سرعة الفصل في الدعوى :
أوجب المشروع على المحكمة الفصل في الدعوى إذا لم يحضر المدعى ولا المدعى عليه متى كانت صالحة للحكم فيها وذلك إذا كان الخصوم قد ابدوا اقوالهم فيها والا قررت المحكمة شطب الدعوى وتحكم المحكمة في الدعوى كذلك إذا غاب المدعي في الجلسة الأولى وحضر المدعى عليه (مادة 81 من المشروع) . بل أن غياب المدعى عليه في الجلسة الأولى لا يمنع من الفصل في الدعوى اذا كان قد اعلن لشخصه وهو ما يتحقق به عمله بقيام الدعوى أو كانت الدعوى من الدعاوى المستعجلة (المادة 83 من المشروع) أما في القانون القائم فانه اذا لم يحضر المدعي ولا المدعى عليه أو حضر المدعى عليه وحده ولم يبد طلبات ما شطبت الدعوى ولم يكن القانون القائم يجيز الفصل في غيبة المدعى عليه المتخلف في الجلسة الأولى الا في الدعاوى المستعجلة .
كما عمد المشروع إلى تقصير مواعيد المرافعات منعاً لتراكم القضايا أمام المحاكم دون إخلال بما تقتضيه العدالة من ضمانات ومن ذلك تقصير المدة التي تبقى فيها الدعوى قائمة بعد شطبها من ستة شهور الى ستين يوما وذلك لحفز الخصوم على تعجيل السير في الدعوى منعا لتراكم الدعاوى أمام القضاء بحيث إذا انقضت مدة الستين يوماً بعد الشطب ولم يطلب أحد من الخصوم السير في الدعوى فانها تعتبر کان لم تكن (مادة 81 من المشروع ) ومنها تقصير مواعيد الطعن في الأحكام إلى ثلاثين يوماً سواء في الاستئناف أو التماس إعادة النظر وفي استئناف المواد المستعجلة حدد ميعاد الإستئناف بعشرة أيام وقد كانت هذه المواعيد في القانون القائم ستين يوماً بالنسبة إلى الإستئناف والتماس إعادة النظر وفي المواد المستعجلة خمسة عشر يوماً (المادتان 227 ، 242 من المشروع) .
ومن ذلك أيضاً تقصير ميعاد انقضاء الخصومة إلى ثلاث سنين بدلا من خمس سنوات في القانون القائم (المادة 140 من المشروع ) ومنها تقصير ميعاد اعتبار أمر الأداء كان لم يكن لعدم اعلانه الى ثلاثة اشهر بدلاً من ستة شهور (المادة 205 من المشروع ) ومنه تقصير میعاد سقوط تسجيل تنبيه نزع الملكية من 240 يوماً الى 90 يوماً (المادة 414 من المشروع) .
کما رای المشروع رفع النصاب الإنتهائي للقاضي الجزئي إلى 150 جنيهاً ونصابه الإبتدائي الى 500 جنيه بدلا من 50 جنيهاً، 250 جنيهاً في القانون القائم عملاً على الفصل في كثير من المنازعات باحکام نهائية وتقديرا للتغيير الذي طرأ على قوة النقد الشرائية (المادة 42 من المشروع) .
وتحقيقاً لذات الهدف أوجب المشروع أن تتصدى محكمة النقض الموضوع الدعوى إذا ما نقضت الحكم المطعون فيه إذا كان موضوع الدعوى صالحاً للفصل فيه أو في شق منه واذا كان الطعن للمرة الثانية ورات محكمة النقض نقض الحكم في حين أن التصدي في الحالة الأولى جوازي في ظل القانون القائم (المادة 296 من المشروع) .
رأي المشروع تعديل الأحكام الخاصة بتصدى محكمة النقض للموضوع فأوجب عليها التصدي لموضوع الدعوى اذا نقضت الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه وذلك اقتصاد في الإجراءات وتعجيلاً بالبت في النزاع سواء كان نقض الحكم لخطأ في القانون او لمخالفته الثابت بالأوراق أو لإغفاله مستنداً قاطعاً في الدعوى وهكذا في كل حالة من حالات الطعن أياً كان سببه ما دام انه من الممكن تصفية النزاع وحسمه بغير إتخاذ أي إجراء جديد .
وغني عن البيان أنه لا يلزم ان يكون موضوع الدعوى صالحاً برمته للفصل فيه بل يكفي أن يكون صالحاً في شق منه وهذا الشق تفصل فيه محكمة النقض وتحيل الشق الآخر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم.
3 ـ أنه ولئن كانت الفقرة الأخيرة من المادة 269 من قانون المرافعات – المضافة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 – توجب على محكمة النقض إذا كان الطعن للمرة الثانية ورأت نقض الحكم المطعون فيه أن تحكم فى الموضوع أياً كان سبب الطعن ، وذلك تحقيقاً لمبدأ الاقتصاد فى الخصومة ، فتقوم هذه المحكمة عندئذ - وهى محكمة طعن – بالتصدى لموضوع الدعوى – ولو كان غير صالح للفصل فيه بحالته – فى ضوء المبدأ القانون الذى قررته فى حكمها الناقض ، شأنها فى ذلك شأن محكمة الموضوع ، إلا أن هذا التصدى ليس طليقاً من كل قيد ، ومن ثم لا يجوز لها أن تسوئ مركز الطاعن ، بأن تقضى عليه بأكثر مما قُضى به عليه بالحكم المنقوض ، إذ لا يسوغ أن يضار الطاعن بطعنه ، ( 7 ) كما يمتنع عليها الفصل فيما لم يُك محلاً للطعن بالنقض ، أو مالم يُنقض من الحكم المطعون فيه بالحكم الناقض أو كأثر له بالتبعية .
(الطعن رقم 3770 لسنة 77 جلسة 2017/05/25)
4 ـ استن المشرع فى الفقرة الأخيرة من المادة 12 منه على أنه إذا قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه أن تتصدى للفصل فى الموضوع ولو كان الطعن لأول مرة خلافاً لما جاء بالمادة 269 من قانون المرافعات ، إلا أنه وفيما يتعلق بهذه الأحكام فإنه لا يجوز الطعن عليها بأية وسيلة من وسائل الطعن باعتبارها نهاية المشوار القضائي ، وذلك لأن النص لم يرد به ما يجوز الطعن عليها ولا يجوز الاجتهاد مع صراحة النص ، فضلاً عن أن هذه الأحكام صدرت من أعلى درجة من درجات التقاضى فى مصر ، وأنه وفقاً للأحكام الواردة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية لا يجوز الطعن عليها وفق ما سلف بيانه بعاليه بما يكون معه الطعن غير جائز .
(الطعن رقم 2660 لسنة 82 جلسة 2013/04/22)
5 ـ مفاد النص فى الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه للحكم فيها من جديد بناءً على طلب الخصوم فإنه يتحتم على المحكمة التى أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض فى المسألة القانونية التى فصلت فيها هذه المحكمة ، وما يحرمه القانون بموجب هذه المادة على محكمة الإحالة هو مخالفة رأى محكمة النقض فى المسألة التى تكون قد فصلت فيها ، وأن حكم محكمة النقض يحوز حجية الشئ المحكوم فيه فى حدود المسائل التى بت فيها ، ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ويتعين أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى فى نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض .
(الطعن رقم 3773 لسنة 78 جلسة 2009/05/12 س 60 ص 592 ق 98)
6 ـ إذ كان المطعون ضدهما الأولين قد دفعا بعدم دستورية المادتين 5 ، 134 من قانون المرافعات لأنهما يعولا فى تعجيل الدعوى من الوقف على تمام إعلان صحيفة التعجيل وليس تاريخ إيداعها قلم الكتاب أو تسليمها لقلم المحضرين رغم أنه المكلف بالإعلان وذلك بالمخالفة لأحكام المواد 32 ، 34 ، 40 ، 64 ، 65 ، 68 ، 69 ، 165 من الدستور .... ، وكان تكليف المشرع بإجراء إعلان صحيفة تعجيل الدعوى من الوقف لا يخلى مسئولية المطعون ضدهما الأولين من الاهتمام به وموالاته حتى يتم الإعلان فى الميعاد المحدد لإجرائه باعتبار أنهما المكلفان أصلاً باتخاذ هذا الإجراء الجوهرى – والمحضر ما هو إلا وكيل عنهما – وذلك حتى يتفاديا توقيع الجزاء المنصوص عليه فى المادة 134 من قانون المرافعات والذى طلبه الطاعن – كما جرت أحكام هذه المحكمة على أن إعلان الصحيفة هو المعول فى تحديد تاريخ موالاة السير فى الدعوى سواء عند تجديدها من الشطب أو تعجيلها من الوقف بأنواعه أو الانقطاع وفقاً لأحكام المواد 5،82 ، 99 ، 128 ، 129 ، 130 ، 134 ،269 من قانون المرافعات ، وكل ذلك اجتهاد سائغ ومستقر من محكمة النقض حاصلة ألا تترك الدعوى قائمة ومنتجة لآثارها مدة طويلة بما يخل بالتوازن بين الطرفين – فصاحب الورقة القضائية فى الحالات السابقة هو المسئول عنها وعن إجراءات إعلانها ، ولا وجه للقياس على حالة رفع الدعوى حيث نقل المشرع عبء إعلان الصحيفة على عاتق قلم الكتاب فكلفه فى المادة 67 بأن يسلم أصل الصحيفة وصورها إلى قلم المحضرين فى اليوم التالى .... ثم نص فى المادة 68 على إلزام المحضرين بإعلان الصحيفة خلال ثلاثين يوماً على الأكثر – ومع ذلك نص فى المادة 70 من قانون المرافعات على حق المدعى عليه فى طلب اعتبار الدعوى كأن لم تكن إذ لم يعلن بصحيفتها خلال ثلاثة أشهر – فهذا تنظيم خاص متكامل ..... لا مجال لإعماله عند تجديد الدعوى أو تعجيلها بغير نص صريح .....، وكان المطعون ضدهما لم يطلبا السير فى الدعوى إلا بتاريخ 5/3/1990 وتم الإعلان فى 18/3/1989 ، وهو ما ينبئ بعدم جدية الدفع بعدم دستورية المادتين 5 ، 134 مرافعات .
(الطعن رقم 1292 لسنة 74 جلسة 2005/10/24 س 56 ص 788 ق 138)
7ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أنه لما كان النص فى الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه " فإذا كان الحكم قد نقض لغير ذلك من الأسباب تُحال القضية إلى المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناءً على طلب الخصوم ، وفى هذه الحالة يتحتم على المحكمة التى أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض فى المسألة القانونية التى فصلت فيها المحكمة " ، مفاده أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه للحكم فيها من جديد بناءً على طلب الخصوم فإنه يتحتم على المحكمة التى أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض فى المسألة القانونية التى فصلت فيها هذه المحكمة ، وما يحرمه القانون بموجب هذه المادة على محكمة الإحالة هو مخالفة رأى محكمة النقض فى المسألة التى تكون قد فصلت فيها ، وأن حكم محكمة النقض يحوز حجية الشئ المحكوم فيه فى حدود المسائل التى بت فيها ، ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ، ويتعين أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى فى نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض .
(الطعن رقم 4861 لسنة 86 جلسة 2017/04/22)
8 ـ النص فى المادة 269 من قانون المرافعات على أنه إذ كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص تقتصر المحكمة على الفصل فى مسألة الاختصاص فإذا كان الحكم قد نقض لغير ذلك من الأسباب تحيل القضية إلى المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم وفى هذه الحالة يتحتم على المحكمة التى أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض فى المسألة القانونية التى فصلت فيها المحكمة .... " مما مؤداه - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - أن نقض الحكم لا ينشئ خصومة جديدة . بل هو يزيل الحكم المنقوض ليتابع الخصوم الخصومة الأصلية أمام محكمة الإحالة .
(الطعن رقم 506 لسنة 66 جلسة 2004/03/15 س 55 ع 1 ص 301 ق 57)
9 ـ إن المادة 269 من قانون المرافعات تنص على أنه " إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص تقتصر المحكمة على الفصل فى مسألة الاختصاص وعند الاقتضاء تعين المحكمة المختصة التى يجب التداعى إليها بإجراءات جديدة ، ولما سلف يتعين الحكم بعدم اختصاص محكمة استئناف المنصورة " مأمورية الزقازيق " بنظر الاستئناف رقم ..... لسنة ... ق ، وباختصاص محكمة الزقازيق الابتدائية بهيئة استئنافية بنظره .
(الطعن رقم 991 لسنة 78 جلسة 2010/02/04 س 61 ص 159 ق 26)
10 ـ إن كان يحق لمحكمة النقض تصويب ما قد يشتمل عليه الحكم المطعون فيه من أخطاء دون حاجة إلى نقضه إلا أن ذلك مشروط بأن يقتصر الخطأ - على ما يتعلق بالقانون دون الواقع - التزاماً بالحدود التي يقوم عليها عمل هذه المحكمة- وذلك ما لم تر بعد نقضها للحكم صلاحية موضوع الدعوى للفصل فيها فتفصل فيه عملاً بنص الفقرة الأخيرة من المادة 269 من قانون المرافعات.
(الطعن رقم 3184 لسنة 60 جلسة 1999/02/04 س 50 ع 1 ص 178 ق 32)
11ـ تنص المادة 1/269 من قانون المرافعات على أنه " إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص تقتصر المحكمة على الفصل فى مسألة الاختصاص, وعند الاقتضاء تعين المحكمة المختصة التي يجب التداعي إليها بإجراءات جديدة " ولما سلف (انعقاد الاختصاص بنظر استئناف الحكم الصادر فى دعوى مورث الطاعنين باسترداد المنقولات المحجوزة للمحكمة الابتدائية) يتعين الحكم بعدم اختصاص محكمة استئناف الإسكندرية قيمياً بنظر الاستئناف وباختصاص محكمة الإسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية بنظره.
(الطعن رقم 5439 لسنة 61 جلسة 1998/02/19 س 49 ع 1 ص 177 ق 43)
12 ـ إذ كانت وظيفة محكمة النقض هى النظر فى الطعون التى ترفع إليها فى أحوال بينها القانون بيان حصر ترجع كلها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إما إلى مخالفة القانون أو خطأ فى تطبيقه وتأويله ، أو إلى وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه ، وكانت المحكمة وهى تقوم بوظيفتها هذه تحقق غرضاً أساسياً هو تقويم ما يقع فى الأحكام من شذوذ فى تطبيق القانون وتقرير القواعد الصحيحة فيما يختلف فيه من المسائل ويثبت القضاء فيها ، وكان ما يعرض عليها بهذه المثابة هو فى الواقع مخاصمة الحكم النهائى الذى صدر فيها ، وكان مفاد ما تقدم أن نطاق الطعن بالنقض لا يتصور أن يتسع لغير الخصومة التى كانت مطروحة على محكمة الموضوع ، فلا يجوز أن يضمن الطاعن صحيفة طعنه نعياً يخرج عن نطاق الخصومة المعروضة ، كما لا يقبل من المطعون عليه أن يقدم دفعا أو دفاعاً يكون من شأنه توسيع هذا النطاق المحدد بما لم يسبق له إبداؤه أمام المحكمة المطعون فى حكمها .
(الطعن رقم 138 لسنة 43 جلسة 1977/01/19 س 28 ع 1 ص 268 ق 57)
13 ـ المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نقض الحكم لا ينشئ خصومة جديدة بل هو يزيل الحكم المنقوض ليتابع الخصوم اليسر فى الخصومة الأصلية أمام محكمة الإحالة ، ويكون تحريك الدعوى أمام هذه المحكمة الأخيرة بعد نقض الحكم ، المنقوض الحكم، بتعجيلها ممن يهمه الأمر من الخصوم، فتستأنف الدعوى سيرها بتكليف بالحضور يعلن بناء على طلبه إلى الطرف الآخر خلال سنه من صدور حكم النقض وإلا كان لكل ذى مصلحة من الخصوم أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة لانقضاء سنه من آخر اجراء صحيح من إجراءات التقاضى إذ أن نظر الطعن أمام محكمة النقض يجرى على نظام الدفاع المكتوب الذى يبديه الخصوم سلفا فى مذكرات مقدمة لقلم الكتاب فى الآجال التى حددها القانون فإذا هذه الآجال أصبح الطعن مهيأ للحكم فيه ويصح الحكم بغير مرافعة ومن ثم فإن حكم النقض يصدر دائما حضوريا وعلم المحكوم عليه به مفترض دائما وتنتهى الخصومة فى الطعن بالحكم الصادر فيها من محكمة النقض والقانون لا يوجب إعلانه للخصوم ومن ثم يعتبر تاريخ حكم النقض هو آخر اجراء صحيح فى الخصومة.
(الطعن رقم 2402 لسنة 56 جلسة 1992/02/20 س 43 ع 1 ص 353 ق 76)
14- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كانت المادة 269 /4 من قانون المرقعات توجب على محكمة النقض عند نقض الحكم المطعون فيه وكان الطعن للمرة الثانية أن تحكم في الموضوع ، إلا أن التصدى لموضوع الدعوى يقتصر على ما إذا كان الطعن للمرة الثانية ينصب على ما طعن عليه في المرة الأولى . لما كان ذلك ، وكان الطعن بالنقض في المرة الأولى قد اقتصر على النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والفساد الاستدلال لقضائه بإخلاء عين النزاع لعدم قيام المطعون ضدهما باتخاذ الإجراءات القانونية الخاصة بتبادل الوحدات السكينة في حين أنهما اتخذا تلك الإجراءات في هذا الخصوص ، بينما الطعن في المرة الثانية قد أنصب على مسألة متعلقة بالنظام العام وهي الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة السابعة من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وبسقوط أحكام اللائحة التنفيذية لهذا القانون في مجال تطبيقها بالنسبة إلى تبادل الوحدات السكنية والذى لحق الدعوى أمام هذه المحكمة ، وهو ما لم يكن مطروحاً في المرة الأولى ، فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة .
(الطعن رقم 4813 لسنة 61 ق - جلسة 19 / 12 / 2022)
15- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مفاد نص المادة 269 / 2 من قانون المرافعات أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه للحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم ، فإنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة ، وما يحرمه القانون بموجب هذه المادة على محكمة الإحالة هو مخالفة رأي محكمة النقض في المسألة التي تكون قد فصلت فيها ، وأن حكم محكمة النقض يحوز حجية الشيء المحكوم فيه في حدود المسائل التي بتت فيها ، ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ، ويتعين أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض .
( الطعن رقم 638 لسنة 92 ق - جلسة 1 / 2 / 2023 )
16- إذ كان النص فى الفِقرة الأخيرة من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية يوجب على محكمة النقض إذا كان الطعن للمرة الثانية أن تحكم فى الموضوع، إلا أن التزام محكمة النقض بذلك لا يقوم أصلًا، فى حالة نظر الموضوع على درجة واحدة – كما هى الحال بالنسبة لاختصاص محكمة استئناف القاهرة بنظر أى دعوى مبتدأة ببطلان أحكام التحكيم - إلا إذا كانت تلك المحكمة قد فصلت فى موضوع النزاع، أما إذا كان قضاؤها قد اقتصر على الفصل فى إجراءات رفع الدعوى أو دفع شكلى فحسب دون الموضوع، فلا يكون لمحكمة النقض فى هذه الحالة التصدى للموضوع، إذ يترتب على ذلك اختزال إجراءات التقاضى فى مرحلة واحدة حال تصدى محكمة النقض لموضوع النزاع بعد قضائها بنقض الحكم المطعون فيه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ العدالة التى لا يجوز إهدارها فى سبيل سرعة الفصل فى دعاوى بطلان .
