النص فى المادة رقم 182 من قانون المرافعات مؤداه أن المشرع أجاز للمتقاضين تيسيراً عليهم اللجوء لقاضى الأمور الوقتية للمحكمة مصدرة الحكم للحصول على الصورة التنفيذية الأولى فى حالة امتناع قلم الكتاب عن تسليمها، إلا أن ذلك لا يسلبهم حقهم فى طلبها عن طريق الدعوى طبقاً للمادة 63 من القانون ذاته بحسبان أنها الأصل العام والقول بغير ذلك بقصر الحق فى إصدار تلك الصورة التنفيذية على قاضى الأمور الوقتية وعدم قبول الدعوى التى تُرْفَع بطلبها تأسيساً على ذلك هو تقييد لمطلق النص لو أراده المشرع لأفصح عنه صراحة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر اختصاص قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التى أصدرت الحكم بإصدار الصورة التنفيذية الأولى هو اختصاص ولائى، وأن الطاعن إذ طلبها بطريق الدعوى بطلب إلزام المطعون ضده الثانى فى مواجهة الأول بتسليمه إياها لا يكون قد التزم الطريق الذي رسمه القانون ورتب على ذلك قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
امتناع قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية الأولى:
أوضحنا بالمادة السابقة الشروط الواجب توافرها حتى يلتزم قلم الكتاب بتسليم الصورة التنفيذية الأولى للخصم الذي تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم بحيث إذا تخلفت أو تخلف إحداها، وجب على قلم الكتاب ومن تلقاء نفسه الامتناع عن تسليمها، وقد أناط به المشرع بحث هذه الشروط من واقع نسخة الحكم الأصلية ووفقاً للبيانات التي تضمنتها دون تكملتها بأي ورقة أخرى من أوراق الدعوى، إذ تكون هذه النسخة هي التي يجب التعويل عليها وحدها عند تسلیم صورتها التي يتم التنفيذ بمقتضاها مما يوجب أن تكون مستوفية بذاتها للبيانات التي يستخلص منها قلم الكتاب الشروط الواجب توافرها لتسليم تلك الصورة، فإن تبين من واقعها انتفاء أحد هذه الشروط، وجب عليه الامتناع عن تسليمها حتى لو رجع ذلك إلى مجرد خطأ مادي بنسخة الحكم كما لو تضمنت خطأ غير جسيم في اسم الخصم الذي تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم، وحينئذ يجب أن يتم تصحيح هذا الخطأ بقرار من المحكمة التي أصدرت الحكم وفقاً لنص المادة (191) بحيث إذا لجأ الطالب إلى قاضي الأمور الوقتية قبل هذا التصحيح، وجب عليه رفض الطلب التزاماً بما تضمنته نسخة الحكم الأصلية .
وتقتصر مهمة قلم الكتاب على بحث البيانات المتعلقة بالشروط الواجب توافرها لتسليم الصورة التنفيذية، مثل البيان المتعلق باسم الخضم الذي تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم، والبيان المتعلق بانتهائية الحكم ملتزماً بذلك بالطلبات الأخيرة التي أبديت في الدعوى، والبيان الخاص بصدور الحكم وما إذا كان ميعاد الطعن فيه يبدأ من تاريخ صدوره فيصبح نهائياً إذا كانت مواعيد الطعن قد انقضت عند تقديم طلب تسليم الصورة التنفيذية، أم أن ميعاد الطعن يبدأ من تاريخ إعلانه، فيصبح الحكم نهائياً إذا كانت مواعيد الطعن قد انقضت عند تقديم طلب تسليم الصورة التنفيذية وحينئذ يلتزم قلم الكتاب بتسليمها حتى لو كان إعلان الحكم مشوباً بالبطلان لأن تقرير هذا البطلان من شأن المحكمة التي تنظر الطعن فيه وحدها ولا شأن لقلم الكتاب في ذلك، لكن إن لم يقدم الطالب أصل إعلان الحكم، وجب على قلم الكتاب الامتناع عن تسليم الصورة التنفيذية، وإذا كان الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل، وجب على قلم الكتاب تسليم الصورة التنفيذية حتى لو كان النفاذ المعجل مما يتعين إقرانه بشرط الكفالة، أما إذا تضمن الحكم النفاذ المعجل بشرط الكفالة، ولم ينفذ الطالب هذا الشرط وجب على قلم الكتاب الامتناع عن تسليم الصورة لحين تنفيذه.
