1 ـ إن ما يتطلبه القانون للعقاب على شهادة الزور ، هو أن يقرر الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين أقوالاً يعلم أنها تخالف الحقيقة ، بقصد تضليل القضاء . و إذ كان ذلك ، و كان الثابت أن الشهادة المسندة إلى المطعون ضده لم تحصل أمام القضاء ، و إنما أدلى بها فى تحقيقات النيابة ، فإن الواقعة لا تتوافر بها العناصر القانونية لجريمة شهادة الزور .
(طعن جنائي رقم 142 لسنة 41 جلسة 1971/05/02 س 22 ع 2 ص 384 ق 94)
2 ـ من المقرر أنه لا يصح تكذيب الشاهد فى إحدى روايتيه إعتماداً على رواية أخرى دون قيام دليل يؤيد ذلك ، لأن ما يقوله الشخص الواحد كذباً فى حالة و ما يقرره صدقاً فى حالة أخرى إنما يرجع إلى ما تنفعل به نفسه من العوامل التى تلابسه فى كل حالة مما يتحتم معه أن لا يؤخذ برواية له دون أخرى صدرت عنه إلا بناء على ظروف يترجح معها صدقه فى تلك الرواية دون أخرى . و هو ما أغفل الحكم بيانه و من ثم فإن الحكم يكون مشوباً بعيب القصور بما يستوجب نقضه و الإحالة .
(طعن جنائي رقم 1954 لسنة 45 جلسة 1976/03/22 س 27 ص 340 ق 72)
إذا ارتكب أحد الحاضرين جنحة تعد على هيئة المحكمة أو على أحد أعضائها أو أحد العاملين بها أثناء انعقاد الجلسة، فللمحكمة أن تحاكمه وتحكم عليه فوراً بالعقوبة ويكون حكمها نافذاً ولو حصل استئنافه (مادة 107/ 1 و 3 مرافعات) وتقدير انطواء الفعل على أحدى الجرائم المعاقب عليها قانوناً ويعد إخلالاً بنظام الجلسة أمر منوط برئيسها ليس للخصوم التمسك به أو أن يعيبوا على المحكمة ما ترخصت في إجرائه.
على أن النصوص المتقدمة جميعها (104 و 106 و 107 مرافعات) لا تسري على المحامي إذا وقع منه أثناء وجوده بالجلسة الأداء واجبه أو بسببه إخلال بالنظام أو أي أمر يستدعي مؤاخذته تأديبياً أو جنائياً، إذ يخضع المحامي القواعد خاصة تنص عليها المادتان ( 49/ 1 و 50 من قانون المحاماة) الهدف منها ضمان استقلاله في أدائه لواجبه صيانة لحق الخصوم في الدفاع .(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 275)
التعدي على المحكمة أو أحد العاملين بها:
إذا وقعت جريمة تعد على هيئة المحكمة أثناء انعقادها أو على أحد أعضائها أو أحد العاملين بها حكمت على الفور بالعقوبة المقررة على الفاعل، ولها أيضاً أن تحاكم من شهد زوراً بالجلسة وتحكم عليه بالعقوبة المقررة لشهادة الزور وإنزال العقوبة المقررة لشهادة الزور قاصرة على المحكمة دون العضو المنتدب للتحقيق عندما تندب المحكمة أحد قضاتها لإجرائه والأصل أن يكون التحقيق أمام المحكمة بكامل هيئتها عملاً بالمادة (72) من قانون الإثبات، ويثبت هذا الحق للقاضي الجزئي منفرداً.
ويكون الحكم الصادر في هذه الحالات نافذاً ولو حصل استئنافه، والحكم الجائز استئنافه هو الحكم الصادر من المحكمة الجزئية فقط دون الأحكام الصادرة من المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف فهي نهائية.
وعملاً بالمادة (50) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 لا يجوز القبض على المحامي إذا ارتكب إحدى جرائم الجلسات. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثاني / الصفحة 615)
1- إذا كانت الجريمة جنحة تعد على هيئة المحكمة أو أحد أعضائها أو أحد العاملين بها يشترط لصحة المحاكمة أن تحكم المحكمة فوراً في الجلسة التي وقعت أثناء انعقادها الجنحة فلا يجوز للمحكمة أن تؤجل المحاكمة إلي جلسة أخرى فإن أجلتها لا يجوز لها محاكمة المتهم ويتعين عليها أن تحيله إلى النيابة لتقوم باتخاذ إجراءات المحاكمة ( وسيط المرافعات للدكتور رمزي سيف الطبعة الثامنة ص 561).
