loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بشأن المادة 313 منه المطابقة للمادة 146 من القانون الحالي:  

إن التأمل في أسباب رد القضاة الموجودة في القانون الحالي (الأهلي) ليجد من بينها قيام علاقات للقاضي بالدعوى المطروحة عليه أو بأحد الخصوم فيها ومثل هذه العلاقات مما يقتضی بذاته وبغير حاجة إلى طلب من أحد الخصوم تنحية القاضي عن نظر الدعوى إستبقاء لمظهر الحبدة الذي يجب أن يظهر به الخصوم والجمهور. وضنا بأحكامه أن نعلق بها الاسترابة من جهة شخصه الدواعي يذعن لها عادة أغلب الخلق. ولم يفت المشروع هذا المعنى فذكر في الفضل الذي عقده الرد نوعين من الأسباب أسباب عدم الصلاحية تجعل القاضي ممنوعا من سماع دعوى بعينها ولو لم يرده أحد من خصومها، وهذه هي أن يكون القاضي قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة او أن يكون له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ، أو أن يكون القاضي وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونة وراثته له بعد موته أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها أو إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو من هو وكيل عنه أو وصی أو قيم عليه مصلحة في الدعوى والمعنى الجامع في هذه الأسباب هو كونها مما تضعف له النفس في الأعم الأغلب وكونها معلومة للقاضي وبعد أن يجهلها.

الأحكام

1 ـ إذ كان ما آثاره الطاعن بوجه النعى من نعت هيئة المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه بعدم الصلاحية لسبق إبدائها رأيها فى واقعة مماثلة نشر بجريدة الأهرام الاقتصادي بتاريخ 14/12/2008 فهذا الادعاء بمجـــــرده منفــــــــرداً لا يكفى لتحقق هذا الوصف ولا يعد مانعاً من نظر المحكمة للدعوى المطروحة ولا يتحقق به أياً من حالات عدم الصلاحية المنصوص عليها فى الفقرة الخامسة بالمادة 146 من قانون المرافعات سالفة الإشارة ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عن الرد على هذا الادعاء باعتباره دفاعاً ظاهر الفساد .

(الطعن رقم 7795 لسنة 79 جلسة 2015/10/08)

2 ـ النص فى المادة 146 من قانون المرافعات على أنه " يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم فى الأحوال الآتية .... 5- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى ، أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً او محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها " وما تقضى به الفقرة الأولى من المادة 147 من هذا القانون من بطلان عمل القاضى وقضائه فى الأحوال المتقدمة ، ويدل – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – على أن علة عدم صلاحية القاضى للفصل فى الدعوى التى سبق له نظرها قاضياً هى الخشية من أن يلتزم برأيه الذى يشف عنه عمله المتقدم ، استناداً إلى أن أساس وجوب امتناع القاضى عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فى القاضى من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً ، أخذاً بأن إظهار الرأى قد يدعو إلى التزامه مما يتنافى مع حرية العدول عنه .

(الطعن رقم 10029 لسنة 83 جلسة 2014/03/24)
(الطعن رقم 3499 لسنة 61 جلسة 1992/03/15 س 43 ع 1 ص 458 ق 99)
(الطعن رقم 2353 لسنة 55 جلسة 1990/03/22 س 41 ع 1 ص 819 ق 137)

3 ـ إذ كان الطاعنان قد أقاما طلب الرد رقم ... لسنة 120 ق ضد السيد رئيس الدائرة التى أصدرت الحكم المطعون فيه على سند من أنه سبق وأصدر أمراً بمد ميعاد التحكيم الإضافى وآخر برفض طلب الطاعنين بإنهاء التحكيم ، بما كان يتعين عليه أن يتنحى عن نظر دعوى البطلان ، وحصول مشادة بينه وبين الحاضر عنهما وقضت الدائرة ... بمحكمة استئناف القاهرة بتاريخ 29 أبريل 2003 برفض طلب الرد وتغريم الطاعنين ألفى جنيه تأسيساً على أن الأمرين سالفى الذكر قد صدرا وفقاً للمادة 45 من القانون رقم 27 لسنة 1994 وأن إصدار هذين الأمرين لا يعد من الأعمال الواردة فى الفقرة الخامسة من المادة 146 من قانون المرافعات ، لأن ذلك كان أمراً إجرائياً بعيداً عن موضوع الدعوى ولا تكشف اقتناعاً برأى معين فى دعوى التحكيم مما يكون معه ذهنه خالياً عن موضوعها ، ولما كان الطاعنان قد قبلا ذلك الحكم وارتضياه ولم يطعنا عليه بالنقض فى حينه فصار حائزاً لقوة الأمر المقضى بما لا يجوز معه للطاعنين معاودة مناقشة تلك المسألة فى خصوص صلاحية السيد رئيس الدائرة التى أصدرت الحكم المطعون فيه لنظر دعوى البطلان ، ويضحى نعيهما غير مقبول .

(الطعن رقم 196 لسنة 74 جلسة 2010/02/23 س 61 ص 288 ق 47)

4 ـ مفاد النص فى المادة 146 من قانون المرافعات يدل على أن الخصومة التى تقوم بين القاضى وأحد الخصوم مانعة له من نظر أى دعوى أخرى يكون هذا الخصم طرفاً فيها إذا كان سببها شخصياً بينه أو زوجته وبين القاضى أو زوجته ولو لم يكن هناك دعوى منظورة فى شأن هذه الخصومة ، أما إذا كان سبب الخصومة إدعاء الخصم وقوع خطأ جسيم من القاضى فى تطبيق القانون فى دعوى رُفعت منه أو عليه ، فإن ذلك لا يمنع القاضى من نظر أى دعوى أخرى يكون هذا الخصم طرفاً فيها ولو كان الخصم - استناداً إلى هذا الخطأ المدعى به - قد أقام دعوى مخاصمة قِبل القاضى ، إذ لا تعدو أن تكون هذه الدعوى مجرد طعن على الحكم بطريق أجازه القانون استثناءً .

(الطعن رقم 6269 لسنة 79 جلسة 2010/02/21 س 61 ص 249 ق 40)

5 ـ إذ كان الطلب الماثل طعنا بالتماس إعادة النظر فى الحكم الصادر بتاريخ 21/5/1996 فى الطلب رقم.... لسنة 63 ق "رجال القضاء" وقد استند إلى نص المادة 241 من قانون المرافعات, ولم يستند إلى أي من أسباب عدم الصلاحية الواردة فى المادة 146 من قانون المرافعات, على سبيل الحصر ومن ثم فإن الالتماس يكون غير جائز ويتعين عدم قبوله.

(الطعن رقم 286 لسنة 63 جلسة 2001/02/06 س 52 ع 1 ص 33 ق 5)

6 ـ إذ كان نقض محكمة النقض الحكم النهائي مع الإحالة إلى محكمة الاستئناف, لا يمتنع معه على أي من أعضاء الدائرة التي أصدرته, من نظر الطعن بالنقض فى الحكم الصادر من محكمة الإحالة بعد ذلك, فإن نعي الطاعنة على حكم محكمة النقض فى الطعن رقم لسنة القضائية بتاريخ / / فى حكم محكمة الإحالة فى الاستئناف رقم لسنة بمقولة عدم صلاحية السيد المستشار رئيس الدائرة التي أصدرته لنظر الطعن بسبب سبق اشتراكه ضمن تشكيل محكمة النقض فى إصدار حكمها فى الطعن رقم لسنة القضائية بنقض الحكم الصادر فى الاستئناف المشار إليه آنفا والإحالة, لا يعتبر مما يندرج ضمن أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها تحديدا وحصرا فى المادة 146 من قانون المرافعات, ومن ثم يكون الطعن غير مقبول.

(الطعن رقم 9842 لسنة 64 جلسة 2001/01/21 س 52 ع 1 ص 177 ق 37)

7 ـ النص فى المادة 146 من قانون المرافعات على أن "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم فى الأحوال الآتية..........5- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى الشهادة فيها" يدل على أن المعول عليه فى إبداء الرأي الموجب لعدم صلاحية القاضي إفتاء كان أو مرافعة أو قضاء أو شهادة، هو أن يقوم القاضي بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية- تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، مخافة أن يتشبث برأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم حتى لو خالف مجرى العدالة كي لا يعلق بأحكام القضاء استرابة من جهة شخص القاضي لدواع يذعن لها عادة أغلب الخلق، لما كان ذلك وكان نظر القاضي دعوى التطليق لا يمنعه من نظر دعوى المتعة لاختلاف الموضوع فى كل منهما كما سيرد فى الرد على السبب الثاني فلا يكون هناك سبب لعدم الصلاحية .

(الطعن رقم 438 لسنة 65 جلسة 2000/04/17 س 51 ع 1 ص 591 ق 106)

8 ـ لما كان ما أثاره وكيل المخاصم بشأن صلاحية الدائرة بتشكيلها الحالى لنظر الدعوى ، لا يقوم به سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من قانون المرافعات والتى تجعل القاضى ممنوعاً من نظر الدعوى ولو لم يرده أحد الخصوم ، إذ الجوهرى أن يكون قد كشف عن اقتناعه برأى معين فى الدعوى قبل الحكم فيها بما يتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى . لما كان ذلك وكان المخاصم لم يتخذ الإجراءات التى نصت عليها المادة 153 من قانون المرافعات فى شأن رد القضاة وكان تنحى القاضى عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه بالتطبيق لنص المادة 150 من القانون المذكور مرده إلى ما يعتمل فى ضميره وما يستشعره وجدانه دون رقيب عليه فى ذلك . ومن ثم فلا جناح على المحكمة بتشكيلها الحالى إذا مضت فى نظر الدعوى بعد ، إذ لم يقم فى حقها سبب من أسباب عدم الصلاحية ولو لم يتخذ المخاصم إجراءات الرد فى مواجهة أحد أعضائها أو يستشعر أحدهم حرجاً فى نظرها .

(الطعن رقم 8569 لسنة 66 جلسة 1997/07/08 س 48 ع 2 ص 1089 ق 205)

9 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن أسباب عدم صلاحية القاضى والحالات التى يجوز فيها رده عن نظر الدعوى قد وردت فى المادتين 146،148 من قانون المرافعات على سبيل الحصر ولا يجوز-التوسع فيها أو القياس عليها. وكانت الفقرة الخامسة من المادة 146 من قانون المرافعات تنص على أن يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم إذا كان قد أقنى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق نظرها قاضيا أو خبيرا -أو محكما أو كان قد أدى شهادة فيها فإن ذلك يدل على أن القاضى يكون غير صالح لنظر الدعوى متى كان قد سبق له أن أصدر فيها حكما فاصلا أو حكما فرعيا قطعيا فى جزء منها أو أتخذ فيها إجراءا أو قراراً يشف عن ابداء رأيه أو وجهة نظرة فيها يتعارض مع ما يشترط فى القاضى من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزنا محايدا .

(الطعن رقم 1939 لسنة 59 جلسة 1994/03/09 س 45 ع 1 ص 476 ق 98)

10 ـ النص فى المادة 146 من قانون المرافعات يدل - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن علة عدم صلاحية القاضى للفصل فى الدعوى التى سبق له نظرها قاضياً هى الخشية من أن يلتزم برأيه الذى يشف عنه عمله المتقدم ، إستناداً إلى أن أساس إمتناع القاضى عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فى القاضى من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً ، أخذاً بأن إظهار الرأى قد يدعوا إلى إلتزامه مما يتنافى مع حرية العدول عنه .

(الطعن رقم 2090 لسنة 54 جلسة 1990/12/13 س 41 ع 2 ص 868 ق 312)

11 ـ لئن كان ظاهر سياق المادة 146 من قانون المرافعات يفيد بأن إبداء الرأى يلزم أن يكون فى ذات القضية المطروحة إلا أنه ينبغى أن يفسر ذلك بالمعنى الواسع ، فيؤخذ به متى كانت الخصومة الحالية مرددة بين ذات الخصوم ، و يستدعى الفصل فيها الأدلاء بالرأى فى نفس الحجج و الأسانيد التى أثيرت فى الخصومة الأخرى بحيث تعتبر الخصومة الحالية إستمراراً لها و عوداً إليها .

(الطعن رقم 2090 لسنة 54 جلسة 1990/12/13 س 41 ع 2 ص 868 ق 312)
(الطعن رقم 2353 لسنة 55 جلسة 1990/03/22 س 41 ع 1 ص 819 ق 137)

12 ـ المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أورد فى المادة 146 من قانون المرافعات الأحوال التى يكون القاضى فيها غير صالح لنظر الدعوى و ممنوعاً من سماعها و لو لم يرده أحد من الخصوم - على سبيل الحصر - فلا يجوز القياس عليها و إذ كان ليس من بين الحالات التى نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة سالفة الذكر حالة ندب القاضى للعمل مستشاراً قانونياً لجهة مختصمة فى الدعوى ، فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع ببطلان الحكم الإبتدائى لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون و لا يعيبه ما قد يكون قد إشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية عندما أقام رفضه لذلك الدفع على أن كتاب إدارة التفتيش القضائي الذى يفيد ندب عضو يمين الدائرة التى أصدرت الحكم سالف الإشارة للعمل مستشاراً قانونياً لمحافظة شمال سيناء لا يكفى للدلالة على أنه أفتى أو أبدى رأياً فى الموضوع ، إذ أن لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ دون أن تنقض الحكم ما دام أنه قد إنتهى إلى النتيجة الصحيحة ، و من ثم يكون النعى على الحكم بهذا السبب على غير أساس .

(الطعن رقم 1297 لسنة 56 جلسة 1990/11/29 س 41 ع 2 ص 833 ق 305)

13ـ النص فى المادة 146 من قانون المرافعات على عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى و وجوب إمتناعه عن سماعها إن كان قد سبق له نظرها بمقتضى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ألا يقوم القاضى بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوعها حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً .

(الطعن رقم 482 لسنة 56 جلسة 1990/11/28 س 41 ع 2 ص 808 ق 302)

14 ـ لما كان لا يجدى الطاعن التحدى بإلتفات الحكم عن إقامته على المطعون ضده دعوى المخاصمة مما ينبئ عن وجود خصومة بينهما تجعله غير صالح لنظر الإشكالات آنفة الذكر ، لأنه و إن كانت عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى من الأسباب المتعلقة بالنظام العام التى يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا أنه يشترط لذلك أن تكون الخصومة التى تقوم بين القاضى و أحد الخصوم تفقده صلاحيته لنظر الدعوى طبقاً لما تنص عليه الفقرة الرابعة من المادة 146 من قانون المرافعات سابقة على رفع الدعوى و تستمر إلى حين طرحها على القاضى ، و هو ما لا يتوافر فى دعوى المخاصمة إذ أقامها الطاعن بعد رفعه الإشكالات محل طلب الرد و ليس قبل ذلك . كما لا يجوز إعتبار دعوى المخاصمة سبباً للرد طالما لم يبين الطاعن هذا السبب بالطريق الذى رسمه القانون أمام محكمة الموضوع .

(الطعن رقم 2335 لسنة 50 جلسة 1990/01/18 س 41 ع 1 ص 196 ق 40)

15 ـ نص فى المادة 146 من قانون المرافعات على أن " يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها و لو لم يرده أحد من الخصوم فى الأحوال الآتية . . . . إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتبها و لو كان ذلك قبل إشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظره قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى الشهادة فيها " يدل - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المعول عليه فى إبداء الرأى الموجب لعدم صلاحية القاضى إفتاء كان أو مرافعة أو قضاء أو شهادة هو أن يقوم القاضى بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية - تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً ، مخافة أِن يتشبث برأيه الذى يكشف عنه عمله المتقدم حتى و لو خالف مجرى العدالة وضئاً بأحكام القضاء من أن يعلق بها أستراية من جهة شخص القاضى لدواع يزعن لها عادة أغلب البشر.

