جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بشأن المادة 315 منه المطابقة للمادة 148 من القانون الحالى أنه:
ذكر القانون الجديد في المادة 315 أسباب رد القاضي وذكر في آخرها حكم القانون الحالي الذي يجيز الرد إذا كان بين القاضي وبين أحد . الخصوم عداوة شديدة أي مودة وثيقة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغیر میل. وعملا بهذا الحكم يجوز رد القاضي لعداوة شخصية ولو لم تنشأ عنها قضية أو لمودة متينة ولو لم تنشأ عنها زوجية أو قرابة أو مصاهرة أو مؤاكلة. وقد اهتدى القانون الجديد في التمييز بين أسباب عدم الصلاحية وأسباب الرد بنصوص القانون الألماني والقانون التركي والقانون الصيني .
1 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن أسباب عدم صلاحية القاضى والحالات التى يجوز فيها رده عن نظر الدعوى قد وردت فى المادتين 146،148 من قانون المرافعات على سبيل الحصر ولا يجوز-التوسع فيها أو القياس عليها. وكانت الفقرة الخامسة من المادة 146 من قانون المرافعات تنص على أن يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم إذا كان قد أقنى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق نظرها قاضيا أو خبيرا -أو محكما أو كان قد أدى شهادة فيها فإن ذلك يدل على أن القاضى يكون غير صالح لنظر الدعوى متى كان قد سبق له أن أصدر فيها حكما فاصلا أو حكما فرعيا قطعيا فى جزء منها أو أتخذ فيها إجراءا أو قراراً يشف عن ابداء رأيه أو وجهة نظرة فيها يتعارض مع ما يشترط فى القاضى من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزنا محايداً .
(الطعن رقم 1939 لسنة 59 جلسة 1994/03/09 س 45 ع 1 ص 476 ق 98)
2 ـ تقدير وجود عداوة بين القاضى و أحد الخصوم يرجح معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل مما يجيز طلب رده طبقاً لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 148 من قانون المرافعات أو نفى ذلك من المسائل التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع بلا معقب عليها لمحكمة النقض فى ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تستند إلى أصل ثابت فى الأوراق . و لما كان البين من الرجوع إلى المذكرة المقدمة من المطعون ضده رداً على دعوى المخاصمة التى أقامها الطاعن عليه أن العبارات التى إستدل بها الأخير على وجود عداوة بينهما و نصها " و إنى أهيب بعدالة المحكمة سرعة الفصل فى الدعوى حتى تضع الأمور فى نصابها و لنا شأن مع المخاصم بعد ذلك فيما رخصه لنا القانون مع أمثاله " لا تشير إلى وجود عداوة و لا تعدوا أن تكون إفصاحاً من المطعون ضده عن حقه فى مساءلة الطاعن قانوناً عن إساءة إستعمال حق التقاضى فى سلوكه دعوى المخاصمة وفقاً لما يسفر عنه الحكم فيها ، مما لا يندرج ضمن حالات الرد المنصوص عليها قانوناً .
(الطعن رقم 2335 لسنة 50 جلسة 1990/01/18 س 41 ع 1 ص 196 ق 40)
3 ـ أسباب المخاصمة و ردت فى المادة 494 من قانون المرافعات على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها أو رفع دعوى المخاصمة لغيرها من الأسباب و المقصود بالتدليس و الضرر هو الإنحراف عن العدالة عن قصد و بسوء نية إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية فى خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة ، و المخاصم لم ينسب للسيد المستشار رئيس الدائرة المخاصمة شيئاً من ذلك ، و ما أورده لا يقوم به سبب آخر من أسباب المخاصمة المنصوص عليها فى المادة سالفة الذكر ، و الثابت أن الحكم محل دعوى المخاصمة قد صدر من الشركة المملوكه لأربعة هم أولاد و زوجة المهندس المقول بمودة بينه و بين السيد رئيس الدائرة التى أصدرت ذلك الحكم ، و تنحية القاضى عن نظر الدعوى لسبب من الأسباب المنصوص عليها فى المادة 148 من قانون المرافعات و منها رابطة المودة التى يرجع معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل إنما يكون بطلب ردة عن نظر الدعوى بالإجراءات التى نصت عليها المادة 153 من قانون المرافعات أو بأن يكون القاضى قد إستشعر من تلقاء نفسه الحرج من نظرها لآى سبب و رأت هيئة المحكمة أو رئيسها إقراره على التنحى بالتطبيق لنص المادة 150 من القانون المذكور و تقدير مبلغ هذا التأثير متروك لضمير القاضى نفسه و إذ كان الطالب بصفته لم يتخذ الطريق القانونى للرد و لم ير رئيس الدائرة من جهته سبباً لتنحيه و من ثم فلا جناح على الدائرة المخاصمة إذ مضت فى نظر الدعوى و الفصل فيها .
(الطعن رقم 598 لسنة 57 جلسة 1987/06/04 س 38 ع 2 ص 778 ق 164)
4 ـ لئن كان قبول مذكرات و أوراق من أحد الخصوم دون إطلاع الخصم الآخر عليها جزاؤه البطلان إلا أن هذا البطلان لا يصلح سبباً للطعن بالنقض وفقاً لنص المادة 3/148 من قانون المرافعات إلا إذا كان من شأنه التأثير فى الحكم .
(الطعن رقم 1199 لسنة 52 جلسة 1986/11/27 س 37 ع 2 ص 885 ق 183)
5 ـ إذ كانت العداوة أو المودة المعاينة بنص المادة 148 من قانون المرافعات - يجب أن تكون شخصية - فإن العمل السابق لرئيس الدائرة بنيابة أمن الدولة العليا فى عهد تناوله الطالب بالنقد ليس من شأنه أن يولد العداوة بينهما أو صلة المودة مع خصمه .
(الطعن رقم 1 لسنة 55 جلسة 1986/11/04 س 37 ع 1 ص 78 ق 19)
6 ـ تنحية القاضى عن نظر الدعوى سبب من الأسباب المنصوص عليها فى المادة 148 من قانون المرافعات و منها العداوة أو المودة بأحد الخصوم متى كان يرجح معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل إنما يكون بطلب رده عن نظر الدعوى أو بأن يكون القاضى قد إستشعر الحرج من نظرها لأى سبب و رأت هيئة المحكمة أو رئيسها إقراره على التنحى عملاً بنص المادة 150 من قانون المرافعات ، لما كان ذلك و كانت الطاعنة لم تتخذ الطريق القانونى للرد و كان القاضى من جهته لم ير سبباً للتنحى فلا يجوز - حتى و لو كان هناك ما يقتضى إلا يشترك القاضى فى الحكم - أن يطعن لدى محكمة النقض ببطلان الحكم .
(الطعن رقم 1447 لسنة 50 جلسة 1984/06/07 س 35 ع 2 ص 1564 ق 300)
7 ـ إذ كان المشرع قد خص القضاء بإجراءات حددها التقرير بعدم صلاحيتهم و ردهم و تنحيتهم ضمنها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التى إستثناها لمساءلة من إنحراف عن إستعمال حق التقاضى على النحو السالف بيانه و هو ما أشار إليه حين نص فى المادة 165 من ذات القانون على إنه " إذا رفع القاضى دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص زالت صلاحيته للحكم فى الدعوى و تعين عليه أن يتنحى عن نظرها " مؤكداً بذلك حق التقاضى الذى تقرر برده فى أن يلجأ إلى القضاء للحكم له على طالب الرد بالتعويض " لما كان ذلك و كان البين من الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه من الحكم المطعون فيه أنه أقام بإلزام الطاعنة بالتعويض المحكوم به على قوله أن " .......... الثابت للمحكمة من مطالعة سائر أوراق الدعوى و على الحكم الصادر فى طلب الرد الرقيم ..... و القاضى برفض طلب الرد المقدم من المدعى عليها الطاعنة فى الدعوى المطروحة أنه تضمن فى حيثياته أن الأسباب التى بنت عليها طالبة الرد طلبها ليست من الأسباب الواردة بنص المادة 148 مرافعات و تقيداً بقوة الأمر المقضى للحكم المذكور و أخذاً بما ثبت للمحكمة من باقى أوراق الدعوى فإنه يكون من الثابت لدى المحكمة أن المدعى عليها و هى تباشر حقها فى طلب رد المدعى قد إنحرفت عن السلوك المألوف للشخص العادى و إنحرفت بهذا الحق عما و ضع له و إستعملته إستعمالاً كيدياً إبتغاء مضارة المدعى الأمر الذى يتوافر به الخطأ التقصيرى فى حقها و تسأل معه عما أصاب المدعى من أضرار مترتبة على هذا الخطأ ..... و أى ضرر أقسى و أمر على نفس القاضى ..... أن تجعل المدعى عليها نزاهته و حيدته محل الشك من الخصوم و سمعته مضغة فى الأفواة ....... " و كان ما إستند إليه هذا الحكم فى إثبات الخطأ فى جانب الطاعنة و علاقة السببية بينه و بين الضرر الذى أصاب المطعون عليه سائغاً كافياً لحمل قضائه فى هذا الخصوص و يؤدى إلى ما إنتهى إليه من مساءلة الطاعنة عما أصاب المطعون عليه من جراء هذا الخطأ .
(الطعن رقم 183 لسنة 55 جلسة 1989/01/15 س 40 ع 1 ص 132 ق 30)
رد القاضي :
ينص القانون على أسباب أقل قوة في تأثيرها على حياد القاضي من أسباب عدم الصلاحية إذا توافر إحداها وجب على القاضي أن يتنحى عن نظر الدعوى .
ويتم هذا التنحي بأن يقوم القاضي بإخبار المحكمة التابع لها في غرفة المشورة . أو رئيس المحكمة الإبتدائية التي يعمل بها . بالسبب القائم به ، فتأذن له المحكمة بالتنحي (مادة 149 مرافعات) . ويلاحظ في هذا الصدد أن تنحى القاضي في هذه الأحوال وجوبي ، وأن المحكمة لا تفعل سوى التأكد من توافر سبب التنحي فتأذن له به فإذا لم يقم القاضي بواجب التنحي كان الكل خصم السلطة في أن يطلب من المحكمة رد القاضي عن نظر الدعوى . وتثبت هذه السلطة لأي من الخصوم المدعى أو المدعى عليه . فإن لم يتم التنحى أو يقضى بالرد . فان الحكم الصادر في الدعوى يكون صحيحاً. ولا يجوز التمسك بسبب الرد كسبب للطعن في الحكم .
(نقض مدني في 31 يناير 1983 - في الطعن رقم 170 لسنة 48 ق).
ومن المقرر في كل من القانونين الفرنسي والإيطالي ، أنه لا يجوز رد القاضي لأي سبب من شأنه عدم ضمان حياد القاضي ، إلا إذا كان من الأسباب المحددة التي أوردها القانون على سبيل الحصر وعلة هذا هو عدم تشجيع الخصوم على التمادي في إثارة الشكوك غير المستندة إلى أساس حول شخص القاضي ، وبالتالي تفادي إستعمال الخصوم لسلطتهم في الرد على نحو يؤدي إلي عكس الهدف من النظام . ولكن القانون المصري وجد أن من المبالغة تحديد أسباب الرد على سبيل الحصر الجامد ، كما أنه - من ناحية أخرى لم يشأ أن يترك هذه الأسباب دون تحديد ، فاختار طريقاً وسطاً ، فبعد أن نص في المادة 148 مرافعات على أسباب محددة ، أورد في نهاية المادة نصاً عاماً يجيز رد القاضي كلما قام بين القاضي وأحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.
وأسباب الرد في القانون المصري هي :
1- إذا كان القاضي أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها. والمقصود بالتماثل أن تثير دعوى القاضي أو زوجته نفس المسألة القانونية التي تثيرها الدعوى المطلوب رده عنها ذلك أن القاضي سيميل - طبيعياً - إلى حل هذه المسألة على النحو الذي يتفق مع وجهة نظره في دعواه أو دعوى زوجته.
2- إذا جدت للقاضي أو لزوجته خصومة مع أحد الخصوم أو مع زوجته بعد قيام الدعوى المطلوب رد القاضي عن نظرها. ويشترط ألا تكون هذه الخصومة قد بدأها خصم القاضي أو زوجته بقصد رد القاضي عن نظر دعواه .
3- إذا كان المطلقة القاضي التي لها منه ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته . ويستوي أن تكون هذه الخصومة قد أقيمت قبل رفع الدعوى المطروحة على القاضي أو بعد رفعها . على أنه يجب في هذه الحالة الأخيرة ألا تكون قد أقيمت بقصد رد القاضي .
4- إذا كان أحد الخصوم خادما للقاضي ، أو كان القاضي قد إعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته أو كان قد تلقى منه هدية سواء قبل رفع الدعوى أو بعده . وإعتياد المؤاكلة يعني تكرار المشاركة في الطعام ولو على مائدة الغير . أما إعتياد المساكنة فيعني السكن المشترك لبعض الوقت ولا يكفي مجرد السكن معاً في نفس المبنى في شقق منفصلة .
5- إذا كان بين القاضي وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل . وهذا سبب عام ، تندرج تحته كثير من الصور سواء مما ذكر سابقاً كأسباب للرد أو غيرها . وتقديره يكون متروكاً للمحكمة التي تنظر طلب الرد حسب ظروف وملابسات الدعوى. ولا يخضع تقدير وجوده أو نفيه لرقابة محكمة النقض . على أنه يلاحظ أنه يجب أن تكون المودة أو العداوة شخصية ، فلا يكفي إتفاق القاضي أو إختلافه مع الخصم في آرائه الفكرية أو السياسية ، كما لا تكفي المودة بين القاضی وشقيق الخصم. ومن ناحية أخرى، يجب ألا تكون العداوة قد بدأها الخصم مع القاضي بعد رفع الدعوى بقصد رده عن نظرها . وأخيراً يجب أن تكون المودة أو العداوة من القوة بحيث يستنتج منها أنه لا يمكن القاضي أن يحكم بغير ميل ، أي أن يكون من شأنها أن تدفعه إلى القضاء بغير الحق.
ولأن سبب الرد يتعلق بصلة القاضي بالقضية أو بأحد الخصوم فيها، فإنه يجب أن يشتمل طلب الرد على تحديد القاضي أو القضاة المطلوب ردهم . فلا يجوز أن يوجه طلب الرد إلى الدائرة دون تحديد أسماء أعضائها وسبب الرد المتعلق بكل منهم . ومن ناحية أخرى، لإعتبار عملي ، لا يجوز أن يوجه طلب الرد إلى جميع قضاة المحكمة أو إلى بعضهم بحيث لا يبقى منهم من يكفي للحكم في طلب الرد أو في موضوع الدعوى عند قبول طلب الرد (164 مرافعات معدلة بالقانون 23 لسنة 1992).
وأياً كان سبب الرد ، فإنه لا يكفى لقيام واجب القاضي بالتنحى أو سلطة الخصم في طلب الرد مجرد انتماء القاضي إلى المحكمة التي رفعت إليها الدعوى ، بل يجب أن يكون قد عهد إليه بنظرها .
الطبيعة الخاصة لخصومة الرد :
تعتبر خصومة الرد خصومة حقيقية بين طالب الرد والقاضي ترمي إلى تقرير وجود إلتزام القاضي بالتنحي وعدم صلاحيته لهذا النظر الدعوى . وهي خصومة ذات طبيعة قضائية إذ تهدف إلى صدور حكم يقرر حقاً للمدعي طالب الرد في مواجهة القاضي . وهو حكم يحوز حجية الأمر المقضى ، شأنه شأن أي حكم فاصل في دعوى قضائية . على أن خصومة الرد خصومة «ذات طبيعة خاصة تختلف في طبيعتها وأطرافها وموضوعها عن باقي الخصومات .
ولهذا رسم المشرع طريقاً معيناً لتقديم طلب الرد ، وتطلب في شأنه إجراءات محددة وأحاطه بعدة قيود .
وقد إستهدف من هذه القيود «تحقيق الصالح العام لكي يحول دون إنحراف الخصوم في إستعمال الحق في هذا الطلب لأسباب غير جدية أو الإساءة في إستعماله وصولاً إلى تعويق السير في الدعوى المنظورة أمام المحكمة أو بغية إقصاء القاضي بغير مسوغ مشروع عن نظرها»
(نقض مدنى 14 يونيو 1990 - في الطعن 15 لسنة 60 ق) .
وتأكيداً لهذا الهدف ، ونظراً لما لوحظ من زيادة مضطردة في طلبات الرد، أدخل المشرع بالقانون 23 لسنة 1992 تعديلات جوهرية على نظام رد القضاة ، راعى فيها أساساً الحفاظ على هيبة القضاة وعدم المساس بهم ، وعدم تمكين الخصوم من إساءة إستعمال حقهم في الرد. (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 423)
رد القضاة:
يقصد برد القاضي إبعاده عن نظر الدعوى والحكم فيها لعدم إطمئنان الخصم إلى القضاء الذي يصدره متى توافر سبب من الأسباب التي أوردها المشرع على سبيل الحصر سواء تعلقت بعدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة (146) أو المادة (148) .
وأسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة الأولى هي أسباب لرد القاضي عن نظر الدعوى تتعلق بالنظام العام مما يجوز معه التمسك بها في أية حالة تكون عليها الدعوى ولا يسقط الحق فيها بإبداء أي دفع أو دفاع في الدعوى ، وإذا قام بالقاضي أحد أسباب عدم الصلاحية واستمر في نظر الدعوى دون أن يرده الخصم، فإن الحكم الذي يصدر فيها يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً يجوز معه للخصم الطعن فيه والتمسك بهذا البطلان لعدم صلاحية القاضي، ويظل له هذا الحق ولو لم يتمسك بالبطلان بصحيفة الإستئناف ، مفاد ذلك أن رد القاضي لعدم صلاحيته يتم قبل أن يصدر حكماً في الدعوى فإن أصدره فلا رد وإنما طعناً في الحكم وطلب القضاء ببطلانه، ولما كانت العبرة بمرمى الدفاع، فإن طلب الرد الذي يبدي عند الطعن في الحكم إنما ينصرف إلى بطلانه لعدم صلاحية القاضي، وإن كان للمحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها، فإنها إذا كيفت الدفع وإعتبرته منصرفاً إلى بطلان الحكم، لا تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصم.
أما أسباب الرد التي أوردتها المادة (148) فقد تقررت لإضفاء الطمأنينة على الخصم، بحيث إن إطمأن إلى قاضيه ولم يطلب رده وأبدى دفوعه وأوجه دفاعه المتعلقة بموضوع الدعوى، فإنه يكون قد أسقط حقه في طلب الرد وقصد بذلك إلى إستمرار القاضي في نظر الدعوى والحكم فيها، ولما كان الساقط لا يعود، إمتنع عليه التمسك بالرد أثناء نظر الدعوى أو طلب بطلان الحكم بعد صدوره.
ويسري على سقوط الحق في طلب الرد ما قررناه بصدد الدفوع الشكلية بالمادة (108) فنحيل إليها.
وإذا قام بالقاضي سبب من اسباب الرد المنصوص عليها بالمادة (148) وإتفق الخصوم على إستمراره في نظر الدعوى ، سقط حقهم في رده بعد ذلك ، ولو لم يكن طالب الرد قد تقدم بدفع أو دفاع لأن المشرع إن كان قد أسقط الحق في الرد بإظهار الإرادة الضمنية الدالة على ذلك والمستمدة من إبداء الدفع أو الدفاع، فمن باب أولى يسقط الحق في الرد بإظهار الإرادة الصريحة الدالة على التنازل عن طلب الرد.
أسباب رد القضاة:
وردت أسباب رد القضاة على سبيل الحصر في المادتين (146) ، (148) وسبق أن أوضحنا بالمادة الأولى أسباب عدم الصلاحية التي تجيز رد القاضي إن لم يتنحى من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى. ونتناول فيما يلي أسباب الرد التي نصت عليها المادة (148).
(1) أن يكون القاضي أو زوجته خصما في دعوى مماثلة:
إذا كان للقاضي أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها جاز لأي من الخصوم رده ، يستوي أن يكون القاضي طعن فيها أو مدعى عليه، ويقصد بالتماثل، وجود تشابه في وقائع الدعويين بحيث يخضعان لنصوص قانونية واحدة مما قد يؤدي بالقاضي إلى الميل لأوجه دفاعه التي أبداها في دعواه وإصدار قضائه بما يتفق معها ولو لم يقصد أن يستدل به في دعواه ، بل إن الحق في الرد يظل قائماً حتى لو كانت الدعويان تخضعان لمبادئ قانونية و قضائية مستقرة لا خلف فيها مما يحول دون إنشاء سابقة قضائية.
مثال ذلك أن يشتري القاضي - أو زوجته - وحدة سكنية بعقد غير مسجل ويتصرف البائع فيها مرة ثانية ويبادر المشتري الثاني بتسجيل عقده فيضطر القاضي إلى رفع دعوى ضد البائع والمشتري الثاني ببطلان عقد البيع الصادر للأخير وبإلزام البائع بتسليم العين ، وتكون هذه الوقائع حدثت مع مشتر آخر سبق له رفع دعوى مماثلة للدعوى التي رفعها القاضي، فإن هذا التماثل يكون سبباً لرد القاضي سواء تطابقت الطلبات أم إختلفت فقد لا يطلب في إحدى الدعويين التسليم، وقد يضاف في إحداها طلب صحة ونفاذ العقد الصادر للمدعي، ذلك أن قضاء النقض قد إستقر على بطلان عقد البيع اللاحق الوارد على وحدة سكنية ولو كان مسجلاً.
ويستوي أن توجد الوحدتان في عقار واحد مملوك لبائع واحد أو في عقارين مختلفين لبائعين مختلفين وفي بلدتين مختلفتين لأن السبب الذي ينشئ الحق في الرد يرجع إلى مجرد الميل لأوجه دفاع القاضي.
وإن كان القاضي قد تقدم بمذكرة ولو عن طريق محاميه أو تضمنت صحيفة الدعوى رأياً في النزاع المماثل للدعوى المنظورة وليس في دعوى مماثلة، ولأن الوقائع والطلبات التي تضمنتها صحيفة الدعوى إنما تحرر وفقاً لما يقرره المدعى لمحاميه.
ويجب أن تكون الدعوى المماثلة لدعوى القاضي مرفوعة بالفعل، بأن تكون صحيفتها مودعة قلم الكتاب في تاريخ سابق على إيداع صحيفة دعوي القاضي، فإن كانت لاحقة عليها، فإنها تكون سبباً للرد إلا إذا كان القصد من رفعها خلق سبب لرد القاضي بأن تكون دعوى لا سند لها من الواقع.
كما يجب أن توجد دعوى قضائية مطروحة على القضاء ، فلا يكفي وجود منازعة أو شكاوى أو حتى تقديم طلب للجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الدعوى.
ويسقط الحق في الرد إذا قدم الطالب دفئاً أو دفاعاً في الدعوى متی کان عالماً في هذا الوقت بالدعوى المماثلة مما يحول دونه بعد ذلك وطلب الرد أو الطعن في الحكم التقرير بطلانه لعدم تنحي القاضي عن نظر الدعوى ، فإن كان غير عالم بالدعوى المماثلة عند إبداء أوجه دفاعه فلا يسقط حقه في الرد بشرط إثباته لذلك عملا بالمادة (151).
(2) إذا جدت خصومة مع أحد خصوم الدعوى المنظورة:
إذا رفعت دعوى على القاضي أو زوجته من أحد خصوم الدعوى المنظورة وذلك بعد رفع الدعوى الأخيرة أو رفع القاضي أو زوجته دعوي على أحد هؤلاء الخصوم وذلك أيضاً بعد رفع الدعوى المنظورة ، كان ذلك سبباً لرد القاضي ما لم يكن القصد من رفع أحد الخصوم الدعوى ضد القاضي أو زوجته هو رد القاضي عن نظر الدعوى وفي هذه الحالة لا يقوم بالقاضي سبب لرده.
فإن لم تكن دعوى أحد الخصوم قد رفعت بعد رفع الدعوى المنظورة وإنما تكون قد رفعت قبلها، فإن القاضي يكون غير صالح لنظر الدعوى المطروحة عليه على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة (146) فنحيل إليها.
(3) وجود خصومة مع أحد خصوم الدعوى المنظورة :
يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته على نحو ما أوضحناه بالمادة (146)، فإن لم تكن الخصومة القائمة معه أو مع زوجته وإنما مع مطلقته التي له منها ولد - أو بنت إذ يطلق لفظ الولد على الجنسين معاً - أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب، فإن ذلك لا يؤدي إلى عدم صلاحيته ولكن يكون سبب لرده عن نظر الدعوى عملاً بالمادة (148) ومن ثم يجب طلب الرد قبل إبداء أي دفع أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه متى كان الطالب يعلم بتلك الصلة فإن ادعى عدم علمه وأثبت ذلك كان له الحق في الرد ولو بعد إبداء أوجه دفاعه وفقاً المادة (151).
ويجب القيام سبب الرد الماثل ألا يكون القصد من رفع الدعوى رد القاضي عن نظر الدعوى المطروحة عليه إذا ما أقام الخصم دعواه بعد الدعوى الأخيرة، أما إذا كان قد أقامها قبل ذلك، فيقوم بالقاضي سبب للرد.
والقرابة ، إما أن تكون قرابة نسب وإما أن تكون قرابة مصاهرة وتتحقق قرابة النسب عندما ينسب بعض الأشخاص الأصل واحد، وإما أن تكون قرابة مباشرة وهي التي تصل الأصل بفرعه مهما نزل والفرع بأصله مهما علا ، كالشخص بأولاده وأحفاده وأبناء أحفاده مهما نزلوا، أو بأبيه وجده مهما علوا ، وهو ما يطلق عليه «عمود النسب» .
وقد تكون قرابة النسب قرابة حواشي وهي القرابة غير المباشرة، فتتحقق بالنسبة للأشخاص الذين يتفرعون من عمود النسب ويجمعهم أصل مشترك.
أما قرابة المصاهرة، فتتحقق عندما يتزوج أحد أفراد الأسرة من زوج ينتمي لأسرة أخرى، وحينئذ تقوم قاربة المصاهرة بين زوج وأقارب الزوج الآخر ويكون الزوجان في درجة واحدة بالنسبة لأقارب الزوج الآخر.
ولم يعتد المشرع في المادة (148) بدرجة قرابة القاضي لأحد الخصوم .
وإنما أقام سبب الرد على وجود قرابة على عمود النسب ، سواء كانت قرابة نسب أو مصاهرة، ولذلك لا يقوم سبب الرد إلا إذا وجدت خصومة قائمة بين أبناء القاضي وإن نزلوا، أو آبائه وإن صعدوا، أي أن يقتصر هذا السبب على القرابة المباشرة فقط دون قرابة الحواشي لأنها متفرعة من عمود النسب ويسرى ذلك بالنسبة للزوجة، إذ يقف كل من الزوجين على عمود نسب الآخر.
كما يقوم سبب الرد إذا وجدت قرابة مصاهرة بين أحد الخصوم وبين فرع من فروع القاضي أو أصل من أصوله فهؤلاء هم الذين يوجدون على عمود النسب، فزوج إبنة القاضي أو زوجة إبنه، هما أقرباء القاضي على عمود النسب قرابة مصاهرة، أما والد زوج إبنة القاضي أو والد زوجة إبنه ، فليس أحدهما قريب للقاضي على عمود النسب. ووالد زوجة القاضي صهر له على عمود النسب، أما شقيق زوجته فليس قريب له على عمود النسب.
(4) إذا كان أحد الخصوم خادماً لدى القاضي:
يجوز رد القاضي إذا كان أحد الخصوم خادماً لدى القاضي، ويقصد بالخادم كل من تربطه بالقاضي علاقة تبعية تؤدي إلى الإئتمار بأوامره والإمتثال لنواهيه، وينصرف ذلك إلى الخادم في المنزل وناظر الزراعة والسفرجي والطاهي والسائق والبواب ولو ثبت لأحدهم صفة الوكيل في شراء حاجيات القاضي لأن العمل المادي هو الأساس، وإن كان المستأجر يعتبر تابعاً إلا أنه ليس خادماً في معنى المادة (148).
(5) إذا إعتاد القاضي مؤاكلة أحد الخصوم :
يجوز رد القاضي إذا إعتاد مؤاكلة أحد الخصوم، ويتحقق الإعتياد بالجلوس على مائدة واحدة مرات متتالية سواء كانت مائدة الخصم أو الغير وسواء كان القاضي يشارك في ثمن الطعام أو لا يشارك في ذلك، إذ يقوم الرد في هذه الحالة على توافر الود والخشية من میل القاضي إلى جانب مؤاكله. أما إذا إنتفى الإعتياد بأن جلس القاضي مرة عارضة على مائدة الخصم أو إجتمعا على مائدة الغير في مناسبة عارضة، فلا يكفي ذلك للرد ما لم توجد بينهما مودة يرجح معها عدم استطاعته الحکم بغیر میل.
ولا تقتصر المؤاكلة على تناول الطعام فحسب، وإنما تمتد إلى تناول المشروبات كذلك على التفصيل المتقدم.
وإعتياد المساكنة ينصرف إلى السكنى في عين واحدة بصفة دائمة أو الإقامة مع الخصم في فترات متفاوتة ، سواء كانت المشاركة بأجر أو بدون، أو كان القاضي هو الذي يساكن الخصم أو العكس. ويجب التمسك بالرد قبل إبداء أي دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه متى كان الخصم يعلم بالمؤاكلة أو المساكنة فإذا أدعى أنه لم يكن يعلم ذلك وقت إبداء أوجه دفاعه وأثبت ذلك، ظل حقه في الرد قائماً عملاً بالمادة (151).
(6) تلقى هدية من أحد الخصوم :
يجوز رد القاضي عن نظر الدعوى إذا كان قد تلقى هدية من أحد الخصوم قبیل رفع الدعوى أو بعده ، فإن قدمت إليه ورفض قبولها فلا يجوز رده لإقتصار ذلك على تلقيه لها، وإرسال الهدية إلى منزل القاضي وإستلامها من أحد المقيمين معه، يتوافر به سبب الرد ولو لم يكن القاضي موجودة بالمنزل وقت تسلمها.
ويجب أن تكون الهدية ذات قيمة، فليست كل عطية تعتبر هدية في معنى المادة (148) بحيث إذا تلقى القاضي قلماً جافاً أثناء نظر الدعوى أو في غير هذه الظروف، لا يقوم به سبب الرد، كما لا يقوم هذا السبب إذا تلقى طفله قطعة من الحلوى من أحد الخصوم.
ومتى قام سبب الرد، وجب على الخصم التمسك به قبل إبداء أي دفع أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه متى كان عالماً بهذا السبب فإذا أدعى عدم علمه بذلك وقت إبداء أوجه دفاعه وأثبت ما إدعاه، ظل حقه في الرد قائماً عملاً بالمادة (151).
(7) وجود عداوة أو مودة مع أحد الخصوم :
يجوز رد القاضي إذا وجدت بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم إستطاعته الحکم بغیر میل، وتتوافر العداوة إذا وجد نزاع شخصي بين القاضي وأحد الخصوم ولو لم يرفع إلى القضاء، فقد يكون الخصم مديناً للقاضي وامتنع عن الوفاء ، أو مغتصباً لحق من حقوقه أو أطلق عليه شائعة كاذبة أو إعتدى على أحد أولاده ضرباً أو سبأ أو حجز عليه حجزاً كيدياً أو غير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى العداوة والبغضاء.
كذلك الحال إذا وجدت مودة كصداقة قوية ومجاملات متبادلة وإختلاط بين الأسرتين، ولا تكفي المعرفة العادية بسبب الجوار أو الاشتراك في نادي واحد أو ممارسة رياضة واحدة.
ويجب أن يكون من شأن العداوة أو المودة ترجیح میل القاضي إلى جانب أحد الخصوم أو الرغبة في إيذاء الآخر، بحيث إذا إنتفى هذا القصد، فلا يقوم بالقاضي سبب لرده. وتلك من مسائل الواقع التي يستقل قاضى الموضوع بتقديرها متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.
كما يجب التمسك بالرد قبل إبداء أي دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه متى كان الطالب عالماً بسبب الرد، فإذا ادعى أنه لم يكن يعلم به وقت إبداء أوجه دفاعه، وأثبت ذلك، ظل حقه في الرد قائما عملا بالمادة (151).(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع ، الصفحة : 5)
أسباب الرد وردت في القانون على سبيل الحصر ولكن الفقرة الرابعة تتسع للعديد من الصور كما أنه يجوز الرد لأسباب عدم الصلاحية.
المقصود بدعوى مماثلة أن تكون المسألة القانونية المقتضى الفصل فيها في الدعويين واحدة وأن تكون وقائعها متماثلة إلا أنه يشترط ألا تكون الدعوى الثانية قد أقيمت بقصد الرد حتى لا يتخذ الخصوم من هذا السبب وسيلة للتحايل بقصد الوصول إلي رد القاضي ولا يكفي النزاع الذي لم يرفع إلى القضاء ولو كان جدياً كما لا تكفي الشكوى.
وسبب الرد المنصوص عليه في الفقرة الثانية يعتبر متحققاً ولو قامت الخصومة بين كل من الخصمين وبين أقارب القاضي أو أصهاره أو مطلقته التي له منها ولد وإذ كانت المصاهرة لغة تشمل كل من تربطه بالزوج صلة القرابة غير أن المشرع قصر المصاهرة في هذا الخصوص على تلك التي تقوم على عمود النسب وهي ما كانت القرابة فيه منسوبة إلي الأب وإن علا والإبن وإن نزل.
كلمة الخادم تشمل الخادم بمعناه المعروف وكل من يستخدمه بأجر كالوكيل والبواب والمحصل وناظر الزراعة والكاتب والسكرتير والعامل ولكن لا يمتد إلى المزارع والمستأجر.
المقصود بالإعتياد على المؤاكلة تكرار الدعوى إلى الطعام وقبول الدعوى إليه أما الإجتماع العارض علي مائدة الغير فلا يعتبر سبباً للرد. وتتوافر المساكنة بالسكن المشترط ولو بعض الوقت كما تتوافر متى كان أحدهما نزيلاً بسكن الأخر ولو بأجر غير أنه لا يصلح سبباً للرد مجرد السكن معاً في نفس المبني في شقق منفصلة أما الهدية فلا يشترط أن تتوافر في شأنها أركان جريمة الرشوة كما لا يشترط أن تقدم لشخص القاضي وإنما يكفي أن يكون هو المقصود بتقديمها ولو قدمت بطريق غير مباشر كما لو قدمت لأحد أقاربه المقيمين معه ويشترط الرأي الراجح أن تكون هدية حقيقية فلا يكفي الهدايا التافهة التي تقدم لأطفال القاضي ( قارن أبو الوفا في التعليق ص 632) حيث يري أنه مهما كانت قيمة الهدية فإنها تصلح سبباً للرد، غير أن الإجماع ينعقد علي أن رفض الهدية لا يصلح سبباً للرد.
ولا يشترط في الخصومة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة أن تبلغ مبلغ خصومة رفعت إلي القضاء كما لا يشترط في المودة أن تصل إلي حد المؤاكلة أو المساكنة وقبول الهدايا وهذا السبب سبب عام يمكن أن تنطوي تحته صور متعددة بما يفيد العداوة أو المودة فهو يشمل جميع الأحوال التي يثور فيها الشك حول قدرة القاضي على الحكم بغير ميل.
(راجع في كل ما تقدم العشماوي الجزء الأول ص 308 وما بعدها ، والتعليق لأبو الوفا الطبعة الخامسة ص 640 وما بعدها ومرافعات رمزي سيف الطبعة الثامنة ص 76 وما بعدها وقانون القضاء المدني لفتحي والي طبعة سنة 1993 بند 106 وكمال عبد العزيز الجزء الأول الطبعة الثالثة ص 889).
وأسباب الرد وإجراءاته تسري على القضاة فقط وهم يجلسون للقضاء في المحاكم فلا تطبق عليهم إذا كانوا أعضاء في لجان سواء أكانت هذه اللجان قضائية أو إدارية إذ يسري عليهم في هذه الحالة ما ورد في قانون المرافعات بالنسبة للجان القضائية دون اللجان الإدارية.
وإذا لم يلجأ الخصم لطلب رد القاضي ولم ير القاضي سبباً لتنحيه عن نظر الدعوى وصدر الحكم في الدعوى فلا يجوز للخصم أن يطعن ببطلان الحكم أمام النقض طالما لم يسلك الطريق القانوني لرد القاضي حتى ولو كان طلب الرد صحيحاً.
ومن المقرر أن كل جهة قضائية تختص بنظر قضايا الرد التي تقدم ضد أحد أعضائها وذلك لا يختص القضاء العادي بنظر طلب رد أحد قضاة مجلس الدولة.(التعليق على قانون المرافعات، للمستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الرابع ، الصفحة : 565)
رد القاضي : أوردت المادة 148 مرافعات محل التعليق الحالات التي يجوز فيها لأحد الخصوم رد القاضي، وهي حالات أقل خطورة على حياة القاضي من حالات عدم الصلاحية الواردة في المادة 147، ولذا جعل المشرع عدم صلاحيته في نظر الدعوى في هذه الحالات نسبية تتوقف على طلب الخصم رده. وقد أوجب القانون على القاضي في هذه الحالات، الإذن بالتنحي (مادة 149). ولكن إذا توافرت إحدى هذه الحالات ومع ذلك لم ينتج القاضي من تلقاء نفسه وإنما نظر الدعوى دون أن يطلب الخصم رده، فإن الحكم الصادر في هذه الدعوى يكون صحيحاً.
فتعتبر أسباب رد القاضي أقل قوة في تأثيرها على حياد القاضي من أسباب عدم الصلاحية، فإذا توافر إحداها وجب على القاضي أن يتنحى عن نظر الدعوى ويتم هذا بأن يقوم القاضي بإخبار المحكمة التابع لها في غرفة المشورة، أو رئيس المحكمة الإبتدائية التي يعمل بها، بالسبب القائم به فتأذن له المحكمة بالتنحي (مادة 149 مرافعات).
ويلاحظ في هذا الصدد أن تنحى القاضي في هذه الأحوال وجوبي ، وأن المحكمة لا تفعل سوى التأكد من توافر سبب التنحي فتأذن له به.
(فتحی والی بند 106 ص 108).
فقرار المحكمة أو رئيسها بالإذن بالتنحي يعتبر إجراءً داخلياً مما يتعلق بإدارة القضاء وهو لايقبل الطعن أو التظلم منه بأي طريق.
فإذا لم يقم القاضي بواجب التنحي كان لكل خصم السلطة في أن بطلب من المحكمة رد القاضي عن نظر الدعوى وتثبت هذه السلطة لأي من الخصوم المدعى أو المدعى عليه، فإن لم يتم التنحي أو يقض بالرد فإن الحكم الصادر في الدعوى يكون صحيحاً (فتحى والى بند 106 ص 181)، ولا يجوز التمسك بسبب الرد کسبه للطعن في الحكم.
(نقض 31/ 1/ 1983 في الطعن رقم 170 لسنة 48 ق).
ولا يعتبر طريقاً للطعن في الحكم الصادر في الدعوى (إستئناف مختلط 2/ 1/ 1940 س 52 ص 87)، أي لا يعد سبباً يبرر بذاته الطعن في الحكم، لأن الحكم الصادر من قاض يقوم به سبب من أسباب الرد لا يعتبر باطلاً (نقض 24/ 4/ 1941، مجموعة القواعد القانونية 3 ص 346 رقم 115)، ولو لم يعلم المحكوم عليه بسبب الرد إلا بعد صدور الحكم (أحمد أبو الوفا التعليق ص 653) .
سريان قواعد الرد على القضاة أعضاء اللجان الإدارية ذات الإختصاص القضائي ويلاحظ أن أسباب. الرد وإجراءاته وفقاً لقانون المرافعات تسري على القضاة فقط، وهم يجلسون للقضاء في المحاكم فلا نطبق عليهم إذا كانوا أعضاء في لجان سواء أكانت هذه اللجان قضائية أو إدارية، إذ يسري عليهم في هذه الحالة ما ورد بالقانون المنشيء لتلك اللجان، إلا أنه إذا لم يرد بها شيء من ذلك فلا مناص من تطبيق ما ورد في قانون المرافعات بالنسبة للجان القضائية دون اللجان الإدارية (الديناصوري وعكاز ص 825)، أي أنها لا تسري على اللجان الإدارية البحتة التي لا يقوم فيها القاضي بعمل قضائي، أما اللجان الإدارية ذات الإختصاص القضائي فنرى أنها تسري عليها.
رد القاضي وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية : ينبغي في هذا الصدد ملاحظة ما تنص عليه المادة 247 ، من قانون الإجراءات الجنائية بأنه يمتنع على القاضى أن يشترك في نظر الدعوى إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصياً ، أو إذا كان قد قام فى الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة.
أو المدافع عن أحد الخصوم، أو أدى فيها شهادته، أو باشر عملاً من أعمال أهل الخبرة.
ويمتنع عليه كذلك أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام فى الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة، أو أن يشترك في الحكم في الطعن إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً منه، وما تنص عليه المادة 248 من قانون الإجراءات الجنائية بأنه للخصوم رد القضاة عن الحكم في الحالات الواردة في المادة السابقة، وفي سائر حالات الرد المبينة في قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية.
ولا يجوز رد أعضاء النيابة العامة ولا مأموري الضبط القضائي ويعتبر المجنى عليه فيما يتعلق بطلب الرد بمثابة خصم في الدعوى».
وما تنص عليه المادة 249، من قانون الإجراءات الجنائية بأنه يتعين على القاضي إذا قام به سبب من أسباب الرد أن يصرح للمحكمة، لتفصل في أمر تنحية في غرفة المشورة وعلى القاضي الجزئي أن يطرح الأمر على رئيس المحكمة.
وفيما عدا أحوال الرد المقررة بالقانون يجوز للقاضي إذ قامت لديه أسباب يستشعر منها الحرج من نظر الدعوى أن بعرض أمر تنحيه على المحكمة، أو على رئيس المحكمة حسب الأحوال للفصل فيه.
كذلك يجب ملاحظة ما تنص عليه المادة 250 من قانون الإجراءات الجنائية بأنه يتبع في نظر طلب الرد، والحكم فيه القواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وإذا كان المطلوب رده قاضي التحقيق أو قاضي المحكمة الجزئية، فإن الفصل في طلب الرد يكون من إختصاص المحكمة الإبتدائية.
ولا يجوز في تحقيق طلب الرد إستجواب القاضي ولا توجيه اليمين إليه.
أسباب رد القاضي : وردت أسباب رد القاضي في القانون على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها، ولكن البند الرابع الوارد في المادة 148 محل التعليق من السعة بحيث يتسع للعديد من الصور، ومن البديهي أنه يجوز الرد لأحد أسباب عدم الصلاحية لأنها أشد تأثيراً على حياد القاضي من أسباب الرد.
وللخصم تقدير الأمر إن شاء رد القاضي عن نظر الدعوى، وإن لم يطلب ذلك جاز للقاضي أن ينظرها، وأن بحكم فيها، وهذا على خلاف عدم صلاحية، وإذا لم تقبل أسباب الرد فليس ثمة ما يمنع القاضي المطلوب رده من نظر الدعوى بعدئذ (مصر الكلية 22 نوفمبر 1932 منشور في المحاماة 14 ص 699، اللهم إلا إذا استشعر هو الحرج بعدئذ).
وسوف نوضح الآن بالتفصيل أسباب رد القاضي التي وردت في المادة 148، مرافعات محل التعليق وذلك فيما يلي :
السبب الأول لرد القاضي: إذا كان للقاضي أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظر فيها، والمقصود بالتماثل أن نشير دعوي القاضي أو زوجته نفس المسألة القانونية التي تثيرها الدعوى المطلوب رده عنها (فتحی والی - بند 106 - ص 181)، ذلك أن القاضي سيميل - طبيعياً - إلى حل هذه المسألة على النحو الذي يتفق مع وجهة نظره في دعواه أو دعوى زوجته.
فالمقصود بعبارة «دعوى مماثلة، أن تكون المسألة القانونية المقتضى الفصل فيها في الدعويين واحدة، أو أن تكون وقائعها متماثلة وعلة الرد في هذه الحالة أن القاضي يميل إلى الحكم في الإتجاه الذي يتفق مع مصلحته مدفوعا في ذلك بشعوره الطبيعي و بالرغبة في إنشاء سابقة قضائية يستند إليها في دعواه.
ويشترط أن تكون هناك دعوى قائمة بالفعل أمام المحاكم أو المحكمين فلا يكفي النزاع الذي لم يرفع إلى القضاة، ولو كان جدياً ، غير أنه لا يلزم أن تكون الدعويان متطابقتين، بل يكفي أن تكون هناك نقط قانونية أو وقائع متماثلة للفصل فيها.
السبب الثاني لرد القاضي : إذا جدت للقاضي أو لزوجته خصومة مع أحد الخصوم أو مع زوجته بعد قيام الدعوى المطلوب رد القاضي عن نظرها: ويشترط ألا تكون هذه الخصومة قد بدأها خصم القاضي، أو زوجته بقصد رد القاضي عن نظر دعواه.
فيشترط في هذه الحالة شرطان : الأول : أن تنشأ الخصومة بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي، وقد رأينا (عند تعليقنا على المادة 146)، أنه إذا كان للقاضي، أو زوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم أو زوجته كان غير صالح لنظر الدعوى المطروحة عليه. الثاني : ألا يكون المقصود من رفع الخصومة رد القاضي عن نظر الدعوى المطروحة عليه حتى لا يتخذ الخصوم من هذا السبب وسيلة للمشاكسة وللتحايل بقصد الوصول إلى رد القاضي، وتقدير ذلك متروك إلى محكمة الرد.
ولا يقبل طلب الرد إذا لم تكن هناك دعوى مقامة بل شكوى مقدمة. من الخصم ضد القاضي عن دعاوي سابقة، اللهم إلا إذا ثبت أن القاضی تاثر من الشكوى مما أنشأ بغضاء وعداوة بينه وبين الخصم (إستئناف القاهرة 21 / 12 / 1909، المجموعة الرسمية 11 رقم 31 ، محمد وعبد الوهاب العشماوي ج 2 رقم 902 ، وما يليه، أحمد أبوالوفا - ص 653).
ويتم رده في هذه الحالة وفقاً للبند الرابع من المادة 148 محل التعليق على أساس وجود عداوة بينه وبين الخصم.
ويلاحظ أنه لا يعتبر طلب الرد في ذاته أساساً لخصومة تمنع القاضي من نظر الدعوى وإن أعتبر كذلك في رفع دعوى المخاصمة.
السبب الثالث لرد القاضي : إذا كان المطلقة القاضي التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ويستوي أن تكون هذه الخصومة قد أقيمت قبل رفع الدعوى المطروحة على القاضي أو بعد رفعها، ولكن يجب في هذه الحالة الأخيرة ألا تكون قد أقيمت بقصد رد القاضي، فينبغي ألا تكون هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده .
ويتحقق بسبب الرد ولو قامت الخصومة بين كل من الخصمين وبين أقارب القاضي أو أصهاره أو مطلقته التي ولد منها ولن (العشماوي ص 456، كمال عبد العزيز ص 321)، ويلاحظ أنه وإن كانت المصاهرة لغة تشمل كل من تربطه بالزوج صلة القرابة غير أن المشرع قصر المصاهرة في هذا الخصوص على تلك التي تقوم على عمود النسب وهو ما كانت القرابة فيه منسوبة إلى الأب وإن علا والابن وإن نزل (محكمة القضاء الإداري في 2 / 4/ 1953 - س 7 - ص 821).
فالمصاهرة لغة هي الصلة التي تقوم بين المرء وأهل بيت زوجته فزوج بنت الرجل صهره - وزوج أخته صهره كذلك الإحماء والأختان وهم أقارب الزوج والزوجة أصهار أيضاً - ولكن المشرع قد حصر المصاهرة المانعة للقاضي من نظر الدعوى بالنسبة لمن له مصلحة فيها وفقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة 148 بتلك التي تقوم على عمود النسب وهو ما كانت القرابة فيه منسوبة إلى الأب وأن علا والإبن وإن نزل.
السبب الرابع لرد القاضي : وهو يشمل عدة صور تدل على صلة القاضي بالخصوم : وهذا السبب هو إذا كان أحد الخصوم خادماً للقاضي، أو كان القاضي قد إعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته أو كان قد تلقى منه هدية سواء قبل رفع الدعوى أو بعده، وإعتياد المؤاكلة يعني تكرار المشاركة في الطعام ولو على مائدة الغير، أما إعتياد المساكنة فيعني السكن المشترك لبعض الوقت ولا يكفي مجرد السكن معاً في نفس المبنى في شقق منفصلة (فتحى والى - ص 181).
وإصطلاح الخادم الوارد في النص يقصد به كل من تربطه بالقاضي رابطة تبعية كالوكيل والكاتب والسكرتير والعامل، ولكن لا يمتد إلى المزارع أو المستاجر .
ويشتمل التعبير بمعناه المعروف الخادم وكل من يستخدمه القاضي بأجر كالسائق والبواب والكاتب والوكيل والعامل والسكرتير والمحصل وناظر الزراعة، وإنما لا يعتبر الطبيب أو المهندس أو المقاول خادماً فيما يقوم به من أعمال، ولا يعتبر المستأجر أيضاً خادماً (العشماوي ج - 2 رقم 902).
وبالنسبة للمؤاكلة لا يكفي أن يأكل القاضي في ذات المطعم الذي باكل فيه أحد الخصوم أو يجتمع معه إجتماعاً عارضاً على مائدة الغير، وإنما يجب أن يأكلا معاً على مائدة واحدة، وأن يعتادا ذلك. ويستوي أن يقوم بأداء ثمن المأكولات القاضي أو أحد الخصوم، أو غيرها أو أن يكون معهما شخص ثالث (أحمد أبو الوفا - ص 654 وقارن العشماوي ج 2 رقم 902 ص 456).
فالمقصود بإعتياد المؤاكلة تكرار دعوة القاضي للخصم لتناول الطعام على مائدته أو تكرار تقبله دعوته لتناول الطعام على مائدته، فلا يكفي تكرار تناول الطعام على مائدة شخص آخر (العشماوي بند 902 ، وكمال عبد العزيز ص 322، وقارن رمزی سیف بند 60).
فالإجتماع العارض على مائدة الغير لا يعتبر سبباً للرد، وعلة الرد في حالة المؤاكلة أن المؤاكلة وكذلك المشاركة دليل الصداقة والتآلف مما يؤثر في حياد القاضي .
وبالنسبة للمساكنة فإنها تتوافر بالسكن المشترك ولو لبعض الوقت وتتوافر من كان أحدهما نزيلاً بسكن الأخير ولو بأجر ولكن لا يكفي مجرد السكن معاً في نفس المبنى ولكن في شقق منفصلة كما ذكرنا آنفاً.
ولا يكفي أن يكون القاضي في ذات الفندق الذي يسكن فيه أحد الخصوم وإنما يجب حتى يتحقق هذا الشرط أن يقيما معاً في سكن أحدهما أو في فندق في حجرة واحدة أو جناح واحد وأن يعتادا ذلك، بصرف النظر عمن بقوم منهم باداء نفقات الإقامة، لأن قيام القاضي بها دلیل عطفه على الخصم، وقيام الخصم بها دلیل احتمال عطف القاضي عليه أيضاً.
وبالنسبة للهدية فلا يشترط أن تتوافر في شأنها اركان جريمة الرشوة، كما لا يشترط أن تقدم لشخص القاضي، وإنما يكفي أن يكون هو المقصود بتقديمها ولو قدمت بطريق غير مباشر، كما لو قدمت لأحد أقاربة المقيمين معه، ولكن يشترط أن تكون هدية حقيقية فلا تكفى الهدايا التافهة التي تقدم لأطفال القاضي (محمد وعبد الوهاب العشماوي - بند 902 : 457)، ومع ذلك يرى البعض أنه مهما كانت قيمة الهدية فإنها تصلح للرد (أحمد ابو الوفا - التعليق - ص 654)، كما أن القيام بخدمات خاصة أو مساعدات في أية ناحية فنية قد يعتبر من أسباب الرد لانه دليل للعودة.
ولكن يتعين ملاحظة أن رفضن الهدية، لا بعد سبباً للرد.
السبب الخامس للرد : إذا كان بين القاضي وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجع معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل :
وهذا السبب يشمل كل الأحوال التى يثور فيها الشك حول قدرة القاضي على الحكم بغير ميل أو تحيز ، إلى أحد طرفي الخصومة، فهو سبب عام تندرج تحته كثير من الصور سواء مما سبق نکره کأسباب للرد أو غيرها، فلا يشترط أن تصل العداوة إلى الخصومة التي ترفع إلى القضاء كما لا يشترط في المودة أن تصل إلى حد المؤاكلة أو المساكنة أو قبول الهدايا ولو لم تنشأ من زوجية أو قرابة أو مصاهرة (العشماوی بند 902 ، رمزى سيف - بند 60 أبو الوفا بند 655، الشرقاوی - بند 106 فتحی والی - بند 106 ص 181 و 182 ، كمال عبد العزيز ص 322).
وإعمالاً لهذا السبب العام للرد يجوز رد القاضي لعداوة شخصية ولو لم تنشأ عنها قضية او المودة متينة ولو لم تنشأ عنها الزوجية أو القرابة أو المصاهرة أو المؤاكلة، فيجب أن تكون عاطفة الود أو العداوة قوية بحيث يرجع معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل، ومن ثم مجرد المعرفة أو الجيرة أو اتفاق المصالح لا بعد سبباً من أسباب الرد، بينما قد يعد سبباً للرد حالة ما إذا كان القاضي دائناً أو مديناً لأحد الخصوم أو كان أحد أصوله أو فروعه دائناً أو مديناً لأحد الخصوم وغير ذلك من الأحوال التي لا تحصى .
