loading

موسوعة قانون المرافعات

الأحكام

1 ـ النص فى المواد 101 ، 102 ، 1/171 من قانون المرافعات يدل على أن الأصل فى الجلسات أن تكون علنية وأن تجرى المرافعة فيها علناً وكيفيته قيام المحكمة بالنداء على خصوم الدعوى علناً _ مدعيين ومدعى عليهم _ وإثبات حضورهم من عدمه والاستماع لأقوالهم ودفوعهم ومقتضيات دفاعهم وتعقبه بعد انتهاء المرافعة بالنطق بالحكم فيها فى ذات الجلسة أو تأجيل إصداره إلى جلسة أخرى قريبة تحددها حسب ظروف وملابسات السير فى الدعوى ، وبالنظر للأهمية البالغة لهذه القاعدة الأصلية _ علانية الجلسات _ لما فيها من ضمان حقوق الدفاع المقدسة لم يكتف المشرع بالنص عليها فى المادة 101 من قانون المرافعات المشار إليها بل ضمنها دساتير الدولة المتعاقبة وآخرها المادة 169 من دستور جمهورية مصر العربية فى سنة 1971 لتكون بعيدة عن إمكان العبث بها ومن ثم فإنها تعد من الإجراءات المتعلقة بنظم التقاضى الأساسية المتصلة بالنظام العامة التى يترتب عليها بطلان الأحكام الصادرة بالمخالفة لأحكامها .

(الطعن رقم 7588 لسنة 63 جلسة 1997/11/20 س 48 ع 2 ص 1273 ق 236)

2 ـ إذا كانت ما تثيره الطاعنة فى سبب النعى أن قيمة الدعوى فى طلب الفسخ تقدر بقيمة أجرة المدة الباقية من العقد و هى المدة المحددة لدفع الأجرة التى تدخل فى حدود الاختصاص القيمى لمحكمة المواد الجزئية - على الرغم من تعلقه بالنظام العام عملاً بالمادة 101 من قانون المرافعات . مختلط بواقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع هو تحقيق مدة عقد الإيجار السارية و مداها و تقدير المقابل النقدى عنها فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 1668 لسنة 55 جلسة 1990/05/09 س 41 ع 2 ص 96 ق 188)

3 ـ أحوال شخصية - دعوى الاحوال الشخصيةمفاد المادتين 871 ، 878 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات أن المشرع أوجب نظر الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية للأجانب فى غرفة مشورة ، و قد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون 126 لسنة 1951 الذى أضاف الكتاب الرابع إلى قانون المرافعات ، بأنه ينظر المحكمة الطلب فى غرفة مشورة تتوافر بذلك السرية الواجبة لمسائل قد تكون أولى المسائل بذلك ، مما مفاده أنه يقصد بغرفة المشورة عقد الجلسة سرية بالنظر لأن قضايا الأحوال الشخصية تدور حول حالة الشخص و أهليته و نظام الأسرة ، و هى كلها مسائل يجب أن تعرض فى أضيق نطاق و ألا تلوك الألسن ما يدور فيها ، و لذا إقتضت إرادة المشرع وجوب نظرها فى غير علانية ، و لما كان هذا الإجراء يتعلق بنظم التقاضى الأساسية و يتصل بالنطام العام فإنه يترتب على مخالفته بطلان الأحكام الصادرة فى هذه الدعاوى . يؤيد هذا النظر أن الأصل فى الجلسات أن تكون علنية و أن تجرى المرافعة فيها علناً ، و لما لهذه القاعدة الأصلية من أهمية بالغة و لما فيها من ضمان حقوق الدفاع المقدسة لم يكتف المشرع بالنص عليها فى المادة 101 من قانون المرافعات الواردة فى الأحكام العامة بل ضمنها دساتير الدولة المتعاقبة و آخرها المادة 169 من دستور جمهورية مصر العربية فى سنة 1971 لتكون بعيدة عن إمكان العبث بها ، فإذا ما عنى المشرع بإيراد وجوب السرية فى أحوال معينة فإنها فى حدود هذا النطاق تعتبر من القواعد الأساسية فى المرافعات التى تصم الحكم عند تخلفها بالبطلان دون حاجة إلى النص عليه صراحة ، و دون إمكان القول فى شأنها بتحقيق الغاية من الإجراء فى معنى المادة 20 من قانون المرافعات . يظاهر هذا القول أن المادتين 869 ، 780 الواردتين فى الكتاب الرابع من قانون المرافعات و اللتين أبقى عليهما قانون المرافعات الحالى رسما طريقاً لرفع الدعوى فى مسائل الأحوال الشخصية للأجانب يخالف الطريق المعتاد فى كل الدعاوى المنصوص عليها فى المادة 63 و ما بعدها ، فلا تعلن عريضة الدعوى فيها إلى الخصم و إذا يتولى قلم الكتاب إعلانها إلى المدعى عليه على نماذج خاصة روعى الإقتصار فيها على ذكر موجز الطلب إمعاناً فى السرية و حفاظاً على الحرمات و الأسرار . لما كان ما تقدم و كان النزاع فى الدعوى يدور حول ثبوت نسب صغيرة تدعى زوجة مصرية ثبوت لأب كويتى الجنسية ، و بهذه المثابة يتعلق هذا النزاع بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية للأجانب مما كان يوجب عقد الجلسة سرية ، و كان الثابت من محاضر الجلسات أن الإستئناف نظر فى جلسات علنية فإن الحكم يكون مشوباً بالبطلان .