(الطعن رقم 1916 لسنة 54 جلسة 1989/05/14 س 40 ع 2 ص 280 ق 206)

16 ـ ما تنص عليه المادة 146 من قانون المرافعات من عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى و وجوب امتناعه عن سماعها إن كان قد سبق له نظرها يقتضى ألا يقوم القاضى بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً ، و لما كان الثابت من الاطلاع على حكم الاستجواب الذى أصدره المستشار عضو اليسار فى الدائرة الإستئنافية بتاريخ 1978/5/31 أبان عمله بمحكمة الإسكندرية الإبتدائية أن الحكم خلا مما يشف عن رأى المحكمة فى موضوع النزاع ، فإنه لا يفقد القاضى الذى أصدره صلاحية نظر الإستئناف المرفوع عن الحكم القطعى الصادر من المحكمة الإبتدائية بهيئة أخرى فى تلك الدعوى.

(الطعن رقم 2267 لسنة 53 جلسة 1985/03/04 س 36 ع 1 ص 350 ق 77)

17 ـ أورد المشرع الأحوال التى يكون القاضى فيها غير صالح لنظر الدعوى و ممنوعاً من سماعها و لو لم يرده أحد من الخصوم - على سبيل الحصر - م 146 مرافعات - و ليس من بينها إنتماءه إلى بلدة ينتمى إليها المتخاصمون

(الطعن رقم 4 لسنة 51 جلسة 1982/03/16 س 33 ع 1 ص 306 ق 56)

18 ـ نظر القاضى دعوى النفقة ، لا يمنعه من نظر دعوى التطليق للفرقة ، لإختلاف كل من الدعويين عن الأخرى ، و بالتالى لا يكون هناك سبب لعدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 .

(الطعن رقم 4 لسنة 40 جلسة 1972/05/24 س 23 ع 2 ص 1003 ق 156)

19 - المقرر– في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد نص المادتين 146/ 5 ، 147 مرافعات يدل على أن القاضي لا يكون صالحاً لنظر الدعوى إذا كان قد سبق له نظرها قاضياً وإلا كان حكمه فيها باطلاً ، وكانت أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى متعلقة بالنظام العام ويجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت العناصر اللازمة للإلمام بها مطروحة على محكمة الموضوع ، وكان نص المادة 269 / 3 مرافعات أنه ".. ويجب ألا يكون من بين أعضاء المحكمة التي أحيلت إليها القضية أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه ." ؛ لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن السيد المستشار صلاح رمضان رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه هو نفسه رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم المنقوض والذى كان تحت نظر الدائرة التي نظرت الحكم المطعون فيه ، ومن ثم يضحي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه باطلاً ، بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة .

( الطعن رقم 190 لسنة 93 ق - جلسة 4 / 6 / 2023 )

20- النص فى المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن "يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعًا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم فى الأحوال الآتية :... (5) إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى، أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضيًا أو خبيرًا أو مُحَكَمًا، أو كان قد أدى شهادة فيها"، وكان مُفاد عبارة "قد سبق له نظرها قاضيًا" المشار إليها هو أن يكون القاضى قد سبق له نظر خصومة النزاع حول أصل الحق فى درجة سابقة من درجات التقاضى وصدر منه فيها ما يجعل له رأيًا فى موضوع الدعوى .

( الطعن رقم 7348 لسنة 89 ق - جلسة 24 / 12 / 2019 ) 

شرح خبراء القاون

حماية القاضي من التأثر بعواطفه أو مصالحه الخاصة

القاضي كبشر له عواطفه ومصالحه الخاصة ، وهو لا يمكن أن يكون مستقلاً في عمله و محايداً بين الخصوم إذا وضع في موقف لابد وأن يتأثر فيه بهذه العواطف والمصالح . لهذا ينظم القانون المصرى بعض القواعد التي من شأنها حماية القاضي من التأثر بهذه الإعتبارات . وذلك في إتجاهين : الأول : إبعاد القاضي عن الاشتغال بأي عمل آخر غير القضاء ، حتى لا تنشأ له مصالح مادية أو أدبية ، أو يدخل في روابط مختلفة قد تؤثر عليه في عمله. الثاني : إبعاد القاضي عن الفصل في أية قضية من الواضح أنه لن يكن فيها محايداً.

(أ) عدم الجمع بين القضاء ومزاولة التجارة أو أي وظيفة أو القيام بأي عمل لا يتفق مع استقلال القضاء أو الترشح للمجالس التشريعية:

إذا عين شخص قاضياً فإنه صيانة لإستقلاله وبعداً به عن الشبهات :

1- لا يجوز أن يجمع بين تولى القضاء وبين مزاولة التجارة أو بينه وبين أية وظيفة ، وذلك سواء كان تولى هذه الوظيفة بالتعيين أو بالتعاقد أو بالإنتخاب.

2- لا يجوز له القيام بأي عمل بأجر أو بغير أجر لا يتفق مع إستقلال القضاء أو كرامته ، أو يتعارض مع واجبات القاضي أو حسن أدائه لوظيفته (مادة 72 من قانون السلطة القضائية) .

3- لا يجوز للقاضي أن يقوم بالتحكيم ولو بغير أجر . وذلك إلا في حالتين : أ- إذا كان أحد أطراف النزاع من أقارب القاضي أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية . ب- إذا كان محكماً عن الحكومة أو إحدى الهيئات العامة . ويشترط في الحالتين موافقة مجلس القضاء الأعلى (63 سلطة قضائية).

4- لا يجوز له أن يحضر عن أحد الخصوم أو يترافع عنه أو يقدم فتوى لصالحه ، ولو كان ذلك أمام محكمة غير المحكمة التابع لها. ولا تستثنى من هذا الحظر إلا أن يكون الخصم هو أحد من يمثلهم القاضى قانون كالقاصر المشمول بولاية أو وصاية القاضي ، أو أن يكون زوجته أو أحد أصوله أو فروعه إلى الدرجة الثانية (مادة 81 مرافعات) .

5- إذا كان محامياً قبل توليه القضاء ، فلا يجوز أن يكون مقر عمله في دائرة المحكمة الإبتدائية التي كان بها مركز عمله كمحام إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات من تعيينه . (59 / فقرة أخيرة - سلطة قضائية) .

6- لا يجوز له أن يرشح نفسه للإنتخابات العامة إلا بعد تقديم إستقالته .(73/ 2 سلطة قضائية) .

7- يمتنع عليه أن يشتري بإسمه أو بإسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في إختصاص المحكمة التي يباشر عمله في دائرتها (471 مدنی).

(ب) عدم صلاحية القاضي :

تنص المادة 146 مرافعات على أسباب إذا توافر إحداها بالنسبة لدعوي معينة ، كان القاضي غير صالح لنظرها . ويكون الحكم الصادر فيه منه - ولو باتفاق الخصوم - حكماً باطلاً ( 1 / 147 مرافعات) . وهو بطلان يتعلق بالنظام العام تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها.

ولجسامة هذا العيب . فإنه يمكن رفع دعوى أصلية ببطلان هذا الحكم . وإذا كان الحكم صادرة من محكمة النقض ، جاز للخصم أن يطلب من  المحكمة نفسها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى ( 2 / 147) .

ولا يخضع هذا الطلب للميعاد المقرر للطعن بالنقض.

ويكون الحكم باطلاً ولو لم يتمسك أحد الخصوم بمنع القاضي من نظر الدعوى قبل إصداره الحكم فيها ، وذلك على أساس أن سبب عدم الصلاحية من الوضوح بحيث لا يمكن أن يخفى على القاضي و أن هذا السبب - من ناحية أخرى - مما يغلب معه التأثير في حياد القاضى وفي هذا تقول محكمة النقض المصرية أنه إذا توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية ، يجب تنحية القاضي عن نظر الدعوى «إستيفاء لمظهر الحيدة الذي يجب أن يظهر به أمام الخصوم والجمهور وضنا بأحكامه من أن تعلق به الاسترابة من جهة شخصية لدفاع يذعن لها عادة أغلب الخلق».

وأسباب عدم الصلاحية واردة في القانون على سبيل الحصر ولا يجوز التوسع في تفسيرها وهذه هي :

1- وجود قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة مع دخول الغاية بين القضاة في الدائرة التي تنظر الدعوى ( 1 / 75 السلطة القضائية) وهذا السبب في الواقع لا يرمي إلى ضمان حياد القاضي بين الخصوم ، وإنما إلى ضمان إستقلال القاضي في رأيه وعدم تأثره بآراء قريبه أو صهره . فهو يرمي إلى ضمان حسن إعمال مبدأ تعدد القضاة . ويكفي لتوافر علم الصلاحية أن تقوم هذه القرابة أو المصاهرة بين عضوين من أعضاء الدائرة ، ولو كانا معاً أقلية.

2- وجود قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة مع دخول الغاية بين القاضي ، أو أحد القضاة في الدائرة التي تنظر الدعوى ، وبين ممثل النيابة العامة أو الممثل القانوني لأحد الخصوم أو الوكيل في الخصومة عنه ( 2 /  75 قانون السلطة القضائية) . وذلك لما تؤدي إليه هذه الصلة من التأثير في حياد القاضي . على أنه خوفا من أن يعمد أحد الخصوم ممن لا يريد عرض القضية على قاض معين إلى توكيل محام تقوم بينه وبين القاضي هذه القرابة أو المصاهرة ، فقد نصت نفس المادة على أن عدم الصلاحية لا تكون «إذا كانت الوكالة لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعوى» . ويكفي لإعمال هذا النص أن يكون القاضي قد بدأ نظرها . ويحسن في هذه الحالة أن يقوم القاضي بإستعمال حقه في التنحي عن نظر الدعوى لإستشعار الحرج.

3- وجود قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة بين القاضي وأحد الخصوم في القضية ( 1 / 146 مرافعات) . ويقوم هذا السبب ولو بعد انحلال الزواج الذي نتجت عنه المصاهرة ، كما يقوم ولو كانت القرابة أو المصاهرة مع الخصمين معاً.

4- قیام خصومة أمام القضاء بين القاضي أو زوجته وبين أحد الخصوم أو زوجته ( 3 / 146 مرافعات) ، ويجب أن تكون هذه الخصومة قد بدأت قبل رفع الدعوى التي يكون القاضي غير صالح لنظرها ، وأن تكون قد ظلت قائمة حتى هذا الوقت.

5- إذا كان القاضي وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونة وراثته له ( 3 / 146) . ويجب أن تكون الوكالة أو الوصاية أو القوامة قائمة عند نظر الدعوى . فإذا كانت قد إنقضت قبل رفع الدعوى ، فإنها لا تمنع القاضي من نظرها (3). والمقصود بمظنة الإرث قيام قرابة بين القاضي وأحد الخصوم - أبعد من الدرجة الرابعة - من شأنها أن تجعل القاضي وارثاً للخصم بفرض وفاة الخصم. وما يؤدي إلى عدم صلاحية القاضي هو مظنة الإرث من القاضي للخصوم ، ولهذا إذا كان الارث قد تحقق بالفعل قبل رفع الدعوى فلا يكون القاضي ممنوعاً من نظرها وفقاً لهذه الحالة . ومن ناحية أخرى ، فان مظنة إرث أحد الخصوم القاضي ليس سبباً لعدم صلاحية القاضي.

6- إذا كانت القاضي قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها ، وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى ( 3 / 146 مرافعات). والمقصود بالمصلحة الشخصية هنا أن يوجد العضو أو المدير في مركز قانوني يتأثر بالحكم في الدعوى.

7- إذا كان القاضي أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلاً عنه أو قيماً عليه مصلحة في الدعوى القائمة ( 4 / 146 مرافعات). والمقصود بالمصلحة هنا نفس المعنى المبين في الحالة السابقة . فليس المقصود أن يكون أحد ممن ذكر طرفاً في الدعوى المرفوعة أمام القضاء ، كما أنه لا يكفي أن يكون أحدهم طرفاً في خصومة أخرى تثير نفس المبادىء القانونية.

8- إذا كان القاضي قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب فيها عملاً من أعمالها أو مذكرة ولو كان ذلك قبل إشتغاله بالقضاء ، أو كان خبيراً أو محكماً ، أو أدى الشهادة فيها ( 5 / 146 مرافعات) . ولهذا ليس لقاض نظر قضية أمام محكمة أول درجة أن ينظرها أمام المحكمة الاستئنافية.

ويلاحظ بالنسبة لهذه الحالة المتعددة الصور ما يلي :

(1) أن الإفتاء أو الترافع أو الكتابة أو النظر أو أداء الشهادة يجب أن يكون في نفس الدعوى فإن كان في دعوى أخرى ، فلا يصلح سبباً لعدم الصلاحية ولو كانت هذه الدعوى دعوى مشابهة ، أو دعوی مرتبطة . فنظر الدعوى المستعجلة لا يمنع القاضي بعد ذلك من نظر الدعوى الموضوعية التي تتعلق بها الدعوى المستعجلة لإختلاف الدعويين ونظر القاضي دعوى النفقة لا يمنعه من نظر دعوى التطليق للفرقة الإختلاف كل من الدعويين عن الأخرى . ومن باب أولى سبق إبداء الرأي في مؤلف قانونی أو في إحدى المجلات العلمية.

أن الجامع بين هذه الأمور هو إبداء رأي معين أو إتجاه معين بالنسبة للدعوى مما يتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً . فإذا لم يتحقق هذا ، لم تتحقق عدم الصلاحية وتطبيقاً لهذه الفكرة إذا أصدر القاضي حكما بندب خبير في الدعوى ، فإن هذا الحكم إذ خلا مما يكشف عن رأيه في موضوع النزاع لا يفقده صلاحية نظر الإستئناف المرفوع عن الحكم القطعي الصادر من المحكمة الإبتدائية بهيئة أخرى في تلك الدعوى .

أن المقصود بسبق نظر الدعوى كقاض هو سبق نظرها في مرحلة أو درجة أخرى. (نقض مدنى 17 يناير 1978 - الطعن رقم 930 لسنة 44 ق) .

وقد توسعت محكمة النقض في تفسير هذه العبارة ، إذ جعلتها تشمل أية خصومة سبق ترديدها بين الخصوم أنفسهم وأثيرت فيها ذات الحجج والأسانيد التي أثيرت في الخصومة بحيث تعتبر إستمراراً لها وعودا إليها. (نقض مدني 3 / 22 سنة 1990 في الطعن 2353 لسنة 55 ق . و 27 / 6 / 1996 في الطعن رقم 1249 لسنة 61 ق).

أما سبق نظر القضية في نفس الدرجة فإنه لا يحول دون صلاحية القاضى ولو كان قد أبدى رأياً فيها . ولهذا إذا أصدر القاضى قراراً يتعلق بتحقيق القضية أو حكماً قبل الفصل في الموضوع ولو نم عن إتجاهه بشأن موضوع القضية ، فإن هذا لا يحول دونه والإستمرار في نظر القضية.

(4) القاضي قد يسبق له نظر الدعوى ، ومع ذلك يكون صالحاً النظرها . وذلك إذا نص القانون على أن طريق طعن معين يمكن أن يقدم إلى نفس القاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه . كما هو الحال بالنسبة للمعارضة في الحكم الغيابي ، أو إلتماس إعادة النظر.(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة :415)

عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى:

صلاحية القاضي لنظر الدعوى ، من الأسس الجوهرية التي يقوم عليها التنظيم القضائي تحقيقاً للحيدة الواجب توافرها في القضاة والابتعاد بهم عن مظنة الميل والهوى وحتي يتوافر الإطمئنان لدى الخصوم، ولذلك فإن عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى يتعلق بالنظام العام.