( الطعن رقم 18615 لسنة 88 ق - جلسة 10 / 12 / 2019 )
17- المقرر وتقنيناً لمبدأ جامع مانع شامل للحالة المعروضة على محكمة النقض الخاصة بقيام الخصوم برفع أكثر من طعن بالنقض على الحكم المطعون فيه ذاته والتي تخلص في حالتين : الأولي :- إذا فطنت دائرة محكمة النقض حال نظرها للطعن رفع الخصوم لطعن آخر أو أكثر على الحكم المطعون فيه ذاته ولم يحل عليه الدور بتحديد جلسة لنظره – فعندئذ – يتم تكليف قلم الكتاب بضم هذا الطعن إلى الطعن المرتبط المنظور أمامها بضم الطعن الأحدث قيداً إلى الطعن الأقدم قيداً بجدول المحكمة للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد ، الثانية :- إذا لم تفطن الدائرة التي تنظر الطعن – عن سهو أو خطأ أو إغفال – لوجود طعن آخر أو أكثر مرفوع من الخصوم على الحكم المطعون فيه ذاته وفصل دائرة المحكمة في الطعن الآخر ، فإن الفصل في الطعن المعروض يتوقف على منطوق الحكم الصادر في الطعن الأول ، وينحصر في حالتين : الحالة الأولي :- أن تكون دائرة محكمة النقض قد فصلت في الطعن الأول بقرار مسبب – في غرفة مشورة – بعدم قبول الطعن وفقاً لحكم المواد 248 ، 249 ، 263 من قانون المرافعات ، أو بحكم في جلسة المرافعة – وفقاً لحكم المادة (270) مرافعات بعدم قبول الطعن أو برفضه أو بعدم جواز نظره أو بحكم بالتنازل عن الطعن ، في كل هذه الحالات يكون الحكم المطعون فيه قد حاز قوة الأمر المقضي فيمتنع على الدائرة التي تنظر الطعن الثاني الفصل فيه والتصدي له شكلاً أو موضوعاً - حتى ولو كانت الأسباب مرجحة القبول - وتُصدر حكمها بعدم قبول الطعن التزاماً بحجية الأمر المقضي به التي اكتسبها الحكم المطعون فيه بالفصل في الطعن الأول ، الحالة الثانية :- أن تكون دائرة محكمة النقض قد فصلت في الطعن الأول – وفقاً لحكم المادة (268) مرافعات - بنقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه أو بنقضه لمخالفته لقواعد الاختصاص وفقاً لحكم المادة (269) مرافعات - وما يترتب على ذلك وفقاً لحكم المادة (271) من القانون ذاته زوال الحكم المطعون فيه وكافة الأحكام المترتبة عليه ، فيتعين على الدائرة المعروض عليها الطعن أن تقضي في الطعن باعتبار الخصومة في الطعن منتهية لزوال الحكم المطعون فيه ، ويضحي الطعن وارداً على غير محل قائم .
( الطعن رقم 11537 لسنة 83 ق - جلسة 4 / 7 / 2020 )
21- النص في الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008 على أن " ... استثناءً من أحكام المادة (39) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وأحكام الفقرة الثانية من المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة " وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن المُشرع استهدف من إصداره سرعة إجراءات التقاضي بالنسبة للمنازعات الخاصة بالمجال الاقتصادي وذلك تشجيعًا للاستثمار العربي والأجنبي بمصر ووصولًا لاستقرار المبادئ القانونية التي تحكم الحقل الاستثماري، واستعان في هذا بآليات متعددة لتنفيذ هذا الغرض منها أنه خرج عن الأصل العام الوارد بالمادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية بشأن تصدي محكمة النقض لموضوع النزاع المطروح أمامها عند نقض الحكم المطعون فيه، بأن أوجب على محكمة النقض التصدي لموضوع النزاع ولو كان الطعن لأول مرة، إلا أن في المقابل فإن التزام محكمة النقض بذلك لا يكون إلا إذا تصدت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية المُصدرة لهذا الحكم لموضوع النزاع، إذ مؤدى ذلك اختزال إجراءات التقاضي على مرحلة واحدة وهي تصدي محكمة النقض لموضوع النزاع بعد القضاء الصادر منها بنقض الحكم المطعون فيه، وهو أمر يتعارض مع مبادئ العدالة والتي لا يتعيَّن إهدارها في سبيل سرعة الفصل في الأنزعة الاقتصادية، بما يتعيَّن معه في هذه الحالة إحالة الدعوى للدائرة الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية للفصل في الموضوع .
( الطعن رقم 6017 لسنة 88 ق - جلسة 6 / 6 / 2024 )
أولاً : النقض لمخالفة قواعد الولاية أو الإختصاص :
هنا تقوم المحكمة بالفصل في مسألة الولاية أو الإختصاص . فإذا نقضت الحكم لمخالفته قواعد الولاية أو الإختصاص فإنها تحدد الجهة ذات الولاية أو المحكمة ذات الإختصاص (مادة 1 / 269 مرافعات) ويقتصر الأمر عند هذا الحد ، فلا تقوم محكمة النقض باحالة الدعوى إلى الجهة ذات الولاية أو إلى المحكمة المختصة . بل على الخصم - إن شاء - أن يرفع الدعوى أمام هذه الجهة أو المحكمة.
وتلتزم المحكمة التي ترفع إليها الدعوى بتحديد الولاية أو الاختصاص الذي تضمنه حكم النقض.
ثانياً : النقض لغير مخالفة قواعد الولاية أو الإختصاص :
يكون المحكمة النقض إما أن تقوم هي بنظر الموضوع أو أن تحيل القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد.
(أ) نظر محكمة النقض الموضوع القضية :
القاعدة التقليدية التي استقرت في القانون الفرنسي منذ سنة 1790 ، وانتقلت منه إلى غيره من التشريعات ، أن محكمة النقض ليس لها بعد نقض الحكم أن تنظر موضوع القضية . وأساس هذا أن محكمة النقض - عندئذ - لم تكن هيئة قضائية ، فليس لها أن تصدر قضاءاً . ولكن هذا الأساس لم يعد قائما ، فليس هناك شك في الطبيعة القضائية لأحكام النقض . ولهذا بدأت التشريعات المختلفة تعدل عن هذا المبدأ ، على أساس أن منع محكمة النقض من الحكم في الموضوع يتعارض مع مبدأ الاقتصاد في الخصومة). على أن القانون المصرى لم يوجب على محكمة النقض نظر الموضوع إلا في حالتين (مادة 4 / 269 معدلة بالقانون 76 لسنة 2007):
1- إذا كان الموضوع صالحاُ للفصل فيه . والمقصود بذلك أن يكون التأكيد الواقعي الذي سبق تقريره من محكمة الموضوع صحيحاُ وكاملاً بحيث لا مجال أمام محكمة الموضوع - إذا أحيلت إليها القضية بعد النقض - إلى تغيير أو إضافة . فعندئذ إذا نقض الحكم فلا مبرر للاحالة إذ تلتزم محكمة الإحالة بتطبيق قضاء النقض دون حاجة لأية إجراءات أو تأكيدات لاحقة متعلقة بالموضوع . فتكون الإحالة في هذا الفرض مضيعة للوقت ، والأولى أن تقوم محكمة النقض بتطبيق المبدأ الذي قررته على وقائع القضية.
2- إذا كان الطعن للمرة الثانية : فإذا نقض الحكم ، وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرته ، ولم تلتزم هذه المحكمة بالمبدأ القانوني الذي قررته محكمة النقض ، أو وقع في حكمها عيب من أسباب النقض ، وطعن في الحكم بالنقض مرة أخرى ، فإن محكمة النقض عندئذ تقوم بعد نقض الحكم للمرة الثانية بنظر موضوع القضية . وقد جرى قضاء النقض قبل نفاذ القانون رقم 76 لسنة 2007 على عدم التزام محكمة النقض بنظر الموضوع عند الطعن للمرة الثانية إلا إذا كان الطعن الثاني ينصب على ما طعن عليه في المرة الأولى ولكن المشرع أضاف بهذا القانون للمادة 269 مرافعات ما يدل على عدوله عن هذا الشرط ، إذ أصبحت تنص بعد تعديلها على أنه إذا «.... كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه وجب عليها أياُ كان سبب الطعن أن تحكم في الموضوع . ولهذا فإنه أيا كان سبب الطعن بالنقض في المرة الثانية ولو كان غير سبب الطعن في المرة الأولى فإنه يجب على محكمة النقض أن تحكم في الموضوع.
وقبل هذا التعديل كان يمكن أن يحدث طعن بالنقض لأكثر من مرتين ، إذا كان الطعن الثاني لسبب غير سبب الطعن الأول ، إذ كانت محكمة النقض عندئذ لا تنظر الموضوع وتحيل القضية مرة ثانية إلى محكمة الإستئناف ويكون حكمها قابلاً للطعن بالنقض ، فيكون طعناً للمرة الثالثة أما بعد تعديل النص ، فإن الطعن بالنقض لا يكون إلا مرتين إذ يجب على محكمة النقض في الطعن الثاني أن تفصل في الموضوع أياُ كان سبب الطعن.
وعند الطعن للمرة الثانية ، تنظر محكمة النقض الموضوع ولو كان غير صالح لنظره ، أي ولو كان يحتاج إلى إجراءات أو تأكيدات واقعية لا تقوم بها إلا محكمة الموضوع . وعندئذ تقوم محكمة النقض بوظيفة محكمة الموضوع كاملة ، وهي إذ تحكم في الموضوع تكون لها جميع السلطات التي لمحكمة الموضوع التي نقض حكمها . وتلتزم محكمة النقض بالمبدأ القانوني الذي قررته في حكمها السابق بالنقض ، بإعتباره حائزاً لقوة الأمر المقضي في حدود المسائل التي بت فيها. ويمتنع عليها عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية كما يتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق المسألة التي أشار إليها الحكم الناقض . أما ما عدا ذلك فتعود الخصومة ويعود الخصوم إلى ما كانت عليه قبل إصدار الحكم المنقوض . ولمحكمة النقض أن تبني حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى تحصله حرة من جميع عناصرها.
(ب) إحالة القضية إلى المحكمة التي نقض حكمها :
في غير الحالتين السابقتين ، لا تنظر محكمة النقض الموضوع ، بل عليها أن تحيل القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه . سواء كانت هذه محكمة إستئناف وهو الغالب ، أو محكمة أول درجة .
ويمكن أن تنظر القضية من المحكمة المحال إليها من نفس الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو من دائرة أخرى . على أنه يجب - في جميع الأحوال - إلا يكون ضمن أعضاء الدائرة التي تنظر القضية أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه (مادة 3 / 269 مرافعات) . إذ مثل هذا القاضي يعتبر غير صالح لنظر الدعوى (مادة 146 مرافعات). اولا تعود القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه تلقائياً كأثر للحكم بالإحالة ، بل يكون ذلك بناء على طلب تعجيل من ذي المصلحة من الخصوم (مادة 2 / 269) - ويأخذ الطلب شكل تكليف بالحضور يعلن إلى الطرف الأخر ، فلا يكفي إيداع الصحيفة قلم الكتاب، على أنه إذا لم يحضر المعلن إليه بالجلسة أمام محكمة الإحالة ، فلا حاجة لإعادة إعلانه. وسواء قدم الطلب من المحكوم له أو من المحكوم عليه ، فإن هذا لا يغير من المركز الإجرائي لكل منهما أمام المحكمة المحالة إليها القضية ، سواء بالنسبة للطلبات أو الدفوع أو عبء الإثبات ولم يحدد القانون المصرى ميعاداً يجب فيه تقديم هذا الطلب . ولهذا يظل الحق في تقديمه باقياً حتى تسقط الخصومة بانقضاء ستة أشهر من صدور حكم النقض وتترتب آثار السقوط التي ينص عليها القانون . على أن حكم أول درجة لا يبقى بعد السقوط إذ حل محله حكم الإستئناف الذي ألغي بدوره من محكمة النقض فإذا سقطت الخصومة ، فإن هذا لا يمنع من رفع الدعوى من جديد أمام المحكمة المختصة ، على أن تلتزم المحكمة هنا أيضاً بحكم النقض بالنسبة للمسألة القانونية التي قررها .
الخصومة أمام محكمة الإحالة :
تتحدد طبيعة الخصومة أمام المحكمة المحالة إليها القضية بطبيعة القضية قبل إصدار الحكم محل النقض . ذلك أن نقض الحكم لا ينشئ خصومة جديدة بل هو يزيل الحكم المنقوض ليتابع الخصوم السير في الخصومة الأصلية أمام محكمة الإحالة فالإحالة هي إعادة للقضية التي سبق قفلها نهائياً بالحكم النهائي الذي طعن فيه بالنقض . ولهذا فإن الأصل أن تنطبق على مرحلة الإحالة ، نفس القواعد التي تنطبق على المرحلة التي صدر فيها الحكم المنقوض ، وهي عادة مرحلة الإستئناف فتستطيع محكمة الإستئناف - في حكمها الصادر بعد النقض والإحالة – أن تزيد الحكم الإبتدائي و أن تحيل إليه فی أسبابه وإذا كان المدعي لا صفة له في الدعوى واكتسب هذه الصفة في مرحلة الإحالة ، فإن هذا يكفي لتصحيح الصفة وزوال العيب على أنه لأن مرحلة الإحالة هي نتيجة لحكم النقض ، فان هذا الحكم يؤثر في مرحلة الإحالة . وبهذا يتحدد نطاق الخصومة في مرحلة الإحالة على النحو الآتي : 1- تلتزم المحكمة المحالة إليها القضية بإتباع حكم النقض في المسألة القانونية . وعلى هذا تنص صراحة المادة 2 / 269 مرافعات . والمقصود بالمسألة القانونية في هذا المجال المسألة التي تكون قد طرحت على محكمة النقض وأدلت برأيها فيها عن قصد وبصيرة فإكتسب حكمها قوة الشيء المحكوم فيه في حدود المسألة أو المسائل التي تكون قد بنت فيها، بحيث يمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية» .
ونتيجة لهذا ، لا يقبل من الخصم الدفاع أمام المحكمة المحالة إليها القضية على أساس مناقشة المبدأ الذي قرره حكم النقض ، إذ هذا المبدأ واجب الإحترام وليس لهذه المحكمة أية سلطة في عدم إتباعه ويكون الأمر كذلك ، ولو كانت المسألة القانونية التي فصل فيها حكم النقض من المسائل التي كانت محل خلاف بين أحكام قضاء النقض وحسمها حكم من الهيئة العامة بمحكمة النقض صدر أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الاحالة ، إذ تلتزم محكمة الاحالة بما قرره الحكم الناقض في هذه المسألة ولو كان مخالفاً لما إنتهى إليه حكم الهيئة العامة . وذلك احتراماً لحجية حكم النقض وهي حجية تعلو على إعتبارات النظام العام.
وفيما عدا المسألة التي فصلت فيها محكمة النقض قبل الاحالة ، يكون لمحكمة الاحالة أن تبني حكمها على فهم جديد تحصله حرة من جميع عناصر القضية . ويكون عليها فقط تسبيب حكمها وفقاً للمادة 176 مرافعات . وهو ما يقتضي أن تورد أسباباً جديدة تكون دعامة كافية لما إنتهت إليه في قضائها .
ومن ناحية أخرى ، من المقرر أن الإلتزام بالمبدأ القانوني يقع ليس فقط على المحكمة المحالة إليها القضية ، وإنما أيضاً على أية محكمة أخرى في أي نزاع لاحق ينشأ عن النزاع الذي قررت محكمة النقض بشأنه هذا المبدأ وليس هذا تطبيقا للمادة 1 / 269 ، بل يعتبر أثراً لحجية حكم النقض . ولهذا أيضا فإنه إذا سقطت الخصومة بعد صدور حكم النقض أو تركت خصومة الإحالة أو سقطت أو انتهت لأي سبب قبل الفصل في الدعوى ، وقام أحد الخصوم برفع الدعوى من جديد سواء أمام المحكمة التي نقض حكمها أو أمام محكمة أخرى ، فإن المبدأ القانوني الذي قرره حكم النقض تبقى له نفس القوة الملزمة . على أنه يلاحظ أن الإلتزام بالمبدأ القانوني المقرر من محكمة النقض لا يقع على عاتق أية محكمة أخرى - أو على المحكمة المحال إليها الدعوى أو محكمة النقض - عندما تعرض عليها منازعة متشابهة بالنسبة الرابطة قانونية مشابهة ، ولو كانت بين نفس الخصوم.
فإذا صدر قانون جديد بعد حكم النقض ، فإن الاتجاه السائد في الفقه وقضاء النقض الإيطالى هو تطبيق القانون الجديد من المحكمة المحال إليها الدعوى ، وإن كان هذا الإتجاه محل نقد من بعض الفقهاء على أساس حجية حكم النقض في المسألة القانونية.
2- يقتصر نطاق الخصومة أمام المحكمة المحالة إليها القضية على المسألة التي فصل فيها حكم النقض دون غيرها : فالمحكمة تنظر موضوع الدعوى في نطاق هذه المسألة فقط ولهذا فإنه في حالة النقض الجزئي الذي ينصب الطعن فيه على جزء من الحكم محل الطعن ، إذا قبلت محكمة النقض الطعن وأحالت الموضوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، فإن سلطة هذه الأخيرة لا تمتد إلى كل ما تعلق به الحكم الصادر منها ، بل فقط إلی ما كان محلاً للطعن وفصل فيه حكم النقض فليس لها أن تمس أجزاء الحكم الصادر منها والتي لم تلغ من محكمة النقض أو تلغ كأثر لحكمها، فهذه الأجزاء تبقى محتفظة بحجيتها .
ويلاحظ أنه يجب التفرقة بين الطلبات التي فصلت فيها محكمة - الموضوع قبل النقض ، وتلك التي عرضت عليها ولم تفصل فيها بل إستغرقها الحكم الصادر منها . فبالنسبة لهذه الأخيرة لا يوجد قرار من محكمة الموضوع ، ولهذا فإنه رغم عدم الطعن بالنقض بشأنها ورغم عدم الإشارة ف إليها في حكم النقض ، فإنه يمكن إثارتها من جديد أمام المحكمة عند نظرها القضية المحالة من محكمة النقض . مثال : إذا رفعت دعوى ودفع فيها بالتقادم فصدر حكم بقبول هذا الدفع ، ونقض هذا الحكم ، فإن نقض هذا الحكم الصادر في الدفع يفتح الباب لإثارة الدعوى الموضوعية أمام محكمة الإحالة .
3- للخصوم - في نطاق المسألة التي أشار إليها حكم النقض – أن يقدموا أمام المحكمة الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهم تقديمها قبل صدور الحكم المطعون فيه . ولهذا يكون للمستأنف عليه أن يرفع بعد الإحالة إستئنافاً فرعياً عن الحكم الذي رفع عنه خصمه الإستئناف الأصلى متى توافرت الشروط اللازمة لرفعه ، وذلك بإستثناء الطلبات والدفوع التي سقط الحق في تقديمها وإذا كانت القضية قبل النقض أمام محكمة إستئنافية ، فإن على الخصوم احترام قاعدة عدم جواز تقديم طلبات جديدة أمام الإستئناف ، أيضاً أمام المحكمة المحالة إليها القضية وذلك مع ملاحظة الإستثناءات التي ترد على هذه القاعدة ومع ملاحظة أيضاً حق تعديل الطلبات الذي يكون ضرورياً كأثر لحكم النقض وخاصة ما أثارته محكمة النقض من تلقاء نفسها ، وتقديم الطلبات التي يمكن التقدم بها في أية حالة كانت عليها الخصومة.
4- تعود الحياة ، أمام محكمة الإحالة إلى كل ما كان الخصوم قد أبدوه من الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع ، متى كان لم يحدث التنازل عنها، دون حاجة إلى إعادة التمسك بها ، متى كان ذلك في نطاق المسألة التي أشار إليها حكم النقض . كما أن للخصوم التمسك بهذه الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع أمام المحكمة من جديد على أنه يلاحظ أنه لا يجوز إبداء هذه الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع ، كما لا تعود للحياة ، إذا كان حكم النقض قد فصل فيها ولو ضمنا ذلك أنه لا جدوى من إثارة ما سبق أن فصلت فيه محكمة النقض . ويحتفظ الخصوم بجميع سلطاتهم وأعبائهم وخاصة ما يتعلق بعبء الإثبات وسلطة تقديم أدلة جديدة ، على أن يكون كل ذلك في نطاق المسألة التي أشار إليها حكم النقض.
5- تسترد المحكمة المحال إليها القضية سلطتها بالنسبة للوقائع وسلطانها المطلق - إذا كانت محكمة إستئناف - على الحكم الإبتدائي . ويكون لها في الحكم في الدعوى ما كان جائزاً لها قبل إصدار الحكم المنقوض فلها أن تقدر الوقائع على غير النحو الذي قدرته من قبل وأن تقيم حكمها على فهم جليد لوقائع الدعوى تحصله حرة من جميع عناصرها مخالفة بهذا فهمها السابق للوقائع ، مستندة في هذا إلى ما قدم لها بعد الإحالة من وقائع ومستندات وأدلة، ومعتمدة على أسس قانونية أخرى غير التي جاءت بالحكم المطعون فيه و إستوجبت نقضه كما يكون لها أن تصر على الواقعة التي حصلتها قبل الحكم المنقوض إذا هي إستخلصت الواقعة من مصدر آخر من عناصر الدعوى ، متى كانت في حكمها الجديد قد احترمت حكم النقض بالنسبة للمسألة القانونية .