(الطعن رقم 14 لسنة 46 جلسة 1978/02/08 س 29 ع 1 ص 426 ق 84)

3 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية يتعين نظرها فى غير علانية على أن يصدر الحكم فيها علناً وذلك عملاً بالمادتين 871 ، 878 من قانون المرافعات - المنطبق على الدعوى - وأن الأصل فى الإجراءات أنها روعيت ما لم يقم الدليل على غير ذلك 0 لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات محكمة أول درجة التى تداولت فيها الدعوى ودارت فيها المرافعة أنها قد خلت من الإشارة إلى انعقادها فى علانية مما مفاده أن الدعوى نظرت فى غرفة مشورة ولم تقدم الطاعنة الدليل على خلاف ذلك .

(الطعن رقم 48 لسنة 66 جلسة 2004/03/13 س 55 ع 1 ص 273 ق 54)

4 ـ المقرر - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية يتعين نظرها فى غير علانية على أن يصدر الحكم فيها علنا و ذلك أعمالا لنص المادتين 871 ، 878 من قانون المرافعات . لما كان ذلك و كان البين من محاضر جلسات محكمة الإستئناف أن الجلسة الأولى عقدت فى علانية و دون مرافعة فى الدعوى أما بقيه الجلسات التى تداولتها و دارت فيها المرافعة بين الطرفين فقد خلت مما يفيد إنعقادها فى علانية مما مفاده أن الدعوى نظرت فى الإستئناف فى غرفة مشورة بما يتحقق معه السرية المطلوب توافرها عند نظرها و لا يكون إنعقاد جلستها الأولى فى علانيه مخلا بهذه السرية و يكون النعى بهذا السبب على غير أساس .

(الطعن رقم 71 لسنة 59 جلسة 1989/12/19 س 40 ع 3 ص 384 ق 382)

شرح خبراء القانون

علانية الجلسات :  

من المبادئ الأساسية لضمان حسن أداء العدالة انعقاد الجلسات بصفة علنية (مادة 101 مرافعات) . فيكون للجمهور دخول قاعة الجلسة سواء لسماع المرافعات أو عند النطق بالحكم . وبهذا يكون للرأي العام مراقبة أداء القضاء لوظيفته، وهو ما يؤدي إلى ازدياد الثقة في تطبيقه للقانون. ويعتبر مراعاة العلانية على هذا النحو أحد المبادئ الأساسية للتقاضي والمتعلقة بالنظام العام، يترتب على مخالفتها البطلان. ولتأكيد احترام هذا المبدأ من المقرر أنه لا يكفي مراعاته فعلاً، بل يجب أن يتضمن الحكم الصادر في القضية ما يشير إلى انعقاد الجلسة علناً وإلا كان الحكم باطلاً.