فيمتنع على القاضي سماع الدعوى، ومتى توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية ، وجب على القاضي التنحي وإلا كان حكمه باطلاً بطلاناً مطلقاً ولو التزم فيه صحيح الواقع والقانون بريئاً من الميل والهوى لصدوره على غير مقتضى التنظيم القضائي.

وإذا توافر أحد أسباب عدم الصلاحية، وطعن في الحكم لأسباب أخرى وتبين لمحكمة الطعن عدم صلاحية القاضي الذي أصدره أو أحد قضاة الدائرة، وجب عليها ولو من تلقاء نفسها القضاء ببطلان الحكم، كما يجوز للمستأنف التمسك بذلك في أية حالة يكون عليها الإستئناف ولا يتطلب ذلك تقريراً بالرد حتى لو كان عدم الملاحة يصلح سبباً للرد.

ويجب لبطلان الحكم، قیام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد القضاة الذين أصدروا الحكم، فلا يكفي قيامه بالنسبة لأحد القضاة الذين سمعوا المرافعة بالجلسة التي تم فيها حجز الدعوى للحكم إذا كان قد سمعها عدد يجاوز العدد المقرر ، ذلك أن العبرة بإصدار الحكم وليس بسماع المرافعة في الدعوى.

أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى:

وردت أسباب عدم الصلاحية في القانون على سبيل الحصر

(1) القرابة لأحد الخصوم نسباً أو مصاهرة :-

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم، إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة، والقرابة التي عناها المشرع في هذا الصدد، هي قرابة النسب و المصاهرة حتى الدرجة الرابعة، فيمتنع على القاضي نظر الدعوى إذا كان أحد الخصوم قريباً له من الدرجة الأولى نسباً كأب أو أم أو ابن، أو مصاهرة كأب زوجه أو أمها، وقد يكون قريباً من الدرجة الثانية ، نسباً كأخ أو أخت أو مصاهرة كأخ زوجه أو أختها، وقد يكون قريباً من الدرجة الثالثة نسباً كعم أو خال أو عمة أو خالة ، أو مصاهرة كعم زوجه أو دخالها أو عمتها أو خالتها، وقد يكون قريباً من الدرجة الرابعة نسباً كأولاد العم أو الخال أو العمة أو الخالة ، أو مصاهرة كأولاد عم زوجه أو أولاد عم خالها أو أولاد عمتها أو أولاد خالتها.

فإن تجاوزت القرابة هذه الدرجات، فلا تصلح سبباً لعدم الصلاحية ، ومن ثم يجب حتى يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى أن توجد بينه وبين أحد الخصوم أو كلاهما قرابة حتى الدرجة الرابعة.

ولما كان المقرر أن أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر، ولما كانت هذه القرابة تقوم على الرابطة الزوجية وتزول بزوالها، وكانت هذه الرابطة تزول بالطلاق فيصبح كل زوج أجنبياً وغريباً عن الزوج الآخر، وبالتالي يصبح أقارب أحدهما غرباء بالنسبة إلى الزوج الآخر، مما تنتفي به قرابة المصاهرة ولا يكون القاضي ممنوعاً في هذه الحالة من سماع الدعوى. وإذ كانت قرابة المصاهرة لا تزول بوفاة أحد الزوجين لما هو مقرر من أن عرى الزوجية تنفصم بالطلاق وحده دون الوفاة ، فإن قرابة المصاهرة تظل قائمة رغم وفاة أحد الزوجين، وتظل سبباً من أسباب عدم الصلاحية (راجع : بند «عدم انقضاء قرابة المصاهرة بوفاة أحد الزوجين» بالمطول في شرح القانون المدني، للمؤلف، الجزء الأول، ص 607) ؛ ويرى فتحي والي صفحة 213 قیام سبب عدم الصلاحية ولو بعد إنحلال الزواج الذي نتجت عنه المصاهرة .

(2) وجود خصومة بين القاضي وأحد الخصوم :

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو وجدت هذه الخصومة بين القاضي أو زوجته وبين زوجة أحد الخصوم، القيام مظنة إيثار النفس أو الزوج وهو ما يتنافى مع الجيدة الواجب توافرها في القاضي مما يوجب عليه التنحي عن نظر الدعوى وإلا كان الحكم الذي يصدره مشوباً بالبطلان المطلق حتى لو ألتزم فيه الواقع والقانون لتعلق عدم الصلاحية بالنظام العام، بحيث إذا طعن المحكوم عليه في الحكم لسبب غير متعلق بالصلاحية وتبين لمحكمة الطعن توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية ، وجب عليها التصدي للبطلان ولو من تلقاء نفسها، كما يجوز للمحكوم عليه إثارة عدم الصلاحية في أية حالة يكون عليها الطعن.

ولما كان المشرع عندما يستعمل لفظاً معيناً إنما يقصد به معنی واحداً أينما وجد، وكان لفظ «الخصومة» قد إستعمله المشرع في قانون المرافعات بمعنی مجموعة الإجراءات القضائية التي تبدأ بإيداع صحيفة الدعوى قلم الكتاب فإنه يتعين الإلتزام بهذا المعنى عند تفسير لفظ «الخصومة» الذي أورده المشرع بالمادة (146) من قانون المرافعات. ولم يشترط في الخصومة كسبب من أسباب عدم الصلاحية أن تكون منعقدة إكتفاء بأن تكون قائمة ويتحقق ذلك بمجرد إيداع صحيفة الدعوى قلم الكتاب يدل على ذلك ما تضمنه البند الأول من المادة (148) من إيضاح لما قصده المشرع من لفظ «الخصومة» بالنص على رد القاضي إذا جدت له أو لزوجته خصومة بعد قيام الدعوى المطروحة عليه ما لم تكن هذه الدعوى قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوى عليه، وبذلك يكون القاضي صالحاً لنظر الدعوى ولو وجد بينه وبين أحد الخصوم نزاع لم ترفع به دعوى بعد، وإن كان ذلك يؤدي إلى إستشعار الحرج إلا أنه ليس سبباً من أسباب عدم الصلاحية.

ويجب أن تكون الخصومة قائمة وقت رفع الدعوى المطروحة على القاضي وهو ما يتطلب أن تكون صحيفتها قد أودعت قلم الكتاب عند طرح الدعوى ولو لم تكن قد إنعقدت بعد، وتعتبر الدعوى مطروحة على القاضي فور رفعها بإيداع صحيفتها قلم الكتاب، مما يعني أن الخصومة التي يتوافر بها عدم صلاحية القاضي يجب أن تكون أسبق في قيدها عن قيد الدعوى المطروحة دون إعتداد بتاريخ الجلسة التي تنظر فيها هذه الدعوى.

فإن قامت الخصومة بعد رفع الدعوى المطروحة، كان ذلك سبباً للرد، ما لم تتعلق الخصومة بدعوى تعویض يقيمها القاضي الذي طلب الخصم رده ، ففي هذه الحالة يقوم بالقاضي سبب من أسباب عدم الصلاحية وليس . سبب من أسباب الرد عملاً بالمادة (165).

(3) وجود وكالة أو وصاية أو قوامة :

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان وكيلاً عن أحدهم وكالة إتفاقية تنصرف إلى أعماله الخصوصية سواء كانت وكالة عامة أو خاصة، رسمية أو عرفية ، ثابتة في محرر أو شفوية ، ظاهرة أو مستترة، ويكون للخصم الذي يدعي بوجود هذه الوكالة، إثباتها بكافة الطرق المقررة قانوناً بإعتباره من الغير بالنسبة لها.

ويجب أن تكون هذه الوكالة قائمة وقت رفع الدعوى فإن كانت قد إنقضت قبل ذلك فلا تنال من صلاحية القاضي. وإذا قامت بعد رفع الدعوى كانت سبباً لعدم صلاحيته حتى لو تعلقت بمسائل ليست من طبيعة المسألة محل الدعوى كما لو إنصرفت لإبرام زواج أو طلاق بينما تعلق موضوع الدعوى بمسألة عقارية.

ويكون القاضي أيضاً غير صالح لنظر الدعوى، إذا كان وكيلاً عن أحد الخصوم وكالة قضائية بأن كان وصياً أو قيماً عليه أو كانت له قرابة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه نسباً أو مصاهرة، ويجب أن يصدر قرار الوصاية أو القوامة قبل رفع الدعوى أو أثناء نظرها، ولا يكفي مجرد ترشيح القاضي لذلك.

(4) أن يكون القاضي وارثاً ظنياً لأحد الخصوم:

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان مظنونة وراثته لأحد الخصوم، بوجود قرابة بينهما تسمح بأن يرث القاضي هذا الخصم شرعاً عند وفاته ولكن يحول دون هذا الإرث وجود من يحجبه وقت رفع الدعوى، بحيث إذا زال سبب الحجب تم الميراث ، والسبب في عدم الصلاحية هو خشية القضاء لصالح هذا الخصم لإثراء ذمته المالية وبالتالي زيادة تركته، ومن ثم يجب على القاضي التنحي عن نظر الدعوى ، وإلا كان حكمه باطلاً ولو التزم فيه صحيح الواقع والقانون.

ويختلف الوارث الظني عن الوارث الظاهر في أن الأخير يظهر على التركة بعد إفتتاحها بمظهر الوارث أي المالك لها في حين أنه ليس وارثاً في الحقيقة، ويعتبر الوارث الظاهر خصماً أصيلاً في الدعوى التي ترفع في شأن التركة.

(5) وجود قرابة بأحد مديري الشركة :

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير : مصلحة شخصية في الدعوى.

وتتحقق المصلحة الشخصية إذا أدى الحكم إلى إغتناء ذمة الشركة سواء بصدور الحكم بإلزام الخصم بطلبات الشركة أو برفض طلباته الموجهة إليها، لما يترتب على إغتناء ذمة الشركة من إغتناء الشركاء فيها، فإن كان عضو مجلس الإدارة أو المدير من هؤلاء، كانت له مصلحة شخصية في الدعوى، أما إن لم يكن شريكاً، وهذا جائز قانوناً، فلا يكون له مصلحة شخصية في الدعوى ، ولا يترتب على قرابته للقاضي أن يكون الأخير غير صالح لنظرها كما تنتفي المصلحة إذا كانت الشركة مجرد خصم مواجهة لم توجه إليها طلبات معينة.

وجود مصلحة في الدعوى القاضي أو لزوجه أو لأقربائه :

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان له أو لزوجه أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب مصلحة في الدعوى القائمة. ولم يحدد المشرع درجة معينة للقرابة وإنما أطلقها على عمود النسب بالنسبة لقرابة النسب أو المصاهرة وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة (148)، ولا يشترط في هذه الحالة أن يكون القريب خصما في الدعوى وإنما يكفي أن تعود عليه مصلحة بصدور الحكم فيها، مثال ذلك، أن يكون القاضي أو زوجته أو أحد أقربائه أو أصهاره عضواً في جمعية، وقام نزاع بينها وبين الغير على ملكية عقار معين، مما يترتب عليه تحقق مصلحة لأي من هؤلاء إذا قضى بأحقية الجمعية لعقار النزاع، . بإعتبار أن إكتساب الجمعية لهذه الملكية إغتناء لأعضائها بطريق غير مباشر وهو ما يتحقق به المصلحة في الدعوى.

(7) وجود مصلحة في الدعوى لمن ينوب عنه القاضي:

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان لمن يكون هو وكيلاً عنه أو وصياً أو قيماً عليه مصلحة في الدعاوى القائمة، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالبند السابق.

ويكفي لتوافر هذا السبب وجود الوكالة أو الوصاية أو القوامة عند طرح الدعوى على القاضي ولو إنقضت قبل صدور الحكم في الدعوى. أما إن كانت قد إنقضت قبل رفع الدعوى فلا يكون القاضي ممنوعاً من سماع الدعوى لإنتفاء سبب عدم الصلاحية.

(8) إفتاء القاضي في الدعوى أو سبق ترافعه فيها:

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فيها أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل إشتغاله بالقضاء، إذ المقرر أنه يتعين على القاضي ألا يكون قد أبدى رأيه في النزاع قبل طرحه عليه وإلا كان غير صالح لنظره.

وتتحقق الفتوى عند إستشارة القاضي في نزاع فيفتي فيه ثم يطرح عليه بعد ذلك للفصل فيه ذاته ولو لم يعرف الخصوم کالرد على أسئلة القراء ومشاهدي التليفزيون، أما إن تعلقت الفتوى بنزاع آخر مماثل، فلا يكون . ممنوعاً من نظر الدعوى ، وقد تكون الفتوى شفاهة أو كتابة ، ويتحمل الخصم الذي يدعيها عبء إثباتها.

فإن كان القاضي قد ترافع في الدعوى عن أحد الخصوم أثناء إشتغاله بالمحاماة أو بهيئة قضايا الدولة، أمتنع عليه نظرها عند إشتغاله بالقضاء، فقد كان له رأي فيها ساق الأسانيد لتأييده في مرافعته الشفوية أو المكتوبة، كما يظل الحظر قائماً حتى لو لم تتم المرافعة.

ويمتنع على القاضي نظر الدعوى إذا كان قد كتب فيها ولو كان ذلك قبل إشتغاله بالقضاء، فقد يحرر القاضي مذكرة أو صحيفة الدعوى أو صحيفة طعن في الحكم الصادر فيها، وتقضي محكمة الطعن بإلغاء الحكم وإعادة القضية للفصل فيها، وحينئذ يمتنع على القاضي نظرها.

ولا يعتبر الرأي الذي تضمنه مؤلف للقاضي سبباً لعدم صلاحيته لنظر دعوى ينطبق عليها هذا الرأي.

(9) سبق نظر الدعوى:

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً ، فإذا أصدر القاضي حكماً في الدعوى ، ولما طعن فيه، أصبح نفس القاضي عضواً بمحكمة الطعن، فإنه يكون نوعاً من نظر الطعن لسبب إبداء الرأي في النزاع.

أما إذا لم يبد رأياً فيه وإقتصر عمله على سماع المرافعة وإثبات الدفوع وأوجه دفاع الخصوم أو إصدار حكم في إجراء من إجراءات الإثبات لم يكشف عن إتجاه رأيه في موضوع الدعوى، فإن ذلك لا يصلح سبباً لعدم صلاحيته.

أما إن أفصح القاضي عن رأيه في شق من النزاع، كان ذلك قضاءً قطعياً تضمنته أسباب الحکم مرتبطة بمنطوقه، بحيث إن ظل القاضي في نفس الدرجة التي صدر الحكم فيها، أمتنع عليه التسلط عليه ، وإن عين في درجة أعلى أمتنع عليه نظر الطعن المرفوع عنه لسبق تصديه لشق قطعي في النزاع، إذ لا يشترط لعدم الصلاحية صدور الحكم الذي تنتهي به الخصومة كلها بمعرفة القاضي وإنما يكتفي أن يتصدى لشق من الدعوى إذ يكون بذلك قد تناول الموضوع بالتمحيص للفصل في شق منه ، ويكون بذلك قد قام بعمل جعل له رأياً في الدعوى.

وقد نص القانون على إختصاص القاضي الذي أصدر الحكم الغيابي بنظر المعارضة التي ترفع عن هذا الحكم ويظل القاضي صالحاً لنظر الموضوع ولو فصل في الشق المستعجل. فإن كان للدعوى وجهان ، كدعوى فسخ العقد ودعوى صحته ونفاذه، فإن الحكم الذي يصدره القاضي في إحداهما يجعله غير صالح لنظر الأخرى.

