loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون القديم أن القانون لم يكن بحاجة إلى النص على أن كل إجراء من إجراءات الخصومة أو من إجراءات الإثبات وكل حكم يحصل أو يصدر بعد انقطاع المرافعة يكون باطلاً في حق من شرع، الانقطاع لحمايته فهذا من المسلمات، كما أنه لم ير حاجة إلى النص على أنه حتى في الحالة التي تنقطع فيها الخصومة بسبب كون الدعوى قد تهيأت للحكم لا يكون للمحكمة إلا إصدار الحكم على موجب الأقوال والطلبات الختامية أو تأجيل الدعوى أو فتح باب المرافعة فيها بناء على طلب أحد طرفي الخصومة وبشرط إعلان من يقوم مقام الذي توفي أو خرج عن الأهلية أو زالت عنه الصفة، بتاريخ الجلسة التي تؤجل إليها الدعوى، فإذا اتخذ قبل إعلان هؤلاء عند الاقتضاء أي إجراء فإنه يكون باطلاً بدون شك، لأن الخصومة التي تعود بعد تهيئتها للحكم إلى دور التحقيق تصبح غير مهيئة للحكم ويصبح مؤثراً فيها حادث الموت أو الخروج عن الأهلية أو زوال الصفة فتنقطع إلى أن يستأنف السير فيها بما تستأنف به الخصومة المنقطعة.

وهذه المادة عدلت بالقانون 23 لسنة 1992 وقد ساق المشرع تبريراً لهذا التعديل على النحو الذي جاء بالمذكرة الإيضاحية بما يلي :

لما كان انقطاع سير الخصومة في الدعوى يستلزم بالضرورة إعلان جميع الخصوم فيها بالجلسة التي عجلت إليها، ورغبة في التيسير عن كاهل المتقاضين فقد رأى المشرع أن يتيح لهم الحق في طلب تأجيل الدعوى لإعلان من يقوم مقام الخصم الذي توفي أو فقد أهلية الخصومة أو زالت صفته دون باقي الخصوم في الدعوى على أن يستمر سير الدعوى بعد ذلك في مسارها الطبيعي إذا تم هذا الإعلان بدلاً من إصدار حكم بانقطاع سير الخصومة ولذلك نص المشروع في المادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بما يحقق ذلك الغرض وجعل لازماً على المحكمة إجابة الخصم لهذا الطلب تحقيقاً للغاية التي شرع من أجلها، على أن يكون لها بعد ذلك أن تقضى بانقطاع سير الخصومة في الدعوى إذا لم يقم الخصم بهذا الإعلان خلال الأجل الذي تحدده له المحكمة وكان عدم قيامه بهذا الإعلان غیر مستند إلى عذر مقبول، ويكون انقطاع سير الخصومة منذ تحقق سبب الانقطاع وليس من الوقت الذي تقضي فيه المحكمة بهذا الانقطاع.

الأحكام

1 ـ انقطاع سير الخصومة على نحو ما تقضى به المادة 130 من قانون المرافعات يقع بقوة القانون دون حاجة إلى صدور حكم به ، إذ لا يكون الحكم إلا تقريراً لحكم القانون بوصفه متعلقاً بسير الدعوى ، فتقف الخصومة فيها وتظل فى حالة سكون إلى حين تعجيل السير فيها ، كما تقف طيلة فترة الانقطاع كافة المواعيد والإجراءات ، وعلى نحو ما جاء بالمادة 132 من ذات القانون بعد تحقق سبب الانقطاع .

(الطعن رقم 4981 لسنة 66 جلسة 2009/05/12 س 60 ص 570 ق 94)

2 ـ لما كانت المادة 1/130 من قانون المرافعات تنص على أنه " ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم أو بفقده أهلية الخصومة أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين ... " أما بلوغ الخصم سن الرشد فإنه لا يؤدى بذاته إلى انقطاع سير الخصومة إنما يحصل هذا الانقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة نيابة عن القاصر . لما كان ذلك ، وكان الواقع فى الدعوى أن الطاعنة اختصمت المطعون عليه الثانى أمام محكمة أول درجة بصفته ولياً طبيعياً على ابنه القاصر ..... كما أقام المطعون عليه الثانى بذات الصفة مع باقى المطعون عليهم الدعوى الفرعية أمام ذات المحكمة ثم استأنف معهم الحكم الصادر فى الدعوى دون أن ينبه المحكمة إلى بلوغ القاصر الذى يمثله فى الخصومة سن الرشد واستمر كذلك حتى صدور حكم نهائى فيها . ومن ثم فإن تمثيله لإبنه المذكور فى الدعوى يكون برضاء وقبول منه ويبقى هذا التمثيل منتجاً لكافة آثاره القانونية باعتباره نائباً عنه نيابة اتفاقية ويكون اختصامه فى صحيفة الطعن بهذه الصفة صحيحاً .

(الطعن رقم 6447 لسنة 66 جلسة 1997/07/13 س 48 ع 2 ص 1127 ق 209)

3 ـ إذ كانت الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات تنص على أنه " ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم ... إلا إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم فى موضوعها " و تنص المادة 131 من ذات القانون على أنه " تعتبر الدعوى مهيأة للحكم فى موضوعها متى كان الخصوم قد أبدوا أقوالهم و طلباتهم الختامية فى جلسة المرافعة قبل الوفاة ... " و كان الثابت بالأوراق أن الحاضر عن مورث الطاعنين مثل بجلسة 7 / 11 / 1988 أمام محكمة الاستئناف و طلب الحكم بانقطاع سير الخصومة بوفاة المستأنف - مورث الطاعنين - و قدم شهادة بوفاته بتاريخ 13 / 5 / 1988فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 5 / 1 / 1989و كان يبين من ذلك أن مورث الطاعنين توفى قبل إيداع الخبير تقريره المودع بتاريخ 21 / 9 / 1988و من ثم فلم يبد طلباته و أقواله الختامية قبل الحكم فى الدعوى لوفاته فلا تكون الدعوى قد تهيأت للحكم فى موضوعها و تكون الخصومة قد انقطع سيرها بقوة القانون كنتيجة حتمية للوفاة الحاصلة قبل حجز الدعوى للحكم و يترتب على هذا الإنقطاع بطلان جميع الإجراءات التي تمت بعد حصوله و إذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر فى فترة انقطاع الخصومة فإنه يكون قد وقع باطلاً .

(الطعن رقم 405 لسنة 59 جلسة 1993/04/08 س 44 ع 2 ص 45 ق 150)

4 ـ من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم قبل أن تتهيأ الدعوى للحكم فى موضوعها انقطاع سير الخصومة بقوة القانون ، بغير حاجة لصدور حكم به ودورن توقف على الخصم الآخر بحصول هذه الوفاة وينتج عن ذلك بطلان كافة الإجراءات التى تتخذ فى الدعوى بعد تاريخ قيام سبب الانقطاع بما فيها ما قد يصدر من حكم فى الدعوى وأن الدعوى لا تعتبر مهيأة للحكم إلا بفوات المواعيد المحددة لإيداع المذكرات.

(الطعن رقم 1074 لسنة 57 جلسة 1992/05/21 س 43 ع 1 ص 715 ق 148)

5 ـ النص فى الفقرة الأولى من المادتين 130 من قانون المرافعات على أن " ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم .............. إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم فى موضوعها " - و 131 على أنه " تعتبر الدعوى مهيأة للحكم فى موضوعها متى كان الخصوم قد أبدوا أقوالهم و طلباتهم الختامية فى جلسة المرافعة قبل الوفاة .........." و كل إجراء يتم فى فترة الإنقطاع يقع باطلا بما فى ذلك الحكم الذى يصدر فى الدعوى و هذا البطلان نسبى قرره القانون لمصلحه من شرع الإنقطاع لحمايتهم و هم خلفاء المتوفى أو من يقومون مقام من فقد أهليته أو تغيرت صفته و يكون لهؤلاء أما أن يصححوا الإجراء الباطل بالاجازة و أما بالتمسك ببطلانه و سبيل ذلك الطعن على الحكم بطرق الطعن المقررة قانوناً . و كان الثابت من مطالعة الأوراق أنه بالجلسة المحددة لنظر الاستئناف و هى جلسة 1985/11/10 طلب الحاضر عن المستأنف التأجيل للمذكرات و المستندات و طلب الحاضر عن المستأنف ضده الأول حجز الاستئناف للحكم فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 1986/1/4 و مذكرات لمن يشاء فى شهر ، و قبل انقضاء هذا الأجل توفى المستأنف فى 1985/12/5 ثم صدر الحكم المطعون فيه ، و يبين من ذلك أن المستأنف لم يكن قد أبدى أقواله و طلباته الختامية إذ لا يعد باب المرافعة الكتابية مقفولا أمامه بعد أن رخصت المحكمة للخصوم بتقديم مذكرات فى فترة حجز القضية للحكم وقد توفى المستأنف فى 1985/12/5 قبل إنتهاء هذا الأجل و بذلك لا تكون الدعوى قد تهيأت للحكم فى موضوعها و تكون الخصومة قد انقطع سيرها بقوة القانون كنتيجة حتمية للوفاة الحاصلة خلال ذلك الأجل - لما كان ما تقدم و كان يترتب على هذا الإنقطاع بطلان جميع الإجراءات التى تمت بعد حصوله و كان الحكم المطعون فيه قد صدر فى فترة انقطاع الخصومه فإنه يكون قد وقع باطلاً و يكون سبيل التمسك بهذا البطلان طريق الطعن فيه لمن شرع الإنقطاع لمصلحتهم و هم ورثة المستأنف - الطاعنان .

(الطعن رقم 811 لسنة 56 جلسة 1990/05/03 س 41 ع 2 ص 54 ق 179)

6 ـ مؤدى نص المادة 117 من قانون المرافعات أن للخصم أن يدخل فى الدعوى من كان يصح اختصامه فيها عند رفعها على أن يكون ذلك بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة مع مراعاة حكم المادة 66 و هو ما يستلزم ضرورة إيداع صحيفة الادخال قلم كتاب المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى المراد إدخال الخصم فيها ثم قيام قلم المحضرين بإعلانها بعد ذلك ، بحيث إذا لم يتم ذلك كان إجراء الإدخال باطلا لا يرتب أثراً لمخالفته أوضاع التقاضى الأساسية ، و فى هذا تختلف إجراءات إدخال خصم جديد فى الدعوى عن إجراءات تصحيح شكل الدعوى الوارده أحكامها فى المادة 133 من قانون المرافعات و التى تفترض قيام خصومة صحيحة بين الخصوم الحقيقيين ذوى الصفة ثم حدوث سبب من أسباب الانقطاع الوارده فى المادة 130 من قانون المرافعات بما يستلزم تصحيح شكلها على النحو الوارد فى المادة 133 من قانون المرافعات آنفة الذكر .

(الطعن رقم 950 لسنة 53 جلسة 1988/02/28 س 39 ع 1 ص 332 ق 67)

7 ـ فاد نص المادة 130 من قانون المرافعات - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مجرد وفاة الخصم أو فقده أهلية الخصومة يترتب عليه إنقطاع سير الخصومة ، أما بلوغ الخصم سن الرشد فإنه لا يؤدى بذاته إلى إنقطاع سير الخصومة ، إنما يحصل هذا الإنقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر .

(الطعن رقم 56 لسنة 52 جلسة 1983/06/14 س 34 ع 2 ص 1429 ق 281)

8 ـ مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم قبل أن تتهيأ الدعوى للحكم فى موضوعها إنقطاع سير الخصومة بحكم القانون بغير حاجة لصدور حكم به و دون توقف على علم الخصم الآخر بحصول هذه الوفاة ، و ينتج عن ذلك بطلان كافة الإجراءات التى تتخذ فى الدعوى بعد تاريخ قيام سبب الإنقطاع .. و إذ كان الثابت من الأوراق أن مورث الطاعن الأول المرحوم .... توفى إلى رحمة الله بتاريخ 1979/2/9 أثناء نظر الإستئناف المرفوع ضده و الذى صدر فيه الحكم المطعون فيه ، و أن النيابة لم تبد رأيها فى الإستئناف إلا بمذكرتها المؤرخة 1979/3/7 أى بعد وفاة ذلك الخصم ، و كانت النيابة العامة بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت طرفاً أصلياً فى قضايا الأحوال الشخصية التى لا تختص بها المحاكم الجزئية لها ما للخصوم من حقوق و عليها ما عليهم من واجبات ، فلها أن تبدى الطلبات و الدفوع و تباشر كافة الإجراءات التى يحق للخصوم مباشرتها ، فإن سبب الإنقطاع يكون قد حصل قبل أن تتهيأ الدعوى للحكم فى موضوعها وفقاً للمادة 131 من قانون المرافعات ، و يترتب على ذلك بطلان كافة الإجراءات التى إتخذت فى الدعوى بعد تاريخ الوفاة سالف الذكر بما فى ذلك الحكم المطعون فيه .

(الطعن رقم 64 لسنة 49 جلسة 1983/01/25 س 34 ع 1 ص 301 ق 67)

9 ـ مفاد نص المادة 130 من قانون المرافعات أن مجرد وفاة الخصم أو فقد أهلية الخصومة يترتب عليه لذاته انقطاع سير الخصومة ، أما بلوغ الخصم سن الرشد فإنه لا يؤدى بذاته إلى انقطاع سير الخصومة ، و إنما يحصل هذا الإنتفاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر ، و فى إجراءات التنفيذ لا يحدث أى انقطاع للخصومة إذا فقد المنفذ ضده أهليته أو زالت صفة نائبه بعد بدء التنفيذ و إنما يجب توجيه الإجراءات اللاحقة على تحقق هذه الحالة إلى نائبه ، أو إلى المنفذ ضده إذا كانت قد اكتملت أهليته حسب الأحوال .

(الطعن رقم 277 لسنة 42 جلسة 1980/12/18 س 31 ع 2 ص 2067 ق 385)

10 ـ تنص المادة 130 من قانون المرافعات الحالى المقابلة للمادة 294 من قانون المرافعات السابق على أن ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم أو بفقده أهلية الخصومة أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين ، و مفاد ذلك - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مجرد وفاة الخصم أو فقده أهلية الخصومة يترتب عليه لذاته إنقطاع سير الخصومة ، أما بلوغ الخصم سن الرشد فإنه لا يؤدى إلى إنقطاع سير الخصومة ، إنما يحصل هذا الإنقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر . و إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة الثانية رفعت دعواها أمام محكمة أول درجة عن نفسها و بصفتها وصية على أولادها القصر و منهم الطاعن الأول و كان ما يزال قاصراً و ظلت تباشر الدعوى بهذه الصفة إلى أن صدر الحكم فيها ثم إستأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم و إختصم الطاعنة الثانية بهذه الصفة و لم ينبه هو أو والدته التى كانت وصية عليه المحكمة إلى التغيير الذى طرأ على حالتة ، و ترك والدته تحضر عنه فى هذا الإستئناف بعد البلوغ إلى أن صدر الحكم المطعون فيه ، فإن حضور والدته يكون فى هذه الحالة بقبوله و رضائه فتظل صفتها قائمة فى تمثيله فى الخصومة بعد بلوغة سن الرشد و بالتالى ينتج هذا التمثيل كل آثاره القانونية و يكون الحكم الصادر فى الدعوى كما لو كان القاصر قد حضر بنفسه الخصومة بعد بلوغه و لا ينقطع سير الخصومة فى هذه الحالة لأنها تنقطع بزوال صفة النائب فى تمثيل الأصيل ، و هى هنا لم تزل بل تغيرت فقط فبعد أن كانت نيابة والدة الطاعن الأول عنه قانونية أصبحت إتفاقية . لما كان ذلك و كان هذا الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الإستنئاف بعدم صحة تمثيل والدته له بعد بلوغه سن الرشد ، فلا سبيل إلى إثارة هذا الجدل لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 383 لسنة 43 جلسة 1977/06/28 س 28 ع 1 ص 1524 ق 265)

11 -  المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن المقصود بانقطاع سير الخصومة وقف إجراءاتها بقوة القانون لسبب من الأسباب التي حددها القانون يقوم في أحد أطرافها ويؤدي بطبيعته إلى تعطيل مبدأ المواجهة ، وإذ كانت المواجهة لا تكون إلا بعد بدء الخصومة فإنه يشترط لإعمال أحكام انقطاع سير الخصومة أن يكون سبب الانقطاع تالياً لبدء الخصومة ، أي يكون تالياً للمطالبة القضائية التي لا تتم في خصومة الطعن بالنقض - وفقًا للمادة 253 من قانون المرافعات - إلا بإيداع صحيفة الطعن قلم كتاب محكمة النقض أو تلك التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، أما إذا تحقق سبب الانقطاع في تاريخ سابق على إيداع الصحيفة قلم الكتاب فإن قواعد الانقطاع تكون لا محل لها ، كما أن مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات - التي تسري بحسب الأصل على الخصومة أمام محكمة النقض - أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم بعد إيداع صحيفة الدعوى وقبل أن تتهيأ للحكم في موضوعها انقطاع سير الخصومة بقوة القانون بغير حاجة إلى صدور حكم بذلك ودون توقف على علم الخصم الآخر بحصول هذه الوفاة ، ولا تنقطع هذه الخصومة إلا إذا قام سبب الانقطاع في خصم حقيقي في الدعوى ، وأن الدعوى أمام محكمة النقض لا تكون مهيأة للفصل فيها إلا بعد استيفاء سائر إجراءات الطعن وانتهاء مواعيد إيداع المذكرات وفقاً للمادة 258 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 10008 لسنة 91 جلسة 12 / 3 /2023)

12-المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات والتي تسري بحسب الأصل على الخصومة أمام محكمة النقض أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم بعد إيداع صحيفة الدعوى وقبل أن تتهيأ للحكم في موضوعها إنقطاع سير الخصومة بقوة القانون بغير حاجة لصدور حكم به ودون توقف على علم الخصم الآخر، والدعوى أمام محكمة النقض لا تكون مهيأة للفصل فيها إلا بعد إستيفاء سائر إجراءات الطعن وإنتهاء مواعيد إيداع المذكرات وإيداع التوكيلات . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أنه لدى قيام قلم الكتاب بإخطار الطاعن بصفته بجلسة المرافعة وردت إجابة تُفيد وفاته دون تحديد لتاريخ الوفاة ، مما يستخلص منه أنها حدثت بعد إيداع صحيفة الطعن بالنقض وقبل أن يتهيأ الطعن للحكم في موضوعه ، بما يتعين معه القضاء بانقطاع سير الخصومة لوفاة الطاعن بصفته.

