1 ـ النص فى المواد 101 ، 102 ، 1/171 من قانون المرافعات يدل على أن الأصل فى الجلسات أن تكون علنية وأن تجرى المرافعة فيها علناً وكيفيته قيام المحكمة بالنداء على خصوم الدعوى علناً _ مدعيين ومدعى عليهم _ وإثبات حضورهم من عدمه والاستماع لأقوالهم ودفوعهم ومقتضيات دفاعهم وتعقبه بعد انتهاء المرافعة بالنطق بالحكم فيها فى ذات الجلسة أو تأجيل إصداره إلى جلسة أخرى قريبة تحددها حسب ظروف وملابسات السير فى الدعوى ، وبالنظر للأهمية البالغة لهذه القاعدة الأصلية _ علانية الجلسات _ لما فيها من ضمان حقوق الدفاع المقدسة لم يكتف المشرع بالنص عليها فى المادة 101 من قانون المرافعات المشار إليها بل ضمنها دساتير الدولة المتعاقبة وآخرها المادة 169 من دستور جمهورية مصر العربية فى سنة 1971 لتكون بعيدة عن إمكان العبث بها ومن ثم فإنها تعد من الإجراءات المتعلقة بنظم التقاضى الأساسية المتصلة بالنظام العامة التى يترتب عليها بطلان الأحكام الصادرة بالمخالفة لأحكامها .
(الطعن رقم 7588 لسنة 63 جلسة 1997/11/20 س 48 ع 2 ص 1273 ق 23
2 ـ النص فى المادة 102 من قانون المرافعات على أنه " يجب الاستماع إلى أقوال الخصوم حال المرافعة و لا تجوز مقاطعتهم إلا إذا خرجوا عن موضوع الدعوى أو مقتضيات الدفاع فيها..... " " وفي المادتين الرابعة و الخامسة من القانون المدني على إنه " من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك الضرر....... " وإن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، يدل على أن حق الدفاع حق مشروع للخصم إلا أن استعماله بأن يكون بالقدر اللازم لاقتضاء حقوقه التي يدعيها والذود عنها فإن هو انحرف فى استعماله عما شرع له هذا الحق أو تجاوزه بنسبة أمور شائعة لغيره ماسة باعتباره وكرامته كان ذلك منه خطأ يوجب مسئوليته عما ينشأ عنه من ضرر ولو كانت هذه الأمور صحيحة مادام الدفاع فى الدعوى لا يقتضى نسبتها إليه، ومن ثم فإنه يتعين لمساءلة الخصم مدنياً عما يوجهه لخصمه من عبارات القذف والسب فى الدفاع الشفوي والكتابي أمام المحاكم هو أن تكون هذه العبارات مما لا يستلزمها حق الدفاع ولا يقتضيه المقام وعلى محكمة الموضوع أن تعرض فى حكمها لبحث ما إذا كانت هذه العبارات مما يقتضيه حق الدفاع أم لا وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور، لما كان ذلك وكان المطعون عليه قد أسس دعواه بالتعويض على سند من أن الطاعن قدم فى الدعويين..... ..... مذكرتين اشتملتا على توجيه عبارات قذف وسب له مما لا يستلزمه حق الدفاع إلا أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن هذه العبارات هي مما يستلزمه هذا الحق، وكان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أعرض عن بحث هذا الدفاع على سند من القول بقيام المسئولية سواء كانت تلك العبارات مما - يقتضيه حق الدفاع من عدمه رغم أن دفاع الطاعن فى هذا الشأن دفاع جوهري من شأنه إن صح أن يتغير به وجه الرأي فى الدعوى فإن الحكم يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب بما يستوجب نقضه.
(الطعن رقم 132 لسنة 56 جلسة 1989/01/15 س 40 ع 1 ص 138 ق 31)
3 ـ المرافعة فى الدعوى غير جائز إلا بعد إنعقاد الخصومة بإستيفاء إجراءات الشكل التى نص عليها القانون ، فإن إبداء المدعى لطلب - يعد خوضاً فى موضوع الدعوى - قبل تمام هذه الإجراءات - لا يعد مطروحاً على المحكمة و لا يجوز التعويل عليه .
(الطعن رقم 452 لسنة 55 جلسة 1988/04/17 س 39 ع 1 ص 662 ق 129)
المرافعة - اصطلاحاً – هي الشرح الشفوي من الخصم أو محاميه للإدعاءات - أو أوجه الدفاع - وأسانيدها أمام المحكمة. ووفقاً للمادة 97. مرافعات تجرى المرافعة في أول جلسة تحدد لنظر الدعوى وتسمع المحكمة أولاً مرافعة المدعى أو محاميه ثم تسمع مرافعة المدعى عليه أو محاميه. وإذا كان هناك متدخل إختصامي، فإنه يسمع - بخصوص طلبه - أولاً باعتباره مدعياً قبل كل من المدعي والمدعى عليه. وللمحكمة أن تستمع إلى أيهما أكثر من مرة وفقاً لما تراه حتى تتضح لها الحقيقة بما فيه الكفاية، على أنها يجب أن تراعى دائماً أن يكون المدعى عليه آخر من يتكلم» (مادة 102). ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا أن تكون النيابة متدخلة في الخصومة، إذ عندئذ تكون هي - كما قدمنا - آخر من يتكلم (مادة 95/ 1 مرافعات).
