توسع المشروع في الأخذ بنظام النيابة المدنية لما أثبته العمل من أن القضايا التي تبدى فيها النيابة العامة رأيها قلما يحيد الحكم فيها عن الصحة والحقيقة. وبذا تحقق سير العدالة - كما أن من شأن هذا النظام أن يفيد في خلق نواة صالحة لقضاة خبروا العمل و تمرسوا به فضلاً عن التيسير على رجال القضاء.
وأبرز المشروع في المادتين (87)، (88) أن للنيابة العامة حق الادعاء مباشرة باعتبارها طرفاً أصلياً في الحالات التي ينص عليها القانون. وأنه إذا رفعت الدعوى في هذه الحالات من صاحب الشأن وجب عليها أن تتدخل فيها وإلا كان الحكم باطلاً.
1 ـ أصبحت النيابة العامة بعد صدور القانون 628 لسنة 1955 طرفاً أصلياً فى قضايا الأحوال الشخصية التى لا تختص بها المحاكم الجزئية ، فيكون لها ما للخصوم من حقوق و عليها ما عليهم من واجبات ، فلها أن تبدى الطلبات و الدفوع و تباشر كافة الإجراءات التى يباشرها الخصوم ، و لا تسرى عليها قواعد رد أعضاء النيابة ، و هو ما يجوز معه أن يكون عضو النيابة الذى يبدى رأيه أمام محكمة أول درجة هو نفسة الذى يبدى رأيه أمام محكمة الإستئناف .
(الطعن رقم 21 لسنة 38 جلسة 1972/12/13 س 23 ع 3 ص 1377 ق 215)
2 ـ مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم قبل أن تتهيأ الدعوى للحكم فى موضوعها إنقطاع سير الخصومة بحكم القانون بغير حاجة لصدور حكم به و دون توقف على علم الخصم الآخر بحصول هذه الوفاة ، و ينتج عن ذلك بطلان كافة الإجراءات التى تتخذ فى الدعوى بعد تاريخ قيام سبب الإنقطاع .. و إذ كان الثابت من الأوراق أن مورث الطاعن الأول المرحوم .... توفى إلى رحمة الله بتاريخ 1979/2/9 أثناء نظر الإستئناف المرفوع ضده و الذى صدر فيه الحكم المطعون فيه ، و أن النيابة لم تبد رأيها فى الإستئناف إلا بمذكرتها المؤرخة 1979/3/7 أى بعد وفاة ذلك الخصم ، و كانت النيابة العامة بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت طرفاً أصلياً فى قضايا الأحوال الشخصية التى لا تختص بها المحاكم الجزئية لها ما للخصوم من حقوق و عليها ما عليهم من واجبات ، فلها أن تبدى الطلبات و الدفوع و تباشر كافة الإجراءات التى يحق للخصوم مباشرتها ، فإن سبب الإنقطاع يكون قد حصل قبل أن تتهيأ الدعوى للحكم فى موضوعها وفقاً للمادة 131 من قانون المرافعات ، و يترتب على ذلك بطلان كافة الإجراءات التى إتخذت فى الدعوى بعد تاريخ الوفاة سالف الذكر بما فى ذلك الحكم المطعون فيه .
(الطعن رقم 64 لسنة 49 جلسة 1983/01/25 س 34 ع 1 ص 301 ق 67)
طرق قيام النيابة العامة بوظيفتها في الخصومة المدنية :
تقوم النيابة العامة بوظيفتها في الخصومة المدنية ، أمام المحاكم المدنية العادية، بإحدى طرق ثلاث :
(أ) الادعاء أو الدفاع : تقوم النيابة العامة برفع الدعوى ابتداء ضد من اعتدى على المركز القانوني الذي تسعى إلى حمايته . فالنيابة هي صاحبة الدعوى على أنه يلاحظ بالنسبة لهذه الدعوى أمران : الأول - أن مضمون هذه الدعوى يختلف عن مضمون الدعوى الخاصة، فبينما مضمون هذه الأخيرة مصلحة لصاحبها، فإن مضمون الدعوى العامة سلطة - واجب النيابة العامة في الحصول على حكم معين. الثاني : أنه لأن مضمون الدعوى العامة ليس مصلحة لصاحبها، فلا يوجد حق في الدعوى مقرر للنيابة العامة دون تحديد حالات. لأنه إن جاز هذا بالنسبة للدعوى التي تقوم على المصلحة والتي يجب أن توجد كلما احتاج المركز القانوني للشخص لحماية قضائية، فإنه لا يجوز بالنسبة للدعوى التي ترفعها النيابة والتي أساسها سلطة - واجب النيابة. فدعوى النيابة توجد فقط في حالات تحددها القاعدة القانونية التي توجب أو تجيز الدعوى.