وإذا نظر القاضي الدعوي كخبير أو محکم، إمتنع عليه نظرها قاضياً ، ويتطلب ذلك أن يكون قد أطلع على أوراق الدعوي فلا يكفي مجرد الندب أو الإختيار .

(10) أداء القاضي شهادة في الدعوى :

يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان قد أدى شهادة فيها، سواء أمام سلطات التحقيق أو بمحضر جمع الإستدلالات أو أمام قاضي آخر كان مختصاً بنظرها وحل محله القاضي الذي أدى الشهادة، ويكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى بمجرد أداء الشهادة ولو لم يحلف يميناً، أو كان قد قدم مذكرة بمعلوماته عن واقعة الدعوى .

ولا يكفي لعدم الصلاحية تردید إسمه بالتحقيقات أو إعلانه لأداء الشهادة أو أن يكون قد قرر بعدم وجود معلومات لديه عن الواقعة حتى لو كان الإعلان قد تضمن وقائع النزاع إن لا يعتبر ذلك من قبيل العلم السابق الذي يحول دونه ونظر الدعوى لأن مناط ذلك هو العلم الذي يحيط به القاضي من الخصوم أنفسهم وتتجه إرادته إلى معرفته ، وليس العلم الذي يفرض عليه حتى لا يكون ذلك وسيلة لإبعاد قاضي الدعوى عن نظرها، ويتحقق بقيام القاضي بعمل يجعل له رأياً من شأنه حسم النزاع في الدعوى أو بتوافر معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع هذا النزاع.

(11) رفع القاضي دعوى تعويض على طلب الرد :

تنص المادة (165) من قانون المرافعات على أنه إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى وتعين عليه أن يتنحى عن نظرها.

(12) الحكم بجواز قبول مخاصمة القاضي:

تنص المادة (498) من قانون المرافعات على أن يكون القاضي غير صالح نظر الدعوى من تاريخ الحكم بجواز قبول المخاصمة. مفاد ذلك أن رفع دعوي المخاصمة لا يحول دون القاضي ونظر الدعوى المطروحة عليه.

(13) وجود صلة قرابة بين قضاة الدائرة:

تنص المادة (75) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أنه لا يجوز أن يجلس في دائرة واحدة قضاة بينهم صلة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية كما لا يجوز أن يكون ممثل النيابة أو ممثل أحد الخصوم أو المدافع عنه ممن تربطهم الصلة المذكورة بأحد القضاة الذين ينظرون الدعوى، ولا يعتد بتوكيل المحامي الذي تربطه بالقاضي الصلة المذكورة إذا كانت الوكالة لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعوى.

ومفاد ذلك، وجوب إحاطة رئيس المحكمة بصلة القرابة أو المصاهرة التي توجد بين قضاتها لمراعاتها عند توزيع العمل، والمحظور هو توافر هذه الصلة بين القضاة الذين يصدرون الحكم ويتداولون فيه، بحيث إذا إنتفت في قضاة الحكم، كان الحكم صحيحاً ولا ينال منه توافر هذه الصلة بين القضاة الذين نطقوا بالحكم أو حضروا إحدى جلسات المرافعة السابقة على جلسة حجز الدعوى للحكم.

ويجب أن يكون ممثل النيابة الذي أبدى الرأي وترافع في الدعوى كتابة أو شفاهة لا تربطه تلك الصلة بأحد القضاة الذين أصدروا الحكم على نحو ما تقدم، كما يجب إنتفاء تلك الصلة بين ممثل أحد الخصوم کالوصي أو القيم وبين أحد قضاة الحكم، كذلك الحال بالنسبة للمدافع عن أحد الخصوم، فإن كان المدافع محامياً فلا يعتد بوكالته في حالة توافر تلك الصلة بينه وبين أحد قضاة الحكم بشرط أن تكون وكالته لاحقة لإناطة الإختصاص بالقاضي إذ يعتبر بنظر الدعوى بمجرد إناطة الإختصاص به.

والمقصود بدخول الغاية الواردة بالنص، أن الحظر هو الغاية من النص حتى لو ثبت عدم تأثير القرابة على الحكم الذي يصدر في الدعوى، ومن ثم يكون الحكم باطلاً بطلانأً مطلقاً لمجرد وقوع المخالفة ودون إعتداد بموافقته للواقع والقانون، لأن هذه الموافقة ليست هي الغاية المقصودة من النص وإنما هي منع القضاة من إصدار الحكم في هذه الحالة، وبالتالي فإن الغاية لا تتحقق إلا بإقصاء القضاة عن إصداره.

أسباب عدم الصلاحية وأسباب الرد :

أسباب عدم صلاحية القضاة هي أسباب لردهم متعلقة بالنظام العام توجب عليهم التنحي عن نظر الدعوى ولو من تلقاء أنفسهم ودون حاجة لردهم من أحد الخصوم وجزاء مخالفتها هو البطلان المطلق الذي يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى.

وللخصم أن يرد القاضي إذا قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية طالما لم يتم الفصل في الدعوى، ولا يتقيد في ذلك بما نصت عليه المادة (151) من وجوب تقديم طلب الرد قبل إبداء أي دفع أو دفاع في الدعوى بل يجوز له تقديمه في أية حالة تكون عليها الدعوى لتعلق طلب الرد بسبب من أسباب عدم الصلاحية ذات المساس بالنظام العام خلافاً لأسباب الرد التي أوردتها المادة سالفة الذكر.

فإن لم يتمسك الخصم بالرد لعدم الصلاحية أثناء نظر الدعوى ولم يمتنع القاضي عن نظرها، كان للخصم أن يتمسك ببطلان الحكم لقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بالقاضي وذلك في أية حالة يكون عليها الإستئناف ولو لم يكن قد تمسك بذلك في صحيفته. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث،  الجزء : الثالث ، الصفحة : 712)

يجمع أسباب عدم الصلاحية معنى واحد هو أنها مما تضعف لها النفس في الأغلب وأنها أسباب معلومة للقاضي ويبعد أن يجهلها.

ويضاف إلي الأسباب التي وردت بهذه المادة سبب عدم الصلاحية المنصوص عليه في المادة 165 والخاصة بالحالة التي يرفع فيها القاضي دعوى تعويض علي طالب الرد أو يقدم ضده بلاغاً إلي جهة الإختصاص والسبب المنصوص عليه في المادة 498 وهي حالة ما إذا حكم ضد القاضي في دعوى المخاصمة المقامة ضده بجواز قبول المخاصمة والسبب الوارد في المادة 75 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والتي تنص علي أنه "لا يجوز أن يجلس في دائرة واحدة قضاة بينهم صلة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية - كما لا يجوز أن يكون ممثل النيابة أو ممثل أحد الخصوم أو المدافع عنه ممن تربطهم الصلة المذكورة بأحد القضاة الذين ينظرون الدعوى ولا يعتد بتوكيل المحامي الذي تربطه بالقاضي الصلة المذكور إذا كانت الوكالة لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعوى.

وأسباب عدم الصلاحية وردت علي سبيل الحصر فلا يقاس عليها ولا يدخل فيها إستشعار الخرج وهي تتعلق بالنظام العام فتوجب إمتناع القاضي من تلقاء نفسه عن الحكم ولو لم يطلب منه ذلك أحد الخصوم .

3- نص الفقرة الأولي يسري أيضاً ولو كان القاضي قريباً أو صهراً للخصمين معاً ولو في نفس درجة القرابة ولا يشترط لقيام علاقة المصاهرة أن تكون رابطة الزوجية قائمة أو أن تكون الزوجة مازالت على قيد الحياة .

4- يشترط لعدم صلاحية القاضي في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية أن تكون الخصومة قد نشأت بينه وبين الخصوم أو بين زوجته والخصوم قبل قيام الدعوى المعروضة على القاضي وأن تظل قائمة إلى حين طرح الدعوى على القاضي ، وطبقاً للرأي الراجح فإنه لا يلزم لإعتبار الخصومة قائمة أن  تكون هناك دعوى مرفوعة بها إلا أنه يتعين أن تكون علي جانب من الجد.

5- يشترط لتطبيق الفقرة الثالثة أن تكون الوكالة أو القوامة أو الوصاية قائمة وقت رفع الدعوى أما إذا كانت قد انقضت قبل رفعها فإن ذلك لا يمنع من نظرها.

6- مثال ما نصت عليه الفقرة الرابعة الدعوى التي تقام من أحد المساهمين في شركة يساهم فيها القاضي أو أحد المذكورين في المادة ويكون من شأن موضوع الدعوى أن يحقق له أو لهم مصلحة وإن كانت غير ظاهرة.  

7- لا يعد سبباً لعدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى أنه سبق أن أدلي بمبدأ علمي في مؤلف أو بحث وإلا كان مؤدي ذلك منع القاضي من التأليف والبحث العلمي ولا يعد سبباً أيضاً لعدم صلاحية القاضي أن يكون قد أبدي رأياً قانونياً في قضية مشابهة.

ومنع القاضي من نظر الدعوى التي أدلي فيها بشهادة يتمشى مع مبدأ أن القاضي لا يجوز له أن يقضي بناء على معلوماته الشخصية.

وعلة عدم صلاحية القاضي الفصل في الدعوى التي سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً هي الخشية من أن يلتزم برأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم إلا أنه ليس سبباً لعدم الصلاحية أن يكون القاضي قد أصدر في الدعوى حكماً غيابية أو حكماً وقتياً أو حكماً بقبول التماس إعادة النظر.وإذا أصدر القاضي حكماً يتعلق بإثبات الدعوى أو تنظيم السير فيها ثم حكم فيها قاض أخر فمن الجائز أن يكون القاضي الأول من بين أعضاء المحكمة التي تنظر إستئناف ذلك الحكم إذا كان حكمه الصادر قبل الفصل في الموضوع لا يشف عن إتجاه رأيه في الموضوع وإذا أصدر القاضي حكماً في دعوى مدنية بتزوير ورقة فلا يجوز له أن ينظر دعوى التزوير الجنائية إذا أقيمت فيما بعد.

ولا يعد سبباً لعدم الصلاحية أن يكون أحد أعضاء الدائرة الإستئنافية التي أصدرت حكماً قد إشترك في نظر إستئناف رفع من محكوم عليهم آخرين في نفس الدعوى لأن الحكم الذي صدر في ذلك الإستئناف ليس من شأنه أن يفيده بشيء وهو يفصل في الإستئناف الأخر.

والمقصود بسبق نظر القاضي الدعوى أن يكون قد سبق له نظرها في مرحلة أو درجة أخرى ، أما سبق نظرها في نفس الدرجة فلا يصلح لعدم الصلاحية ولو كان القاضي قد أبدي رأياً كما لو أصدر حكماً قبل الفصل في الموضوع يكشفه عن إتجاهه كما لا يعتبر سبباً لعدم الصلاحية إصدار حكم في دعوى مستعجلة ثم نظره الموضوع بعد ذلك أو إشتراكه في إصدار حكم في إستئناف وصف النفاذ بالنسبة إلى إستئناف الموضوع كما أن إشتراك القاضي في الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ لا يمنعه من نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن هذا التنفيذ غير أن قضاء النقض قد إستقر على عدم صلاحية وكيل النيابة الذي باشر تحقيقاً في الدعوى مهما كان ضئيلاً ولو لم يبد رأيه فيه لنظر الدعوى التي تقام عن موضوع هذا التحقيق.

8- وليس من الضروري لقيام عدم الصلاحية بسبب سبق أداء الشهادة أن تكون شهادة القاضي قد وردت على ذات الخصومة المطروحة أمامه، وإنما يكفي أن يكون قد شهد في خصومة أخرى تعتبر الخصومة الحالية إستمراراً لها أو أن تكون مرتبطة بها إرتباطاً وثيقاً، ولكن لا يكفي أن يكون القاضي قد اكتفي في شهادته بأنه لا يعرف شيئاً أو إذا كان قد أعلن للشهادة بقصد منعه من نظر الدعوى أو إذا كان قد نمي إلى علمه أن الخصوم قد إنتهوا دعوته شاهداً فيها.   

9- والمانع الذي ورد في المادة 75 من قانون السلطة القضائية ورد على سبيل الإستثناء فلا يقاس عليه وبذلك لا يتوافر بمجرد قرابة القاضي لقاضي التحقيق الذي ندبته النيابة لتنفيذ ما أمرت به غرفة الاتهام.

10- ويكفي لإعتبار وكالة المحامي لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعوى أن يكون القاضي قد بدأ في نظرها.

(راجع في كل ما تقدم مرافعات العشماوي ص 150 وبند 112 ومرافعات الشرقاوي بند 104 وفتحي والي في القضاء المدني طبعة 1993 بند 105 ومرافعات محمد حامد فهمي ص 589 والقانون القضائي الخاص لإبراهيم سعد ص 314 ومرافعات رمزي سیف الطبعة الثامنة ص 73 وما بعدها والتعليق للدكتور أبو الوفا الطبعة الثانية ص 515 وما بعدها ) .

11- وكانت محكمة النقض قد إستقرت في أحكامها علي أن إصدار القاضي حكماً بالإثبات خالية من رأيه في الموضوع لا يفقده صلاحيته لنظر الإستئناف المرفوع عن الحكم القطعي الصادر في ذات الدعوى بهيئة أخرى إلا أنها أصدرت بعد ذلك حكماً حديثاً في 1983/3/29 . ( الطعن رقم 1399 لسنة 49 قضائية لم ينشر ) قضت فيه بعكس هذا الرأي وحجتها في ذلك أن المادة 146 قد نصت علي أن سبق نظر القاضي الدعوى يجعله غير صالح لنظرها وإصداره حكما بالإثبات حتى ولو كان لا يكشف عن رأيه يتحقق به سبق نظر الدعوى وهذا الحكم في تقديرنا محل نظر لأن سبق نظر الدعوى الذي يجعل القاضي غير صالح لنظرها إنما يكون بإصداره حكماً يكشف عن وجهة نظره وإلا لو أخذنا بوجهة النظر هذه لكان مؤداه أن تأجيل القاضي الدعوى يفقده صلاحيته لنظر الإستئناف المرفوع عن الحكم الذي أصدرته دائرة أخرى وهو أمر غير مقبول.

12- بالنسبة للفقرة الثانية من المادة فإن المحامي لا يعتبر طرفاً في الخصومة التي وكل فيها لأن طرف الخصومة هو الخصم الذي يمثله المحامي.

13- وجدير بالذكر أن من حالات إنتفاء الولاية عن القاضي الإستقالة أو العزل أو الوقف أو النقل أو عدم أدائه اليمين وفي جميع هذه الأحوال يقع عمله معدوماً لصدوره ممن ليس له ولاية القضاء.

14- ووفقاً لأحكام المادتين 35 ، 36 من القانون المدني تكون القرابة مباشرة إذا كانت تربط بين الأصل وبين فرعه وإن نزل وتحتسب فيها درجة القرابة صعوداً من الفرع إلى الأصل مع إحتساب كل فرع درجة، وتكون القرابة قرابة حواشي إذا كانت من عدة فروع يربط بينهم أصل مشترك وتحتسب فيها الدرجة صعوداً من أحد الفروع إلي الأصل المشترك نزولاً منه إلى الفرع الآخر وإحتساب كل فرع درجة مع عدم إحتساب الأصل ، أما قرابة المصاهرة فهي وفقاً للمادة 37 مدني هي التي تربط بين أحد الزوجين وأقارب الزوج الأخر ، إذ يعتبر كل من الزوجين قريباً لأقارب الزوج الأخر في ذات الدرجة التي تربطهم بزوجه فإذا كان أخ الزوجة قريباً لها من الدرجة الثانية فإنه يعتبر قريباً لزوجها من الدرجة الثانية كذلك والعكس صحيح مع ملاحظة أن أقارب أحد الزوجين لا يمتون بالقرابة لأقارب الزوج الأخر ، ومن ثم فإن الزوج لا يمت بالقرابة لأخ الزوجة. (مرافعات كمال عبد العزيز الجزء الأول - الطبعة الثالثة ص 878).