وللخصوم ومحاميهم الحق إبداء أقوالهم بالجلسة، فلا يجوز للمحكمة مقاطعتهم. ولا يكون المحامي مسئولاً عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكراته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع (مادة 47 من قانون المحاماة). على أن للمحكمة أن تستوقف المرافعة لكي تطرح ما تراه مفيداً من الأسئلة أو لإبداء ما يعن لها من ملاحظات. كما أن لها - تطبيقاً لمبدأ الاقتصاد في الخصومة - أن تمنع أي خصم أو محاميه من الاسترسال في المرافعة إذا كان كلامه خارجاً عن موضوع القضية أو عما يقتضيه الدفاع فيها . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 279)
المرافعة :
يقصد بالمرافعة إبداء الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع مجردة أو مؤيدة بالأسانيد الواقعية والقانونية، ويكون ذلك شفاهة أو كتابة حسب نوع الدعوى والوقت الذي تصدر فيه المحكمة حكمها فإن كانت الدعوى من النوع الذي يمكن للمحكمة أن تحكم فيها في نفس الجلسة وجب عليها الاستماع إلى أقوال الخصوم حال المرافعة باعتبار أن المرافعة الشفوية في هذه الحالة تكون منتجة لصدور الحكم على إثرها فتظل أسانيد الخصوم وأوجه دفاعهم في ذاكرة المحكمة طالما اتجهت منذ البدء إلى النطق بالحكم في الجلسة عقب انتهاء المرافعة، لكن إذا اتجهت إلى إصداره في جلسة أخرى مقبلة، فإن المرافعة المكتوبة تكون أجدى وأنفع للمحكمة وللخصوم أنفسهم حتى إذا خلد القاضي لكتابة الحكم بعد فترة من الجلسة التي حجزت فيها الدعوى يجد أمامه طلبات الخصوم ودفوعهم وأوجه دفاعهم و الأسانيد الواقعية والقانونية مبسوطة أمامه في مذكرات الخصوم قارعة لسمعه فلا يفته شیء منها، ولا يغني في هذا المقام المرافعة الشفوية فكثيرا ما يخلو محضر الجلسة من أوجه دفاع جوهرية قد تضر بمن أبداها بإسهاب في مرافعته الشفوية وخلي محضر الجلسة من أهم ما تضمنته.
وإذ آثرت المحكمة المرافعة المكتوبة وأصر الخصوم على المرافعة الشفوية كان لهم ذلك على أن تجرى المرافعة بما جرى به العرف ووفقاً للأصول المتعارف عليها ومن ثم لا يجوز للمترافع أن يملي ما يقوله لإثباته بمحضر الجلسة لما في ذلك من خروج عن المألوف، لأن مقتضى المرافعة الشفوية هو الاستماع إلى أقوال الخصوم وليس تدوین ما يملى بمحضر الجلسة حفاظاً على وقت المحكمة، وحينئذ تقرر المحكمة وقف المرافعة الشفوية واللجوء إلى المرافعة المكتوبة ولا بعد ذلك إخلالاً بحق الدفاع.
ومتى أصر الخصوم على المرافعة الشفوية تعين على المحكمة الاستماع إلى أقوالهم ويكون من حقها في هذه الحالة عدم التصريح للخصوم بتقديم مذكرات إذ ليس من حقهم الجمع بين المرافعة الشفوية والمرافعة الكتابية ما لم تر المحكمة التصريح لهم بذلك، وإذا تمسك الخصم بالمرافعة الكتابية دون الشفوية تعين على المحكمة إجابته لهذا الطلب بحجز الدعوى للحكم والتصريح بمذكرات، ولا يجوز للمحكمة حال المرافعة الشفوية مقاطعة الخصوم أو تكليفهم بالإيجاز طالما انصرفت المرافعة إلى الأسانيد القانونية وتطبيقها على الواقع في الدعوى أما إذا خرجوا عن الموضوع بالتكلم في مسألة لا تنتج في حسم النزاع، كان للمحكمة مقاطعتهم وتكليفهم بالالتزام بموضوع الدعوى فإن لم يمتثلوا أوقفت المرافعة الشفوية وأمرت بالمرافعة الكتابية، وسبيلها إلى ذلك بصدور القرار آخر الجلسة وهذا يعني قفل باب المرافعة ولا يفتح إلا بصدور القرار بحجز الدعوى للحكم والتصريح بمذكرات في أجل تحدده أو بتأجيل الدعوى الجلسة مقبلة.
وأن كانت المحكمة لا تلتزم بتنبيه الخصوم إلى أوجه دفاعهم إلا أن لهم حال المرافعة الشفوية أن تطلب من الخصم أو محاميه إيضاح مسألة معينة.