على أن تحقق العلانية لا يقتضي بالضرورة السماح للجميع بدخول الجلسة، فقد يضطر المشرف على النظام إلى أن يقصر الدخول على عدد محدود يتناسب مع حجم صالة المحكمة، وقد يكون الدخول ببطاقات محدودة العدد مقدماً بالنسبة لبعض القضايا الهامة التي تثير رغبة لدى كثيرين لحضورها. وليس في هذا مخالفة لمبدأ العلانية. ومن ناحية أخرى، فقد تقضي اعتبارات معينة تتصل بصيانة أسرار العائلات أو بحفظ أسرار الدولة أو بالآداب العامة جعل الجلسة سرية. وقد يقدر المشرع هذا مقدماً، فينص على نظر قضية معينة لا في الجلسة وإنما في غرفة المشورة. وقد يترك أمر تقدير ذلك الاعتبار للمحكمة، فتأمر المحكمة بجعل الجلسة سرية.

(أ) فإذا نص القانون على نظر القضية في غرفة المشورة، فإنها تنظر في الغرفة المخصصة لتداول القضاة ولا يحضرها سوى الخصوم ومحاموهم. وعادة يقوم القضاة بالأعمال الولائية في غرفة المشورة، على أنه توجد أيضاً بعض الدعاوى التي تنظر في هذه الغرفة. ويجب لهذا وجود نص قانوني صريح. فإذا نظرت المحكمة قضية في غرفة المشورة مما كان يجب نظرها في الجلسة، فإن قرارها يكون باطلاً بطلاناً يتعلق بالنظام العام لمخالفته لمبدأ العلانية. وإذا نص القانون على نظر قضية في غرفة المشورة فيجب على المحكمة احترام إرادة المشرع هذه.

(ب) وللمحكمة أن تقرر ولو من تلقاء نفسها جعل الجلسة سرية محافظة على النظام العام أو مراعاة للأداب أو لحرمة الأسرة» (مادة 101 مرافعات). وعندئذ يؤمر بإخراج الجمهور من الجلسة إن كانت قد بدأت علنية، ولا يسمح بالحضور إلا للخصوم ومحاميهم. على أنه يلاحظ أنه أيا كانت الاعتبارات التي تقتضي جعل الجلسة سرية، فإن الحكم يجب أن يصدر دائماً بصفة علنية، وإلا كان الحكم باطلاً.

وتأكيداً لمبدأ العلانية، لكل شخص ولو لم يكن طرفاً في الخصومة أن يحصل على نسخة من محضر الجلسة العلنية. كما أن للصحف نشر المرافعات والحكم . فإذا كانت الجلسة سرية، فإن لها أن تنشر الحكم دون المرافعات . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني، الصفحة :  272)

علنية الجلسات:

الأصل في المرافعة أن تتم في جلسة علنية لإضفاء الثقة والطمأنينة ووقوف الكافة على إجراءات التقاضي التي يتساوى بالنسبة لها جميع المتقاضين، والمراد بالعلنية تمكين المواطنين من حضور الجلسة بما لا يخل من النظام بقاعتها وبقدر العدد المناسب للمقاعد الموجودة دون تزاحم، ويكون الرئيس المحكمة دائماً تنظيم الحضور إذا تطلبت الظروف ذلك ولو أدى الأمر إلى قصر الحضور على حاملي التصاريح دون سواهم وليس في ذلك إخلال بعلنية الجلسة وإنما تنظیم لذلك.

ولا يتطلب العلنية عقد الجلسة في إحدى القاعات المخصصة لذلك، فتحقق ولو عقدت بغرفة المداولة واقتصر الدخول على خصوم الدعوى التي تنظرها المحكمة ومحاميهم، وذلك تنظيماً للجلسة ومنعاً من تزاحم المتقاضين طالما كان بإمكان الأخيرين مراقبة ما يدور بالداخل، فإن أغلقت الأبواب أصبحت الجلسة سرية وترتب البطلان على ذلك لكافة الإجراءات التي اتخذت بالجلسة وما بني عليها ومنها الحكم الذي تصدره المحكمة ويتحمل من يدعي ذلك عبء إثباته لأن الأصل في الإجراءات أنها روعيت أي أن الجلسة عقدت علنية حسبما أثبت بمحضر الجلسة. فإن لم يثبت به أن الجلسة عقدت سرية، فإنها تكون قد عقدت علنية، لأن هذا الأصل هو الواجب مراعاته.

وللمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم عقد الجلسة سرية في غرفة المداولة محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو حرمة الأسرة في أية دعوى تنظرها، فإن توافر أحد هذه الأسباب ونظرت المحكمة الدعوى في جلسة علنية كان حكمها صحيحاً غير مشوب بالبطلان باعتبار أن جعل الجلسة سرية وفقاً للمادة (101) هو من القرارات التنظيمية التي تستقل المحكمة بتقديرها دون معقب عليها في ذلك لاستقلالها بتنظيم الجلسة، وذلك خلافاً للدعاوى التي يوجب القانون نظرها بجلسة سرية كما في بعض دعاوى الأحوال الشخصية والضرائب التي رتب المشرع البطلان على نظرها بجلسة علنية، وفي جميع الحالات يجب أن يصدر الحكم في جلسة علنية وإلا كان باطلاً عملاً بالمادة (174).

ومتى قررت المحكمة عقد الجلسة سرية وفقاً للمادة (101) يجب أن يستند قرارها إلى سبب يبرره بحيث إذا انتفى هذا السبب كانت الجلسة قد عقدت سرية في غير الحالات المقررة قانوناً مما يبطل الإجراءات التي تمت فيها وما بني عليها ومن ذلك الحكم الذي تصدره، وبيان السبب في عقد الجلسة سرية من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.

وعلانية الجلسات من الأسس الراسخة في النظام القضائي المصري ومن ثم فإن لها اتصال وثيق بالنظام العام مما يجعل البطلان المترتب على مخالفتها بطلاناً مطلقاً يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به ولذات المحكمة أن تتدارکه من تلقاء نفسها قبل أن تصدر حكمها فتقرر إعادة الإجراءات التي اتخذت في الجلسة السرية وتصحح ما شابها من بطلان بنظرها من جديد في جلسة علنية، وإذا طعن في الحكم فيجوز التمسك بالبطلان في أية حالة يكون عليها الطعن ولا يلزم التمسك بالبطلان في صحيفته بل لمحكمة الطعن التصدي له من تلقاء نفسها، دون حاجة لجريان نص في القانون بهذا البطلان.

ويكون الحكم الاستئنافي قد صحح البطلان الذي شاب الحكم المستأنف بنظر الاستئناف بجلسة علنية وأقام قضاءه على أسباب خاصة به دون أن يحيل في ذلك إلى أسباب الحكم المستأنف لأن المقرر أن الحكم الاستئنافي يشوبه البطلان إذا أحال وفي أسبابه إلى أسباب الحكم الباطل ويعصم من البطلان إذا أقام قضاءه على أسباب  خاصة به مستقلة عن أسباب الحكم المستأنف. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الثاني / الصفحة 582)

هذه المادة تطابق المادة 121 من القانون القديم وهي تقرر مبدأ أصيلاً في النظام القضائي هو أن المرافعة تكون علنية دواماً ولا تعقد سرية إلا في الحالة المنصوص عليها في المادة. وليس المقصود بهذا النص أن تلتزم المحكمة نطاق النظام العام المقرر في الفقه والقضاء، وإنما للمحكمة سلطة تقديرية في هذا الصدد بحيث يكون لها أن تأمر بإجراء المرافعة سراً ولو لم يصل الحال إلى حد النظام العام المقرر، ولا يترتب أي بطلان في هذا الصدد مادامت قد بنت قرارها بجعل الجلسة سرية على اعتبارات سائغة مقبولة وإنما يحكم بالبطلان إذا لم يكن ثمة مبرر يدعو إلى جعل الجلسة سرية على وجه الإطلاق ويرى الدكتور أبو الوفا أنه لا يترتب ثمة بطلان إذا كانت دواعي النظام العام أو حسن الآداب تقتضي أن تكون الجلسة سرية ومع ذلك نظرت الدعوى في جلسة علنية (التعليق ص 455 )، إلا أن محكمة النقض قد ناهضت هذا القول بحق وقضت بأن نظر قضايا الضرائب في علانية باطل بطلاناً مطلقاً لمخالفته قاعدة أساسية من النظام العام وفي تقديرنا أن هذا الرأي يعد منها مبدأ يسري على اطلاقه بالنسبة لجميع الدعاوى التي نص المشرع على نظرها في جلسة سرية، ذلك أن المشرع حينما وضع هذا النص فقد كان حريصاً على مصلحة المجتمع بالمحافظة على حرمة الأسرة وعدم إذاعة أسرارها.

وفي الحالة التي ينص القانون فيها على وجوب نظر الدعوى في غرفة المشورة فإنه يتعين نظرها في حجرة المداولة بحضور الخصوم ومحاميهم فإن نظرت في جلسة علنية كان الحكم باطلاً ( الأستاذ كمال عبد العزيز الطبعة الثالثة الجزء الأول ص 609).