على أنه يلاحظ أنه أحيانا يكون حكم النقض في المسألة القانونية مبنيا على تقدير معين للوقائع مخالفا لتقدير الحكم المطعون فيه . وعندئذ علی المحكمة المحالة إليها القضية أن تلتزم بهذا التقدير وليس لها عندئذ أية سلطة بالنسبة لتقدير الوقائع . إذ أن إهدارها تقدير محكمة النقض بالنسبة للوقائع يتضمن حتما إهدار قرارها بالنسبة للمسألة القانونية .
6- تلتزم محكمة الإحالة بقاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه .
7- الأصل أن للخصومة أمام محكمة الإحالة نفس النطاق الشخصي الذي كان لها قبل النقض ، إلا أنها أحياناً ، كأثر للنقض ، تكون أضيق أو أوسع نطاقا . هي تكون أضيق نطاقاً إذا تعدد الخصوم قبل النقض ، ولم يطعن بالنقض إلا من بعض المحكوم عليهم أو ضد بعض المحكوم لهم ، ولم يكن التعدد في الطعن إجبارياً . وهي قد تكون أوسع نطاقا كأثر للحكم بالنقض ، مثلا إذا طعن بالنقض لأن محكمة الموضوع لم تقبل إدخال من كان يجوز إدخاله في الخصومة ، ونقض الحكم ، فإن المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى يجب عليها أن تقبل هذا الادخال التزاماً بحكم النقض .
8- الأصل أن تحدث الإحالة إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد (مادة 2 / 268 مرافعات) ، ولكن ما الحل إذا وجدت محكمة النقض أن محكمة الإستئناف كان يجب عليها أن تحيل القضية إلى محكمة أول درجة ؟ في بعض التشريعات (مادة 383 إيطالي) تحيل محكمة النقض القضية عندئذ إلى محكمة أول درجة مباشرة، ولكن هذا الحكم لا يمكن الأخذ به دون نص . على أنه رغم نص المشرع المصري على أن الإحالة تكون للمحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض لتحكم في القضية من جديد ، نرى أنه في ذلك الفرض يجب على محكمة الإستئناف التي أحيلت إليها القضية من محكمة النقض ألا تحكم فيها ، بل عليها - إعمالاً الحكم النقض – إحالتها إلى محكمة أول درجة لتتولى هي الحكم فيها.
تصدى المحكمة للحكم في موضوع الدعوى :
تنظر الدائرة الإقتصادية الطعن بالنقض وتحكم فيه وفقاً لما تنص عليه المواد 265 وما بعدها من قانون المرافعات (مادة 4 من قانون إصدار قانون المحاكم الاقتصادية) .
على أنه إستثناء من المادة 269/ 2 من قانون المرافعات والتي تنص على أنه «إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه ، وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه أو كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه وجب عليها أن تحكم في الموضوع» ، تنص المادة 12/ 4 من قانون المحاكم الإقتصادية على أنه «استثناء من أحكام .... الفقرة الثانية من المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه حكمت في موضوع الدعوى ولو كان الطعن لأول مرة» . وقد قضت محكمة النقض أن ما تنص عليه المادة 12/ 4 من قانون المحاكم الإقتصادية ليس فيه شبهة عدم الدستورية لأن «المشرع قصد تعجيل البت في مثل هذا النوع من الدعاوى تقديراً لأهميتها و مساسها بالإقتصاد القومي وبالصالح العام».
وعلى هذا فإن الدائرة الإقتصادية بمحكمة النقض تقوم - في جميع الأحوال - بعد نقض الحكم بنظر موضوع الدعوى لتقضي فيها ، سواء كان الموضوع صالحا للفصل فيه أم غير صالح له . وهو ما يقتضي من الدائرة إصدار قرار - قبل نظر الموضوع - بضم الملف . ويكون لمحكمة النقض عند نظرها موضوع الدعوى جميع السلطات التي لمحكمة الموضوع التي نقض حكمها . وحسنا فعل المشرع ، حتى يمكن إصدار حكم بات في النزاع دون تأخير .
على أن تصدى محكمة النقض الموضوع الدعوي يفترض أن تكون الدائرة الإستئنافية المطعون في حكمها قد فصلت في موضوع الدعوى ، فإذا كانت قد اقتصرت على الفصل في إجراءات الخصومة ولم تفصل في الموضوع ، فإن محكمة النقض لا تتصدى للموضوع بل تحيل الدعوى إلى الدائرة الإستئنافية بالمحكمة الإقتصادية (غير مصدرة الحكم المنقوض) للفصل في الموضوع. ذلك أن تصدى محكمة النقض عندئذ يؤدي إلى اختزال إجراءات التقاضي في مرحلة واحدة ، وهو أمر يتعارض مع مبادىء العدالة والتي لا يتعين إهدارها في سبيل سرعة الفصل في القضايا الإقتصادية .
وفي تقديرنا أن هذا المبدأ الهام الذي قررته محكمة النقض يجب أن ينطبق أيضا إذا كانت الدائرة الإستئنافية قد قضت بعدم قبول الدعوى أو بعدم جواز نظرها لتخلف شروط قبولها ، إذ هذا القضاء يعني أن الدائرة الإستئنافية لم تنظر موضوع النزاع ، فليس لمحكمة النقض أن تنظره .
وكأي حكم صادر من محكمة النقض ، فإن الحكم الصادر من الدائرة الإقتصادية بمحكمة النقض لا يقبل الطعن فيه بأي طريق . وذلك مع ملاحظة إمكان العودة إلى محكمة النقض إذا كان الحكم مشوبا بعيب عدم الصلاحية ، وفقا للمادة 147 من قانون المرافعات ، وجواز رفع دعوى أصلية ببطلانه إذا توافرت شروطها ، وفقاً لما سبق بيانه بالنسبة لأحكام محكمة النقض الصادرة في المواد المدنية والتجارية . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 703)
أولاً : نقض الحكم لمخالفة قواعد الاختصاص
أثر مخالفة قواعد الاختصاص :
تنحصر قواعد الإختصاص في الإختصاص الولائي والإختصاص النوعي والإختصاص القيمي والاختصاص المحلي. وتتعلق الأنواع الثلاثة الأول بالنظام العام على خلاف النوع الأخير منها فلا يتعلق بهذا النظام، مما مؤداه أن محكمة النقض لا تتصدى للإختصاص المحلي من تلقاء نفسها بل يتعين التمسك به أمام محكمة الموضوع ثم التمسك به في صحيفة الطعن بالنقض، فإن لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع فلا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض إذ يعتبر حينئذ سبباً جديداً غير مقبول.
أما أنواع الإختصاص الأخرى، فإنها تتعلق بالنظام العام، وكان الخلاف قد ساد دوائر محكمة النقض بشأنها، فقضت بعض الدوائر أن مناط تصدي محكمة النقض للإختصاص المتعلق بالنظام العام أن يكون محل نعي أمامها وأن تكون عناصره الواقعية مطروحة على محكمة الموضوع ، بينما أطلقت دوائر أخرى حق محكمة النقض في التصدي لهذا الإختصاص ولو لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع ودون حاجة لأن تتضمنه صحيفة الطعن .
وتعتبر قواعد الإختصاص المتعلقة بالنظام العام مطروحة دائما على محكمة الموضوع ولو لم يدفع الخصوم بها ويكون الحكم الصادر في الموضوع مشتملاً على قضاء ضمنى بإختصاصها بنظر الدعوى ، ومتى طعن في القضاء الموضوعي انصرف الطعن إليه برمته أي إلى قضائه الصريح والضمني على حد سواء، ومن باب أولى ، يعتبر الحكم المطعون فيه صادراً في مسألة تتعلق بالإختصاص إذا تصدى للدفوع المبداة في شأنه .
فإن قضت محكمة النقض بنقض الحكم لمخالفة قواعد الإختصاص ، تعين عليها التصدي لمسألة الاختصاص بالقضاء بعدم إختصاص محكمة الموضوع بنظر الدعوى ولائياً أو نوعياً أو قيما أو محلياً ، ويجوز لها أن تعين المحكمة المختصة التي يجب التداعى إليها بإجراءات جديدة ، فتقضي بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم إختصاص القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى وبإختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظرها، ومتى عينت المحكمة المختصة على هذا النحو ، فإنها تقف عند هذا الحد دون إحالة، وحينئذ يرفع صاحب الشأن دعوى جديدة أمام مجلس الدولة بإجراءات جديدة .
أما إن اكتفت بالفصل في مسألة الاختصاص ونقضت الحكم، التزمت محكمة الإحالة بذلك، مما يوجب عليها القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم إختصاص محكمة أول درجة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها المجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
ويطرح مسألة الاختصاص على محكمة النقض فإنها تقتصر على الفصل فيها وذلك بنقض الحكم لمخالفة قواعد الإختصاص.
فإن دقت المسألة وكانت محل لبس مما يتطلب إيضاحا لها حتى لا يخطئها الحكم مرة أخرى بعد الإحالة ، وهو ما يتوافر به المقتضى الذي عنته المادة (269) من قانون المرافعات ، وجب على محكمة النقض أن تعين المحكمة التي يجب التداعي إليها بإجراءات جديدة.
مناط إحالة محكمة النقض للمحكمة المختصة :
إذا تصدت محكمة النقض لمسألة الإختصاص باعتبارها محكمة طعن، فإنها تقتصر على الفصل في هذه المسألة وعند الاقتضاء تعين المحكمة المختصة التي يجب التداعي إليها على التفصيل المتقدم .
أما إذا كان المشرع قد خصها بنظر بعض المنازعات والفصل في موضوعها، كالمنازعات المتعلقة بالقيد في جدول المحامين، فإنها تعتبر محكمة موضوع وتخضع عند التصدي لها للمادتين (109)، (110) من قانون المرافعات ، فإن تبين لها أن المنازعة المتعلقة بالقيد مما يخرج عن اختصاصها الولائي ، فإنها تقضي بعدم اختصاصها ولائياً ، وتلتزم بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة.
وأيضا إذا التزمت بالفصل في الموضوع، بأن كان الطعن صالحا للفصل فيه، أو كان الطعن مرفوعا للمرة الثانية ، ورأت أن الحكم المستأنف قد صدر بالمخالفة لقواعد الإختصاص، فإنها وقد حلت محل محكمة الموضوع، تلتزم عندما تقضي بنقض الحكم ، بإحالة الدعوى للمحكمة المختصة، مثال ذلك، أن تفصل المحكمة الابتدائية في دعوى متعلقة بالتنفيذ ويتأید هذا القضاء إستئنافياً ، وعند الطعن فيه بالنقض. يكون الموضوع صالحاً للفصل فيه ، وحينئذ تنقض المحكمة الحكم الإستئنافي وتحيل الدعوى إلى قاضي التنفيذ لنظرها .
وإذا كان القضاء العادي مختصا بنظر نوع من الأنزعة، وقضى فيها ولا طعن في الحكم بالنقض، وقبل الفصل في الطعن ، صدر قانون جدید سلب الاختصاص من هذا القضاء، وعهد به إلى جهة أخرى خصها ولائياً دون غيرها بالفصل في تلك الأنزعة، وهو ما يترتب عليه سلب الإختصاص من محكمة النقض أيضا، وحينئذ يتعين عليها إذا نقضت الحكم، إحالة الدعوى إلى الجهة التي أصبحت صاحبة الولاية فيها، مثال ذلك أن القانون رقم 141 لسنة 1981 جعل الاختصاص الولائي بنظر المنازعات المتعلقة بالحراسات منعقداً لمحكمة القيم دون غيرها ونص على أن تحال إليها جميع المنازعات المطروحة على المحاكم الأخرى بجميع درجاتها، مؤداه أن الطعون المتعلقة بهذه المنازعات إذا قضى فيها بنقض الأحكام الصادرة فيها، أن تضمن محكمة النقض قضاءها إحالتها إلى محكمة القيم لاختصاصها ولائيا بنظرها، ومثال ذلك أيضا سلب الإختصاص من القضاء العادي في بعض المنازعات وعقده الهيئات التحكيم.
أثر القانون 18 لسنة 1999 على الحكم بعدم الإختصاص والإحالة :
مفاد المادتين (109 ، 110) من قانون المرافعات أنه إذا تبين للمحكمة أنها غير مختصة بنظر الدعوى قيمياً ، أن تقضى ولو من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها وباحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها.
وكان الخلف قد ثار في دوائر محكمة النقض حول طبيعة الحكم بعدم الإختصاص والاحالة فذهب البعض إلى اعتباره منهيا للخصومة ومن ثم يجوز الطعن فيه على استقلال ، وذهب البعض الآخر إلى اعتباره غير منه للخصومة ، وازاء هذا الخلف تدخل المشرع بالقانون رقم 23 لسنة 1992 معدلاً نص المادة (212) من قانون المرافعات بما يتفق والإتجاه الأول.
والحكم بعدم الإختصاص والاحالة حكم قطعي يحوز قوة الأمر المقضى إذا انقضت مواعيد الطعن فيه أو إذا طعن فيه وتأيد إستئنافياً ، كما يحوز هذه القوة الحكم الإستئنافي فور صدوره. والمقرر أنه لا يجوز مخالفة قوة الأمر المقضي بأي حكم لاحق ولو استند الخصم إلى أدلة لم تطرح على المحكمة التي أصدرت الحكم السابق أو طرحت ولم يبحثها.
مفاد ذلك، أن المحكمة الجزئية إذا قضت ، قبل العمل بالقانون رقم 18 لسنة 1999 بعدم اختصاصها قيميا بنظر الدعوى وأحالتها إلى المحكمة الإبتدائية وحاز قضاؤها قوة الأمر المقضي، التزمت المحكمة الإبتدائية بنظرها باعتبار قيمتها تجاوز النصاب الابتدائى لمحكمة المواد الجزئية كما حدده قانون المرافعات قبل صدور القانون رقم 18 لسنة 1999. وتنتقى بذلك المنازعة في مسألة اختصاص المحكمة الابتدائية وتستقيم الدعوى أمامها كما لو كانت قد رفعت إليها ابتداء ، وتلك هي الغاية من قوة الأمر المقضي التي حازها الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة.
فإذا صدر القانون رقم 18 لسنة 1999 الذي رفع الإختصاص القيمي لمحكمة المواد الجزئية إلى عشرة آلاف جنيه قبل أن تقضي المحكمة الإبتدائية في الدعوى وكانت لا تجاوز هذا المبلغ، فإن الإختصاص بنظرها ينعقد لمحكمة المواد الجزئية وقد سبق لها أن قضت بعدم اختصاصها بنظرها وإحالتها إلى المحكمة الإبتدائية وأصبح قضاؤها نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضى.
وحينئذ، تصبح المحكمة الإبتدائية غير مختصة بنظر الدعوى بموجب القانون المشار إليه، وأن كان يمتنع عليها أن تقضي بعدم اختصاصها قبل العمل به التزاماً بقوة الأمر المقضى، فإنها تظل ملتزمة بذلك حتى بعد العمل به ، إذ المقرر أن القانون يسرى بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية القائمة التي لم تكن قد استقرت بعد موجب حكم نهائي حائز قوة الأمر المقضي وقت العمل به ، فإن كانت تلك المراكز قد استقرت بمثل هذا الحكم قبل صدور القانون، فإنه لا يدركها وتظل بمنأى عن قواعده.
فإن كان الحكم الصادر بعدم الاختصاص قد تأید إستئنافياً ، وطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي ، وقضى بنقضه ، فإن المراكز القانونية لا تكون قد استقرت إذ يترتب على النقض زوال الحكم، وحينئذ تخضع للقانون الجديد وتلتزم محكمة الإستئناف بتطبيقه.
ذلك أن قواعد الإختصاص النوعي تتعلق بالنظام العام وتعتبر مطروحة دائماً على محكمة الموضوع، وينطوي قضاؤها على قضاء ضمنى اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى ، فإذا طعن بالنقض في قضائها، كان هذا القضاء الضمني داخلاً في نطاق الطعن ولو لم يتمسك به الخصوم، فتتصدى له محكمة النقض من تلقاء نفسها، ويسرى ذلك على كل إختصاص يتعلق بالنظام العام.
نقض الحكم لمخالفة الإختصاص يستتبع نقضه في الموضوع :
الدفع بعدم الإختصاص المتعلق بالنظام العام، يعتبر مطروحاً دائماً على محكمة الموضوع ولو لم يتمسك به الخصوم، فإن لم تكن مختصة نوعياً أو ولائياً بنظر الدعوى، وجب عليها أن تقضي بعدم اختصاصها وباحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، فإن لم تحكم بذلك، فإنها تتصدى للموضوع رغم عدم اختصاصها بنظره، ويترتب على ذلك، أن محكمة النقض إذا نقضت هذا الحكم لمخالفته قواعد الاختصاص، فإنها تقضي تبعاً لذلك بنقضه فيما فصل فيه في الموضوع حتى يطرح على المحكمة المختصة بنظره، وإذ يترتب على نقض الحكم زواله وإعتباره كأن لم يكن، وبالتالي لا تكون له أية حجية أمام المحكمة المختصة، ولا يعتبر حكما قانونا ومن ثم لا يجوز لهذه المحكمة الإحالة إليه حتى بالنسبة للوقائع والمستندات وإلا كان قضاؤها مشوباً بالقصور.
ثانياً : نقض الحكم والإحالة لمحكمة الموضوع
سقوط الخصومة في الإستئناف بعد النقض والإحالة :
تنتهي الخصومة في الإستئناف بصدور الحكم المنهي لها كلها ، وبحوز فور صدوره قوة الأمر المقضى ويكون واجب النفاذ ، فإن طعن فيه بالنقض، فلا ينال هذا الطعن من حجيته أو من قوته التنفيذية ولكن يجوز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف تنفيذه مؤقتا لحين الفصل في الطعن ولا يمس هذا الأمر حجية الحكم ، لكن إذا قضت محكمة النقض بنقضه وإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته للفصل فيها مجدداً على هدى قضائها، زال الحكم ولم يبق أمام محكمة الإستئناف ، مما مؤداه اعادة طرح الموضوع من جديد على محكمة الإستئناف ويكون للخصوم إبداء كل أوجه الدفاع والدفوع والطلبات التي كان يجوز لهم تقديمها قبل صدور الحكم المنقوض وفي حدود مارفع الإستئناف عنه.
وحتى تترتب هذه الآثار يتعين تعجيل الإستئناف أمام محكمة الإستئناف التي أصدرت الحكم المنقوض ، ويتم التعجيل بصحيفة تعلن إلى باقي الخصوم بتكليفهم بالحضور أمامها ، وتتضمن البيانات المقررة في صحيفة الإستئناف فضلاً عن مضمون حكم النقض وارفاق صورته الرسمية التي تسلمها من قام بالتعجيل أو تقديمها بالجلسة أثناء نظر الإستئناف .
ولما كان التعجيل يتم بتكليف بالحضور وهو من أوراق المحضرين ولا يعتبر بذلك رفقاً لإستئناف جديد ومن ثم لا يشترط التوقيع من محام علی صحيفة التعجيل، يدل على ذلك أن أنقرة الثانية من المادة (58) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 قصرت توقيع أحد المحامين المقررين أمام محاكم الإستئناف على صحف الإستئناف ولم توجب ذلك بالنسبة لصحف تعجیل الإستئناف.
وإذ تنص الفقرة الثانية من المادة (269) من قانون المرافعات على أن تعجیل القضية يكون بناء على طلب الخصوم، كما تنص المادة (134) من ذات القانون على أن لكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعى أو امتناعه أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت ستة أشهر من آخر إجراء صحيح من اجراءات التقاضي، وكان المقرر أن الحكم الصادر بالنقض والإحالة هو آخر إجراء صحيح في الدعوى مما يتعين معه تعجيل القضية خلال ستة أشهر من تاريخ صدور حكم النقض وإلا جاز لكل ذي مصلحة من الخصوم أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة ، ولا يطرح الإستئناف يعد النقض إلا بتعجيله بمعرفة صاحب المصلحة في نظره أو غيره من الخصوم إذ يفترض في الحالة الأخيرة توافر مصلحة من قام بالتعحيل مما يحول دونه والتمسك بالسقوط بعد ذلك.
ولما كان التعجيل يتم بصحيفة تعلن إلى باقي الخصوم، فإنه يتعين أن يتم هذا الإعلان خلال المدة المشار إليها دون اعتداد بتاريخ تقديمها إلى قلم الكتاب أو تسليمها إلى قلم المحضرين، إذ جرى نص المادة الخامسة من قانون المرافعات على أنه إذا نص القانون على ميعاد حتمي لإتخاذ اجراء يحصل بالإعلان فلا يعتبر الميعاد مرعياً إلا إذا تم إعلان الخصم خلاله.