وإذا صدر الحكم الابتدائي بصفة انتهائية أو مشمولاً بالنفاذ المعجل، التزم قلم الكتاب بتسليم الصورة التنفيذية حتى لو توافرت أسباب بطلانه أو بطلان الإجراءات التي بني عليها، لأن تقرير هذا البطلان من شأن المحكمة التي تنظر الطعن فيه وحدها ولها أن تأمر بوقف التنفيذ أو إلغاء النفاذ المعجل.
ويعتبر قلم الكتاب جهة مستقلة فيما يتعلق ببحث الشروط اللازمة لإعطاء الصورة التنفيذية الأولى، فلا يخضع في ذلك لإشراف قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة بحيث لا يعود إليه أن التبس عليه الأمر فيه، ولكنه يخضع لرقابته عندما يتقدم الطالب بعريضة متضرراً من امتناع قلم الكتاب عن تسليمه صورة تنفيذية من الحكم فيصدر أمره عليها برفض الطلب أو تسليم الصورة على النحو التالي.
اللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية عند الامتناع عن إعطاء الصورة:
أوضحنا فيما تقدم الشروط الواجب توافرها حتى يلتزم قلم الكتاب بتسليم الصورة التنفيذية الأولى، ومتى تحقق من توافر هذه الشروط وقام بتسليم تلك الصورة امتنع على المحكوم عليه اللجوء بسبب ذلك إلى قاضي الأمور الوقتية، لأن هذا اللجوء قاصر على الحالة التي يمتنع فيها قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية، وحينئذ لا يكون أمام المحكوم عليه إلا مواجهة إجراءات التنفيذ التي تتخذ ضده منذ إعلانه بالصورة التنفيذية وذلك باللجوء إلى دعاوى التنفيذ سواء كانت موضوعية أو وقتية برفعها أمام قاضي التنفيذ.
أما إذا خلص قلم الكتاب إلى انتفاء الشروط اللازمة لأعضاء الصورة التنفيذية أو أحدها، فإنه يمتنع عن إعطائها على التفصيل المتقدم، وحينئذ تنتهي المرحلة الإدارية التي أجاز فيها المشرع لقلم الكتاب إعطاء تلك "الصورة، ومتى اعترض الطالب على امتناع قلم الكتاب، قامت خصومة بينهما وجب لحسمها طرحها على القضاء وقد جعل المشرع الاختصاص بها لقاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي أصدرت الحكم ليصدر أمراً وقتياً فيها على العريضة المقدمة به من المتضرر من امتناع قلم الكتاب عن إعطائه الصورة، سواء بالرفض أو بإعطاء الصورة، وذلك طبقاً للإجراءات المقررة في باب الأوامر على العرائض، ومن ثم يجب تقديم العريضة باسم الطالب ضد قلم کتاب المحكمة من نسختين متطابقتين ومشتملة على وقائع الطلب وأسانيده وتعيين موطن مختار للطالب في البلدة التي بها مقر المحكمة وتشفع بالمستندات المؤيدة لها، ويصدر القاضى أمره بالكتابة على إحدى نسختي العريضة في اليوم التالي لتقديمها على الأكثر، وفي اليوم التالي لصدور الأمر على الأكثر يسلم قلم الكتاب النسخة الثانية للطالب مكتوباً عليها صورة الأمر، فإن كان الأمر برفض الطلب، جاز للطالب التظلم منه إلى المحكمة المختصة أو إلى نفس القاضي الأمر، والمحكمة المختصة هي التي يتبعها القاضي الأمر، ويرفع التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويحكم فيه بتأييد الأمر أو بإلغائه وبتسليم الصورة التنفيذية، ويخضع الحكم لطرق الطعن المقررة، فإن كان صادراً من المحكمة الجزئية أو من قاضي الأمور الوقتية التابع لها، رفع الطعن أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية، وإن كان صادراً من المحكمة الابتدائية أو من قاضي الأمور الوقتية التابع لها، رفع الطعن أمام محكمة الاستئناف.