15- وإذا كان ظاهر سياق المادة يفيد أن إبداء القاضي لرأيه يلزم أن يكون في ذات القضية المطروحة إلا أن محكمة النقض قضت بأنه ينبغي أن يفسر نص المادة بالمعنى الواسع فيؤخذ به متى كانت الخصومة الحالية مردودة بين نفس الخصوم ويستدعي الفصل فيها الإدلاء بالرأي في ذات الحجج والأسانيد التي أثيرت في الخصومة الأخرى بحيث تعتبر الخصومة الحالية إستمراراً لها وعودة إليها. ( حكم النقض رقم 48 ).

ومن المقرر أن الطلب الذي يتقدم به صاحب الشأن إلي محكمة النقض ببطلان الحكم الصادر منها بسبب قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية في أحد المستشارين الذين إشتركوا في إصداره وفقاً للفقرة الثانية من المادة لا يخضع لميعاد الطعن بالنقض المنصوص عليه في المادة 252 مدني لأنه لا يعد طعناً في الحكم وإنما هو بمثابة دعوى بطلان أصلية. (التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية،  الجزء : الثالث ،  الصفحة : 539)

التفرقة بين عدم صلاحية القاضي ورده وتنحيه الجوازی عن نظر الدعوى : نظم المشرع في المواد من 146 إلى 165 و 498 من قانون المرافعات و 75 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ، و 247 إلى 250 من قانون الإجراءات الجنائية، قواعد عدم صلاحية القاضي ورده وتنحيه عن نظر الدعوى وتهدف هذه القواعد جميعاً إلى ضمان حياد القاضي، وذلك عن طريق إقصائه عن الدعوى التي يثور فيها إحتمال میله، وقد حددت هذه القواعد حالات عدم الصلاحية وإجراءات التمسك بها وهي حالات يخشى المشرع، ألا يكون ضمير القاضي فيها حراً نتيجة وجود صلة خاصة له بأحد أطراف الدعوى أو بموضوعها ويكون من شأنها أن تؤثر في ضميره فتحيد به. عن الغاية الموضوعية للقضاء، وهو بذلك يحمي القاضي أيضاً من الشبهات التي تشوب قضاءه فيها وبحفظ الثقة في القضاء (وجدي راغب  ص 195).

وقد تدرج الشرع بالنسبة لهذه الحالات حسب أهميتها وخطورتها على حياد القاضي إلى ثلاث طوائف. فيقرر في الطائفة الأولى عدم الصلاحية المطلقة للقاضي : في الحالات الأكثر أهمية، بينما يجعلها في الحالات الأقل أهمية عدم صلاحية نسبية تتوقف على طلب الخصم رد القاضي ، وهذه هي الطائفة الثانية. أما ما عدا ذلك فتركه لضمير القاضي ذاته عن طريق طلبه التنحي الجوازي عن نظر الدعوى وهذه هي الطائفة الثالثة والأخيرة.

وحالات أو أسباب عدم صلاحية القاضي أو رده أو تنحسبه الجوازی إذا توافر سبب منها، فإنه يؤدي إلى تنحية القاضي عن نظر الدعوى أو منعه من نظر الدعوى، وهي أسباب تدعو إلى الشك في حكمه بغیر میل أو تحيز، وليس أساس التنحية الشك في نزاهة القاضي، إنما أساسه رغبة المشرع في إستيفاء مظن الحيدة الذي يجب أن يظهر به القاضي أمام الخصوم وأمام الجمهور (المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق  مشار إليها أنفا).

إذن الأسباب التي تقتضي تنحية القاضي عن نظر الدعوى تنقسم إلى ثلاث طوائف :

الأول : تشمل أسباباً يترتب على قيام أحدها عدم صلاحية القاضى تنظر الدعوى بحيث يجب عليه أن يتنحى عن نظرها ولو لم يطلب الخصوم تنحيته.  

والثانية : تشمل أسباباً يترتب على قيام أحدها أن يكون للخصوم طلب رد القاضي بمعنى أنه إذا توفر أحد هذه الأسباب كان للخصوم أن يطلبوا رد القاضي، فإن لم يطلبوا رده كان له أن ينظر الدعوى ويحكم فيها.

والفرق بين عدم الصلاحية وبين الرد أن أسباب عدم الصلاحية يترتب عليها بذاتها أثرها، وهو منع القاضي من سماع الدعوى بمجرد قیام سبب منها ، سواء طلب الخصوم منع القاضي من سماع الدعوى أو لم يطلبوه، بحيث إذا حكم القاضي في الدعوى، كان حكمه  ولو بإتفاق الخصوم  باطلاً ، وجاز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة. وقد بلغ من إصطيان الشرع وتحوطه لسمعة القضاء أن نص في المادة 147 مرافعات على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى إستثناء من الأصل العام الذي يقضي بأن أحكام محكمة النقض بمنجى من الطعن إعتباراً بأنها خاتمة المطاف في النزاع.

أما أسباب الرد فلا تنتج أثرها إلا إذا طلب الخصوم منع القاضي من سماع الدعوى، بحيث إذا لم يطلبوا منعه، كان القاضي صالحاً لنظر الدعوى وكان حكمه فيها صحيحاً.

والثالثة : أسباب التنحى الجوازی وهی متروكة لتقدير القاضي إذا ما أستشعر الحرج من نظر القضية لأي سبب لا يرقى إلى مستوى أسباب عدم الصلاحية أو الرد .

وسوف نوضح الآن بالتفصيل أسباب إجراءات عدم الصلاحية والرد والتنحى الجوازي من خلال تعليقنا على المادة 146 وما بعدها من قانون المرافعات.

عدم صلاحية القاضي : ثمة أسباب إذا توافر أحدها بالنسبة الدعوى معينة، كان القاضي غير صالح لنظرها، ويكون الحكم الصادر فيها منه ولو بإتفاق الخصوم  حكماً باطلاً (مادة 147/ 1)، ويعتبر الأمر كذلك ، ولو لم يتمسك أحد الخصوم بمنع القاضي من نظر الدعوى قبل إصداره الحكم فيها، وذلك على أساس أن سبب عدم الصلاحية من الوضوح بحيث لا يمكن أن يخفى على القاضي، وأن هذا السبب  من ناحية أخري  مما يغلب معه التأثير في حياد القاضي. (رمزي سيف  بند 50 ص 72 ، فتحي والي  بند 105 ص 176).

أسباب عدم صلاحية القاضي وهي على سبيل الحصر وتتعلق بالنظام العام : وردت أسباب عدم صلاحية القاضي في المادة 75 من قانون السلطة القضائية والمادة 146 مرافعات و 165 مرافعات والمادة 498 مرافعات، ويجمع أسباب عدم صلاحية القاضي معنى واحد هو أنها مما تضعف له النفس في الأعم الأغلب وأنها أسباب معلومة القاضي وبعد أن يجهلها.

وأسباب عدم الصلاحية وردت في القانون على سبيل الحصر فلا يقاس عليها، ولا يجوز التوسع في تفسيرها ولا يدخل فيها إستشعار الحرج (نقض 14 / 3 / 1955 سنة 6 ص 622)، وهي تتعلق بالنظام العام فتوجب إمتناع القاضي من تلقاء نفسه عن الحكم ولو لم يطلب منه ذلك أحد الخصوم.

فإذا كان الخصم أبدي ما يستشعره من حرج بسبب ما سجلته الهيئة من رأى في حكم سابق، ومع ذلك حكمت في الدعوى فإن حكمها يقع باطلاً (نقض 7 / 6/ 1955 سنة 16 ص 1279)، ويجوز التمسك به ولو لأول مرة أمام محكمة النقض .(نقض جنائى 14/ 4/ 1964  سنة 15 ص 303).

وينبغي في هذا الصدد ملاحظة ما تنص عليه المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية بأنه «يمتنع على القاضى أن يشترك في نظر الدعوى. إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصياً ، أو إذا كان قد قام في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو المدافع عن أحد الخصوم، أو أدى فيها شهادة، أو باشر عملاً من أعمال أهل الخبرة.

ويمتنع عليه كذلك أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام فى الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة، أو أن يشترك في الحكم في الطعن إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً منه، وسوف نوضح الآن بالتفصيل أسباب عدم الصلاحية التي وردت في قانون السلطة القضائية وفي المادة 146 مرافعات  محل التعليق  وذلك فيما يلي :

السبب الأول لعدم صلاحية القاضي : وجود قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة مع دخول الغاية بين القضاة في الدائرة التي تنظر الدعوى : وذلك إعمالاً للفقرة الأولى من المادة 75 من قانون السلطة القضائية التي تنص على أنه لا يجوز أن يجلس في دائرة واحدة قضاة بينهم قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية». وهذا السبب لا يرمي فقط إلى ضمان حياد القاضي بين الخصوم، وإنما أيضاً إلى ضمان إستقلال القاضي في رأيه وعدم تأثره بآراء قريبه أو صهره. فهو يرمي إلى ضمان حسن إعمال مبدأ تعدد القضاة. ويكفي لتوافر عدم الصلاحية أن تقوم هذه القرابة أو المصاهرة بين عضوين من أعضاء الدائرة، ولو كانا معاً أقلية (فتحى والى  ص 177).

السبب الثاني لعدم صلاحية القاضي : وجود قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة مع دخول الغابية بين القاضي، أو أحد القضاة في الدائرة التي تنظر الدعوى، وبين ممثل النيابة العامة أو الممثل القانوني الأحد الخصوم أو الوكيل في الخصومة عنه : وذلك إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 75 من قانون السلطة القضائية التي تنص على أنه لا يجوز أن يكون ممثل النيابة أو ممثل أحد الخصوم أو المدافع عنه ممن تربطهم الجملة المذكورة بأحد القضاة الذين ينظرون الدعوى ولابد بتوكيل المحامي الذي تربطه بالقاضي الصلة المذكورة إذا كانت الوكالة لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعويه وأساس هذا السبب ما تؤدي إليه هذه الصلة من التأثير في حياد القاضي على أنه خوفاً من أن يعمد أحد الخصوم ممن لا يريد عرض القضية على قاض معين إلى توكيل محام تقوم بينه وبين القاضي هذه القرابة أو المصاهرة، فقد نصب نفس المادة على أن عدم الصلاحية لا يكون. إذا كانت الوكالة لاحقة القيام القاضي بنظر الدعوى، ويكفي لإعمال هذا النص أن يكون القاضي قد بدأ نظرها (فتحي والي ص 177)، فيكفي لإعتبار وكالة المحامي لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعوى أن يكون القاضي قد بدأ نظرها.

إذن لا يعتد بتوكيل المحامي الذي تربطه بالقاضي الصلة المذكورة إذا كانت الوكالة لاحقة لتولى القاضي نظر الدعوى، والغرض من هذا الحكم الأخير منع التحايل : بقصد الوصول إلى تنحية القاضي عن نظر الدعوى، وذلك بأن يعمد الخصم الراغب في التنحية أثناء سير الدعوى إلى توكيل محام له صلة بالقاضي، منعاً لذلك نص المشرع في قانون السلطة القضائية على عدم الإعتداد بالوكالة في مثل هذه الحالة، والحكم المتقدم بعمومه يتسع لجميع الصور المختلفة، سواء أكان القاضي هو قاضي المحكمة أصلاً أم كان منتدباً لنظر الجلسة المنظورة فيها القضية أم كان قد ندب لنظر قضية بذاتها.

وينبغي ملاحظة أن المانع الذي ورد في المادة 75 من قانون السلطة القضائية ورد على سبيل الإستثناء فلا يقاس عليه ولذا لا يتوافر بمجرد قرابة القاضي لقاضي التحقيق الذي ندبته النيابة لتنفيذ ما أمرت به غرفة الإتهام.

(نقض 26/ 6/ 1956، سنة 7 ص 910 ).

السبب الثالث لعدم صلاحية القاضي : عدم صلاحيته لنظر الدعوى المطلوب رده عنها إذا رفع دعوى تعويض على طالب الرد او قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص : وهذا السبب نص عليه المشرع في المادة : 165 مرافعات بقوله : إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى، وتعين عليه أن يتنحى عن نظرها، وسوف نعود إلى التعليق على هذه المادة في موضعها المناسب في هذا المؤلف ووفقاً لترتيبها الوارد في قانون المرافعات .

السبب الرابع لعدم صلاحية القاضي : عدم صلاحيته لنظر الدعوى في حالة قبول مخاصمته : فالقاضي الذي يحكم بجواز قبول دعوى المخاصمة ضده ، يصبح منذ ذلك الوقت غير صالح لنظر الدعوى وذلك إعمالاً للمادة 498 مرافعات. والتي تنص على أنه سيكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى من تاريخ الحكم بجواز قبول المخاصمة وسوف نوضح هذه الحالة عند تعليقنا على المادة 498 فيما بعد.

السبب الخامس لعدم صلاحية القاضي : إذا كان القاضي قريباً أو ضهرا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة : وقد نصت على هذه الحالة الفقرة الأولى من المادة 146 محل التعليق، ووجه عدم الصلاحية في هذه الحالة ظاهر، فإن قیام علاقة قرابة أو مصاهرة بين القاضي وبين أحد الخصوم يحل بما يجب أن يكون عليه القاضي من حيدة، لأن من شأن هذه العلاقة أن تحمل على الميل مع أحد الخصوم مما بجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى .

(نقض 20/ 12/ 1966 - سنة 17 ص 1955).

ويقوم السبب الموجب لعدم الصلاحية في هذه الحالة، سواء كان القاضي قريباً أو صهراً لأحد الخصوم أو لهما معاً (رمزي سیف ص 73 ، ص 74) ولو في نفس الدرجة (العشماوي بند 112)، ولا يشترط القيام علاقة المصاهرة أن تكون رابطة الزوجية قائمة، أو أن تكون الزوجة على قيد الحياة، إن لم يورد النص ما أورده النص المقابل في التشريع الفرنسي من إعتبار علاقة المصاهرة قائمة بعد وفاة الزوجة أو فسخ عقد الزواج بالطلاق، ومع ذلك برى الفقه أنه لا يشترط لقيام علاقة المصاهرة أن تكون رابطة الزوجية قائمة، أو أن تكون الزوجة مازالت على قيد الحياة أنجبت أو لم تنجب، ويتحقق هذا السبب ولو كان القاضي قريباً أو صهراً للخصمين معا ولو في نفس درجة القرابة ( العشماوي بند 112 الشرقاوي بند 104، كمال عبدالعزيز - ص 316).  

السبب السادس لعدم صلاحية القاضي : إذا كان للقاضي أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته : وقد نصت على هذا السبب الفقرة الثانية من المادة 146 محل التعليق، وعدم الصلاحية في هذه الحالة مشروط بأن تكون الخصومة قائمة وقت رفع الدعوى، فإذا كانت قد انتهت وقت رفع الدعوي، أو كانت قد رفعت من الخصم أو زوجته على القاضي أو زوجته بعد رفع الدعوى فلا يكون ذلك سبباً لعدم الصلاحية حتى لا يتحايل الخصوم على منع القاضي من نظر الدعوى بإثارة خصومة معه أو مع زوجته.

