loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق :

جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بشأن المادة 311 منه المطابقة للمادة 144 من القانون الحالي أنه قد تناول القانون الجديد في مادة مستقلة الكلام عن ترك إجراء من إجراءات الخصومة مع بقائها قائمة، وذلك لينبه إلى الفارق بين هذا الترك وبين ترك الخصومة برمتها وإلى إختلاف الحكم في الحالتين، فنص في المادة 311 على أنه إذا تنازل الخصم مع قيام الخصومة عن إجراء أو ورقة من أوراق المرافعات . صراحة أو ضمناً أعتبر الإجراء أو الورقة كأن لم يكن.

الأحكام

1 ـ مؤدى المادة 144 من قانون المرافعات أنه إذا كان الترك ينصب على أجراء من أجراءات الدعوى فإنه ينتج أثره بمجرد التصريح به لأنه يعد فى هذه الحالة نزولاً عن حق يتم وتتحقق آثاره بغير حاجة الى قبول الخصم الآخر ولا يمتلك المتنازل أن يعود فيما أسقط حقه فيه ويعتبر الاجراء كأن لم يكن .

(الطعن رقم 3438 لسنة 65 جلسة 1996/06/23 س 47 ع 2 ص 996 ق 187)

2 ـ مؤدى نص المادة 144 من قانون المرافعات أنه يجوز للخصم أن ينزل مع إستمرار الخصومة عن إجراء من إجراءاتها أو ورقة من أوراق المرافعات دون إشتراط أن يتم هذا التنازل بإحدى الطرق سالفة الذكر أو موافقة الخصم و يترتب على الترك بمجرد إبدائه صراحة أو ضمناً إعتبار الورقة كأن لم تكن ، و إن تناول المشرع فى حالة ترك إجراء من إجراءات الخصومة مع بقائها قائمة فى مادة مستقلة تالية مباشرة للمواد التى تناول فيها حالة الخصومة برمتها يشير إلى الفارق بين هاتين الحالتين من الترك و إلى إختلاف الحكم فيهما و ذلك على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات القديم عند تعليقها على المواد 308 ، 309 ، 310 ، 311 من ذلك القانون المقابلة للمواد 141 ، 142 ، 143 من قانون المرافعات الحالى ، كما يبين من نص المادة 144 المذكورة - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه متى كان الترك ينصب على إجراء من إجراءات الدعوى فإنه ينتج أثره بمجرد التصريح به لأنه يعد فى هذه الحالة نزولاً عن حق يتم و تتحقق آثاره بغير حاجة إلى قبول الخصم الأخر و لا يملك المتنازل أن يعود فيما أسقط حقه فيه و يعتبر الإجراء كأن لم يكن .

(الطعن رقم 854 لسنة 45 جلسة 1978/05/11 س 29 ع 1 ص 1235 ق 242)

شرح خبراء القاون

ترك الخصومة :

تعريفه : ترك الخصومة هو إعلان المدعي إرادته في إنهاء الخصومة بغير حكم في موضوع الدعوى وقد يجد المدعي ، رغم أنه هو الذي بدأ الخصومة ، أن من مصلحته إنهائها دون حكم في الدعوى . من هذا مثلاً أن يكون قد أخطأ فرفع الدعوى بإجراءات معيبة أو أمام محكمة غير مختصة ، فيكون من مصلحته - إقتصاد في الوقت والمصاريف - أن يترك هذه الخصومة ليبدأ خصومة جديدة بإجراءات صحيحة أو أمام المحكمة المختصة . أو أن يكون قد تسرع في رفع الدعوى قبل أن يعد أدلة الإثبات الكافية ، فيترك الخصومة حتى يتسنى له رفع الدعوى من جديد بعد أن يكون قد أعد أدلته.

وللمدعى أو الطاعن ترك الخصومة ، ولو كانت الدعوى غير مقبولة أو كان الطعن غير جائز ، ذلك أن الترك يرد على الخصومة بصرف النظر عن صحة إجراءاتها أو توافر شروط قبول رفع الدعوى أو الطعن . على أن الحكم بترك الخصومة يفترض أن تكون المحكمة مختصة بالدعوى. فإذا تبين لها أنها غير مختصة بالدعوى ، وكان عدم إختصاصها متعلقاً بالنظام العام ، فإنها يجب أن تقضي بعدم إختصاصها والإحالة إلى المحكمة المختصة . ونفس الأمر إذا كان عدم الإختصاص لا يتعلق بالنظام العام ، وتمسك المدعى عليه به في الوقت المناسب . ويكون الفصل في طلب المدعى ترك الخصومة من سلطة المحكمة المحال إليها .

