استعاض المشروع في المادة 53 عن إصطلاح ( محل افتتاح التركة ) بإصطلاح ( آخر موطن للمتوفى ) لأنه أبلغ في البيان .
بعض الدعاوى المتعلقة بالتركة : وفقاً للمادة 53 مرافعات «الدعاوى المتعلقة بالتركات التي ترفع قبل قسمة التركة من الدائن أو من بعض الورثة على بعض تكون من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها آخر موطن للمتوفى» . فالمحكمة المختصة بهذه الدعاوى ليست محكمة موطن المدعى عليه، وإنما محكمة آخر موطن كان للمورث ويحدد هذا الموطن وفقاً للقواعد العامة فإذا لم يكن للمورث موطن، كان الاختصاص لمحكمة آخر محل إقامته وإن كان له أكثر من موطن، أو لم يكن له موطن وكان له أكثر من محل إقامة، ففي المحكمة التي يتبعها الموطن أو محل الإقامة الذي افتتحت فيه التركة. وعلة هذه القاعدة الخاصة أن من المصلحة تجميع الدعاوى المتصلة بتركة واحدة أمام محكمة واحدة، وأن أقدر المحاكم على الفصل فيها جميعاً هي المحكمة التي يتبعها محل افتتاح التركة لما قد تقتضيه قسمة التركة أو تصفية ديونها من تقدير قيمة أموال التركة أو تكوين حصص .. إلخ والتركة تفتتح في آخر موطن للمورث.
على أنه يشترط لتطبيق هذه القاعدة الخاصة : أ- أن تكون الدعوى مرفوعة من الدائن أو أن تكون من بعض الورثة على بعض ومثال الأولى الدعوى التي يرفعها الدائن على الورثة بطلب دین له على المورث. ومثال الثانية الدعوى التي يرفعها الوارث بطلب نصيبه الموروث. وتنطبق القاعدة ولو كان الوارث واحداً، ذلك أن حكمة النص وهي تجميع الدعاوى المتعلقة بالتركة أمام محكمة واحدة توجب الأخذ بها ولو كان الوارث واحد ويقصد بالوارث ليس فقط الوارث القانوني، بل أيضاً الموصى له بجزء غير معين من التركة فإذا كانت الدعوى غير ما ذكر النص فلا تنطبق القاعدة الخاصة، ولهذا لا تنطبق على الدعوى التي يرفعها الورثة ضد الغير للمطالبة بدين التركة أو للمطالبة بمال من أموالها، أو على الدعوى التي يرفعها الموصى له بجزء معين من التركة على الورثة الشرعيين، أو تلك التي يرفعها هؤلاء الورثة ببطلان الوصية.
ب- أن تكون الدعوى متعلقة بالتركة. ولهذا لا تنطبق القاعدة على دعوى الوارث ضد وارث آخر بشأن دین خاص بينهما.
ج- أن ترفع الدعوى قبل انتهاء قسمة التركة. فإذا رفعت بعد ذلك، لم تطبق القاعدة الخاصة لانتفاء علتها على أنه يجب لاستبعاد اختصاص محكمة محل افتتاح التركة أن تكون القسمة قد أصبحت نهائية غير قابلة للطعن. ولهذا فإن هذه المحكمة تكون مختصة بدعوى إبطال القسمة ولو رفعت بعد انتهاء إجراءاتها.
