المصادر الأخرى التي أوردتها المادة 102 المقابلة للمادة 187) مصادر متوازنة يعني أنه يجوز للهيئة عدم مراعاة الترتيب الوارد بالمادة فيجوز أن تطبق أحكام الشريعة الإسلامية ويجوز أن تطبق العرف ويجوز أن تترك الإثنين وتطبق مبادئ العدالة .

المقصود بالشريعة والعرف والعدالة : 

والمقصود بأحكام الشريعة الإسلامية المبادئ الأولية والقواعد الكلية التي تحدد الأحكام الشرعية في المعاملات والعبادات وكذلك المسائل المتفرعة عنها والمنبثقة منها ولا تتقيد هيئة التحكيم بمذهب معين أو أرجح الأقوال في مذهب من المذاهب مثلاً وإنما لها مطلق الحرية في الأخذ بأي رأي في أي مذهب إسلامي ما دام مذهباً غير منكور وما دام هذا الرأي لا ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة . 

والمقصود بالعرف هو ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول وله شروطه التي سبقت الإشارة إليها . 

والمقصود بالعدالة البحث عن حل موفق بين مصالح الطرفين بالقدر المستطاع بدون عنت أو إرهاق لأحدهما ولذلك فالحرية واسعة الأعضاء هيئة التحكيم كالحاصل من المحكمين المفوضين بالصلح . 

ويصدر قرار هيئة التحكيم بأغلبية الأراء ويجب أن يكون مسبباً شأنه شان أي حكم قضائي وقد اعتبره القانون حکم صادراً من محكمة الإستئناف المختصة بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من قلم كتاب محكمة الاستئناف . (راجع الموسوعة الشاملة في شرح قانون العمل، الدكتور على عوض حسن، الدكتور علاء فوزي زكي، طبعة دار الحقانية، المجلد الثالث، صفحة 178)

مصادر قانون العمل 

- لا تختلف مصادر قانون العمل من حيث المبدأ عن مصادر القانون المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون المدني، حيث يتصدر التشريع هذه المصادر ثم يليه العرف وأحكام الشريعة الإسلامية والقانون الطبيعي والعدالة، كما أننا نعتبر القضاء من المصادر الواقعية للقاعدة القانونية في مجال القانون بصفة عامة بما في ذلك قانون العمل، ودور محكمة النقض سواء بدوائرها المدنية أم الجنائية لا يمكن إغفاله في مجال قانون العمل. 

ولقد نصت المادة 187 من قانون العمل على مصادر القانون التي تلجأ إليها هيئة التحكيم في منازعات العمل الجماعية، فتطبق هيئة التحكيم التشريعات المعمول بها ثم العرف، فإن لم يوجد تطبق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ القانون الطبيعي والعدالة وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في منطقة المنشأة. 

ويلاحظ أن هذه المادة قد عدلت ما كان معمولاً به في قانون العمل السابق والذي غير في ترتيب مصادر القانون حيث سبقت الشريعة الإسلامية العرف.

ويبدو أن هذا التغيير كان غير مقصود، ولقد كانت هذه المسألة مثار نقاش عند وضع التشريعات المدنية المختلفة في البلاد العربية، فقد ذهب القانون المدني السوري إلى تقديم الشريعة على العرف، ولقد أوضح الفقه السوري أن هذا التقديم لا يقدم ولا يؤخر ويعتبر من قبيل اعتمادها لأن العرف من أهم المستندات التي توجب نصوص الشريعة وفقهائها اعتمادها ورعايتها.

ولهذا فقد أحسن المشرع صنعاً في أتباع ترتيب المصادر الوارد في القانون المدني، فهو أكثر دقة من الناحية الفنية. 

- ووضع المادة 187 لما يسمى بنظرية مصادر قانون العمل في علاقات العمل الجماعية يثير مسألة طالما أثارها الفقه الفرنسي وهي مدى ملائمة وضع تقنين للعمل، ويقصد بذلك ليس مجرد تجميع النصوص وإنما وضع نظرية عامة مستقلة لمصادر قانون العمل وتفسيره، ويعتبر ذلك نهاية الصلة بالقانون المدني واكتساب قانون العمل لاستقلاليته الكاملة، بل أن لجنة وضع مشروع القانون المدني الفرنسي قد استبعدت عقد العمل من نطاق العقود التي ينظمها القانون المدني. 