وإذ تنص المادة (27) على أن قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الابتدائية هو رئيسها أو من يقوم مقامه أو من يندب لذلك من قضائها، وفي محكمة المواد الجزئية هو قاضيها. وإذ لم يرد نص يحدد من هو قاضي الأمور الوقتية بمحكمتي النقض والاستئناف بالرغم من أن الأحكام التي تصدر من المحكمتين تعتبر في بعض الحالات سندات تنفيذية، وقد يمتنع قلم الكتاب بأي منهما عن تسليم الصورة التنفيذية من الحكم، وحينئذ لا يجوز التقيد بنص المادتين (27)، (182) مرتبطتين للحيلولة دون الطالب واللجوء إلى القضاء شاكياً، وإنما يحق له التقدم بعريضة لرئيس المحكمة أو رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم، فإن رفض تسليم الصورة، كان للطالب التظلم من قراره أمام المحكمة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى دون الالتزام بإجراءات الطعن أمام كل من المحكمتين، ويكون الحكم الصادر في التظلم من رئيس محكمة الاستئناف أو من رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم قابلاً للطعن فيه بطريق النقض، أما الحكم الذي يصدر من رئيس محكمة النقض أو من رئيس الدائرة بها فلا يقبل الطعن.
وإذا صدر الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي في شق، وبتعديله في شق آخر، كان الحكم الابتدائي سنداً تنفيذياً بالنسبة للشق الأول ويلتزم قلم كتاب المحكمة الابتدائية بتسليم الصورة التنفيذية لهذا الشق بعد أن يقدم له الطالب صورة رسمية من الحكم الاستئنافي، أما الشق الثاني، فإن الحكم الاستئنافي يكون هو سنده التنفيذي وتطلب صورته التنفيذية من قلم کتاب المحكمة الاستئنافية.
فإذا تبين فقد الملف الابتدائي وأدى ذلك إلى امتناع قلم كتاب المحكمة الابتدائية عن إعطاء الصورة التنفيذية، وجب الرجوع إلى قاضي الأمور الوقتية بها، فإذا تبين له فقد ملف الدعوى، حال ذلك دونه وإصدار أمره على العريضة المقدمة من الطالب لما يتطلبه ذلك من الرجوع إلى نسخة الحكم الأصلية ، وحينئذ يثبت فقد الملف، ويكون الطالب وشأنه في الرجوع على المتسبب ووزير العدل بالتعويض وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية وله الرجوع بذلك مباشرة دون عرض الأمر على قاضي الأمور الوقتية (انظر: مادة 179).
أما إذا فقدت نسخة الحكم الأصلية وحدها، كان لقلم الكتاب تحریر غيرها من واقع مسودة الحكم ومحضر جلسة النطق بالحكم وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة (179).
ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً دون حاجة لتذييله بالصيغة التنفيذية إذ يترتب على صدوره بنقض الحكم المطعون فيه إلغاء هذا الحكم واعتباره كأن لم يكن فيزول وتزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ويعود الخصوم إلى مراكزهم السابقة على صدوره، وتلغي كذلك جميع إجراءات وأعمال التنفيذ التي تمت بناء على الحكم المنقوض، ويقع ذلك بحكم القانون، ويعتبر حكم النقض سنداً تنفيذياً صالحاً لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ الجبري، دون حاجة لاستصدار حكم جديد بذلك، فإن صدر الحكم الابتدائي غير مشمول بالنفاذ المعجل ولما تأييد استئنافياً أصبح نهائياً جائزاً تنفيذه، فإن تم هذا التنفيذ، ثم قضت محكمة النقض بنقض الحكم الاستئنافي، ترتب على ذلك اعتباره كأن لم يكن ويعود الحال إلى ما كان عليه قبل التنفيذ الجبري، ولما كان حكم النقض لا يمس الحكم الابتدائي، ومن ثم يعود الحال إلى ما كان عليه عند صدور هذا الحكم الأخير الذي لم يكن مشمولاً بالنفاذ المعجل، وحينئذ يلغي التنفيذ الذي تم بسبب صدور الحكم الاستئنافي. أما إذا كان الحكم الابتدائي مشمولاً بالنفاذ المعجل، وتأييد استئنافياً، فإن التنفيذ الذي تم إنما كان سنده الحكم الابتدائي وحده ولذلك إذا نقض الحكم الاستئنافي فلا يؤدي إلى إلغاء التنفيذ الذي تم.