وإذا توافرت هذه الشروط، فإن القاعدة الخاصة تنطبق، ولو كانت الدعوى متعلقة بحق عيني على عقار، على أنه يلاحظ أن القاعدة الخاصة بالدعاوى المتعلقة بالتركات لا تنطبق إلا على الدعاوى الموضوعية. أما الدعوى الوقتية التي ترمي إلى مساعدة هذه الدعاوى، فإنها تخضع للقاعدة الخاصة بالدعوى الوقتية ذلك أنها لا تمس الموضوع فلا ضرورة لرفعها حيث افتتحت التركة . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول، الصفحة : 592 )
الاختصاص المحلي بالدعاوى المتعلقة بالتركة : ينصرف نص المادة (53) سالف البيان إلى الدعاوى التي ترفع من دائن المورث على التركة بمطالبتها بالحق الذي تقرر له في ذمة المورث قبل وفاته، كذلك الدعاوى التي ترفع من بعض الورثة على البعض الآخر، وينعقد الاختصاص المحلي بهذه الدعاوی جميعاً للمحكمة التي يقع بدائرتها آخر موطن كان للمورث قبل وفاته، ويشترط لانعقاد الاختصاص لهذه المحكمة أن تكون الدعوى مرفوعة من الدائن على التركة أو من وارث على آخر وألا تكون التركة قد قسمت سواء كانت بعد قسمة قضائية أو قسمة اتفاقية ولو لم تسجل، لاقتصار اختصاص المحكمة المشار إليها على الدعاوى المنقولة دون الدعاوى العينية العقارية، بحيث إذا رفعت الدعوى على التركة بعد القسمة على الورثة، تعين رفعها أمام محكمة موطن أي منهم عملاً بالمادة ( 49 / 3 ) من قانون المرافعات، وإذا رفعت الدعوى من التركة على مدين المورث، تعين رفعها وفقاً للقواعد العامة.
ويشترط كذلك أن يكون المورث مصرياً، فإن كان أجنبياً، تعين الالتزام بنص الفقرة الأولى من المادة (17) من القانون المدني . ( المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة : 169 )
الاختصاص المحلي بالدعاوى المتعلقة بالتركات : وفقاً للمادة 53 مرافعات - محل التعليق - فإن الدعاوى المتعلقة بالتركات التي ترفع قبل قسمة التركة من الدائن أو من بعض الورثة على بعض تكون من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها آخر موطن للمتوفى.
فالدعاوى المتعلقة بالتركة ليست من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه، وإنما تختص بها المحكمة الكائن بدائرتها آخر موطن المتوفي، وإذا لم يكن للمتوفى موطن، فإن الاختصاص يكون للمحكمة الكائن بدائرتها آخر محل إقامة للمتوفي ( فتحى والى - مبادئ - بند 169 ص 249 ) .
وعلة تركيز الاختصاص بالدعاوى المتعلقة بالتركة للمحكمة الكائن بدائرتها آخر موطن للمتوفى، هي أنه من الأفضل تجميع هذه الدعاوى المتعلقة بالتركة في محكمة واحدة، وذلك لتسهيل الفصل فيها، ولتفادي تضارب الأحكام في هذه الدعاوى ( محمد عبدالخالق عمر - ص 180 رمزي سيف - بند 255 ص 301، إبراهيم نجيب سعد - بند 196 ص 489 ) ، ولا شك في أن أقدر المحاكم على الفصل فيها هي محكمة آخر موطن للمتوفى لأنه يتبعها محل افتتاح التركة، إذ تقدم التركة في آخر موطن للمتوفى، ومن ثم يسهل على هذه المحكمة تقدير قيمة أموال التركة وفعالية هذه الأموال، ومعرفة كافة أحوال التركة مما ييسر الفصل في هذه الدعاوى.
وينبغي عند تطبيق المادة 53 - محل التعليق - مراعاة قواعد الاختصاص الأخرى، فمثلاً إذا كانت الدعوى بحق عيني على عقار فإنها ترفع أمام محكمة موقع العقار، وهكذا.
ويشترط لاختصاص محكمة آخر موطن للمتوفى بالدعاوى المتعلقة بالتركة، أن تكون هذه الدعوى متعلقة فعلاً بالتركة، فلا ينعقد الاختصاص لمحكمة آخر موطن للمتوفى إذا كانت هذه الدعاوى غیر متعلقة بالتركة، كأن تتعلق بالتزامات شخصية للمورث مما لا ينتقل بالميراث ( محمد عبد الخالق عمر - ص 181 ) ، كالالتزام بأداء عمل معين، أو أن تتعلق بدین خاص لوارث لدي وارث آخر ( فتحى والى - مبادئ - بند 169 ص 250 )، فمثل هذه الدعاوى غير المتعلقة بالتركة تطبق بشأنها القواعد العامة في الاختصاص.