وفي الحقيقة أن قانون العمل المصري يتميز بعموميته من حيث مجال التطبيق بحيث لا تتفرق الأمور المنظمة للعمل على فروع أخرى أو قوانين فرعية العمل، ولهذا فإن هذه المشكلة لا تكتسب أهمية كبرى في القانون المصري بعكس الوضع في القانون الفرنسي، فقانون العمل المصري يقترب من التقنين الكامل وإن كان إخراج النقابات وعمال المناجم من نطاقه قد أضعف من شكله كتقنين. 

- وبالإضافة إلى هذه المصادر العامة للقانون، فإن قانون العمل يتميز بوجود عدة مصادر أخرى يرجع إليها في إطاره، وهذه المصادر يمكن ردها إلى المصادر العامة السابق بيانها، ومع هذا فإنها تكتسب أهمية خاصة في قانون العمل حيث يكثر الرجوع إليها أكثر من أي فرع آخر من فروع القانون، ويقصد بذلك المصادر الحرفية، والمصادر الدولية.

ونتناول فيما يلي التشريع والمصادر الحرفية والدولية ثم المبادئ العامة القانون العمل. 

أولاً : التشريع:

- يعتبر الدستور أسمى التشريعات ولقد تضمن دستور سنة 2014 بعض المبادئ الأساسية في قانون العمل، فطبقاً للمادة 12 من الدستور العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً، إلا بمقتضى القانون ولأداء خدمة عامة لمدة محدودة وبمقابل عادل، فهذا النص يؤكد الحق في العمل وحرية العمل في نفس الوقت. 

وتنص المادة 13 على التزام الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية. 

وبناء علاقة العمل على التوازن بين طرفي العلاقة ينفي ما يطلق عليه الفقه الطابع الطبقي لقانون العمل، فهو لا يستهدف تغليب طرف على أحد وإنما تحقيق التوازن الاجتماعي والإنساني والاقتصادي في علاقة الطرفين. 

وفي سبيل تحقيق التوازن يكفل المشرع الدستوري سبل التفاوض الجماعي .

وحفاظاً على الطابع الإنساني لقانون العمل تلتزم الدولة بالعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية. 

ويلاحظ أن الدولة بموجب النص الدستوري قد التزمت بتلك الأمور دستورياً ولم يتوقف دور الدولة على كفالة تلك الحقوق، فالالتزام مرحلة أقوى وأبعد من مجرد الكفالة، فهو التزام بتحقيق تلك النتيجة.

وقد يؤخذ على الدستور خوضه في مسائل تفصيلية كان يجدر أن تترك التشريعات، فالمادة 13 من الدستور حظرت صراحة الفصل التعسفي، وهذا يفيد من جهة جواز الفصل ومن جهة أخرى بشرط ألا يكون الفصل تعسفياً، ويقصد الدستور بطبيعة الحال إنهاء عقد العمل بالإرادة المنفردة لصاحب العمل ولا يقصد الفصل التأديبي. 

وهذا كله يؤدي إلى أن مبدأ إنهاء عقد العمل بالإرادة المنفردة لصاحب العمل ارتفع إلى مصاف الحقوق الدستورية ولم يعد مجرد حق يستمد من قواعد عقد العمل أو قانون العمل، وبالمثل فإن حظر الفصل التعسفي ارتفع برمته إلى مصاف الحقوق الدستورية العامل. 

وإن كان الدستور قد حظر الفصل التعسفي إلا أن جزاء ذلك متروك القانون، فليس كل فصل تعسفي يقع مخالفاً للدستور أو باطلاً وإنما الحظر يستوجب توقيع الجزاء وفقاً للقانون، فقد يكون الفصل لأسباب نقابية مستوجباً إعادة العامل إلى عمله، وقد يكون جزاء الفص مجرد التعويض.

وميزة هذا النص الدستوري تتمثل في أن الحق الذي يقرره الدستور للعمال يصبح من المكاسب العمالية التي لا يملك القانون المساس بها، وذلك نحو ما سنوضح عند دراستنا للحد الأدنى للأجور، فالمكسب العمالي ليس عبارة إنشائية أو ميزة يقدمها القانون العامل، وإنما هو حق يقرره الدستور للعامل، وهذا هو الذي يرفعه من مجرد الحق إلى مكسب عمالي لا يجوز للمشرع المساس به. 

- والتشريع العادي أو القانون يعتبر من أغزر مصادر قانون العمل، وحتى سنة 1981 كان يطبق القانون رقم 91 لسنة 1959 وكان يسمى بقانون العمل الموحد لأنه كان يسري على سوريا ومصر في فترة الوحدة بينهما. 

ولقد ألغي هذا القانون في مصر بمقتضى القانون 137 لسنة 1981 ولكن وحتى وقت قريب كان العمل به سارياً في القانون السوري. 