وإذا خرج الخصم عن مقتضيات الدفاع بأن تناول مسائل شخصية منبتة الصلة بالنزاع، كان للمحكمة مقاطعته وإلزامه بنطاق الدعوى، وتبدأ المحكمة بسماع أقوال المدعى وبعد أن يفرغ منها تستمع لأقوال المدعى عليه، فإذا ما عقب المدعي على تلك الأقوال مكنت المحكمة المدعى عليه من الرد إذا ما طلب ذلك بحيث يكون آخر من يتكلم أما إن لم يطلب الرد فلا تثريب على المحكمة إن هي حكمت في الدعوى بعد تعقيب المدعي إذ لا يبطل حكمها في هذه الحالة إلا إذا أراد المدعى عليه الرد على تعقيب المدعى وحالت بينه وبين ذلك إن تكون قد أخلت بحق الدفاع.
ويجب الاستماع أقوال الخصوم بما ينطوي عليه من مرافعة أن تكون الخصومة قد انعقدت باستيفاء الشكل الذي نص عليه القانون، فلا يطرح الطلب أو الدفع على المحكمة قبل أن تنعقد الخصومة فيما عدا الدفع باعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم إعلان صحيفتها خلال ثلاثة أشهر عملاً بالمادة (70).
مناط بطلان المرافعة في حالة إنابة محام لآخر:
الأصل أن يباشر المحامي الوكيل بالخصومة بنفسه كافة الإجراءات المتعلقة بالخصومة وفقاً لما إذا كان موكله مدعياً أو مدعى عليه، فإن كان مدعياً أعد الوكيل بالخصومة صحيفة افتتاح الدعوى وتقدم بها إلى قلم الكتاب التقدير الرسم ثم سداده وإيداع الصحيفة بعد ذلك قلم الكتاب لقيدها بالسجل الخاص بذلك وتسلم أحد الأصلين والصور - إذا شاء - لتقديمها إلى قلم المحضرين لإعلانها ثم ردها إلى قلم الكتاب والحضور بجلسات المرافعة لإبداء الطلبات وأوجه الدفاع وتتبع سير الدعوى وإن كان مدعى عليه حضر بجلسة المرافعة لإبداء الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع وإيضاح أسانيده الواقعية والقانونية المؤيدة لذلك وهو ما يتصرف إلى الحضور والمرافعة.
ويجب التفرقة، فيما يتعلق بالإنابة، بين الحضور والمرافعة في حالة حضور محام عن المحامي المنيب أمام محكمة الاستئناف، إذ يجب حينئذ أن يكون المحامیان مقبولين أمامها حتى تكون الإنابة تامة شاملة الحضور والمرافعة، فإن كان المحامي المنيب هو فقط المقبول أمامها وأناب محام غير مقبول أمامها، اقتصرت الإنابة على الحضور والمرافعة، وانحصرت على المسائل التي لا تمس المرافعة وهو حظر متعلق بالنظام العام لمساسه بالتنظيم القضائي وتنظيم المرافعة أمام درجات التقاضي المختلفة مما يوجب على المحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها بحيث إن تمت أمامها مرافعة من محام غير مقبول أمامها قضت ومن تلقاء نفسها ببطلان هذه المرافعة بطلاناً مطلقاً ومن شأن هذا البطلان طرح كل ما تضمنته المرافعة ومن ثم تستبعد كل الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع والإجراءات وتعتبرها كأنها لم تطرح عليها وتفصل في الدعوى على هذا الأساس دون اعتداد بأن المرافعة تمت بمعرفة محام إنابة محام مقبول للمرافعة أمامها لاقتصار الإنابة في هذه الحالة على الحضور دون المرافعة.
ولما كان نص المادة (56) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 قد جرى بأنه «للمحامي سواء كان خصماً أصلياً أو وكيلاً في دعوى أن ينيب عنه في المرافعة أو في غير ذلك من إجراءات التقاضي محامياً آخر تحت مسئوليته دون توكيل خاص ما لم يكن في التوكيل ما يمنع ذلك، فإن هذا النص ونص المادة(78) من قانون المرافعات يجب تفسيرهما على هدي نص المادتين (34)، (37) من قانون المحاماة سالف البيان فقد أجازت المادة (34) للمحامي المقيد أمام المحاكم الابتدائية الحضور أمام محاكم الاستئناف نيابة عن أحد المحامين المقيدين أمامها، بينما نصت المادة (37) على أن للمحامي المقيد بجدول محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة أمام هذه المحاكم ومن جماع هذه النصوص يبين أن المشرع فرق بين الحضور والمرافعة، فجعل للمحامي المقيد أمام المحاكم الابتدائية الحضور أمام محاكم الاستئناف، بينما جعل للمحامي المقيد بجدول محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة، مما يقطع في الدلالة على أن المحامي المقيد أمام المحاكم الابتدائية ليس له الحق في المرافعة أمام محاكم الاستئناف وأن إنابته تقتصر على الحضور لمباشرة الإجراءات التي لا تمس المرافعة كطلب أجل أو تقديم أصل الصحيفة المعلن أو إعادة الإعلان أو مذكرة موقعة من المحامي الأصيل.