(الطعن رقم20312 لسنة 88 ق - جلسة 18/ 11 / 2023)

13-  المقرر ـــــ في قضاء هذه المحكمة ـــــ أن مفاد المواد 130 ، 131 ، 132 من قانون المرافعات أن وفاة أحد الخصوم يترتب عليه انقطاع سير الخصومة في الدعوى بحكم القانون. ومقتضى ذلك أن الانقطاع يقع كنتيجة حتمية للوفاة بغير حاجة لصدور حكم به، ودون توقف على علم الخصم الآخر بحصول الوفاة، وليس للمحكمة سلطة تقديرية في ذلك. والمقصود بانقطاع سير الخصومة، وقف إجراءاتها بقوة القانون لسبب من الأسباب التي حددها القانون، وهذا السبب يقوم بأحد أطرافها، ويؤدي بطبيعته إلى تعطيل مبدأ المواجهة. وإذ كانت المواجهة لا تكون إلا بعد بدء الخصومة، فإنه يشترط لإعمال أحكام انقطاع سير الخصومة أن يكون سبب الانقطاع تالياً لبدء الخصومة، أي تالياً للمطالبة القضائية، والتي لا تتم ـــــ في خصومة الطعن بالنقض ـــــ وفقاً للمادة 253 من قانون المرافعات إلا بإيداع صحيفة الطعن قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. أما إذا تحقق سبب الانقطاع في تاريخ سابق على إيداع الصحيفة قلم الكتاب، فإن قواعد الانقطاع تكون لا محل لها. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق وجود نزاع بين الطاعن والمطعون ضده الأول في الاستئناف رقم 9141 لسنة 116 ق القاهرة، وقد ثبت صدور حكم في هذا الاستئناف طُعن عليه بطريق النقض بموجب الطعن رقم 15529 لسنة 76 ق، وأن محكمة النقض قد أصدرت بتاريخ 7/4/2015 حكماً في هذا الطعن ـــــ والمرفق صورة منه وشهادة من الجدول عنه بملف الطعن ـــــ بانقطاع سير الخصومة لورود إجابة المُحضر بتاريخ 16/ 2 /2015 تفيد وفاة الطاعن في الطعن الراهن دون تحديد لتاريخ الوفاة، بما تستخلص معه المحكمة ـــــ والتي لم يقدم إليها شهادة وفاته ـــــ وبالقدر المتيقن أن الوفاة حدثت بعد إيداع صحيفة الطعن بالنقض الراهن في 26/6/2003، وهو ما ينقطع به سير الخصومة لتحقق سببه قبل أن يتهيأ الطعن للحكم فيه، والذى يتم في خصومة الطعن بالنقض على مُقتضى المواد 255 ، 256 ، 258 من قانون المرافعات باستيفاء جميع إجراءات الدعوى من إيداع المذكرات وتبادلها بين الطرفين، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بانقطاع سير الخصومة لوفاة الطاعن.

(الطعن رقم4128 لسنة 73ق - جلسة 23 / 11 / 2023)

14- مفاد نص المادتين 130 ، 131 من قانون المرافعات أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم قبل أن تتهيأ الدعوى للحكم في موضوعها انقطاع سير الخصومة بقوة القانون بغير حاجة إلى صدور حكم بذلك ودون توقف على علم الخصم الآخر بحصول هذه الوفاة. ولا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات الخصومة في فترة الانقطاع قبل أن تستأنف الدعوى سيرها بالطريق الذي رسمه القانون، وكل إجراء يتم خلال تلك الفترة يقع باطلاً بما في ذلك الحكم الصادر في الدعوى .

( الطعن رقم 12311 لسنة 90 ق - جلسة 25 / 6 // 2024 )

15- المُقرَّر - في قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 130 من قانون المرافعات والتي تسري بحسب الأصل على الخصومة أمام محكمة النقض أنه يترتب على وفاة أحد الخصوم بعد إيداع صحيفة الدعوى وقبل أن تتهيأ للحكم في موضوعها انقطاع سير الخصومة بقوة القانون بغير حاجة لصدور حكم به ودون توقف على عِلم الخصم الآخر، وأن الدعوى أمام محكمة النقض لا تكون مُهيأة للفصل فيها إلا بعد استيفاء سائر إجراءات الطعن وانتهاء مواعيد إيداع المذكرات وإيداع التوكيلات .

( الطعن رقم 15621 لسنة 88 ق - جلسة 6 / 6 / 2024 )

شرح خبراء القاون

انقطاع الخصومة

تعريف الانقطاع :

تأكيداً لمبدأ المواجهة بين الخصوم، إذا حدثت - بعد بدء الخصومة - واقعة من شأنها منع مشاركة الخصم في الدفاع عن مصالحه، فإن الخصومة تقف بقوة القانون حتى يتم ما يلزم لإعادة الفاعلية لهذا المبدأ وهذه الصورة الخاصة من صور الوقف تسمى في الاصطلاح القانوني انقطاع الخصومة فالمقصود بانقطاع الخصومة هو «وقف إجراءاتها بقوة القانون السبب من الأسباب التي حددها القانون يقوم في أحد أطرافها ويؤدي بطبيعته إلى تعطيل مبدأ المواجهة» فانقطاع الخصومة يتميز بأن الخصومة تقف لسبب يرجع إلى المركز القانوني لأحد أطرافها - أو من يمثله قانوناً - مما يعطل إعمال مبدأ المواجهة وتنظم انقطاع الخصومة المواد من 130 إلى 133 مرافعات، وهو نظام يسري على الخصومة الموضوعية والخصومة المستعجلة، أمام أول درجة وأمام الاستئناف.

ولأن الغرض من نظام انقطاع الخصومة هو احترام مبدأ المواجهة بين الخصوم، ولا تكون ثمة مواجهة إلا بعد بدء الخصومة، فإنه يجب الإعمال أحكام انقطاع الخصومة أن يكون سبب الانقطاع تالياً لبدء الخصومة، أي تالياً لإيداع الصحيفة قلم كتاب المحكمة فإذا تحقق سبب الانقطاع في تاريخ سابق لإيداع الصحيفة قلم كتاب المحكمة، فإن قواعد الانقطاع لا تكون لها محل، وإنما تنطبق قواعد أخرى فإذا رفعت الدعوى على شخص توفي قبل إيداع الصحيفة قلم كتاب المحكمة، فإن الحكم الصادر فيها يكون منعدماً.

وإذا تعدد الخصوم، وقام سبب الانقطاع في أحدهم فقط، وكأن الموضوع لا يقبل التجزئة، فإن الانقطاع يحدث بالنسبة لهم جميعاً أما إذا كان الموضوع يقبل التجزئة فلا تنقطع الخصومة إلا بالنسبة للخصم الذي قام بالنسبة له سبب الانقطاع.

أسباب الانقطاع :

تنقطع الخصومة إذا توافرت بعد بدئها أحد الأسباب التالية (مادة 130 مرافعات):

(أ) وفاة أحد الخصوم الطبيعيين : إذ عندئذ يصبح ورثة المتوفى أطرافاً في الخصومة، أي يخلفوه في مركزه كخصم، ولكن لأن الورثة قد يجهلون وجود الخصومة فإن إجراءاتها تنقطع حتى يعلموا بوجودها ويأخذ نفس حكم وفاة الشخص الطبيعي، زوال الشخص الاعتباري وحلول غيره محله وذلك مع ملاحظة أنه لا يحدث إنقطاع للخصومة عند وفاة ممثل الشخص الاعتبارى.

(ب) فقد أحد الخصوم الأهليته الإجرائية : فإذا حجر على الخصم لجنون أو سفه، فإنه يفقد أهليته الإجرائية، ويجب أن يمثله القيم عليه، ولهذا فإن الخصومة تنقطع حتى يعلم القيم بهذه الخصومة.

(ج) زوال التمثيل القانوني لأحد الخصوم : فإذا كان الخصم قاصراً يمثله الولي أو الوصي عليه، وبلغ الخصم سن الرشد أثناء الخصومة، فإن تمثيل الولي أو الوصي له يزول ولا تكون له صلاحية القيام بأي عمل في الخصومة نيابة عنه   ولهذا تنقطع الخصومة حتى يعلم الخصم بالخصومة ليتولى هو مباشرة أعمالها بنفسه أو بوكيل عنه.

ووفقاً لبعض التشريعات، إذا كانت الوكالة بالخصومة وجوبية فإن عزل الوكيل بالخصومة أو وفاته أو رجوعه عن الوكالة يؤدي إلى انقطاع الخصومة ولكن القانون المصرى لا ينص على هذه الواقعة كسبب للانقطاع، بل على العكس تنص المادة 3 / 130 مرافعات مصری صراحة على أنه «لا تنقطع الخصومة بوفاة وكيل الدعوى، ولا بانقضاء وكالته بالتنحى أو بالعزل» ويكون الأمر كذلك ولو كانت الوكالة بالخصومة وجوبية على أنه وفقاً لنفس النص للمحكمة أن تمنح أجلاً مناسباً للخصم الذي توفى وكيله أو انقضت وكالته إذا كان قد بادر فعين له وكيلاً جديداً خلال الخمسة عشر يوماً التالية لانقضاء الوكالة الأولى» .

ووفقاً للمادة 130 فقرة ثانية مضافة بالقانون رقم 23 لسنة 1992، إذا تحقق سبب من أسباب الانقطاع سالفة الذكر، وطلب أحد الخصوم - قبل الحكم بانقطاع الخصومة - أجلاً لإعلان من يقوم مقام الخصم الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع، فإن على المحكمة أن تمنحه أجلا لذلك تحدده له وتكلفه بالإعلان خلاله، فليس لها - رغم ذلك الطلب - أن تقضي بالانقطاع قبل منحه أجلاً للإعلان فإذا لم يقم الطالب بالإعلان خلال الأجل الممنوح له دون عذر، قضت المحكمة بانقطاع الخصومة.

أما إذا قام الخصم بالإعلان سالف الذكر خلال الميعاد الممنوح له، أو منحته المحكمة ميعاداً آخر تقديراً لعذره في علم الإعلان خلال الميعاد السابق، فقام الخصم بالإعلان خلاله، فان الخصومة تستأنف سيرها، ويزول ما حدث من انقطاع لها بأثر رجعي فيعتبر أن الانقطاع لم يتحقق، ولا يتحقق أي أثر من آثاره  ويلاحظ أن الأمر هنا لا يتعلق بتعجيل بعد انقطاع، بل بازالة الانقطاع واعتباره كأن لم يكن. (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ، الصفحة : 331)

أسباب انقطاع سير الخصومة:

وردت أسباب انقطاع سير الخصومة في القانون على سبيل الحصر تمييزاً لها عن أسباب الوقف الأخرى، ونورد أسباب الانقطاع فيما يلي :

(1) الوفاة :

وذلك بالنسبة لأحد الخصوم أو بعضهم أو كلهم، فإذا توفي أحد الخصوم، مدعياً أو مدعى عليه، انقطعت الخصومة ولو قبل انعقادها، كذلك الحال إذا توفي بعضهم أو كلهم على فترات، فإن توفوا كلهم في وقت واحد، في حادث أو زلزال أو فيضان، انقطع أيضاً سير الخصومة، ويكون لورثه أي من الطرفين تعجيل الدعوى من الانقطاع، فإن لم يكن لهما ورثة، انتقلت تركتهما لبنك ناصر الاجتماعي وانقضت الخصومة باتحاد الذمة دون حاجة لتعجيلها، فإن كان أحدهما فقط ليس له وارث، حل بنك ناصر محله وقام بتعجيل الدعوى إن لم يعجلها ورثة الخصم الآخر.

ويترتب على وفاة أي من الخصوم الحقيقيين، الذين يحاجون بالحكم، انقطاع سير الخصومة بقوة القانون، إذ يترتب على الوفاة، أن الخصومة سواء كانت قد بدأت أو انعقدت، زوال المواجهة أو استحالتها، مما يتطلب استئنافها من جديد لتقديم أوجه الدفاع أو استكمال ما قدم منها، ولا يتحقق ذلك إلا بالإعلان أو الحضور لورثة المتوفي، وهذان الإجراءان هما اللذان يتم بأي منهما انعقاد الخصومة في الدعوى المبتدأة.

ويتم انقطاع سير الخصومة فور الوفاة دون حاجة لصدور حكم بانقطاعها ولو لم يعلم الخصم الآخر بوفاة خصمه أو بانقضاء الشخصية المعنوية عندما يكون الخصم شخصاً اعتبارياً، ما لم يكن لأي من المتوفي أو الشخص الاعتباري من كان ينوب عنه في الخصومة وأخفى عن المحكمة الوفاة أو الانقضاء، ففي هذه الحالة تصبح جميع الإجراءات والأحكام التي تصدر صحيحة وقد تقرر الانقطاع حماية لورثة المتوفى مما يوجب إعلانهم ما لم يحضروا من تلقاء أنفسهم أو بمن ينوب عنهم لاستكمال أوجه دفاع مورثهم وحتى لا يصدر في غفلة منهم حكم يحاجون به باعتبارهم خلفاً عاماً.

(2) فقد أحد الخصوم أهلية الخصومة :

تنصرف أهلية الخصومة إلى صلاحية الشخص في مباشرة الإجراءات القضائية بالادعاء أو الدفاع، فإن فقد أحد الخصوم تلك الأهلية بعد رفع الدعوى انقطع سير الخصومة، مثال ذلك أن يشهر إفلاس أحد الخصوم أو يحكم عليه بعقوبة جنائية من شأنها زوال أهليته للخصومة أو تتحقق حالة مماثلة نص القانون على سلب أهلية الخصومة ممن تحققت في شأنه كفرض الحراسة على الخصم، مع مراعاة الآثار المترتبة على عدم إحاطة المحكمة بسبب الانقطاع، وينقطع سير الخصومة فور غل يد الخصم عن إدارة أمواله والتصرف فيها.

ويراعى أن حكم الإفلاس يترتب عليه وفور صدوره فقد المفلس أهليته للخصومة، ومن ثم إن كانت هناك دعوى مرددة بينه وبين الغير، انقطع سير الخصومة فيها بقوة القانون، فإن استمرت المحكمة في نظرها، كان الحكم غير نافذ في حق التفليسة لصدوره في غير مواجهة وكيل الدائنين.

وإلى جانب هذه الأسباب الخاصة، توجد أسباب عامة تؤدي إلى فقد أهلية الخصومة بتوافر عارض من عوارض الأهلية كجنون أو عته أو سفه بعد رفع الدعوى سواء علم الخصم الآخر بهذا العارض أو لم يعلم، وسواء سجل طلب الحجز أو لم يسجل، فإذا صدر حكم بالحجر أثناء سير الدعوى وجب الاعتداد به في بيان التاريخ الذي بدأ به العارض تحديداً لتاريخ الانقطاع، فإن جاء خلوا منه وثار نزاع في شأنه أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، ليس لإثبات عناصرها إذ يمتنع عليها ذلك لتحقيق سبب الانقطاع، وإنما لتحديد تاريخ فقد الأهلية للفصل بين الإجراءات الصحيحة السابقة عليه والإجراءات الباطلة اللاحقة عليه.

وإذا تبين فقد أهلية الخصومة قبل رفع الدعوى، كان للخصم الآخر الدفع ببطلان الإجراءات وحينئذ تقضى المحكمة بذلك وليس بانقطاع سير الخصومة لأن مناط الانقطاع فقد هذه الأهلية بعد رفع الدعوى.

