حددت المادة 276 من المشروع الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ فنصت على أن يكون الاختصاص عند التنفيذ للمحكمة التي تقع الأموال محل التنفيذ في دائرتها على أساس أنها أقرب المحاكم إلى محل التنفيذ.
وقد رأي المشروع أن يفصل هذه القاعدة في فقرتين تخصص الاولى للتنفيذ على المنقول مبرراً أن محل المال المحجوز عندما يكون مالاً في ذمة الغير هو موطن المحجوز لديه .
وأفرد الثانية للتنفيذ على العقار مضيفاً الى القاعدة الأساسية قاعدة أخرى مقتضاها أنه إذا تعددت العقارات محل التنفيذ وكانت تتبع محاكم مختلفة انعقد الاختصاص لإحداها وذلك بصرف النظر عن قيمة كل عقار.
وقد أخذ المشروع هذا النص عن القانون القائم (مادة 612 مرافعات) ولم ير الأخذ بما تنص عليه بعض القوانين الأجنبية من جعل الاختصاص المحكمة أكثر العقارات قيمة حتى لا تثور منازعات فرعية حول قيمة العقارات.
تقرير اللجنة التشريعية :
استبدلت اللجنة عبارة «لدي المدين» بعبارة «المادي» الواردة في الفقرة الأولى من المادة 276 من المشروع وذلك للمقابلة بين حجز المنقول لدى المدين وحجز ما للمدين لدى الغير، ولأن هذا الحجز الأخير قد يكون هو الآخر حجزاً على المنقول المادي.
الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ
الاختصاص المحلي بمنازعات التنفيذ الوقتية:
منازعات التنفيذ الوقتية قد ترفع قبل تمام التنفيذ كالإشكالات أو بعد تمامه كدعاوى التنفيذ المستعجلة، وينعقد الاختصاص المحلي بنظرها للمحكمة التي يجري في دائرتها للتنفيذ، وذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة (59) من قانون المرافعات أما الاختصاص النوعي بنظرها فينعقد دائماً لقاضي التنفيذ بالمحكمة التي يجري التنفيذ بها عملاً بالمادة (275) منه.
ويتم التنفيذ بالحجز التحفظي وبحجز المنقول لدى المدين بالمكان الذي يوجد به المنقول المحجوز، ومن ثم تختص محكمة التنفيذ الكائن هذا المنقول بدائرتها بنظر إشكالات التنفيذ التي ترفع قبل تمام أي من الحجزين سواء رفع الإشكال بالإجراءات المعتادة بإيداع صحيفته قلم الكتاب، أو رفع بتقديمه إلي المحضرين، كما تختص نفس المحكمة بنظر دعاوى التنفيذ المستعجلة التي ترفع بعد تمام أي من الحجزين كدعوى عدم الاعتداد بالحجز.
ولما كان حجز ما للمدين لدي الغير يتوقع بإعلان ورقة الحجز للمحجوز لديه، فإن موطن الأخير يكون هو المكان الذي يجري التنفيذ به، وتكون محكمة التنفيذ الكائن بدائرتها هذا المكان هي المختصة محلياً بنظر إشكالات التنفيذ ودعاوى التنفيذ المستعجلة التي تتعلق بهذا الحجز.
أما الحجز العقاري، فإنه يتم بموقع العقار، وبالتالي فإن محكمة التنفيذ الكائن العقار بدائرتها تختص محلياً بمنازعات هذا التنفيذ الوقتية.
فإذا تعددت المنقولات المحجوز عليها، وكان بعضها بدائرة محكمة والبعض الآخر بدائرة محكمة أخري، أو تعدد المحجوز لديهم وكان كل منهم يقيم بدائرة محكمة غير التي يقيم بها الآخرون، أو تعددت العقارات المحجوز عليها وكان كل منها يقع بدائرة محكمة غير التي يقع بها العقارات الأخري.
فإن ظاهر نص الفقرة الثانية من المادة (59) يدل على أن كل محكمة يقع بدائرتها جزء من المنقولات أو العقارات أو أحد المحجوز لديهم تختص محلياً بالمنازعات التي تتعلق بالحجز الذي تم بدائرتها، فإن كان جزء من المنقولات قد توقع الحجز عليه بدائرة محكمة القاهرة والجزء الآخر بدائرة الإسكندرية، فإن الاختصاص المحلي بمنازعة التنفيذ الوقتية المتعلقة بالحجز الذي توقع بالقاهرة ينعقد لمحكمة تنفيذ القاهرة ولأي دائرة من دوائرها، بينما ينعقد الاختصاص المحلي بمنازعة التنفيذ الوقتية المتعلقة بالحجز الذي توقع بالإسكندرية لمحكمة تنفيذ الإسكندرية ولأي دائرة من دوائرها، وكذلك الحال بالنسبة لتعدد العقارات وتعدد المحجوز لديهم. والفرض هنا أن التنفيذ يجري بموجب سند تنفيذي واحد جمع بين المنفذ والمنفذ ضده مما تتحقق معه شروط الارتباط في حالة تعدد منازعات التنفيذ الناشئة عن تنفيذ هذا السند، وذلك عملاً بالمادة (112) من قانون المرافعات والتي تجيز الدفع بالإحالة للارتباط ولو كانت إحدي المحاكم لا تختص محلياً بنظر المنازعة لأن قواعد ومبررات الإحالة تسمو على قواعد الاختصاص المحلي ومنعاً لتعارض الأحكام.
وظاهر نص الفقرة الثانية على نحو ما تقدم، أخذ به راتب (بند 427) وخلص إلي أنه في حالة تعدد المحاكم لتعدد المنقولات أو العقارات أو المحجوز لديهم، فإن كل محكمة تختص محلياً بالمنازعات التي تتعلق بالتنفيذ الذي تم بدائرتها وأضاف إلا أنه يمكن جمع تلك المنازعات أمام محكمة واحدة للارتباط سواء عند رفع تلك المنازعات أو بعد رفعها بموجب الدفع بالإحالة.
ويخالف أبو الوفا هذا الرأي (التنفيذ بند 159) ويرى جمع هذه المنازعات أمام محكمة واحدة. ونرى أن كل محكمة تختص محلياً بمنازعات التنفيذ المتعلقة بالتنفيذ الذي تم بدائرتها، بحيث يمتنع الدفع أمامها بعدم الاختصاص المحلي، وإنما إذا دفع أمامها بالإحالة للارتباط التزمت بقبول الدفع عملاً بالمادة (112) من قانون المرافعات باعتبار أن كل من هذه المحاكم ينعقد له الاختصاص المحلي مما يحول دون الدفع بعدم الاختصاص، وحينئذ يرد الدفع بالإحالة وهو يغاير الدفع بعدم الاختصاص إذ يتضمن إقراراً بالاختصاص مقترناً بإحالة المنازعة إلي محكمة أخري تنظر منازعة في تنفيذ ذات السند ومرددة بين ذات الخصوم، ولا يشترط أن يقدم الدفع بالإحالة أمام المحكمة التي رفعت إليها المنازعة الأخيرة، ومن ثم يجوز تقديمه أمام المحكمة التي رفعت إليها المنازعة الأولي، ومتى قدم الدفع إلى محكمة امتنع تقديمه مرة أخرى أمام غيرها حتى لو رفضت المحكمة الدفع.
الإتفاق على مخالفة الاختصاص المحلي في المنازعات الوقتية:
تنص المادة (49) من قانون المرافعات علي أن يكون الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. كما تنص الفقرة الثانية من المادة (62) من ذات القانون على أنه في الحالات التي ينص فيها القانون على تخويل الاختصاص المحلي لمحكمة علي خلاف حكم المادة (49) لا يجوز الاتفاق مقدماً على ما يخالف هذا الاختصاص.