ومع مراعاة ما تقدم، يكون للمحامي أن ينيب غيره من المحامين المباشرة أي إجراء من إجراءات الدعوى أو للحضور والمرافعة دون حاجة لصدور توكيل بذلك ويكفي أني قرر المحامي الحاضر وتحت مسئوليته أنه ينوب عن محام آخر ويثبت ذلك بمحضر الجلسة، ولا تجوز الإنابة إذا كان سند الوكالة يحول دونها، فإن كان المحامي خصماً أصيلاً في الدعوى - مدعياً أو مدعى عليه - جاز له أن ينيب عنه محامياً آخر في الحضور والمرافعة دون حاجة لسند وكالة. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة 587)
إذا طلب الخصوم من المحكمة الاستماع إلى مرافعتهم فلم تمكنهم من ذلك فإنها تكون قد أخلت بحقهم فى الدفاع ويكون حكمها باطلاً وإذا لم تمكن المحكمة المدعى عليه من التعقيب على دفاع المدعي حتى ولو كان قد سبق أن أبدي دفاعهم فإنها تكون قد أخلت بحق الدفاع ويكون حكمها باطلاً لأن المدعى عليه هو أخر من يتكلم.
ومن المقرر أنه متى انعقدت الخصومة في الدعوى فإنه يجوز لأي خصم أن يتقدم في الجلسة ما يشاء من مستندات ومذكرات سواء حضرها خصمه الأخر أو تخلف عن الحضور ولا يلزم بإعلانها إليه، ذلك أنه يقع علي عاتق كل خصم متابعة دعواه ويطلع على ما يبدي في جلساتها من دفاع أو يقدم من أوراق.
وكانت المادة 15 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 تنص على أنه لا يجوز لمن ولي الوزارة أو شغل منصب مستشار بأحدي الهيئات وأساتذة القانون بالجامعات المصرية ممارسة المحاماة إلا أمام محكمة النقض وما يعادلها ومحاكم الاستئناف وما يعادلها ومحاكم الجنايات وما يعادلها ومحاكم الاستئناف وما يعادلها ومحاكم الجنايات ومحاكم القضاء الإداري وكان مؤدي ذلك أن من عددهم النص لا يجوز لهم ممارسة المحاماة أمام المحاكم الابتدائية أو الجزئية إلا أن المحكمة الدستورية قضت بعدم دستورية هذا النص لإخلاله بضمان حق الدفاع . ( الحكم الصادر في الطعن رقم 6 لسنة 13 قضائية دستورية للجلسة 1992/5/16 ) . (التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني ، الصفحة : 1049)
مبدأ احترام حق الدفاع: يعتبر حق الدفاع سمة أساسية من أهم سمات قانون المرافعات، وهو يماثل في الأهمية قاعدة العقد شريعة المتعاقدين في القانون المدني وقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون الجنائي، وهو يهدف إلى تحقيق المساواة بين مراكز الخصوم في الدعوى، ويقصد بحق الدفاع حق الخصم في أن يسمع القاضي وجهة نظرة وتمكينه من مناقشة ما يقدمه الخصم الأخر من دفاع في الخصومة توصلاً لدحضه والإقناع القاضي بإصدار الحكم لصالحه، فالدفاع في القضية هو إبداء الخصم لوجهة نظره أمام المحكمة فيما قدمه هو أو قدمه خصمه من ادعاءات، ويمثل نص المادة 102 - محل التعليق - مظهراً من مظاهر احترام المشرع لحق الدفاع، فوفقاً لهذا النص ينبغي الاستماع إلى أقوال الخصوم حال المرافعة، ولا يجوز مقاطعتهم إلا إذا خرجوا عن موضوع الدعوى أو مقتضيات الدفاع فيها، ويكون المدعى عليه أثر من يتكلم، وذلك تمكيناً له ممارسة حقه في الدفاع، فإذا طلب الخصوم من المحكمة الاستماع إلى مرافعتهم فلم تمكنهم من ذلك، فإنها تكون قد أخلت بحقهم فى الدفاع ويكون حكمها باطلاً وإذا لم تمكن المحكمة المدعى عليه من التعقيب على دفاع المدعى حتى ولو كان قد سبق أن أبدى دفاعه، فإنها تكون قد أخلت بحق الدفاع، ويكون حكمها باطلاً لأن المدعى عليه هو آخر من يتكلم وفقاً لنص المادة 102.
ويلاحظ فيما يتعلق بمقتضيات حق الدفاع المشار إليها في نص المادة 102 - محل التعليق - أنه يدخل في معنى الخصم الذي يعفي من عقاب القذف الذي يصدر منه أمام المحكمة طبقاً لنص المادة 309 من قانون العقوبات المحامون عن المتقاضين ما دامت عبارات القذف الموجهة إليهم تتصل بموضوع الخصومة و تقتضيها ضرورات الدفاع. (نقض جنائى 27/11/1956 ، لسنة 7 ص 1196 ) .