(3) زوال صفة من كان يباشر الخصومة نيابة عن الخصم:

يستوي في زوال الصفة أن تكون النيابة عن الخصم قانونية أو قضائية، فالولى على الصغير نائب قانوني، أما الوصي والقيم والوكيل عن الغائب ووكيل الدائنين فهؤلاء نواب قضائيين تم تعيينهم بحكم من القضاء.

فإذا زالت صفة أحدهم ببلوغ القاصر سن الرشد أو بسلب الولاية أو بعزل الوصي وتعيين غيره، وبرفع الحجر عن الخصم الذي كان القيم يمثله، وحضور الغائب من غيبته أو الحكم باعتباره مفقوداً أو ثبوت موته، ومع ذلك استمر النائب في مباشرة الإجراءات دون أن ينبه المحكمة، فإن الإجراءات اللاحقة تكون صحيحة إذا كان النائب ولياً أو وصياً إذ يصبح نائباً اتفاقياً بعد أن كان نائباً قانونياً أو قضائياً. أما إذا حضر الولي أو الوصي وقرر ببلوغ قاصره سن الرشد، دل ذلك على زوال صفته، فتقضي المحكمة بانقطاع سير الخصومة ما لم يقدم توكيلاً فتستمر المحكمة في نظر الدعوى ولا تتوافر النيابة الضمنية في هذه الحالة.

أما إن كان النائب غيرهما، ولم ينبه المحكمة لزوال صفته، فإن سير الخصومة لا ينقطع سواء كان نائباً عن المدعى أو المدعى عليه، طالما مثل أمام المحكمة ولم يطرح عليها زوال صفته، فإن لم يحضر وكان نائباً عن المدعى عليه، انقطع سير الخصومة لما هو مقرر من التزام المدعى بمراقبة خصومه الغائبين من زوال صفة أو فقد أهلية أو وفاة.

وإذا حضر الأصيل بعد بلوغه سن الرشد أو بعد رفع الحجر عنه أو بعد عودته من غيبته، وتمسك بزوال صفة من كان ينوب عنه وقدم دليل ذلك، استمرت المحكمة في نظر الدعوى في مواجهته دون القضاء بانقطاع سير الخصومة.

زوال صفة البائع كنائب عن المشتري :

لا يتحقق الانقطاع إلا بزوال صفة من ينوب عن الخصم، فلا يتحقق الانقطاع إذا زالت صفة الخصم نفسه، ذلك أن المقرر أن البائع يمثل المشتري في الدعوى المتعلقة بالمبيع إذا صدر الحكم فيها قبل شهر عقد البيع، ويزول هذا التمثيل إذا شهر عقد البيع قبل صدور الحكم، مما مقتضاه أن صفة البائع في تمثيل المشتري تزول فور شهر عقد البيع وقبل صدور الحكم، ولا يترتب على ذلك انقطاع سير الخصومة أو إدخال المشتري خصماً فيها إنما تستمر في مواجهة البائع ولا يحتج بالحكم الذي يصدر فيها على المشتري.

ذلك أن مثول البائع في الدعوى المتعلقة بالمبيع المرفوعة عليه من الغير، يكون أصيلاً فيها عن نفسه وممثلاً للمشتري منه، فتكون له صفة النيابة القانونية عن المشتري قبل تسجيل العقد، إذ تظل له صفته كبائع، أما بعد التسجيل فإنه يفقد هذه الصفة، وبالتالي لا يحاج المشتري بالحكم إذ يعتبر في هذه الحالة من طبقة الغير فلا يكون ممثلاً في الدعوى.

زوال النيابة الاتفاقية في الخصومة:

أن زوال النيابة الاتفاقية في الخصومة لا يؤدي إلى انقطاع سیرها، ولا تلتزم المحكمة بالتأجيل بسبب هذا الزوال إلا بشرطين أولهما ألا تكون الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها، إذ في هذه الحالة يجب تمكين الخصم من توكيل محام آخر لاستكمال ومتابعة أوجه دفاعه، بحيث إن كانت قد استكملت فلا مبرر للتأجيل. وثانيهما أن يكون الخصم الذي توفي محاميه أو انقضت وكالته قد عين محامياً جديداً خلال خمسة عشر يوماً من وقت انقضاء الوكالة. وحينئذ تلتزم المحكمة بالتأجيل لتمكين الوكيل الجديد من الاطلاع والمرافعة، فإن انقضت هذه المدة دون تعيين وکیل جدید، دل ذلك، على عدم وجود مبرر لتعيينه ومن ثم لا تلتزم المحكمة بالتأجيل بشرط أن يتحقق علمه بالتنحي وذلك بإخطاره به.

طلب التأجيل إعلان من يقوم مقام من تحقق بالنسبة له الانقطاع :

إذا تحقق سبب من أسباب الانقطاع على نحو ما تقدم، انقطع سير الخصومة بحكم القانون مما يحول دون اتخاذ أية إجراءات منذ تحقق سبب الانقطاع وإلا كانت باطلة، ولا يلزم صدور حكم بالانقطاع لتحقق هذا البطلان، ولا تستأنف الخصومة سيرها إلا بتعجيلها وذلك بإعلان من يقوم مقام الخصم الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع متى صدر الحكم بالانقطاع.

وإذ تم تعديل المادة (130) بالقانون رقم 23 لسنة 1992 وبموجبه إذا طلب أحد الخصوم أجلاً لإعلان من يقوم مقام الخصم الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع وجب على المحكمة قبل أن تقضى بانقطاع سير الخصومة أن تأجيل الدعوى لجلسة مقبلة وتكلفة بالإعلان خلال فترة التأجيل، مما مفاده التزام المحكمة بتأجيل الدعوى دون إصدار حكم بالانقطاع إذا قام سبب من أسبابه بشرط أن يطلب منها الخصم الحاضر أو أحد الخصوم الحاضرين أجلا الإعلان من يقوم مقام الخصم الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع، ويجب أن يكون الطلب صريحاً جازماً يدل على رغبة الخصم في القيام بعبء الإعلان، ولا يكفي في هذا الصدد أن يقرر الخصم بتحقق سبب الانقطاع بالنسبة لخصمه، إذ لا يعتبر ذلك طلباً بالتأجيل للإعلان، وحينئذ تقضى المحكمة بالانقطاع، فقد جاء المشرع بهذا التعديل لمصلحة الخصم الحاضر تفادياً من إطالة أمد التقاضي، فإن لم يطلب التأجيل، قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة.

فإن أبدى الخصم هذا الطلب وقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة مقبلة وكلفته بإعلان من قام مقام الخصم الآخر الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع، إلا أنه لم يقم بهذا الإعلان خلال الأجل الذي منح له دون عذر تقبله المحكمة، قضت بالانقطاع ويرتد أثر الحكم إلى وقت تحقق سبب الانقطاع.

ويجب على المحكمة أن تقصر قرارها على تأجيل نظر الدعوى وتكليف الخصم بالقيام بالإعلان، ولا يجوز لها أن تضمن قرارها القيام باتخاذ إجراء آخر وإلا كان باطلاً لاتخاذه خلال فترة الانقطاع، باعتبار الانقطاع يقع بقوة القانون منذ تحقق سببه دون حاجة لصدور حكم بذلك. ومتى صدر الحكم كان كاشفاً و مقرراً لسبب الانقطاع وليس منشئاً له.

انقطاع سير الخصومة في الطعن بالنقض:

تنص الفقرة الثالثة من المادة (256) من قانون المرافعات على أن يقوم قلم المحضرين بإعلان صحيفة الطعن خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ تسليمها إليه - من قلم الكتاب - ولا يترتب على عدم مراعاة هذا الميعاد بطلان إعلان صحيفة الطعن، ثم حددت المادة (258) منه مواعيد تقديم المذكرات، وبانقضاء هذه المواعيد يكون الطعن قد تهيأ للفصل فيه. ولما كانت مواعيد تقديم المذكرات تنفتح بإعلان المطعون عليه بصحيفة الطعن، ومن ثم يجب أن يكون إعلانه متفقاً والإجراءات التي يتطلبها القانون، فإذا ما خولفت ولم تتحقق الغاية من الإعلان وقع باطلاً فلا تنفتح به تلك المواعيد كما أن الخصومة أمام محكمة النقض لا تكون قد انعقدت لما هو مقرر قانوناً من أن هذه الخصومة لا تنعقد إلا بإعلان صحيفة الطعن مفاد ذلك أنه إذا شاب البطلان إعلان الطعون عليه بصحيفة الطعن، ولم يوكل محام ولم يتقدم بمذكرة خلال الأجل، وجب على محكمة النقض تدارك ذلك بتكليف قلم الكتاب بإعادة إعلان المطعون عليه، ومتى تم هذا الإعلان انفتحت مواعيد المذكرات، على التفصيل الذي أوضحناه بنصوص الطعن بالنقض.

ولا يغني الحضور بالجلسة عن الإعلان، ذلك لأن إعلان الصحيفة هو وحده الإجراء الذي تنفتح به المواعيد المتعلقة بالمذكرات، ولأن صحيفة الطعن لا تعتبر تكليفاً بالحضور حتى يزول البطلان الذي يلحقها بهذا الحضور إذ يرفع الطعن بالنقض بصحيفة تودع قلم الكتاب وليس بورقة تكليف بالحضور.

فإن وقع إعلان صحيفة الطعن باطلاً، لكن تحققت الغاية من الإعلان بأن أودع المطعون ضده مذكرة بالرد على أسباب الطعن، فلا تكون له مصلحة من بعد في التمسك بالبطلان.

ومتى انقضت مواعيد المذكرات، أصبح الطعن مهيأ للحكم في موضوعه، فلا تنقطع الخصومة فيه إذا توافرت إحدى حالات الانقطاع ولكن إذا كلفت المحكمة الخصوم بتقديم مذكرات تكميلية، فإن الطعن لا يكون مهيأ للحكم في موضوعه إلا بعد تنفيذ هذا القرار وخلال المدة التي تحددت به، ومن ثم إذا توافرت إحدى حالات الانقطاع قبل إتمام تبادل المذكرات، وأحيطت المحكمة علماً بذلك انقطع سير الخصومة، فإن كان الخصوم قد تبادلوا المذكرات فلا ينقطع سير الخصومة حتى لو كان الأجل الذي حددته المحكمة لذلك لم ينقض بعد، وإذا انقضى دون تقديمها ثم تحققت إحدى حالات الانقطاع فلا تنقطع الخصومة ويكون للمحكمة الفصل في الطعن بحالته، ولمن حل محل الخصم الذي تحققت في شأنه تلك الحالة الحضور أمام المحكمة وطلب قبول حلوله .

فإن لم تحدد المحكمة أجلاً ووقف السير في الطعن لمدة سنة من تاريخ قرار المحكمة، وكان ذلك بسبب عدم تقديم الطاعن مذكرته، كان للمطعون عليه طلب سقوط الخصومة بدفع في حالة نظرها أو بدعوى فرعية وفقاً للمادة (136).

انقطاع سير الخصومة في الطعن بالاستئناف:

يخضع الاستئناف لذات الإجراءات التي تخضع لها الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى، ومن ثم يسري بالنسبة له قواعد الانقطاع التي أوضحناها فيما تقدم وسائر القواعد المقررة في هذا الصدد.

عدول المحكمة عن حكم الانقطاع:

بطرح سبب الانقطاع على المحكمة، ينقطع سير الخصومة بقوة القانون وبدون حاجة إلى صدور حكم بالانقطاع، فإن أصدرت المحكمة حكماً بذلك كان مقرراً للانقطاع وليس منشئا له ومن ثم تبطل الإجراءات التالية لتحقق سبب الانقطاع حتى لو كانت قد اتخذت قبل الحكم الصادر بالانقطاع، ولما كان هذا الحكم متعلقاً بسير الدعوى فلا تكون له أية حجية ومن ثم يجوز للمحكمة العدول عنه إذا تبين عدم تحقق السبب الذي قضى بالانقطاع من أجله متى قام أحد الخصوم بتعجيلها، ويتم العدول على نحو ما أوضحناه بالمادة (131).

دليل القطاع سير الخصومة:

للمحكمة الأخذ بأي دليل على تحقق سبب الانقطاع كتقديم شهادة الوفاة أو إقرار محامي الخصم الذي قام به سبب الانقطاع أو إقرار أي من الخصوم.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء الثالث /الصفحة 479)

كانت المحاكم قبل تعديل المادة تسير على الحكم بانقطاع سير الخصومة إذا تحقق سببه ولو حضر من يمثل الخصم الذي حدث بسببه الانقطاع - حتى لو أراد الخصم الأخر أن يوجه إليه طلباته - على سند من أن الخصومة لا تنعقد إلا بإعلان من يمثل الخصم الذي توفي أو زالت صفته - وكانت المحاكم ترفض تأجيل الدعوى لإعلان صاحب هذه الصفة وتصر على الحكم بالانقطاع رغم أن محكمة النقض ذهبت في بعض أحكامها إلى أن حضور من يقوم مقام الخصم الذي توفي أو فقد أهلية الخصومة أو زالت صفته يمنع من الحكم بالانقطاع إلا أن غالبية المحاكم لم تلتزم بهذا المبدأ، وكان يترتب على ذلك أن يعلن المدعي جميع الخصوم في الدعوى بما فيهم من لم ينقطع سير الخصومة بالنسبة لهم وكان من نتيجة ذلك تأخير الفصل فيها وتكبيد المتقاضين نفقات لا طائل منه ورائها فرأى المشروع تيسيراً على الخصم الآخر أن يتيح له أن يطلب أجلاً لإعلان صاحب الصفة الجديد وألزم المحكمة أن تجيبه إلى هذا الطلب فإذا أجابته إليه ومع ذلك لم يقم بالإعلان فإنه يجوز للمحكمة حينئذ إذا تبين لها أن عدم الإعلان نتيجة إهمال منه حكمت بالانقطاع أما إذا كان عدم قيام الخصم الأخر بالإعلان يرجع إلى عذر مقبول - كما إذا تبين أن صاحب الصفة الجديد في غير مسكنه منذ وقت قريب - أو أن عدم الإعلان كان نتيجة تعنت المحضر أو تلاعبه أو إهماله فإنه يتعين على المحكمة أن تؤجل الدعوى مرة ثانية وثالثة حتى يتم الإعلان أو يتضح لها تقصير موجهه في إجرائه.

2-وفي حالة ما إذا قضت المحكمة بالانقطاع فإنه يحدث أثره من وقت تحقق سببه وليس من الوقت الذي قضت به فإذا كان المدعى عليه قد توفي بتاريخ 10/ 3/ 1991  إلا أن المحكمة لم تقض به إلا أن المحكمة لم تقض به إلا في 12/ 5/ 1991 فإن الانقطاع يحدث أثره من تاريخ الوفاة .

ومما هو جدير بالذكر أنه إذا حضر من يمثل من انقطعت الخصومة بشأنه سواء كان من المدعين أو المدعي عليهم کورثة المتوفى أو حضر من كان قاصراً وبلغ أهلية التقاضي فلا تقضي المحكمة بالانقطاع ويجوز للمدعي في جميع هذه الحالات أن يوجه له الطلب في الجلسة وحينئذ فإن المحكمة لا تؤجل الدعوى للإعلان غير أنها تكون ملزمة بتأجيل الدعوى إذا طلب صاحب الصفة الجديد ذلك ليعدل دفاعه أو مستنداته .

3- وانقطاع الخصومة هو وقف السير فيها بحكم القانون ويتميز عن وقف الخصومة بخاصيتين الأولى أنه يحصل دائماً بحكم القانون بمجرد قيام سببه والثانية أن له أسباباً معينة نص القانون عليها على سبيل الحصر وهي:

1- وفاة أحد الخصوم فإذا توفي الخصوم جميعاً فهي تنقطع من باب أولى .

2 - فقد أهلية أحد الخصوم كما إذا حجر عليه لسبب من الأسباب الموجبة للحجر.

3- زوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين كزوال صفة الوصي والولي ببلوغ القاصر وزوال صفة القيم والوكيل عن الغائبين برفع الحجر عن المحجور عليه وحضور الغائب أو ثبوت وفاته وانتهاء صفة من تقدم ذكرهم بالوفاة أو العزل أو سلب الولاية. وإذا بلغ القاصر أهلية التقاضي واستمر الوصي في الحضور دون اعتراض انقلبت نيابته إلى نيابة اتفاقية .

4 - لما كان الغرض من انقطاع الخصومة هو تفادي اتخاذ إجراءاتها في غفلة من الخصوم لذا يجيز القانون للمحكمة أن تحكم في الموضوع إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم فيها وتعتبر الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها متى كان الخصوم قد أبدوا أقوالهم وطلباتهم الختامية عملاً بالمادة 131 مرافعات.