2 - يرجع في أركان شهادة الزور إلي القانون الجنائي.
3- وإذا رأت المحكمة إقامة الدعوى الجزائية على من تعدي عليها أو علي أحد العاملين بها أثناء انعقاد الجلسة فإنه يتعين عليها أن تتبع الإجراءات الجنائية التي تنظم المحاكمة الجنائية فى الجنح فيجب عليها أولاً أن تستدعي ممثل النيابة ثم توجه الاتهام لمن وقع منه التعدي وتلفت نظره لنص المادة التي يحاكم بمقتضاها ثم تسمع رأي النيابة ودفاع المتهم بعد ذلك فإذا طلب المتهم التأجيل التوكيل محام فإنها لا تكون ملزمة بإجابته لطلبه لأن حضور محام مع متهم في جنحة أمر غير لازم غير أنه إذا تقدم محام للدفاع عن المتهم وقبل المتهم ذلك فإن المحكمة تكون ملزمة بسماع دفاعه أما إذا استجابت المحكمة لطلب التأجيل تعين عليها أن تحيل الأوراق للنيابة العامة التي تتولى تحقيق الدعوى وتوجيه الاتهام وتحريك الدعوى الجنائية، ولا يجوز استئناف الحكم الصادر من المحكمة في قضية تعدي إلا إذا كان صادر من محكمة جزئية إذ يعتبر نهائية في حالة صدوره من محكمة ابتدائية وإن كان يجوز الطعن عليه بالنقض وفقاً القانون الإجراءات الجنائية.
أما ما ورد بنهاية المادة من أن يكون الحكم نافذاً ولو حصل استئنافه فإن ذلك لا يعني جواز استئنافه في جميع الحالات وإنما في الحالات التي يجيز فيها القانون الاستئناف كما إذا كان الحكم صادر من محكمة جزئية أما الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية سواء صدر منها وهي منعقدة بصفتها محكمة درجة أولي أو بصفتها هيئة استئنافية فإن حكمها يكون غير قابل للاستئناف والقول بغير هذا يؤدي لتسليط قضاء علي قضاء مساو له في الدرجة لأن استئناف الجنح يكون أمام محكمة الجنح المستأنفة وهي لا تعدو أن تكون إحدى دوائر المحكمة الابتدائية كما لا يتصور أن يرفع الاستئناف أمام محكمة الجنايات لأنها غير مختصة بنظر استئناف الجنح.
ويتعين ملاحظة أن استئناف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية في هذه الجريمة إنما يرفع إلى محكمة الجنح المستأنفة وبتقرير في القلم الجنائي وفقاً لما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية.
4- وجميع المبادئ المتقدمة بالنسبة للاستئناف تسري أيضاً على الحكم الذي يصدر من المحكمة على من شهد زوراً بالجلسة.
5- ومن المقرر أن القواعد التي تضمنتها هذه المادة هي استثناء من القواعد العامة وخروج علي أصول التشريع الجزائي الذي جرى على سنة الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة المحاكمة، هذا ويلاحظ أن أعمال نص المادة قاصر على الجرائم المعتبرة جنحاً أما إذا كانت الواقعة جنائية فلا يجوز للمحكمة حتى ولو كانت محكمة استئنافية أن تحاكم من وقعت منه الجناية وإنما يتعين في هذه الحالة إتباع أحكام المادة 106مرافعات ووفقاً لنص المادتين 49 و 50 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 لا يجوز تطبيق نص المادة 107 إذا وقع الإخلال أو التعدي من مستشام أثناء قيامه بواجبه أو بسبب وليس للمحكمة في هذه الحالة إلا أن يأمر رئيس الجلسة بتحرير محضر بما حدث ويحيله الي النيابة العامة التي تأمر بتقديمه للمحكمة الجنائية إذا كان ما وقع منه مجرد اختلال بالواجب أو بالنظام كما نصت المادة 54 من قانون المحاماة على عقاب من يتعدى على محام أو يهينه بالإشارة أو بالقول، أو التهديد أثناء تأدية مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب الجريمة علي أحد أعضاء هيئة المحكمة. (التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني، الصفحة : 1073)
في حالة وقوع جريمة تمثل جنحة تعد على هيئة المحكمة أثناء انعقادها أو على أحد أعضائها أو أحد العاملين بها، فإنها تحاكم الفاعل ونحكم عليه فوراً بالعقوبة، ونص المادة 107 سالف الذكر بمثل استثناء من أصول التشريع الجنائي التي توجب الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة الحاكمة، ويشترط الصحة المحاكمة أن تحكم المحكمة فوراً في الجلسة التي وقعت أثناء انعقادها الجنحة، فلا يجوز للمحكمة أن تؤجل المحاكمة إلى جلسة أخرى فإن أجلتها لا يجوز لها محاكمة المتهم، ويتعين عليها أن تحيله إلى النيابة لتقوم باتخاذ إجراءات المحاكمة (رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 561).