وقد حذف المشرع في القانون الحالي الفقرة الأولى من المادة 123 من القانون السابق والتي كانت تنص على أنه ليس للخصوم أن يطلبوا إعادة الاستماع إليهم بعد إجابتهم للمرة الثانية وترك ذلك لتقدير المحكمة. وأكد المشرع في القانون الحالى ضرورة أن يكون المدعى عليه آخر من يتكلم وحذف المشرع التفصيلات الواردة في المادة 122 من القانون السابق والخاصة بالحالات التي يجوز فيها للمحكمة مقاطعة الخصوم عند إبدائهم دفاعهم، واكتفى بعبارة عامة تشمل كل هذه التفصيلات وهي الخروج عن مقتضيات الدفاع.
وجدير بالذكر أنه يبقى حق الخصوم في إبداء الدفاع ما دام باب المرافعة مفتوحاً، فإذا قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فقفلت بذلك باب المرافعة انقطعت صلة الخصوم بالدعوى، ولا يكون لهم بها أي اتصال إلا بالقدر الذي تصرح به المحكمة. (نقض 17/12/1968 - سنة 19 ص 1547)، فإذا كانت قد صرحت بتقديم مذكرات خلال فترة حجز الدعوى للحكم اعتبر باب المرافعة مفتوحاً خلال الأجل المصرح فيه بتقديم المذكرات بحيث يجوز للخصوم أن يضمنوها طلبات جديدة (نقض 24/2/1966 - سنة 17 ص 467)، ولكن ليس لهم أن يجاوزوا القدر المصرح به، فإذا لم يتضمن القرار التصريح بتقديم مستندات امتنع تقديمها ولو كانت مرفقة بالمذكرة المصرح بها (نقض 17/12/1968 - سنة 19 ص 1547 ) وإذا انتهى الأجل المصرح بتقديم مذكرات فيه اعتبر باب المرافعة مقفولاً تماماً فتستبعد المحكمة ما يقدم إليها من مذكرات بعد هذا الأجل (نقض 10/6/1965 - سنة 16 ص 760 )، ولا تلتزم بالرد عليه (نقض 26/10/1965 - سنة 22 ص 841 )، وإذا صدر الحكم فإن الدفع الوارد في المذكرة المستبعدة لا يعتبر مطروحاً على محكمة ثان درجة (نقض 8/11/1976 - في الطعن 418 لسنة 43)، وذلك على عكس المستندات التي استبعدتها محكمة أول درجة لتقديمها دون تصريح خلال فترة حجز الدعوى للحكم إذ أن الأثر الناقل للاستئناف يوجب على محكمة ثانى درجة أن تفحصها وتقول كلمتها فيها (نقض 14/4/1976 ، في الطعن 164 لسنة 42) غير أنه إذا لم يصدر الحكم وأعيدت الدعوى للمرافعة اعتبرت المذكرة المستبعدة مطروحة في الأوراق فما يوجب على المحكمة عند الحكم في الدعوى أن تعرض للدفاع الوارد فيها (نقض 23/2/1977، في الطعن 449 لسنة 39 ) ومن جهة أخرى فإنه إذا قدمت مذكرة أو مستند خلال فترة حجز الدعوى للحكم دون إذن من المحكمة، ولكن بعد أن اطلع عليها الخصم الذي تولى الرد عليها، فإنه تزول الحكمة من استبعادها، إذ لايكون ثمة إخلال بمبدأ المواجهة بين الخصوم، ومن ثم فلا يكون ثمة بطلان في قبول المستند أو الاعتداد بالدفاع الوارد في المذكرة (نقض 30/12/1975، في الطعن 383 لسنة 40)، وإذا أعيدت الدعوى للمرافعة وجب إعلان الخصوم بهذا القرار ولو كان هذا القرار قد صدر بناء على طلب الخصم الغائب (نقض 22/11/1976 ، في الطعن 634 لسنة 43)، ويترتب على مخالفة ذلك البطلان وان كان بطلاناً نسبياً يزول بنزول صاحب الشأن عنه أو بحضوره في الجلسة المحددة.
(نقض 18/11/1975، في الطعن 527 لسنة 40، كمال عبد العزيز - ص 243 وص 244 ).
ولا يجوز الاستناد إلى دفاع وارد في مذكرة أودعها الحكوم له ملف الدعوى دون أن يطلع عليها خصمه (نقض 8/2/1951 - سنة 2 ص 310) ولا ينال من هذه القاعدة أن تكون المحكمة قد أذنت بإيداع مذكرات ملف الدعوى (نقض 4/11/1975 في الطعن 78 لسنة 41)، وقد رتب هذا الحكم على ذلك أن المحكمة لا تلتزم بالرد على ما ورد في مذكرة : قدمت خلال فترة حجز الدعوى الحكم دون إعلانها للخصم حتى ولو كانت المحكمة أذنت بإيداع مذكرات ملف الدعوى. وهذا الحكم في إطلاقه محل نظر، ذلك أنه وإن كانت المواجهة مبدا أساسيا بما يتعين معه عدم الاعتداد بدفاع لم يواجه به الخصم، إلا أنه يمكن القول بأنه إذا كان إذن المحكمة بإيداع الخصوم المذكرات التي يتبادلونها ملف الدعوى بناء على اتفاقهم، فإن ذلك يجعل من قلم الكتاب محلاً مختاراً لكل منهما لتسليم وتسلم صور هذه المذكرات، فيكون إيداع المذكرة قلم الكتاب بمثابة إعلان لها إلى الخصم. (كمال عبد العزيز - ص 244 و ص 245).