وإذ تنص الفقرة الثانية من المادة (59) من قانون المرافعات على أنه في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات يكون الاختصاص للمحكمة التي يجري في دائرتها التنفيذ، ومفاد ذلك أنه إذا كان التنفيذ قد تم بمكان يغاير موطن المنفذ ضده، فإن الاختصاص المحلي بالمنازعة التي تتعلق بهذا التنفيذ ينعقد للمحكمة التي تم التنفيذ بدائرتها وليس المحكمة موطن المنفذ ضده، مما مفاده أن الفقرة الأخيرة تكون قد تضمنت قاعدة تخالف القاعدة التي تضمنتها المادة (49) وهو ما يترتب عليه امتناع الخصوم علي أن يتفقوا قبل أن ينشب النزاع علي اختصاص محكمة أخرى بنظر منازعة التنفيذ غير المحكمة التي يجري التنفيذ في دائرتها، وإلا كان الإتفاق باطلاً بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام، ومن ثم يتصدى له قاضي التنفيذ من تلقاء نفسه ويجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها المنازعة ولو لأول مرة أمام الاستئناف، وليس معنى هذا أنه يتصدى من تلقاء نفسه للاختصاص المحلي إذ لا يتعلق هذا الاختصاص بالنظام العام، وكان هذا الرأي عندي الذي ضمنته مذكرة نيابة النقض في الطعن رقم 597 لسنة 45 قضائية وقد أخذت به محكمة النقض بجلسة 1980/5/14 إذ قضت بأن جعل الاختصاص في المنازعات الإيجارية الناشئة عن تطبيق أحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 للمحكمة الكائن في دائرتها العقار عملاً بالمادة (40) منه، خلافاً للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (49) من قانون المرافعات، يترتب عليه أنه لا يجوز الاتفاق مقدماً علي مخالفته طبقاً للفقرة الثانية من المادة (62) من هذا القانون الأخير، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذا الاختصاص، اختصاص محلي، لا تتعلق قواعده، عدا قاعدة حظر الاتفاق مقدماً على مخالفته، بالنظام العام.
ويترتب على ذلك، أنه إذا تم الاتفاق على اختصاص محكمة غير المحكمة التي يجري التنفيذ بدائرتها، ولما نشب النزاع، أقيمت المنازعة أمام المحكمة التي يجري التنفيذ بدائرتها، فدفع المنفذ ضده بعدم اختصاصها محلياً بنظرها إعمالاً للإتفاق المبرم بينه وبين خصمه، وحينئذ يتعين رفض الدفع لبطلان هذا الاتفاق، حتى لو لم يطلب المدعي رفضه، لكن إذا وافق صراحة علي إحالة المنازعة إلى المحكمة المتفق على اختصاصها، تعيين الإحالة إليها كطلب الطرفين اللاحق على رفع الدعوي.
والمحظور وفقاً للفقرة الثانية من المادة (62) هو الإتفاق السابق علي رفع منازعة التنفيذ، سواءً تضمنه عقد أو إتفاق لاحق له طالما أبرم قبل رفع المنازعة، أما إذا رفعت المنازعة وفقاً لقواعد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ المقررة بالمادتين (59)، (276) من قانون المرافعات، جاز إحالتها إلى محكمة أخري ولو لم تكن مختصة وفقاً لهذه القواعد، فقد يتم الحجز على منقولات بدائرة محكمة موطن المدين وعلى منقولات أخرى بدائرة محكمة ثانية، وحينئذ يجوز الدفع بإحالة المنازعة المرفوعة عن التنفيذ الأخير لضمها للمنازعة المرفوعة عن التنفيذ الأول.
وإذا تم الاتفاق قبل رفع المنازعة على اختصاص محكمة معينة، وأجري التنفيذ بدائرة محكمة أخرى، اختصت الأخيرة بنظر المنازعة ولو لم تكن هي المتفق عليها، وترتب على ذلك إمتناع الدفع بعدم اختصاصها محلياً وذلك لبطلان الاتفاق الذي أبرم قبل رفع المنازعة على نحو ما تقدم.
وإذا رفعت المنازعة إلى المحكمة المختصة امتنع إحالتها إلى محكمة أخرى إلا للإرتباط عملاً بالمادة (112) من قانون المرافعات، حتى لو اتفق الخصوم على الإحالة.
الاختصاص المحلي بمنازعات التنفيذ الموضوعية:
منازعة التنفيذ الموضوعة هي التي يطلب فيها المنفذ ضده إصدار حكم موضوعي يحسم النزاع في أصل الحق المتنازع فيه، سواءً استندت المنازعة إلي أسباب إجرائية أو موضوعية، كطلب بطلان الحجز لتوقيعه دون إعلان السند التنفيذي أو لبطلان هذا الإعلان أو بموجب حكم غير مذيل بالصيغة التنفيذية وتلك أسباب تتعلق بالإجراءات اللازمة لصحة التنفيذ، وقد تستند المنازعة إلى أسباب موضوعية كانقضاء الدين المنفذ به بالوفاء أو المقاصة القانونية أو القضائية أو الإبراء أو التجديد أو التقادم، متى تحقق ذلك بعد صدور الحكم المنفذ به، وهو ما يترتب عليه أن يفقد الحكم قوته التنفيذية ويكون التنفيذ الذي تم بموجبه باطلاً فيقضي ببطلان التنفيذ وبراءة ذمة المدين من الدين المنفذ به وفقاً للطلبات المقدمة في المنازعة.
ونظم المشرع الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بنظر منازعات التنفيذ الموضوعية بالمادة (276) من قانون المرافعات، فنص على أن يكون الاختصاص عند التنفيذ على المنقول لدى المدين لمحكمة التنفيذ التي يقع المنقول في دائرتها، وفي حجز ما للمدين لدي الغير محكمة موطن المحجوز لديه، ويكون الاختصاص عند التنفيذ على العقار للمحكمة التي يقع العقار في دائرتها فإذا تناول التنفيذ عقارات تقع في دوائر محاكم متعددة كان الاختصاص لإحداها.
مفاد ذلك، انعقاد الاختصاص لقاضي التنفيذ الذي يجري التنفيذ بدائرته سواء بالنسبة للمنقول والعقار وفي حجز المنقول لدى الغير، فإذا تعددت أمكنه التنفيذ وكان كل منها يقع في دائرة محكمة مختلفة، كما لو تم تنفيذ السند بحجز منقول مملوك للمدين بالقاهرة ومنقول آخر بالإسكندرية، أو تعددت العقارات فكان بعضها بالقاهرة والبعض الآخر بالإسكندرية، أو تعدد المحجوز لديهم وكان موطن كل منهم يقع في دائرة محكمة غير التي يقع بها موطن الآخرين، فإن ظاهر نص المادة (276) يشير إلى أنه بالنسبة للعقارات التي تقع في دوائر محاكم متعددة يكون الاختصاص بالمنازعة لإحداها، ففي المثل المتقدم ينعقد الاختصاص لأي من محكمتي القاهرة أو الإسكندرية، ويكون الخيار للمدعي ومن ثم يجوز له رفع دعواه أمام إحداهما، فإن رفعها أمام كل منهما، كانت مختصة بنظرها وتعين الدفع بالإحالة عملاً بالمادة (112) من قانون المرافعات. كما يدل ظاهر النص على أنه في حالة تعدد المنقولات المنفذ عليها ووقوع بعضها بدائرة محكمة بينما يقع البعض الآخر بدائرة محكمة أخري، فإن كل محكمة تختص بالمنازعات المتعلقة بالمنقولات الكائنة بدائرتها، ويجوز الدفع بالإحالة للارتباط على نحو ما أوضحناه فيما تقدم، وكذلك الحال إذا تعددت مواطن المحجوز لديهم وكان كل منهم يقيم بدائرة محكمة مغايرة للمحكمة التي يقيم بها الآخرون (بهذا المعني راتب بند 427) ويري أبو الوفا في التنفيذ بندر 159 أن أي من هذه المحاكم يختص بمنازعات التنفيذ ولو تعلقت بمنقولات تم التنفيذ عليها بدائرة محكمة أخري، ونرى أن كل محكمة تختص محلياً بمنازعات التنفيذ المتعلقة بالتنفيذ الذي تم بدائرتها بحيث يمتنع الدفع بعدم اختصاصها، وإنما إذا دفع أمامها بالإحالة للإرتباط التزمت بذلك عملاً بالمادة (112) من قانون المرافعات على نحو ما أوضحناه فيما تقدم .