ويجب أن يكون الاعلان صحيحاً لإعتبار الميعاد مرعياً ، فإن شابه البطلان ولكن تحققت الغاية منه بحضور الخصم الجلسة المحددة به، زال البطلان وامتنع التمسك بالسقوط ، فإن لم تتحقق هذه الغاية بتخلف الخصم عن حضور تلك الجلسة ثم حضوره جلسة تالية وتمسكه بالسقوط ، تعين القضاء به، ولما كان الدفع بسقوط الخصومة من الدفوع الشكلية ، وجب لإجابته ألا يكون من تمسك به قد تعرض للموضوع.
وإذا تعدد الخصوم، فلا يجوز التمسك ببطلان الاعلان ألا من تقرر البطلان لمصلحته حتى لو كان الموضوع مما لا يقبل التجزئة أو في التزام بالتضامن أو كانت الدعوى مما يوجب القانون اختصام أشخاص معينين فيها کدعوى الشفعة ودعوى الاستحقاق الشرعية ودعوى استرداد الحصة المبيعة ودعوى الإرث، لكن إذا تمسك بالبطلان من تقرر لمصلحته، استفاد الباقون إذ تلتزم المحكمة حينئذ بالقضاء بسقوط الخصومة برمتها.
أما إن كان الموضوع مما يقبل التجزئة ، فلا يستفيد من بطلان الاعلان ألا من تقرر لمصلحته، وتقتصر عليه وحده الآثار المترتبة على السقوط.
ويراعى أن قانون المرافعات السابق كان يعتبر الخصومة فيما يتعلق بسقوطها وحدة لا تتجزأ بحيث إذا قضى بسقوطها بالنسبة لأحد الخصوم استتبع ذلك القضاء بسقوطها بالنسبة للباقيين حتى لو كان الموضوع مما يقبل التجزئة ، وقد خالف القانون الحالى هذا الإتجاه حسبما تضمنته المادة (136) منه والتي جعلت سقوط الخصومة قابلة للتجزئة بالنظر إلى موضوعها، على التفصيل المتقدم.
وتسرى مدة الستة أشهر من اليوم التالي لصدور حکم النقض إذ لم يوجب القانون إعلانه، وهي مدة سقوط تسري في حق الكافة بمن فيهم الغائب وناقص الأهلية ولا يرد عليها الإنقطاع، وتقف بالقوة القاهرة.
ويقوم بتعجيل الإستئناف الخصم الذي صدر ضده الحكم الابتدائي سعيا إلى استصدار حكم من محكمة الإستئناف بالغائه، ولا يلزم أن يكون الطاعن هو صاحب المصلحة في التعجيل ما لم تكن هناك جدوى من الغاء الحكم الابتدائي إذا کان صادرا ضده. فإن كان صادراً ضد خصمه، اكتفى بصدور حكم النقض بنقض الحكم الإستئنافي وحينئذ فإنه يتربص حتى إذا انقضت ستة أشهر على صدوره، ثبت حقه في التمسك بسقوط الإستئناف إذا قام خصمه بتعجيلة كما يجوز له القيام بالتعجيل والتمسك بصحيفته بسقوط الخصومة، ولذلك فإنه يتعين على الخصم الذي صدر ضده الحكم الإبتدائي تتبع الطعن بالنقض حتى إذا نقض الحكم الإستئنافي الذي كان قد صدر الصالحه، قام بتعجيل الإستئناف لإستصدار حكم جديد لصالحه أيضاً أن كان له الحق في ذلك، فإن لم يقم بالتعجيل، وقضى بسقوط الخصومة في الإستئناف ، اعتبر الإستئناف كأن لم يكن واسترد الحكم الإبتدائى حجيته التي كانت قد توقفت برفع الإستئناف وأصبح سنداً تنفيذياً .
مثال ذلك ، أن يرفع المؤجر دعوى اخلاء ضد المستأجر فيقضي فيها بالرفض ، فيستأنف الحكم الإبتدائي وتقضي محكمة الإستئناف بإلغاء الحكم الأخير و بإخلاء المستأجر ، فيطعن فيه المستأجر بالنقض، وتقضي محكمة النقض بنقض الحكم الإستئنافي والإحالة ، وحينئذ يكون المؤجر وهو المطعون عليه في الطعن بالنقض صاحب مصلحة في تعجيل الإستئناف حتى يستصدر حكماً جديداً بإلغاء الحكم الابتدائي وإخلاء المستأجر، فإن لم يقم بالتعجيل خلال ستة أشهر، وتمسك المستأجر بسقوط الخصومة في الإستئناف، وقضى بذلك، اعتبر الإستئناف كأن لم يكن، واسترد حکم الرفض قوته وصار باتاً فإن كان الحكم الابتدائي قد صدر بالإخلاء ولما استأنفه المستأجر قضى بتأييده ، فطعن بالنقض وقضت محكمة النقض بنقض الحكم والإحالة، فإن المستأجر يكون هو صاحب المصلحة في التعجيل حتى يستصدر حكماً من محكمة الإستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى الاخلاء ، فإن لم يعجل خلال المدة سالفة البيان، وقضى بسقوط الخصومة في الإستئناف ، أصبح الإستئناف كأن لم يكن ، واسترد الحكم الإبتدائي الصادر بالاخلاء حجيته وأصبح باتاً وسنداً تنفيذياً إذ لم يمتد إليه حكم النقض.
وبإعتبار التعجيل موالاة للخصومة ، فيضاف له ميعاد مسافة ، وإذا صادف آخره أجازة رسمية امتد لأول يوم عمل يليها ، وكانت مدة السقوط سنة تم تعديلها إلى ستة أشهر .
ويجب ألا يكون من بين قضاة محكمة الإحالة أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المنقوض .
نقض الحكم والاحالة لمحكمة الدرجة الأولى:
الأصل في الاحالة عندما ينقض الحكم المطعون فيه، أن تكون للمحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض، فإن كان صادراً من محكمة الإستئناف، فإن الاحالة تكون لهذه المحكمة ، وأن كان صادراً من المحكمة الإبتدائية منعقدة بهيئة إستئنافية ، فإن الاحالة تكون لها وذلك في الحالات التي يجوز فيها أن يطعن بالنقض في أحكامها.
ولكن قد يقتص دور المحكمة الإستئنافية على تأييد الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى ولم تكن المحكمة الأخيرة قد استنفدت ولايتها بالقضاء الصادر منها بعدم تصديها للموضوع إنما أنهت النزاع بالأخذ بدفع شکلی ، كالحكم الذي تصدره بإعتبار الدعوى كأن لم تكن أو بعدم قبول الدعوى التوافر شروط أمر الأداء او عدم قبولها لسبق الإتفاق على التحكيم وما إلى ذلك ، ثم تقضي محكمة الإستئناف بتأييد هذا الحكم ، فإذا نقضت محكمة النقض الحكم الصادر من محكمة الإستئناف ، فإنها لا تحيل الدعوى إلى المحكمة الأخيرة إذ يترتب على ذلك أن تقضي محكمة الإستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل في الموضوع ، وهذا هو التسلسل التنازلي من محكمة النقض إلى محكمة الدرجة الأولى بما يتفق ونص المادتين (268)، (269) من قانون المرافعات ، عندما تكون المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لها ولاية الفصل في الموضوع بأن تكون محكمة الدرجة الأولى قد استنفدت ولايتها في شأنه ، بحيث أن أمتنع على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه التصدي للموضوع بسبب عدم استنفاد محكمة الدرجة الأولى ولايتها في شأنه، فلا تكون ثمة ولاية للمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وتنحصر تلك الولاية في محكمة الدرجة الأولى، وإذ يترتب على الطعن في الحالة الماثلة أن تتصدى محكمة النقض للحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى للوقوف على صحة أو خطأ الحكم الصادر من محكمة الإستئناف وهو الحكم المطعون فيه، فإن تبين لمحكمة النقض خطأ الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى، قضت بنقض الحكم المطعون فيه وبالغاء الحكم المستأنف الصادر من محكمة الدرجة الأولى والاحالة للمحكمة الأخيرة للفصل في الموضوع الذي لم تكن قد استنفدت ولايتها في شأنه ، وحينئذ تخضع الدعوى أمامها لكافة قواعد الاحالة وهو ما يوجب نظرها أمام هيئة مغايرة لتلك التي أصدرت الحكم الملغى ، وأن يتم تعجيلها خلال ستة أشهر من تاريخ صدور حكم النقض وألا تعرضت الخصومة للسقوط إذا دفع الخصم بالسقوط وأن يكون التعجيل من صاحب المصلحة فيه وأن تلتزم المحكمة بحكم النقض، ويترتب على القضاء بسقوط الخصومة، زوال صحيفة الدعوى وكافة ما ترتب عليها من آثار ، وإن كانت من الدعاوى التي ترفع في میعاد معين، وكان قد انقضى ، سقط حق في رفعها.
نطاق الإستئناف بعد النقض والإحالة :
يترتب على نقض الحكم المطعون فيه زواله وإعتباره كأن لم يكن بالنسبة للمسألة القانونية التي أقامت محكمة النقض قضاءها عليها ، وفي هذه الحالة تلتزم محكمة الاحالة حكم النقض فيما يتعلق بهذه المسألة، أما أجزاء الحكم التي لم يتناولها الطعن بالنقض، فإنها تحوز قوة الأمر المقضى وتصبح بإنه لا يجوز التصدي لها سواء من محكمة النقض عند نظر الطعن ، أو من محكمة الاحالة بعد تعجيل الإستئناف ، ويمتد هذا الحظر إلى الخصوم أيضاً ، فلا يجوز لهم إثارتها أمام محكمة الإحالة ولو بأدلة جديدة .
فإن كان الطعن بالنقض قد بني على عدة أسباب واستندت محكمة النقض إلى سبب واحد منها في نقض الحكم، فإنها لا تكون قد تصدت للأسباب الأخرى، فلا يتضمن قضاوها أن الحكم المطعون فيه غير مشوب بای من الأسباب التي لم تتصد لها محكمة النقض، أو أن هذه الأسباب لا يجوز التمسك بها بعد صدور الحكم من محكمة الإحالة ، ويظل للخصوم الحق في إثارة أوجه دفاعهم المتعلقة بهذه الأسباب من جديد أمام محكمة الاحالة التي يتعين عليها التصدي لها طالما لم يتضمن ذلك تسلطا على قضاء سابق لها، كالحكم السابق بوقف الإستئناف ، وفي هذه الحالة يجوز للمحكوم عليه التمسك بهذا السبب مرة أخرى أمام محكمة النقض إذ لم يسبق لمحكمة النقض أن تصدت له عند نقضها للحكم .
و للخصوم عند نظر الإستئناف أمام محكمة الإحالة، إثارة كافة الدفوع وأوجه الدفاع المتعلقة بالمسائل التي يعاد طرحها أمام هذه المحكمة، فإن تعلق نقض الحكم بالإخلال بحق الدفاع ، جاز للخصم أن يطرح أدلته على هذه الأوجه ، ويكون للخصم الأخر الرد عليها ، وللمحكمة إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحقيق هذه الأوجه.
أما الدفوع وأوجه الدفاع التي سقط حق الخصم فيها قبل النقض والإحالة، فلا يجوز التمسك بها بعد الإحالة ، كالدفع الشكلي بإعتبار الإستئناف كأن لم يكن متى كان المستأنف عليه قد أسقط حقه فيه بالتعرض للموضوع، وغير ذلك من الدفوع التي سقط الحق فيها .
وإذا تمسك المستأنف عليه بعدم جواز الإستئناف ، فإن هذا الدفع لا يمتد إلى شكل الإستئناف ، باعتبار أن الجواز يسبق الشكل، بحيث إذا نقض الحكم عاد للمستأنف عليه الحق في التمسك أمام محكمة الإحالة بعدم قبول الإستئناف شكلاً ، إذ لم يسبق التصدي لهذا الشكل حتى يكون محلاً للطعن .
ولا ينحصر أثر نقض الحكم في السبب الذي استندت إليه وإنما يمتد إلى ما إرتبط به أو تبعه من أجزاء الحكم الأخرى.
طرح الدفوع الشكلية بعد النقض والإحالة:
إذا أبدی دفع شكلي قبل التعرض للموضوع وقضى برفضه أو بسقوط الحق فيه وصدر الحكم في الموضوع لصالح من أبداه. فإنه يترتب على نقضه عودة الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل إصداره بما أبدوه من دفوع فيعاد طرحها بقوة القانون ، فإن لم يكن قد أبدى ، وثبت تعرض الخصم للموضوع قبل النقض أو بعده أدى ذلك إلى سقوط الحق فيه.
أثر نقض الحكم على أوجه دفاع الخصوم بعد الإحالة :
يترتب على نقض الحكم المطعون فيه، زواله واعتباره كأن لم يكن بالنسبة لما رفع عنه الطعن وقضى بنقض الحكم استناداً له ، ومن ثم يعود للخصوم الحق في التمسك بالدفوع وأوجه الدفاع التي تتعلق بهذا السبب، وكذلك أوجه الدفاع الجديدة التي لم يسبق التمسك بها ، كما يجوز لهم التمسك بهذه الأوجه المتعلقة بأسباب الطعن التي لم تتصد لها محكمة النقض.
أما شق الحكم الذي لم يطعن عليه بالنقض، فإنه يصبح باتاً لا يجوز العودة إلى إثارته بعد النقض والإحالة سواء من الخصوم أو من محكمة الإحالة ، أما ما عدا هذا الشق فإن المراكز القانونية للخصوم تعود إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المطعون، فتزول الحقوق التي رتبها هذا الحكم وكل ما ترتب عليه من آثار، فيسترد الخصوم كل ما كان يجوز لهم أن يتقدموا به من ، طلبات ودفوع وأوجه دفاع بالنسبة إلى ما لم يسقط حقهم فيه منها، فإن وجد دفاع شكلي لم يسقط الحق فيه قبل صدور الحكم المطعون فيه، جاز لصاحبه أن يتمسك به بعد الإحالة.
وإذ تمسك المطعون عليه في المذكرة التي أودعها قلم کتاب محكمة النقض ردا على أسباب الطعن بدفع أو دفاع، وكان يجوز له التمسك به أمام محكمة الإحالة بعد نقض الحكم، فلا تلتزم محكمة النقض بالرد عليه إذ تنتفي مصلحته فيه طالما قضى بنقض الحكم إذ يجوز له إثارته أمام محكمة الإحالة.
صدور قانون معدل لمراكز الخصوم
المقرر أن القانون يسرى بأثر فوري مباشر، فإن تضمن قاعدة موضوعية آمرة ، فإنه يسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية القائمة التي لم تكن قد استقرت بعد بموجب حكم نهائي وقت العمل بهذه القاعدة ولو كانت قد نشأت قبل العمل بها. فإن تضمن قاعدة إجرائية ، فإن نطاقه ينحصر فيما يباشر منها في ظله .
مفاد ذلك ، أن محكمة الإستئناف تلتزم باعمال القاعدة القانونية الموضوعية الآمرة إذا صدر القانون الذي تضمنها قبل أن تصدر حكمها إذ لا تستقر المراكز القانونية التي أعادت تلك القاعدة تنظيمها إلا بصدور الحكم المنهي للخصومة الإستئناف. فإن كانت قد أصدرت حكمها قبل العمل بتلك القاعدة، استقرت به المراكز القانونية للخصوم ونأى النزاع عن قواعد القاعدة الجديدة. إذ يصبح حكمها باتاً لعدم الطعن فيه بالنقض.
فإذا طعن المحكوم عليه في الحكم الإستئنافي بالنقض، فإن القاعدة الآمرة التي استجدت بعد صدور هذا الحكم ، تعتبر مطروحة على محكمة النقض لتعلقها بالنظام العام، فإن تمثلت في قاعدة قانونية صرفة، أو في قاعدة قانونية يخالطها واقع كان مطروحا على محكمة الموضوع ، التزمت بتطبيقها، فإن لم تكن كذلك، امتنعت عن التصدي لها رغم تعلقها بالنظام العام ، فإن رفضت الطعن، استقرت مراكز الخصوم وفقا لما تضمنه الحكم الإستئنافي.
أما إذا نقضت الحكم، أدى ذلك إلى زواله واعتباره كأن لم يكن وعادت الخصومة والخصوم إلى ما كانت وكانوا عليه قبل صدوره، متى كان النقض كلياً أو جزئياً إذا انصرف لتلك المراكز ، ويسترد كل خصم حقه في تقديم الطلبات الجائز تقديمها والدفوع وأوجه الدفاع، كما تلتزم المحكمة ومن تلقاء نفسها بإعمال القاعدة الموضوعية الآمرة ولو كانت قد عمل بها بعد صدور الحكم الإستئنافي السابق، فقد ترتب على نقضه زواله ولم يصبح هناك حكم نهائي، ومن ثم لا تكون المراكز القانونية للخصوم قد استقرت، وحينئذ تخضع للقواعد التي جاء بها القانون الأمر.
مثال ذلك، أن يصدر حكم بالإخلاء لتنازل الطبيب عن منشأته الطبية بدون موافقة المؤجر، وبعد صدور الحكم الإستئنافي بتأييده ، يصدر قانون يتضمن قاعدة موضوعية آمرة تجيز التنازل عن المنشأة الطبيعة دون موافقة المؤجر ، ثم تنقض محكمة النقض الحكم الإستئنافي للإخلال بحق الدفاع لعدم الرد على دفاع جوهري يتمثل في موافقة المؤجر على التنازل، وهو ما يوجب على محكمة الإحالة التصدي لهذه المسألة، وفقا لأوجه الدفاع التي يتقدم بها المستأجر ولو لم يسبق طرحها من قبل ، كما تلتزم بتطبيق القاعدة الموضوعية الآمرة ، فتقضي برفض دعوى الإخلاء استناداً لحق الأخير في التنازل عن منشأته الطبية .
نقض الحكم دون إحالة :
تبدأ المنازعة القضائية بإيداع صحيفة افتتاح الدعوى قلم کتاب محكمة الدرجة الأولى، وإن كانت المحكمة تتصل بالدعوى بهذا الإيداع ، إلا أن ولايتها للفصل في الخصومة التي تنشأ عن تلك الدعوى لا تثبت لها إلا بانعقاد الخصومة بين طرفيها، وذلك بإعلان المدعى عليه أو حضوره بجلسة المرافعة، فإن تصدت المحكمة للخصومة قبل انعقادها ، كان حكمها منعدماً لوروده على غير محل ، لأن محل الحكم الخصومة القائمة، فإن طعن في هذا الحكم بالإستئناف، وجب على محكمة الإستئناف أن تقضي ببطلان الحكم وتقف عند هذا الحد، فلا تتصدى للموضوع ولا تعيد الدعوى المحكمة الدرجة الأولى، لأن مناط هذه الإعادة أن تكون هناك خصومة انعقدت أمام محكمة الدرجة الأولى ، وإلا تكون صحيفة افتتاح الدعوى قد شابها البطلان ، فإن لم تقض ببطلان الحكم المستأنف وإنما تصدت للموضوع ، فإن حكمها بدوره يكون مشوباً بالبطلان لصدوره في غير خصومة، ويترتب على ذلك أن محكمة النقض عندما تقضي بنقض الحكم، فإنها تقف عند هذا الحد دون إحالة، لأنها لو أمرت بالإحالة ، فإن الدعوى تطرح على محكمة الإستئناف بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. أي يكون المطروح عليها خصومة غير منعقدة ، كما لا تصح الإحالة إلى محكمة الدرجة الأولى لذات السبب، وهو ما يحول دون تعجيل الإستئناف أو الدعاوى من الخصوم وإلا وجب القضاء بعدم جواز التعجيل.
التعجيل في حالة ضم إستئنافين :
إذا قررت المحكمة ضم إستئنافين يتحدان خصوما وموضوعا وسبباً ، أدى الضم إلى اندماجهما وفقدان كل منهما إستقلاله وذاتيته فيصبحان إستئنافاً واحداً بحيث إذا قضى فيهما، وطعن المحكوم عليه في الحكم بالنقض ، وقضت محكمة النقض بنقضه وإحالة الدعوى لمحكمة الإستئناف ، امتد ذلك للحكم برمته شاملاً الإستئنافين .
أما إن كان كل منهما يختلف عن الآخر في الموضوع أو السبب، فلا يترتب على الضم إندماجهما ويظل لكل منهما إستقلاله رغم صدور حکم واحد فيهما بحيث إذا طعن فيه بالنقض، وقضى بنقضه والإحالة، فلا يمتد ذلك إلى الإستئناف الآخر الذي لم يطعن فيه بالنقض .