ووفقاً للمادة 87 مرافعات «للنيابة العامة رفع الدعوى في الحالات التي ينص عليها القانون». فيجب أن يتوافر نص قانوني صريح، ومثاله نص المادة 552 من قانون التجارة الذي يجيز للنيابة رفع دعوى شهر الإفلاس، ونص المادة (6) من القانون رقم (1) لسنة 2000 والذي ينص على أن «... للنيابة العامة رفع الدعوى ابتداء في مسائل الأحوال الشخصية إذا تعلق الأمر بالنظام العام أو الآداب» وفي غير هذه الحالات، لا يجوز للنيابة رفع الدعوى المدنية ابتداء، ولو تعلق الأمر بالنظام العام.
وإلى جانب الحالات التي تقف فيها النيابة العامة مدعية، يمكن أن تقف موقف الدفاع كمدعى عليها. ويكون ذلك عندما يعترض شخص على قرار اتخذته النيابة بموجب سلطتها القانونية، فعندئذ تقوم خصومة مدنية بين المعترض والنيابة تقف فيها النيابة موقف المدعى عليها .
وتأخذ النيابة مدعية أو مدعيا عليها - من الناحية الإجرائية - مركز الطرف في الخصومة. ولهذا تكون لها سما للخصوم من حقوق» (مادة 87 مرافعات)، فلها توجيه سير الخصومة وإبداء الطلبات والدفوع وتقديم الحجج وأدلة الإثبات. كما أن لها الطعن في الحكم إذا لم تجب إلى طلباتها ومن ناحية أخرى، تكون عليها ما على الخصوم من واجبات وأعباء. وفي كل هذا يتحدد مركزها في الخصومة حسب موقفها فيها مدعية أو مدعيا عليها كأي خصم .(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 759)
رفع النيابة العامة للدعوى :
اختص القانون النيابة العامة دون سواها برفع الدعوى الجنائية أمام القضاء الجنائي كما اختصها بمباشرتها في حالة الادعاء المباشر، وذلك لتعلق هذه الدعوى بالنظام العام وبأمن المجتمع، أما في غير المسائل الجنائية، فقد أجاز لها القانون رفع بعض الدعاوى إن لم يرفعها ذوو الشأن فيها تحقيقاً لمصلحة تغياها المشرع بنص خاص، ويقيد حق النيابة العامة في رفع الدعوى بألا يكون ذو الشأن قد رفعها وأن يوجد نص في القانون يخول لها هذا الحق، وحينئذ يحق لها رفعها، فإن رفعتها بعد رفعها من ذوي الشأن، فإنها تكون مقبولة لرفعها من ذي صفة وتأمر المحكمة بضمها للدعوى السابقة ليصدر فيهما حكم واحد، أما إذا رفعتها ولم يكن يوجد نص يخول لها ذلك، تعين القضاء بعدم قبولها لرفعها من غير ذي صفة.
وإذا رفع ذو الشأن الدعوى وكانت مما يجيز القانون للنيابة العامة رفعها، وجب على النيابة أن تتدخل فيها عملاً بنص المادة (88) وإلا كان الحكم باطلاً، ويقوم قلم الكتاب بإخطارها بموضوع الدعوى بمجرد قيدها وفقاً للمادة (92) وحينئذ يحضر الجلسة ممثل عنها، ولا يكفي لصحة الحكم في هذه الحالة حضور ممثل النيابة بل يجب أن يبدي طلباته وأوجه دفاعه شفاهة أو مذكرة دون حاجة لإثبات ذلك بمحضر الجلسة لأن مناط البطلان، وقوف النيابة موقفاً سلبياً من الدعوى وهو ما ينتفي بأحد إجرائين، المرافعة الشفوية أو المرافعة الكتابية وكلاهما يقرع سمع المحكمة وجرى العمل على أن تصمم النيابة على طلباتها إن سبق لها تقديم مذكرة بالرأي، فإن قدمت مذكرة ولم يثبت رأي عضو النيابة بمحضر الجلسة فلا يؤدي ذلك إلى بطلان الحكم لأن كل ما تطلبه القانون وجوب تدخل النيابة تدخلاً إيجابياً ويتحقق ذلك بالمرافعة الشفوية أو الكتابية ولا يلزم اجتماعهما معا.