5 - ينبني على ذلك أنه إذا توفي المحامي عن أحد الخصوم أو عزل أو تنحي فلا تنقطع الخصومة ولكن تمنح المحكمة أجلاً مناسباً للخصم الذي مات وكيله بالخصومة أو انقضت وكالته بالعزل أو التنحي إذا كان قد بادر فعين له وكيلاً جديداً خلال خمسة عشر يوما التالية لانقضاء وكالة الوكيل الأول وذلك تمكيناً للوكيل الجديد من الإلمام بعناصر الدعوى وما تم فيها من إجراءات. ( الوسيط في المرافعات للدكتور رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 571 ).

ويقع الانقطاع بقوة القانون وبمجرد قيام سببه سواء علم به الخصم أو لم يعلم.

ومن المقرر أن الانقطاع يرد على جميع أنواع الدعاوى بما فيها المستعجلة وقضايا التنفيذ الوقتية والموضوعية وفي جميع مراحل التقاضي بما فيها محكمة النقض. والأمر يحتاج إلى تفصيل بالنسبة لحالة الطعن بالنقض، فإذا توفي أحد الخصوم أو زالت صفة من يمثله بعد صدور الحكم محل الطعن فإنه يتعين رفع الطعن ممن حل محل من كان له الحق في الطعن ويجب أن يوجه الطعن أيضاً في حالة وفاة من صدر لصالحه الحكم أو زالت صفة من يمثله إلى من حل محله غير أنه إذا حدثت وفاة أحد الخصوم أو زالت صفة من يمثله بعد رفع الطعن فإن محكمة النقض لا تقضى بانقطاع سير الخصومة لأن إجراءات الطعن تنصب على مخاصمة الحكم ولا يؤثر فيها وفاة أحد الخصوم أو زوال صفة من يمثله غير أن الأمر يختلف إذا نقض الحكم للمرة الثانية وكان يتعين على محكمة النقض أن تفصل في موضوع الدعوى طبقاً لما تقضي به المادة 269 مرافعات فإنه يجب عليها في هذه الحالة أن تقضي بنقض الحكم وبانقطاع سير الخصومة إلى أن يجددها صاحب المصلحة في السير فيها إذا تعد المحكمة في هذه الحالة محكمة موضوع وبهذا قضت محكمة النقض. ( الطعن رقم 462 لسنة 48 قضائية بجلسة 12/ 4/ 1983).

وإذا تعدد الخصوم وقام سبب الانقطاع بالنسبة إلى أحدهم فقط فإنها تستمر بالنسبة إلى الباقين ما لم يكن موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة فإن الخصومة تنقطع بالنسبة إلى الجميع فإذا اشترى أربعة أشخاص عقاراً من شخص واحد أو عدة أشخاص ورفعت دعوى صحة تعاقد وتوفي أحد المدعين أو المدعى عليهم . فإنه يجوز للمحكمة أن تقضي بالانقطاع بالنسبة لمن توفي فقط وتستمر في نظر الدعوى بالنسبة للباقين باعتبار أن دعوى صحة التعاقد تقبل التجزئة.

ومن باب أولى إذا كانت الدعوى قد رفعت بصحيفة واحدة من عدة أشخاص كل منهم يطالب بحق ذاتي له مستقل عن الأخر فإنه في حقيقتها تعتبر دعاوى متعددة كما إذا رفع عدة عمال دعوى عمالية على صاحب العمل يطالبه كل منهم بحق له مستقل عن الآخرين حتى ولو كانت هذه الطلبات كلها تستند إلى قاعدة المساواة بينهم وبين عامل آخر فإذا حدث سبب من أسباب الانقطاع بالنسبة لأحد العمال فلا تأثير له على الباقين بعكس ما إذا كان سبب الانقطاع قد حدث لرب العمل.

وكذلك الشأن إذا رفع عدة مشترين على بائع واحد بصحيفة واحدة يطلب كل منهم صحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه وكان عقد كل منهم مستقلاً عن الأخرين فإذا حدث سبب من أسباب الانقطاع بالنسبة لأحد المدعين فلا تأثير على الباقين حتى ولو كانت الأرض المباعة جميعها تقع بمنطقة واحدة أو كان كل منهم قد اشترى نفس المساحة وبنفس الثمن الذي اشترى به الآخرون، أما إذا حدث سبب الانقطاع بالنسبة للمدعي عليه فإنه يقضي بالانقطاع بالنسبة لهم جميعاً.

ويشترط لانقطاع سير الخصومة أن يتحقق سببها بعد المطالبة القضائية فإن حدث السبب قبل ذلك أي قبل إيداع الصحيفة قلم الكتاب كانت المطالبة القضائية معلومة ولا تطبق أحكام انقطاع سير الخصومة. ( مرافعات الأستاذ كمال عبد العزيز الطبعة الثالثة الجزء الأول ص 813 والنظرية العامة للعمل القضائي للدكتور وجدي راغب ص 408 وحكم النقض رقما 16 ، 49).

وإذا أصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً بإحالة الدعوى للتحقيق أو بندب خبير وقام سبب من أسباب الانقطاع قبل تنفيذ حكم تنفيذ حكم التحقيق أو قبل مباشرة الخبير المأمورية فلا يجوز إجراء التحقيق أو مباشرة الخبير للمأمورية إلا بعد استئناف السير فيها في مواجهة الخصم الذي محل من قام به سبب الانقطاع والأمر كذلك إذا قام سبب من أسباب الانقطاع بعد أن يباشر الخبير المأمورية وقبل أن يضع تقريره.

ونظراً لأن الخصومة أمام محكمة النقض لا تنعقد إلا بصحيفة تودع ثم تعلن بعد ذلك فإنه لا يصح القول بانقطاع سير الخصومة في حالة تغير الصفة قبل إعلان التقرير.

وإذا كان أحد الخصوم قاصراً وبلغ أهلية التقاضي فإن هذا لا يؤدي بذاته إلى انقطاع سير الخصومة كما في حالة الوفاة أو فقد الأهلية وإنما يحصل هذا الانقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر، أما في إجراءات التنفيذ فلا يحدث أي انقطاع للخصومة إذا فقد المنفذ أهليته أو زالت صفة نائبه بعد بدء التنفيذ وإنما يجب توجيه الإجراءات اللاحقة على تحقق هذه الحالة إلى نائبه أو إلى المنفذ ضده إذا كانت قد اكتملت أهليته حسب الأحوال.

وإذا أصدرت المحكمة الابتدائية حكمة بتوقيع الحجر على شخص معين إلا أنه توفي أثناء نظر الاستئناف فإنه يتعين على المحكمة الاستئنافية أن تقضي بإلغاء الحكم وبانتهاء الدعوى.

والحكم بانقطاع سير الخصومة ليس حكماً بالمعنى الصحيح لأنه ليس قضاء في موضع الحق مطروح على المحكمة وبالتالي يجوز للمحكمة أن تعدل عنه إذا ما تبين لها أنه صدر على خلاف الواقع مثال ذلك أن يثبت المحضر في إعلان الدعوى أو إعادة إعلانها وفاة المعلن إليه فتقضي المحكمة بالانقطاع إلا أن هذا الخصم يحضر قبل نهاية الجلسة وهنا يجوز للمحكمة أن تعدل عن هذا القرار وأن تنظر الدعوى من حيث وقفت.

وفي حالة ما إذا كانت الخصومة قد انقطعت لسبب من الأسباب المبينة بالمادة إلا أن المحكمة استمرت في نظر الدعوى إما لأنها لم تفطن إلى الانقطاع رغم أن أوراق الدعوى تنطق به وإما لأن هذه الأوراق لا تحوي شيئاً من ذلك فإنه يترتب على ذلك بطلان جميع الإجراءات اللاحقة للانقطاع ومنها الحكم الصادر في الدعوى ما لم تكن الدعوى قد تهيأت في موضوعها قبل الانقطاع كما سبق البيان، والبطلان هنا نسبي مقرر لمصلحة من تقرر الانقطاع لصالحه فلا يجوز لغيره من الخصوم التمسك به ويسقط بعدم التمسك به ولا يجوز التحدي به الأول مرة أمام محكمة النقض مادام أن من يدفع به لم يتمسك به أمام محكمة الموضوع، غير أن الأمر يختلف إذا كان سبب الانقطاع قد حدث في آخر مرحلة من مراحل التقاضي محكمة الاستئناف ولم يحضر من يقوم مقام الخصم الذي حدث الانقطاع بسببه بعد حدوث الانقطاع.

وتسري أحكام الانقطاع على الدعاوي المنظورة أمام المحكمة الدستورية إلا أنها لا تسري على إجراءات التنفيذ - فلا يحدث الانقطاع إذا فقد المنفذ ضده أهليته أو زالت صفة نائبه بعد بدء التنفيذ وإنما يجب توجيه الإجراءات اللاحقة على تحقق هذه الحالة إلى نائبه أو إلى المنفذ ضده إذا كانت قد اكتملت أهليته وذلك عملاً بالمادتين 283 ، 284 مرافعات.

وغني عن البيان أن دعاوى التنفيذ سواء منها المستعجلة كإشكالات التنفيذ الوقتية أو الموضوعية كالإشكالات الموضوعية ودعاوي استرداد المنقولات المحجوزة والاعتراض على قائمة شروط البيع تسري عليها جميعاً انقطاع سير الخصومة.

ويسري على الشخص الاعتباري ما يسري على الشخص الطبيعي فإذا انقضت الشخصية القانونية للشخص الاعتباري كما إذا ألغيت المؤسسة وحل غيرها محلها تعين على المحكمة أن تقضى بانقطاع سير الخصومة.

والجدير بالذكر أن الخصومة لا تنقطع إلا إذا قام سبب الانقطاع في خصم حقيقي وعلى ذلك إذا أدخل خصم في الدعوى للحكم في مواجهته ولم توجه إليه طلبات ما ولم ينازع خصمه في طلباته فإنه يعد خصماً غير حقيقي فإذا توفي لا تقضي المحكمة بالانقطاع. ( كمال عبد العزيز الجزء الأول ص 813).

وقد قضت محكمة النقض في حكم حديث لها بأنه يكفي لصحة الاستئناف المرفوع على الولي أو الوصي على القاصر أن تكون هذه الصفة ثابتة له عند رفع الدعوى ولو زالت عنه أثناء نظرها ولو لم يكن قد حضر بها بعد بلوغ القاصر سن الرشد وقد تعرض هذا الحكم وبحق لنقد من الفقه وحجتهم في ذلك أن النيابة المطلوبة هي نيابة في الحضور أمام المحكمة وهو ما يستلزم في النيابة الاتفاقية أن تكون الوكالة ثابتة في محرر موثق سواء كان محرراً رسمياً أو مصدقاً على توقيعاته، فلا يكفي للاعتداد بالحضور ثبوت وكالة الوكيل في التقاضي ولو كانت محل إقرار من طرفيها مادامت هذه الوكالة لم تفرغ في محرر موثق وأنه على ذلك لو فرض أن نيابة الولي أو الوصي القانونية أصبحت نيابة اتفاقية فإن تلك النيابة لا تخول أيهما الحضور دون محرر مكتوب ( كمال عبد العزيز ص 817 وما بعدها ).

وفي تقديرنا أن هذا الرأي سديد وعلى ذلك يجب على الخصم أن يتحرى صفات خصومه عند رفع الطعن من بلوغ أو قصر وتوجيه الطعن إلى صاحب الصفة بعد أن زالت صفة الولي أو الوصي ولا يسوغ القول بقرينة قانونية لم يأت بها المشرع ذلك أن القرينة القانونية لا تكون إلا بنص.

 ينقطع سير الخصومة بصدور حكم بعقوبة جناية على أحد الخصوم :

من المقرر عملاً بالمواد 8 ، 24 / 1 ، 25 من قانون العقوبات أن الحكم الصادر بعقوبة جناية سواء صدر من محكمة الجنايات أو من محكمة أمن الدولة العليا أو من المحكمة العسكرية يترتب عليه عدم أهلية المحكوم عليه للتقاضى سواء بصفته مدعياً أو مدعي عليه، ويجب تعيين قيم لإدارة أمواله عملاً بالمادة 25 / 4 عقوبات ومن ثم إذا ثبت للمحكمة أن أحد الخصوم قد حكم عليه بعقوبة جناية تعين عليها أن تقضى بانقطاع سير الخصومة ولا تستأنف الدعوى سيرها إلا بتعيين قيم عليه ويسري هذا المبدأ على الدعوى أمام جميع درجات التقاضي.

 وفي حالة ما إذا عين المحكوم عليه قيماً وأقرته المحكمة انتصب ممثلاً للمحكوم عليه أما إذا لم يفعل جاز لأي من الخصوم أن يتقدم بطلب تعيين قيم إلى المحكمة المدنية التابع لها محل إقامة المحكوم عليه عملاً بالمادة 4 / 25 عقوبات.

ويجوز التقدم بطلب تعيين القيم إلى النيابة العامة التي تتولى تحقيقه وترشيح القيم وعرضه على المحكمة بطلب تعيين القيم.

 والجدير بالذكر أن فقد أهلية الخصومة يترتب على صدور حكم بعقوبة جناية وهي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو السجن عملاً بالمادة 10 عقوبات ولا عبرة بالتهمة التي وجهت للمتهم وصدرت بسببها العقوبة فإذا قدم المتهم المحكمة الجنايات بتهمة جناية ولكن المحكمة استعملت حقها في النزول بالعقوبة إلى الحبس عملاً بالمادة 17 عقوبات فإن المحكوم عليه لا يفقد أهلية التقاضي لأن الحبس ليس عقوبة جناية.

إذا توفي أحد خصوم الدعوى وكان ورثته ممثلين فيها فإن المحكمة لا تقضي بالانقطاع ولا تكلف صاحب المصلحة باختصامهم :

 من المقرر - كما قدمنا أن انقطاع سير الخصومة بوفاة أحد الخصوم يقع بقوة القانون إلا أنه إذا طلب أحد الخصوم أجلاً لإعلان ورثته فإن المحكمة تجيبه لطلبه، غير أنه يحدث في كثير من الأحيان أن يكون ورثة المتوفى ممثلين في الدعوى فإذا تبين للمحكمة ذلك فلا يجوز لها أن تقضى بانقطاع سير الخصومة ولا تكلف المدعى بإعلان ورثته إلا إذا كان الأمر يقتضي ذلك مثال ذلك أن يقيم الشفيع دعوى بأحقيته بأخذ العقار المبيع بالشفعة ضد المشترين الثلاثة وهم والد وولديه ويتوفي الوالد ويتبين أن الثاني والثالث هما وارثاه الوحيدان فحينئذ لا تقضي المحكمة بالانقطاع في الدعوى بل أكثر من هذا فإنه – في تقديرنا - لا مبرر لأن تكلف المدعي بتوجيه طلباته إليهم بصفتهم الأصلية وبصفتهم ورثة المتوفى لأن دعوى الشفعة لا تقبل التجزئة بطبيعتها أما إذا كانت الدعوى تقبل التجزئة كدعوی صحة ونفاذ عقد البيع وتوفي أحد البائعين وكان ورثته ممثلين في الدعوى فإن المحكمة لا تقضي بالانقطاع إلا أنه يتعين عليها أن تكلف المدعي بتوجيه الطلبات إليهم بصفتهم الجديدة فضلاً عن صفتهم القديمة. (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الثالث، الصفحة : 400)

انقطاع الخصومة : انقطاع الخصومة هو وقف السير فيها بقوة القانون، لتصدع ركنها الشخصي ( أحمد مسلم - أصول المرافعات - بند 502 ص 542) ، أي بسبب تغيير يطرأ على حالة أو مركز اطرافها يؤثر في صحة الإجراءات ( (فنسان - المرافعات - طبعة سنة 1973  بند 759 ص 858، وجدي راغب  مبادئ الخصومة ص 339)، فالخصومة لا تنشأ أساساً إلا بين طرفيها من الأحياء، وإذا ما بدأت صحيحة من حيث أطرافها وجدت أثناء سيرها ما من شأنه أن يقضي على أحدهما إما لوفاته أو فقده الأهليته أو زوال صفة من يمثله تمثيلاً قانونياً، فإن استمرار الخصومة بعد ذلك بني استمرارها بين طرف واحد، وليس بين طرفين، الأمر الذي تأباه الخصومة وطبيعتها وتنظيمها القانوني ( محمود هاشم - جزء ثان - بند 205 ص 328)، ولذلك لا بد من وقف السير فيها في هذه الحالة، حتى تتهيأ الفرصة لاستكمال الركن الناقص منها ( موریل - بند 523  ص 420، بیرو - مذكرات - جزء ثان - ص 503 ، أحمد مسلم  الإشارة السابقة ، ابراهيم سعد - جزء ثان - بند 346 ص 121)، الذي فقدته بسبب زوال الشخصية القانونية كلية لأحد الخصوم أو زوال أهليته الإجرائية اللازمة لصحة إجراءات الخصومة أو زوال الصفة الإجرائية فيمن يمثل أحد أطراف الخصومة تمثيلاً قانونياً.