ويلاحظ أنه من المقرر وجوب ضمان حق الدفاع الخصوم في أية حالة كانت عليها الإجراءات. ونتيجة لهذا، فإن على المحكمة إفساح المجال للخصوم لاستعمال حقهم في الدفاع، فليس لها القيام بأي إجراء من شأنه انتهاك هذا الحق (فتحى والى - بند 280 ص 471)، ولهذا لا يجوز للمحكمة قبول أية أوراق أو مذكرات من أحد الخصوم - في غير جلسة - دون اطلاع خصمه عليها أو إعلانها بها (نقض تجاری 15/2/1982 في الطعن رقم 1448 لسنة 49 قضائية)، فإذا قدمت مذكرة من أحد الخصوم لا تحمل أي بيان يفيد سبق إعلانه للخصم أو إطلاعه عليها، فإن هذه المذكرة تعتبر غير قائمة قانوناً أمام المحكمة باعتبارها ورقة من أوراق الدعوى، وبالتالي لا يعتبر الدفاع الوارد فيها مطروح على المحكمة ولا تلتزم بالرد عليه (نقض مدني 2/2/1976 - مجلة إدارة قضايا الحكومة 1977 - عدد 1 ص 155- بند 11)، وإذا قبلت الحكمة مثل هذه المذكرة، فإنها يجب ألا تعول عليها أو تتأثر بها في حكمها وإلا كان الحكم باطلا (نقض مدني 2/5/1973 - المحاماة سنة 58 ص 48 رقم 33 و 26/10/1971 - مجموعة النقض سنة 22 ص 844 رقم 138 )، ولا يستثنى من هذا إلا أن تكون المذكرة غير متضمنة بدفاعاً جديداً (فإذا كانت المذكرة تتضمن دفاعاً جديداً كان الحكم باطلاً، نقض مدنى 30/11/1971 - مجموعة النقض سنة 22 ص 946 رقم 159)، أو أن تكون المحكمة نفسها قد أذنت للخصم بإيداع مذكرته بملف الدعوى دون إعلان خصمه بها، تطبيقاً للمادة 171/2 مضافة بالقانون 23 لسنة 1992 والتي سوف نعلق عليها فيما بعد.
وجدير بالذكر أنه يقوم مقام إعلان الخصم أو إطلاعه على المذكرة، أية واقعة تفيد هذا الإطلاع ونحقق الغاية منه وهي إتاحة الفرصة للخصم للرد على دفاع خصمه (فتحى والى ص 472).
ولهذا فإن قيام الخصم بالرد في مذكرته على دفاع خصمه الوارد في مذكرة لم تعلن إليه أو لم يطلع عليها يحقق الهدف من هذا الاطلاع ولا يشوب الحكم الذي يشير إلى ذلك الدفاع وإلى الرد عليه بطلان هذا ولو كانت المحكمة لم تأذن بتقديم المذكرة أو المستند.
نقض مدنى 30/2/1975 - مجموعة النقض سنة 26 ص 1727 رقم 323). ومن ناحية أخرى، فإن وجوب إعلان الخصم أو اطلاعه على ما يقدمه خصمه يتعلق فقط بما يقدم في غير جلسة، أما يقدمه الخصوم بالجلسة من مذكرات أو مستندات، فإنها لا نعلن للخصم ولو كان غائباً، إذ المفروض أن تتابع كل خصم قضيته ويطلع على ما يبدى في جلساتها من دفاع وما يقدم من أوراق. (نقض مدني 19/3/1979، الطعن رقم 2 لسنة 46 قضائية).
والدفاع في القضية ليس واجبا على الخصم بل هو حق له كما ذكرنا، فله أن يبدي دفاعه على الوجه الذي بريد، ويكفي لضمان حقه في الدفاع أن يمكن من إبدائه، أما إبداؤه بفاعلية فأمر يتوقف عليه، ونتيجة لهذا فإن المحكمة ما دامت لم تقبد الخصم في دفاعه لا نعتبر أنها قد أخلت بحق الخصم في الدفاع إذا لم تلفت نظره إلى حقه في هذا الدفاع أو إلى مقتضياته أو تكلفه بتقديم الدليل عليه. (نقض مدنى 25/1/1990، في الطعن 1729 لسنة 57 قضائية ونقض 19/6/1973 - مجموعة النقض سنة 24 ص 940 رقم 163، ونقض 21/3/1972 - مجموعة النقض سنة 23 ص 439). ومن ناحية أخرى، إذا قدم الخصم دفاعاً لم يقم الدليل عليه. فلا يعيب الحكم إغفاله التحدث عنه (نقض مدنى 8/3/1967 - مجموعة النقض سنة 18 ص 589 رقم 93)، بنسبة أمور شائنه لخصمه ماسة باعتباره وكرامته، فإنه يكون مسئولاً عما ينشأ عن خطئه هذا من ضرر، ولايمنع تحقق المسئولية إثبات صحة ما نسبه إلى خصمه .