وسواء رفعت النيابة الدعوى ابتداء أو تدخلت فيها، فهي خصم أصيل ويسري في حقها ما يسرى على سائر المدعيين، فإن تطلبت مرافعة شفوية كان المدعى أول من يتكلم، وإن كانت النيابة خصماً أصيلاً بالتدخل الوجوبي ترافعت بعد المدعى ويكون المدعى عليه آخر من يتكلم، ويسرى ذلك إذا حجزت المحكمة الدعوى للحكم وصرحت بمذكرات على أن يكون النصف الأول من المدة المحددة للمذكرات للمدعى والنيابة والنصف الأخير للمدعى عليه، ولا تكون النيابة آخر من يتكلم إلا عندما تكون طرفاً منضماً.
وللنيابة العامة رفع الدعوى أو التدخل فيها أمام جميع المحاكم الجزئية والابتدائية والاستئنافية وباعتبارها خصماً أصيلاً في هذه الدعاوى فيجب حضورها ولا يغني عن ذلك تقديم مذكرة عملاً بالمادة (91).
ومن الدعاوى ما أجاز القانون تحريكها بمعرفة المحكمة التي تنظر نزاعاً معيناً أو بمعرفة النيابة العامة أو بمعرفة ذوي الشأن، مثل دعوى الإفلاس، فإن حركتها المحكمة ومن تلقاء نفسها، تعين تدخل النيابة فيها كطرف أصيل وحينئذ لا تعتبر المحكمة مدعياً وإنما تتولى النيابة المرافعة ويكون التاجر المدعى عليه آخر من يتكلم.
وعندما ترفع النيابة الدعوى، تخضع لكل ما يخضع له المدعى فيها عدا الإجراءات التي لا تتناسب مع اعتبارها ممثلة للمجتمع في مسألة متصلة بالنظام العام، ومن ثم تتخذ كافة الإجراءات التي يتطلبها القانون لرفع الدعوى، فتحرر صحيفتها أو الطلب على حسب الأحوال وتودعه أو تتقدم به لرئيس المحكمة لتحديد جلسة ثم تقوم بالإعلان وإعادته إن لم يكن قد تم لشخص المعلن إليه، وقد ترفق مذكرة بالصحيفة ويجب توقيع الصحيفة من مساعد نيابة على الأقل ما لم ينص القانون على خلاف ذلك فإن وقعها معاون نيابة وجب اعتمادها قبل الإيداع وإلا كانت باطلة ما لم تعتمد أثناء نظر الدعوى ولم يكن هناك ميعاد حتمي يوجب القانون رفعها خلاله وحينئذ يجب أن يتم الاعتماد خلاله فإن تم بعده كانت الصحيفة باطلة بطلاناً مطلقاً لتعلق المخالفة بالتنظيم القضائي، ويكون لها تعديل طلباتها وإبداء طلبات عارضة ودفوع وتنفيذ قرارات المحكمة المتعلقة بها، وإذا لم يحضر ممثل النيابة، فلا تقرر المحكمة شطب الدعوى لاتصالها بالنظام العام، وإذا صدر الحكم كان لها الطعن فيه في المواعيد وبالإجراءات المقررة، وإذا خسرت الدعوى فلا تلتزم بالمصاريف إنما تضاف إلى جانب الخزانة العامة.