وإذا تعددت المحاكم التي يجري تنفيذ السند بدائرتها، ورفعت إلي كل منها منازعة يطلب بطلان التنفيذ وببراءة ذمة المدين من الدين المنفذ به استناداً إلى انقضائه بالوفاء أو المقاصة القانونية أو القضائية أو الإبراء أو التجديد أو التقادم، متى تحقق ذلك بعد صدور الحكم المنفذ به، ثم تنازل الدائن عن الحجز الذي توقع بدائرة إحدي هذه المحاكم، مما يترتب عليه زوال الحجز والمنازعة المتعلقة بالتنفيذ ويظل قائماً طلب براءة الذمة الذي لا يختص قاضي التنفيذ نوعياً بنظره إلا إذا كان هو الوجه الذي قامت عليه منازعة التنفيذ، ويخرج بالتالي عن اختصاصه، والأصل في هذه الحالة أن يقضي بعدم اختصاصه نوعياً بنظره وإحالته إلى المحكمة المختصة به نوعياً ومحلياً وهي المحكمة الابتدائية أو الجزئية بحسب قيمة الطلب، الكائن بدائرتها موطن الدائن، ولكن طالما أن طلب براءة الذمة يعتبر مطروحاً على المحكمة التي تنظر منازعة التنفيذ الأخري ويكون ذات الطلب وجها لها، فإن الإحالة يتعين أن تكون لها، وحينئذ يقضي بعدم الاختصاص والإحالة. فإن قضى بعدم الاختصاص والإحالة لمحكمة أخرى، فإن الحكم الذي يصدر أولا في طلب براءة الذمة يقيد المحكمة التي تنظره. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : التاسع، الصفحة : 406)
ورد تحديد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ في الفقرة الثانية من المادة 59 وفي المادة 276 من القانون المرافعات فنصت الفقرة الثانية من المادة 59 على ما يلي:
"وفي المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات يكون الاختصاص للمحكمة التي يجري في دائرتها التنفيذ". ونصت الفقرة الأولي من المادة 276 مرافعات على أن "يكون الاختصاص عند التنفيذ على المنقول لدى المدين لمحكمة التنفيذ التي يقع المنقول في دائرتها، وفي حجز ما للمدين لدي الغير لمحكمة موطن المحجوز لديه" ونصت الفقرة الأخيرة من ذات المادة على أن "يكون الاختصاص عند التنفيذ على العقار للمحكمة التي يقع في دائرتها فإذا تناول التنفيذ عقارات تقع في دوائر محاكم متعددة كان الاختصاص لإحداها"، وقد اختلف الفقهاء في تفسير هاتين المادتين ومدلولهما فذهب رأي إلى أن الفقرة الثانية من المادة 59 مرافعات تعالج الاختصاص المحلي المتعلق بمنازعات التنفيذ الوقتية لأنها تقرر أن الاختصاص في المسائل المستعجلة المتعلقة بالتنفيذ يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها التنفيذ وبالتالي تكون المادة 276 مرافعات وردت في شأن الاختصاص المحلي المتعلق بمنازعات التنفيذ الموضوعية ( قضاء الأمور المستعجلة للمستشارين راتب ونصر الدين كامل الطبعة السابعة ص 774). ونادي الرأي الثاني بأن نص المادة 276 ورد في الفصل الخاص بقاضي التنفيذ فلا بد أن ينصرف معناه إلي أنه ينضم الاختصاص المحلي لمنازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية وحجته في ذلك أن المادة 275 التي سبقتها تحدثت عن الاختصاص النوعي لقاضي التنفيذ فقررت بأنه يختص دون غيره بجميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية وإذ كانت المادة 276 قد جاءت تالية لها فلابد أن يكون المقصود منها تنظيم الاختصاص المحلي المنازعات التنفيذ المحلي الموضوعية والوقتية بالإضافة إلي أن قانون المرافعات أفرد فصلاً تناول فيه الأحكام المتعلقة بنظام قاضي التنفيذ واختصاصاته بصفته القضائية والولائية فلا يتصور أن يكون قد اتجه إلي توزيع قواعد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ في موضعين مختلفين في القانون، واستطرد أصحاب هذا الرأي إلي القول بأن الحكم الوارد في المادة 59 مرافعات يقرر القاعدة العامة في الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بمنازعات التنفيذ على أساس مكان التنفيذ، ذلك أن المحكمة التي تقع الأموال محل التنفيذ في دائرتها هي أقرب المحاكم إلي محل التنفيذ وأنه إعمالاً لهذا الأصل قررت المادة 274 أن يكون الاختصاص في التنفيذ على المنقول لدى المدين لمحكمة التنفيذ التي يقع المنقول في دائرتها وأنه في حالة حجز ما للمدين لدى الغير يكون الاختصاص لمحكمة موطن المحجوز لديه على أساس أن محل المال المحجوز إن كان منقولاً أو ديناً في ذمته هو موطن المحجوز لديه وفي التنفيذ علي العقار يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار فإن تناول التنفيذ عقارات متعددة تقع في دوائر مختلفة كان الاختصاص لإحداها ( القضاء المستعجل للمستشار محمد عبد اللطيف الطبعة الرابعة ص 485، ومحمد عمر ص 209، ورمزي سيف في التنفيذ ص 205).