فالانقطاع صورة من صور وقف الخصومة، ولكنه يحدث لأسباب تتعلق بالمركز القانوني لأحد أطرافها، فهذه الأسباب ترتبط بالعنصر الشخصي في الدعوى، بينما حالات الوقف الأخرى تتعلق بالعناصر الموضوعية فيها، كما يتميز الانقطاع من حالات الوقف الأخرى في أنه يحدث نتيجة لضرورة واقعية لا منطقية فقط ( أحمد مسلم - أصول المرافعات - بند 502 ص 542)، فأسباب انقطاع الخصومة ظروف أو وقائع لا إرادية تقع دون أن يكون للخصم يد في وقوعها أو تكون له قدرة على دفعها، فالموت وفقد الأهلية وزوال صفة الممثل القانوني أمور لا إرادية تقع دون أن يكون للخصم يد في ذلك كما أنه لا يستطيع أن يمنع حدوثها، بينما حالات الوقف الأخرى تحدث نتيجة لضرورة منطقية ترتكز على إرادة الخصم، فهي تحدث نتيجة الوقائع يثيرها الخصم بإرادته، فالخصم هو الذي يثير المسألة الأولية وهو الذي يهمل في موالاة سير الخصومة ولا ينفذ ما تأمر به المحكمة، وهو الذي يطلب رد القاضي وغير ذلك.

ويتميز انقطاع الخصومة بخاصيتين، الأولى: أنه يحصل دائماً بحكم القانون بمجرد قيام سببه ودون حاجة لصدور حكم به، والثانية: أن له أسباباً معينة نص القانون عليها على سبيل الحصر، وهو في ذلك يختلف عن حالات الوقف التي سبق أن أوضحناها.

ويستهدف انقطاع الخصومة كفالة حقوق الدفاع ( وجدي راغب  مبادئ الخصومة  ص 339)، لأنه يترتب على وفاة الخصم أو زوال صلاحيته، عجزه عن مباشرة حقوق الدفاع، ولذلك ينقطع سير الخصومة حتى يقوم مقامه فيها من يمكنه مباشرة حقوق الدفاع، ومن ثم تتحقق المواجهة بين الخصوم ولا تكون بصدد خصم واحد فقط في الخصومة، بل تستكمل الخصومة عنصرها الشخصي الذي تصدع نتيجة وفاة الخصم أو فقده أهليته أو زوال صفة من يمثله.

ومن المقرر أن الانقطاع يرد على جميع أنواع الدعاوى بما فيها المستعجلة وقضايا التنفيذ الوقتية والموضوعية وفي جميع مراحل التقاضي بما فيها محكمة النقض.

وبالنسبة للطعن بالنقض فإنه إذا توفي أحد الخصوم أو زالت صفة من يمثله بعد صدور الحكم محل الطعن فإنه يتعين رفع الطعن ممن حل محل من كان له الحق في الطعن ويجب أن يوجه الطعن أيضاً في حالة وفاة من صدر لصالحه الحكم أو زالت صفة من يمثله إلى من حل محله غير أنه إذا حدثت وفاة أحد الخصوم أو زالت صفة من يمثله بعد رفع الطعن فإن محكمة النقض لا تقضى بانقطاع سير الخصومة لأن إجراءات الطعن تنصب على مخاصمة الحكم ولا يؤثر فيها وفاة أحد الخصوم أو زوال صفة من يمثله غير أن الأمر يختلف إذا نقض الحكم للمرة الثانية وكان يتعين على محكمة النقض أن تفصل في موضوع الدعوى طبقاً لما تقضي به المادة 269 مرافعات فإنه يجب عليها في هذه الحالة أن تقضي بنقض الحكم وبانقطاع سير الخصومة إلى أن يجددها صاحب المصلحة في السير فيها إذ تعد المحكمة في هذه الحالة محكمة موضوع وبهذا قضت محكمة النقض.

(نقض 12/ 4/ 1983، الطعن رقم 462 لسنة 48 قضائية).

شروط انقطاع الخصومة وأسبابه :

 وقد حصر المشرع أسباب انقطاع الخصومة في المادة 130 مرافعات محل التعليق ووفقاً لهذه المادة فإنه لكي يتحقق انقطاع الخصومة يجب أن تتوافر الشروط التالية:

أولاً: الشوط الأول للانقطاع: أن يتحقق سبب من أسباب انقطاع الخصومة: تنحصر أسباب انقطاع الخصومة في ثلاثة أسباب، ينبغي توافي سبب منها لكي تنقطع الخصومة، وهذه الأسباب هي .

السبب الأول للانقطاع: وفاة أخذ الخصوم: الأصل أن الخصومة لا تنعقد إلا بين الأحياء، إذ لا يجوز رفع الدعوى على متوفى، كما لا يتصور رفعها من شخص متوفى أو باسم شخص متوفي وإلا كانت منعدمة، وإذا ما انعقدت الخصومة في بدايتها بين أحياء ثم أدرك الموت أحد أطرافها فإن الإجراءات تنقطع، وذلك حماية للورثة الذين قد يجهلون وجود الخصومة، فلا يصدر الحكم في غفلة منهم، بل ينبغي وقف الإجراءات حتى يعلموا بوجود الخصومة، ولا يشترط لانقطاع الخصومة في هذه الحالة إعلان خبر وفاة الخصم للخصم الآخر .

(نقض 18/ 5/ 1968  سنة 18 ص 1030).

ويلاحظ أنه أحياناً لا يؤدي الموت في بعض الدعاوى إلى الانقطاع، وإنما يؤدي إلى انقضاء الخصومة، وذلك لأهمية الاعتبار الشخصي في القضية، ومثال ذلك دعوى التطليق (إبراهيم سعد - الجزء الثاني - بند 347  ص 122 حاشية رقم 161).

و بوفاة الخصم تنقطع الخصومة ويستوي في ذلك أن يكون موت الخصم موتاً حقيقياً أو موتاً حكمياً، كما إذا اعتبر الشخص المفقود میتاً بحكم قضائي، كما يستوي في ذلك وفاة المدعي أو المدعى عليهم أو أي واحد منهم إذا تعددوا ( قارن أحمد أبو الوفا - التعليق جزء أول - ص 479)، ويرى أنه إذا تعدد الخصوم في أحد طرفي القضية وقام سبب أحدث انقطاع الخصومة بالنسبة لأحد الخصوم فإنها تستمر صحيحة بالنسبة لغيره متى كان موضوع الدعوى قابلاً للتجزئة أما إذا كان موضوع الدعوى لا يقبل التجزئة فالخصومة تنقطع بالنسبة للجميع، وانظر أيضاً حكم محكمة استئناف أسيوط الصادر في 15/ 5/ 1929 المنشور في المحاماة 9 ص 869) ، فوفاة أي طرف من أطراف الدعوى تؤدي إلى انقطاع الخصومة ولو كان متدخلاً أو مدخلاً في الدعوى أو مختصماً لمجرد صدور الحكم في مواجهته، ولا تتصل الخصومة إلا بإدخال ورثته في الدعوى ما لم يتنازل باقي أطرافها عن اختصامه ( عبد الباسط جمیعی - مبادئ - ص 316 ).

وينبغي للانقطاع أن يكون المتوفى هو الخصم نفسه ( نقض 18/ 11/ 1975  مجموعة الأحكام - المكتب الفني - السنة 26 ص 1414)، ويقاس على حالة الوفاة زوال الشخصية المعنوية أو الاعتبارية، فيؤدى انقضاء الشخص الاعتباري إلى انقطاع سير الخصومة باعتباره مشابها لوفاة الشخص الطبيعي، لأن انقضاء الشخص الاعتباري يعني انتهاء شخصيته وصلاحيته كمركز قانونی وله حقوق وعليه التزامات، ولكن يشترط لانقطاع الخصومة التي طرفها شخص اعتباري أن يكون هذا الشخص قد انقضى بالفعل أي أنه لم يعد له وجود قانوني (ابراهیم سعد - الجزء الثاني - بند 347 ص 122)، ومثال ذلك حالة اندماج شركة في شركة أخرى إذ تنمحي شخصية الشركة المندمجة وتعتبر الشركة الدامجة الجهة التي تختصم وتمثل خصومة قائمة بصدد حقوق والتزامات الشركة المندمجة .( نقض 19/ 6/ 1969  المنشور في مجموعة الأحكام - المكتب الفني - السنة 20 ص 1026، نقض 7/ 1 / 1980 في الطعن رقم 295 لسنة 46 )، بينما إذا انتقلت ملكية الشخص الاعتباري، ولكنه ظل محتفظاً بشخصيته المعنوية واستمر يباشر نشاطه كما كان قبل التغيير فإن الخصومة لا تنقطع . (نقض 16/ 11/ 1965 المنشور في مجموعة الأحكام - المكتب الفني - السنة 16 ص 1066)، كذلك لا تنقطع الخصومة إذا تغيرت شخصية ممثل الشركة ( نقض مدني في 25/ 6/ 1969  مجموعة الأحكام - المكتب الفني - السنة 20 ص 1062، و نقض 26/ 12/ 1979 في الطعن رقم 615 لسنة 45 قضائية )، ولذلك فإن وضع شركة تحت التصفية لا يعتبر سبباً من أسباب الانقطاع ( محمد وعبد الوهاب العشماوي - جزء ثان - ص 386 هامش 2 ، إبراهيم سعد - ج 2 بند 347 ص 123) لأن ذلك لا يترتب عليه سوى تغيير شخصية الممثل لها في الخصومة، ولا أثر لهذا التغيير على سير إجراءات الخصومة لأن الممثل ليس خصماً فيها، وإنما الخصم في الخصومة هو الشخص الاعتباري نفسه.

( نقض مدنى 25/ 6/ 1969 - مجموعة الأحكام - السنة 20 ص 1062، وأيضاً نقض مدنى 19/ 6/ 1969 - سابق الإشارة إليه ).

ويلاحظ أنه إذا رفعت الدعوى على شخصين، وأثناء نظرها توفي أحدهما وورثة الأخر، فإن الخصومة تنقطع في هذه الحالة أيضاً، لأن المفروض أن المدعى عليه لا علم له بباقي المدعى عليهم ولا بالطلبات الموجهة من المدعى إلى كل منهم ( أحمد أبو الوفا - التعليق - جزء أول - ص 479).

السبب الثاني للانقطاع: فقد أحد الخصوم أهلية التقاضي: يقصد بأهلية، التقاضي صلاحية الخصم لمباشرة الإجراءات أمام القضاء على نحو صحيح ( وجدي راغب - دراسات في مركز الخصم - بند 23 ص 137)، وهي تعبير عن أهلية الأداء في المجال الإجرائي، ولما كانت أهلية الأداء هي صلاحية الشخص للقيام بالتصرفات أو الأعمال القانونية فإن أهلية التقاضي هي صلاحية الخصم للقيام بنوع معين من الأعمال وهي الإجراءات القضائية.

فإذا لحق بأحد أطراف الخصومة أحد عوارض أو موانع الأهلية كالجنون أو السفه أو العته أو الغفلة، فإن ذلك يؤدي إلى فقده أهلية الخصومة، ومن ثم ينقطع سير الإجراءات.

كذلك إذا كان الخصم تاجراً وحكم بشهر إفلاسه، فإنه يأخذ حكم من يفقد أهلية الخصومة بالنسبة لأمواله في التفليسة ( عبد الباسط جمیعی - مبادي المرافعات  - ص 317، وجدي راغب - مبادئ الخصومة - ص 340، وأيضاً دراسات في مركز الخصم. البحث السالف الذكر - بند 29 ص 154 وص 155).

والحكمة من انقطاع الخصومة في هذه الحالات تتمثل في المحافظة على مصالح الأشخاص الذين أصبحوا غير قادرين على الدفاع عنها لانعدام أهليتهم أو نقصها، إذ أن عوارض أو موانع الأهلية تؤثر في قدرة الإنسان على الدفاع عن مصالحه أو تمنعه من مباشرة حقوقه الإجرائية، مما يؤدي إلى ضرورة انقطاع الخصومة.

ويلاحظ أن فقد الأهلية بالنسبة للشخص الاعتباري مقترن بفقد شخصيته المعنوية (إبراهيم سعد - جزء ثان - ص 124 حاشية رقم 98)، ولذلك فإن تغییر ممثل الشخص الاعتبارى لا يؤثر في سير الخصومة كما سبق أن أوضحنا، فالقاعدة أن الشخص الاعتباري يتقاضى عن طريق من يمثله وفقاً للقانون أو نظام الداخلي فهو لا يباشر الإجراءات إلا عن طريق ممثل إجرائي، وهذا لا يرجع إلى افتقاد الشخص الاعتباري أهلية التقاضي لأن الشخص الاعتباري ليس قاصراً أو محجوراً عليه، وإنما تستبعد طبيعته مسالة أهلية الأداء، وبالتالى أهلية التقاضي، لأن هذه الأهلية تقوم على الإدراك والتمييز وهو ما لا يتوافر له بحكم طبيعته، ولذلك يحتاج دائماً إلى شخص طبيعى أي إنسان، المباشرة كافة الأعمال القانونية نيابة عنه ومنها إجراءات التقاضي، ولا يعمل هذا الممثل الإجرائي باعتباره نائباً عن الشخص الاعتباري وإنما باعتباره عضواً له، فالقاضي يستغني بالنسبة للشخص الاعتباري عن أهلية التقاضي لتنافرها معه بحكم طبيعته ويستبدلها بصفة التقاضي التي يخولها لعضو هذا الشخص (وجدي راغب  - دراسات في مركز الخصم - البحث السابق الإشارة إليه  بند 29 ص 144 وص 145).

السبب الثالث للانقطاع : زوال الصفة في التقاضي لمن يمثل الخصم : إذا كان يمثل أحد أشخاص الخصومة شخص آخر، ثم زالت صفة الممثل وهي التي تعطيه السلطة في اتخاذ ومباشرة الأعمال الإجرائية باسم الغير ، فإن هذا الزوال يؤدي إلى انقطاع الخصومة بقوة القانون حتی تعجل في مواجهة الخصم الأصيل أو ممثله القانوني الجديد، ويستوي في ذلك أن تزول الصفة للنائب القانوني أو الاتفاقي للمدعي أو المدعى عليه.

وتطبيقا لذلك إذا رفع شخص دعوى بصفته وصيا على قاصر ثم زالت رضایته بعزله أو ببلوغ القاصر سن الرشد ، فإن زوال صفة الوصی يؤدي إلى انقطاع الخصومة، ولا تعود الخصومة إلى سيرها إلا إذا حضر الوصي الجديد أو القاصر الذي يبلغ سن الرشد وسار في الدعوى أو أعلن بالحضور لمتابعة سير إجراءاتها ، كما تنقطع الخصومة بزوال صفة القيم برفع الحجر عن المحجور عليه ، وبزوال صفة الوكيل عن الغائب بحضوره أو ثبوت وفاته وطول الورة محله.

ويلاحظ أنه إذا عزل الوصي فإن الانقطاع يترتب على ذلك من تاريخ صدور حكم العزل حتى ولو أوقف تنفيذ حكم العزل بعد ذلك .

( نقض 30 / 12 / 1974، الطعن رقم 240 لسنة 40 قضائية).

وهناك قضاء مستقر لمحكمة النقض بأن مجرد تحقيق الواقعة التي يحدث نتيجة لها الانقطاع  كواقعة بلوغ الناصر سن الرشد أو عودة الغائب مثلاً لا يؤدى بذاته إلى انقطاع سير الخصومة، وإنما يحصل هذا الانقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ أو العودة من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر أو الغائب. (نقض 30/ 12/ 1965، سنة 16 ص 1393، نقض 6/ 6/ 1968، السنة ۱۹ ص 1125، نقض 1/ 4/ 1943  مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في 25 عاماً جزء أول.  رقم 70 ص 632، نقض 13/ 1/ 1970  مجموعة المكتب الفني، السنة 21 ص 70، نقض 28/ 6/ 1977، الطعن رقم 381 سنة 43، نقض 18/ 12/ 1980  الطعن رقم 277 لسنة 445 قضائية)، ولذلك فإن بلوغ القاصر سن الرشد أو عودة الغائب أثناء سير الخصومة لا يؤدي إلى انقطاع الخصومة إذا ظل الوصي أو الوكيل يباشر الإجراءات بقبول ورضاء القاصر أو الغائب إذ يستفاد من ذلك أن النيابة القانونية تحولت إلى نيابة اتفاقية، ولذا بنتج هذا التمثيل كل آثاره القانونية لأن الصفة الإجرائية ما زالت قائمة للوصي أو الوكيل وإن تغيرت طبيعتها، وينم هذا التغيير في صورة عقد قضائي ضمني يفترض بمقتضاه أن سكوت القاصر أو الغائب هو قبول لحضور الوصي أو الوكيل في الخصومة وتمثيلهما تمثيلاً صحيحاً.