أما عندما تكون طرفاً منضماً، فلا تباشر هذه الإجراءات ولا تعلن بالدعوى إنما يقوم قلم الكتاب بإخطارها بها، فإن كان تدخلها وجوبياً التزمت بالتدخل، أما إن كان جوازياً كان لها أن تتدخل أو لا، ولها التمسك بالدفوع المتعلقة بالنظام العام دون الدفوع الموضوعية أو الإجرائية التي لا تمس النظام العام الدفع بالتقادم أو بالمقاصة أو باعتبار الدعوى كأن لم تكن، وهكذا.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة 499)
النيابة قد تكون طرفاً أصلياً وقد تكون طرفاً منضماً :
تعمل النيابة في أداء وظيفتها القضائية بأحد اعتبارين الأول باعتبارها طرفاً أصلياً والثاني باعتبارها طرفاً منضماً فتعمل كطرف أصلي إذا رفعت الدعوى أو وقفت فيها موقف المدعى عليه كما إذا رفعت دعوى شهر إفلاس تاجر (المادة 196 من القانون التجاري ) أو رفعت الدعوى بطلب حل جمعية من الجمعيات ( المادة 66 من القانون المدني ) وتعمل باعتبارها طرفاً منضماً إذا تدخلت في دعوى قائمة أمام القضاء والغالب في المسائل المدنية والتجارية أن تعمل النيابة باعتبارها طرفاً منضماً وينبني على ذلك الفارق النتائج الآتية :
1- إذا كانت تعمل كطرف أصلي فإنها تعلن بالأوراق المتعلقة بالدعوى علي عكس ما إذا كانت تعمل طرفاً منضماً فيخطرها قلم الكتاب بالدعوى.
2-إذا كانت تعمل كطرف أصلي كان لها أن تبدي ما يعن لها من طلبات أو دفوع ( المادة 87) أما إذا كانت تعمل طرفاً منضماً فليس لها إلا أن تبدي رأيها فيما أبداه الخصوم الأصليون من طلبات ودفوع إلا إذا كان الأمر متعلقاً بالنظام العام.
3- إذا كانت طرفاً أصلياً وكانت مدعية بدأت المرافعة أما إذا كانت طرفاً منضماً فإنها تكون آخر من يتكلم في (المادة 1/ 95).
4 - إذا كانت تعمل كطرف أصلي كان لها أن تطعن علي الحكم أما إذا كانت طرفاً منضماً فلا يجوز لها ذلك إلا في الحالات التي استثناها القانون ( المادة 96 ).(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 1004)
رفع النيابة العامة للدعوى في الحالات المنصوص عليها قانونا والاعتبارات التي تحكم عملها ودورها في الخصومة المدنية ومظاهره: للنيابة العامة وظيفة أساسية في المجال الجنائي، فقد اختصها القانون دون سواها برفع الدعوى الجنائية، فهي وحدها لها دون غيرها الحق في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (مادة 21 سلطة قضائية)، إذ تتعلق هذه الدعوى بالنظام العام وأمن المجتمع، ولكن فضلاً عن ذلك فإن للنيابة العامة دور في الخصومة المدنية، وهدف هذا الدور هو المحافظة. على مصالح المجتمع.
ويرأس النيابة العامة النائب العام، ويقوم بأداء وظيفة النيابة العامة أمام المحاكم - عدا محكمة النقض - النائب العام أو أحد النواب العامين المساعدين أو المحامين العامين الأول أو المحامين العامين أو رؤساء النيابة أو وكلائهم أو مساعديها أو معاونيها.
وفي حالة غياب النائب العام أو خلو منصبه أو قيام مانع لديه يحل محله أقدم النواب العامين المساعدين وتكون له جميع اختصاصاته (مادة 23 من قانون السلطة القضائية) ولدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض ويكون لها بناء على طلب المحكمة حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود في المداولات (مادة 24/1 سلطة قضائية).
ورجال النيابة العامة يعتبرون في مصر من رجال الهيئة القضائية ويتمتعون ببعض ضمانات القضاة، ومن أهم الضمانات التي يتمتع بها رجال النيابة العامة عدم قابليتهم - فيما عدا معاوني النيابة - للعزل (مادة 67 سلطة قضائية). وخضوعهم لقواعد المخاصمة التي يخضع لها القضاة (مادة 494 مرافعات). وعدم جواز رد عضو النيابة - إذا كانت النيابة متدخلة في الخصومة - إلا لسبب من أسباب رد القضاة وعدم صلاحيتهم (وتعتبر هذه وتلك أسباب للرد بالنسبة لأعضاء النيابة العامة) (مادة 163 مرافعات).. على أن قانون السلطة القضائية ينص على قواعد خاصة بأعضاء النيابة العامة بالنسبة للتعيين والنقل والترقية والأقدمية وبالنسبة لنادييهم (مادة 116 وما بعدها من قانون السلطة القضائية).