واتجه رأي ثالث إلى أن محكمة التنفيذ المختصة وفقاً لنص المادة 276 مرافعات هي المحكمة الجزئية التي يقع بدائرتها المنقول المادي المراد الحجز عليه في حالة حجز المنقول لدى المدين فإذا كان المنقول في حيازة شخص آخر غير المدين، وكذلك إذا كان الحجز على حقوق المدين لدى الغير في حالة حجز ما للمدين لدي الغير فإن الاختصاص يكون لمحكمة موطن المحجوز لديه، أما في حالة الحجز علي العقار فإن الاختصاص يكون لقاضي التنفيذ بالمحكمة الجزئية التي يقع بدائرتها هذا العقار أو أحد العقارات إذا تعددت العقارات المحجوزة، بصرف النظر عن كونه أكثرها أو أقلها قيمة وأضاف أصحاب هذا الرأي أن تلك القاعدة تطبق أياً كانت طبيعة المنازعة أي سواء كانت منازعة موضوعية أو كانت منازعة وقتية يطلب فيها الحكم بإجراء وقتي واستطرد أنصار هذا الرأي إلي القول بأن نص الفقرة الثانية من المادة 59 مرافعات ليس خاصاً بتحديد الاختصاص المحلي بشأن المنازعات المستعجلة المتعلقة بالتنفيذ الذي يجري تحت إشراف قاضي التنفيذ وإنما هو يحدد القاضي المختص محليا بنظر المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ لا يجري تحت إشراف قاضي التنفيذ بأنه قاضي المحكمة التي يجري التنفيذ في دائرتها، ورتبوا على ذلك أنه في حالة ما إذا كانت المنازعة متعلقة بتنفيذ يجري تحت إشراف قاضي التنفيذ على النحو السالف بيانه، فإن قاضي التنفيذ وفقاً لنص المادة 276 هو المختص وحده بنظر جميع المنازعات المتعلقة بهذا التنفيذ أياً كانت طبيعتها، أي سواء كانت منازعة موضوعية أو مستعجلة وضربوا لذلك مثلاً بأنه إذا كانت محكمة التنفيذ على العقار هي محكمة كرموز الجزئية باعتبار أن أحد العقارات المحجوزة يقع بدائرتها فإن قاضي التنفيذ بهذه المحكمة يختص محلياً ونوعياً بنظر المنازعات المستعجلة المتعلقة بالتنفيذ علي عقار آخر كائن بدائرة المنشية وليس قاضي التنفيذ بمحكمة المنشية الجزئية علي الرغم من أنها المحكمة التي يجري التنفيذ بدائرتها على سند من أن القول بغير ذلك، لا يمكن أن يحقق الهدف من إنشاء نظام قاضي التنفيذ ولا يتفق مع رغبة المشرع في جمع شتات المسائل المتعلقة بالتنفيذ في يد قاضي واحد هو المشرف علي التنفيذ (أمينة النمر في أحكام التنفيذ الجبري ص 24 وما بعدها).
والرأي عندنا أن هناك قاعدة عامة خاصة بالاختصاص المحلي للمحاكم بما فيها محاكم التنفيذ وهي أن تكون المحكمة المختصة محلياً هي محكمة موطن المدين ( مادة 59 من قانون المرافعات ) وأن ما جاء بالمادتين 59 / 2، 276 مرافعات إنما هو استثناء من الأصل العام وأن ما ورد فيهما ليس فيه تناقض وعلى ذلك فإن ما نص عليه من تحديد قاضي التنفيذ المختص في المادتين 59 / 2، 276 يكون عند إجراء التنفيذ أو البدء فيه أما إذا أثيرت منازعة تنفيذ وقتية أو موضوعية قبل أن يتحدد مكان التنفيذ كما إذا استشكل المدين بمجرد إعلانه بالسند التنفيذي فإنه ليس في مقدوره أن يعلم بمكان التنفيذ إذ قد تكون له أموال منقولة في أكثر من دائرة محكمة وفي هذه الحالة تكون المحكمة المختصة بنظر المنازعة هي محكمة موطن الدائن وقد يكون محل التنفيذ محدداً في الحكم المنفذ به كما لو كان الحكم المنفذ به قد قضى بتسليم عقار معين فإن محل التنفيذ هو المكان الكائن به العقار وفي هذه الحالة تكون منازعة التنفيذ من اختصاص المحكمة التي يقع بدائرتها مكان التنفيذ الذي حدده الحكم.
وبالنسبة لمنازعات التنفيذ الوقتية سواء بالنسبة للعقار أو المنقول فإنه إن تحدد مكان التنفيذ كان القاضي المختص بالمنازعة هو قاضي التنفيذ الذي يجري التنفيذ في دائرة محكمته سواء كان التنفيذ يجري عن طريق حجز المنقول لدى المدين أو حجز ما للمدين لدى الغير أو بطريق التنفيذ على العقار.
ومكان التنفيذ في حجز المنقول لدى المعين هو مكان المنقول المراد التنفيذ عليه وإذا تعددت الحجوز على منقولات متعددة تقع في دوائر محاكم مختلفة فإن أي منازعة في كل حجز من الحجوز يختص بها قاضي التنفيذ في المكان الذي توقع فيه الحجز وذلك تطبيقاً لنص المادة 276 وإن كان هناك رأي آخر بأن يكون الاختصاص في هذه الحالة لإحدى المحاكم التي تقع المنقولات في دائرتها وذلك قياساً على حالة التنفيذ على عدة عقارات للمدين (أبو الوفا في التعليق الطبعة الخامسة ص 1060 ) إلا أن هذا الرأي يفتقر لسنده القانوني، ذلك أن الاختصاص في حالة تعد العقارات إستثناء لا يقل عليه.
ومكان التنفيذ في حجز ما للمدين لدى الغير هو موطن المحجوز لديه وبذا تختص محكمة واحدة عند تعيد الحاجزين متی اتحد المحجوز لديه في كل الحجوز أما إذا توقع عدة حجوزات تحت يد مدينين يقيمون في دوائر محاكم مختلفة تنفيذاً لحكم واحد كان الاختصاص بالمنازعة في كل حجز للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المحجوز لديه. ومكان التنفيذ على العقار هو المكان الكائن به العقار فإذا تناول التنفيذ عقارات تقع في دوائر محاكم متعددة كان الاختصاص لقاضي التنفيذ في أي من تلك المحاكم وذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة 276 مرافعات.
وتفريعاً على ما تقدم فإننا لا نرى أي تعارض بين ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 59 مرافعات وبين ما ورد في الفقرة الأولي من المادة 276 مرافعات إذ أنهما يؤكدان معني واحداً وهو أنه إذا تعين مكان التنفيذ سواء في الحكم المنفذ به كأن يكون التنفيذ بتسليم عقار أو بالشروع في التنفيذ على مال معين أياً كان نوع الحجز فإن الاختصاص المحلي بمنازعات التنفيذ الوقتية منها والموضوعية يكون لقاضي التنفيذ الذي يقع في دائرة اختصاصه، أما إذا كان التنفيذ على عدة عقارات فإن الاختصاص لأي قاض من قضاة التنفيذ يقع أحد العقارات في دائرة اختصاصه والخيار هنا يكون لرافع الدعوى، والقول بأنه لو لم يكون هناك خلاف في الحكم بين ما ورد بالفقرة الثانية من المادة 59 وبين الأولي من المادة 276 لما أورد المشرع نص الفقرة الثانية من المادة 59 مرافعات مردود بأن المشرع وضع قاعدة عامة للاختصاص المحلي بالدعاوى المستعجلة في الفقرة الأولى من المادة وهي قاعدة لو تركت مطلقة لسرت على المنازعات المستعجلة المتعلقة بالتنفيذ، فأراد المشرع أن يؤكد بالفقرة الثانية من المادة أن القاعدة المتعلقة باختصاص القضاء المستعجل المحلي و الواردة بالفقرة الأولي لا تسري على منازعات التنفيذ المستعجلة والتي لها حكم مغاير وهذا الرأي الذي انتهينا إليه يتفق والرأي الثاني في نتيجته وان كان يختلف معه في سنده القانوني.
مدى تعلق اختصاص قاضي التنفيذ المحلي بالنظام العام.