والتنظيم الحالي لعلاقات العمل تحكمه عدة قوانين، أولها قانون العمل، ثم قانون العاملين في المناجم والمحاجر، وقانون عمال البحر وقانون النقابات العمالية. 

- صدر قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 في 13 من أغسطس 1981 وبدء العمل به اعتباراً من اليوم التالي لصدوره أي منذ 14 من أغسطس 1981. ولقد عدل هذا القانون بالقانون رقم 33 لسنة 1982 في 27 من مايو سن 1982 وتوالت عليه التعديلات الطفيفة. 

وأهم ما يميز القانون هو العجلة غير المبررة في إصداره، ومن الغريب أن هذا القانون لم يكن بناء على اقتراح من الحكومة كما يحدث في التشريعات ذات الأهمية القصوى، وإنما كان بناء على اقتراح من أحد أعضاء مجلس الشعب. 

ولم تتم صياغته بدقة فجاء معيباً للغاية من حيث أن الصياغة فهو ينطوي على أحكام مكررة، وعلى نصوص ناقصة احتوت على فقرات متعارضة جاءت في مشروع القانون مما اضطر المشرع إلى إصدار تعديل للقانون لتفادي هذا العيب الخطير، كما سقطت بعض النصوص على سبيل السهو، فلم يرد فيه تنظيم لإنهاء العقد غير محدد المدة حيث اختلط على المشرع مشروع القانون وما انتهى إليه القانون، ومن المؤكد أنه لم تتم مراجعة القانون ككل قبل تقديمه إلى المجلس وبعد إدخال تعديلات عليه في اللجان. 

ومن المؤسف أن المشرع لم يعن بالتعرف على أحكام القضاء وقت إصدار القانون مما جعله يضع نصوصاً توهم فيها إعطاء مزايا جديدة للعمال في الوقت الذي كان القضاء قد استقر على منحهم ما هو أكثر مما جاء في القانون . 

وفي نصوص التجريم جرم المشرع أفعالاً وترك أخرى من قبيل السهو مما اضطره إلى تعديل نصوص التحريم لوضع الأمور في نصابها الصحيح. 

ومع هذا فإن للقانون العديد من المزايا – فهو قد انطوى على تبسيط وتعميم مجال تطبيقه وجاء تنظيمه علمياً وإن لم يكن مثالياً ولقد جاءت نصوصه متلائمة قدراً لإمكان مع نصوص قانون التأمين الاجتماعي، ونظم لأول مرة السلامة المهنية وبيئة العمل مما يواجه التطورات الحديثة في قانون العمل. 

ولقد فوت المشرع في الحقيقة على نفسه الفرصة في أن يضع تشريعاً حديثاً مكملاً لقانون العمل بعد أن تطورت هذه المادة في كافة المجالات وأسفر القانون في النهاية عن بعض المزايا المتفرقة. . 

ولقد صدر قانون العمل فجأة حتى بالنسبة للمشرع الذي لم يكن قد أعد العدة لذلك بل يبدو وأنه لم يعتقد أن الوقت قد حان لإصدار قانون جديد للعمل، ومما يدل على ذلك أن المشرع عندما وجد من الضروري تعديل أحكام القانون بالنسبة لعمال المناجم والمحاجر، وأحكام النقابات العمالية، فإنه سلخها من قانون العمل القائم في ذلك الوقت وأصدر تشريعات مستقلة لتنظيمها. 

وهكذا فقد قانون العمل قدراً من تماسكه ووحدته كتشريع متكامل للعمل، وأصبح قانوناً ينظم أغلب مسائل قانون العمل وليس كلها، ولهذا فقد أصدر المشرع في سنة 2003 قانون جديد للعمل. 

ثانياً : المصادر ذات الطبيعة الحرفية 

إذا كانت المصادر النابعة من سلطة الدولة تعتبر المصدر الرئيسى لقانون العمل، إلا أن هناك مكاناً متميزاً لما يسمى بالمصادر ذات الطبيعة أو الأصل الحرفي، فبالرغم من عدم إعطاء مبدأ سلطان الإرادة مركز الصدارة في مجال العلاقات العملية، إلا أن أصحاب الشأن يساهمون بقدر هام في تكوين قواعد العمل، ويتم ذلك أما ببطء وبطريقة غير محسوسة كالعادة والعرف، وأما بطريقة فعالة عن طريق اتفاقيات العمل الجماعية ولوائح العمل، وأما بكون القواعد التشريعية القائمة تعتبر تقنيناً لما جرى العمل به في الحرفة. 