ولكن رغم أن رجال النيابة يعتبرون من الهيئة القضائية إلا أنهم ليسوا قضاة، وهم يختلفون عن القضاة في أن نظام عملهم نحكمه بعض الاعتبارات، وهذه الاعتبارات تؤثر في عملهم، ومن ثم يكون لهذه الاعتبارات تأثير على دور النيابة في الخصومة المدنية، وهذه الاعتبارات هي:
أولاً: الاعتبار الأول: خضوع النيابة العامة لإشراف السلطة التنفيذية: تنص المادة 26 من قانون السلطة القضائية على أن رجال النيابة تابعون لرؤسائهم بترتيب درجاتهم ثم لوزير العدل، ومن ثم لا يتمتع رجال النيابة بما يتمتع به القضاء من الاستقلال في الرأي، وإنما هم على العكس من ذلك يخضع كل منهم لرئيسه المباشر، ويخضعون جميعاً لإشراف النائب العام، كما إنهم تابعون لوزير العدل، فرجال النيابة العامة يخضعون كل منهم لرئيسه، وهكذا حتى النائب العام. كما أنه يخضعون جميعاً لوزير العدل باعتباره ممثل السلطة التنفيذية المختص بالإشراف عليهم. على أن العلاقة بين وزير العدل وبين رجال النيابة العامة تختلف عن العلاقة بين الرئيس الإدارى وبين مرؤوسيه، فبينما يستطيع الرئيس دائماً أن يحل محل مرؤوسيه في القيام بالعمل، لا يستطيع وزير العدل أن يقوم بالعمل الذي يدخل في سلطة رجال النيابة وحدهم.
ثانياً: الاعتبار الثاني: النيابة العامة وحدة واحدة لا تقبل التجزئة: إذ تعتبر النيابة العامة وحدة واحدة بعمل كل عضو فيها باسم الهيئة ولذلك يجوز أن يقوم بالعمل الواحد أعضاء متعددون، يبدؤه عضو ويتممه آخر، فيجوز أن يحضر واحد منهم سماع الشهود أمام المحكمة ويقوم ثان بالمرافعة ويحضر ثالث صدور الحكم في الدعوى، بينما الأصل بالنسبة للقضاة ألا يتم قاض عمل آخر، فالقضاة لا يكمل بعضهم بعضاً، فالقضاة الذين يصدرون الحكم هم الذين اشتركوا في المداولة، ولايشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً (مادة 166 ، 170 من قانون المرافعات).
ثالثاً: الاعتبار الثالث: استقلال النيابة العامة عن المحاكم: النيابة مستقلة عن المحاكم فلا تملك المحكمة أن تصدر للنيابة أمراً أو توجه لها لوماً، فإن كان للمحكمة مأخذ على النيابة بسبب طريقتها في مباشرة الدعوى أو السير فيها فليس لها إلا أن تتجه في ذلك إلى المشرف مباشرة على رجال النيابة وهو النائب العام، أو إلى الرئيس الأعلى للنيابة وهو وزير العدل. (نقض جنائى 31/3/1932 - منشور في مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض الجنائية ج 2 رقم 342 ص 492 )، كما ينبني على هذه القاعدة أنه لا يجوز للنيابة أن تشترك في المداولة لإصدار الأحكام فالنيابة العامة تستقل في أدائها لعملها عن المحكمة التي تعمل في دائرتها، ولهذا وكما ذكرنا آنفاً ليس للمحكمة أن تصدر أي أمر لعضو النيابة العامة الذي يمثل أمامها أو يعمل في نطاقها، كما أنه ليس للمحكمة أن توجه نقداً في أحكامها إلى مسلك عضو النيابة بالنسبة للخصومة أو مسلكه في الجلسة، وليس لقاضي أن يحل محل عضو النيابة في القيام بعمل أو إجراء مما يدخل في سلطة النيابة، ومن ناحية أخرى ليس لعضو النيابة أن يقوم بعمل يدخل في ولاية القاضي (فتحى والي - بند 214 ص 339 وص 340 ).