والدعاوى المتعلقة بالتركة هي التي يرفعها الدائن بطلب دین له على المورث قبل قسمة التركة، والدعاوى التي يرفعها بعض الورثة على بعض قبل قسمة التركة ولا ينطبق النص على الدعاوى التي ترفع من الورثة على الغير، ولو تعلقت بالتركة ولا يشمل الاستثناء المنصوص عليه في هذه المادة الدعاوى العينية العقارية، فهي تبقى من اختصاص محكمة موقع العقار، كما ذكرنا آنفاً .
وكذلك يشترط لاختصاص محكمة آخر موطن للمتوفى بالدعاوى المتعلقة بالتركة، أن ترفع هذه الدعاوى قبل إجراء القسمة، أما إذا رفعت هذه الدعاوی بعد إجراء قسمة التركة، فإن القواعد أخرى في الاختصاص هي التي تطبق بشأنها بحسب موضوع الدعوى وظروفها ( رمزي سیف - الوسيط - بند 255 ص 301 )، فمثلاً إذا رفع دائن دعوى على الورثة جميعاً بعد القسمة، فإن الاختصاص بهذه الدعوى يكون للمحكمة الكائن بدائرتها موطن أحد الورثة عملاً بالقاعدة المنصوص عليها في المادة 49 / 2 مرافعات الخاصة بحالة تعدد المدعى عليهم، أما إذا رفع دائن دعوى على أحد الورثة فقط، فإن الاختصاص بنظرها يكون للمحكمة الواقع بدائرتها موطن هذا الوارث عملاً بالقاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 49 / 1 مرافعات، ولكن يجب لاستبعاد اختصاص محكمة آخر موطن للمتوفى أن تكون القسمة قد أصبحت نهائية غير قابلة للطعن (فتحى والى - مبادئ - بند 169 ص 250)، ولذلك فإنه لا يستبعد اختصاص تلك المحكمة بالمنازعات المتعلقة بالقسمة نفسها، فمثلاً إذا رفعت دعوى بطلب إبطال القسمة، فإن المحكمة المختصة بنظرها هي محكمة آخر موطن للمورث (موريل - بند 263 ص 225، فتحی والی ۔ مبادئ - بند 169 ص 250، إبراهيم سعد - ج 1 بند 196 ص 491) حتى ولو رفعت هذه الدعوى بعد إتمام القسمة، لأن القسمة في هذه الحالة لم تصبح نهائية وغير قابلة للطعن فيها، ومن ثم لا يمكن استبعاد اختصاص محكمة آخر موطن للمتوفی بنظر دعوى إبطال القسمة .
كذلك يشترط لاختصاص محكمة آخر موطن للمتوفى بالدعاوى المتعلقة بالتركة، أن ترفع هذه الدعاوی من دائن على الورثة أو من بعض الورثة على بعض، فلا تختص هذه المحكمة بغير ذلك من الدعاوي، بل تطبق بشأنها القواعد العامة في الاختصاص. ( الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الثاني ، الصفحة : 275 )
الدعاوي المتعلقة بالتركة هي التي يرفعها الدائن بطلب دین له علي المورث قبل قسمة التركة، والدعاوي التي يرفعها بعض الورثة على بعض قبل قسمة التركة، ولا يطبق النص على الدعاوى التي ترفع من الورثة على الغير ولو تعلقت بالتركة ولا يشمل الاستثناء المنصوص عليه في هذه المدة الدعاوى العينية العقارية فهي تبقى من اختصاص محكمة موقع العقار. ( مرافعات العشماوي الجزء الأول ص 504).