(نقض مدنى 24/3/1983 في الطعن رقم 461 لسنة 48 قضائية).
وصيانة حق الدفاع لايحول دون تنظيم الحكمة له (فتحي والي - ص 472 وص 473 )، ولهذا فإن للمحكمة أن تحدد مواعيد للخصوم لتقديم مذكراتهم ومستنداتهم. وإذا قدمت المذكرة بعد الميعاد، فإن للمحكمة أن ترفض قبولها، وتعتبر الدفاع الوارد بها غير مطروح عليها (نقض مدنى 17/3/1975 - مجموعة النقض سنة 26 ص 610 رقم 122). على أن التنظيم وأن ألزم الخصوم لا يلزم المحكمة، فللمحكمة - إن رأت ذلك - أن تقبل مذکرة أو مستنداً بعد الميعاد الذي حددته، فإن فعلت فإن المذكرة تعتبر قائمة قانوناً أمامها باعتبارها ورقة من أوراق الدعوى.(نقض مدنى 1/4/1975 مجموعة النقض سنة 26 ص 713 رقم 140).
ومن ناحية أخرى، فإن محكمة الموضوع ما دامت قد أفسحت المدى المعقول لتمكين الخصوم من الدفاع، فهي ليست ملزمة بإجابتهم إلى طلب التأجيل لإبداء دفاع أو تقديم مذكرة به.
(نقض مدني 22/6/1967 - مجموعة النقض سنة 18 ص 1266 رقم 206).
وصيانة حق الدفاع لايحول دون تنظيم المشرع لاستعماله (فتحی والى - م 472)، وقد حرص قانون المرافعات في هذا الشأن على وضع قواعد من شأنها عدم إضاعة وقت المحكمة عبثاً وعدم مباغتة الطرف الآخر فيضطر إلى طلب التأجيل مما يعطل نظر القضية، وهذه القواعد تضمنتها مواد قانون المرافعات وأهمها المادة 65 والمادة 97 مرافعات التي سبق لنا التعليق عليهما والمادة 171 وغير ذلك من المواد.
وحيث إنه وإن صح القول بأن المعسرين لا حق لهم في اختيار محاميهم، وإن حقوقهم في مجال ضمانة الدفاع لا تجاوز الحق في تمثيل ملائم يرعى مصالحهم و يرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض، فإن من الصحيح كذلك إن اختيار الشخص لمحام يكون قادراً على تحمل أتعابه، إنما يتم في إطار علاقة قانونية قوامها الثقة المتبادلة بين طرفيها، ويتعين بالتالي أن يظل الحق في هذا الاختيار محاطاً بالحماية التي كفلها الدستور لحق الدفاع کی يحصل من يلوذ بهذا الحق على المعونة التي يطلبها معتصماً في بلوغها بمن يختاره من المحامين متوسماً فيه أنه الأقدر - لعلمه وخبرته وتخصصه - على ترجيح كفته، ذلك أنه في نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص ومحاميه، فإنه يكن مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التي يسفر عنها الحكم في دعواه، فضلاً عن أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفاً فيها من المحامين حرية إدارة الدفاع وتوجيهه الوجهة التي يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله في إطار أصول المهنة ومقتضياتها. وعلى ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختبار الحر والتي يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره وأعمق دخائله اطمئناناً منه لجانبه، يتخذ المحامي قراراته حتى ما كان منها مؤثراً في مصير موكله بل إن حدود هذه العلاقة تحمله على أن يكون أكثر يقظة وتحفزاً في متابعته للخصومة القضائية وتعقبه لمسارها ومواجهته بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده وبوجه خاص كان الحكم بالإدانة. أكثر احتمالاً. أو كانت النتائج المحتملة. للحكم في النزاع بعيدة في آثارها العملية والقانونية.