وترتيبا على ما تقدم إذا نظرت المحكمة دعوى ثبوت النسب أو دعوى ثبوت الزوجية أو دعوى ضرائبية من المنصوص عليها في القانون رقم 157 لسنة 1981 في جلسة علنية فإن الحكم الصادر فيها يكون باطلاً سواء نظرت أمام محكمة أول درجة أو أمام المحكمة الاستئنافية. ومن المقرر أن العبرة في ثبوت ما إذا كانت الدعوي قد نظرت بجلسة سرية أو علنية هي بما ورد في محضر الجلسة فإذا ثبت منه أن الدعوى نظرت بجلسة سرية فلا يجوز نقص ذلك إلا بطريق الطعن بالتزوير على محضر الجلسة وأن يتبع الإجراءات التي نص عليها قانون الإثبات لتحقيق الطعن بالتزوير فإذا أفلح في ادعائه قضت المحكمة بتزوير محضر الجلسة وبالتالي اعتبار الحكم قد صدر في جلسة علنية. وكذلك الشأن إذا ثبت بمحضر الجلسة أن الحكم صدر في جلسة علنية وادعي المتضرر أن الحكم صدر في جلسة سرية فلا يجوز له أن يدحض ما ورد بمحضر الجلسة إلا بالطعن عليه بالتزوير كما سلف القول. وإذا ثبت لمحكمة الاستئناف بطلان الحكم لهذا السبب كان عليها أن تقضي ببطلان الحكم وتتصدي للفصل في موضوع الدعوى دون أن تعيدها لمحكمة أول درجة التي استنفدت ولايتها.

وقد نصت المادة الخامسة من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 بأن " للمحكمة أن تقرر نظر المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية - مراعاة لاعتبارات النظام العام أو الآداب - في غرفة المشورة وبحضور أحد أعضاء النيابة العامة متى كانت ممثلة في الدعوى، وتنطق بالأحكام والقرارات في جلسة علنية. (التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء الثاني، الصفحة : 1045)

مبدأ علنية الجلسات : من المبادئ الأساسية التي تسود المرافعات مبدا علنية الجلسات، وقد عبر عنه المشرع في المادة 101 - محل التعليق - بقوله وتكون المرافعة علنية..»، والمقصود بالمرافعة أي مناقشات الخصوم وطلباتهم وأقوالهم ودفوعهم ودفاعهم وسماع الشهود مناقشة الخبراء ... وغير ذلك من الإجراءات.

ومعنى علنية الجلسات أن يحصل تحقيق الدعاوى والمرافعة فيها في جلسات يكون لكل شخص حق الحضور فيها، وأن ينطق بالأحكام بصوت مسموع في جلسة علنية، كذلك وأن يسمع للصحف بنشر تفاصيل المرافعات التي تحصل في القضايا ومنطوق الأحكام التي تصدر فيها (محمد حامد فهمي - المرافعات - رقم 34).

وفائدة العلانية للمتقاضين أنها تمكنهم من مراقبة أعمال المحاكم وتشعرهم بالاطمئنان إلى قضائها، وتدفع القضاة إلى العناية بأحكامهم، لأن القاضي لا يجسر على إظهار إهماله أو سوء قضائه للجمهور المطلع على عمله (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 198)، فالعلانية تمكن الرأي العام من مراقبة أداء القضاء لوظيفته، وهو ما يؤدي إلى زيادة الثقة في تطبيقه للقانون، فينتج عن العلانية شعور المتقاضين بالثقة والطمأنينة في أعمال القضاة.

ويلاحظ أنه لايكفي لاحترام مبدأ العلانية مراعاته فعلاً، بل يجب أن يتضمن الحكم الصادر في القضية ما يشير إلى انعقاد الجلسة علناً وإلا كان باطلاً (موريل - المرافعات - بند 120 ص 119، فتحي والي - بند 273 ص 467 ).