ويقتصر إعمال نص المادة 107 محل التعليق على الجرائم المقيدة جنحاً، ففي حالة كون الواقعة تمثل جناية فإنه لا يجوز للمحكمة حتى ولو كانت محكمة استئناف أن تحاكم من وقعت منه الجناية، وإنما يجب إعمال المادة 106 مرافعات أي يأمر رئيس المحكمة بتحرير محضر عن الواقعة واتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات التحقيق وإحالة الأوراق إلى النيابة وله أن يأمر بالقبض على من وقعت منه الجريمة.
ويلاحظ أنه إعمالاً للمادة 50 من قانون المحاماة لا يجوز القبض على المحامي إذا ارتكب إحدى جرائم الجلسات، وطبقاً لنص المادتين 49 و 50 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 لا يجوز تطبيق نص المادة 107 إذا وقع الإخلال أو التعدي من محام أثناء قيامه بواجبه أو بسببه وليس للمحكمة في هذه الحالة إلا أن يأمر رئيس الجلسة بتحرير محضر بما حدث ويحيله إلى النيابة العامة التي تأمر بتقديمه للمحكمة الجنائية إذا كان قد وقع منه جريمة أو تحيله للهيئة التأديبية أو المجلس النقابة إذا كان ما وقع منه مجرد إخلال بالواجب أو بالنظام، ويلاحظ أن المادة 54 من قانون المحاماة نصت على عقاب من يتعدى على محام أو يهنية بالإشارة أو بالقول أو التهديد أثناء تأدية مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب الجريمة على أحد أعضاء هيئة المحكمة .
وطبقاً للفقرة الثانية من المادة 107 محل التعليق فإن للمحكمة أن تحاكم من شهد زوراً بالجلسة، وإذا توافرت أركان شهادة الزور وفقاً للقانون الجنائي فإنها تحكم عليه بالعقوبة المقررة لشهادة الزور.
وجدير بالذكر أنه إذا رأت المحكمة إقامة الدعوى الجنائية على من تعدى عليها أو على أحد العاملين بها أثناء انعقاد الجلسة، فإنه يتعين عليها أن تتبع الإجراءات الجنائية التي تنظم المحاكمة الجنائية فى الجنح فيجب عليها أولاً أن تستدعي ممثل النيابة ثم توجه الاتهام لمن وقع منه التعدي وتلفت نظره لنص المادة التي يحاكم بمقتضاها ثم تسمع رأى النيابة ودفاع المتهم بعد ذلك، فإذا طلب المتهم التأجيل التوكيل محام فإنها لا تكون ملزمة بإجابته لطلبه لأن حضور محام مع متهم في جنحة أمر غير لازم غير أنه إذا تقدم محام للدفاع عن المتهم، وقبل المتهم ذلك، فإن المحكمة تكون ملزمة بسماع دفاعه، أما إذا استجابت المحكمة لطلب التأجيل تعين عليها أن تحيل الأوراق للنيابة العامة التي تتولى تحقيق الدعوى وتوجيه الاتهام وتحريك الدعوى الجنائية، ولا يجوز استئناف الحكم الصادر من المحكمة في قضية تعدى إلا إذا كان صادراً من محكمة جزئية إذ يعتبر في حالة صدوره من محكمة ابتدائية وإن كان يجوز الطعن عليه بالنقض وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية، واستئناف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية في هذه الجريمة إنما يرفع إلى محكمة الجنح المستأنفة وبتقرير في القلم الجنائي وفقاً لما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية.