النزول عن عمل من أعمال الخصومة : ترك الخصومة يعني النزول عن الخصومة برمتها . فإذا نزل الخصم عن عمل فقط من أعمال الخصومة فإن هذا العمل وحده يعتبر كأن لم يكن (مادة 144 مرافعات) دون أن يؤثر ذلك في بقاء الخصومة . ومثاله أن ينزل الخصم عن طلبه الإستشهاد بشهود أو عن أحد دفوعه في الدعوى . و إذا نزل الخصم عن عمل فإنه لا يملك الرجوع فيما نزل عنه . ومن المسلم إختلاف أحكام هذا النزول عن أحكام ترك الخصومة فيما يلي :

1- ترك الخصومة يجب أن يكون بإعلان صريح (مادة 141 مرافعات) في حين أن النزول عن عمل إجرائي يمكن أن يكون صريحاً أو ضمنياً (مادة 144 مرافعات) .

2- يحتاج ترك الخصومة إلى وكالة خاصة ، أما النزول عن عمل إجرائي فيمكن أن يتم بواسطة الوكيل بالخصومة دون توكيل خاص .

3- ترك الخصومة لا يكون إلا من المدعي ، أما النزول عن عمل إجرائي فيمكن أن يتم من المدعي ، أو من المدعى عليه ، أو من الخصم المتدخل أو الخصم المدخل .

4- لا يتم الترك - كقاعدة - إلا بقبول المدعى عليه ، أما النزول عن عمل إجرائي فإنه يتم بمجرد التقرير به دون حاجة لقبول من الطرف الآخر.

5- يترتب على الترك زوال الخصومة برمتها ، أما النزول عن عمل إجرائي فانه لا يؤدي إلا إلى إعتبار هذا العمل كأن لم يكن . على أنه يلاحظ أنه إذا كان هناك عمل إجرائي يعتمد على العمل الذي حدث النزول عنه ، فإنه يعتبر هو الآخر كأن لم يكن . ومن ناحية أخرى ، لأن حجية الحكم تتعلق بالنظام العام ، فإن من صدر لمصلحته الحكم لا يستطيع النزول عنه ورفع الدعوى من جديد للحصول على حكم آخر . ولهذا فانه إذا نزل المحكوم له عن الحكم ، فإن هذا النزول «يستتبع النزول عن الحق الثابت فيه» (مادة 145 مرافعات سواء نص على ذلك في ورقة التنازل أم لم ينص . فلا يستطيع المطالبة به من جديد، ويصبح الحكم غير قائم ولهذا لا يقبل الطعن فيه. ولهذا يجب للنزول عن الحكم توافر صلاحية النزول عن الحق الثابت فيه . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة : 358)

الترك الجزئي للخصومة

نزول الخصم عن إجراء

ينصرف لفظ «الإجراء» إلى كافة إجراءات التقاضي التي تتخذ في الخصومة سواء بمعرفة الخصوم أو بقرار من المحكمة سعيا لتحقيق دليل أو إلتزاماً بما يوجبه القانون.

ولأي من الخصوم إتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة للقضاء له بطلباته أو لرفض طلبات خصمه الموجهة إليه ، فإن لم تكن موجهة إليه ولم يكن هناك له مصلحة في دحضها، فإن الإجراء الذي يتخذه في هذا الصدد يكون غير منتج مما يحول دون المحكمة والتصريح بإتخاذه عندما يكون هذا التصريح لازماً ، مثال ذلك أن يرفع المؤجر دعوى إخلاء ضد المستأجر والمتنازل له عن الإيجار فيطلب الأخير التصريح له بإستخراج شهادة من جهة معينة متضمنة الدليل على قبول المؤجر لهذا التنازل، وترى المحكمة الجدوى منها فتصرح بإستخراجها، كإجراء من إجراءات الخصومة ، ثم يرى الطالب أنها غير مجدية، فيتنازل عنها وحينئذ تفصل المحكمة في الدعوى دون أن تعتد بما قرره الأخير بصددها، ولا يملك أي من الخصوم الآخرين هذا التنازل، فإن قبلته المحكمة من هؤلاء كان حكمها مشوباً بالإخلال بحق الدفاع، ولكن للمحكمة ومن تلقاء نفسها أن تعدل عن هذا الإجراء إذا تبين عدم جديته بتراخي الطالب عن القيام به.