وتنقطع الخصومة بزوال صفة الممثل أياً كان سبب هذا الزوال، أي سواء كان بالمنزل، أو سلب الولاية ( نقض 31/ 1/ 1977 سنة 28 ص 310 ) أو لوفاة الممثل القانوني للخصم أو فقده لأهليته، أو كان بسبب بلوغ القاصر سن الرشد، أو برفع الحجر عن المحجور عليه، أو غير ذلك.

وينبغي التمييز بين صفة الممثل في التقاضي، والصفة في الدعوى وجدى راغب  - مبادئ الخصومة - ص 341، ودراسات في مركز الخصم  البحث السالف الذكر  بند 22 ص 148 وص 149 )، أي كشرط من شروط قبول الدعوى، إذ لا يؤدي زوال الصفة في الدعوى إلى انقطاع الخصومة، وإنما إلى الحكم بعدم قبول الدعوى، أو إلى التأجيل للإعلان ذی الصفة ( مادة 115/ 2 مرافعات )، ومن أمثلة ذلك أن يرفع المستأجر دعوی على المؤجر للمطالبة بتنفيذ عقد الإيجار ثم يقوم المؤجر ببيع العين المؤجرة إلى شخص آخر، فإنه يفقد صفته في الدعوى، وتؤجل المحكمة الدعوى في هذه الحالة لإعلان خلف المؤجر، فإذا لم يعلن حكمت بعدم قبول الدعوى .

وإذا كان أحد أطراف الخصومة شخصاً اعتبارياً، فإن تغيير ممثل هنا الشخص في الخصومة لا يؤدي إلى انقطاعها، لأنه ليس نائباً عنه بل هو عضو فيه ( نقض مدنى 26/ 1/ 1976 مجموعة المكتب الفني  السنة 27 ص 301، نقض مدنى 27 ص 1698، السنة 27 ص 1698، نقض مدنى 25/ 6/ 1969، السنة 20 ص 1062)، والنص قاصر على قطع الخصومة في حالة زوال صفة النائب فقط.

ونظراً لكون الصفة القانونية ترجع إلى القانون كما في حالة الولي، أو إلى حكم القضاء كما في حالة الوصي أو إلى الاتفاق كما في حالة الوكالة، فقد كان من المنطقي أن تنقطع الخصومة بزوال صفة النائب أياً كان مصدر نيابته، ولكن قدر المشرع أنه في حالة الوكالة لا يجوز أن يكون زوال صفة الوكيل مؤدياً إلى انقطاع الخصومة لأن الوكالة صفة إرادة نزول بالإرادة وتقوم بالإرادة، ولو قرر المشرع انقطاع الخصومة كنتيجة لزوال الوكالة لأمكن أن يعزل الخصم وكيله في الدعوى ( المحامي ) في أي وقت ليقطع الخصومة فيها، وبذلك لا تستقيم قضية أبداً ( عبد الباسط جمیعی  مبادئ المرافعات  ص 317 وص 318) وحتى في الحالات التي يكون فيها زوال الوكالة راجعاً لسبب لادخل فيه الإرادة الموكل أو الوكيل كما في حالة وفاة الوكيل، فإنه يمكن للموكل بإرادته أن يزيل سبب الانقطاع بإقامة وكيل جديد عنه أو بمباشرة الدعوى بنفسه، فإرادة الموكل هي المرجع في انقطاع الخصومة أو اتصالها رغم أن سبب زوال الوكالة لا يرجع إلى هذه الإرادة.

ولذلك فإنه تفادياً لتعطيل الفصل في المنازعات وفتح باب الكيد بين الخصوم بقيام الخضم بعزل محاميه بهدف قطع الخصومة، فقد نص المشرع المصري في المادة 130/ 3  محل التعليق على أنه لا تنقطع الخصومة بوفاة وكيل الدعوى، ولا بانقضاء وكالته بالتنحي أو بالعزل وللمحكمة أن تمنح أجلاً مناسباً للخصم الذي توفى وكيله أو انقضت وكالته إذا كان قد بادر فعين له وكيلاً جديداً خلال الخمسة عشر يوماً التالية لانقضاء الوكالة الأولى، والهدف من التأجيل أن يتمكن الوكيل الجديد من دراسة أوراق القضية والاستعداد للدفاع.

وقد جرت العادة في المحاكم على أنه في حالة تنازل الوكيل (المحامي) عن توكيله في الدعوى، أو في حالة انقضاء الوكالة أياً كان سبب هذا الانقضاء أن تؤجل القضية حتى يتمكن الخصم من إقامة وكيل جديد أو يتابع الدعوى بنفسه إذا شاء ذلك، ولم يكن هناك مانع قانوني يحول دون ذلك.

وفي هذا الصدد ينبغي ملاحظة ما تنص عليه المادة 80 مرافعات التي سبق لنا التعليق عليها بأنه لا يحول اعتزال الوكيل أو عزله دون سير الإجراءات في مواجهته إلا إذا أعلن الخصم بتعيين بدله أو بعزم الموكل على مباشرة الدعوى بنفسه، كما تنص المادة 92 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 على استمرار المحامي في إجراءات الدعوى في حالة تنازله عن التوكيل شهراً على الأقل، ويتعين على المحكمة التأجيل لتوكيل محام آخر.

ثانياً : الشرط الثاني للانقطاع يجب أن يتحقق سبب الانقطاع بعد بدء الخصومة : لا يرد الانقطاع إلا على خصومة منعقدة بالفعل (نقض 17/ 2/ 1966 سنة 17 ص 229، نقض 12/ 1/ 1981 طعن رقم 22 لسنة 47 قضائية)، ولذلك يشترط لكي تؤدي وفاة الخصم أو فقده أهليته أو زوال صفته في التقاضي إلى انقطاع الخصومة، أن يطرأ سبب من هذه الأسباب بعد بدء الخصومة، أي بعد المطالبة القضائية (وجدي راغب  مبادئ الخصومة  ص 342).

ولذلك إذا توفي أحد الخصوم قبل انعقاد الخصومة أي قبل المطالبة القضائية، فإن ذلك يؤدي إلى انعدام المطالبة (عبد الباسط جمیعی - مبادىء المرافعات  ص 216) وليس إلى انقطاع الخصومة، ومعيار ذلك أن ترفع الدعوى على خصم موجود وبإجراء صحيح، والفيصل ما بين الانعدام والانقطاع هو أن تقدم صحيفة الدعوى، وتعلن، فإذا حدثت الوفاة قبل ذلك فإن الخصومة لا تكون قد انعقدت بين طرفيها، ولا يترتب على تقديم الصحيفة إلى قلم المحضرين أي أثر (محمد إبراهيم - الوجيز - ص 809)، وإذا ماحدثت الوفاة قبل رفع الدعوى ثم رفعت الدعوى يتعين على صاحب المصلحة أن يتمسك أمام محكمة الموضوع بذلك، وإذا لم يتمسك بذلك في درجتي التقاضي فلا يجوز له التمسك به أمام محكمة النقض، لأن ذلك يكون سبباً جديداً يخالطه واقع ، فلا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .

(نقض 9/ 4/ 1970  المنشور في مجموعة المكتب الفني  السنة 21 ص 587).

كذلك إذا بدأت الخصومة من خصم أو في مواجهة خصم ليست له الأهلية في التقاضي، أو إذا بدأت الخصومة من خصم أو في مواجهة خصم ليست له صفة، فإن ذلك يؤدي إلى بطلان الإجراءات، و زوال الخصومة لا انقطاعها، إذ ينبغي لانقطاعها أن يتحقق السبب المؤدي إلى هذا الانقطاع أثناء سيرها.

ثالثا: الشرط الثالث للانقطاع : أن يتحقق سبب الانقطاع قبل أن تصبح الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها لا يكفي لكي تنقطع الخصومة أن يتوافر سبب من الأسباب السالفة الذكر، وأن يتحقق هذا السبب بعد بدء الخصومة، بل يشترط فضلا عن ذلك ألا تكون الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها، وهي تعتبر كذلك متى كان الخصوم قد أبدوا أقوالهم وطلباتهم الختامية في جلسة المرافعة قبل الوفاة أو فقد أهلية الخصومة أو زوال الصفة ( مادة 131 مرافعات )، ومعنى ذلك عملاً. أن يكون التقاضي قد قرر حجز القضية للحكم ، وبذلك يكون قد أقفل باب المرافعة في الدعوى .

التأجيل الإعلان من يقوم مقام الخصم الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع : وفقاً لتعديل المادة 130 محل التعليق بالقانون رقم 23 سنة 1992 فإنه إذا طلب أحد الخصوم أجلا لإعلان من يقوم مقام الخصم الذي تحقق فى شأنه سبب الانقطاع، وجب على المحكمة قبل أن تقضى بانقطاع سير الخصومة أن تكلفة بالإعلان خلال أجل تحدده له، فإذا لم يقم به خلال هذا الأجل دون عذر، قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة منذ تحقق سببه.

وقد كانت المحاكم قبل تعديل المادة تسير على الحكم بانقطاع سير الخصومة إذا تحقق سببه ولو حضر من يمثل الخصم الذي حدث بسببه الانقطاع حتى لو اراد الخصم الآخر أن يوجه إليه طلباته على سند من أن الخصومة لا تنعقد إلا بإعلان من يمثل الخصم الذي توفي أو زالت صفته وكانت المحاكم برفض تأجيل الدعوى لإعلان صاحب هذه الصفة وتصر على الحكم بالانقطاع رغم أن محكمة النقض ذهبت في بعض أحكامها إلى أن حضور من يقوم مقام الخصم الذي توفي أو فقد أهلية الخصومة أو زالت صفته يمنع من الحكم بالانقطاع إلا أن غالبية المحاكم لم تلتزم بهذا المبدأ، وكان يترتب على ذلك أن يعلن المدعى جميع الخصوم في الدعوى بمن فيهم من لم ينقطع سير الخصومة بالنسبة لهم، وكان من نتيجة ذلك تأخير الفصل فيها وتكبيد المتقاضين نفقات لا طائل من ورائها فرأى المشرع تيسيراً على الخصم الآخر أن يتيح له أن يطلب أجلاً لإعلان صاحب الصفة الجديد وألزم المحكمة أن تجيبه إلى هذا الطلب فإذا أجابته إليه ومع ذلك لم يقم بالإعلان فإنه يجوز للمحكمة حينئذ إذا تبين لها أن عدم الإعلان نتيجة إهمال منه حكمت بالانقطاع أما إذا كان عدم قيام الخصم الآخر بالإعلان پرجع إلى عذر مقبول كما إذا تبين أن صاحب الصفة الجديد قد غير مسكنه منذ وقت قریب أو أن عدم الإعلان كان نتيجة تعنت المحضر أو تلاعبه أو إهماله، فإنه يتعين على المحكمة أن تؤجل الدعوى مرة ثانية وثالثة حتى يتم الإعلان أو يتضح لها تقصیر موجهه فتى إجرائه وفي حالة ما إذا قضت المحكمة بالانقطاع فإنه يحدث أثره من وقت تحقق سببه وليس من الوقت الذي قضت به فإذا كان المدعى عليه قد توفي بتاريخ 12/ 5/ 1996 إلا أن المحكمة لم تقض به في 15/ 7/ 1996 فإن الانقطاع يحدث أثره من تاريخ الوفاة.

ويلاحظ أنه إذا حضر من يمثل من انقطعت الخصومة بشأنه سواء كان من المدعين أو المدعى عليهم كورية المتوفى أو وكيل آخر عن الوكيل المعزول أو حضر من كان قاصراً وبلغ سن الرشد فلا تقضي المحكمة بالانقطاع ويجوز للمدعي في جميع هذه الحالات أن يوجه له الطلب في الجلسة، وحينئذ فإن المحكمة لا تؤجل الدعوى للإعلان غير أنها تكون ملزمة بتأجيل الدعوى إذا طلب صاحب الصفة الجديد ذلك ليعد دفاعه أو مستنداته 🙁 الديناصوري وعكاز. ص 744).

إذا توفي أحد خصوم الدعوى وكان ورثته ممثلين فيها فإن المحكمة لا تقضى بالانقطاع ولا تكلف صاحب المصلحة باختصامهم .

ينقطع سير الخصومة بصدور حكم بعقوبة جناية على أحد الخصوم .(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء / الثالث  ، الصفحة : 286)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع ، الصفحة / 49

انْقِطَاعٌ

التَّعْرِيفُ:

يَأْتِي الاِنْقِطَاعُ فِي اللُّغَةِ بِمَعَانٍ عِدَّةٍ مِنْهَا: التَّوَقُّفُ وَالتَّفَرُّقُ.

وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي، كَمَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْمُنْقَطِعِ عَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي فَقَدَ أُمَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ.

وَالاِنْقِطَاعُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: عَدَمُ اتِّصَالِ سَنَدِ الْحَدِيثِ، سَوَاءٌ سَقَطَ ذِكْرُ الرَّاوِي مِنْ أَوَّلِ الإِْسْنَادِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّاوِي وَاحِدًا أَمْ أَكْثَرَ، عَلَى التَّوَالِي أَوْ غَيْرِهِ، فَيَشْمَلُ الْمُرْسَلَ، وَالْمُعَلَّقَ، وَالْمُعْضَلَ، وَالْمُدَلَّسَ، إِلاَّ أَنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي رِوَايَةِ مَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ عَنِ الصَّحَابِيِّ كَمَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَهَذَا أَحَدُ مَعَانِيهِ، وَلَهُ بَعْضُ الْمَعَانِي يَتَكَلَّمُ عَنْهَا الأُْصُولِيُّونَ فِي مَبْحَثِ السُّنَّةِ (الْمُرْسَلِ).

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الاِنْقِطَاعِ بِاخْتِلاَفِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، فَفِي انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَالآْتِي:

وَفِي الْقَضَاءِ: عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى انْقِطَاعِ الإِْنْسَانِ لِلْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا، وَرِزْقُ الْقَاضِي لِلْمُنْقَطِعِ لَهُمَا، وَعِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ انْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ بِالْيَمِينِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس عشر ، الصفحة / 112

الْوَكَالَة:

طُرُوءُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ عَقْدَ الْوَكَالَةِ؛ لأِنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ (غَيْرُ لاَزِمٍ) فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ، وَالْوَكَالَةُ تَعْتَمِدُ الْعَقْلَ فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، فَإِذَا انْتَفَى الْعَقْلُ انْتَفَتْ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لاِنْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: إِذَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ لاَزِمَةً بِحَيْثُ لاَ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَ الْوَكِيلِ كَالْعَدْلِ إِذَا سُلِّطَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ، وَكَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا؛ لأِنَّ الْوَكَالَةَ مَتَى كَانَتْ لاَزِمَةً بِحَيْثُ لاَ يَقْدِرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ لاَ يَكُونُ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ، وَكَانَ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ثُمَّ جُنَّ الْمُمَلَّكُ فَإِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ مَلَكَ عَيْنًا فَكَذَا إِذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي: (وَكَالَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع عشر ، الصفحة / 126

خُصُومَةٌ

التَّعْرِيفُ :

الْخُصُومَةُ لُغَةً: الْمُنَازَعَةُ، وَالْجَدَلُ، وَالْغَلَبَةُ بِالْحُجَّةِ .

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي رَفْعِ الدَّعْوَى أَمَامَ الْقَضَاءِ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْعَدَاوَةُ :

الْعَدَاوَةُ، هِيَ مَا يَتَمَكَّنُ فِي الْقَلْبِ مِنْ قَصْدِ الإْضْرَارِ وَالاِنْتِقَامِ، وَأَصْلُهُ مِنْ تَجَاوُزِ الْحَدِّ فِي الشَّيْءِ .

قَالَ الرَّاغِبُ: الْعَدْوُ التَّجَاوُزُ وَمُنَافَاةُ الاِلْتِئَامِ، فَتَارَةً يُعْتَبَرُ بِالْقَلْبِ، فَيُقَالُ لَهُ: الْعَدَاوَةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَتَارَةً بِالْمَشْيِ، فَيُقَالُ لَهُ الْعَدْوُ، وَتَارَةً فِي الإْخْلاَلِ بِالْعَدَالَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ، فَيُقَالُ لَهُ الْعُدْوَانُ وَالْعَدُوُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) .

قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَادَاةِ وَالْمُخَاصَمَةِ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ، مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ، وَالْمُعَادَاةُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَاصِمَ الإْنْسَانُ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَادِيَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَادِيَهُ وَلاَ يُخَاصِمَهُ .

ب - الدَّعْوَى :

عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلَ غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعُهُ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ. فَالْخُصُومَةُ وَالدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ التَّعْرِيفُ مُتَسَاوِيَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ، بِأَنَّهَا إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ.

فَالدَّعْوَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى طَلَبِ الْحَقِّ مِنَ الْمُدَّعِي، أَمَّا الْخُصُومَةُ فَمَا يَقَعُ مِنَ الْخَصْمَيْنِ (الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَمَامَ الْقَاضِي .