ونص الفقرة الأخيرة من المادة 107 محل التعليق على أن يكون الحكم نافذاً ولو حصل استئنافه لا يعني جواز استئنافه في جميع الحالات، وإنما في الحالات التي يجيز فيها القانون الاستئناف، كما إذا كان الحكم صادراً من محكمة جزئية، أما الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية سواء صدر منها وهي منعقدة بصفتها محكمة درجة أولى أو بصفتها هيئة استئنافية، فإن حكمها يكون غير قابل للاستئناف والقول بغير هذا يؤدي لتسليط قضاء على قضاء مساو له في الدرجة، لأن استئناف الجنح يكون أمام محكمة الجنح المستأنفة، وهي لا تعدو أن تكون إحدى دوائر المحكمة الابتدائية كما لا يتصور أن يرفع الاستئناف أمام محكمة الجنايات لأنها غير مختصة بنظر استئناف الجنح (الدناصورى وعكاز ص 544 وص 545). (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثاني، الصفحة : 867)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 45
أ - التَّنَاقُضُ فِي الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ:
إِذَا حَصَلَ التَّنَاقُضُ فِي الشَّهَادَةِ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ كُلِّ أَوْ بَعْضِ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِحُضُورِ الْقَاضِي تَكُونُ شَهَادَتُهُمْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَلاَ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ
شَهَادَتِهِمْ؛ لأِنَّ الشُّهُودَ لَمَّا أَكْذَبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالرُّجُوعِ تَنَاقَضَ كَلاَمُهُمْ، وَالْقَضَاءُ بِالْكَلاَمِ الْمُتَنَاقِضِ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَصَدَقُوا فِي الأْوَّلِ أَمْ فِي الثَّانِي، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَحْكُمُ بِمُوجَبِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لأِنَّهَا قَدْ أُدِّيَتْ فَلاَ تَبْطُلُ بِرُجُوعِ مَنْ شَهِدَ بِهَا كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْحُكْمِ.
ب - التَّنَاقُضُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ:
إِذَا وَقَعَ التَّنَاقُضُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ فَيُنْظَرُ: إِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ عُقُوبَةً كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لَمْ يَجُزِ اسْتِيفَاؤُهُ، فَعَلَيْهِ إِذَا رَجَعَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ إِنْفَاذِهِ فَلاَ يَنْفُذُ وَلاَ يَجْرِي الْحُكْمُ؛ لأِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَرُجُوعُ الشُّهُودِ مِنْ أَعْظَمِ الشُّبُهَاتِ؛ وَلأِنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ عُقُوبَةٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنِ اسْتِحْقَاقُهَا وَلاَ سَبِيلَ إِلَى جَبْرِهَا فَلَمْ يَجُزِ اسْتِيفَاؤُهَا كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْحُكْمِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالاً فَيُسْتَوْفَى وَلاَ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي. لأِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ بِالْكَلاَمِ الْمُتَنَاقِضِ غَيْرَ جَائِزٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَيْضًا نَقْضُ الْحُكْمِ بِهِ؛ وَلأِنَّ الْكَلاَمَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ رَجَحَ الأْوَّلُ عَلَى الثَّانِي بِاتِّصَالِهِ بِالْقَضَاءِ، وَالْمَرْجُوحُ لاَ يُعَارِضُ الرَّاجِحَ فَلاَ يَخْتَلُّ الْحُكْمُ وَلاَ يُنْقَضُ؛ وَلأِنَّ رُجُوعَ الشُّهُودِ عَنِ الشَّهَادَةِ إِقْرَارٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا سَبَبًا لِضَيَاعِ الْمَالِ وَلِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، إِلاَّ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ أَفْسَقَ النَّاسِ، إِلاَّ أَنَّ إِقْرَارَهُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَ أَعْدَلَ النَّاسِ، فَلِذَلِكَ وَإِنْ صَحَّ الرُّجُوعُ الْمَذْكُورُ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ أَيْ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ عُلَمَاءِ الأْمْصَارِ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالأْوْزَاعِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ: يُنْقَضُ الْحُكْمُ إِذَا اسْتَوْفَى الْحَقَّ؛ لأِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا رَجَعَا زَالَ مَا يَثْبُتُ بِهِ فَنُقِضَ الْحُكْمُ، كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ.
ج - التَّنَاقُضُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ الاِسْتِيفَاءِ:
إِذَا وَقَعَ التَّنَاقُضُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ الاِسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يُبْطِلُ الْحُكْمَ وَلاَ يَلْزَمُ الْمَشْهُودَ لَهُ شَيْءٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالاً أَوْ عُقُوبَةً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ بِاسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَوُصُولِ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشُّهُودِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفَاصِيلُ فِي مُخْتَلَفِ مَسَائِلِ الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَتَضْمِينِ الشُّهُودِ بِسَبَبِ رُجُوعِهِمْ تُنْظَرُ فِي أَبْوَابِ الْبَيِّنَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَيْ (شَهَادَةٌ، ضَمَانٌ).
التُّهْمَةُ فِي الشَّهَادَةِ:
أَصْلُ رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَمَبْنَاهُ التُّهْمَةُ: وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَحُجَّتُهُ بِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، فَإِذَا شَابَتِ الْحُجَّةَ شَائِبَةُ التُّهْمَةِ ضَعُفَتْ، وَلَمْ تَصْلُحْ لِلتَّرْجِيحِ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مُتَّهَمٍ».
أَسْبَابُ تُهْمَةِ الشَّاهِدِ
مِنْ أَسْبَابِ تُهْمَةِ الشَّاهِدِ:
مَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الشَّاهِدِ كَالْفِسْقِ إِذَا ثَبَتَ؛ لأِنَّ مَنْ لاَ يَنْزَجِرُ عَنْ غَيْرِ الْكَذِبِ مِنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ فَلاَ يُؤْمَنُ أَلاَّ يَنْزَجِرَ عَنِ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ، فَلاَ تَحْصُلُ بِشَهَادَتِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُرْجَعُ إلَى (فِسْقٌ).
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ: كَالإْيثَارِ لِلْقَرَابَةِ.
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى خَلَلٍ فِي التَّمْيِيزِ وَإِدْرَاكِ الأْمُورِ عَلَى حَقِيقَتِهَا: كَالْغَفْلَةِ وَالْعَمَى، وَالصِّبَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
هَذَا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِتُهْمَةِ الْكَذِبِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ كُلِّ مَنْ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي مَوْضُوعِ الشَّهَادَةِ بِتُهْمَةِ جَرِّ النَّفْعِ لِنَفْسِهِ أَوْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، كَالشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَى عَمَلٍ قَامَ بِهِ هُوَ كَمَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ يَتَحَمَّلُونَهُ، وَشَهَادَةُ الْغُرَمَاءِ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ وَذَلِكَ بِتُهْمَةِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 313
- حَبْسُ الْمُسِيءِ إِلَى هَيْئَةِ الْقَضَاءِ :
- لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ بِحَبْسِ وَضَرْبِ مَنْ قَالَ: لاَ أُخَاصِمُ الْمُدَّعِيَ عِنْدَكَ، أَوِ اسْتَهْزَأَ بِهِ وَرَمَاهُ بِمَا لاَ يُنَاسِبُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. وَلَهُ حَبْسُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَضَرْبُهُمَا إِذَا تَشَاتَمَا أَمَامَهُ.
وَقَالَ سُحْنُونٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَشْهَبَ: لِلْقَاضِي حَبْسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَأْدِيبُهُ إِذَا قَالَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ: لاَ أُقِرُّ وَلاَ أُنْكِرُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى لَدَدِهِ وَلاَ بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي، وَبِنَحْوِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
- حَبْسُ شَاهِدِ الزُّورِ :
نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ طَوِيلاً بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ. وَزَادَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مَنْ يُلَقِّنُ شَهَادَةَ الزُّورِ لِغَيْرِهِ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ. وَالْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُطَافَ بِهِ فِي الأْسْوَاقِ ثُمَّ أَطَالَ حَبْسَهُ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 269
عُقُوبَة
التَّعْرِيفُ :
الْعُقُوبَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الْعِقَابِ، وَالْعِقَابُ بِالْكَسْرِ وَالْمُعَاقَبَةُ: أَنْ تُجْزِيَ الرَّجُلَ بِمَا فَعَلَ مِنَ السُّوءِ. يُقَالُ عَاقَبَهُ بِذَنْبِهِ مُعَاقَبَةً وَعِقَابًا: أَخَذَهُ بِهِكَمَا فِي قوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) وَالْعُقُوبَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ الأْلَمُ الَّذِي يَلْحَقُ الإْنْسَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْجِنَايَةِ، كَمَا عَرَّفَهَا الطَّحْطَاوِيّ وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِالضَّرْبِ أَوِ الْقَطْعِ وَنَحْوِهِمَا، سُمِّيَ بِهَا؛ لأِنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ، مِنْ تَعَقَّبَهُ: إِذَا تَبِعَهُ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَبَيْنَ الْعِقَابِ: بِأَنَّ مَا يَلْحَقُ الإْنْسَانَ إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا يُقَالُ لَهُ الْعُقُوبَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي الآْخِرَةِ يُقَالُ لَهُ الْعِقَابُ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجَزَاءُ :
مِنْ مَعَانِي الْجَزَاءِ: الْغَنَاءُ وَالْكِفَايَةُ، قَالَ تَعَالَى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) أَيْ: لاَ تُغْنِي. وَالْجَزَاءُ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى) وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْجَزَاءُ أَعَمُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ، حَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْعُقُوبَةُ خَاصَّةٌ بِالأْخْذِ بِالسُّوءِ.