وحيث إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة الفعالة التي يقدمها المحامي لمن يقوم بتمثيله وهي ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على أن يختار محامياً أقل خبرة منحياً بذلك وإعمالاً للنص التشريعي المطعون عليه - من يقدر أنه اكثر موهبة و أنفذ بصراً، متى كان ذلك، فإن حق الشخص في اختيار من يوليه ثقته من المحامين يغدو لازماً لفعالية ضمانة الدفاع، والانتقال بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء في مجال النهوض بالرسالة التي يقوم عليها، وتحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدماً لا ينتكس بأهدافها بل يثريها بدماء الخبرة والمعرفة وبغيرها قد يؤول أمر الدفاع - في عديد من صوره - إلى النمطية العقيمة التي لا إبداع فيها وإلى إفراغ متطلباته من محتواها.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان الأصل في الحقوق التي كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمي يجعل بعضها أقل شأنا من غيرها أو في مرتبة أدني منها، بل تتكافأ في أن لكل منها مجالاً حيوياً لا يجوز اقتحامه بالقيود التي تفرضها النصوص التشريعية وكان هذا المجال يتحدد بالنسبة إلى الحقوق التي نص عليها الدستور في صلبه على ضوء طبيعة كل حق منها وبمراعاة الأغراض النهائية التي قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء إقراره، وفي إطار الرابطة الحتمية التي تقوم بين هذا الحق وغيره من الحقوق التي كفلها الدستور باعتباره مدخلاً إليها أو معززاً لها أو لازماً لصونها، وكان إنكار حق الشخص في أن يختار من المحامين من بقدر تميزه في الدفاع عن المصالح التي يتوخى تأمينها والذود عنها، لا يتمخص عن مصلحة مشروعة بل هو سعى إلى نقيضها، باعتبار أن فاعلية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة بذاتها من المحامين - الأصل أن تتوافر لها الخبرة العريضة والإحاطة بفروع القانون المختلفة مع تعمقها لأغوارها وتقصيها لدقائقها - من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما في حكمها، لمجرد كون أفرادها. يشغلون وظيفة بعينها أو كانوا قائمين بأعبائها، وذلك لما ينطوي عليه هذا النص من إنكار حق كل متقاض في اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته سواء في مجال قدراته القانونية أو القيم التي يتحلى بها في أداء عمله أو الكيفية التي يواجه بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية - وليس ذلك كله إلا عدواناً على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضي مهدراً كذلك مبدأ الخضوع للقانون ومجرداً الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور من أبرز ضماناتها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التي رسمها الدستور مجالاً حيوياً لحق الدفاع واخل بالحقوق الأخرى المرتبطة به برابطة وثيقة، ووقع من ثم باطلاً. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني، الصفحة : 815 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 357
التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي التَّقَاضِي:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَالْخِطَابِ، وَاللَّحْظِ، وَاللَّفْظِ، وَالإْشَارَةِ، وَالإْقْبَالِ، وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَالإْنْصَاتِ إِلَيْهِمَا، وَالاِسْتِمَاعِ مِنْهُمَا، وَالْقِيَامِ لَهُمَا، وَرَدِّ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِمَا، وَطَلاَقَةِ الْوَجْهِ لَهُمَا؛ لِلأْحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ مِنْهَا:
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ، وَلاَ يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لاَ يَرْفَعُهُ عَلَى الآْخَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي النَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ وَالإْشَارَةِ»
وَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى أَبِي مُوسَى الأْشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنْ آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَعَدْلِكَ وَمَجْلِسِكَ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلاَ يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ.
وَلأِنَّ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ يُوهِمُ الْخَصْمَ الآْخَرَ مَيْلَ الْقَاضِي إِلَى خَصْمِهِ، فَيُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنِ الْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ، وَلاَ يُسَارُّ أَحَدَهُمَا دُونَ الآْخَرِ، وَلاَ يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلاَ يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ؛ لأِنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُخَالَفَةً لِلْمُسَاوَاةِ الْمَطْلُوبَةِ.
وَيَشْمَلُ هَذَا الشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالأْبَ وَالاِبْنَ، وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ الأْوَّلِ فَالأْوَّلِ، إِذَا حَضَرَ الْقَاضِي خُصُومٌ وَازْدَحَمُوا؛ لأِنَّ الْحَقَّ لِلسَّابِقِ، فَإِنْ جَهِلَ الأْسْبَقَ مِنْهُمْ، أَوْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، وَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ؛ إِذْ لاَ مُرَجِّحَ إِلاَّ بِهَا. فَإِنْ حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ: فَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلاً، بِحَيْثُ لاَ يَضُرُّ تَقْدِيمُهُمْ عَلَى الْمُقِيمِينَ قَدَّمَهُمْ؛ لأِنَّهُمْ عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ؛ وَلِئَلاَّ يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ. وَكَذَلِكَ النِّسْوَةُ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ طَلَبًا لِسَتْرِهِنَّ مَا لَمْ يَكْثُرْ عَدَدُهُنَّ أَيْضًا.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَسْوِيَةِ الْمُسْلِمِ مَعَ خَصْمِهِ الْكَافِرِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ الأْمُورِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا؛ لأِنَّ تَفْضِيلَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَرَفْعَهُ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَسْرٌ لِقَلْبِهِ، وَتَرْكٌ لِلْعَدْلِ الْوَاجِبِ التَّطْبِيقِ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى جَوَازِ رَفْعِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَصْمِهِ الْكَافِرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ، فَوَجَدَ دِرْعَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ، فَعَرَفَهَا فَقَالَ: دِرْعِي سَقَطَتْ وَقْتَ كَذَا فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: دِرْعِي وَفِي يَدَيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ. فَارْتَفَعَا إِلَى شُرَيْحٍ رضي الله عنه، فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْحٌ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَلَسَ مَعَ الْيَهُودِيِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ
عَلِيٌّ: إِنَّ خَصْمِيَ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ،وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحٌ.
وَلِحَدِيثِ: «الإْسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى»