1- إنه لئن كان مبدأ حياد القاضي يتأسس علي قاعدة أصولية قوامها وجوب اطمئنان المتقاضي إلي قاضيه وأن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون تحيز أو هوى وحرصت الأحكام التشريعية المنظمة لشئون القضاء على تدعيم وتوفير هذه الحيدة ولم تغتل عن حق المتقاضي إذا كانت لديه أسباب إلى مظنة التأثير فى هذه الحيدة أن يجد السبيل ليحول بين من قامت فى شأنه تلك المظنة وبين القضاء فى دعواه ومن ثم فقد قام حقه فى رد القاضي عن نظر نزاع بعينه كحق من الحقوق الأساسية التي ترتبط بحق التقاضي ذاته إلا أنه لما كان هذا الحق من الحقوق قد تعرض لأن تستشري فى شأنه ظاهرة إساءة استعماله بالإفراط فيه واستخدامه سبيلاً للكيد فى الخصومة واللدد فيها وإطالة أمد الفصل فى القضايا دون تحسب لما يؤدي إليه الأمر من إيذاء القضاة فى اعتبارهم ومكانتهم ومشاعرهم وجعل نزاهتهم وحيدتهم محل شك من الخصوم وسمعتهم مضغة فى الأفواه وإزاء هذا الذي آل إليه الأمر والإسراف فى النيل من القضاة مما حدا بالمشرع إلى إجراء تعديل تشريعي للنصوص المنظمة لأوضاع رد القضاة ومخاصمتهم بما يحقق التوازن التشريعي بين المحافظة على حق المتقاضين فى رد القضاة إذا توافرت أسبابه وبين تقرير ضوابط دقيقة تجعل من ممارسة هذا الحق منوطاً بتوافر الحيدة والبعد عن العبث والحيلولة دون استخدامه سبيلاً للكيد وعرقلة الفصل فى القضايا والإساءة إلي القضاة.
(الطعن رقم 2441 لسنة 62 جلسة 1999/02/17 س 50 ع 1 ص 246 ق 45)
2- وإن كان المشرع قد خص القضاء بإجراءات حددها للتقرير بعده صلاحيتهم و ردهم و تنحيتهم تضمنتها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التى إستنها لمسائلة من إنحراف عن إستعمال حق التقاضى بإلزامه بتعويض الأضرار التى تلحق الغير بسبب إساءة إستعمال هذا الحق و هو ما أشار إليه حين نص فى المادة 165 من ذات القانون على أنه إذا رفع القاضى دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص زالت صلاحيته للحكم فى الدعوى و يتعين عليه أن يتنحى عن نظرها و إذ لم يحظر المشرع رفع دعوى التعويض قبل الفصل نهائياً فى طلب الرد فإنه يحق للقاضى إقامتها سواء قبل الفصل فيه أو بعده و محكمة الموضوع و شأنها فى الفصل فى الطلبين معاً أو فى كل منهما مستقلا عن الآخر .
(الطعن رقم 72 لسنة 57 جلسة 1990/02/25 س 41 ع 1 ص 600 ق 101)
2- لما كان حق التقاضى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة من الحقوق المباحة و لا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت لإنحرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة و العنت مع وضوح الحق إبتغاء الأضرار بالخصم ، و الحكم الذى ينتهى إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن إستعمال حق التقاضى إستعمالاً كبدياً غير مشروع يتعين عليه أن يورد العناصر الواقعة و الظروف الحاصلة التى يصح إستخلاص نية الإنحراف و الكيد منها إستخلاصاً سائغاً . لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض على أنه تراضى فى طلب الرد إلى ما بعد حجز الدعوى للحكم و إن ما نسبه إلى المطعون عليه جاء مجهلاً إذا لم يحدد أياً من الخصوم إعتاد المطعون عليه مؤاكلتهم و أن إبداء طلب الرد بعد حجز الدعوى للحكم ثم التنازل عنه يدل على عدم جديته ، و كان هذا الذى إستند إليه الحكم و أقام قضاءه عليه لا يكفى لإثبات إنحراف الطعن عن حقه المكفول فى التقاضى على نحو يدل على توافر قصد الإنحراف و الكيد إضرار بالمطعون عليه و لا يكشف عن عدم جدية طلب الرد ، و كان الحكم لم يعن بتحقيق دفاع الطاعن فى هذا الخصوص أو يرد عليه فإنه يكون معيباً بالفساد فى الإستدلال و القصور فى التسبيب بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 72 لسنة 57 جلسة 1990/02/25 س 41 ع 1 ص 600 ق 101)
3- إذ كان المشرع قد خص القضاء بإجراءات حددها التقرير بعدم صلاحيتهم و ردهم و تنحيتهم ضمنها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التى إستثناها لمساءلة من إنحراف عن إستعمال حق التقاضى على النحو السالف بيانه و هو ما أشار إليه حين نص فى المادة 165 من ذات القانون على إنه " إذا رفع القاضى دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص زالت صلاحيته للحكم فى الدعوى و تعين عليه أن يتنحى عن نظرها " مؤكداً بذلك حق التقاضى الذى تقرر برده فى أن يلجأ إلى القضاء للحكم له على طالب الرد بالتعويض " لما كان ذلك و كان البين من الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه من الحكم المطعون فيه أنه أقام بإلزام الطاعنة بالتعويض المحكوم به على قوله أن " .......... الثابت للمحكمة من مطالعة سائر أوراق الدعوى و على الحكم الصادر فى طلب الرد الرقيم ..... و القاضى برفض طلب الرد المقدم من المدعى عليها الطاعنة فى الدعوى المطروحة أنه تضمن فى حيثياته أن الأسباب التى بنت عليها طالبة الرد طلبها ليست من الأسباب الواردة بنص المادة 148 مرافعات و تقيداً بقوة الأمر المقضى للحكم المذكور و أخذاً بما ثبت للمحكمة من باقى أوراق الدعوى فإنه يكون من الثابت لدى المحكمة أن المدعى عليها و هى تباشر حقها فى طلب رد المدعى قد إنحرفت عن السلوك المألوف للشخص العادى و إنحرفت بهذا الحق عما و ضع له و إستعملته إستعمالاً كيدياً إبتغاء مضارة المدعى الأمر الذى يتوافر به الخطأ التقصيرى فى حقها و تسأل معه عما أصاب المدعى من أضرار مترتبة على هذا الخطأ ..... و أى ضرر أقسى و أمر على نفس القاضى ..... أن تجعل المدعى عليها نزاهته و حيدته محل الشك من الخصوم و سمعته مضغة فى الأفواة ....... " و كان ما إستند إليه هذا الحكم فى إثبات الخطأ فى جانب الطاعنة و علاقة السببية بينه و بين الضرر الذى أصاب المطعون عليه سائغاً كافياً لحمل قضائه فى هذا الخصوص و يؤدى إلى ما إنتهى إليه من مساءلة الطاعنة عما أصاب المطعون عليه من جراء هذا الخطأ .
(الطعن رقم 183 لسنة 55 جلسة 1989/01/15 س 40 ع 1 ص 132 ق 30)
4- إذ كان النص فى المادة 165 من قانون المرافعات على أنه " إذا رفع القاضى دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص زالت صلاحيته للحكم فى الدعوى و تعين عليه أن يتخلى عن نظرها " يدل على أنها أوردت حالة من حالات عدم الصلاحية و لم تتعرض مطلقاً لحق القاضى فى طلب التعويض أو سقوطه ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بسقوط حق المطعون ضده الأول فى رفع دعوى التعويض بتركه إجراءات الرد تسير فى طريقها المرسوم ، يكون قد إلتزم صحيح القانون .
(الطعن رقم 461 لسنة 48 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 746 ق 158)
رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد:
أوضحنا في المادة (146) أن القاضي يكون غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم إذا كان له خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى، بأن كانت هذه الخصومة سابقة على الدعوى المطروحة عليه، فإن كانت لاحقة عليها كانت سببا من أسباب الرد.
ولم يشأ المشرع ترك الخصومة التي تنشأ بعد رفع الدعوى المطروحة تخضع لهذه القواعد في جميع الحالات، وإنما استثنى من ذلك خصومة التعويض التي يقيمها القاضي ضد الخصم الذي طلب رده ، فنص في المادة (165) على زوال صلاحية القاضي في هذه الحالة مانعا له من سماع الدعوى التي رده الخصم عن نظرها إذا ما قضى برفض طلب الرد ومن ثم تسري عليه وعلى قضائه أحكام عدم الصلاحية وليس أحكام الرد. مفاد ذلك، أن حق الخصم في التمسك بعدم صلاحيته لا يسقط إذا تعرض للموضوع ويجوز له التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ، ويكون الحكم الذي يصدر باطلاً بطلاناً مطلقاً على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة (147) فقد تضمنت المادة (165) حالة من حالات عدم الصلاحية وليست حالة من حالات الرد، وإن كانت المادة سالفة البيان قد وردت ضمن المواد المتعلقة بالرد، فإن ذلك يرجع إلى تنسيق النصوص التشريعية بما يتفق مع الموضوع الذي تنتظمه هذه النصوص ، يدل على ذلك أن المشرع أوجب تنحي القاضي عن نظر الدعوى المطروحة عليه إذا رفع دعوى تعويض على الخصم الذي طلب رده، وهذا الوجوب قاصر على توافر حالة من حالات عدم الصلاحية خلافاً لتوافر حالة من حالات الرد.