فيشترط أن تكون الخصومة قد بدأت قبل رفع الدعوى التي يكون القاضي غير صالح لنظرها، وأن تكون قد ظلت قائمة حتى هذا الوقت.

(نقض 18/ 1/ 1990 - في الطعن رقم 2335 لسنة 50 قضائية).

فإن كانت قد نشأت بعد رفع الدعوى كانت سبباً من أسباب الرد ، أما إذا كانت قد نشأت وإنقضت قبل طرح الدعوى فلا تصلح سبباً لعدم الصلاحية، وإن رأى البعض أنها تصلح سبباً للرد (الشرقاوى هامش بند 140، وقارن أحمد أبو الوفا - التعليق ص 648، ويرى أنها لاتكون سبباً للرد أو عدم الصلاحية ولا يلزم دائماً لتوافر الخصومة أن تكون هناك دعوى مقامة بها، وإنما أن تكون الخصومة مع ذلك على جانب من الجد كأن تكون هناك شكوى تجرى في شأنها تحقيقات أو تكون هناك إجراءات قانونية إتخذت بين القاضي وخصمه تمهيداً لرفع الدعوى أو إستكمالاً لإجراءاتها (العشماوي ص 148، وكمال عبدالعزيز ص 316) وان كان البعض يستلزم أن تكون الخصومة معروضة على القضاء فلا تكفي الشكوى إلى الجهة الإدارية أو النيابة العامة وإن كان ذلك يصلح سبباً للرد (الشرقاوی بند 104).

ويلاحظ في هذا الصدد أن المحامي لا يعتبر طرفاً في الخصومة التي وكل فيها لأن طرف الخصومة هو الخصم الذي يمثله المحامي .

السبب السابع لعدم صلاحية القاضي : إذا كان القاضي وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونة وراثته له : وقد نصت على هذا السبب الفقرة الثالثة من المادة 146 محل التعليق - ويجب أن تكون الوكالة أو الوصاية أو القوامة قائمة عند نظر الدعوى. فإذا كانت قد إنقضت قبل رفع الدعوى، فإنها لا تمنع القاضي من نظرها.

نقض 27/ 10/ 1966 - سنة 17 ص 1092).

والمقصود بمظنة الإرث قیام قرابة بين القاضي وأحد الخصوم - أبعد من الدرجة الرابعة - من شأنها أن تجعل القاضي وارثاً للخصم بفرض وفاة الخصم . وما يؤدي إلى عدم صلاحية القاضي هو مظنة الإرث من القاضى للخصوم، ولهذا إذا كان الإرث قد تحقق بالفعل قبل رفع الدعوى، فلا يكون القاضي ممنوعاً من نظرها وفقاً لهذه الحالة. ومن ناحية أخرى، فإن مظنة إرث أحد الخصوم للقاضي ليس سبباً لعدم صلاحية القاضي (فتحي والي - بند 105 ص 178).

وجدير بالذكر أنه لما كان الورثة يتعينون عند الوفاة فإن المقصود بعبارة «مظنونة وراثته أن يكون القاضي ممن يمتون لأحد الخصوم بسبب من أسباب الإرث ولو وجد من يحجبه عنه، أو يحرمه منه، فقد بزوال سبب الحجب أو الحرمان. 

السبب الثامن لعدم صلاحية القاضي : وقد نصت عليه أيضاً الفقرة الثالثة من المادة 146 محل التعليق وهو إذا كان للقاضي قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة يوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأخذه أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها، وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى، والمقصود بالمصلحة الشخصية هذا أن يوجد العضو أو المدير في مركز قانوني يتأثر بالحكم في الدعوى. (فتحي والي - بند 105 ص 178).

السبب التاسع لعدم صلاحية القاضي : إذا كان للقاضي أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلاً عنه أو قيماً عليه مصلحة في الدعوى القائمة : وقد نصت على هذا السبب الفقرة الرابعة من المادة 146 محل التعليق، والمقصود بالمصلحة هنا أن يكون أحد المذكورين آنفا في مركز قانوني يتأثر بالحكم في الدعوى، فليس المقصود أن يكون أحد من ذكر طرفاً في الدعوى المرفوعة أمام القضاء، كما أنه لا يكفي أن يكون أحدهم طرفاً في خصومة أخرى تشير نفس المبادىء القانونية. (فتحی والی - بند 105 ص 178).

ولا شك في أن وجود مصلحة للقاضي أو لزوجته أو لأحد الأشخاص السابق ذكرهم ولو لم يكونوا خصوماً في الدعوى من شأنه الإخلال بحيدة القاضي مما يجعله غير صالح لنظر الدعوى.

والمقصود بهذا السبب أن يشمل ما قد يقصر سائر الحالات السابقة عن تناوله فقد تكون الدعوى المطروحة على القاضي مرفوعة من أو على غير من عددتهم البنود الثلاثة الأولى في المادة 146، ولكن توجد له أو لزوجه أو أحد أقاربه أو أصهاره مصلحة محققة من ورائها كالدعوى التي تقام من أحد المساهمين في شركة يساهم فيها القاضي، أو أحد أولئك ويكون من شأن موضوع الدعوى أن يحقق له أو لهم مصلحة، وإن كانت غير ظاهرة ( العشماوي ، ص 150).

السبب العاشر لعدم صلاحية القاضي : إذا كان القاضي قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل إشتغالة بالقضاء ، أو كان قد سبق له نظرها وهو قاضياً أو خبيراً أو محكماً ، أو كان قد أدى شهادة فيها، وقد نصت على هذه الحالة الفقرة الخامسة من المادة 146 مرافعات - محل التعليق :

وعلة عدم الصلاحية في هذه الحالة أن الإفتاء في الدعوى أو الكتابة فيها أو المرافعة عن أحد الخصوم يدل على الميل إلى جانب من حصل الإفتاء أو الكتابة أو المرافعة لمصلحته ، فضلاً عما فيه من معنى إظهار الرأي الذي يدعو إلى التزامه مما يتنافى مع ما يجب أن يكون عليه القاضي من الحرية في تكوين رأيه على ضوء ما يجري في مواجهة الخصوم من تحقيق وما يقدمونه من أدلة .

ولكن ليس سبباً لعدم الصلاحية أن يكون القاضي قد أبدى رأياً علمياً . مجرداً في مؤلف أو بحث علمي نشره في مجلة علمية. 

كما أنه يعتبر سبباً لعدم الصلاحية أن يكون القاضي قد أبدى رأياً قانونياً في دعوى أخرى مشابهة أصدر حكماً فيها لأن معنى القول بغير ذلك أن يمتنع على القاضي أن ينظر في دعويين متشابهتين وهو قول غير معقول. (حكم محكمة إستئناف مصر في 26/ 12/ 1930 - في طلب الرد رقم 216 لسنة 48).

ومثل سبق نظر الدعوى أن يكون القاضي قد حكم فيها إبتدائياً فلا يجوز له أن ينظرها في الإستئناف، أو أن يكون قد حكم فيها إستئنافياً فلا يجوز له الاشتراك في دائرة محكمة النقض التي يطعن في الحكم أمامها.

 ولكن لا يعتبر سبباً لعدم الصلاحية أن يكون القاضي قد سبق له أن أصدر حكماً غيابياً أو حكماً بقبول التماس إعادة النظر أو حكماً بإجراء وقتي، فقد نص القانون على أن المعارضة تنظرها المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، وأن الحكم في الدعوى بعدم قبول الإلتماس يكون للمحكمة التي قضت بقبوله، كما نص على أن المحكمة التي تنظر الدعوى تختص أيضاً بالفصل في الإجراءات الوقتية المتعلقة بها، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا صدر حكم مشغول بالنفاذ المعجل وحصل التظلم منه أمام محكمة الإستئناف بطلب إلغاء وصف النفاذ، فإن ذلك لا يمنع المحكمة التي فصلت في التظلم من الحكم في إستئناف الموضوع بعد ذلك، يؤكد ذلك نص القانون في المادة 291 مرافعات على جواز إبداء التظلم من الوصف أمام المحكمة التي تنظر إستئناف الموضوع.

(نقض 10 / 1 / 1957 - سنة 8 ص 45).

وحكمة قدم الصلاحية بالنسبة للقاضي الذي أدى الشهادة في الدعوى هي تفادي أن يحكم القاضي بمعلوماته الشخصية، لما في ذلك من حرمان الخصوم من حق الدفاع وما يقتضيه من تناول الأدلة بالتفنيد والرد عليها (رمزی سیف، ص 75، ص 76)، كما أن العلم الشخصي يشل تقدير القاضي

ولهذا ليس لقاضي نظر قضية أمام محكمة أول درجة أن ينظرها أمام المحكمة الإستئنافية.

(نقض مدني في 17/ 1/ 1978 - في الطعن رقم 920 لسنة 44 ق).

والإفتاء أو الترافع أو الكتابة أو النظر أو أداء الشهادة يجب أن يكون في نفس الدعوى. (نقض مدنى 11/ 4/ 1979 - في الطعن رقم 721 لسنة 48 ق).

فإن كان في دعوى أخرى، فلا يصلح سبباً لعدم الصلاحية ولو كانت هذه الدعوى دعوی مشابهة، أو دعوی مرتبطة (فتحی والی، ص 179) فنظر الدعوى المستعجلة لا يمنع القاضي بعد ذلك من نظر الدعوى الموضوعية التي تتعلق بها الدعوى المستعجلة لإختلاف الدعويين نقض مدني 14 / 12 / 1966 - مجموعة النقض سنة 17 ص 1900) كذلك، فإن قاضي التنفيذ لا يفقد صلاحيته لنظر إشكال وقتي في التنفيذ بسبب سبق نظره إشكالاً وقتياً سابقاً أو إصداره قرارات وقتية قبل نظر موضوعه طبقاً للإختصاصات المخولة له قانوناً ، ولو كانت تلك القرارات والإشكالات بصدد نزاع يتردد بين الخصوم أنفسهم .

(نقض مدنى 18 / 1 سنة 1990 ، في الطعن 2335 لسنة 51 ق).

فإبداء رأي معين أو إتجاه معين بالنسبة للدعوى مما يتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً. فإذا لم يتحقق هذا ، لم يتحقق عدم الصلاحية. وتطبيقاً لهذه الفكرة إذا أصدر القاضي حكماً بندب خبير في الدعوى، فإن هذا الحكم إذ خلا مما يكشف عن رأيه في موضوع النزاع لا يفقده صلاحية نظر الإستئناف المرفوع عن الحكم القطعي الصادر من المحكمة الابتدائية بهيئة أخرى في تلك الدعوى.

(نقض مدنى 16 يناير 1979 - في الطعن رقم 533 لسنة 46 ق، فتحي والي ص 794) .

وكانت محكمة النقض قد إستقرت في أحكامها على أن إصدار القاضي حكماً بالإثبات خالياً من رأيه في الموضوع لا يفقده صلاحيته لنظر الإستئناف المرفوع عن الحكم القطعي الصادر في ذات الدعوى بهيئة أخرى إلا أنها أصدرت بعد ذلك حكماً في 1953/3/29 في الطعن رقم 1369 لسنة 49 قضائية قضت فيه بعكس هذا الرأي وحجتها في ذلك أن المادة 146 قد نصت على أن سبق نظر الدعوى يجعله غير صالح لنظرها بإصداره حكماً بالإثبات حتى ولو كان لا يكشف عن رأيه يتحقق به سبق نظر الدعوى .

والمقصود بسبق نظر الدعوى كقاض هو سبق نظرها في مرحلة أو درجة أخرى (نقض مدنى 17/ 1/ 1978  - الطعن رقم 920 لسنة 44 ق). أو أية خصومة سبق ترديدها بين الخصوم أنفسهم وأثرت فيها ذات الحجج والأسانيد التي أثيرت في الخصومة بحيث تعتبر إستمراراً لها وعودا إليها.

(نقض مدنى 22/ 3/ 1990 ، في الطعن لسنة 55 ق).

أما سبق نظر القضية في نفس الدرجة فإنه لا يحول دون صلاحية القاضى ولو كان قد أبدى رأياً فيها. ولهذا إذا أصدر القاضي قراراً بتعلق بتحقيق القضية، أو حكماً قبل الفصل في الموضوع ولو تم عن اتجاهه بشأن موضوع القضية، فإن هذا لا يحول دونه والإستمرار في نظر القضية. (فتحي والی بند 105 ص 180).

ويلاحظ أن القاضي قد يسبق له نظر الدعوى، ومع ذلك يكون صالحاً لنظرها. وذلك إذا نص القانون على أن طريق طعن معين يمكن أن يقدم إلى نفس القاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه، كما هو الحال بالنسبة للمعارضة في الحكم الغيابي، أو التماس إعادة النظر، وقد سبق لنا الإشارة إلى ذلك أنفاً .

والمعول عليه فيما يتعلق بهذا السبب من أسباب عدم صلاحية القاضي والذي نصت عليه الفقرة الخامسة من المادة 146 محل التعليق أن يكون القاضي قد قام بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً .

(نقض جنائى 7/ 6/ 1955 ۔ سنة 6 ص 1087).

ولا يعد سبباً لعدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى كونه قد أبدى رأياً قانونياً في قضية مشابهة وأصدر فيها حكمه . ولو كان قد أصدر عدة أحكام متخذاً بصددها وجهة نظر خاصة (الإسكندرية الإبتدائية 3 / 12 / 1923 المجموعة الرسمية 28 ص 78).

ولا يعتبر سبباً لعدم الصلاحية أن يكون القاضي قد أصدر عدة أحكام أتخذ بصددها وجهة نظر معينة أو أبدى الرأي في مذكرة قدمها أو دفاع إبداه عندما كان محامياً ، إذ يشترط أن يكون إبداؤه للرأي في شكل نصيحة أو فتوى في ذات القضية المطروحة عليه ولا يكفي في هذه الحالة مجرد إبداء رأي بسيط بشأن النزاع مثل لفت نظر الخصم إلى تعديل طلباته طبقاً لما أشار به محاميه دون أن يبين له الخطة التي يتبعها في ذلك (محمد حامد فهمي - المرافعات ص 589 وهامشها). ولا يتوافر سبب عدم الصلاحية إذا كان القاضي قد أصدر في الدعوى حكماً غيابياً بالنسبة إلى نظر المعارضة أو حكماً بقبول التماس إعادة النظر بالنسبة إلى نظر موضوعه. كما لا يتوافر السبب بنظر دعوى مستعجلة بالنسبة إلى دعوى الموضوع (نقض 14 / 12 / 1966 سنة 17 ص 1900) أو بإشتراك القاضي في إصدار الحكم فى إستئناف وصف النفاذ بالنسبة الى إستئناف الموضوع (نقض 10/ 1/ 1957 سنة 8 ص 45) أو إصداره حكماً تمهيدياً بالإثبات (كمال عبدالعزيز ص 318) أو حكماً فرعياً بتنظيم السير في الدعوى بالنسبة إلى نظر إستئناف حكم الموضوع الذي أصدره قاض آخر، أو إشتراكه في نظر إستئناف مرفوع من بعض المحكوم عليهم بالنسبة إلى الإستئناف المرفوع من محكوم عليهم آخرین (نقض 24/ 4 / 1941 - سنة 2، ص 675). أما إذا أصدر حكما في دعوي التزوير المدنية فإن ذلك بمنعه من الاشتراك في نظر دعوى التزوير الجنائية عن نفس الورقة (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 649، كمال عبد العزيز ص 318).