أَقْسَامُ الْخُصُومَةِ :

تَنْقَسِمُ الْخُصُومَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الأْوَّلُ: مَا يَكُونُ الْخَصْمُ فِيهِ مُنْفَرِدًا. وَهُوَ الَّذِي لاَ يَحْتَاجُ إِلَى حُضُورِ آخَرَ مَعَهُ، كَمَنْ يَتَرَتَّبُ عَلَى إِقْرَارِهِ حُكْمٌ، فَهُوَ خَصْمٌ فِي حَالَةِ إِنْكَارِهِ.

وَنَظَائِرُ هَذَا فِي مُصْطَلَحِ: (دَعْوَى).

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْخُصُومَةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى حُضُورِ طَرَفٍ آخَرَ، كَمَسَائِلِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْغَصْبِ وَنَظَائِرِهَا . وَانْظُرْ تَفْصِيلَهَا فِي مَظَانِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا فِي الْمَوْسُوعَةِ، وَمُصْطَلَحَيْ: (قَضَاءٌ وَدَعْوَى).

ضَابِطُ الْخُصُومَةِ :

(أ) فِي الْمُدَّعِي: إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ شَيْئًا، وَكَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى إِقْرَارِهِ حُكْمٌ إِذَا أَقَرَّ، يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى.

ب - فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إِذَا كَانَ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَيْ فِي حَالَةِ إِقْرَارِهِ لاَ يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ عَلَى إِقْرَارِهِ، فَبِإِنْكَارِهِ لاَ يَكُونُ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى . وَذَلِكَ كَمَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ أَوْ بِحَقٍّ فَأَقَرَّ بِهِ، فَإِنَّ إِقْرَارَهُ لاَ يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنَ الإْضْرَارِ بِالْحُجُورِ عَلَيْهِ.

وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَعْوَى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 318

انْتِهَاءُ الدَّعْوَى:

تَنْتَهِي الدَّعْوَى غَالِبًا بِصُدُورِ حُكْمٍ فِي مَوْضُوعِهَا يَحْسِمُ النِّزَاعَ، بِحَيْثُ لاَ تُقْبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِثَارَتُهُ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَنْتَهِي بِعَارِضٍ مِنَ الْعَوَارِضِ يَضَعُ حَدًّا لِلْخُصُومَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى تِلْكَ النِّهَايَةِ.

أَمَّا الْحُكْمُ فَقَدْ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ فَصْلُ الْخُصُومَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ: أَنْ تَتَقَدَّمَهُ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى صَحِيحَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الإْلْزَامِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاضِحًا بِحَيْثُ يُعَيَّنُ فِيهِ مَا يُحْكَمُ بِهِ وَمَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ، وَشُرُوطٌ أُخْرَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا وَتَفْصِيلُ أَنْوَاعِ الْحُكْمِ وَأَثَرِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ).

وَأَمَّا الْعَوَارِضُ الَّتِي تَنْتَهِي الدَّعْوَى قَبْلَ صُدُورِ حُكْمٍ فِيهَا، فَإِنَّهُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُعْنَوْا بِحَصْرِهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِنْتَاجُهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالأْصُولِ الَّتِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا فِي التَّقَاضِي وَنَظَرِ الدَّعَاوِي، وَمِنْ بَعْضِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا:

أ - بِنَاءً عَلَى تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَنْ إِذَا تَرَكَ الْخُصُومَةَ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الدَّعْوَى تَنْتَهِي بِتَنَازُلِ الْمُدَّعِي عَنْهَا بِإِرَادَتِهِ، قَالَ الْبَاجُورِيُّ: (إِنَّ مَشِيئَةَ الْمُدَّعِي لاَ تَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَلَهُ إِمْهَالُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى الأَبَدِ بَلْ لَهُ الاِنْصِرَافُ وَتَرْكُ الْخُصُومَةِ بِالْكُلِّيَّةِ).

ب - وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إِذَا طَرَأَ مَا يَجْعَلُ بَعْضَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُتَخَلِّفًا، كَمَا لَوْ أَضْحَى الْمُدَّعِي لاَ مَصْلَحَةَ لَهُ فِي مُتَابَعَةِ السَّيْرِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ الدَّعْوَى مُفِيدَةً شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَيُمْكِنُ حُدُوثُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْهَا: أَنْ يُتَوَفَّى الصَّغِيرُ الْمُتَنَازَعُ عَلَى حَضَانَتِهِ، فَيُصْبِحُ الاِسْتِمْرَارُ فِي الدَّعْوَى غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُدَّعِي، وَمِنْهَا أَنْ يُتَوَفَّى الزَّوْجُ الَّذِي تَطْلُبُ الزَّوْجَةُ الْحُكْمَ بِتَطْلِيقِهَا مِنْهُ، حَيْثُ تَنْتَفِي الْمَصْلَحَةُ فِي اسْتِمْرَارِ نَظَرِ الدَّعْوَى.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِالْمُلاَحَظَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الأْصْلِيَّ فِي الدَّعْوَى قَدْ يُصْبِحُ فِي مَرْكَزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الأْصْلِيُّ بِدَفْعٍ صَحِيحٍ لِلدَّعْوَى الأَْصْلِيَّةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ السَّابِقَةَ تَقْتَضِي أَنْ لاَ يُسْمَحَ لِلْمُدَّعِي الأْصْلِيِّ أَنْ يَتْرُكَ دَعْوَاهُ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَبْدَى دَفْعًا لِهَذِهِ الدَّعْوَى إِلاَّ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ تَنْتَهِي الدَّعْوَى إِذَا انْتَهَى التَّنَازُعُ فِي الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ صُدُورِ حُكْمٍ فِي مَوْضُوعِ الدَّعْوَى، كَمَا لَوْ تَصَالَحَ الْخُصُومُ عَلَى الْحَقِّ الْمُدَّعَى.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون ، الصفحة / 275

- الأَْهْلِيَّةُ:

الأَْهْلِيَّةُ هِيَ مَصْدَرٌ صِنَاعِيٌّ لِكَلِمَةِ أَهْلٍ، وَمَعْنَاهَا لُغَةً كَمَا فِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ: الصَّلاَحِيَّةُ وَيَتَّضِحُ تَعْرِيفُ الأَْهْلِيَّةِ فِي الاِصْطِلاَحِ مِنْ خِلاَلِ تَعْرِيفِ نَوْعَيْهَا: أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ وَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ، فَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ هِيَ صَلاَحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ هِيَ صَلاَحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الذِّمَّةِ وَالأَْهْلِيَّةِ أَنَّ الأَْهْلِيَّةَ أَثَرٌ لِوُجُودِ الذِّمَّةِوَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ فِي الإِْنْسَانِ ذَاتُ عُنْصُرَيْنِ: -

أَحَدُهُمَا: قَابِلِيَّتُهُ لِثُبُوتِ الْحُقُوقِ لَهُ أَيْ صَلاَحِيَّتُهُ لِلإِْلْزَامِ.

الثَّانِي: قَابِلِيَّتُهُ لِثُبُوتِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ أَيْ صَلاَحِيَّتُهُ لِلاِلْتِزَامِ.

فَالْعُنْصُرُ الأَْوَّلُ يَثْبُتُ لِلشَّخْصِ مُنْذُ كَوْنِهِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ ذِمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ فِي شَخْصِهِ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ لاَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا نَاحِيَةُ الاِلْتِزَامِ أَيْ نَاحِيَةُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعُنْصُرُ الثَّانِي مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَابِلِيَّةُ التَّحَمُّلِ بِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ.

وَالثَّانِي: الذِّمَّةُ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّخْصِ مَحَلٌّ مُقَدَّرٌ لاِسْتِقْرَارِ تِلْكَ الْحُقُوقِ فِيهِ بِحَيْثُ تَشْغَلُهُ تِلْكَ الْحُقُوقُ حَالَ ثُبُوتِهَا وَيَفْرُغُ مِنْهَا حَالَ سُقُوطِهَا.

وَهَذَانِ الأَْمْرَانِ اللَّذَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا تَصَوُّرُ الاِلْتِزَامِ هُمَا مُتَلاَزِمَانِ فِي الْوُجُودِ مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّخْصِ أَهْلاً لِتَحَمُّلِ الْحُقُوقِ أَنْ يَكُونَ فِي شَخْصِهِ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ لَهَا وَبِالْعَكْسِ، فَمَتَى اعْتُبِرَتْ لِلشَّخْصِ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ شَرْعًا اعْتُبِرَتْ لَهُ ذِمَّةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ تِلْكَ الأَْهْلِيَّةُ هِيَ الذِّمَّةَ نَفْسَهَا، بَلْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ مَا بَيْنَ مَعْنَى الْقَابِلِيَّةِ وَمَعْنَى الْمَحَلِّ.

ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ فِي الْعَلاَقَةِ بَيْنَ الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ، فَهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْحُرِّ الْبَالِغِ الْكَامِلِ الأَْهْلِيَّةِ فَيُقَالُ: هُوَ ذُو ذِمَّةٍ وَذُو أَهْلِيَّةٍ، وَتَنْفَرِدُ الذِّمَّةُ فِي الْعَبْدِ فَهُوَ ذُو ذِمَّةٍ وَلاَ أَهْلِيَّةَ لَهُ، وَتَنْفَرِدُ الأَْهْلِيَّةُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَيُقَالُ هُوَ ذُو أَهْلِيَّةٍ وَلاَ ذِمَّةَ مُسْتَقِلَّةً لَهُ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 102

انْتِهَاءُ الْوَكَالَةِ:

تَنْتَهِي الْوَكَالَةُ بِأُمُورٍ مِنْهَا:

أَوَّلاً: الْعَزْلُ:

لَمَّا كَانَتِ الْوَكَالَةُ مِنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لأِيٍّ مِنَ الطَّرَفَيْن إِنْهَاؤُهَا، فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ مِنْهَا وَيَنْهَاهُ عَنِ التَّصَرُّفِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، كَمَا أَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْهَا أَيْضًا، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ .

غَيْرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مِنَ الْمُوَكِّلِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:

الشَّرْطُ الأْوَّلُ: عِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْعَزْلَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، فَلاَ يَلْزَمُ حُكْمُهُ إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِنَّهُ لَوِ انْعَزَلَ قَبْلَ عِلْمِهِ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، لأِنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَاتٍ فَتَقَعُ بَاطِلَةً. وَبِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ مُوَكِّلِهِ، وَلاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ قَبْلَ عِلْمِهِ كَالْفَسْخِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ، لأِنَّ الْعَزْلَ رَفْعُ عَقْدٍ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى رِضَا صَاحِبِهِ، فَلاَ يَفْتَقِرُ عَلَى عِلْمِهِ كَالطَّلاَقِ .

وَيَتِمُّ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- بِأُمُورٍ مِنْهَا:

أ- أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا الْعَزْلَ.

ب- إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُوَكِّلُ كِتَابَ الْعَزْلِ، فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَعَلِمَ بِمَا فِيهِ. لأِنَّ الْكِتَابَ مِنَ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنَ الْحَاضِرِ.

جـ- لَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُوَكِّلُ رَسُولاً فَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ، وَقَالَ لَهُ: فُلاَنٌ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَيَقُولُ: إِنِّي عَزَلْتُكَ عَنِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ، كَائِنًا مَا كَانَ الرَّسُولُ، عَدْلاً كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. لأِنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسَلِ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ عَنْهُ، فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ.

د- لَوْ أَخْبَرَ الْوَكِيلَ بِالْعَزْلِ رَجُلاَنِ عَدْلاَنِ كَانَا أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ. سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إِذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ، لأِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلاَتِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً فَخَبَرُ الْعَدْلَيْنِ أَوِ الْعَدْلِ أَوْلَى.

وَإِنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ بِاتِّفَاقِهِمْ أَيْضًا.

أَمَّا إِنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ حَتَّى وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ. لأِنَّ الإِْخْبَارَ عَنِ الْعَزْلِ لَهُ شَبَهُ الشَّهَادَةِ، لأِنَّ فِيهِ الْتِزَامَ حُكْمِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَهُوَ الْعَزْلُ، وَهُوَ لُزُومُ الاِمْتِنَاعِ عَنِ التَّصَرُّفِ وَلُزُومُ الْعُهْدَةِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَعْدَ الْعَزْلِ، فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ أَحَدِ شُرُوطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ أَوِ الْعَدَدُ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الإِخْبَارَ عَنِ الْعَزْلِ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلاَتِ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلاَ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الإْخْبَارِ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ قُلْنَا لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ خَبَرُ عَزْلِهِ فَالْمُعْتَبَرُ خَبَرُ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتِهِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ . الشَّرْطُ الثَّانِي: عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْوَكَالَةِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عَزْلِ الْوَكِيلِ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ.

فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْعَزْلُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ، لأِنَّ فِي الْعَزْلِ إِبْطَالَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَمَنْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ أَوِ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ عِنْدَ حِلِّ الأْجَلِ، فَعَزْلُ الرَّاهِنِ الْمُسَلَّطِ عَلَى الْبَيْعِ لاَ يَصِحُّ بِهِ عَزْلُهُ.

وَكَذَلِكَ إِذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلاً بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعِي فَعَزَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي لاَ يَنْعَزِلُ.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلاً بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ إِنْ غَابَ، ثُمَّ عَزَلَهُ الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ غَابَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَصِحُّ عَزْلُهُ، لأِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْمَرْأَةِ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ عَزْلُهُ لأِنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الطَّلاَقِ وَلاَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالاَتِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ: عَزَلْتُ الْوَكِيلَ أَوْ رَفَعْتُ الْوَكَالَةَ، أَوْ فَسَخْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ أَخْرَجْتُهُ عَنْهَا، فَيَنْعَزِلُ، سَوَاءٌ ابْتَدَأَ تَوْكِيلَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ، بِأَنْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يُوَكِّلَ فِي الطَّلاَقِ أَوِ الْخُلْعِ، أَوْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ سَأَلَهُ خَصْمُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخُصُومَةِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ إِذَا قَاعَدَ الْوَكِيلُ الْخَصْمَ ثَلاَثًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ لِعُذْرٍ أَمْ لاَ .

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَلاَّ تَقَعَ الْوَكَالَةُ عَلَى وَجْهِ الإْجَارَةِ :

اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِصِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ أَنْ لاَ تَكُونَ الْوَكَالَةُ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الإْجَارَةِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الإْجَارَةِ  فَهِيَ لاَزِمَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. أَمَّا إِذَا وَقَعَتِ الْوَكَالَةُ عَلَى سَبِيلِ الْجَعَالَةِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي لُزُومِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ وَعَدَمِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (فَقْرَةِ 30).

أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْوَكَالَةُ عَلَى سَبِيلِ الإْجَارَةِ  أَوِ الْجَعَالَةِ فَيَرَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ فَقَطْ، خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَق تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ صِفَةِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ .

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَلاَّ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعَزْلِ مَفْسَدَةٌ:

قَالَ الشَّرَوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَزْلِ مَفْسَدَةٌ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إِذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ ظَالِمٌ، أَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ لِطُهْرِهِ، أَوْ ثَوْبٍ لِلسَّتْرِ بِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ اللَّذَيْنِ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ السَّتْرِ مَحْذُورٌ، تَيَمَّمَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إِذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ لاَ يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ، فَيَحْرُمُ الْعَزْلُ وَلاَ يَنْفُذُ .

عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ:

لَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عِلْمَ الْمُوَكِّلِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ مِنَ الْوَكَالَةِ، لأِنَّ فَسْخَ عَقْدِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَحْتَاجُ لِلرِّضَا فِيهِ، وَمَا لاَ يَحْتَاجُ لِلرِّضَا فِيهِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ فِيهِ كَذَلِكَ.

وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِالْعَزْلِ .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ اسْتَوْلَى عَلَى الْمَالِ جَائِرٌ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَزْلُ عَلَى الأْوْجَهِ كَالْمُوصِي، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ .

ثَانِيًا: الْوَفَاةُ:

تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَوْتَ مُبْطِلٌ لأِهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوِ الْوَكِيلُ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ بِالْمَوْتِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

وَلأِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنِ الْمُوَكِّلِ فِي مَالِهِ، وَقَدِ انْتَقَلَ هَذَا الْمَالُ بِالْوَفَاةِ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَلاَ يَلْزَمُهُمْ مَا بَاعَ أَوِ اشْتَرَى .

عِلْمُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى تَبْطُلَ الْوَكَالَةُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَزْلُ، لأِنَّهُ لَوِ انْعَزَلَ قَبْلَ عِلْمِهِ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، لأِنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَاتٍ فَتَقَعُ بَاطِلَةً. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَتَى تَصَرَّفَ قَبْلَ عِلْمِهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُتَعَاقِدُ مَعَ الْوَكِيلِ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهَا الْمُوَكِّلُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَتَعَاقَدُ مَعَ وَكِيلٍ بِأَنْ أَعْلَمَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِصِحَّةِ الْعَزْلِ، وَلَكِنَّ الأْوَّلَ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَعَاقِدُ مَوْجُودًا بِالْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ، أَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِوَفَاةِ مُوَكِّلِهِ .