1 القواعد الحرفية التلقائية

أهم المصادر الحرفية التي ساهمت بصورة تلقائية في تكوين قواعد قانون العمل هي العادات أو ما جرى عليه العمل، وتتكون العادة من تكرار وتعدد الشروط المتشابهة في عقود العمل الفردية أو الجماعية، فهي تتكون ما يجرى عليه العمل عادة في العلاقة ما بين العمال وأصحاب الأعمال، فهي نتيجة التكوين التلقائي داخل الأوساط الحرفية، ولهذا فهي يمكن أن تتعدد وتختلف بحسب نوع الحرفة والمنطقة. 

ولا يلزم أن تكون العادة على مستوى الدولة والأقاليم أو المنطقة، وإنما يمكن أن تكون على مستوى المشروع الواحد، ويبين ذلك بوضوح في مجال ملحقات الأجر.

 ويجب الوجود العادة توافر العنصر المادي وهو اطراد السير على سلوك معين لمدة طويلة من الزمن سواء في منطقة أو حرفة أو مشروع، وإذا توافر العنصر المعنوي فإننا نكون بصدد عرف بكل معنى الكلمة. ولهذا يثور النقاش في  فقه قانون العمل حول ما إذا كان يلزم لاعتبار المكافأة أو العلاوة من ملحقات الأجر مجرد توافر الاعتياد أم يلزم توافر عرف بالمعنى الحقيق، وهو ما حسمه المشرع في القانون الحالى كما سنوضح.

وعلى هذا فإن القواعد العرفية في مجال قانون العمل يمكن أن تنشأ بمعزل عن سلطة الدولة في محيط الصناعات والحرف المختلفة.

- وإذا كان من المسلم به أن العرف يعتبر مصدراً للقانون بصفة عامة بما فيه قانون العمل، إلا أن التركيز على المصادر الحرفية في مجال قانون العمل يرجع إلى ما تتميز به هذه المصادر في إطار نظرية العرف كمصدر القانون. 

فمن جهة تقضي القواعد العامة بأن القاعدة العرفية قد تكون آمرة وقد تكون مكملة شأنها في ذلك شأن القواعد التشريعية، ولكن في مجال قانون العمل تعتبر القواعد العرفية قواعد آمرة على أساس أنها تستهدف تقديم الحماية اللازمة للطبقة العامة. 

ومن جهة أخرى، يكتفي بعض الفقه لتوافر المصدر الحرفي بوجود العادة فقط دون التقيد بتوافر العرف بالمعنى الدقيق، فإذا توافرت شروط العادة من حيث التكرار والثبات كان ذلك كافياً لنشأة الحق أي الاكتفاء بما جرى عليه العمل داخل المنشأة أو المشرع بل ويستعمل المشرع أحياناً اصطلاح العادة بدلاً من العرف، وهذا ما ذهب إليه قانون العمل في المادة الأولى بشأن الوهبة والمكافأة. 

ويقتصر دور القضاء على التحقق من وجود وتحديد مضمونها، ويرجع في ذلك إلى النشرات والتعليمات التي تصدر من المنشأة، وإذا كان يعيب هذه القواعد أنها تحتاج إلى وقت لتكوينها، وأن الكشف عليها وإثباتها ليس من الأمور اليسيرة، إلا أنها تقدم مزايا هامة في مجال قانون العمل، فهي توفر للقواعد القانونية قدرة ضرورياً من المرونة والتنوع مما يتلاءم مع اختلاف الأعمال وظروفها سواء من حيث القائمين بها أم طبيعة المنطقة. 

ولا تفقد العادة أهميتها في ظل ظهور وانتشار عقود العمل الجماعية. 

فالميزة التي تحققت للعامل قبل إبرام عقد العمل الجماعي يظل محتفظاً بها كحق مكتسب طالما أنها أفضل مما ورد في العقد الجماعي، فما جرى عليه العمل يكمل عقد العمل الجماعى طالما أنه يحقق فائدة أكبر للعامل. 

وفي الوقت الحاضر تضاءلت أهمية العادة نظراً لظهور وانتشار عقود العمل الجماعية التي حرصت على أن تتضمن المزايا التي لم تكتسب بعد صفة . الاستقرار والثبات، وهذا ما سندرسه فيما يلي: - 

2 ـ القواعد الحرفية ذات الإعداد المنظم
- لا تقتصر القواعد الحرفية على تلك القواعد التي تنشأ بصورة تلقائية من اطراد السلوك، وإنما تشمل أيضاً تلك القواعد التي تتم أما بناء على اتفاق بين أصحاب الأعمال ونقابات العمل أى العقود الجماعية، أو التي توضع بالإرادة المنفردة لصاحب العمل وهي ما تسمى بلوائح تنظيم العمل. 