سلطة قاضي الأمور الوقتية عند امتناع قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية:
إذا امتنع قلم الكتاب عن تسليم الصورة التنفيذية الأولى، ورفع الأمر إلى قاضي الأمور الوقتية على نحو ما تقدم، فإنه يحل محل قلم الكتاب في بحث الشروط اللازم توافرها لتسليم الصورة، بحيث إن تبين توافرها أمر بتسليمها، فقد يلتبس الأمر على قلم الكتاب عندما يعتبر أن ميعاد الاستئناف مازال مفتوحاً فيمتنع عن تسليم الصورة في حين يكون قد انقضى.
وليس لقاضي الأمور الوقتية أن يتعرض لحجية الحكم لرفض الطلب، لأن ذلك من شأن محكمة الطعن وحدها، وذلك ايضاً على نحو ما أوضحناه بالمادة سالفة البيان .
وله استدعاء المختص بقلم الكتاب للوقوف منه عن الأسباب التي دعته إلى الامتناع عن إعطاء الصورة. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء الرابع/ الصفحة 637)
إذا امتنع قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية الأولى كان لطالب الصورة أن يتقدم بشكوى إلي قاضي الأمور الوقتية وهذه الشكوى هي بذاتها العريضة التي تقدم لقاضي الأمور الوقتية لاستصدار أمر علي عريضة ويخضع هذا الطلب للإجراءات الخاصة بالأوامر على العرائض والمنصوص عليها في المواد من 194 حتى 200 وذلك من حيث شكل العريضة وبياناتها وطريق صدور الأمر والتظلم فيه في حالة رفضه أو قبوله. (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء الرابع ، الصفحة : 814)
في حالة امتناع قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية الأولى فإن لطالبها اللجوء لقاضي الأمور الوقتية :
قد يمتنع قلم الكتاب عن إعطاء صورة تنفيذية أولى من الحكم ظناً منه أن طالب التنفيذ ليس خصماً في الدعوى التي أصدر فيها الحكم مثلاً، أو أن الحكم لم يقض له، بشئ يستدعي الحصول عليه إجراء تنفيذ جبري، أو أن الحكم غير واجب النفاذ، أو أن الطالب ليس من أصحاب الشأن ... وغير ذلك.
ففي هذه الحالة يجوز لطالب الصورة التنفيذية الأولى أن يتقدم بشكوى إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي أصدرت الحكم وهذه الشكوى هي بذاتها العريضة التي تقدم لقاضي الأمور الوقتية لاستصدار أمر على عريضة ويخضع هذا الطلب للإجراءات الخاصة بالأوامر على العرائض والمنصوص عليها في المواد من 194 حتی 200، وذلك من حيث شكل العريضة وبياناتها وطريق صدور الأمر والتظلم فيه في حالة رفضه أو قبوله. فإذا اتضح لقاضي الأمور الوقتية توافر شروط تسليم الصورة التنفيذية التي سبق لنا ذكرها عند تعليقنا على المادة السابقة فإنه يأمر على العريضة المقدمة إليه بتسليم الصورة التنفيذية لطالبها، وعلى قلم الكتاب تنفيذ أمر قاضي الأمور الوقتية.
وينبغي ملاحظة أنه لا اختصاص هنا لقاضي التنفيذ لأن المشرع قد حدد في المادة 182 - محل التعليق - الجهة التي يجب الالتجاء إليها وهي قضاء الأمور الوقتية، فقاضي الأمور الوقتية هو المختص بالنظر في تسليم الصورة التنفيذية الأولى عند امتناع قلم الكتاب عن إعطائها لطالبها (مؤلفنا : التنفيذ - ص 225). (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء / الثالث، الصفحة : 1058)