ولا تقتصر إجراءات التقاضي على خصم معين وإنما هي حق لكل الخصوم في الحدود التي قررها القانون، ومتى إتخذ الخصم إجراء إقتصر عليه وحده حق التنازل عنه، وإذا تراخى في القيام به كان للمحكمة أن تحكم في الدعوى بحالتها فإن كانت قد أصدرت حكماً بإتخاذه، جاز لها العدول عنه، فقد يطلب أحد الخصوم إحالة الدعوى إلى التحقيق أو ندب خبير أو إلزام خصم بتقديم ورقة تحت يده أو بإنتقالها للمعاينة أو الإطلاع على دفاتر الشهر العقاري، فتصدر حكماً بذلك، وقبل تنفيذه يتنازل عنه من طلب إصداره ، وحينئذ يعتبر الحكم كأن لم يكن بإعتباره إجراء من إجراءات التقاضي وتقضي المحكمة بالعدول عنه ، وقد يستفاد هذا التنازل ضمناً بوقوف الطالب موقفاً سلبياً من تنفيذ الحكم التمهيدي حتى ينقضي الميعاد المحدد لذلك أو يرفع إستئناف عن حكم غيابي أو أمر أداء مما يدل على تنازله عن المعارضة فيه.

ويترتب على التنازل عن الإجراء سقوط الحق فيه، ولما كان الساقط لا يعود، فإنه يمتنع على المنازل العودة إلى إتخاذ ذات الإجراء سواء أمام المحكمة التي تنازل أمامها أو عند الطعن في الحكم الصادر منها، وإذا رأت المحكمة الاستئنافية إنتفاء التنازل عن الإجراء تعين عليها تمكين الطالب من إتخاذه مرة أخرى أمامها، فقد تحيل محكمة الدرجة الأولى الدعوى إلى التحقيق وينقضي الأجل دون تنفيذ الحكم التمهيدي لتعدل عنه ، ويتمسك الطالب بهذا الإجراء أمام المحكمة الإستئنافية التي تخلص إلى أنه لم يتنازل عنه صراحة ولا ضمناً مما لا يسقط حقه فيه، فتصدر حكماً تمهيدياً بإحالة الإستئناف إلى التحقيق.

وإذا دفع المدعى عليه بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة ورأت المحكمة أن الدفع قائم على أساس ، أجلت الدعوى وكلفت المدعى بإعلان ذي الصفة عملاً بالمادة (115)، فإذا قام المدعى بإعلان شخص آخر وأدخله بذلك خصما في الدعوى بطريق الخطأ، كان له تصحيحاً لهذا الإجراء التنازل عنه فيصبح كأن لم يكن دون حاجة لطلب ترك الخصومة بالنسبة لمن أدخل في الدعوى بهذا الإجراء، ذلك لأن ترك الخصومة بالنسبة لأحد المدعى عليهم يقتصر على من كان مختصماً منهم عند رفع الدعوى وتضمنته صحيفة إفتتاحها، أما من إختصم كمدعى عليه بعد ذلك فيكون إخراجه من الدعوى بتنازل المدعي عن الإجراء الذي أدخله بموجبه وهو صحيفة الإدخال، فإن لم يتنازل كان لمن أدخل دون أن تكون له علاقة بالخصومة أن يطلب من المحكمة إخراجه بلا مصاريف.

ويترتب على التنازل زوال الآثار التي ترتبت على الإجراء بصيرورته كأن لم يكن.

نزول الخصم عن ورقة من أوراق المرافعات:

يقصد بأوراق المرافعات كل محرر يتعلق به حق أحد الخصوم، سواء كان صادراً من المحكمة كورقة لحكم وأوضحت المادة (145) الآثار المترتبة على التنازل عنها، أو كان مقدماً من أحد الخصوم إثباتاً لحقه أو دحضاً لإدعاء خصمه، وتثبت له الحجية ما لم يطعن عليه ويقضي برده و بطلانه أو يتنازل من أستشهد به عن التمسك به وحينئذ يعتبر كأن لم يكن ويفقد بذلك الحجية التي تثبت له ابتداء عند تقديمه.

وقد تكون الورقة صادرة من جهة حكومية أو غير حكومية أو منسوبة للخصم الذي طعن عليها، ثم يتنازل من تمسك بها فتصبح كأن لم تكن. ويجوز التنازل عن الورقة ولو لم يطعن عليها بأي مطعن بغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : الثالث ، الصفحة : 703)

يلاحظ بالنسبة للنزول عن إجراء من إجراءات الخصومة أنه قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً مستفادة من تصرفات الخصم فلا يشترط فيه أن يحصل بطريق من الطرق التي نص القانون عليها بالنسبة لترك الخصومة برمتها كما أنه جائز من الخصم الذي أجراه سواء أكان مدعياً أم مدعي عليه وتبقي الخصومة فيما عدا الإجراء أو الورقة قائمة و يتحمل بمصاريف الإجراء من أجراه من الخصوم.

ولم يشترط القانون لترك الإجراء موافقة الخصم الأخر إلا إذا تعلقت له مصلحة فيه ، ويحدث الترك أثره بمجرد التصريح به لأنه بمثابة إسقاط لا يتوقف علي قبول الخصم. ( راجع حكم النقض المشار إليه في المادة 142).

والقواعد المنصوص عليها في المواد الثلاث المتقدمة تطبق علي الخصومة أمام محكمة الدرجة الأولي كما تطبق عليها في الإستئناف، وإذ كان المشرع قد أورد نصاً خاصاً بترك الخصومة في الإستئناف فلا يعني هذا عدم تطبيق القواعد العامة التي سبق بيانها ، وإنما يطبق النص الخاص في الحالة التي ورد بشأنها، وفيما عداها تطبق القواعد العامة السابق بيانها على ترك الخصومة في الإستئناف.( المرافعات للدكتور رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 606 والتعليق للدكتور أبو الوفا الطبعة الثانية ص 513 ) .(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار الطبوعات الجامعية،  الجزء : الثالث ،  الصفحة : 534)ا

التنازل عن إجراء أو ورقة من أوراق المرافعات: وفقاً للمادة 144 مرافعات  محل التعليق  إذا نزل الخصم، مع قيام الخصومة، عن إجراء أو ورقة من أوراق المرافعات أعتبر الإجراء أو الورقة كأن لم يكن ولكن الخصومة فيما عدا الإجراء أو الورقة تبقى نائبة ويتحمل بمصاريف الإجراء من أجراه من الخصوم.  

ويلاحظ بالنسبة للنزول عن إجراء من إجراءات الخصومة أنه قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً مستفاداً من تصرف الخصم (مادة 144  محل التعليق )، فلا يشترط فيه أن يحصل بطريق من الطرق التي نص القانون عليها بالنسبة لترك الخصومة برمتها التي نصت عليها المادة 141.

كما أن نزولاً عن إجراء من الإجراءات جائز من الخصم الذي أجراه سواء كان مدعياً أم مدعى عليه. (رمزی سیف  ص 608).

ولم يشترط القانون لترك الإجراء موافقة الخصم الآخر إلا إذا تعلقت له مصلحة فيه. (نقض 11 / 5/  1978، طعن رقم 854 سنة 45 ق).

ويحصل النزول من جانب صاحب الإجراء سواء أكان هو المدعي أو المدعى عليه أو أحد المختصمين في الدعوى، ويحدث النزول أثره بمجرد التصريح به لأنه بمثابة إسقاط لا يتوقف على قبول الخصم.

وجدير بالذكر أن القواعد المنصوص عليها في المواد الثلاث سالفة الذكر (142، 143، 144 مرافعات) تطبق على الخصومة، أمام محكمة الدرجة الأولى كما تطبق عليها في الإستئناف، وإن كان المشرع قد أورد نصاً خاصاً بترك الخصومة في الإستئناف، فلا يعني هذا عدم تطبيق القواعد العامة التي سبق بيانها، وإنما يطبق النص الخاص في الحالة التي ورد بشأنها، وفيما عداها تطبق القواعد العامة السابق بيانها على ترك الخصومة في الإستئناف (رمزي سيف، الطبعة الثامنة ص 606، أحمد أبو الوفا التعليق، الطبعة الثانية ص 513).  