تحقق الإنقطاع بعد صدور حكم النقض :
يعتبر حكم النقض آخر إجراء صحيح من إجراءات الخصومة ، ومن ثم تبدأ مدة السقوط من اليوم التالي لصدوره، لكن قد يتحقق سبب من أسباب الانقطاع قبل صدوره أو بعد ذلك ، فإن تحقق ذلك قبل صدوره وأثناء عرض الطعن على المحكمة، فإنها لا تقضي بالانقطاع إذ لا يعرض الطعن عليها إلا بعد أن يتهيأ للحكم في موضوعه، ومن ثم لا تبدأ مدة السقوط إلا إعتباراً من تاريخ صدور الحكم إذا تعلق سبب الانقطاع بالمستأنف عليه إذ لا يحول ذلك دون المستأنف والتحري عن ورثة خصمه لإعلان كل منهم على حدة بصحيفة تعجیل الإستئناف، أما إذا تعلق سبب الإنقطاع بالمستأنف ، فإن مدة السقوط تبدأ اعتباراً من تاريخ صدور حکم النقض بشرط أن يقوم المستأنف عليه بإعلان الورثة ومن في حكمهم بوجود الدعوى بينه وبين خصمه الأصلي ، ومن اليوم التالي لتاريخ هذا الإعلان تبدأ مدة الستة أشهر المقررة لسقوط الخصومة ويتم بانتهاء اليوم الأخير من هذه المدة .
فإن تحقق سبب الإنقطاع بعد صدور حکم النقض ، وتعلق بالمستأنف عليه ، تعين على المستأنف تعجيل الإستئناف خلال ستة أشهر من تاريخ حكم النقض في مواجهة الورثة ومن في حكمهم بإعلان صحيفة التعجيل لكل منهم على حدة وإلا كان التعجيل باطلا على التفصيل المتقدم ، فإن لم يتم التعجيل على هذا النحو وخلال تلك المدة جاز للورثة أو أحدهم التمسك بسقوط الخصومة .
أما إذا تعلق سبب الإنقطاع بالمستأنف، فإن مدة السقوط لا تبدأ إلا من اليوم الذي قام فيه المستأنف عليه بإعلان ورثة المستأنف ومن في حكمهم بوجود الدعوى بينه وبين خصمه الأصلي. فإن لم يتم ذلك انقضت الخصومة بإنقضاء سنتين من تاريخ صدور حكم النقض عملاً بالمادة (140).
التزام محكمة الإحالة حكم النقض ولو كان خاطئاً :
متى قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة، تعين على صاحب المصلحة تعجيل الإستئناف أمام محكمة الإحالة ، وحينئذ تلتزم هذه المحكمة بالقضاء الذي أصدرته محكمة النقض باعتباره حائزاً لقوة الأمر المقضي الذي يكتسب حجية تحول دون محكمة الإحالة وإعادة بحث المسألة التي حسمتها محكمة النقض أياً ما كان السند الذي قد تستند إليه محكمة الإحالة، فلا يجوز لها مخالفة قضاء النقض الذي حسم المسألة التي صدر بصددها قولا بمخالفة هذا القضاء لما استقر عليه قضاء النقض السابق، أو لصدوره على خلاف المبادئ التي قررتها الهيئة العامة لمحكمة النقض، أو لصدوره مشوباً بمخالفة القانون ، أو لأي من الأسباب التي تشوب الأحكام القضائية إذ تسمو حجيتها على المصالح الخاصة للأفراد وعلى اعتبارات النظام العام .
فإذا ما قضت محكمة الإحالة على خلاف حکم النقض، كان حكمها مشوباً بمخالفة القانون ، فإن طعن فيه بالنقض، التزمت محكمة النقض قضاءها السابق ، أياً ما كان وجه الرأي فيه حتى لو كان ظاهر الفساد التزاماً بحجيته وما اكتسبه من قوة الأمر المقضي، سواء تصدت للموضوع أن ورد الطعن على ذات المسألة التي نقض الحكم بسببها أو كان مع النقض الإحالة.
ميعاد الطعن في الحكم الصادر بعد التعجيل :
متى تم تعجیل الإستئناف على نحو ما تقدم، استقام أمام محكمة الإستئناف حتى يصدر فيه حكم ينهي الخصومة برمتها، وحينئذ يكون هذا الحكم خاضعاً للطعن فيه بطريق النقض إذا توافرت حالة من حالات هذا الطريق وذلك بالنسبة للأوجه التي نقض الحكم السابق من أجلها فقط ، أما الأوجه الأخرى التي تضمنها الحكم المنقوض فلا سبيل للنعي عليها في طعن جديد إذ تصبح بعدم النعي عليها في الطعن السابق باتة ، مثال ذلك ، ألا ينصب الطعن الأول على شكل الإستئناف ويقتصر على شق موضوعي منه، وينقض الحكم فيما يتعلق بهذا الشق، ومن ثم لا يثار من جديد أمام محكمة الإستئناف إلا هذا الشق وحده، وينحصر نطاق الإستئناف بعد التعجيل في هذا الشق دون سواه، بحيث إذا أثار من قام بالتعجيل شقاً آخر ، سواء تعلق بالشكل أو الموضوع تعين على محكمة الإستئناف القضاء بعدم جوازه لسابقة الفصل فيه ، فإذا تصدت له ، كان حكمها خارجاً عن نطاق الإستئناف مشوباً بمخالفة القانون ويجوز الطعن فيه للمرة الثانية وحينئذ ينقض الحكم وتحال القضية لمحكمة الإستئناف لنظرها بمعرفة دائرة أخرى.
ويخضع الطعن الثاني لذات القواعد المقررة بالنسبة للطعن الأول، فيعتبر الحكم حضوريا أو غيابياً ، لبدء ميعاد الطعن، وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن، وعلى التفصيل السابق إيضاحه.
ثالثاً : نقض الحكم وتصدي محكمة النقض للموضوع مناط تصدي محكمة النقض للموضوع :
لا تتصدى محكمة النقض الموضوع الطعن إلا إذا نقضت الحكم المطعون فيه أياً كان سبب النقض ، وكان هذا الموضوع صالحاً للفصل فيه أو كان الطعن قد رفع للمرة الثانية ولو لم ينصب على ذات الوجه الذي رفع به الطعن الأول أما إن رفع الطعن الثاني ورأت المحكمة رفض الطعن، فإنها تقصر قضاءها على ذلك دون التصدي للموضوع ولو كان النعي في الطعن الثاني هو الوجه الآخر للنعي في الطعن الأول، لأن النعي الأول يناير النعي الثاني وإن كان هو الوجه الآخر له إلا أنه يخرج عن نطاق الفقرة الأخيرة من المادة (269) من قانون المرافعات ومن ثم لا تتصدى محكمة النقض للموضوع حتى لو طلب الطاعن ذلك، إذ لا تعتد المحكمة بهذا الطلب ولها الالتفات عنه دون أن تنوه إليه بمدونات حكمها بإعتباره ظاهر الفساد لخروجه عن نطاق الطلبات الواجب أن تتضمنها صحيفة الطعن .
مثال ذلك ، أن يرفع المؤجر دعوى إخلاء استناداً لأحكام الجدك ، فتقضي محكمة الدرجة الأولى بذلك، ويتأيد حكمها إستئنافياً ، إلا أن محكمة النقض تنقض الحكم لعدم توافر شروط الجدك ، والتزاماً بهذا القضاء ، تقضي محكمة الإحالة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الإخلاء، فيطعن المؤجر في هذا القضاء بالنقض طالباً التصدي للموضوع بإعتبار أن طعنه هو الطعن الثاني، وفي هذه الحالة يتعين القضاء برفض الطعن التزاماً بحكم النقض السابق البات والذي إلتزامته محكمة الإحالة ، وهو ما يحول دون نقض الحكم المطعون فيه حتى لو ثبت خطأ حكم النقض السابق أو كانت الهيئة العامة لمحكمة النقض قد عدلت عنه ، إذ تسمو حجية الأحكام على أية اعتبارات ولو تعلقت بالنظام العام.
أما إذا خالفت محكمة الإحالة قضاء النقض في المسألة التي تضمنها الحكم الناقض، ورفع المحكوم عليه طعناً ثانياً ، التزمت محكمة النقض بالتصدي للموضوع ، ولها أيضاً هذا التصدي إذا كان الطعن للمرة الثانية ورأت محكمة النقض نقض الحكم لأي سبب ولو لم يكن هو السبب الذي أدى إلى نقض الحكم في المرة الأولى.
وإذا خالفت محكمة الإحالة الحكم الناقض وفصلت في الإستئناف بذات قضائها السابق ، وجب على محكمة النقض إذا طعن في ذات المسألة للمرة الثانية ، أن نتصدى لها وتحكم فيها ، فإن تعلقت بالموضوع حكمت فيه. أما إن تعلقت بالشكل حکمت بقبول الإستئناف شكلاً ، ووقفت عند هذا الحد ، وحينئذ يتم تعجيل الإستئناف للتصدي للموضوع .
والموضوع الذي تعنيه الفقرة الرابعة من المادة (269) من قانون المرافعات، هو المسألة التي وقعت فيها المخالفة.
مثال ذلك أيضا، أن تكون المسألة التي وقعت فيها المخالفة تتعلق بسقوط الحق في رفع الدعوى ويقرر الحكم الناقض بعدم سقوط هذا الحق إلا أن محكمة الإحالة تقضي للمرة الثانية بسقوطه وحينئذ ، تتصدى محكمة النقض لهذه المسألة وتقضي بنقض الحكم المطعون فيه وبعدم سقوط الحق في الدعوى ، وتقف عند هذا الحد ، مما يوجب على صاحب المصلحة تعجيل الإستئناف للتصدي للموضوع.
نطاق الموضوع الذي تتصدى له محكمة النقض :
قد يفهم من عبارة المادة (269) من قانون المرافعات، أن محكمة النقض تتصدى لموضوع النزاع برمته في جميع الحالات وتحل في ذلك محل محكمة الموضوع في تصفية كل الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع التي قدمها الخصوم أمام المحكمة الأخيرة، بحيث يترتب على حكم النقض إنهاء الخصومة برمتها دون أن يبقى شيء منها يمكن إحالته لمحكمة الموضوع.
وليس هذا هو المراد من المادة سالفة البيان على إطلاقه ، وإنما المراد هو أن محكمة النقض إذا تصدت لمسألة لا يترتب عليها تصفية النزاع برمته كما هو مطروح على محكمة الموضوع ، فإن هذه المسألة وحدها هي التي عنتها تلك المادة طالما لم يترتب على حكم النقض إنهاء الخصومة الموضوعية برمتها، بحيث إذا لم تلتزم محكمة الإحالة حكم النقض، ورفع طعن ثان بذات النعي السابق، فإن الموضوع الذي تتصدى له محكمة النقض يقتصر على تلك المسألة وحدها تصفية لها فتصدر فيها قضاء موضوعياً باتاً تسير على هديه محكمة الإحالة بعد ذلك عند تعجيل الإستئناف أمامها لتصفية النزاع برمته، ويكون قضاؤها الذي أنهت به الخصومة كلها ، قابلاً للطعن بالنقض بما لا يمس حجية حكم النقض السابق ، ولا يجوز في هذه الحالة لمحكمة النقض أن تتصدى للموضوع إلا إذا كان صالحاً للفصل فيه ورأت نقض الحكم.
مثال ذلك، أن ترفع دعوى شفعة وتقضي محكمة الموضوع بسقوط حق الشفيع فيها، وتنقض محكمة النقض هذا الحكم وتخلص إلى عدم سقوط هذا الحق ، ولم تلتزم محكمة الإحالة بحكم النقض فتقضي مرة أخرى بسقوط حق الشفيع فيرفع طعناً ثانياً ، وحينئذ تتصدى محكمة النقض للموضوع الذي ينحصر في مدى سقوط حق الشفيع ، والتزاما بقضائها البات السابق، تقضي في الطعن بعدم سقوط هذا الحق ، وتقف عند هذا الحد ، فلا تفصل في موضوع دعوى الشفعة برمته أي بأحقية الشفيع في أخذ العقار بالشفعة أو برفض الدعوى ، لأن ذلك خارج عن نطاق الموضوع الذي يجيز لها القانون التصدي له، وإنما يتعين على الشفيع الرجوع إلى محكمة الموضوع للفصل في موضوع الدعوى على أساس أن حقه في طلب الشفعة لم يسقط. (انظر: نقض 1935/6/20 فيما يلي ؛ وراجع: حامد فهمي في : النقض في المواد المدنية والتجارية، ص 698 ، 734) .
أما إن كان من شأن المسألة التي فصلت فيها محكمة النقض إنهاء النزاع برمته، ولم تلتزمها محكمة الإحالة ، فإن التصدي للموضوع يحسم النزاع برمته ، وحينئذ تقضي محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وبتأييد الحكم المستأنف أو بإلغائه ورفض الدعوى أو بإجابة الطاعن لطلباته أو بتعديله إلى ما خلصت إليه ، وتتصدى للمصاريف شاملة مقابل أتعاب المحاماة.
مثال ذلك أن ترفع دعوى بثبوت العلاقة الإيجارية وإلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار إستناداً للإمتداد القانوني لعقد الإيجار ، فيقضي برفضها ويتأید هذا القضاء إستئنافياً ، وتنقض محكمة النقض الحكم لتوافر شروط هذا الإمتداد ، ولم تلتزم محكمة الإحالة بهذا القضاء، فيرفع الطاعن طعناً ثانياً، وحينئذ تتصدى محكمة النقض للموضوع المتمثل في امتداد العقد والحق في الحصول على عقد إيجار ، وهو ما يترتب على القضاء به إنهاء النزاع برمته، فتنقضي بنقض الحكم المطعون فيه، ويبقى بعد ذلك الحكم المستأنف ، فتقضي بإلغائه وبثبوت العلاقة الإيجارية وإلزام المطعون عليه بتحرير عقد إيجار بذات شروط العقد السابق، وإلزام الأخير المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .
فإن كانت محكمة الموضوع قد أجابت الطلبات سالفة البيان، ونقضت محكمة النقض الحكم الإستئنافي لعدم توافر الشروط اللازمة لإمتداد العقد ، إلا أن محكمة الإحالة لم تلتزم حكم النقض، فطعن المؤجر مرة ثانية ، فإن محكمة النقض تتصدى للموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، ويبقى بعد ذلك الحكم المستأنف ، فتقضي بإلغائه ورفض الدعوى وتلزم المطعون عليه المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة .
سلطة محكمة النقض عند التصدي للموضوع :
عندما تتصدى محكمة النقض للموضوع، فتكون لها الولاية المقررة المحكمة الموضوع فيما يتعلق بإستخلاص الواقع في الدعوى وإعطائها وصفها القانوني الصحيح دون أن تتقيد في ذلك بتكييف الخصوم لها.
وتستخلص محكمة النقض الواقع من الحكم المطعون فيه ومن مستندات الطعن، فلها الأخذ بتقارير الخبراء والمحاضر وسائر المستندات المودعة من الخصوم بملف الطعن، وأن تقضي على هديها، إما بقبول الطعن أو رفضه ، وليس لها أن تتخذ أي إجراء من إجراءات الإثبات كالتحقيق أو الإستجواب أو ندب الخبراء، إذ يبين من نصوص المواد (268) - (270) من قانون المرافعات أن سلطة محكمة النقض تنحصر في قبول الطعن أو رفضه خلافاً لنصوص الإثبات التي تلتزمها محكمة الموضوع.
وإن كان القانون قد ألزم محكمة النقض بالتصدي للموضوع في الحالتين المنصوص عليهما في المادة (269) من ذات القانون، فإنه خولها هذا بإعتبارها محكمة تختص بنظر الطعون غير العادية ولم يجعل منها فيهما محكمة موضوع .
ومن ثم تظل خاضعة للقواعد التي تلتزمها في قضائها. (راجع: حامد فهمي، المرجع السابق ، ص 734 وما بعدها) ومن ثم فهي تتصدى للموضوع من واقع مستندات الطعن التي أودعها الخصم وما تضمنه الحكم المطعون فيه وذلك في أية مسألة تتصدى لها، سواء تعلقت بالفصل في الطعن أو في مسألة فرعية فيه كدعوى التزوير الفرعية إذا تعلقت بالحكم المطعون فيه أو عندما تتصدى للموضوع، إذ تبلغ كل منها للخصوم ويتم تحقيقها فيما بينهم في المذكرات الكتابية وما يقدمونه من مستندات تأييداً لأوجه دفاعهم الواردة بها وتنحصر سلطة محكمة النقض في استخلاص الحقيقة من كل ذلك دون اتخاذ أية إجراءات من جانبها. (وذلك على التفصيل الذي أوضحناه ببند «الطعن بالتزوير أمام محكمة النقض»، فيما تقدم، وراجع به نقض 1938/12/15 طعن 3 س 8 ق).
الحالات التي تتصدى فيها محكمة النقض للموضوع:
تضمنت الفقرة الرابعة من المادة (269) من قانون المرافعات حالتين تلتزم محكمة النقض فيهما بالتصدي للموضوع، ولم يجعل المشرع ذلك جوازا للمحكمة وإنما جعله وجوبياً بحيث يمتنع عليها الإحالة إذا توافرت إحداهما،. ويتعين عليها حينئذ التصدي للموضوع على نحو ما تقدم، كما تضمنت المادة (63) من القانون رقم واحد لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، الحالة الثالثة، وتتناول كل من هذه الحالات:
أولاً: صلاحية الموضوع للفصل فيه :
أوجب المشرع على محكمة النقض التصدي لموضوع الدعوى إذا نقضت الحكم المطعون فيه وكان هذا الموضوع صالحاً للفصل فيه، سواء كان نقض الحكم لخطأ في القانون أو لمخالفته الثابت بالأوراق أو لإغفاله مستنداً قاطعاً في الدعوى وفي كل حالة من حالات الطعن أياً كان سببه ما دام من الممكن تصفية النزاع وحسمه بغير اتخاذ أي إجراء جديد، ولا يلزم أن يكون موضوع الدعوى صالحاً برمته للفصل فيه بل يكفي أن يكون صالحا في شق منه وحينئذ تفصل محكمة النقض في هذا الشق وتحيل الشق الآخر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم .
فإذا قضت محكمة الإستئناف في الدفع بالإنكار و في الموضوع معاً ، وتضمن الشق المتعلق بالدفع ، عدم صحة المحرر ، ولما طعن بالنقض رأت محكمة النقض توافر الأدلة على صحة المحرر وفقاً لمستندات الطعن مما يجعل هذا الشق صالحاً للفصل فيه بحالته ، وحينئذ تقضي بنقض الحكم وبصحة المحرر ، وتحيل الشق الآخر للمحكمة التي أصدرت الحكم.
ويعتبر الموضوع صالحاً للفصل فيه ، بتوافر كافة العناصر اللازمة للفصل فيه من واقع وأدلة مستمدة من أوراق الطعن التي أودعها الخصوم، دون أن تتخذ المحكمة أية إجراءات من جانبها كتحقيق أو استجواب أو ندب خبير أو غير ذلك من إجراءات الإثبات ، أما إذا تطلب الفصل في الموضوع اتخاذ أي من هذه الإجراءات ، كان غير صالح للفصل فيه، مما يحول دون التصدي له ، وحينئذ تقضي بنقض الحكم وإحالة الدعوى للمحكمة التي أصدرته .
ثانياً: الطعن للمرة الثانية في الحكم :
يجب على محكمة النقض أن تتصدى للموضوع إذا طعن في الحكم للمرة الثانية، وخلصت المحكمة إلى نقض الحكم أياً كان سبب النقض ، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه فيما تقدم.
ثالثاً : نقض الحكم في مسائل الأحوال الشخصية :
يدل نص المادة (63) من القانون رقم واحد لسنة 2000 سالف البيان ، على أن الأحكام الصادرة من محاكم الإستئناف بفسخ عقود الزواج أو بطلانها أو التطليق ، لا يجوز تنفيذها إلا بانقضاء مواعيد الطعن عليها بطريق النقض ، فإذا طعن عليها في الميعاد (60 يوماً) استمر عدم تنفيذها إلى حين الفصل في الطعن ، وإذا نقضت المحكمة الحكم كان عليها أن تفصل في الموضوع. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : التاسع ، الصفحة : 22)
رأي القانون الجديد تعديل الأحكام الخاصة بتصدي محكمة النقض للموضوع فأوجب عليها التصدي لموضوع الدعوى إذا انقضت الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه وذلك إقتصاداً في الإجراءات وتعجيلاً للبث في النزاع سواء كان نقض الحكم لخطأ في القانون أو لمخالفته الثابت بالأوراق أو لإغفاله مستنداً قاطعاً في الدعوى وهكذا في كل حالة من حالات الطعن أياً كان سببه ما دام أنه من الممكن تصفية النزاع وحسمه بغير اتخاذ أي إجراء .
وغني عن البيان أنه لا يلزم أن يكون موضوع الدعوى صالحاً برمته للفصل فيه بل يكفي أن يكون صالحا في شق منه . وهذا الشق تفصل فيه محكمة النقض وتحيل الشق الآخر إلي المحكمة التي أصدرت الحكم. (المذكرة الإيضاحية للقانون).