- شرط تطبيق هذه القاعدة أن تكون الدعاوي المتعلقة بالتركة قد رفعت قبل قسمة التركة أما إذا رفعت بعد قسمة التركة أما إذا رفعت بعد قسمة التركة فلا تطبق هذه القاعدة وإنما تطبق القواعد الأخرى بحسب نوع الدعوى وظروفها .
(الوسيط للمرافعات رمزي سيف الطبعة الثامنة ص 300) . ( التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 744 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 56
وَطَن
التَّعْرِيفُ:
الْوَطَنُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالطَّاءِ- فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الإْقَامَةِ، أَوْ مَكَانُ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وَيُقَالُ لِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالإِبِلِ: وَطَنٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، جَمْعُهُ أَوْطَانٌ، وَمِثْلُ الْوَطَنِ الْمَوْطِنُ، وَجَمْعُهُ مَوَاطِنُ، وَأَوْطَنَ: أَقَامَ، وَأَوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ وَاسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَنًا، وَمَوَاطِنُ مَكَّةَ: مَوَاقِفُهَا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْوَطَنُ: هُوَ مَنْزِلُ إِقَامَةِ الإْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَحَلَّةُ:
الْمَحَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَنْزِلُ الْقَوْمِ، وَالْجَمْعُ مَحَالُّ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَنْزِلُ قَوْمِ إِنْسَانٍ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهُمْ حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَحَلَّةِ وَالْوَطَنِ أَنَّ الْوَطَنَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلَّةِ.
أَنْوَاعُ الْوَطَنِ:
يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَطَنَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَوَطَنُ إِقَامَةٍ، وَوَطَنُ سُكْنَى، كَمَا يَلِي:
أ- الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ: مَوْطِنُ وِلاَدَةِ الإْنْسَانِ أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تَوَطُّنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ، وَيُسَمَّى بِالأْهْلِيِّ، وَوَطَنُ الْفِطْرَةِ، وَالْقَرَارِ، وَمَعْنَى تَأَهُّلِهِ أَيْ تَزَوُّجِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ، قِيلَ: لاَ يَبْقَى وَطَنًا، إِذِ الْمُعْتَبَرُ الأْهْلُ دُونَ الدَّارِ، وَقِيلَ: تَبْقَى، وَمَعْنَى تَوَطُّنِهِ أَيْ عَزْمِهِ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الاِرْتِحَالِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ فِيهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْوَطَنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الشَّخْصُ لاَ يَرْحَلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلاَ شِتَاءً إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ .
وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْخَرِبَةُ الَّتِي انْهَدَمَتْ دُورُهَا وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى إِصْلاَحِهَا وَالإْقَامَةِ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً .
كَمَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ امْرَأَةٌ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاَةَ الْمُقِيمِ» .
قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَطَنِ الْبَلَدُ الَّذِي لِلشَّخْصِ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَطَنُ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَى الشَّخْصِ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَمَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ فَقَطْ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب- وَطَنُ الإْقَامَةِ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ الإْقَامَةِ هُوَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ الإْنْسَانُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ مُدَّةٍ قَاطِعَةٍ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَيُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ بِالْوَطَنِ الْحَادِثِ.
وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِحُكْمِ السَّفَرِ .
ج- وَطَنُ السُّكْنَى:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَطَنُ السُّكْنَى هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإْنْسَانُ الْمُقَامَ بِهِ أَقَلَّ مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ .
(ر: صَلاَةِ الْمُسَافِرِ ف3 – 8)
شُرُوطُ الْوَطَنِ:
لاَ يُسَمَّى الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الإْنْسَانُ وَطَنًا لَهُ تُنَاطُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطَنِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطٌ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا، أَوْ وَطَنَ إِقَامَةٍ، أَوْ وَطَنَ سُكْنَى.
ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَبَعْضَهَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
شُرُوطُ الْوَطَنِ الأْصْلِيِّ:
أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُسْتَقِرًّا بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَيْثُ عَرَّفُوا الْوَطَنَ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمْعَةِ بِأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ .
وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يَعْتَبِرُونَ الْمَكَانَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّخْصُ أَوْ تَأَهَّلَ فِيهِ أَوْ تَوَطَّنَ فِيهِ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ .
ب -شُرُوطُ وَطَنِ الإْقَامَةِ:
تُشْتَرَطُ لاِتِّخَاذِ مَكَانٍ وَطَنًا لِلإْقَامَةِ شُرُوطٌ، مِنْهَا: نِيَّةُ الإْقَامَةِ، وَمُدَّةُ الإْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاتِّخَاذُ مَكَانِ الإْقَامَةِ، وَصَلاَحِيَّةُ الْمَكَانِ لِلإْقَامَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمَكَانُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا (ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف26 - 29)
شُرُوطُ وَطَنِ السُّكْنَى:
لَيْسَ لِوَطَنِ السُّكْنَى إِلاَّ شَرْطَانِ، وَهُمَا: عَدَمُ نِيَّةِ الإْقَامَةِ فِيهِ، وَعَدَمُ الإْقَامَةِ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ- بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ- وَأَنْ لاَ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لِلْمُقِيمِ فِيهِ.
(ر: صَلاَة الْمُسَافِرِ ف8)
مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوَطَنُ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ لاَ يَنْتَقِضُ إِلاَّ بِالاِنْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، بِشَرْطِ نَقْلِ الأْهْلِ مِنْهُ، وَتَرْكِ السُّكْنَى فِيهِ، فَإِذَا هَجَرَ الإْنْسَانُ وَطَنَهُ الأْصْلِيَّ ، وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِأَهْلِهِ إِلَى وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ، بِشُرُوطِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَكَانُ الأْوَّلُ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسَافِرًا، بَقِيَ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ، مَا لَمْ يَنْوِ فِيهِ الإْقَامَةَ، أَوْ مَا لَمْ يُقِمْ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا، وَيَكُونُ الْمَكَانُ لَهُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَطَنَ الأْصْلِيَّ لاَ يَنْتَقِضُ بِاتِّخَاذِ وَطَنٍ أَصْلِيٍّ آخَرَ. قَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: لاَ يَقْصُرُ مَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إِلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ .
وَمَنِ اسْتَوْطَنَ وَطَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ وَطَنِهِ الأْوَّلِ، كَأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلاً: الأْولَى فِي وَطَنِهِ الأْوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي وَطَنٍ آخَرَ جَدِيدٍ، كَانَ الْمَكَانُ الآْخَرُ وَطَنًا لَهُ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِضِ الْوَطَنُ الأْوَّلُ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ التَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلإْنْسَانِ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يُعَدَّانِ وَطَنَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا دَخَلَهَا عُدَّ مُقِيمًا فِيهَا مُنْذُ دُخُولِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَلاَ يَنْتَقِضُ الْوَطَنُ الأْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَلاَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ الأْصْلِيِّ مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ، وَأَقَامَ فِيهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ يَنْتَقِضْ بِذَلِكَ وَطَنُهُ الأْصْلِيُّ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُدَّ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا.
أَمَّا وَطَنُ الإْقَامَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ أَيْضًا؛ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، كَمَا يَنْتَقِضُ بِالسَّفَرِ، وَلاَ يَنْتَقِضُ وَطَنُ الإْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأِنَّهُ دُونَهُ.
أَمَّا وَطَنُ السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْوَطَنِ الأْصْلِيِّ، وَبِوَطَنِ الإْقَامَةِ، وَبِوَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا، أَمَّا الأْوَّلاَنِ فَلأِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَأَمَّا الآْخِرُ فَ لأِنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.