من المقرر أن الاختصاص المحلي المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 59 والمادة 276 مرافعات هو استثناء من القواعد العامة للاختصاص المحلي وعلى ذلك وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 62 مرافعات فإنه لا يجوز الإتفاق مقدماً على اختصاص قاضي التنفيذ على خلاف حكم المادتين 59 / 2، 276 فإذا اتفق الخصوم قبل التنفيذ على اختصاص قاضي تنفيذ لا يقع في دائرته المنقول المنفذ عليه أو لا يقع في دائرته موطن المحجوز لديه في حجز ما للمدين لدى الغير أو لا يقع في دائرته أحد العقارات المنفذ عليها كان هذا الإتفاق غير ملزم .. ويتعين رفع المنازعة أمام قاضي التنفيذ المختص وفقاً للمادتين سالفتي الذكر .. فإذا رفع المدعي دعواه أمام المحكمة المتفق عليها - غير محكمة التنفيذ - جاز للمدعي عليه أن يدفع بعدم الاختصاص محلياً على إعتبار أن المحكمة المختصة محليا هي محكمة التنفيذ طبقاً لنص المادة 276 مرافعات وعلى المحكمة المنظور أمامها الدعوى في هذه الحالة أن تجيب المدعى عليه إلى طلبه وتحكم بعدم اختصاصها محليا وإحالة النزاع إلى المحكمة التي نص القانون على اختصاصها محلياً بنظر الدعوى.
ويتعين في جميع الحالات إبداء الدفع بعدم الاختصاص محلية قبل إبداء أي طلب أو دفاع في بعدم القبول وإلا سقط الحق في إبدائه عملاً بالمادة 108 مرافعات.
وقد ذهب رأي إلي أن الاختصاص المحلي المنصوص عليه في المادتين سالفتي الذكر متعلق بالنظام العام بمقولة أن المشرع استهدف من القواعد التي وضعها في هذا الصدد تحقيق هدف أساسي من أهداف نظام قاضي التنفيذ وهو تجميع جميع المسائل المتعلقة بالتنفيذ في يد قاضي واحد وأن المشرع قد جعل الاختصاص لمحكمة التنفيذ على النحو المبين بالمادتين باعتبارهما أقرب المحاكم إلى محل التنفيذ (التنفيذ الجبري للدكتور فتحي والي ص 545 والتنفيذ للدكتور وجدي راغب ص 256) إلا أن هذا الرأي يفتقر إلي سنده القانوني ذلك أنه لو أراد المشرع أن يجعل اختصاص قاضي التنفيذ المحلي متعلقاً بالنظام العام لنص على ذلك صراحة كما هو الشأن في عدم اختصاص المحكمة لإنتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها الذي أوجب المشرع المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها وأنه يجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى. (راجع مؤلفنا في القضاء المستعجل وقضاء التنفيذ الطبعة الخامسة ص 848 وما بعدها ومن هذا الرأي المستشار محمد عبد اللطيف في مؤلفاته القضاء المستعجل الطبعة الرابعة ص 478، وإجراءات التنفيذ الدكتور أبو الوفا الطبعة الثامنة ص 37 وقضاء الأمور المستعجلة للمستشارين راتب ونصر الدين كامل الطبعة السابعة ص 779). (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : السابع، الصفحة : 62 )
الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ:
حدد المشرع قواعد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ في المادة 276 سالفة الذكر، وقد راعى المشرع في تحديده للاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ أن يكون هذا القاضي قريباً من محل التنفيذ مما يسهل له هيمنته عليه (وجدي راغب - ص 254)، ولذلك فإن الضوابط المختلفة التي نصت عليها المادة 276 ۔ محل التعليق - بشأن هذا الاختصاص ترجع أساساً إلى موقع الأموال التي يراد التنفيذ عليها، بحيث إن أقرب قضاة التنفيذ إلى موقع المال محل التنفيذ هو الذي يختص بكافة مسائل هذا التنفيذ فهو الذي يشرف على إجراءاته وهو أيضاً الذي يفصل في سائر منازعاته، وتتضح هذه الضوابط بالنظر إلي نوع الحجز ونوع المال الذي يرد عليه الحجز كالآتي :
أولاً : الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ عند التنفيذ على العقار: ينعقد الاختصاص لقاضي التنفيذ الذي يقع العقار في دائرته وذلك إذا كان التنفيذ يجري على عقار واحد أو كان يجري على أكثر من عقار وكانت جميع هذه العقارات تقع في دائرة محكمة واحدة.
أما إذا تناول التنفيذ عقارات متعددة تقع في دوائر محاكم متعددة فإن الاختصاص يكون لإحداهما وفقاً لاختيار المدعي بصرف النظر عن قيمته، ولم بأخذ القانون بما تقرره بعض التشريعات الأجنبية من جعل الاختصاص في حالة تعدد العقارات وتفرقها في أكثر من دائرة واحدة للقاضي الذي يوجد بدائرته أكثر هذه العقارات قيمة، نظراً لما يثيره هذا الجل من صعوبة في تحديد العقار الأكثر قيمة مما قد ينعكس على تحديد الاختصاص المحلي.
ثانياً : الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ عند الحجز على المنقول لدى المدين: وفقاًً لنص المادة 276 / 1 - محل التعليق - يكون الاختصاص في هذه الحالة لمحكمة التنفيذ التي بقع المنقول في دائرتها، ولم يجابه المشرع حالة تعدد المنقولات التي يراد التنفيذ عليها كما هي الشان بالنسبة للعقار، ولذلك اختلف الفقه بشأنها ويمكن حصر هذا الخلاف في الاتجاهات الآتية.
الاتجاه الأول: ويرى أنصاره عقد الاختصاص لإحدى محاكم التنفيذ التي تقع بدائرتها المنقولات احمد ابوالوفا ۔ بندہ 159 ص 276)، وذلك قياساً على حالة التنفيذ على عقار إذا ما تعددت العقارات محل الحجز ويكون اختبار قاضي التنفيذ معلقاً على رغبة المدعي الذي يبدأ إجراءات التنفيذ، وهذا يؤدي إلى تجميع إجراءات التنفيذ وما يثور. بصددها من إشراف ونظر منازعات في يد قاض واحد مما يحقق غايات نظام قاضي التنفيذ من توحيد الإشراف ومنع تضارب الأحكام وتحقيق دواعی الإرتباط بين الدعاوى.
الاتجاه الثاني: ويرى أنصاره أن عدم نص المشروع على جعل الاختصاص لإحدى المحاكم التي تقع بدائرتها بعض المنقولات المحجوزة يفصح عن رغبته في تعدد قضاة التنفيذ المختصين محلياً وفقاً لتعدد أماكن المنقولات التي يراد التنفيذ عليها بحيث يكون لكل تنفيذ استقلاله وقاضيه حتى ولو كان السند الذي يجري التنفيذ بمقتضاه واحداً، لأن الحجز على المنقول لدى المدين يجري في المكان الذي يوجد به هنا المنقول، ولذلك فإنه يجب أن تجريه أقرب المحاكم إلى مكان وجوده ويجب أن تجري عدة حجوز بإختلاف مكان المنقولات ولذا تتعدد محاكم التنفيذ رغم وحدة السند التنفيذي، ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى ما جاء بتقرير اللجنة التشريعية في مجلس الأمة فيما يتعلق بالمادة 276 وأنها قصدت عدم التسوية في الحكم بين حالتی تعدد المنقولات والعقارات على أساس أن حجز المنقول يقتضي انتقال المحضر إلى مكان الأموال المطلوب التنفيذ عليها وهو ما يستلزم بالتالي إجراء عدة حجوز حسب أماكن وجود هذه المنقولات، وهذا الوضع لا يوجد في التنفيذ على العقار الذي يتم بإعلان تنبيه نزع الملكية إلى المدين وتسجيل هذا التنبيه دون حاجة إلى الانتقال إلى محل العقارات المطلوب الحجز عليها (انظر: عبدالباسط جميعي - طبعة سنة 1974 ص 56).