ويجب ملاحظة أن تقدير توافر إحدى حالات هذا السبب العام الرد يكون متروكاً لمحكمة الموضوع حسب ظروف وملابسات الدعوى (إستئناف مصر 25 / 3 / 1935 - منشور في المحاماة سنة 16 ص 154). ولا يخضع تقدير وجوده أو نفيه لرقابة محكمة النقض متى أقامت محكمة الموضوع قضاءها على أسباب سائغة (نقض 18 / 1 /1990 - في الطعن رقم 2335 لسنة 50 قضائية)، ويلاحظ أنه يجب أن تكون المودة أو العداوة شخصية، فلا يكفي إتفاق القاضی أو إختلافه مع الخصم في آرائه الفكرية والسياسية مع ملاحظة أن القضاة لا يشتغلون بالسياسة، ومن ناحية أخرى يجب ألا تكون العداوة قد بدأها الخصوم مع القاضي بعد رفع الدعوى بقصد رده عن نظرها، وأخيراً يجب أن تكون المودة أو العداوة من القوة بحيث يستنتج منها أنه لا يمكن للقاضي أن يحكم بغير ميل، أي أن يكون من شأنها أن تدفعه إلى القضاء بغير الحق.
(إستئناف مصر 22/ 12/ 1921 - منشور في المحاماة سنة 12 ص 862 ، فتحی والی - بند 106 ص 181 و ص 182). (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء : الثالث ، الصفحة : 602)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع ، الصفحة / 284
إِشَارَةُ الْقَاضِي إِلَى أَحَدِ الْخُصُومِ:
لاَ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْمَلَ أَعْمَالاً تُسَبِّبُ التُّهْمَةَ وَسُوءَ الظَّنِّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، مِمَّا يُوهِمُ أَنَّهُ يُفَضِّلُهُ عَلَى خَصْمِهِ، كَالإْشَارَةِ لأِحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِالْيَدِ، أَوْ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالرَّأْسِ، لأِنَّ ذَلِكَ يُسَبِّبُ انْكِسَارًا لِقَلْبِ الْخَصْمِ الآْخَرِ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى وَالْيَأْسِ مِنَ الْعَدَالَةِ، مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ حَقِّهِ.
وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ قُضَاةِ الْبَصْرَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَحْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ، وَلاَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لاَ يَرْفَعُ عَلَى الآْخَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي النَّظَرِ وَالإْشَارَةِ وَالْمَجْلِسِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 94
حُكْمُ الْقَاضِي لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ:
لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُ فَلاَ يَقْضِي لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَقْضِي لأِحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ نَزَلُوا أَوْ عَلَوْا، وَلاَ لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، وَلِوَكِيلِهِ فِيمَا هُوَ مُوَكَّلٌ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَذَلِكَ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَلِلتَّفْصِيلِ وَاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 266
قَضَاءُ الْحَاقِنِ :
-ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَدَى الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ؛ لأِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الرَّأْيِ وَيَشْغَلُ الْفِكْرَ الْمُوَصِّلَ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ غَالِبًا وَلأِنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ».
وَلَكِنْ إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ. فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَأَصَابَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ.
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَجَرَى مِثْلُ هَذَا الْخِلاَفِ بَيْنَ الْحَنَابِلَةِ فِي إِفْتَاءِ الْحَاقِنِ وَالْحَاقِبِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِتَحْرِيمِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لاَ يُفْتِي الْمُفْتِي وَهُوَ حَاقِبٌ أَوْ حَاقِنٌ، فَإِنْ أَفْتَى وَأَصَابَ صَحَّتْ فَتْوَاهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 306
الْهَدِيَّةُ لِلْقَاضِي:
- يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا.
أَمَّا مَنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُومَةٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ خَوَاصِّ قَرَابَتِهِ أَوْ صُحْبَتِهِ أَوْ جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ بِمُهَادَاتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَبُولُ، وَالأْوْلَى إِنْ قَبِلَ الْهَدِيَّةَ - مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُومَةٌ - أَنْ يُعَوِّضَ الْمُهْدِيَ عَنْهَا، وَيَحْسُنُ بِهِ سَدُّ بَابِ قَبُولِ الْهَدَايَا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ؛ لأِنَّ الْهَدِيَّةَ تُورِثُ إِدْلاَلَ الْمُهْدِي وَإِغْضَاءَ الْمُهْدَى إِلَيْهِ، إِلاَّ الْهَدِيَّةُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ - مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُومَةٌ - فَالأْوْلَى قَبُولُهَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ؛ وَلأِنَّ فِي رَدِّهَا قَطِيعَةً لِلرَّحِمِ وَهِيَ حَرَامٌ.
- وَأَمَّا الرِّشْوَةُ فَحَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ»
وَإِذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِرِشْوَةٍ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَإِنْ قَضَى بِالْحَقِّ، وَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنِ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ: فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوِ ارْتَشَى بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْقَاضِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَرَدَّ مَا قَبَضَهُ الْمُرْتَشِي.
الْمَقْضِيُّ لَهُ:
- لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ رَضِيَ خَصْمُهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ كَالإْقْرَارِ مِنْهُ بِمَا ادَّعَى خَصْمُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ لِشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِلإْمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ، أَوْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَلَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شُرَيْحًا وَخَاصَمَ عِنْدَهُ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنِ الإْمَامِ.
وَلاَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لأِنَّ مَبْنَى الْقَضَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلاَ يَصِحُّ شَاهِدًا لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، فَلاَ يَصِحُّ قَاضِيًا لَهُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ لأِنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ لَجَازَ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَلاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلاَ وَلاَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَقَالُوا: يَنْفُذُ حُكْمُهُ لأِنَّهُ حَكَمَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأْجَانِبَ، وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا الْمَاوَرْدِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ جَوَّزَهُ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ وَصِيَّ الْيَتِيمِ إِذَا وُلِّيَ الْقَضَاءَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ يَقْضِي لَهُ كَوَلَدِهِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَقْضِي لَهُ؛ لأِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَلِيُّ الأْيْتَامِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الأْصْحَابِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لاِمْرَأَتِهِ وَأُمِّهَا وَإِنْ كَانَتَا قَدْ مَاتَتَا إِذَا كَانَتِ امْرَأَتُهُ تَرِثُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلاَ لأِجِيرِهِ الْخَاصِّ وَمَنْ يَتَعَيَّشُ بِنَفَقَتِهِ.
وَفِي قَضَاءِ الْقَاضِي لأِقَارِبِهِ الَّذِينَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمَنْعُ لِمُحَمَّدٍ وَمُطَرِّفٍ، وَالْجَوَازُ لأِصْبَغَ، فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَاسْتَثْنَى مِنَ الْجَوَازِ الزَّوْجَةَ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَيَتِيمَهُ الَّذِي يَلِي مَالَهُ، وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لاَ يَحْكُمُ لِعَمِّهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَالرَّابِعُ التَّفْرِقَةُ، فَإِنْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ وَكَانَتِ الشَّهَادَةُ ظَاهِرَةً جَازَ إِلاَّ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَيَتِيمِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَبَيْنَ خَصْمِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 248
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَابَةِ الْقَاضِي الدَّعْوَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:
الأْوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ إِلَى جَوَازِ حُضُورِ الْقَاضِي؛ لأَِنَّهُ إِجَابَةٌ لِلسُّنَّةِ وَلاَ تُهْمَةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ مَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ فَلاَ يَحْضُرُهَا؛ لأِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِيذَاءِ الْخَصْمِ الآْخَرِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا كَثُرَتِ الْوَلاَئِمُ وَقَطَعَتْهُ عَنِ الْحُكْمِ تَرَكَهَا فِي حَقِّ الْجَمِيعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الإْجَابَةُ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ، وَرَأْيٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْضُرُهَا وَيَأْمُرُ بِحُضُورِهَا وَقَالَ: «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِنْ كَثُرَتْ وَازْدَحَمَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا وَلَمْ يُجِبْ أَحَدًا؛ لأِنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُهُ عَنِ الْحُكْمِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الإْجَابَةُ إِلَيْهَا.