وقد اشترط القانون الجديد إذا ما نقض الحكم وأحيلت الدعوى المحكمة التي صدر الحكم المطعون فيه من أحد دوائرها ألا يشترك أحد القضاة الذين أصدروا الحكم الأول في نظر الدعوى .
وقد إستقر قضاء النقض علي أن محكمة النقض عندما تتصدى لموضوع النزاع فإنها تحل محل المحكمة الإستئنافية بإعتبارها درجة ثانية من درجات التقاضي ومن ثم لا يلزم أن تصدر حكمها في الموضوع مع الحكم في الطعن ، وتصبح محكمة النقض بعد نقض الحكم محكمة موضوع ومن ثم فليس هناك ما يمنعها من أن تلجأ في إثبات الدعوى إلي وسائل الإثبات كافة ومنها إحالة الدعوي التحقيق وندب خبير كما يجوز الطعن أمامها بالتزوير لأول مرة وكذلك توجيه اليمين الحاسمة أو المتممة غير أنه يجوز التمسك أمامها في هذه الحالة بالدفوع التي سقطت لعدم إبدائها أمام محكمة أول درجة .
وتقضي الفقرة الأخيرة من المادة بأنه يجب على المحكمة متى نقضت الحكم للمرة الثانية أن تحكم في الموضوع وكانت محكمة النقض قد استقرت في أحكامها على أن تصديها للفصل في الموضوع عند نقض الحكم للمرة الثانية مشروط بأن ينصب الطعن في المرة الثانية على ما طعن فيه في المرة الأولى . وقد كان في تقدير المؤلفين رحمهما الله الوارد في الطبعات السابقة أن هذا الرأي محل نظر ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة عندما أوجبت على محكمة النقض عند نقضها الحكم للمرة الثانية التصدي للموضوع جاء نصها عاماً دون تخصيص دالا على أنه متى نقض الحكم للمرة الثانية تعين عليها أن تتصدى للفصل في الموضوع وهدف المشرع من ذلك أن يحسم النزاع بعد الطعن على الحكم مرتين أمام محكمة النقض حتى لا يطول أمد النزاع ومؤدي رأي محكمة النقض على النحو السابق أنها لا تفصل في موضوع الطعن في المرة الثانية إذا كان الطاعن هو المطعون ضده في المرة الأولي لأن طعنه بالضرورة سوف يناير في موضوعه موضوع الطعن الأول في غالب الأحيان وفي هذا خروج على النص وتفسير له بما لا يحتمله وينافي حكمه التشريعي ويؤدي إلي تأييد المنازعات وأن ما يؤيد هذا النظر أن المذكرة الإيضاحية كانت قد أفصحت عن أن هدف المشرع من هذه المادة هو الإقتصاد في الإجراءات وتعجيل البت في النزاع وهو ما استهدفه المشرع من النص ويؤكد ذلك أيضاً أنه من المقرر وفقاً النص الفقرة الثانية من المادة أنه يتحتم على محكمة الإحالة أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها ومؤدي ذلك أن الطعن في المرة الثانية أن ينصب على ما طعن عليه في المرة الأولي إلا إذا خالفت محكمة الإحالة رأي محكمة النقض وهذا الأمر نادر الحدوث. ومسايرة رأي محكمة النقض يترتب عليه ألا تكون ملزمة بالتصدي إلا في حالات قليلة جداً ، ومن الجائز أن ينقض الحكم المطعون فيه ثم ينقض الحكم اللاحق عليه ويتكرر هذا الأمر عدة مرات في كل منها تحال القضية بعد نقض الحكم لمحكمة الإحالة ما دام أن سبب الطعن يغاير سبب الطعن في المرات السابقة عليه . وقد يؤدي ذلك إلي مضي عشرات السنين دون حسم للنزاع وهو أمر يجافي المنطق ويتنافى مع حكمة التشريع على النحو السالف بيانه .
وقد تبنى المشرع رأي المؤلفين في التعديل الذي أدخله على الفقرة الأخيرة بالقانون 76 سنة 2007 المعمول به إعتبار من 1/ 10/ 2007 بإضافة عبارة أياً كان سبب النقض) فأصبح لزاما على محكمة النقض إذا كان الطعن أمامها للمرة الثانية أن تتصدى للموضوع أياً ما كان سبب نقضها للحكم وسواء كان الطعن للمرة الثانية قد أنصب علي ما كان محلاً للطعن الأول أو على ما لم يكن محلاً له ففي جميع الحالات فإن وصول الطعن علي ذات الحكم للمرة الثانية أمام محكمة النقض يعني أن النزاع لن يعود إلي محكمة الموضوع ثانية أما برفض أو عدم قبول أو عدم جواز الطعن بالنقض ... وإما بنقض الحكم وتصدى المحكمة للفصل في الموضوع.
غير أن إلزام محكمة النقض بالفصل في الموضوع إذا كان الطعن للمرة الثانية إنما يكون إذا كانت محكمة الإستئناف قد فصلت في موضوع الدعوى للمرة الثانية أما إذا كانت قد وقفت في قضائها عند حد الفصل في إجراء شكلي غير فاصل في الموضوع كالحكم بعدم الإختصاص فلا على محكمة النقض بعد نقضها للحكم أن هي أعادت القضية إلى محكمة الإستئناف للفصل في الموضوع .
ويتعين على محكمة الإحالة أن تتقيد بحجية ما لم تتناوله أسباب الطعن بالنقض من الحكم المنقوض ويشمل ذلك ما يكون قد تضمنه الحكم المنقوض من قضاء لصالح الطاعن ، ذلك أنه كمبدأ عام فإن الطعن بالنقض لا يتناول إلا ما قضى به الحكم المطعون فيه ضد الطاعن إعمالاً للقاعدة الأصولية التي تقضي بألا يضار الطاعن بطعنه ويشمل أيضاً ما يكون الحكم المنقوض قد تضمنه من قضاء ضد المطعون عليه ولم يطعن فيه بالنقض ويشمل كذلك ما تناولته أسباب الطعن غير المقبولة ، كما يشمل ما لم ينقض من أجزاء الحكم المطعون فيه لأن يكون النقض جزئية لم يتناول إلا جزءا من الحكم المطعون فيه فيظل ذلك سليماً حائزاً قوة الأمر المقضي بما يتحتم معه على محكمة الإحالة عدم المساس به. (مرافعات كمال عبد العزيز طبعة سنة 1995 الجزء الأول ص 2007).
وفي حالة وفاة أحد الخصوم أو زوال صفة من يمثله بعد صدور الحكم النهائي إذا أراد صاحب المصلحة الطعن عليه بالنقض فإن الطعن يرفع ممن حل محل من كان له الحق في الطعن ويجب أن يوجه الطعن أيضا في حالة وفاة من صدر لصالحه الحكم أو زوال صفة من يمثله إلي من حل محله فإذا توفي أحد الخصوم أو زالت صفة من يمثله بعد رفع الطعن فإن محكمة النقض لا تقضى بإنقطاع سير الخصومة .لأن إجراءات الطعن تنصب علي مخاصمة الحكم ولا يؤثر فيها وفاة أحد الخصوم أو زوال صفة من يمثله غير أن الأمر يختلف إذا نقض الحكم للمرة الثانية وكان يتعين على محكمة النقض أن تتصدى للفصل في الموضوع طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة فإنه يجب على محكمة النقض في هذه الحالة أولا بنقض الحكم ثم تقضى بانقطاع سير الخصومة إلي أن يجدد السير فيها صاحب المصلحة إذ تعد في هذه الحالة محكمة موضوع وبهذا قضت محكمة النقض في الطعن رقم 462 لسنة 48 قضائية بجلسة 12/ 4/ 1983).
ونقض الحكم لا ينشئ خصومة جديدة ويكفي لتحريك الدعوى أمام محكمة الإحالة تكليف الخصم الآخر بالحضور دون حاجة إلى إعادة الإعلان لأن الخصومة متى استأنفت سيرها تعود إلى الحالة التي كانت عليها عند وقوفها وقت حدوث سبب الانقطاع .
سقوط الخصومة أمام المحكمة الإستئنافية بعد نقض الحكم والإحالة .
أثر نقض الحكم لعدم استحقاق أحد عنصري الضرر اللذين أدمجتهما محكمة الموضوع :
من المقرر أنه في حالة ما إذا طلب المضرور بعنصرين من عناصر الضرر فلا جناح على المحكمة في حالة ما إذا رأت إجابته لطلبه أن تدمج العنصرين معا بغير تخصيص لمقدار كل منهما غير أنه إذا طعن على هذا الحكم ورأت محكمة النقض عدم أحقية المحكوم له بالتعويض عن أحد هذين العنصرين فإنه يتعين على محكمة الإحالة إلتزاماً بهذا الحكم أن تخصم من التعويض المقضي به ما ترى أن يقابله منه فإن لم تفعل كان حكمها مخالفة للقانون، وتأسيسا على ذلك فإذا صدر حكم من محكمة الموضوع بتعويض قدره مائة ألف جنيه للمضرور تعويضا عن الضررين المادي والأدبي معا ورأت محكمة النقض عدم أحقيته في الضرر الأدبي ونقضت الحكم لهذا السبب فإنه يتعين على محكمة الإحالة إلتزاماً بهذا الحكم أن تقدر كلاً من العنصرين على حده وتخصم من المبلغ المحكوم به ما يقابل الضرر الأدبي الذي رأت المحكمة العليا عدم جواز الحكم به .
نقض الحكم دون إحالة الدعوى لمحكمة الموضوع :
هناك حالات تنقض المحكمة فيها الحكم ولا يكون ثمة حاجة إلى إحالة الدعوي للمحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض وذلك حينما يكون قضاؤها في المسألة القانونية حاسماً للنزاع بحيث لا يبقى بعد ذلك مسائل تتعلق بالوقائع أو القانون تحتاج للفصل فيها ومن أمثلة هذه الحالات أن يكون الحكم المنقوض قد خالف حجية حكم سابق حائز قوة الأمر المقضي إذ تنحصر مهمة محكمة النقض في هذه الحالة بنقض الحكم والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وكان يكون الحكم المنقوض قد قضى خطأ برفض الدفع بإعتبار الدعوى كأن لم تكن إذ تنحصر مهمة المحكمة في نقض الحكم واعتبار الدعوى كأن لم تكن وكان يكون الحكم المنقوض قد قضى خطأ بقبول الإستئناف شكلاً فتنحصر مهمة المحكمة في نقض الحكم وسقوط الحق في الطعن وكأن يكون الحكم المنقوض قد قضى خطأ برفض الدفع بسقوط الدعوى أو الحق بالتقادم ففي هذه الحالات وأمثالها تقضي المحكمة بنقض الحكم دون إحالة . ( في هذا المعنى النقض في المواد المدنية للدكتور محمد حامد فهمي بند 355 والدكتور مصطفى کيرة في النقض المدني بند 907 ) ومثال ذلك أيضا أن يقيم المستأجر دعوى يطالب فيها بتخفيض أجرة العين التي يستأجرها ورد الفروق التي حصلها المؤجر بحجة أن الأجرة المحددة بالعقد غير قانونية فتجيبه محكمة الإستئناف إلى طلبه ثم يبين لمحكمة النقض أن الأجرة المتعاقد عليها قانونية وتنقض الحكم لهذا السبب فإنه في هذه الحالة لا تحيل الدعوى لمحكمة الموضوع لعدم وجود مسائل قانونية أخرى أو مسائل تتعلق بالوقائع تحتاج إلى الفصل فيها .
ويرى الأستاذ كمال عبد العزيز أنه في الحالات المتقدمة وأمثالها فإن الأمر لا يعدو في واقع الأمر أن يكون صورة من صور تصدي محكمة النقض الفصل فيها في الموضوع في ضوء ما قضت به في شأن المسألة القانونية التي فصلت فيها. (مرافعات الجزء الأول ص 1990).
وفي تقديرنا أن الحالات التي أشرنا إليها فيما سبق تختلف عن التصدي ، ذلك أن المحكمة حينما تقضي في المسألة القانونية فإنها تكون قد حسمت النزاع ولم يتبق أمامها أوجه نزاع أخرى تحتاج لأن تتصدى لها أما في حالات التصدي فإن محكمة النقض بعد أن تنقض الحكم يتبقى أمامها ما يتعين عليها أن تقضي فيه في حالات التصدي الوجوبي أو الإحالة لمحكمة الموضوع في غيرها كالأمثلة العديدة التي وردت في الأحكام .
متى تحيل محكمة النقض الحكم الإستئنافي الذي نقضته لمحكمة أول درجة :
أولاً : في حالة ما إذا قضت محكمة أول درجة بعدم الإختصاص :
يتعين على محكمة النقض في حالة ما إذا نقضت الحكم أن تعيد الدعوى إلي محكمة أول درجة إذا كانت المحكمة الأخيرة قضت بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها للمحكمة أو اللجنة المختصة على حد قولها إدعاء منها أنها هي المختصة بنظر الدعوى واستؤنف هذا الحكم وتأييد إستئنافياً ولما طعن عليه بالنقض رأت محكمة النقض أن الحكم في غير محله وأن القضاء العادي مختص بنظر الدعوى ونقضت الحكم لهذا السبب فإنها تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة لأن حكم عدم الإختصاص صدر منها ولأنها لم تتعرض للموضوع وحتى لا تفوت على الخصوم درجة من درجات التقاضي .
ثانياً : في حالة ما إذا كان حكم أول درجة قد وقف بقضائه عند حد الفصل في شكل الدعوى :
في حالة ما إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم الإستئنافي الصادر بتأييد الحكم الابتدائي الذي وقف بقضائه عند حد الفصل في شكل الدعوى من حيث طريقة رفعها فإن لازم ذلك أن تحيل الدعوى المحكمة أول درجة للفصل فيها من جديد ولا يجوز لها إحالة الدعوى لمحكمة الإستئناف حتى لا تفوت علي المتظلم درجة من درجات التقاضي لأن محكمة أول درجة لم تستنفد ولايتها في نظر الدعوى ولأن درجات التقاضي من النظام العام فإذا قضت المحكمة الابتدائية بعدم قبول الدعوى شكلاً أو بعدم قبول التظلم شكلاً وأيتها المحكمة الإستئنافية في ذلك تعين علي محكمة النقض إذا نقضت الحكم أن تعيد الدعوى المحكمة أول درجة.
وجدير بالذكر أنه يستثنى من المبدأ السابق حالة الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو لرفعها على غير ذي صفة إذ أن أحكام النقض قد إستقرت على أن هذا الدفع موضوعي ومن ثم فإن محكمة النقض لا تحيل الدعوى في هذه الحالة للمحكمة الإبتدائية وإنما إلي محكمة الإستئناف .
وغني عن البيان أن هذا المبدأ يسري أيضاً على الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية بهيئة إستئنافية إذا طعن عليه بالنقض عملاً بالمادة 249 مرافعات وقبلت محكمة النقض الطعن ونقضت الحكم في الأمثال المتقدمة فإنها تحيل الدعوى لمحكمة أول درجة للفصل فيها .
نقض الحكم لقصور في التسبيب لا يتضمن حسمة لمسألة قانونية تلتزم محكمة الإحالة بإتباعها :
من المقرر أن نقض الحكم لقصور في التسبيب لا يتضمن حسماً لمسألة قانونية تلزم محكمة الإحالة بإتباعها حتى لو تطرقت محكمة النقض لبيان أوجه القصور فإذا قضت محكمة الإستئناف بصورية عقد معين إلا أنها إستندت في التحليل علي الصورية على أسباب غير سائغة أو غير مقبولة أو غير كافية أو غير منتجة فاعتبرت محكمة النقض ذلك قصوراً في الحكم ونقضته لهذا السبب بعد أن ناقشت قيده وبينت وجه القصور فيها فإن ذلك لا يعدو أن يكون تعيباً للحكم المنقوض لمخالفته نص المادة 176 مرافعات مما مؤداه أن الحكم النقض لم يحسم موضوع النزاع وبالتالي فلا يلزم محكمة الإحالة بشيء ويتعين عليها أن تعرض لموضوع النزاع من جديد ولها أن تنتهي إلى نتيجة مخالفة لما إنتهت إليه في الحكم الأول بان تعتبر العقد صحيحاً ولها أن تنتهي إلى نفس النتيجة التي إنتهت إليها في حكمها الأول بشرط أن تؤسس حكمها على أسباب جديدة لا تكون مشوبة بالقصور كذلك يجوز أيضا لمحكمة الإحالة أن تنهي الدعوى بدفع شكلي دون أن تتعرض لموضوع النزاع كما إذا قضت بسقوط الخصومة أو إعتبارها كأن لم تكن كما يجوز لها أن تنهيها بدفع موضوعي كعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة أو بسقوط الحق موضوع الدعوى بالتقادم .
نقض الحكم بأحد أوجه الطعن لا يعد رفضا لما لم تر المحكمة محلاً لبحثه :
في حالة ما إذا طعن في الحكم بالنقض لأكثر من وجه وإكتفت محكمة النقض في نقض الحكم بأحد الأوجه المقدمة أو بعضها فإن ذلك لا يعد رفضاً لما لم تر محلاً لبثته من المطاعن الأخرى أو إقراراً لقضاء الحكم منقوض بشأنها فإذا كان الطعن بالنقض قد تناول ثلاثة أوجه الأول مخالفة الثابت بالأوراق والثاني الخطأ في تطبيق القانون والثالث قصور في التسبيب ونقضت المحكمة ونقضت المحكمة الحكم للوجه الأول فقط وإكتفت بذلك ولم تر داعياً للتعرض للوجهين الآخرين فإن ذلك لا يعد رفضاً لهما أو إقراراً للحكم المنقوض بشأنهما .
نقض الحكم والإحالة ينطوي على قضاء ضمني بإختصاص القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى :
في حالة ما إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم والإحالة فإن حكمها هذا إنما ينطوي على قضاء ضمني بإختصاص القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى وهو قضاء بات حاز قوة الأمر المقضي وهي - كما استقرت أحكام النقض - تسمو على قواعد النظام العام وبالتالي يمتنع على محكمة الإحالة إعادة النظر في مسألة الاختصاص الولائي لسبق الفصل فيها ، فإذا دفع أمامها بعدم الإختصاص الولائي تعين عليها أن تقضي بعدم جواز نظر هذا الدفع لسابقة الفصل فيه من محكمة النقض .
سلطة محكمة النقض في تصويب ما يشمل عليه الحكم المطعون فيه من أخطاء دون حاجة إلى نقضه :
أثر نقض الحكم المستأنف وكان الطاعن قد قبل حكم أول درجة وإستأنفه المطعون ضدهم :
في حالة ما إذا كان الطاعن قد قبل الحكم الصادر من محكمة أول درجة وإستأنفه المطعون ضدهم وبعد أن قضي في الإستئناف لم يجز الحكم قبولاً لدى الطاعن فطعن عليه بالنقض ورأت محكمة النقض نقض الحكم فإن النقض يجب أن يكون جزئياً فيما زاد على الصادر به حكم أول درجة فقط ان الطاعن کان قد إرتضى هذا الحكم بقبوله له ولم يطعن عليه وإنما أقيم الطعن من المطعون ضدهم فأصبح حجة عليهم .
قبول الطاعن حكم أول درجة وإستئنافه من المطعون ضدهم. نقض الحكم الصادر في هذا الإستئناف . أثره. وجوب أن يكون النقض جزئياً فيما زاد علي الصادر به حكم أول درجة . (نقض 1999/11/2 طعن رقم 1690 لسنة 67 ق ) .
إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم وتصدت للموضوع فإنه يتعين عليها أن تقضي بمصاريف الطعن بالنقض شاملاً أتعاب المحاماة بالإضافة إلى مصاريف الإستئناف وأتعاب المحاماة :
في حالة ما إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم وتصدت للموضوع فإنه يتعين عليها أن تقضي بمصاريف الطعن بإعتبار أنها فصلت في موضوع الدعوى وأنهت الخصومة أمامها بالإضافة إلي مصاريف الإستئناف لأنها ستقضي فيه أيضاً إما بتأييده وإما بتعديله وإما بإلغائه وفي جميع هذه الحالات تلزم بالقضاء بمصاريفه . وغني عن البيان أن الحكم بالمصاريف سواء عن الطعن بالنقض أو عن الإستئناف يتعين أن يكون شاملاً أتعاب المحاماة . (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : السادس ، الصفحة : 1095)
نقض الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الإختصاص :
مما لا شك فيه أن مخالفة الحكم المطعون فيه لقواعد الإختصاص، تمثل صورة من صور مخالفة القانون التي تصلح أن تكون حالة من حالات الطعن بالنقض ، فالطعن بعدم إختصاص المحكمة بإصدار الحكم المطعون فيه هو في الحقيقة طعن بمخالفة هذا الحكم لقواعد الإختصاص القانونية . ( حامد فهمي ومحمد حامد فهمي - النقض و بند 163 ص 397 و بند 361 ص 700).