الاتجاه الثالث: وقد اقترح أنصاره أنه بحسن تقریر واقعة معينة يحدد على أساسها الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ في هذه الحالة واختاروا موطن المدين كضابط بتحدد على أساسه الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بحيث تختص هذه المحكمة وحدها بالتنفيذ على المنقولات حتى ولو وقعت في دوائر متعددة (أمينة النمر - طبعة سنة 1971 - بند 17 - ص 25 هامش رقم 1 وص 26). وسند هذا الرأي أن محكمة المنفذ عليه في أفضل المحاكم لأنها هي المحكمة التي تتركز فيها مختلف مصالح المدين المراد التنفيذ عليه في كثير من الحالات وأن هذا الاختصاص يوفر رعاية المصلحة المنفذ ضده فضلاً عن اتفاقه مع القاعدة العامة للاختصاص المحلي (محمد عبد الخالق عمر: طبعة سنة 1977 - بند 75 - ص 66)، وهي رفع الدعوى أمام المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدعى عليه.
الاتجاه الرابع: وذهب أنصاره إلى أنه في حالة تعدد المنقولات أو العقارات أو مكان توطن المحجوز لديهم، فإنه يمكن في الغالب الأعم من الأحوال جمع المنازعات المتعلقة بالتنفيذ أمام قاض واحد من قضاة التنفيذ وذلك إذا وجد ارتباط بينها، وأنه يمكن تحقيق هذا الجمع في أي مرحلة من المراحل التي تمر بها المنازعة على أساس أن قواعد الارتباط تعلو على قواعد الاختصاص المحلى (محمد على راتب ومحمد نصر الدين كامل ومحمد فاروق راتب - بند 427 - ص 46 - 47).
الاتجاه الخامس : ويقترح القائلون به الأخذ بنظام الإنابة (عبد الباسط جميعي - طبعة 1974 - ص 55 فتحی والی - بند 78 ص 140، محمد عبد الخالق عمر - طبعة 1978 - بند 310 ص 328، عزمى عبد الفتاح - الرسالة . ص 661 وص 662) المعمول به في بعض التشريعات العربية كالقانون العراقي والسوداني والسوري واللبناني، وبمقتضى هذا النظام فإن الاختصاص المحلي ينعقد لقاض واحده من قضاة التنفيذ وإذا تطلب الأمر اتخاذ بعض الإجراءات خارج نطاق اختصاصه الإقليمي فإنه يستنيب لذلك قاضي التنفيذ المراد اتخاذ الإجراء في نطاق اختصاصه للقيام بالإجراءات المطلوبة وإثباتها، ثم إرسالها إلى قاضي التنفيذ بدائرة التنفيذ المنيبة.
ونعتقد أنه لابد أن يتدخل المشرع المصرى لحسم هذه المسالة لأن كافة الاتجاهات السابقة في اتجاهات فقهية غير ملزمة للقضاء. ونرى أنه من الأفضل أن يقنن المشرع الاتجاه الأخير الخاص بنظام الإنابة، لأن هذا الاتجاه كما يرى البعض بحق هو الذي يقدم حلاً جذرياً لعلاج مشكلة تعدد قضاة التنفيذ المختصين محلياً، فإذا ما تعددت المنقولات المواد التنفيذ عليها ووقعت في نطاق أكثر من دائرة تنفيذ فإنه ينبغي إعطاء طالب التنفيذ حرية اختيار دائرة من الدوائر التي يقع جزء من المال المزاد التنفيذ عليه في نطاقها، وتختص محكمة التنفيذ التي اختارها طالب التنفيذ وحدها دون سواها بنظر مسائل التنفيذ فتشرف على إجراءاته وتفصل في منازعته، ولا يعني ذلك قيام قاضي التنفيذ بالإجراءات التنفيذية داخل نطاق الاختصاص المحلي لقضاة التنفيذ الآخرين، بل يجب عليه إنابة قاضي التنفيذ الذي يقع في نطاقه باقي الأموال المراد التنفيذ عليها کی يقوم بالإجراءات المطلوبة، ثم ترسل الأوراق بعد أن تثبت بها ما قام به من إجراءات، وتحفظ هذه الأوراق في ملف التنفيذ الذي يتم إنشاؤه في محكمة التنفيذ التي قدم إليها السند لأول مرة، وبذلك يمكن حل هذه المشكلة ولكن ذلك يحتاج إلى نص من المشرع كما ذكرنا۔
الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ في حجز ما للمدين لدى الغير: يكون الاختصاص المحلي لمحكمة موطن المحجوز لديه وذلك وفقاً للمادة 276 / 1 مرافعات، وإسناد الاختصاص لهذه المحكمة يرجع إلى الغالب الأعم وهو وقوع الأموال التي يراد التنفيذ عليها في موطن المحجوز لديه، وينعقد الاختصاص المحلي لمحكمة موطن المحجوز لديه سواء كان المال المراد التنفيذ عليه ديناً في ذمة المحجوز لديه أو منقولاً مادياً في حيازته.
وإذا تناثرت المنقولات المراد الحجز عليها لدى المحجوز لديه في دوائر اختصاص محاكم متعددة، فإن معيار الاختصاص المحلى لا يتغير تبعاً لذلك، إذ ينعقد الاختصاص للمحكمة الكائن بدائرتها موطن المحجوز لديه بصرف النظر عن مكان وجود المنقولات المحجوزة.
أما إذا تعدد المحجوز لديهم ووقع موطن كل منهم في دائرة أكثر من محكمة تنفيذ، فإنه تتعدد محاكم التنفيذ حسب موطن كل منهم رغم وحدة السند الذي يجري التنفيذ بمقتضاه ورغم أن المدين واحد أيضاً.
وإذا كانت القاعدة هي أن الاختصاص المحلى ينعقد لقاضي التنفيذ الذي يقع بدائرته موطن المحجوز لديه، فإن القانون قد ينص على خلاف ذلك على سبيل الإستثناء، ومن ذلك ما ينص عليه المشرع في المادة 335 مرافعات من اختصاص قاضي التنفيذ الذي يقع في دائرته موطن المدين المحجوز عليه بدعوى رفع الحجز.
وقد اختلف الفقه في تحديد محكمة التنفيذ التي تختص محلياً إذا أراد الدائن الذي لا يحمل سنداً تنفيذياً أو كان دينه غير معين المقدار ان يحصل على إذن بتوقيع الحجز على ما لمدينة لدى الغير، فذهب رأي إلى أن الاختصاص يتحدد طبقاً للقواعد العامة ومعنى ذلك أن يطلب الإذن من قاضي التنفيذ الذي يقع في دائرته موطن المدين المحجوز عليه لأن المحجوز لديه لا شان له بهذه المنازعة (أنظر : أحمد أبو الوفا - التعليق - الطبعة الثانية ص 1012). يبد أن هذا الرأي منتقد لأن الاختصاص المحلى لقاضي التنفيذ لا يتحدد وفقاً للقواعد الخاصة التي وردت بالمادة 276 / 1 مرافعات كما أن إسناد الاختصاص بهذا الإذن لغير القاضي المختص بالإشراف على الحجز والنظر في منازعاته يخالف الهدف من الأخذ بنظام قاضي التنفيذ (عزمي عبدالفتاح - الرسالة - ص 266)، ولذلك نؤيد ما يذهب إليه غالبية الفقه (انظر : رمزي سيف - بند 268 ص 289، محمد عبد الخالق عمر - بند 312 ص 332، فتحي والي - طبعة 1971 بند 141 ص 232، أمينة النمر ص 446، عزمى عبد الفتاح - الإشارة السابقة). من أن الإذن في هذه الحالة يطلب من محكمة التنفيذ التي يتبعها موطن المحجوز لديه تطبيقاً لأحكام المادة 276/ 1 مرافعات - محل التعليق.