على أنه يلاحظ أن تحقق العلانية لا يقتضي بالضرورة السماع من يشاء من الأفراد بدخول الجلسة، فقد يضطر المشرف على النظام إلى أن يقصر الدخول على عدد محدود يتناسب مع حجم صالة المحكمة، قد يكون الدخول ببطاقات محدودة العدد مقدماً بالنسبة لبعض القضايا الهامة التي تثير رغبة لدى كثيرين لحضورها، وليس في هذا مخالفة لمبدأ العلانية. ومن ناحية أخرى، فقد تقضى اعتبارات معينة تتصل بصيانة أسرار العائلات أو بحفظ أسرار الدولة أو بالآداب العامة جعل الجلسة سرية، وقد يقدر المشرع هذا مقدماً، فينص على نظر قضية معينة لا في الجلسة، وإنما في غرفة المشورة، وقد يترك أمر تقدير ذلك الاعتبار للمحكمة، فتأمر المحكمة بجعل الجلسة سرية (فتحی والی - بند 273 ص 467).

وذلك كما يلي :

أولاً: إذا نص القانون على نظر القضية في غرفة الشورة، فإنها تنظر في الغرفة المخصصة لتداول القضاة، ولا يحضرها سوى الخصوم ومحاميهم (موريل - المرافعات - بند 88 ص 93 ، فتحى والى - ص 468، كمال عبد العزيز - ص 243 )، وعادة يقوم القضاة بالأعمال الولائية في غرفة المشورة أي يصدرون الأوامر على العرائض وأوامر الأداء، على أنه توجد أيضاً بعض الدعاوى التي تنظر في هذه الغرفة، ويجب لهذا وجود نص قانوني صريح. فإذا نظرت المحكمة قضية في غرفة المشورة، مما كان يجب نظرها في الجلسة، فإن قرارها يكون باطلاً بطلاناً يتعلق بالنظام العام لمخالفته لمبدأ العلانية، وإذا نص القانون على نظر قضية في غرفة المشورة، فيجب على المحكمة احترام إرادة المشرع هذه، فإذا خالفته بأن نظرت هذه القضية في جلسة علنية، فإن حكمها أيضاً يكون باطلاً (نقض أحوال شخصية 16/2/1982، في الطعن رقم  6 لسنة 51 قضائية على أنه لا يخل بالسرية انعقاد إحدى الجلسات علانية إذا كانت لم تدر فيها مرافعة في موضوع الدعوى ولم يطلب أي طلب (نقض مدنی 22/1/1991، في الطعن رقم 146 لسنة 60 قضائية أحوال شخصية، و 9/12/1989، في الطعن رقم 71 لسنة 59 قضائية). ويختلف نوع بطلان حكم المحكمة الناتج عن مخالفة النص على السرية بحسب نوع المصلحة التي أراد القانون حسابتها يتطلبه نظر القضية في غرفة المشورة (فتحى والى - ص 468).

إذن في الحالة التي ينص القانون فيها على وجوب نظر الدعوى في غرفة المشورة، فإنه يتعين نظرها في حجرة المداولة بحضور الخصوم ومحاميهم، فإن نظرت في جلسة علنية كان الحكم باطلاً.

ونتيجة لذلك إذا نظرت المحكمة دعوى ثبوت النسب أو دعوى ثبوت الزوجية أو دعوی ضرائبية. من المنصوص عليها في القانون رقم 157 لسنة 1981، في جلسة علنية، فإن الحكم الصادر فيها يكون باطلاً سواء نظرت أمام محكمة أول درجة أو أمام المحكمة الاستئنافية. ومن المقرر أن العبرة في ثبوت ما إذا كانت الدعوى قد نظرت بجلسة سرية أو علنية هي بما ورد في محضر الجلسة، فإذا ثبت منه أن الدعوى نظرت بجلسة سرية فلا يجوز نقض ذلك إلا بطريق الطعن بالتزوير، بمعنى أنه يتعين على الخصم الذي يدعى خلاف ذلك أن يطعن بالتزوير على محضر الجلسة، وأن يتبع الإجراءات التي نص عليها قانون الإثبات لتحقيق الطعن بالتزوير، فإذا أفلح في ادعائه قضت المحكمة بتزوير محضر الجلسة وبالتالى اعتبار الحكم قد صدر في جلسة علنية، وكذلك الشأن إذا ثبت بمحضر الجلسة أن الحكم صدر في جلسة علنية وادعى المتضرر أن الحكم صدر في جلسة سرية، فلا يجوز له أن يدحض حجية ما ورد بمحضر الجلسة إلا بالطعن عليه بالتزوير كما سلف أن ذكرنا.