وذلك سواء كانت قاعدة الإختصاص التي خالفها الحكم المطعون فيه تتعلق بالنظام العام أو لا تتعلق بالنظام العام ، فإذا كانت قاعدة الإختصاص متعلقة بالنظام العام ، فإنها تعتبر قائمة في الخصومة و مطروحة على المحكمة دائماً ، ويعتبر الحكم الصادر في الموضوع مشتملاً على قضاء ضمنى بإختصاص المحكمة بنظر هذا الموضوع.
(نقض مدني 24/ 12/ 1959 سنة 10 ص 840، نقض مدنی 19/ 11/ 1959 سنة 10 ص 672 ، نقض مدنى 14/ 2/ 1963 - السنة 14 ص 247، نقض مدنى 22/ 6/ 1972 - سنة 22 ص 1158) .
أي أن محكمة الموضوع طالما أنها قضت في موضوع الدعوى تكون قد قضت باختصاصها ضمنا ، إذ كان لها أن تثير مسألة الإختصاص وتحكم فيه من تلقاء نفسها ظناً أن قاعدة الاختصاص تتعلق بالنظام العام ، ولذلك يجوز الطعن بالنقض في الحكم المخالف القواعد الإختصاص وتحكم فيه من تلقاء نفسها طالما أن قاعدة الإختصاص تتعلق بالنظام العام ، ولذلك يجوز الطعن بالنقض في الحكم المخالف لقواعد الإختصاص المتعلقة بالنظام العام على أساس أنه بنى على مخالفة للقانون ويستوى في ذلك أن يكون الطاعن قد تمسك بعدم الاختصاص أمام محكمة الموضوع أم لم يتمسك . ( نقض 27/ 3/ 1969 - سنة 20 ص 489).
ومع ذلك ينبغي ملاحظة أنه بالنسبة للإختصاص القيمي وإن تعلق بالنظام العام عنصراًبالمادة 109 مرافعات ، ومن ثم يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى، إلا أنه لا يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يجب طرحه على محكمة الموضوع هو التحقق من قيمة الدعوى. بينما إذا كانت قاعدة الإختصاص غير متعلقة بالنظام العام ، فلا سبيل للتمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولا يقبل الطعن بالنقض المبني على مخالفة هذه القاعدة ما لم يكن الطاعن قد تمسك بالمخالفة أمام محكمة الموضوع ، وكانت هذه المحكمة قد فصلت فيه على وجه خاطئ، ففي هذه الحالة يمكن النعي على هذا الحكم بمخالفة القانون أمام محكمة النقض ، نظراً لمخالفته قاعدة الإختصاص .
وسواء كانت قاعدة الإختصاص متعلقة بالنظام العام أو غير متعلقة به، ونقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه لمخالفته هذه القاعدة ، فإن محكمة النقض تقتصر على الفصل في مسألة الإختصاص ، وعند الإقتضاء تعين المحكمة المختصة التي يجب التداعي إليها بإجراءات جديدة إعمالاً للفقرة الأولى من المادة 269 محل التعليق . ( نقض 26/ 10 / 1976 - طعن رقم 598 لسنة 42 قضائية ).
ومعنى ذلك أن حكم النقض بإختصاص محكمة معينة بنظر النزاع لا يحرك الدعوى أمام هذه المحكمة وإنما يتعين رفعها بالإجراءات المعتادة أمام المحكمة المختصة التي حددتها محكمة النقض ، فما قضت به محكمة النقض هو الحكم الصحيح قانوناً وأن لمن يهمه من الخصوم عرض الموضوع على المحكمة المختصة . ( نقض 15/ 11/ 1934 منشور في المحاماة 16 ص 158).
وقد ذهب رأي في الفقه إلى أنه تجب التفرقة بين نقض الحكم بسبب قضاء الحكم بالإختصاص وبين نقضه بسبب قضائه بعدم الإختصاص ، فمثلاً إذا قضت محكمة الدرجة الأولى بعدم إختصاص جهة القضاء العادي بنظر النزاع ثم تأيد هذا الحكم في الإستئناف ، وقضت محكمة النقض. بعدئذ بإلغاء الحكم الصادر في الإستئناف بتأييد الحكم الصادر بعدم الإختصاص وبإختصاص جهة القضاء العادي بنظر النزاع ، وجب عليها أن تقتصر على ذلك دون الحكم بالإحالة . ويكون على صاحب المصلحة أن يجدد النزاع أمام محكمة الدرجة الأولى المختصة نوعياً ومحلياً ، وإذا قضت محكمة الدرجة الأولى باختصاصها بنظر النزاع ثم قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم الصادر في الإستئناف ، فهناك تجب الإحالة إلى محكمة الدرجة الثانية لتفصل في النزاع ، وفي الحالة الأولى عندما تقتصر محكمة النقض على الحكم بإختصاص جهة القضاء العادي دون الإحالة تبدأ مدة تقادم جديدة بالنسبة لأصل الحق ، ويقيد هذا الحكم كافة المحاكم التي تتبع هذه الجهة ، وفي الحالة الثانية تصل الخصومة بمحكمة الإحالة بالقضاء بها ، ويكون من الجائز التمسك بإسقاط الخصومة أمامها إذا وقف السير فيها المدة المسقطة لها ( أحمد أبو الوفا - التعليق على نصوص قانون المرافعات - الطبعة الرابعة 1984 الجزء الأول - ص 969)
وقد تكون المحكمة المختصة التي تعينها محكمة النقض هي محكمة ثاني درجة ، وقد تكون محكمة أول درجة حسب الأحوال ، إذ تعين محكمة النقض هذه المحكمة المختصة بنظر موضوع النزاع وفقا لما تقضي به قواعد الإختصاص القضائي ، وحكم محكمة النقض بتعيين هذه الحكمة له حجيته في مسألة الإختصاص ، وهي المسالة القانونية التي فصلت فيها محكمة النقض ، ومن ثم تلتزم هذه المحكمة بالفصل في النزاع إذا ما رفع الخصم صاحب المصلحة الدعوى أمامها بإجراءات جديدة ، ولا تحيل محكمة النقض الدعوى إلى المحكمة التي تراها مختصة إذا ما نفضت الحكم المطعون فيه لمخالفته قواعد الإختصاص ، وإنما تعين فقط الحكمة المختصة ، وللخصم صاحب المصلحة رفع الدعوى أمام هذه المحكمة بإجراءات جديدة إذا رغب في ذلك .
إذن يتضح لنا مما تقدم أنه إذا نقضت محكمة النقض الحكم لمخالفته قواعد الولاية أو الإختصاص فإنها وفقاً للمادة 269 تحدد الجهة ذات الولاية أو المحكمة ذات الاختصاص . ( نقض 11/ 7/ 1991 - طعن 968 سنة 58 ق).
ويقتصر الأمر عند هذا الحد فلا تقوم محكمة النقض بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ، بل على الخصم - إن شاء - أن يرفع الدعوى أمام هذه المحكمة بإجراءات جديدة . ( نقض 30/ 1/ 1989 - طعن 2423 سنة 54 ق).
وتلتزم المحكمة التي ترفع إليها الدعوى بتحديد الولاية أو الاختصاص الذي تضمنه حكم النقض . ( فتحي والي - ص 833 و ص 234). وقد إستقر قضاء محكمة النقض على قواعد الإختصاص التي تتعلق بالنظام العام تعتبر مطروحة على محكمة الموضوع بحيث يعتبر قضاؤها في الموضوع متضمنا قضاء ضمنياً بالإختصاص ، كما أنها تعتبر مطروحة على محكمة النقض ولو لم يتمسك بها الطاعن بما يجيز لها التصدى لها من تلقاء نفسها. ( نقض 5/ 4/ 1977 - طعن 250 لسنة 43 قضائية - سنة 8 ص 921، نقض 23/ 3/ 1976 - طعن 170 لسنة 42 قضائية - سنة 27 ص 736، كمال عبد العزیز ص 1985 و ص 1986).
فالطعن بالنقض يعتبر وارداً على القضاء الضمني في مسألة الإختصاص سواء أثارها الخصوم في الطعن أو لم يثيروها وسواء تمسكت بها النيابة أو لم تتمسك ( يراجع جلسة 15/ 5/ 1990 - طعن 1363 سنة 54 قضائية - الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ).
وتطبيقاً لذلك فإن فصل محكمة النقض في موضوع الطعن ينطوي على قضاء ضمني بإختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. ( نقض 17/ 7/ 1991 - طعن 665 لسنة 55 قضائية ).
ومتى نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الإختصاص فإنها لا تنظر في أوجه النعي المتعلقة بالموضوع والأصل أن تقتصر على الفصل في مسالة الإختصاص ، ولكن يجوز لها عند الإقتضاء تعيين المحكمة المختصة التي يجب التداعي إليها بإجراء جديد . ( نقض 30/ 1/ 1989 - طعن 2423 سنة 54 قضائية، نقض 26/ 12/ 1985 طعن 2032 لسنة 53 قضائية ، سنة 36 ص 1216، نقض 18/ 11/ 1987 - طعن 1538 سنة 53 قضائية ، نقض 23/ 3/ 1976 - طعن 170 لسنة 42 قضائية سنة 27 ص 736، نقض 5/ 4/ 1977 - طعن 250 لسنة 43 قضائية - سنة 28 ص 921 ، كمال عبد العزيز ص 1987 و 1988) .
والأصل عند النقض بسبب مخالفة قواعد الإختصاص الا نحيل محكمة النقض الدعوى إلى المحكمة المختصة إذ يكون التداعي إليها بإجراء جديد ، غير أنها يجوز لها إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة متى كانت هي المختصة بالفصل في موضوع الطعن المرفوع إلى محكمة النقض ، أو كان قد صدر قانون يجعل الفصل في موضوع الإستئناف من إختصاص الجهة المحال إليها. ( نقض 5/ 6/ 1985 - طعن 373 لسنة 54 قضائية - سنة 36 ص 862، نقض 14/ 5/ 1980 - طعن 597 سنة 45 قضائية ، نقض 28/ 4/ 1980 طعن 1 سنة 49 قضائية ، نقض 29/ 4/ 1986 طعن 1412- 1468- 1495 لسنة 50 قضائية - سنة 37 ص 495، نقض 24/ 1/ 1984 - طعن 1337 سنة 50 فضائية ).
نقض الحكم المطعون فيه دون إحالة القضية إلى المحكمة التي أصدرته :
أحيانا يكون قضاء محكمة النقض في المسألة القانونية حاسماً للنزاع بحيث لا يتبقى بعد الفصل فيها مسائل قانونية أخرى أو مسائل تتعلق بالوقائع تحتاج للفصل فيها ، وقد ذكرت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون 68 لسنة 1931 الصادر بإنشاء محكمة النقض بشأن هذه الخالة أنه قد لا تكون في بعض الأحوال حاجة لهذه الإحالة وخصوصا متى كان الحكم الصادر من محكمة النقض بالفصل في المسألة القانونية قد حسم النزاع نهائياً لعدم وجود مسائل قانونية أخرى أو مسائل تتعلق بالوقائع تحتاج إلى الفصل فيها، ففي هذه الأحوال ونظراً لأن الإحالة لا يترتب عليها إلزام الخصوم ولا قلم الكتاب بتقديم القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض ، يجوز للخصوم أن يكتفوا إذا شاءوا بحكم محكمة النقض . ولا تخيل محكمة النقض الخصوم إلى محكمة الإحالة اكتفاء بالفصل في المسائل القانونية لأن الحل القانوني في هذه الحالة بطبق بقوة القانون وفي هذه الحالة فإن محكمة النقض تكتفي بنقض الحكم المطعون فيه دون إحالة ومن أمثلة هذه الحالات صدور الحكم المنقوض مخالفاً لحكم سابق حائز قوة الأمر المقضي إذ تقضي محكمة النقض بنقض الحكم وبعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها أو كان يقضي الحكم المنقوض بعدم سقوط الحق ورأت محكمة النقض سقوطه أو أن يقضي الحكم المنقوض خطأ بقبول إستئناف رفع بعد الميعاد ( حامد ومحمد فهمي بند 355).
نقض الحكم وإحالة القضية إلى المحكمة التي تم نقض حكمها وتشكيل محكمة الإحالة وسلطتها :
إذا قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه فإنه باستثناء حالتين نصت عليهما المادة 269 تتصدى فيهما المحكمة الموضوع وسوف نوضحهما بعد قليل ، فإن الأصل أن محكمة النقض لا تنظر الموضوع : وإنما يجب عليها أن تحيل القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، سواء كانت هذه محكمة إستئناف وهو الغالب ، أو محكمة أول درجة . ويمكن أن تنظر القضية من هذه المحكمة من نفس الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو من دائرة اخرى . ولكن وفقاً الفقرة الثالثة من المادة 269- محل التعليق - يجب - في جميع الأحوال - ألا يكون ضمن أعضاء الدائرة التي تنظر القضية أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه ، وهكذا فإن تشكيل محكمة الإحالة لا يتضمن هذا القاضي ، إذ مثل هذا القاضي يعتبر غير صالح لنظر الدعوى ( مادة 146).ولا نعود القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه تلقائياً كأثر الحكم بالإحالة ، بل وفقاً للمادة 269 يكون ذلك بناء على طلب تعجيل من ذى المصلحة من الخصوم ، وياخذ الطلب شكل تكليف بالحضور يعلن إلى الطرف الآخر ، فلا يكفي إيداع الصحيفة قلم الكتاب. ( نقض 25/ 3/ 1974 - سنة 25 ص 538 فتحی والی - ص 835 و ص 836).
ولكن إذا لم يحضر المعلن إليه بالجلسة أمام محكمة الإحالة فلا حاجة لإعادة إعلانه . ( نقض 8/ 3/ 1982 - طعن 1292 لسنة 48 قضائية).
وسواء قدم الطلب من المحكوم له أو من المحكوم عليه ، فإن هذا لا بغير من المركز الإجرائي لكل منهما أمام المحكمة المحالة إليها القضية سواء بالنسبة للطلبات أو الدفوع أو عبء الإثبات ( فتحی والی ص 836 والمراجع المشار إليها فيه ) ولم يحدد القانون ميعاداً يجب فيه تقديم هذا الطلب ولذلك يظل الحق في تقديمه باقياً حتى تسقط الخصومة بإنقضاء سنة من صدور حكم النقض . ( نقض 21 / 12/ 1970 - طعن 326 سنة 36 ق) .
فإذا سقطت الخصومة ، فإن هذا لا يمنع من رفع الدعوى من جديد أمام المحكمة المختصة، على أن تلتزم المحكمة هنا أيضاً بحكم النقض بالنسبة للمسالة القانونية التي قررها (فتحی والی ص 836- والمراجع المشار إليها فيه ) .
ويلاحظ أن وفاة المحامي الموكل في الطعن لا تحول دون سريان مدة السقوط سالفة الذكر (نقض 10/ 3/ 1963 طعن 44 سنة 22 قضائية - سنة 17 ص 542، نقض 31/ 12/ 1970 طعن 226 لسنة 26 قضائية - سنة 21 ص 1354، نقض 29/ 11/ 1977 طعن 625 لسنة 44 قضائية سنة 28 ص 1717)، ومتى قضت محكمة الإحالة بسقوط الخصومة فلا يجوز لها التصدي للموضوع. (نقض 7/ 2/ 1957 - طعن 169 لسنة 22 قضائية - سنة 8 ص 132).
وفيما يتعلق بسلطة محكمة الإحالة فإنه وفقاً للفقرة الثانية من المادة 269 مرافعات - محل التعليق - فإن محكمة الإحالة تلتزم بإتباع حكم النقض في المسالة القانونية ، ولا يقبل من الخصم الدفاع أمام محكمة الإحالة على أساس مناقشة المبدأ الذي قرره حكم النقض ، فهذا المبدأ واجب الإحترام، وليس لهذه المحكمة أية سلطة في عدم أتباعه. (نقض 12/ 11/ 1984 - طعن 124 لسنة 50 قضائية، نقض 16/ 2/ 1981 طعن 186 لسنة 47 قضائية).
ويكون الأمر كذلك، لو كانت المسألة القانونية التي فصل فيها حكم النقض من المسائل التي كانت محل خلاف بين أحكام قضاء النقض وحسمها حكم من الهيئة العامة بمحكمة النقض صدر أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الإحالة. إذ تلتزم محكمة الإحالة بما قرره الحكم الناقض في هذه المسألة ولو كان مخالفاً لما انتهى إليه حكم الهيئة العامة. وذلك إحتراماً لحجية حكم النقض وهي حجية تعلو على اعتبارات النظام العام.
(نقض 27/ 2/ 1991 في الطعن رقم 1539 لسنة 60 ق، فتحي والي - ص 837 وهامش 2 بها).
فيقتصر نطاق الخصومة أمام المحكمة المحالة إليها القضية على المسألة التي فصل فيها حكم النقض دون غيرها ، فالمحكمة تنظر موضوع الدعوى في نطاق هذه المسألة فقط. (نقض 19/ 4/ 1972 - سنة 23 ص 734).
وتعود الخصومة إلى محكمة الإستئناف بالحالة التي كانت عليها عند صدور الحكم المنقوض، بحيث تحترم حجية الأحكام التي لم يطعن فيها الصادرة في شق من الموضوع أو في مسألة فرعية، وبحيث يكون لكل خصم الحق في إعادة التمسك بالدفاع أو الدفوع التي سبقت إثارتها في المرحلة الأولى (نقض 1/ 3/ 1972 - س 23 ص 277). ولم تتعرض لها المحكمة بقضاء صريح أو ضمني بالقبول أو بالرفض، وذلك ما لم يسقط حق الخصم في إبدائها - كما يكون للمحكمة الأخذ بها بغير حاجة إلى إعادة التمسك بها. (نقض 3/ 5/ 1962 - سنة 13 ص 591)
ففي نطاق المسألة التي أشار إليها حكم النقض فإن للخصوم أن يقدموا أمام المحكمة الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهم تقديمها قبل صدور الحكم المطعون فيه، وذلك باستثناء الطلبات والدفوع التي سقط الحق في تقديمها (نقض 11/ 3/ 1965 سنة 16 ص 304)، ويعود الخصوم إلى مراكزهم القانونية التي كانت لهم قبل صدور الحكم المنقوض. (نقض 19/ 4/ 1984 - طعن 1981 لسنة 50 قضائية).
كذلك تعود الحياة، أمام. فحكمة الإحالة إلى كل ما كان الخصوم قد أبدوه من الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع، متى كان لم يحدث التنازل عنها. (نقض مدنى 30/ 4/ 1975 - سنة 26 ص 860، نقض 3/ 5/ 1962 سنة 13 ص 591). دون حاجة إلى إعادة التمسك بها نقض 7/ 12/ 1988 في الطعن رقم 863 لسنة 52 ق)، متى كان ذلك في نطاق المسألة التي أشار إليها حكم النقض، كما أن للخصوم التمسك بهذه الطلبات و الدفوع وأوجه الدفاع أمام المحكمة من جديد (نقض مدنى 1/ 3/ 1962 - سنة 23 ص 277). ولكن يلاحظ أنه لا يجوز إبداء هذه الدفوع وأوجه الدفاع، كما لا تعود للحياة، إذا كان حكم النقض قد فصل فيها ولو ضمناً ، ذلك أنه لا جدوى من إثارة ما سبق أن فصلت فيه محكمة النقض. ويحتفظ الخصوم بجميع سلطاتهم وأعبائهم وخاصة ما يتعلق بعبء الإثبات وسلطة تقديم أدلة جديدة على أن يكون كل ذلك في نطاق المسالة التي أشار إليها حكم النقض (فتحى والى - ص 840).
ويجب على محكمة الإحالة أن تتقيد بقاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه.
(نقض 10/ 5/ 1990 طعن رقم 2417 سنة 59 ق، نقض 22/ 11/ 1987 - طعن رقم 1247 سنة 56 ق).
تصدى محكمة النقض للفصل في موضوع الدعوى بإعمال المبدأ القانوني الصحيح حسبما إرتأته :
- الأصل أن محكمة النقض ليس لها بعد نقض الحكم أن تنظر موضوع القضية، ولكن إعمالاً لمبدأ الاقتصاد في الإجراءات وإدخاراً للوقت والجهد والنفقات، أجاز المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 299 مرافعات به محل التعليق - التصدي للموضوع في حالتين فقط على سبيل الحصر نوضحهما فيما يلي بعد توضيحنا لمفهوم تصدى محكمة النقض :
مفهوم تصدى محكمة النقض الموضوع :
أن محكمة النقض ليست محكمة موضوع وإنما هي محكمة قانون، مهمتها التحقق من مطابقة هذا الحكم للقانون، أي أنها تحاكم الحكم ذاته في شقه القانوني ، ولا تنتزع موضوع دعوى قائمة أمام محكمة الإستئناف لتفصل فيه بمعرفتها ، والفرض أمامها أن موضوع الدعوى قد عرض على درجتين قبل أن يطعن في الحكم الصادر فيه بالنقض ، كما أن موضوع الدعوى لا يعرض عليها مرة ثالثة لتنظره ، لأن هذا العرض يتناقض مع وظيفتها القانونية البحتة.