المقصود باصطلاح «عند التنفيذ» الوارد في المادة 276 : لاحظ البعض في الفقه (فتحى والى - بنية 78 ص 150)، أن المشرع في المادة 276 لم يحدد اختصاصاً بمنازعة التنفيذ أي بالدعوى التي تتضمن منازعة في التنفيذ، ولكنه حدد اختصاصاً عند التنفيذ، وهذا الاختصاص قد يوجد قبل نشأة أو دون نشأة أية منازعة.
كما أن اصطلاح «عند التنفيذ» لا يعنی ربط الاختصاص ببدء التنفيذ، ذلك من ناحية لأن طلب التنفيذ، نفسه ليس من إجراءات التنفيذ العيني بالمعنى الفني، كما أن المنازعة في التنفيذ قد توجد قبل بدء التنفيذ.
تحديد الاختصاص المحلي بالنظر لأول إجراء تنفيذي :
ينبغي ملاحظة أن الاختصاص يتحدد بالنظر إلى أول إجراء يتعلق بالتنفيذ، والمحكمة التي تتحدد بالنظر إلى هذا العمل هي التي تختص بكل ما یلی بعد ذلك من أوامر أو قرارات أو إصدار أحكام متعلقة بهذا التنفيذ.
ولهذا فإن محكمة التنفيذ التي تحدد وفقاً للقواعد السابقة يختص قلم محضريها بطلب التنفيذ ويختص قاضيها بالإشراف على هذا التنفيذ، وإصدار الأوامر ونظر المنازعات المتعلقة به (فتحى والي - الإشارة السابقة).
الاختصاص المحلي في حالة التنفيذ المباشر : لم يحدد المشرع في المادة 276 - محل التعليق - الاختصاص بالتنفيذ عندما يكون التنفيذ مباشراً كما هو الحال بالنسبة لتنفيذ حكم بتسليم مال معين أو بالإلزام بالقيام بعمل، وكذلك عندما تثور الحاجة لتحديد المحكمة المختصة بالتنفيذ بالنسبة للتنفيذ بنزع الملكية قبل تحديد المال الذي يرد عليه التنفيذ أو طريق الحجز الواجب إتباعه. ويرى البعض في الفقه (فتحی والی - بند 78 ص 150 و ص 151). إجراء التفرقة الآتية :
(أ) أولاً : إذا رفعت منازعة في التنفيذ قبل تقديم طلب به وبغير إمكان تحديد المحكمة المختصة بالتنفيذ وفقاًً للمادة 276 : تطبق القواعد الواردة في الفصل الخاص بالاختصاص، وهي تقضي بأن المنازعة الموضوعية تكون - باعتبارها دعوى موضوعية - كقاعدة عامة من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه (مادة 49).
(ب) ثانياً : إذا تعلق الأمر بطلب التنفيذ: فعندئن لأن الطلب لا يعتبر دعوى بالمعنى الصحيح فلا يمكن تطبيق قواعد الاختصاص المحلى التي ينص عليها المشرع في الفصل الخاص بالاختصاص المحلي بالدعاوى ويجب عندئذ تطبيق قواعد الاختصاص المحلي بالتنفيذ التي كانت مطبقة قبل الأخذ بنظام قاضي التنفيذ، وهي تقضي باختصاص قلم المحضرين الذي يتبعه المكان المطلوب اتخاذ الإجراء فيه .
وعلى هذا النحو يتحدد أيضاً الاختصاص بالتنفيذ المباشر، والحكمة المختصة بهذا التنفيذ هي التي تختص بإصدار القرارات والأوامر والأحكام المتعلقة بالتنفيذ بما في ذلك الفصل في منازعات التنفيذ المباشر(فتحى والي - الإشارة السابقة) .
مدى تعلق الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بالنظام العام:
مما سبق تتضح لنا كافة قواعد الاختصاص المحلى لقاضي التنفيذ ولكن هل تتعلق هذه القواعد بالنظام العام ؟ لقد احتدم الخلاف في الفقه حول هذه المسألة (أنظر عرضاً لذلك : عزمي عبدالفتاح الرسالة السابقة - ص 366 وما بعدها). فذهب رأي إلى القول بأن قواعد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ تعلق بالنظام العام، واتجه وأي ثان إلى القول بأن هذه القواعد لا تتعلق بالنظام العام، بينما ذهب رأي ثالث إلى القول بأن هذه القواعد لا تتعلق بالنظام العام. في مرحلة معينة، ثم تعود وتتعلق به في المراحل التالية، وسوف نوضح هذه الآراء الآن فيما يلي :
الرأي الأول : يرى البعض (وجدي راغب - ص 271، فتحي وإلى - طبعة 1971 - بند 341 ص 541، أمينة النمر - طبعة 1971 - ص 27 . وص 28، محمد عبد الخالق عمر - طبعة 1977 - بند 58 ص 51).أنه إذا كانت القاعدة هي عدم تعلق قواعد الاختصاص المحلي بالنظام العام فإنه يجب رغم ذلك إعتبار الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ من النظام العام، و يستندون في ذلك إلى الحجج الآتية :
(أ) الحجة الأولى : أن اختصاص قاضي التنفيذ المحلي تحدد وفقاً لاعتبارات أساسها حسن سير إجراءات التنفيذ ولم يتقرر لمصلحة المدعى عليه ولو كان المشرع بقصد ذلك لجعل الاختصاص لمحكمة موطن المدعي عليه فقط دون غيرها من المحاكم ولكنه قصد تحقيق مصلحة عامة، وهي جمع شتات المسائل المتعلقة بالتنفيذ وتركيزها في يد قاض واحد حتى يسهل عليه متابعة إجراءات التنفيذ وهذا الهدف يعتبر من النظام العام.
(ب) الحجة الثانية : أن الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ يرتبط بوظيفة المحكمة بالنسبة لقضية معينة إذ يريد المشرع أن يختص بمنازعات التنفيذ ذات المحكمة التي جرى التنفيذ تحت إشرافها.
(ج) الحجة الثالثة : أن الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ يندمج في اختصاصه النوعي وينبغي أن يأخذ حكمه فكما أن الاختصاص النوعي يتعلق بالنظام العام، فكذلك الاختصاص المحلى وفي ذلك يشبه الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ اختصاص المحكمة التي حكمت بالإفلاس في مسائل الإفلاس واختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم بتفسيره، وقد رتب أنصار هذا الرأي كل النتائج التي تترتب على اعتبار الاختصاص من النظام العام بالنسبة للاختصاص المحلى لقاضي التنفيذ، فيجوز التمسك بالدفع بعدم الاختصاص في أي حالة تكون عليها الدعوى، كما يجوز إثارة مسألة الاختصاص من قاضي التنفيذ من تلقاء نفسه ودون طلب من الخصوم، كذلك لا يجوز الإتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ سواء قبل الخصومة أو بعد بدء الخصومة.