وإذا ثبت لمحكمة الاستئناف بطلان الحكم لهذا السبب كان عليها أن تقضي ببطلان الحكم وتتصدى للفصل في موضوع الدعوى دون أن تعيدها للمحكمة أول درجة التي استنفدت ولايتها (الدناصورى وعكاز .. ص 529 وص 530 ).

ثانياً: وفقاً للمادة 101 - محل التعليق - للمحكمة أن تقرر ولو من تلقاء نفسها جعل الجلسة سرية محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة، وعندئذ يؤمر بإخراج الجمهور من الجلسة إن كانت قد بدات علنية، ولا يسمح بالحضور إلا للخصوم ومحاميهم، على أنه يلاحظ أنه أياً كانت الاعتبارات التي تقتضي جعل الجلسة سرية، فإن الحكم يجب أن يصدر دائماً بصفة علنية، وإلا كان الحكم باطلاً.

(نقض مدنى 5/5/1965 . مجموعة النقض سنة 16 ص 557 ).

وتأكيداً لمبدأ العلانية، لكل شخص ولو لم يكن طرفاً في الخصومة أن يحصل على نسخة من محضر الجلسة العلنية، كما أن للصحف نشر المرافعات والحكم، فإذا كانت الجلسة سرية، فإن لها أن تنشر الحكم دون المرافعات، وينبغي ملاحظة التفرقة بين النشر في الصحف اختياراً كخبر أو تحقيق صحفي، وبين نشر الحكم وجوباً بناء على أمر المحكمة على سبيل التعويض أو نشره لمصلحة الغير (فتحى والى - ص 468 )

ويلاحظ أنه ليس المقصود بنص المادة 101 - محل التعليق - أن تلتزم المحكمة نطاق النظام العام المقرر في الفقه والقضاء، وإنما للمحكمة سلطة تقديرية في هذا الصدد بحيث يكون لها أن تأمر بإجراء المرافعة سراً ولو لم يصل الحال إلى حد النظام العام المقرر. ولا يترتب أى بطلان في هذا الصدد ما دامت قد بنت قرارها بجعل الجلسة سرية على اعتبارات سائغة بقبوله، وعبارة نص المادة 101 تؤكد هذا المعنى، إذ تجيز جعل الجلسة سرية رعاية لحرمة الأسرة (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 452 )

وإنما يحكم بالبطلان إذا لم يكن ثمة مبرر بدعو إلى جعل الجلسة سرية على وجه الإطلاق، كما يبطل الحكم إذا صدر في جلسة سرية عملاً بالمادة 174 مرافعات.

وقد ذهب رأي إلى أنه لا يترتب ثمة بطلان إذا كانت دواعي النظام العام أو حسن الآداب تقتضي أن تكون الجلسة سرية، ومع ذلك نظرت الدعوى في جلسة علنية (أحمد أبو الوفا - التعليق .. ص 453 )، ولكن هذا الرأي منتقد ولا يتفق وصريح نص المادة 101- محل التعليق - وقد قضت محكمة النقض بأن نظر قضايا الضرائب في علانية باطل بطلاناً مطلقاً لمخالفته لقاعدة أساسية من النظام العام. نقض 5/2/1977  - سنة 28 ص 380).

ويتعين ملاحظة أن المادة 101 - محل التعليق - يغلب اعتبارات النظام العام وما يقتضيه على مزايا علانية الجلسات، ولكن نص المادة 174 لم يغلبها عليها عند إصدار الحكم أياً كان نوعه، فيجب أن يكون النطق بالحكم دائماً علنا وإلا كان باطلا.

والنظام العام في الدولة هو ذلك التنظيم الذي تسير عليه ضمانات لكيانها أولاً، وضماناً للأمن فيها ثانياً، وضماناً للأخلاق سواء في معاملات الأفراد المالية أو في العلاقات التي قد تستوجبها الروابط العائلية.

وهذا النظام العام (ويتضمن حسن الآداب) نسبي يتغير من جيل إلى جيل، وقد يختلف في دولة عنها في الأخرى، لأنه يرتبط بالدين والعرف والعادات المتأصلة والمعتقدات الموزونة والنظم الاجتماعية، وقد يكون عن نظم مكتوبة، وقد يكون عن عادات غير مكتوبة (انظر في التعريف بالنظام العام السنهوري - الوسيط . ص 402  أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 453 ).