والمهم لعدم صلاحية القاضي أن يكون قد كشف عن إقتناعه برأی معين في الدعوى قبل الحكم فيها بما يتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى، ولذلك قضى بأن إشتراك القاضی في الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ لا يمنعه من نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن هذا التنفيذ (نقض 1/ 6/ 1976 في الطعن 50 لسنة 39)، كما أن لفك القاضی نظر أحد الخصوم لتصحيح طلباته لا يعد سبباً لعدم صلاحيته (عبد المنعم الشرقاوي بند 105). وكذلك الشأن فإن ندب رئيس المحكمة لأحد قضاتها لنظر الدعوى لا يفقده صلاحيته لنظرها نقض 23/ 5/ 1962 - سنة 12 ، ص 662) وكذلك الشأن في إثباته في دعوى مدنية وجود تصليح ظاهر في أحد المستندات لا يمنعه من نظر الدعوى الجنائية عن تزوير هذا المستند (نقض جنائي 4/ 5/ 1942 سنة 11 ص 902). وكذلك فإنه إذا كان القاضي في دعوى حسبة عند تحقق عناصر التركية توصلاً لتحديد أموال القصر قد عرضت له واقعة سرقة هذه الأموال فأحالها إلى النيابة دون أن يتولى تحقيقها فإن ذلك لا يمنعه من نظر دعوى السرقة (نقض جنائى 14/ 4/ 1946 - مجموعة القواعد - سنة 1 ص 684). ومع ذلك فقد إستقرت محكمة النقض على عدم صلاحية وكيل النيابة الذي باشر تحقيقاً في الدعوى مهما كان ضئيلاً ولو لم يبد رأيه فيه لنظر الدعوى التي تقام عن موضوع هذا التحقيق.

(نقض جنائي 16/ 1/ 1933 - سنة 5 ص 94).

ويتوافر المنع من نظر الإستئناف إذا كان القاضي أصدر في الدعوى حكماً إبتدائياً ولو كان غيابياً (نقض جنائى 29/ 12/ 1947 سنة 19 ص 99) أو أن يجلس في الهيئة الجديدة التي تنظر الدعوى بعد قبول الطعن بالنقض ما دام قد اشترك في الحكم المنقوض (نقض جنائى 19/ 9/ 1933 سنة 13 ص 95) ، كما يتوافر المنع متی کشف القاضي عن رأيه ولو كان ذلك في دعوى سابقة متصلة بالدعوى .

(نقض جنائي 3/ 5/ 1965 - سنة 16 ص 424).

وليس من الضروري لقيام عدم الصلاحية بسبب سبق أداء الشهادة أن تكون شهادة القاضي قد وردت على ذات الخصومة المطروحة أمامه، وإنما يكفي أن يكون قد شهد في خصومة أخرى تعتبر الخصومة الحالية إستمراراً لها أو أن تكون مرتبطة بها إرتباطاً وثيقاً ، ولكن لا يكفي أن يكون القاضي قد أكتفي في شهادته بأنه لا يعرف شيئاً أو إذا كان قد أعلن للشهادة بقصد منعه من نظر الدعوى أو إذا كان الخصوم قد انتووا دعوته شاهداً فيها (العشماوي ص 152 - الشرقاوي بند 104، كمال عبد العزيز ص 318 ، 319).

وعلة عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى التي سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً هي خشية أن يلتزم رأيه الذي يكشف عنه عليه المتقدم ويأنف من التحرر منه أو يصعب عليه الأخذ برأي مخالف، فيتأثر قضاؤه.

(نقض 17/ 1/ 1978 ، طعن رقم 92 لسنة 44 ق).

وينبغي ملاحظة أنه ليس سبباً لعدم الصلاحية أن يكون القاضي قد أصدر في الدعوى حكماً غيابياً أو حکماً وقتياً أو مستعجلاً (نقض 14/ 12/ 1966 السنة 17 ص 1900) أو حكماً بقبول التماس إعادة النظر لأن المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي هي المختصة بنظر المعارضة فيه ولأن الطلب الموضوعي يختلف عن الطلب الوقت (محمد حامد فهمي، بند رقم 574 ص 489 وص 590). ولأن الحكم في الدعوى بعد قبول الإلتماس إنما يكون للمحكمة التي قضت بقبوله. وإذا أصدر أحد القضاة - قبل الفصل في الموضوع - حكماً يتعلق بإثبات الدعوى أو بتنظيم السير فيها ثم حكم فيها قاض آخر، فمن الجائز أن يكون القاضي الأول من بين أعضاء المحكمة التي تنظر إستئناف ذلك الحكم إذا كان حكمه الصادر قبل الفصل في الموضوع لا يكشف عن إتجاه رأيه في الموضوع أي ليس بحكم تمهیدی وإذا أصدر القاضي الجزئي حكما بعدم اختصاصه واستؤنف الحكم أمام المحكمة الابتدائية فلا يجوز أن يكون من بين أعضائها. (أحمد أبو الوفا - التعليق - ص 649).

ولا يعد سبباً لعدم الصلاحية أن يكون أحد أعضاء الدائرة الإستئنافية التي أصدرت حكماً قد أشترك في نظر إستئناف رفع من محكوم عليهم آخرين في نفس الدعوى لأن الحكم الذي صدر في ذلك الإستئناف ليس من شأنه أن يفيد بشيء وهو يفصل في الإستئناف الأخير (نقض 24/ 4/ 1941 . مجموعة القواعد القانونية 3 ص 356 رقم 115)، والقضية التي صدر فيها هذا الحكم كانت تتعلق بالرد ، وواضح أن المبدأ القانوني لا يتغير في الحالتين. وقضى بأن وكيل النيابة الذي باشر تحقيقاً في قضية "ما وعين بعدئذ قاضياً لا يجوز له أن يجلس للفصل في هذه القضية سواء أكان قد أبدى رأيه فيما أجراه من هذا التحقيق أم لم يبد رأياً ما. (نقض جنائي لسنة 3 ص 105).

ولا يعد سبباً لعدم الصلاحية مجرد حضور القاضي في إحدى الجلسات التي نظرت فيها الدعوى دون أن يصدر فيها أي حكم.

(نقض جنائي السنة 3 ص 548 و نقض جنائي 7/ 6 / 1955 السنة 6 ص 1087، أحمد أبو الوفا - ص 650).(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ،  الجزء : الثالث  ،  الصفحة :  544)

 

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع ، الصفحة / 13

انْعِزَالٌ

التَّعْرِيفُ:

الاِنْعِزَالُ: انْفِعَالٌ مِنَ الْعَزْلِ. وَالْعَزْلُ: هُوَ فَصْلُ الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِهِ: تَقُولُ: عَزَلْتُ الشَّيْءَ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا نَحَّيْتُهُ عَنْهُ، وَمِنْهُ عَزَلْتُ النَّائِبَ أَوِ الْوَكِيلَ: إِذَا أَخْرَجْتُهُ عَمَّا كَانَ لَهُ مِنَ الْحُكْمِ.

وَيُفْهَمُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَهُمْ: خُرُوجُ ذِي الْوِلاَيَةِ عَمَّا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ. وَالاِنْعِزَالُ قَدْ يَكُونُ بِالْعَزْلِ، أَوْ يَكُونُ حُكْمِيًّا، كَانْعِزَالِ الْمُرْتَدِّ وَالْمَجْنُونِ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

الأَْصْلُ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَمَلاً بِأَهْلِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ شُرُوطٍ خَاصَّةٍ، ثُمَّ فَقَدَ هَذِهِ الأَْهْلِيَّةَ، أَوْ شَرْطًا مِنَ الشُّرُوطِ الأَْسَاسِيَّةِ (لاَ شُرُوطِ الأَْوْلَوِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى عَزْلٍ، هَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَفِي تَطْبِيقَاتِ هَذَا الأَْصْلِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ مُصْطَلَحٍ ذِي صِلَةٍ، كَالإِْمَامَةِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْوَقْفِ (النَّاظِرِ) وَالْوِلاَيَةِ عَلَى الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ.

هَذَا، وَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الاِنْعِزَالِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعَزْلِ، فَإِنَّ الاِنْعِزَالَ قَدْ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَزْلِ، وَلاَ يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِ مَنِ انْعَزَلَ. أَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْعَزْلِ فَيَكُونُ بِأَنْ يَرْتَكِبَ ذُو الْوِلاَيَةِ أَمْرًا يُوجِبُ عَلَى وَلِيِّ الأَْمْرِ، أَوْ عَلَى الأَْصِيلِ أَنْ يُعْزَلَ، كَفِسْقِ الْقَاضِي، أَوْ حُكْمِهِ بِالْهَوَى، أَوْ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع عشر ، الصفحة / 94

حُكْمُ الْقَاضِي لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ:

لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُ فَلاَ يَقْضِي لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَقْضِي لأِحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ نَزَلُوا أَوْ عَلَوْا، وَلاَ لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، وَلِوَكِيلِهِ فِيمَا هُوَ مُوَكَّلٌ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَذَلِكَ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَلِلتَّفْصِيلِ وَاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس عشر ، الصفحة / 266

قَضَاءُ الْحَاقِنِ :

-ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَدَى الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ؛ لأِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الرَّأْيِ وَيَشْغَلُ الْفِكْرَ الْمُوَصِّلَ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ غَالِبًا وَلأِنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  : «لاَ يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ».

وَلَكِنْ إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ. فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَأَصَابَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ.

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

وَجَرَى مِثْلُ هَذَا الْخِلاَفِ بَيْنَ الْحَنَابِلَةِ فِي إِفْتَاءِ الْحَاقِنِ وَالْحَاقِبِ.

فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِتَحْرِيمِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لاَ يُفْتِي الْمُفْتِي وَهُوَ حَاقِبٌ أَوْ حَاقِنٌ، فَإِنْ أَفْتَى وَأَصَابَ صَحَّتْ فَتْوَاهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة / 226

انْعِزَالُ الْقَاضِي:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثلاثون ، الصفحة / 75

عَزْلُ الْقَاضِي لِفِقْدَانِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صَلاَحِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ:

لِلْقَاضِي شُرُوطٌ يَنْبَغِي أَنْ تَتَحَقَّقَ فِي الشَّخْصِ الْمُزْمَعِ تَعْيِينُهُ فِي مَنْصِبِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَفِي عَزْلِ الْقَاضِي التَّفْصِيلُ الآْتِي:

أ - الْجُنُونُ:

الْجُنُونُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَوْ مُتَقَطِّعًا، فَإِنْ كَانَ مُطْبِقًا - فَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى انْعِزَالِ الْقَاضِي وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ قَدْرِ الْمُدَّةِ لاِسْتِمْرَارِهِ حَتَّى يَكُونَ مُطْبِقًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جُنُون ف 8).

أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ: فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ

ب - الإْغْمَاءُ :

لِلْفُقَهَاءِ فِي عَزْلِ الْقَاضِي بِالإْغْمَاءِ رَأْيَانِ:

أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِهِ - وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ - وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ.

وَثَانِيهِمَا - عَدَمُ عَزْلِهِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ نُصُوصِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

ج - الرِّدَّةُ:

الرِّدَّةُ مِنَ الأَْسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِعَزْلِ الْقَاضِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ تَوَلِّيهِ الْقَضَاءَ الإِْسْلاَمَ، فَإِذَا ارْتَدَّ الْقَاضِي فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ التَّوْلِيَةِ وَوَجَبَ عَزْلُهُ؛ لأِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ  لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وَلاَ سَبِيلَ أَعْظَمُ مِنَ الْقَضَاءِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: عَدَمُ عَزْلِ الْقَاضِي بِالرِّدَّةِ إِلاَّ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بَاطِلٌ.

الثَّانِيَةُ: يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ، كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَرْبَعَ خِصَالٍ إِذَا حَلَّتْ بِالْقَاضِي انْعَزَلَ: فَوَاتُ السَّمْعِ أَوِ الْبَصَرِ أَوِ الْعَقْلِ أَوِ الدِّينِ.

د - الْفِسْقُ :

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَزْلِ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْفِسْقِ إِلَى رَأْيَيْنِ:

الأْوَّلُ : اعْتِبَارُهُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ عَزْلِهِ، وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِذْ قَالَ بِهِ كُلُّ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ مَلَكٍ، وَذَلِكَ؛ لأِنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي يَشْهَدُ فِي قَضِيَّةٍ مُنْفَرِدَةٍ، فَاشْتِرَاطُهَا فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى .

الثَّانِي: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْفِسْقِ سَبَبًا لِلْعَزْلِ، وَهُوَ مُقَابِلُ مَا سَبَقَ مِنْ رَأْيَيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

هـ - الرِّشْوَةُ :

أَخْذُ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا كَوْنُهَا سَبَبًا لِعَزْلِ الْقَاضِي أَوْ عَدَمِ عَزْلِهِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِشْوَة ف 18، 19).

و - الْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنْ مُزَاوَلَةِ الْقَضَاءِ :

الْمَرَضُ الْمُؤَقَّتُ - وَهُوَ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ - لاَ يَنْعَزِلُ بِهِ الْقَاضِي، أَمَّا الدَّائِمُ - وَهُوَ مَا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ، فَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِنْ كَانَ يُعْجِزُهُ عَنِ النَّهْضَةِ وَالْحُكْمِ يَنْعَزِلُ بِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ النَّهْضَةِ دُونَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْعَزِلْ وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: يَنْعَزِلُ بِهِ الْقَاضِي عَنِ الْقَضَاءِ، وَيَجِبُ عَلَى الإْمَامِ عَزْلُهُ دُونَ تَفْصِيلٍ

ز - الْعَمَى:

إِذَا عُيِّنَ الْقَاضِي وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ فَالْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ انْعِزَالَهُ؛ لأِنَّ الأْعْمَى لاَ يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُقِرَّ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالشَّاهِدَ مِنَ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ وَلأِنَّ الشَّاهِدَ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بَصِيرًا، مَعَ أَنَّهُ يَشْهَدُ فِي أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْبَصَرِ وَرُبَّمَا أَحَاطَ بِحَقِيقَةِ عِلْمِهَا، وَالْقَاضِي وِلاَيَتُهُ عَامَّةٌ، وَيَحْكُمُ فِي قَضَايَا النَّاسِ عَامَّةً، فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ مِنَ الأْعْمَى الشَّهَادَةُ فَالْقَضَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى

ح - الصَّمَمُ:

وَفِي الصَّمَمِ يَجْرِي مَا وَرَدَ فِي الْعَمَى؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ الأْصَمَّ لاَ يَسْمَعُ قَوْلَ الْخَصْمَيْنِ وَلاَ إِفَادَةَ الشُّهُودِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الأْطْرَشَ - وَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ الْقَوِيَّ - يَصِحُّ قَضَاؤُهُ

ط - الْبُكْمُ:

إِذَا طَرَأَ عَلَى الْقَاضِي الْخَرَسُ اسْتَلْزَمَ عَزْلَهُ - كَمَا سَبَقَ فِي الْعَمَى سَوَاءٌ أَفْهَمَتْ إِشَارَتُهُ أَمْ لَمْ تُفْهِمْ؛ لأِنَّ فِيهِ مَشَقَّةً لِلْخُصُومِ وَالشُّهُودِ، لِتَعَسُّرِ فَهْمِ مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ؛ وَلأِنَّ إِشَارَتَهُ لاَ يَفْهَمُهَا أَكْثَرُ النَّاس.