أما الرأي الثاني والذي تميل إليه فوفقاً له لا يتعلق الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بالنظام العام (أحمد أبو الوفا - قاضي التنفيذ - بحث منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة - العدد الثالث - السنة الثامنة عشرة - ص 708، عبد الباسط جمیعی - طبعة 1974- ص 54)، كما أنه ينطبق علي هذا الاختصاص القواعد العامة في الاختصاص المحلي، ولا عبرة بالحجج التي ساقها أنصار الراي الأول لأن هذه الحجج فاسدة وذلك للأسباب الآتية :
(أ) أن تقرير إعتبار تعلق قاعدة من قواعد الاختصاص بالنظام العام أو عدم تعلقها به معقود بضوابط قانونية محددة ليس من بينها الإرتباط المزعوم بين الاختصاص النوعي والاختصاص المحلى، كما أن مسايرة منطق هذا الراى تؤدى إلى تعلق الاختصاص المحلى بالنظام العام في كل حالة يكون فيها الاختصاص لغير محكمة موطن المدعى عليه وهذا غير صحيح، كما أنه من المنصور بناء على هذا الرأي أن يقال في جميع الأحوال وليس فقط بصدد الاختصاص المحلي لمحكمة التنفيذ أن الاختصاص المحلي لأي محكمة يتصل بحكم وظيفتها ويندمج في اختصاص النوعي ويأخذ حكمه وبهذا يصبح الاختصاص المحلى متعلقاً بالنظام العام قولاً واحداً وهو ما لم يقل به حتى أنصار الرأي الأول أنفسهم.
(ب) أن تشبيه الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بالاختصاص المحلي للمحكمة التي أصدرت الحكم بالنسبة لطلب تفسيره أو تصحيحه يعد قياساً مع الفارق، وكذا التشبيه باختصاص محكمة الإفلاس بمسائله، لأن الاختصاص في هذه الحالات يتصل بذات قواعد التنظيم القضائي وتبعية المحاكم بعضها للبعض الآخر.
(ج) أن الرأي الأول لا يمكن أن يتفق مع الحالات التي يعطى فيها طالب التنفيذ حرية الاختيار بين أكثر من محكمة (عزمى عبدالفتاح - الرسالة السابقة - ص 370)، كما هو الشأن في الحالة المنصوص عليها في المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والتي خيرت طالب التنفيذ بين الالتجاء إلى قاضي التنفيذ الذي يجري التنفيذ في نطاق اختصاصه المكاني أو الإلتجاء إلى المحكمة التي أصدرت الحكم كذلك، فإنه لا يتفق مع الحالات التي يعقد فيها المشرع الاختصاص إلى محكمة موطن المدعى عليه رغم تعلق الأمر بمنازعة التنفيذ كما هو الحال في المادة 335 التي تسند الاختصاص بنظر الدعوى إلى قاضي التنفيذ الذي يقع في نطاق اختصاصه موطن المحجوز عليه، وذلك على خلاف القاعدة العامة في الاختصاص المحلي لحجز ما للمدين لدى الغير وكما هو الشأن في منازعات التنفيذ التي تثور قبل البدء في التنفيذ، إذ ينعقد الاختصاص المحكمة موطن المدعى عليه، ولذلك فإن البعض (محمد عبدالخالق - الطبعة الثانية سنة 1974 - ص 204 - 205) من أنصار هذا الرأي القائل بتعلق الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بالنظام العام، قد عادوا وقرروا أنه من الأسلم عدم اعتبار الاختصاص متعلقاً بالنظام العام في هذه الحالات التي ذكرناها آنفا .
أما الرأي الثالث فإن أنصاره يقررون تعلق الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بالنظام العام كقاعدة عامة ولكنهم يربطون هذا الأمر بإشراف قاضي التنفيذ على الإجراءات (أمينة النمر - طبعة 1971 - بند 18 ص 27، 28). فبعد أن يناط بقاضي تنفيذ معين مهمة الإشراف على التنفيذ وبعد أن يفتح لهذا التنفيذ بالنظام العام، أما قبل ذلك فإن الأمر لا يتعلق بالنظام العام أي أن تحديد قاضي التنفيذ المختص محلياً لا يتعلق بالنظام العام ولا يكون الأمر متعلقاً به إلا بعد تحديد قاضي التنفيذ وقيامه بالإشراف على الإجراءات، وهذا الرأي يقتضى إعمال اتفاق الطرفين إذا تم قبل تحديد قاضي التنفيذ المختص محلياً بالإشراف على التنفيذ وبدئه فعلاً في مباشرة أعماله، أما إذا كان قد تم هذا التحديد فلا يجوز الإتفاق على منح الاختصاص المحلي لقاض آخر من قضايا التنفيذ، ولكن هذا الرأي غير صحيح فقد انتقده الفقه (محمد عبدالخالق مر - طبعة - 1977 - بند 58 ص 51 عزمي عبدالفتاح - الرسالة السابقة . ص 271 - ص 273 ). بحق لأسباب متعددة فأولاً هذا الرأي يفتقر إلى أساس قانوني واضح، وثانياً يؤدى هذا الرأي إلى صعوبات عملية من حيث تحديد الوقت الذي يمكن الجزم فيه بأن قاضي التنفيذ قد عين للإشراف على التنفيذ وبحيث يصبح الاختصاص متعلقاً بالنظام العام، ولذلك لا يمكن التسليم باعتبار الاختصاص متعلقاً بالنظام العام تارة وغير متعلق به تارة أخرى بناء على أمر يصعب تحديده، وثالثاً ينتقد الفقه هذا الرأی على أساس أنه لا يمكن الأخذ به في حالة المنازعات التي تثور قبل البدء، في التنفيذ. كما لو تقدم طالب التنفيذ إلى محكمة التنفيذ لتوقيع الحجز فامتنع الحضر دون سبب أو استشعر الغير احتمال التنفيذ على أمواله فاستشكل فيه قبل أن يبدأ، ففي هذه الحالات يحدد الاختصاص المحلى وفقاً للقاعدة العامة الواردة في المادة 49، والتي تجعل الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه، فإذا بدأ التنفيذ بعد ذلك فهل هذا يعني أن يظل قاضي التنفيذ الذي يقع موطن المدعى عليه في دائرة اختصاصه هو المختص بالإشراف على إجراءات التنفيذ والفصل في منازعاته دون القاضي الذي يقع المال المنفذ عليه في نطاق اختصاصه الجغرافي؟ لاشك أن المشرع لم يقصد ذلك عندما نظم قواعد الاختصاص المحلي، ورابعا ينتقد الفقه بحق هذا الرأي على أساس أنه يقضي بتحريم الإتفاق الذي يعقده الخصوم، ويكون من شانه عقد الاختصاص حتى ولو للمحكمة المختصة محلياً طبقاً للمادة 276 أي محكمة التنفيذ التي تقع الأموال المراد التنفيذ عليها في دائرتها وفي ذلك مخالفة لقصد الشارع من عقد الاختصاص للقاضي التي تقع الأموال المراد التنفيذ عليها في نطاق اختصاصه الجغرافي.
إذن هذا الرأي الأخير منتقد فهو في جملته يؤدي إلى نتائج غريبة لا تتفق مع الأغراض التي ابتغاها المشرع من تنظيم قواعد الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ، وهو يماثل الرأي الأول القائل بتعلق هذا الاختصاص بالنظام العام فيما وصل إليه من نتائج، ولذلك فإن الرأي الجدير بالتأييد هو الرأي الثاني القائل بعدم تعلق الاختصاص المحلي لقاضي التنفيذ بالنظام العام فهذا الرأي هو الذي يتفق مع التنظيم التشريعي لهذا الاختصاص.(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء : الخامس، الصفحة : 826)