وللنيابة العامة وظيفتان:
الأولى: وظيفة غير قضائية: كالإشرف على مأموري الضبط القضائي (مادة 22 من قانون السلطة القضائية)، والإشراف على السجون وغيرها من المحال التي تستعمل للحبس (مادة 27 من قانون السلطة القضائية)، والإشراف على الأعمال المتعلقة بنقود المحاكم (مادة 28 من قانون السلطة القضائية)، والحديث عن هذه الوظيفة نخرج عن نطاق دراسة المرافعات المدنية.
الثانية: وظيفة قضائية: وتشترك بمقتضاها النيابة في الدعاوى التي ترفع إلى القضاء، فهي تختص وحدها برفع الدعوى الجنائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك كما ذكرنا آنفاً، كما أن لها دوراً في الخصومة المدنية مستهدفة المصلحة العامة في تطبيق القانون، وهذا الدور له ثلاثة مظاهر على النحو التالي:
أ- المظهر الأول: الإدعاء أي رفع الدعوى أو الدفاع: فالنيابة العامة أحياناً وبنص في القانون ترفع الدعوى أو تقف فيها موقف المدعى عليه، وفي هذه الحالة يقال أنها تعمل بطريق الادعاء أو الدفع، ووفقاً للمادة 87 مرافعات - محل التعليق - للنيابة العامة رفع الدعوى المدنية فقط في الحالات التي ينص عليها القانون، ومثال ذلك رفعها لدعوي شهر الإفلاس إعمالاً لنص المادة 553 من القانون التجاري و دعوى حل جمعية من الجمعيات عملاً بالقانون رقم 32 لسنة 1964، فيجب أن يتوافر نص قانونی صریح يجيز للنيابة رفع الدعوى المدنية، وفي غير هذه الحالات المنصوص عليها قانوناً، لا يجوز للنيابة رفع الدعوى المدنية ابتداء، ولو تعلق الأمر بالنظام العام.
وإلى جانب الحالات التي تقف فيها النيابة العامة مدعية، يمكن أن تقف موقف الدفاع کمدعي عليها، ويكون ذلك عندما يعترض شخص على قرار اتخذته النيابة بموجب سلطتها الولائية فعندئذ تقوم خصومة مدنية: نبين المعترض والنيابة تقف فيها موقف المدعى عليها.
وتأخذ النيابة مدعية أو مدعا عليها - من الناحية الإجرائية - مركز الطرف في الخصومة. ولهذا تكون لها وفقاً للمادة 87 - محل التعليق - «ما للخصوم من حقوقه. فلها توجيه سير الخصومة وإبداء الطلبات والدفوع وتقديم الحجج وأدلة الإثبات، كما أن لها الطعن في الحكم إذا لم تجب إلى طلباتها، ومن ناحية أخرى، تكون عليها، ما على الخصوم من واجبات وأعباء، ولكن من المقرر أن النيابة العامة إذا خسرت الدعوي فإنه لا يحكم عليها بالمصاريف وعلة هذا أن النيابة العامة وإن كانت تأخذ مركز الخصم من الناحية الإجرائية، فإنها في الواقع ليست خصماً يدافع عن مصلحة ذاتية له، وإنما هي تمارس وظيفة عامة لمصلحة المجتمع (فتحي والی - بند 215 ص 340 وص 341 وهامشها).
ب - المظهر الثاني: التدخل: فأحيانا تتدخل النيابة العامة في خصومة مدنية قائمة، وقد يكون هذا التدخل وجوبياً أو جوازياً لها وهو ما سوف نوضحه بعد قليل عند تعليقنا على المواد التالية.
ج- المظهر الثالث: الطعن في الحكم: فإذا لم تتدخل النيابة في الخصومة في الأحوال التي يوجب القانون تدخلها أو يجيزه وكان الحكم قد صدر مخالفاً لقاعدة من قواعد النظام العام، فإنه وفقاً للمادة 96 مرافعات للنيابة الطعن في الحكم، كما أن لها الطعن في الحكم في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك، كطعن النائب العام في الحكم بالنقض المصلحة القانون وفقاً للمادة 250 مرافعات، وسوف نوضح ذلك تفصيلاً عند التعليق على هذه المواد في موضعها من هذا المؤلف.(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني، الصفحة : 695)