ويلاحظ أنه قد نصت المادة الخامسة من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 بأن للمحكمة أن تقرر نظر المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية - مراعاة لاعتبارات النظام العام أو الآداب - في غرفة المشورة وبحضور أحد أعضاء النيابة العامة متى كانت ممثلة في الدعوى، وتنطق بالأحكام والقرارات في جلسة علنية. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني،  الصفحة : 806 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 142

مَجْلِسُ الْحُكْمِ

التَّعْرِيفُ :

مَجْلِسُ الْحُكْمِ: مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: هُمَا مَجْلِسٌ وَحُكْمٌ.

وَالْمَجْلِسُ فِي اللُّغَةِ: مَوْضِعُ الْجُلُوسِ، وَالْحُكْمُ مَصْدَرُ: حَكَمَ.

وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْقَضَاءُ وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَجْلِسُ الْحُكْمِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْعُدُ فِيهِ الْقَاضِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَإِصْدَارِ الْحُكْمِ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

مَجْلِسُ الْعَقْدِ :

مَجْلِسُ الْعَقْدِ: هُوَ الاِجْتِمَاعُ لِلْعَقْدِ جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مَجْلِسُ الْبَيْعِ: هُوَ الاِجْتِمَاعُ الْوَاقِعُ لِعَقْدِ الْبَيْعِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ :

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ مَجْلِسَ حُكْمِهِ فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ لاَ يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي وَسْطِ الْبَلَدِ لِيَتَسَاوَى النَّاسُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ وَاسِعًا فَسِيحًا غَيْرَ ضَيِّقٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي أَشْهَرِ الأَْمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ، وَأَنْ يَكُونَ مَصُونًا عَمَّا يُؤْذِي مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَرِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلْقَضَاءِ، وَأَنْ لاَ يَحْتَجِبَ الْقَاضِي بِغَيْرِ عُذْرٍ.

اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ:

فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي الْمَسْجِدَ مَجْلِسَ حُكْمِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الأَْمْرِ الْقَدِيمِ، وَهُوَ الْحَقُّ، قَالَ مَالِكٌ: لأَِنَّهُ يَرْضَى فِيهِ بِالدُّونِ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ أَقْرَبُ عَلَى النَّاسِ فِي شُهُودِهِمْ وَيَصِلُ إِلَيْهِ الضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  كَانَ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ.

وَلأَِنَّ الْقَضَاءَ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِيهِ كَالصَّلاَةِ وَالأَْحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ قَضَائِهِ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ ضَرَرَ ذَلِكَ بِالنَّصَارَى وَأَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّسَاءِ الْحُيَّضِ، فَيَجْلِسُ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِجُلُوسِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنِ النَّظَرِ وَالْفَهْمِ فَلْيَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَائِلٌ.

وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فِي دَارِهِ فَإِنْ دَعَتْهُ ضَرُورَةٌ فَلْيَفْتَحْ أَبْوَابَهَا وَلْيَجْعَلْ سَبِيلَهَا سَبِيلَ الْمَوَاضِعِ الْمُتَاحَةِ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ وَلاَ حِجَابٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِي دَارِهِ وَحَيْثُ أَحَبَّ، وَقَالَ صَاحِبُ تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ وَعَزَاهُ إِلَى صَاحِبِ تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ: يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْجُلُوسُ فِي مَنْزِلِهِ لِلْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ لأَِنَّ مَجْلِسَ الْقَاضِي لاَ يَخْلُو عَنِ اللَّغَطِ وَارْتِفَاعِ الأَْصْوَاتِ، وَقَدْ يُحْتَاجُ لإِِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالأَْطْفَالِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ وَالدَّوَابِّ، وَالْمَسْجِدُ يُصَانُ عَنْ ذَلِكَ.

فَإِنِ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ بَأْسَ بِهَا.

وَإِنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونِهَا، مَنَعَ الْخُصُومَ مِنَ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَيَنْصِبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ.

أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَةِ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِالْخُصُومِ، مِنْ تَسْوِيَةٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ الأَْدَبَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَعَلاَقَتِهِ بِالشُّهُودِ؛ فَيُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (قَضَاءٌ ف 41 44 وَشَهَادَةٌ ف 36 وَمَا بَعْدَهَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ ف 5 - 8).