ى - كَثْرَةُ شَكَاوَى الْمُتَرَافِعِينَ عَلَيْهِ:

إِذَا كَثُرَتِ الشَّكْوَى ضِدَّ قَاضٍ مِنَ الْقُضَاةِ، فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اشْتُهِرَ بِالْعَدَالَةِ، قَالَ مُطَرِّفٌ: لاَ يَجِبُ عَلَى الإْمَامِ عَزْلُهُ، وَإِنْ وَجَدَ عِوَضًا مِنْهُ، فَإِنَّ فِي عَزْلِهِ إِفْسَادًا لِلنَّاسِ عَلَى قُضَاتِهِمْ، وَقَالَ أَصْبَغُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا إِذَا وَجَدَ مِنْهُ بَدَلاً؛ لأِنَّ فِي ذَلِكَ إِصْلاَحًا لِلنَّاسِ، يَعْنِي لِمَا ظَهَرَ مِنَ اسْتِيلاَءِ الْقُضَاةِ وَقَهْرِهِمْ، فَفِي ذَلِكَ كَفٌّ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ فَلْيَعْزِلْهُ إِذَا وَجَدَ بَدَلاً مِنْهُ، وَتَضَافَرَ عَلَيْهِ الشَّكِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَلاً مِنْهُ كَشَفَ عَنْ حَالِهِ وَصِحَّةِ الشَّكَاوَى عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ رِجَالٍ ثِقَاتٍ يَسْتَفْسِرُونَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ صَدَّقُوا ذَلِكَ عَزَلَهُ

وَإِنْ قَالَ أَهْلُ بَلَدِهِ: مَا نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْرًا أَبْقَاهُ وَنَظَرَ فِي أَحْكَامِهِ الصَّادِرَةِ، فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ أَمْضَاهُ، وَمَا خَالَفَ رَدَّهُ، وَأَوَّلَ ذَلِكَ خَطَأً لاَ جَوْرًا

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإْمَامِ عَزْلُهُ لِذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: يَجِبُ عَزْلُهُ

الْقَرَارُ بِعَزْلِ الْقَاضِي :

إِذَا فَقَدَ الْقَاضِي شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَحِيَةِ لِلْقَضَاءِ، أَوْ طَرَأَ سَبَبٌ مِنَ الأْسْبَابِ الْمُوجِبَةِ أَوِ الْمُبَرِّرَةِ لِعَزْلِهِ، فَفِي عَزْلِهِ بِذَلِكَ أَوِ انْعِزَالِهِ التَّفْصِيلُ التَّالِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا حَصَلَتْ بِالْقَاضِي وَاحِدَةٌ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ صَارَ مَعْزُولاً: ذَهَابُ الْبَصَرِ، وَذَهَابُ السَّمْعِ، وَذَهَابُ الْعَقْلِ، وَالرِّدَّةُ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ عَدْلاً فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ... وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ، وَقِيلَ: إِذَا وَلَّى عَدْلاً ثُمَّ فَسَقَ انْعَزَلَ؛ لأِنَّ عَدَالَتَهُ مَشْرُوطَةٌ مَعْنًى؛ لأِنَّ مُوَلِّيَهُ اعْتَمَدَهَا فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى: أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ الْكُفْرَ لاَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ هَلْ يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ أَوْ حَتَّى يَعْزِلَهُ الإْمَامُ ؟

قَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ عَزْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَصَّارِ: أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ انْفَسَخَ عَقْدُ وِلاَيَتِهِ

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا فَقَدَ الْقَاضِي شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ كَأَنْ جُنَّ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ انْعَزَلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَإِذَا عَزَلَ الإْمَامُ الْقَاضِيَ بِنَحْوِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى مَثَلاً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ لِعِظَمِ الضَّرَرِ فِي نَقْضِ أَقْضِيَتِهِ

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَا يَمْنَعُ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ ابْتِدَاءً يَمْنَعُهَا دَوَامًا إِذَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِفِسْقٍ أَوْ زَوَالِ عَقْلٍ، فَيَنْعَزِلُ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّ وُجُودَ الْعَقْلِ وَالْعَدَالَةِ وَنَحْوِهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ  الْوِلاَيَةِ، فَتَبْطُلُ بِزَوَالِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، إِلاَّ فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ (أَيِ الْقَاضِي) فِي حَالِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَتَّى عَمِيَ أَوْ طَرِشَ، فَإِنَّ وِلاَيَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَلَوْ مَرِضَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ تَعَيَّنَ عَزْلُهُ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الإْمَامِ عَزْلُهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 31

إِفْتَاءُ الْقَاضِي:

لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لاَ مَدْخَلَ فِيهِ لِلْقَضَاءِ كَالذَّبَائِحِ وَالأْضَاحِيِّ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِفْتَائِهِ فِي الأْمُورِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْقَضَاءُ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَنَّهُ يُفْتِي فِيهَا أَيْضًا بِلاَ كَرَاهَةٍ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إِنْ أَفْتَى فِيهَا تَكُونُ فُتْيَاهُ كَالْحُكْمِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلاَ يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَقْتَ الْمُحَاكَمَةِ، وَلأِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ، أَوْ تَظْهَرُ لَهُ قَرَائِنُ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عِنْدَ الإْفْتَاءِ، فَإِنْ حَكَمَ بِخِلاَفِ مَا أَفْتَى بِهِ جَعَلَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ سَبِيلاً لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ شُرَيْحٌ: أَنَا أَقْضِي لَكُمْ وَلاَ أُفْتِي، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الإْفْتَاءُ فِي مَسَائِلِ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالأْحْكَامِ وَغَيْرِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَفْتِي خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَهُ فِيهَا.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصَمَ فِيهِ، كَالْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ وَالْجِنَايَاتِ.

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَهَذَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَوْ جَاءَهُ السُّؤَالُ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ فَلاَ كَرَاهَةَ.

ثُمَّ إِنْ أَفْتَى الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَيَجُوزُ التَّرَافُعُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ حَكَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فِي النَّازِلَةِ بِعَيْنِهَا بِخِلاَفِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ وَإِنْ رَدَّ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِعَدَالَتِهِ، وَلاَ يُقَالُ: إِنَّهُ حَكَمَ بِكَذِبِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْهِلاَلَ، لأِنَّ الْقَضَاءَ لاَ يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ.

كَمَا تَقَدَّمَ (ف 2، 9).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 319

مَسْئُولِيَّةُ الْقَاضِي:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْئُولِيَّةِ الْقَاضِي، هَلْ يُؤَاخَذُ بِمَا يَقَعُ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ أَخْطَاءٍ أَمْ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُسَاءَلَتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَا يَجْرِي عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ وَالأْحْكَامِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ، بِأَنْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، فَالأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ؛ لأِنَّهُ بِالْقَضَاءِ لَمْ يَعْمَلْ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ، فَلاَ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ.

ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، بِأَنْ كَانَ مَالاً وَهُوَ قَائِمٌ، رَدَّهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ قَضَاءَهُ وَقَعَ بَاطِلاً وَرَدُّ عَيْنِ الْمَقْضِيِّ بِهِ مُمْكِنٌ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ»؛ وَلأِنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَلأِنَّ الْقَاضِيَ عَمِلَ لَهُ فَكَانَ خَطَؤُهُ عَلَيْهِ، لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ؛ وَلأِنَّهُ إِذَا عَمِلَ لَهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالطَّلاَقِ، بَطَلَ لأِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَضَاءَهُ كَانَ بَاطِلاً، وَأَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ فَيُرَدُّ بِخِلاَفِ الْحُدُودِ وَالْمَالِ الْهَالِكِ؛ لأِنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ بِنَفْسِهِ فَيُرَدُّ بِالضَّمَانِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَالِصًا فَضَمَانُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لأِنَّهُ عَمَلٌ فِي الدَّعْوَى لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهَا إِلَيْهِمْ وَهُوَ الزَّجْرُ، فَكَانَ خَطَؤُهُ عَلَيْهِمْ وَلاَ يَضْمَنُ الْقَاضِي.

وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْجَوْرِ عَنْ عَمْدٍ وَأَقَرَّ بِهِ، فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِالْجِنَايَةِ وَالإِْتْلاَفِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي وَيُعْزَلُ عَنِ الْقَضَاءِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشُّهُودِ وَحَكَمَ بِمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ رَجْمٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ، فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ دُونَ الشُّهُودِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِمَا يَقْدَحُ فِي الشَّاهِدِ كَالْفِسْقِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَادَّعَى أُنَاسٌ أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ لاَ خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَلاَ يُنْظَرُ فِيمَا قَالُوا عَنْهُ إِلاَّ أَنْ يَرَى الَّذِي بَعْدَهُ جَوْرًا بَيِّنًا فَيَرُدَّهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْقَاضِي.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ بَانَ كَوْنُهُمَا مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي نَقْضُ حُكْمِهِ، فَإِنْ كَانَ طَلاَقًا أَوْ عَقْدًا فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَقْدَ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَاتَتْ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَتْلاً أَوْ قَطْعًا أَوْ حَدًّا اسْتُوْفِيَ وَتَعَذَّرَ التَّدَارُكُ، فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي عَلَى الأْظْهَرِ وَفِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقَوْلِ الآْخَرِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْقَاضِي لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، وَلاَ عَلَى الشُّهُودِ لأِنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَإِذَا غَرِمَتِ الْعَاقِلَةُ أَوْ بَيْتُ الْمَالِ فَهَلْ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ عَلَى الشُّهُودِ، فِيهِ خِلاَفٌ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: يَرْجِعُ الْغَارِمُ عَلَى الْمُزَكِّينَ لأِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الأْمْرَ عَلَى خِلاَفِ قَوْلِهِمْ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ خِلاَفُ قَوْلِ الشُّهُودِ وَلاَ رُجُوعَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْقَاضِي.

وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالاً، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عِنْدَ الْمَحْكُومِ لَهُ انْتُزِعَ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا أُخِذَ مِنْهُ ضَمَانُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ مُعْسِرًا أَوْ غَائِبًا، فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْقَاضِي لِيَغْرَمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي قَوْلٍ وَمِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي قَوْلٍ آخَرَ لأِنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ نَفْسٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِلَةِ، وَيَرْجِعُ الْقَاضِي عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ إِذَا ظَفِرَ بِهِ مُوسِرًا، وَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الشُّهُودِ خِلاَفٌ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا سَبَقَ قِيلَ: إِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَتَخَيَّرُ فِي تَغْرِيمِ الْقَاضِي وَتَغْرِيمِ الْمَحْكُومِ لَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا حَكَمَ بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَهَرَ فِيمَا بَعْدُ عَدَمُ جَوَازِ شَهَادَتِهِمَا، وَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ مُخْطِئٌ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَفِي مَحَلِّهَا رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: فِي بَيْتِ الْمَالِ لأِنَّهُ نَائِبٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَكِيلُهُمْ، وَخَطَأُ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ مُوَكِّلِهِ عَلَيْهِ؛ وَلأِنَّ خَطَأَ الْقَاضِي يَكْثُرُ لِكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِ وَحُكُومَاتِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ مُؤَجَّلَةٌ.

وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَالٍ بِمُوجِبِ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إِنْ كَانَ قَائِمًا وَعِوَضُهُ إِنْ كَانَ تَالِفًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاضِي ضَمَانُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لاَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ فَاسِقَيْنِ وَيَغْرَمُ الشُّهُودُ الْمَالَ.

وَقَالُوا: إِنْ بَانَ خَطَأُ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ - فِي إِتْلاَفٍ - بِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ لاَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ضَمِنَ الْقَاضِي مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ.

الْمَقْضِيُّ لَهُ:

لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ رَضِيَ خَصْمُهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ كَالإْقْرَارِ مِنْهُ بِمَا ادَّعَى خَصْمُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ لِشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِلإْمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ، أَوْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَلَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شُرَيْحًا وَخَاصَمَ عِنْدَهُ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنِ الإْمَامِ.

وَلاَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لأِنَّ مَبْنَى الْقَضَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلاَ يَصِحُّ شَاهِدًا لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، فَلاَ يَصِحُّ قَاضِيًا لَهُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ لأِنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ لَجَازَ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَلاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلاَ وَلاَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَقَالُوا: يَنْفُذُ حُكْمُهُ لأِنَّهُ حَكَمَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأْجَانِبَ، وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا الْمَاوَرْدِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ جَوَّزَهُ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ وَصِيَّ الْيَتِيمِ إِذَا وُلِّيَ الْقَضَاءَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ يَقْضِي لَهُ كَوَلَدِهِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَقْضِي لَهُ؛ لأِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَلِيُّ الأْيْتَامِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الأْصْحَابِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لاِمْرَأَتِهِ وَأُمِّهَا وَإِنْ كَانَتَا قَدْ مَاتَتَا إِذَا كَانَتِ امْرَأَتُهُ تَرِثُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ لأِجِيرِهِ الْخَاصِّ وَمَنْ يَتَعَيَّشُ بِنَفَقَتِهِ.

وَفِي قَضَاءِ الْقَاضِي لأِقَارِبِهِ الَّذِينَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمَنْعُ لِمُحَمَّدٍ وَمُطَرِّفٍ، وَالْجَوَازُ لأِصْبَغَ، فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَاسْتَثْنَى مِنَ الْجَوَازِ الزَّوْجَةَ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَيَتِيمَهُ الَّذِي يَلِي مَالَهُ، وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لاَ يَحْكُمُ لِعَمِّهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَالرَّابِعُ التَّفْرِقَةُ، فَإِنْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ وَكَانَتِ الشَّهَادَةُ ظَاهِرَةً جَازَ إِلاَّ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَيَتِيمِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَبَيْنَ خَصْمِهِ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني ، الصفحة / 85

قَضَاءُ الْقَاضِي الْحَاقِنِ:

لاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَهُوَ حَاقِنٌ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَضَائِهِ وَنَفَاذِ حُكْمِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَهُوَ حَاقِنٌ؛ لأِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «لاَ يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ.».

فَإِذَا قَضَى وَهُوَ حَاقِنٌ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ قِيَاسًا عَلَى قَضَاءِ الْغَضْبَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رَأْيٍ ثَانٍ لَهُمْ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ حَاقِنٌ. فَإِذَا حَكَمَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لأِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَقِيلَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّمَا يَمْنَعُ الْغَضَبُ الْحَاكِمَ إِذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَّضِحَ لَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَأَمَّا إِنِ اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ ثُمَّ عَرَضَ الْغَضَبُ لاَ يَمْنَعُهُ؛ لأِنَّ الْحَقَّ قَدِ اسْتَبَانَ قَبْلَ الْغَضَبِ فَلاَ يُؤَثِّرُ الْغَضَبُ فِيهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس ، الصفحة / 271

إِغْمَاءُ الْقَاضِي:

صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ عَنْ وِلاَيَةِ الْقَضَاءِ، وَإِذَا أَفَاقَ لاَ تَعُودُ وِلاَيَتُهُ عَلَى الأْصَحِّ، وَلاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ حَالَ إِغْمَائِهِ، وَفِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ تَعُودُ وِلاَيَتُهُ إِذَا أَفَاقَ.

أَمَّا غَيْرُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ صَرَاحَةً، إِلاَّ أَنَّ مَفْهُومَ النُّصُوصِ عِنْدَهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْعَزِلُ بِالإْغْمَاءِ، فَقَدْ جَاءَ فِي ابْنِ عَابِدِينَ: لَوْ فَسَقَ الْقَاضِي أَوِ ارْتَدَّ أَوْ عَمِيَ ثُمَّ صَلُحَ وَأَبْصَرَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ.

وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: لاَ يُعْزَلُ الْقَاضِي إِلاَّ بِالْكُفْرِ فَقَطْ.

وَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: يَتَعَيَّنُ عَزْلُ الْقَاضِي مَعَ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقَضَاءِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى إِقَامَةِ غَيْرِهِ.