وينبغي ملاحظة أن النزول عن إجراء أو ورقة من أوراق المرافعات وفقاً للمادة 144 محل التعليق لايلزم وكالة خاصة، ويصح من أي طرف في الدعوى كما ذكرنا آنفا.

ويترتب على النزول من تاريخ صدوره إعتبار الإجراء أو الورقة كأن لم يكن، وكذلك العمل الإجرائي الذي يعتمد على العمل الذي حصل النزول عنه (فتحي والى  مبادئ القضاء المدني  بند 107، كمال عبد العزيز  ص 312).(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : الثالث  ،  الصفحة :  532)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع عشر ، الصفحة / 126

خُصُومَةٌ

التَّعْرِيفُ :

الْخُصُومَةُ لُغَةً: الْمُنَازَعَةُ، وَالْجَدَلُ، وَالْغَلَبَةُ بِالْحُجَّةِ .

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي رَفْعِ الدَّعْوَى أَمَامَ الْقَضَاءِ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْعَدَاوَةُ :

الْعَدَاوَةُ، هِيَ مَا يَتَمَكَّنُ فِي الْقَلْبِ مِنْ قَصْدِ الإْضْرَارِ وَالاِنْتِقَامِ، وَأَصْلُهُ مِنْ تَجَاوُزِ الْحَدِّ فِي الشَّيْءِ .

قَالَ الرَّاغِبُ: الْعَدْوُ التَّجَاوُزُ وَمُنَافَاةُ الاِلْتِئَامِ، فَتَارَةً يُعْتَبَرُ بِالْقَلْبِ، فَيُقَالُ لَهُ: الْعَدَاوَةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَتَارَةً بِالْمَشْيِ، فَيُقَالُ لَهُ الْعَدْوُ، وَتَارَةً فِي الإْخْلاَلِ بِالْعَدَالَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ، فَيُقَالُ لَهُ الْعُدْوَانُ وَالْعَدُوُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) .

قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَادَاةِ وَالْمُخَاصَمَةِ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ، مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ، وَالْمُعَادَاةُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَاصِمَ الإْنْسَانُ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَادِيَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَادِيَهُ وَلاَ يُخَاصِمَهُ .

ب - الدَّعْوَى :

عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلَ غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعُهُ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ. فَالْخُصُومَةُ وَالدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ التَّعْرِيفُ مُتَسَاوِيَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ، بِأَنَّهَا إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ.

فَالدَّعْوَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى طَلَبِ الْحَقِّ مِنَ الْمُدَّعِي، أَمَّا الْخُصُومَةُ فَمَا يَقَعُ مِنَ الْخَصْمَيْنِ (الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَمَامَ الْقَاضِي .

أَقْسَامُ الْخُصُومَةِ :

تَنْقَسِمُ الْخُصُومَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الأْوَّلُ: مَا يَكُونُ الْخَصْمُ فِيهِ مُنْفَرِدًا. وَهُوَ الَّذِي لاَ يَحْتَاجُ إِلَى حُضُورِ آخَرَ مَعَهُ، كَمَنْ يَتَرَتَّبُ عَلَى إِقْرَارِهِ حُكْمٌ، فَهُوَ خَصْمٌ فِي حَالَةِ إِنْكَارِهِ.

وَنَظَائِرُ هَذَا فِي مُصْطَلَحِ: (دَعْوَى).

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْخُصُومَةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى حُضُورِ طَرَفٍ آخَرَ، كَمَسَائِلِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْغَصْبِ وَنَظَائِرِهَا . وَانْظُرْ تَفْصِيلَهَا فِي مَظَانِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا فِي الْمَوْسُوعَةِ، وَمُصْطَلَحَيْ: (قَضَاءٌ وَدَعْوَى).

ضَابِطُ الْخُصُومَةِ :

(أ) فِي الْمُدَّعِي: إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ شَيْئًا، وَكَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى إِقْرَارِهِ حُكْمٌ إِذَا أَقَرَّ، يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى.

ب - فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إِذَا كَانَ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَيْ فِي حَالَةِ إِقْرَارِهِ لاَ يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ عَلَى إِقْرَارِهِ، فَبِإِنْكَارِهِ لاَ يَكُونُ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى . وَذَلِكَ كَمَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ أَوْ بِحَقٍّ فَأَقَرَّ بِهِ، فَإِنَّ إِقْرَارَهُ لاَ يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنَ الإْضْرَارِ بِالْحُجُورِ عَلَيْهِ.

وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَعْوَى).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 318

انْتِهَاءُ الدَّعْوَى:

تَنْتَهِي الدَّعْوَى غَالِبًا بِصُدُورِ حُكْمٍ فِي مَوْضُوعِهَا يَحْسِمُ النِّزَاعَ، بِحَيْثُ لاَ تُقْبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِثَارَتُهُ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَنْتَهِي بِعَارِضٍ مِنَ الْعَوَارِضِ يَضَعُ حَدًّا لِلْخُصُومَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى تِلْكَ النِّهَايَةِ.

أَمَّا الْحُكْمُ فَقَدْ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ فَصْلُ الْخُصُومَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ: أَنْ تَتَقَدَّمَهُ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى صَحِيحَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الإْلْزَامِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاضِحًا بِحَيْثُ يُعَيَّنُ فِيهِ مَا يُحْكَمُ بِهِ وَمَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ، وَشُرُوطٌ أُخْرَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا وَتَفْصِيلُ أَنْوَاعِ الْحُكْمِ وَأَثَرِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ).

وَأَمَّا الْعَوَارِضُ الَّتِي تَنْتَهِي الدَّعْوَى قَبْلَ صُدُورِ حُكْمٍ فِيهَا، فَإِنَّهُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُعْنَوْا بِحَصْرِهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِنْتَاجُهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالأْصُولِ الَّتِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا فِي التَّقَاضِي وَنَظَرِ الدَّعَاوِي، وَمِنْ بَعْضِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا:

أ - بِنَاءً عَلَى تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَنْ إِذَا تَرَكَ الْخُصُومَةَ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الدَّعْوَى تَنْتَهِي بِتَنَازُلِ الْمُدَّعِي عَنْهَا بِإِرَادَتِهِ، قَالَ الْبَاجُورِيُّ: (إِنَّ مَشِيئَةَ الْمُدَّعِي لاَ تَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَلَهُ إِمْهَالُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى الأَبَدِ بَلْ لَهُ الاِنْصِرَافُ وَتَرْكُ الْخُصُومَةِ بِالْكُلِّيَّةِ).

ب - وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إِذَا طَرَأَ مَا يَجْعَلُ بَعْضَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُتَخَلِّفًا، كَمَا لَوْ أَضْحَى الْمُدَّعِي لاَ مَصْلَحَةَ لَهُ فِي مُتَابَعَةِ السَّيْرِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ الدَّعْوَى مُفِيدَةً شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَيُمْكِنُ حُدُوثُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْهَا: أَنْ يُتَوَفَّى الصَّغِيرُ الْمُتَنَازَعُ عَلَى حَضَانَتِهِ، فَيُصْبِحُ الاِسْتِمْرَارُ فِي الدَّعْوَى غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُدَّعِي، وَمِنْهَا أَنْ يُتَوَفَّى الزَّوْجُ الَّذِي تَطْلُبُ الزَّوْجَةُ الْحُكْمَ بِتَطْلِيقِهَا مِنْهُ، حَيْثُ تَنْتَفِي الْمَصْلَحَةُ فِي اسْتِمْرَارِ نَظَرِ الدَّعْوَى.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِالْمُلاَحَظَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الأْصْلِيَّ فِي الدَّعْوَى قَدْ يُصْبِحُ فِي مَرْكَزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الأْصْلِيُّ بِدَفْعٍ صَحِيحٍ لِلدَّعْوَى الأَْصْلِيَّةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ السَّابِقَةَ تَقْتَضِي أَنْ لاَ يُسْمَحَ لِلْمُدَّعِي الأْصْلِيِّ أَنْ يَتْرُكَ دَعْوَاهُ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَبْدَى دَفْعًا لِهَذِهِ الدَّعْوَى إِلاَّ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ تَنْتَهِي الدَّعْوَى إِذَا انْتَهَى التَّنَازُعُ فِي الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ صُدُورِ حُكْمٍ فِي مَوْضُوعِ الدَّعْوَى، كَمَا لَوْ تَصَالَحَ الْخُصُومُ عَلَى الْحَقِّ الْمُدَّعَى.