ب - الْعَذَابُ :
أَصْلُ الْعَذَابِ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ: الضَّرْبُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عُقُوبَةٍ مُؤْلِمَةٍ، وَاسْتُعِيرَ فِي الأْمُورِ الشَّاقَّةِ، فَقِيلَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ.
وَفِي الْفُرُوقِ لأِبِي هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَذَابِ وَالْعِقَابِ: هُوَ أَنَّ الْعِقَابَ يُنْبِئُ عَنِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأِنَّ الْفَاعِلَ يَسْتَحِقُّهُ عَقِيبَ فِعْلِهِ، أَمَّا الْعَذَابُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا وَغَيْرَ مُسْتَحَقٍّ.
أَقْسَامُ الْعُقُوبَةِ :
تَنْقَسِمُ الْعُقُوبَةُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ:
فَتَنْقَسِمُ أَوَّلاً: بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ رَئِيسِيَّةٍ، هِيَ الْقِصَاصُ وَالْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَيْ: (قِصَاص، وَتَعْزِير ف 5).
وَتَنْقَسِمُ ثَانِيًا: بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ إِلَى:
أ - عُقُوبَةٍ هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، كَحَدِّ الزِّنَى وَحَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الشُّرْبِ.
ب - وَعُقُوبَةٍ هِيَ حَقٌّ لِلْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ.
ج - وَعُقُوبَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحَقَّيْنِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ.
ر: مُصْطَلَحَ (حَقّ ف 13، 15).
وَتَنْقَسِمُ ثَالِثًا، بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الْحَقَّيْنِ إِلَى:
أ - عُقُوبَةٍ كَامِلَةٍ، كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ.
ب - وَعُقُوبَةٍ قَاصِرَةٍ، كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ إِرْثَ الْمَقْتُولِ.
ج - وَعُقُوبَةٍ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَجِهَةُ الْعِبَادَةِ غَالِبَةٌ فِيهَا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ.
د - عُقُوبَةٍ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَجِهَةُ الْعُقُوبَةِ
فِيهَا غَالِبَةٌ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ كُلِّ نَوْعٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.
وَهُنَاكَ عُقُوبَاتٌ أُخْرَى بَحَثَهَا الْفُقَهَاءُ هِيَ:
أ - الْغُرَّةُ :
الْغُرَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: أَوَّلُهُ. وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الشَّرْعِ: ضَمَانٌ يَجِبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ، وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الإْبِلِ، أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (غُرَّة).
ب - الأْرْشُ :
الأْرْشُ يُطْلَقُ غَالِبًا عَلَى: الْمَالِ الْوَاجِبِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى بَدَلِ النَّفْسِ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الدِّيَةِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَرْش ف 1).
ج - الْحِرْمَانُ مِنَ الإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ:
الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ عُقُوبَةٌ لِجَرِيمَةِ الْقَتْلِ بِصُورَةٍ تَبَعِيَّةٍ فَإِذَا ثَبَتَتِ الْجَرِيمَةُ بِأَدِلَّتِهَا الْخَاصَّةِ، وَحُكِمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِعُقُوبَةِ الْقَتْلِ، يُحْرَمُ مِنْ إِرْثِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ كَذَلِكَ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنَ الْمِيرَاثِ» وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لاَ وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» وَهَلْ يُحْرَمُ الْقَاتِلُ مِنَ الْمِيرَاثِ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُطْلَقًا ؟
لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِرْث ف 17 وَوَصِيَّة).