والحق أن ما تقوم به محكمة النقض من تصدى لموضوع الدعوى في بعض الحالات لا يعتبر تصدياً بالمعنى المفهوم امام محكمة الإستئناف ، لأن نور محكمة النقض في هذه الحالات وفي غيرها ينحصر في مراقبة تطبيق القانون ، اما موضوع الدعوى فقد سبق الفصل فيه بالحكم المطعون فيه بالنقض، وهي لا تتعمق في فحص موضوع الدعوى، وإنما تقوم بإعمال المبدأ القانوني الصحيح على ذات وقائع النزاع ، أي أنها تطبق رأيها القانونی الذي نعتقد أنه هو الصواب مع الإستغناء عن الإحالة ، إعمالاً لمبدأ الإقتصاد في الإجراءات ، وادخاراً للوقت والجهد والنفقات كما ذكرنا آنفاً .
ولذلك فإن تصدى محكمة النقض الموضوع الدعوى بهذا المفهوم ، لا ينال من طبيعة وظيفتها بإعتبارها محكمة لتطبيق القانون فحسب ، وهي عندما تصدى للفصل في الموضوع لا تتطرق لوقائع الدعوى ، وهي لا تفصل في موضوع لم يطرح عليها أو لم يسبق حسمه ، إنما تقوم بإرساء حكم القانون حسبما إرتأته صواباً على نفس وقائع الدعوى كما أثبتتها محكمة الموضوع، وبعبارة أخرى تطبق محكمة النقض القاعدة القانونية الصحيحة على ذات وقائع النزاع التي إستخلصها الحكم المطعون فيه ، ولا يعني تصديها للموضوع أنها تعيد النظر في وقائع الدعوى (أنظر تفصيلات ذلك بحثاً لنا موضوع : تصدى محكمة النقض للفصل في موضوع الدعوى المدنية - منشور في مجلة العدالة التي تصدرها وزارة العدل بدولة الإمارات العربية المتحدة عدد 52 سنة 14 سنة 1987 - ص 7 وما بعدها وخاصة ص 17 والمراجع المشار إليها فيه). وسوف نوضح الآن بالتفصيل حالتي تصدى محكمة النقض للموضوع فيما يلي :
الحالة الأولى : تصدى محكمة النقض لنظر الموضوع إذا كان صالحاً للفصل فيه :
إذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه أمامها، وكان موضوع الدعوى صالحاً للفصل فيه، فإنه يجب عليها أن تتصدى لحسمه، وقد نص المادة 269 / 4 مرافعات - محل التعليق - على هذه الحالة بقولها .... إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه... ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه وجب عليها أن تحكم في الموضوع .
ويشترط لتصدى محكمة النقض للموضوع في هذه الحالة شرطان :
الشرط الأول : أن تنقض المحكمة الحكم المطعون فيه :
إذ لا مجال لتصدى محكمة النقض الموضوع إذا حكمت بعدم قبول الطعن المرفوع أمامها، أو برفضه شكلاً ، أو برفضه موضوعاً ، لأنه يترتب على هذا الحكم إنهاء قضية الطعن.
وإنما ينبغي لكي تتصدى محكمة النقض للفصل في الموضوع أن تحكم بنقض الحكم المطعون فيه، ويستوى عندئذ أن يكون نقضها للحكم المطعون فيه كلياً أو جزئياً ، وفي حالة نقضها للحكم المطعون فيه لا يشترط للتصدي أن يكون الموضوع صالحاً للفصل فيه بأكمله، بل يكفي أن يكون صالحاً في شق منه، وهذا الشق تفصل فيه المحكمة وتحيل الشق الآخر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم.
ویستوى للتصدي أن يكون الحكم قد نقض لخطأ في القانون أو لمخالفته الثابت بالأوراق أو لإغفاله مستنداً قاطعاً في الدعوى، وهكذا في كل حالة من حالات الطعن أياً كان سببه ، ما دام أنه من الممكن تصفية النزاع وحسمه بغير اتخاذ أي إجراء جديد المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليها آنفاً . ولكن يستثنى من ذلك حالة نقض الحكم لمخالفة قواعد الإختصاص ، إذ لا يجوز أن تتصدى محكمة النقض للفصل في الموضوع في هذه الحالة، كذلك لا يتصور تصدى محكمة النقض للموضوع في حالة النقض لمصلحة القانون.
ب - الشرط الثاني : صلاحية الموضوع للفصل فيه:
إذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه، فإنه ينبغى لكي تتصدى للفصل في موضوع الدعوى أن يكون هذا الموضوع صالحاً للفصل فيه ، بمعنى أن يكون ما بقي من مسائل الدعوى الواقعية والقانونية بعد حل المسألة القانونية - التي من أجلها نقض الحكم - ممكنة تصفيته وحسم النزاع فيه بغير اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق، أي أن يكون التأكيد الواقعي الذي سبق تقريره من محكمة الموضوع صحيحاً وكاملاً ، بحيث لا مجال أمام محكمة الموضوع فيما لو أحيل النزاع . إليها بعد النقض إلى أية إضافات أو تغير وتفادياً لإطالة أمد النزاع أمام القضاء ، وإعمالاً لمبدأ الإقتصاد في الإجراءات، فإن محكمة النقض إذا نقضت الحكم وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه بهذا المعنى فإنها تحسمه.
إذن يجب أن تكون وقائع الدعوى ثابتة ومستوفاة، ولا تتطلب بحثاً جديداً ، حتى يكون موضوعها صالحا للفصل فيه من قبل محكمة النقض إذا ما نقضت الحكم المطعون فيه ، وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية منذ أكثر من نصف قرن عند تصديها للموضوع أن تحصل فهم الواقع في الدعوى من الأوراق والمستندات، ثم تكيف هذا الواقع على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها في نقض الحكم متى كان الأمر سهلاً لا يفتقر إلى غير الرجوع إلى ملف الدعوى (نقض 23/ 6/ 1922 - منشور في المحاماة سنة 13 ص 277 ، نقض 15/ 11/ 1934 المحاماة 12 ص 277)، أما إن احتاج الأمر إلى إجراءات جديدة من إطلاع وتحقيق فإنها لا تتصدى للموضوع نظراً لعدم صلاحيته للفصل فيه ، وهكذا في كل حالة يكون الموضوع فيها بحاجة إلى تأكيدات واقعية جديدة ، أو تحقيقات أو سماع أشخاص آخرين فإنها لا تتصدى للفصل فيه وإنما تجب الإحالة .
ويلاحظ أنه لا يشترط أن يكون موضوع الدعوى صالحا بأكمله للفصل فيه، بل يكفي أن يكون صالحاً في شق منه ، وهذا الشق تفصل فيه محكمة النقض ونحيل الشق الآخر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ، وتلتزم محكمة الإحالة بالنسبة لهذا الشق غير الصالح لنظره من قبل محكمة النقض بالرأي القانوني المتعلق به والذي تنتهي إليه محكمة النقض .
الحالة الثانية : تصدى محكمة النقض للفصل في الموضوع إذا كان الطعن للمرة الثانية :
يحدث الطعن بالنقض للمرة الثانية في الأحوال التي تقوم فيها محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه ، وإحالة النزاع إلى محكمة الإحالة لكي تفصل فيه معتنقة وجهة النظر القانونية التي ارتدتها محكمة النقض إعمالاً للمادة 269/ 2 مرافعات ، ورغم ذلك لا تلتزم محكمة الإحالة بالبدأ القانوني الذي قررته محكمة النقض ، مما يؤدي إلى الطعن في حكم محكمة الإحالة بالنقض .
كما يتصور حدوث الطعن بالنقض للمرة الثانية ايضاً ، في الأحوال التي يقع في حكم محكمة الإحالة عيب آخر من العيوب التي تفتح الطريق أمام الطعن بالنقض .
وإذا كان الطعن بالنقض للمرة الثانية ورأت محكمة النقض قبول الطعن ونقض الحكم، فإنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تتصدى للفصل في موضوع الدعوى ، ولا تحيله إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، فقد أوجب عليها المشرع التصدي للموضوع في هذه الحالة ، وذلك إقتصاداً في الإجراءات وتعجيلاً للبت في النزاع .
ولكن التصدى في هذه الحالة يفترض أن الطعن بالنقض للمرة الثانية ينصب على ذات ما طعن عليه في المرة الأولى، فمثلاً إذا اقتصر الطعن الأول على النعي على ما قضى به الحكم بشأن عدم سماع الدعوى وورود الطعن الثاني على القضاء في الموضوع وهو ما لم يكن معروفاً أصلاً في الطعن الأول ، فإنه لا تتوافر هذه الحالة للتصدي، و يتعين أن يكون مع النقض الإحالة (نقض 1/ 11/ 1978 سنة 29 ص 1667، نقض 19/ 12/ 1978 طعن 1044 سنة 45 ق)، وذلك ما لم تتوافر
الحالة الأولى للتصدي ، أي حالة صلاحية الموضوع للفصل فيه .
ويشترط للتصدي في حالة الطعن بالنقض للمرة الثانية، نفس الشرط الذي سبق أن ذكرناه بشأن الحالة الأولى للتصدي ، وهو شرط أن تنقض المحكمة الحكم المطعون فيه ، إذ لا مجال للتصدي للموضوع إذا حكمت محكمة النقض بعدم قبول الطعن أو برفضه شكلاً أو برفضه موضوعاً كما أسلفنا ، وقد أشارت إلى ضرورة نقض الحكم كشرط للتصدي في الحالتين المادة 269/ 4 مرافعات بقولها ... إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه .
وفي حالة ما إذا كان الطعن بالنقض للمرة الثانية، فإنه لا يشترط لكي تتصدى محكمة النقض الموضوع الدعوى أن يكون هذا الموضوع صالحاً للفصل فيه، أي أنها تتصدى لنظر الموضوع حتى ولو كان غير صالح لنظره، كما لو كان بحاجة إلى إتخاذ أي إجراء جديد من إجراءات التحقيق ، أو كان يحتاج إلى تأكيدات واقعية لا تقوم بها إلا محكمة الموضوع، وذلك فإن محكمة النقض عندما تتصدى لهذا الموضوع غير الصالح للفصل فيه، فإنها تقوم بوظيفة محكمة الموضوع كاملة، وتكون لها جميع السلطات التي لمحكمة الموضوع التي نقض حكمها ، كما يكون للخصوم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات التي لهم وعليهم. أمام محكمة الموضوع ، كما تلتزم محكمة النقض بالمبدأ القانوني الذي قررته في حكمها السابق بالنقض (فتحي والي - بند 387 ص 870).
أما إذا لم يكن الطعن بالنقض للمرة الثانية، وكان الموضوع غير صالح للفصل فيه، فإنه لا مجال للتصدي للموضوع لعدم توافر أى حالة من الحالتين السابق توضيحهما فيما تقدم ، وعندئذ يجب على محكمة النقض أن تحيل القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه التحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم .
كيفية التصدي وآثاره :
إذا توافرت شروط التصدي لموضوع الدعوى، فإنه يجب على محكمة النقض أن تصدى لحسم الموضوع، فقد أوجب المشرع عليها ذلك ، بصرف النظر عن طلبات الخصوم ، إذ لا يتوقف التصدي على طلب الخصوم ، ولكن ليس في القانون ما يمنع الطاعن من أن يطلب من المحكمة الحكم في الموضوع على ما تتمخض إليه طلبانه فيه على اعتبار أن طعنه سيقبل وسوف نحكم له المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وسوف تتصدى محكمة النقض للفصل في الموضوع، كما أنه ليس في القانون كذلك ما يمنع المطعون ضده من أن يطلب إحتياطياً الحكم بالإحالة بحجة به أنه كانت له فيه وجوه دفاع معينة لم تأخذ بها محكمة الموضوع او أن له وجوه دفاع جديدة يريد أن يعرضها على محكمة الإحالة عند نظر الدعوى على أساس جديد، ولا شك في أن المحكمة النقض، وهي بصدد تقدير صلاحية الموضوع للفصل فيه كشرط للتصدي للموضوع ، أن تقدر الإعتبارات التي يسوقها المطعون ضده في طلبه الإحالة (نقض 2/ 5/ 1978 سنة 29 ص 1155).
وفي حالة صلاحية الموضوع للفصل فيه، فإنه يمتنع على محكمة النقض عند تصديها لحسم الموضوع وتصفيته، إجراء أي تحقيقات جديدة . أو قبول طلبات أو مذكرات أو سماع أوجه دفاع أو دفوع تتعلق بالموضوع إذ مفترض إعمال التصدي في هذه الحالة وشرطه الأساسي أن يكون الموضوع صالحاً لنظره دون أن إضافة تؤدي إلى جعله مهيأ للنظر. (نقض 6/ 2/ 1974 طعن رقم 13 لسنة 39 ق).
وقد مضت الإشارة عند توضيحنا لشرط صلاحية الموضوع للفصل فيه، إلى أن قضاء النقض استقر منذ أمد طويل على أنه عند تصديها للموضوع في هذه الحالة، فإنها تحصل فهم الواقع في الدعوى من الأوراق والمستندات، ثم تكيف هذا الواقع على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها في نقض الحكم متى كان الأمر سهلاً لا يفتقر إلى غير الرجوع إلى ملف الدعوى أمامها .
ويرى البعض في الفقه أنه من الصواب أن تتقبل محكمة النقض من الحكم المطعون فيه حاصل فهم الواقع في الدعوى ، إلا إذا كان ما أثبته الحكم يناقض أوراق المرافعات المستندات المقدمة لها، أو يرتكز على أدلة غير مقبولة قانوناً ، أو يكون الحكم في الدعوى على ما تمحضت إليه بحكم النقض مفتقراً إلى تحصيل فهم جديد، فإنه يكون لها عندئذ أن تصحح ذلك الفهم أو تكمله على ضوء تلك الأوراق والمستندات بالحذف والتعديل والزيادة وأن تستبدل به فهما آخر، ما دام ذلك مستطاعاً بأهون سعي وبمجرد إطلاعها على قضية الطعن الموجودة أمامها وبغير اتخاذ إجراءات أخرى ، فإن احتاج الأمر إلى إجراءات جديدة من اطلاع وتحقيق فإنها تقضي عندئذ بإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. (حامد فهمي ومحمد حامد فهمي - ص 741).
وكثيراً ما تمتنع محكمة النقض عن الفصل في موضوع الدعوى رغم أن الفصل فيه يكون سهلاً ، وتكون علة هذا الإمتناع عدم وجود بعض الأوراق الضرورية لهذا الفصل في ملف الدعوى ، أو لمجرد الخشية من الإخلال بحق دفاع المدعى عليه.
وما هو جدير بالملاحظة أنه في حالة التصدي للموضوع لصلاحيته للفصل فيه، يختلف مركز الخصوم أمام محكمة النقض بالنسبة لموضوع الدعوى عن مركزهم أمام محكمة الإحالة، إذ لا يتيسر للخصوم أن يبدوا أمام محكمة النقض طلبات جديدة أو دفوع أو أوجه دفاع جديدة مما كان من الممكن أن يتيسر لهم أمام محكمة الإحالة لو أن النقض كان مع الإحالة ، وهم لا يستطيعون أمام محكمة النقض إضافة أي عناصر جديدة للدعوى لأن أساس التصدي في هذه الحالة هو كون الدعوى صالحة للفصل فيها من جميع الوجوه ودون أي إضافة للحكم فيها، كما أنه لا يمكن القول بصفة مطلقة أن محكمة النقض يكون لها في موضوع الدعوى ما يكون المحكمة الإحالة من مسالك التحقيق والحكم ، وعلة ذلك أن بعض هذه المسالك لا يلائم وظيفة محكمة النقض ، ومثال ذلك التحقيق بالبينة وإستجواب الخصوم وندب الخبراء والإنتقال والمعاينة، ومن هذه المسالك ما يتنافى مع وظيفة محكمة النقض ومثال ذلك الإطلاع على المستندات والأخذ بها في حدود حجيتها وغير ذلك ، ولا شك في أن شرط صلاحية موضوع الدعوى بسهل مهمة محكمة النقض عند التصدي للفصل في الطعن وفي موضوع الدعوى بحكم واجد، ومن ثم لا تملك محكمة النقض أي مسلك من مسالك التحقيق مما قد يعوق مهمتها .
أما في حالة التصدي للموضوع عند الطعن بالنقض للمرة الثانية، فإن محكمة النقض تقوم بعمل محكمة الموضوع كاملا، وقد مضت الإشارة إلى ذلك عند دراستنا لهذه الحالة أنفاً. ويكون الحكمة النقض إجراء الإستيفاءات اللازمة لأنه لا يشترط للتصدي في هذه الحالة أن يكون الموضوع صالحاً للفصل فيه، أي أنها تفصل في الموضوع حتى ولو كان هذا الفصل يحتاج إلى إجراءات وتأكيدات واقعية من نوع الإجراءات والتأكيدات التي لا تقوم بها إلا محكمة الموضوع ، ويكون لمحكمة النقض في هذه الحالة أيضا جميع السلطات التي لمحكمة الموضوع التي نقض حكمها، وما دام الطعن بالنقض للمرة الثانية، فإن مركز الخصوم أمام محكمة النقض عند تصديها للموضوع يكون هو ذات مركزهم أمام محكمة الإحالة ، أي يكون عليهم ولهم نفس الواجبات والحقوق التي تكون لهم أمام محكمة الموضوع، ولهم أن يبدوا الطلبات والدفوع التي كان لهم إبداؤها أمام محكمة الإحالة ، وفي ذلك يختلف التصدي في حالة الطعن بالنقض للمرة الثانية عنه في حالة الطعن بالنقض للمرة الأولى ، لأن أساس التصدي عند الطعن بالنقض للمرة الأولى أن يكون الموضوع صالحاً للفصل فيه من جميع الوجوه على نحو ما أوضحناه فيما مضى .
مما تقدم تتضح لنا كيفية تصدى محكمة النقض للفصل في موضوع الدعوى سواء في حالة صلاحية الموضوع للفصل فيه أو في حالة كون الطعن بالنقض للمرة الثانية، أما آثار التصدى فإنها تتمثل بصفة أساسية في تصفية موضوع الدعوى بحكم بات، ومن ثم لا يجوز إعادة طرح النزاع بجميع عناصره أمام القضاء مرة أخرى، سواء في صورة دعوى مبتدأة أو عن طريق الطعن في هذا الحكم إذ لا يفس هذا الحكم البات بأي طريق من طرق الطعن ، لأن أحكام محكمة النقض - كما هو معلوم - هي خاتمة المطاف في مراحل التقاضي، ولكن يجب أن يكون حكم محكمة النقض الصادر في الموضوع مطابقاً لوجهة النظر القانونية التي من أجلها نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه. (انظر: بحثنا سالف الذكر - ص 29 - والمراجع المشار إليها فيه) .
ويعتبر الحكم الصادر من محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وبالفصل في موضوع الدعوى سنداً تنفيذاً ، ولذلك فإن مقدمات التنفيذ وإجراءاته تتخذ بناء على هذا الحكم ، كما توجه إليه إشكالات التنفيذ ، ولا يقيد هذا الحكم الصادر في موضوع الدعوى محكمة النقض في أي نزاع مستقبلاً ، أي أنها لا تلتزم بإتباع ما قضت به عندما تصدت للموضوع في المنازعات المستقبلية والتي قد تتصدى فيها أيضاً الموضوع الدعوى ومع ذلك فإن الحل الذي إرتأته محكمة النقض يكون له قوة إلزام أدبية. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء : الخامس ، الصفحة : 641)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 172
تَسْبِيبُ حُكْمِ النَّقْضِ:
إِذَا نَقَضَ الْقَاضِي الْحُكْمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِئَلاَّ يُنْسَبَ لِلْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالنَّقْضِ الْجَوْرُ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الأْحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ.
تَسْجِيلُ حُكْمِ النَّقْضِ:
يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ النَّقْضَ كَمَا يُسَجِّلُ الْحُكْمَ؛ لِيَكُونَ تَسْجِيلُ الثَّانِي مُبْطِلاً لِلأْوَّلِ كَمَا صَارَ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْحُكْمِ الأْوَّلِ.