كما يسرى ذلك إذا قدم القاضي بلاغاً بالقذف أو السب ضد طالب الرد متی قدم هذا البلاغ إلى النيابة العامة أو الشرطة.(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع ، الصفحة : 78)
بمجرد رفع القاضي دعوى على طالب الرد أو تقديمه بلاغاً لجهة الإختصاص إذا كان طلب الرد قد تضمن ما يعد جريمة زالت صلاحية القاضي لنظر الدعوى التي قدم عنها طالب الرد وقد رأي المشرع أن يلحق هذه الحالة بأسباب عدم الصلاحية وليس بأسباب الرد إذ أن القاضي باختصامه طالب الرد يكون قد أصبح خصما له ومن ثم تضحي حالته مماثلة للحالة التي نص عليها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 146 مرافعات ، وإذا إستمر القاضي في نظر الدعوى بعد الفصل في دعوى الرد برفضها وبعد أن كان قد طالب بتعويض أو أبلغ ضد طالب الرد جهة الإختصاص فإن عمله يقع باطلاً طبقاً لنص المادة 147 والبطلان الذي يلحق عمل القاضي ينصب علي ما أصدره القاضي من قرارات أو أحكام سابقة على الفصل في الموضوع أو أحكام نهائية تالية لرفعه دعواه بالتعويض أو تقديمه بلاغاً لجهة الاختصاص أما أعمال القاضي السابقة على ذلك فإنها تكون صحيحة لأن سبب عدم الصلاحية لم يكن قد نشأ بعد.(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الرابع ، الصفحة : 617 )
تنحى القاضى إذا رفع دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الإختصاص: سبق لنا أن أوضحنا بالتفصيل فيما مضى عند تعليقنا على المادة 157 مرافعات أنه يجوز للقاضي رفع دعوى تعويض على طالب الرد عما أصابه من ضرر بسبب طلب الرد الكيدى، إذا ما إنحرف طالب الرد عند إستعماله حقه في الرد عن السلوك المألوف للشخص العادي، وقلنا أنه يشترط للحكم على طالب الرد بتعويض القاضي رفض طلب الرد، وأن يكون طلب الرد كيديا يشوبه الانحراف في استعمال حق التقاضى (راجع تعليقنا على المادة 157 مرافعات فيما مضى)، إذ للقاضي رفع دعوى تعويض على طالب الرد سواء بدعوى مبتدأة، أو بطلب عارض يقدم عند نظر طلب الرد، فللقاضي الحق في إقامة دعوى تعويض قبل الفصل في طلب الرد أو بعده.
(نقض 25/ 2/ 1990 طعن رقم 72 لسنة 57 قضائية).
ووفقا للمادة 165 مرافعات - محل التعليق - إذا قام القاضي برفع دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحية القاضي للحكم في الدعوى، ويجب عليه أن يتنحى عن نظرها، لأن القاضي إذا رفع دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغا لجهة الاختصاص، كإبلاغ النيابة العامة ضده بالقذف أو السب مثلاً، فإن القاضي في هذه الحالة يجعل من نفسه خصماً فعلياً لطالب الرد ولا يصح مع هذه الخصومة أن ينظر دعواه، ويكون غير صالح للفصل فيها، فإذا استمر القاضي رغم ذلك في نظر الدعوى كان حكمه باطلاً إعمالاً للمادتين 146، 147 مرافعات (راجع تعليقنا عليهما فيما مضی)، ففي هذه الحالة تكون بينه وبين أحد الخصوم في الدعوى الأصلية خصومة قائمة، وهي حالة من حالات عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى المنصوص عليها في المادة 146 مرافعات، ومن ثم يكون حكمه فيها باطلاً إعمالاً للمادة 147 مرافعات، وهذا البطلان يكون بطلاناً مطلقاً متعلقا بالنظام العام.(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / الثالث ، الصفحة : 699)