أَقْسَامُ عُقُوبَةِ الْحَدِّ :
الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ مُحَدَّدَةٌ لاَ تَقْبَلُ التَّعْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ، وَلِكُلِّ جَرِيمَةٍ حَدِّيَّةٍ عُقُوبَةٌ مَعْلُومَةٌ، لَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ حَسْبُ اخْتِلاَفِ مُوجِبِهَا مِنْ جَرَائِمِ الْحُدُودِ، وَهَذِهِ الْجَرَائِمُ هِيَ: الزِّنَا وَالْقَذْفُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةُ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ: (الْحِرَابَةُ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ الرِّدَّةُ وَالْبَغْيُ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِيهِمَا.
وَتَفْصِيلُ عُقُوبَاتِ هَذِهِ الْحُدُودِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
الْعُقُوبَاتُ التَّعْزِيرِيَّةُ :
التَّعْزِيرُ عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ. شُرِعَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلأْفْرَادِ.
وَالْغَرَضُ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا رَدْعُ الْجَانِي وَزَجْرُهُ وَإِصْلاَحُهُ وَتَأْدِيبُهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ
وَقَدْ شُرِعَ التَّعْزِيرُ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي لاَ يَكُونُ فِيهَا حُدُودٌ وَلاَ كَفَّارَةٌ
وَعَدَمُ التَّقْدِيرِ فِي الْعُقُوبَاتِ التَّعْزِيرِيَّةِ لاَ يَعْنِي جَوَازَ وَمَشْرُوعِيَّةَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ فِي التَّعْزِيرِ، فَهُنَاكَ عُقُوبَاتٌ لاَ يَجُوزُ إِيقَاعُهَا كَعُقُوبَةٍ تَعْزِيرِيَّةٍ، مِثْلِ الضَّرْبِ الْمُتْلِفِ، وَصَفْعِ الْوَجْهِ، وَالْحَرْقِ، وَالْكَيِّ، وَحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَأَمْثَالِهَا
وَهُنَاكَ عُقُوبَاتٌ تَعْزِيرِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ يَخْتَارُ مِنْهَا الْقَاضِي مَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا لِحَالَةِ الْمُجْرِمِ تَحْقِيقًا لأِغْرَاضِ التَّعْزِيرِ مِنَ الإْصْلاَحِ وَالتَّأْدِيبِ، كَعُقُوبَةِ الْجَلْدِ وَالْحَبْسِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْهَجْرِ وَالتَّعْزِيرِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهَا.
وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِ التَّعْزِيرِ، وَأَنْوَاعُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَمُوجِبَاتُهَا يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَعْزِير ف 11 وَمَا بَعْدَهَا)
تَعَدُّدُ الْعُقُوبَاتِ :
أَجَازَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ اجْتِمَاعَ الْعُقُوبَاتِ وَتَعَدُّدَهَا فِي جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ بِصِفَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحَدِّ، فَالْحَنَفِيَّةُ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبَ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي حَدِّ الزِّنَى، وَلَكِنْ يُجِيزُونَ تَغْرِيبَهُ تَعْزِيرًا بَعْدَ الْجَلْدِ حَدًّا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْجَارِحَ عَمْدًا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَيُؤَدَّبُ تَعْزِيرًا، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ يُجِيزُونَ اجْتِمَاعَ التَّعْزِيرِ مَعَ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْقَتْلَ الَّذِي عُفِيَ عَنِ الْقِصَاصِ فِيهِ تَجِبُ فِيهِ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ، وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً تَعْزِيرًا.
تَدَاخُلُ الْعُقُوبَاتِ.
الْمُرَادُ بِتَدَاخُلِ الْعُقُوبَاتِ هُوَ دُخُولُ عُقُوبَةٍ فِي أُخْرَى بِلاَ زِيَادَةِ حَجْمٍ وَمِقْدَارٍ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ إِذَا اتَّفَقَتْ فِي الْجِنْسِ وَالْمُوجِبِ فَإِنَّهَا تَتَدَاخَلُ، فَمَنْ زَنَى مِرَارًا، أَوْ سَرَقَ مِرَارًا مَثَلاً أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لِلزِّنَى الْمُتَكَرِّرِ، وَآخَرُ لِلسَّرِقَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَدَاخُلِ عُقُوبَاتِ الْقِصَاصِ مَعَ تَفْصِيلٍ وَبَيَانٍ وَخِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَدَاخُل ف 18)