 

ثَالِثًا: الْجُنُونُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَلَى الْوَكَالَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ.

وَإِذَا جُنَّ الْوَكِيلُ أَوِ الْمُوَكِّلُ جُنُونًا مُطْبَقًا ثُمَّ أَفَاقَ لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ.

وَحَدُّ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ:

فَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ وَبِهِ يُفْتِي، وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِهِ، فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَى مَا يَسْقُطُ بِهِ عِبَادَةُ الصَّوْمِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى، أَمَّا وَجْهُ حَدِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِهِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا ذَكَرْنَا.

وَحَدَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِمَا يَسْتَوْعِبُ السَّنَةَ، لأِنَّ الْمُسْتَوْعِبَ لِلسَّنَةِ هُوَ الْمُسْقِطُ لِلْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِخُرُوجِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ وَإِنْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجِنُونِهِ أَوْ جِنُونِ مُوَكِّلِهِ إِلاَّ أَنْ يَطُولَ جُنُونُ مُوَكِّلِهِ جِدًّا فَيَنْظُرَ لَهُ الْحَاكِمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجِنُونٍ لاَ يَمْتَدُّ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ الْمُهِمَّاتُ وَيَخْرُجُ إِلَى نَصْبِ قَوَّامٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ قِيلَ: إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ .

رَابِعًا: الإْغْمَاء:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ الإِْغْمَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالإْغْمَاءِ، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ الإْنْسَانُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ إِلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِإِغْمَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ، إِلْحَاقًا لَهُ بِالْجُنُونِ، لأِنَّ الإْغْمَاءَ يَجْعَلُ الإْنْسَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْقِيَامِ بِالتَّصَرُّفَاتِ، فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ لِذَلِكَ .

خَامِسًا: الْحَجْرُ:

الْحَجْرُ مِنْ أَسْبَابِ بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ مَنَاهِجُ مُخْتَلِفَةٌ فِي بَيَانِ آثَارِ الْحَجْرِ عَلَى الْوَكَالَةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ.

وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ وَكَّلَ إِنْسَانًا فَحَجَرَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ، لأِنَّ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ أَمْرِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَيَبْطُلُ الأْمْرُ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

وَخَصَّصَ الْحَنَفِيَّةُ بُطْلاَنَ الْوَكَالَةِ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلاً فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ وَكِيلاً فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَاقْتِضَائِهِ وَقَبْضِ وَدِيعَتِهِ فَلاَ يَنْعَزِلُ بِالْحَجْرِ.

وَقَالُوا: تَبْطُلُ وَكَالَةُ الوَكِيلِ بِالْحَجْرِ، عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ  

وصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ لِسَفَهٍ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ، لأِنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَقْلِ وَعَدَمِ الْحَجْرِ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لاِنْتِفَاءِ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ.

وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِبُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ حَيْثُ كَانَتْ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي اعْتُبِرَ لَهَا الرُّشْدُ، بِأَنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ لاَ يَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهِ السَّفِيهُ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهِ السَّفِيهُ بِدُونِ إِذْنٍ، أَوْ كَانَتِ الْوَكَالَةُ فِي طَلاَقٍ أَوْ رَجْعَةٍ أَوْ فِي تَمَلُّكٍ مُبَاحٍ كَاسْتِقَاءِ مَاءٍ أَوِ احْتِطَابٍ، وَالَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَلاَ تَنْفَسِخُ .

وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَالتَّصَرُّفِ فِي عَيْنِ مَالِهِ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَصَرُّفٍ فِي الذِّمَّةِ .

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ لِفَلَسٍ فَالْوَكَالَةُ بِحَالِهَا، لأِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ أَهْلاً لِلتَّصَرُّفِ.

وَإِنْ حَجَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَكَانَتِ الْوَكَالَةُ بِأَعْيَانِ مَالِهِ بَطَلَتْ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْخُصُومَةِ أَوِ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ أَوِ الطَّلاَقِ أَوِ الْخُلْعِ أَوِ الْقِصَاصِ فَالْوَكَالَةُ بِحَالِهَا، لأِنَّ الْمُوَكِّلَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، فَلاَ تَنْقَطِعُ الاِسْتِدَامَةُ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لاَ يَنْفُذُ مِنْهُمَا. وَاعْتَبَرُوا الْحَجْرَ فِي كِلاَ الْحَالَيْنِ فِي مَعْنَى الْجُنُونِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ الأْخَصِّ، لاِنْتِقَالِ الْمَالِ لِلْغُرَمَاءِ.  

وَالْمُرَادُ بِالْفَلَسِ الأْخَصِّ: هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمُ بِخَلْعِ مَا بِيَدِ الْمُفْلِسِ لِغُرَمَائِهِ بِشُرُوطِهِ، بِأَنْ يَطْلُبَ الْغُرَمَاءُ تَفْلِيسَ الْمَدِينِ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْحَالُّ يَزِيدُ عَلَى مَا بِيَدِ الْمَدِينِ مِنَ الْمَالِ.

وَالْفَلَسُ الأْخَصُّ يَخْتَلِفُ عَنِ الْفَلَسِ الأْعَمِّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ وَلَوْ مُؤَجَّلاً- بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ بِعِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ حِمَالَةٍ .

وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ الأْعَمِّ .

 

سَادِسًا: الرِّدَّةُ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا حُكِمَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلاً أَوْ وَكِيلاً، بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ، ثُمَّ لاَ تَعُودُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: أَنَّ الْوَكِيلَ إِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَالْقَضَاءِ بِهِ، تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلاَ تَعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَ اللُّحُوقِ وَالْقَضَاءِ بِه لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايِةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَعُودُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ.

أَمَّا تَصَرُّفَاتُ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ.

وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ، فَلاَ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّتِهِ أَيَّامَ الاِسْتِتَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ فَإِنْ قُتِلَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ أُخِّرَ لِمَانِعٍ كَالْحَمْلِ فَقَدْ تَرَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي عَزْلِهِ، وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّةِ مُوَكِّلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الاِسْتِتَابَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يُقْتَلْ لِمَانِعٍ .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلاَفِ الْجَارِي فِي زَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ الْمُرْتَدِّ عَنْ مِلْكِهِ .

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ أَقْوَالاً:

أَحَدُهَا: يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ لِزَوَالِ عِصْمَةِ الإْسْلاَمِ ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَعَلَيْهِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ.

وَالثَّانِي: لاَ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ كَالزَّانِي الْمُحْصِنِ فَلا يَنْعَزِلُ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَظْهَرُ الأْقْوَالِ : أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، لأِنَّ بُطْلاَنَ أَعْمَالِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِهِ مُرْتَدًّا فَكَذَا مِلْكُهُ، فَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ مَوْقُوفًا.

وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَطَعَ بِاسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ، وَجَعَلَ الْخِلاَفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ بِالرِّدَّةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ؟ .

وَقَالُوا: رِدَّةُ الْوَكِيلِ لاَ تُوجِبُ انْعِزَالَهُ، وَعَلَيْهِ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ عَنِ الْمُوَكِّلِ .

وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ، أَوْ رِدَّةِ الْمُوَكِّلِ. وَلَهُمْ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: لاَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَهُمْ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ رِدَّتِهِ.

وَالرَّأْيُ الثَّانِي: تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؟ وَجْهَانِ فِي الْمَذْهَبِ أَصْلُهُمَا هَلْ يَنْقَطِعُ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفُهُ أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا.

كَمَا أَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْخِلاَفَ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ إِذَا وَكَّلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا.

قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْطَى حُكْمَهُ لَوِ انْفَرَدَ بِالاِرْتِدَادِ .

(ر: رِدَّة ف43).

 

سَابِعًا: الْفِسْقُ:

183 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِفِسْقِ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ فِيمَا يُنَافِيِه الْفِسْقُ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ. فَالْوَكِيلُ بِالإْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ إِذَا فَسَقَ انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ، أَوْ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيِّةِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا إِذَا كَانَ وَكِيلاً فِي الْقَبُولِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ. لأِنَّهُ لاَ يُنَافِي جَوَازَ قَبْولِهِ. وَفِي عَزْلِهِ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ عِنْدَهُمْ.

وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الأْمَانَةُ، كَوَكِيلِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَوَلِيِّ الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ هَذَا، انْعَزَلَ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، لِخُرُوجِهِمَا بِذَلِكَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً لِوَكِيلِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ. لأِنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ تَوْكُيلُ فَاسِقٍ، وَلاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ لأِنَّ مُوَكِّلَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَلاَ يُنَافِيِه الْفِسْقُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفِسْقِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْفِسْقِ .

ثَامِنًا: السُكْرُ:

نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ الْوَكِيلُ أَوِ الْمُوَكِّلُ بِلاَ تَعَدٍّ (أَيْ بِمُبَاحٍ) انْعَزَلَ الْوَكِيلُ.

أَمَّا إِذَا سَكِرَ أَحَدُهُمَا بِتَعَدٍّ (أَيْ بِمُحَرَّمٍ) فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ، لأِنَّ الْمُتَعَدِّيَ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّاحِي.  

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ الَّذِي يُفَسَّقُ بِهِ فِي غَيْرِ مَا يُنَافِيهِ، لأِنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.

وَأَمَّا مَا يُنَافِي الْفِسْقَ كَالإْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ فِيهِ بِالسُّكْرِ .

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ مِنْ مُحَرَّمٍ.

وَقَالُوا: الْوَكِيلُ بِالطَّلاَقِ صَاحِيًا إِذَا سَكِرَ فَطَلَّقَ لَمْ يَقَعْ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَوْ سَكِرَ فَبَاعَ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى مُوَكِّلِهِ .

تَاسِعًا: خُرُوجُ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ:

تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ إِذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ تَصَرُّفًا يَعْجَزُ الْوَكِيلُ عَنِ التَّصَرُّفِ مَعَهُ.

فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ فِي أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا الْوَكِيلُ قَامَ الْمُوَكِّلُ بِبَيْعِهَا بِنَفْسِهِ، أَوِ اسْتُحِقَّتْ لِشَخْصٍ آخَرَ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، لأِنَّ الْوَكِيلَ عَجَزَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ، لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَيَنْتَهِي حُكْمُ الْوَكَالَةِ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُوَكِّلُ لِشَخْصٍ، وَبَاعَهَا الْوَكِيلُ لآِخَرَ، فَالأْوَّلُ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ هُوَ اللاَّزِمُ، وَالثَّانِي بَيْعٌ فُضُولِيٌّ لاِنْتِقَالِ السِّلْعَةِ لِلْمُشْتَرِي الأْوَّلِ بِالْبَيْعِ فِي كُلِّ حَالٍ، إِلاَّ حَالَ تَلَبُّسِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِقَبْضِ السِّلْعَةِ مِنَ الْبَائِعِ الثَّانِي، فَيَمْضِي الْبَيْعُ الثَّانِي وَيُرَدُّ الْبَيْعُ الأْوَّلُ، إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْبَائِعُ الثَّانِي وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الْبَيْعَ الأْوَّلَ، وَإِلاَّ فَهِيَ لِلأْوَّلِ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ .

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ شَيْءٍ وَكَّلَ الْوَكِيلَ فِي قَبْضِهِ أَوِ الْخُصُومَةَ فِيهِ لاِعْتِرَافِ الْوَكِيلِ بِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْدَةِ الْوَكَالَةِ إِذَا عَادَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ إِلَى الْمُوَكِّلِ.

فَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعُودُ، لأِنَّ الْعَائِدَ بِالْفَسْخِ عَيْنُ الْمِلْكِ الأْوَّلِ فَيَعُودُ بِحُقُوقِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ: لاَ تَعُودُ، لأِنَّ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ نَفْسِهِ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ أَعْجَزَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ، وَالْوَكِيلُ بَعْد عَزْلِهِ لاَ يَعُودُ وَكِيلاً إِلاَّ بِتَجْدِيدِ الْوَكَالَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ وَعَادَ إِلَيْهِ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ بِمَا هُوَ فَسْخٌ عَادَتِ الْوَكَالَةُ، أَمَّا إِنْ رَدَّ إِلَيْهِ لاَ يَكُونُ فَسْخًا، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَعُودُ، فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي هِبَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ .

عَاشِرًا: تَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ عَلَى آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكِيلَ إِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ.

كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَتَصَرُّفًا، فَإِذَا تَعَدَّى الْوَكِيلُ فِيهِ بَطَلَتِ الأْمَانَةُ، وَبَقِيَ التَّصَرُّفُ. كَالرَّهْنِ يَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَوَثِيقَةً، فَإِذَا تَعَدَّى فِيهِ بَطَلَتِ الأْمَانَةُ وَبَقِيَتِ الْوَثِيقَةُ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ قِيلَ. إِلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِالتَّعَدِّي مِنَ الْوَكِيلِ، لأِنَّهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ فَتَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا الْخِلاَفَ يَجْرِي فِيمَا إِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِالْفِعْلِ، بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا.

أَمَّا إِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِالْقَوْلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ- وَلَوْ بِسَلَمٍ - فَلاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ جَزْمًا، لأِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَعَدَّ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ.

وَقَالَ الْمِرْدَاوِيُّ بَعْدَ سَرْدِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ: مُلَخَّصُهُ: إِنْ أَتْلَفَ الْوَكِيلُ بِتَعَدِّيهِ عَيْنَ مَا وُكِّلَ فِيهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُ مَا تَعَدَّى فِيهِ بَاقِيَةً لَمْ تَبْطُلْ .

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: تَفْسُدُ الْوَكَالَةُ فِي الأْصَحِّ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا جَاءَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكَالَةَ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ اسْتِئْمَانٍ، فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلِ الآْخَرُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ كَلاَمِ كَثِيرٍ مِنَ الأْصْحَابِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنَ الْوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْوَكَالَةِ لاَ بُطْلاَنَهَا، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَصِيرُ مُتَصَرِّفًا بِمُجَرَّدِ الإْذْنِ .

الْحَادِي عَشَرَ: إِنْكَارُ الْوَكَالَةِ:

يَرَى الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِجُحُودِ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ، لأِنَّ الْجُحُودَ مِنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الإْذْنِ السَّابِقِ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ثُمَّ قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلاَقًا.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى- وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ- إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُحُودِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ إِنْكَارَ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الإِْخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِخَوْفِ أَخْذِ ظَالِمٍ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا إِنْكَارَ الْوَكَالَةِ وَلا غَرَضَ لَهُمَا انْعَزَلَ بِذَلِكَ، لأِنَّ الْجَحْدَ حِينَئِذٍ رَدٌّ لِلْوَكَالَةِ.  

الثَّانِي عَشَرَ: تَلَفُ مَا تَعَلَّقَتِ الْوَكَالَةُ بِهِ:

تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَلَفِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَلَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الَّتِي وُكِّلَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ أَوِ بِغَيْرِهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ الْمُوَكَّلِ بِطَلاَقِهَا، لِهَلاَكِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ. فَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَحَلِّ لاَ يُتَصَوَّرُ بَعْدَ هَلاَكِهِ، وَالْوَكَالَةُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ مُحَالٌ فَبَطَلَ .

الثَّالِثَ عَشَرَ: افْتِرَاقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ:

إِذَا وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ شَخْصًا فَافْتَرَقَا أَوِ افْتَرَقَ أَحَدُهُمَا انْعَزَلَ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ، وَلأِنَّهُ وُكِّلَ مِنْ قِبَلِ الشَّرِكيَيْنِ لِغَرَضِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ، فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهَا .

الرَّابِعَ عَشَرَ: إِنْجَازُ التَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ:

نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِلاَ عَزْلٍ بِنِهَايَةِ الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ .

الْخَامِسَ عَشَرَ: الرُّجُوعُ عَنِ الْوَكَالَةِ دَلاَلَةً:

صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِدَلاَلَةِ رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ.

وَمِنْ صُوَرِ رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ دَلاَلَةً عَنِ التَّوْكِيلِ وَطْءُ الْمُوَكِّلِ زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلاَقِهَا.

وَمِنْ صُوَرِ دَلاَلَةِ رُجُوعِ الْوَكِيلِ مَا إِذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ مِنْ مَالِكِ عَبْدٍ فِي عِتْقِهِ وَكَانَ قَدْ وَكَّلَهُ إِنْسَانٌ فِي شِرَائِهِ، فَإِنَّ قَبُولَ الْوَكَالَةِ فِي عِتْقِهِ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنِ الْوَكَالَةِ الأْولَى فِي شِرَائِهِ .