ويدخل في إطار القواعد الحرفية أحكام التحكيم: التي تصدر في المنازعات الجماعية، وهي المنازعات التي تتعلق بالعمل أو بشروطه وتقع بين واحد أو أكثر من أصحاب العمل ، وجميع عمالهم أو فريق منهم، فمن أهم المصادر التي تعتمد عليها هيئات التحكيم مبادىء العدالة، وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، واستنادها دائماً إلى العدالة ووجود عناصر حرفية في تكوين هيئة التحكيم، أدى لاعتبار أحكامها من قبيل المصادر الحرفية، ولقد لعبت أحكام هيئة التحكيم دوراً هاماً في العديد من المسائل في القانون المصري وخصوصاً في تحديد حقوق العامل عند التوقف عن العمل بسبب راجع إلى قوة قاهرة مثل انقطاع التيار الكهربائي.

3ـ القواعد التشريعية الناتجة عن التعاون بين سلطة الدولة والجهات الحرفية

 - تبدو أهمية هذه الصورة في الدول التي توجد بها نقابات عمالية قوية وحيث تكون التشريعات الصادرة في الدولة نتاج تعاون قوي بين الدولة وهذه النقابات أو الجهات الحرفية بصفة عامة. 

والتعاون يتخذ صوراً عدة، فقد يكون بإلزام سلطات الدولة بالتشاور مع الجهات الحرفية عند وضع التشريع ودون أن تكون مقيدة برأي هذه الجهات، وقد يكون باستلزام موافقة هذه الجهات على القاعدة التشريعية قبل إصدارها، وقد تعمد الدولة إلى بعض هذه الجهات لإعداد القواعد القانونية مثل تحديد الحد الأدنى للأجور لكل منطقة بحسب ظروفها الاقتصادية. 

والاتجاه المعاصر يذهب إلى إشراك ممثلي الجهات الحرفية في وضع السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة باعتبار أن قانون العمل يلعب دوراً مباشرة في تحقيق هذه السياسة.

ثالثاً : المصادر الدولية لقانون العمل

- من المعروف أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية تقوم بتنظيم العلاقة بين الدول، وهذه المعاهدات قد تكون ثنائية أي بين دولة وأخرى، وقد تكون دولية أي في إطار منظمات دولية، والاتفاقية متى تم التصديق عليها طبقاً للأوضاع الداخلية المنصوص عليها في الدستور فإنها تعتبر جزء لا يتجزأ من قانون الدولة. 

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مجهوداً دولياً لا يمكن إغفاله يسعى حديثاً إلى توحيد قواعد قانون العمل مما أوجد ما يسمى بالقانون الدولي للعمل والقانون الاجتماعى الدولي. (راجع شرح قانون العمل، للاستاذ الدكتور حسام الدين كامل الأهواني، الطبعة الرابعة 2020، دار النهضة العربية، الصفحة 49)

والأصل أن هيئة التحكيم ملزمة بتطبيق التشريعات المعمول بها على النزاع المعروض عليها أما إذا كانت المطالب المعروضة عليها لاترتكن إلى حقوق مقررة في التشريعات المذكورة فيجوز لها أن تستند في قرارها إلى أحكام الشريعة الإسلامية والقانون الطبيعي وهو العرف ومبادئ العدالة وفقاً للحالة الاقتصادية والإجتماعية في المنطقة واستعمالها لهذه الأحكام رخصة لها فلا يجوز إلزامها باستعمالها- متى وجدت في التشريعات والقرارات التنظيمية المنفذة لها ما يغنيها عن استعمالها كما أنه يجوز للهيئة عدم مراعاة الترتيب الوارد بالمادة في حالة عدم وجود نص تشريعي فيجوز أن تطبق أحكام الشريعة الإسلامية ويجوز أن تطبق العرف ويجوز أن تترك الاثنين وتطبق مبادئ العدالة : حيث إن هذه المصادر الأخرى غير التشريعية هي مصادر متوازنة (راجع د. علي عوض ص 446 في الوجيز في شرح قانون العمل). 

يصدر قرار هيئة التحكيم بأغلبية الآراء وفي حالة تساوي الأعضاء يرجع الجانب الذي به الرئيس ، ويجب أن يكون مسبباً شأنه شأن أي حكم قضائي ، وقد اعتبره القانون حکم صادر من محكمة الإستئناف المختصة بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من قلم كتاب المحكمة .

 (ر اجع الموسوعة العمالية، للمستشار العمالي / عبد الحميد قطب بلال، مطبعة علاء الدين، طبعة 2009، الصفحة 501)