مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 186
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - صيغت النصوص (466 – 468) المتعلقة ببيع ملك الغير في المشروع بحيث تنتفي وجوه اللبس التي أثيرت بالنسبة لنصوص التقنين الحالي ، وذلك فيما يأتي :
(1) نص المشروع صراحة (م 632 فقرة أولى ) على أن بطلان بيع ملك الغير بطلان تقرر لمصلحة المشتري دون غيره، والبطلان هنا خاص أنشأه النص ( قارن المشروع الفرنسي الإيطالي م 334 حيث بني البطلان على الغلط ) . ويلاحظ أن البطلان لا يكون إلا إذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات، وقد صرح المشروع بذلك ( Hنظر أيضاً التقنين اللبناني م 385 فقرة أولى ).
(2) ميز المشروع تمييزاً دقيقاً بين حكم بيع ملك الغير فيما بين المتعاقدين، وهو البطلان، وحكمه بالنسبة للمالك الحقيقي، وهو عدم سريان العقد في حقه حتى لو أجاز المشترى (م 632 فقرة 2 من المشروع).
(3) ميز المشروع تمييزاً دقيقاً كذلك بين إجازة المشتري، وهذه أثرها مقصور على تصحيح العقد، وإجازة المالك الحقيقي، وأثرها لا يترتب عليه تصحيح العقد وحده، بل كذلك سريانه، في حق هذا المالك (م 633 فقرة 1 من المشروع )، ويضيف المشروع (633 فقرة 2) أن انتقال ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد يصحح البطلان، فتنتقل الملكية من البائع إلى المشتري .
(4) حسم المشروع خلافاً فيما يتعلق بحكم بيع ملك الغير إذا كان العقد لم يسجل، فذكر أن البيع باطل قبل التسجيل و بعده (م 632 فقرة أولى )، ولا يجوز القول بغير ذلك ، فإن التسجيل لا يبطل عقداً صحيحاً ولا يصحح عقداً باطلاً .
(5) أزال المشروع غموضاً فيما يتعلق بحق المشترى حسن النية في التعويض إذا حكم بإبطال البيع، فذكر صراحة أن هذا الحق يثبت له حتى لو كان البائع حسن النية (م 634 من المشروع)، وليس في هذا الحكم إلا تطبيق تشریعی لقاعدة الخطأ عند تكوين العقد.
هذا ولم ير المشروع محلاً لإيراد حكم المادة 330 من التقنين المختلط، وهي الخاصة بتعهد شخص ينقل ملكية شيء معين، لأنها مجرد تطبيق للمبادىء العامة، وقد أغفلها التقنين الأهلي من قبل .
2 - وتلاحظ الصلة الوثيقة بين بيع ملك الغير وضمان الاستحقاق، فإن الاستحقاق، إذا كان كلياً، كان هذا هو بيع ملك الغير، إذ يكون قد اتضح أن البائع قد باع شيئاً ملوكاً لأجنبي، ولذلك تكون أحكام ضمان الاستحقاق مكملة لأحكام بيع ملك الغير، ويترتب على ذلك أن المشتري، في بيع ملك الغير، يكون بالخيار، إذا استحق المبيع في يده، بين فسخ البيع أو إبطاله أو الرجوع بضمان الاستحقاق، ويلاحظ أنه إذا اختار الفسخ فليس له أن يطالب البائع حسن النية بتعويض يستطيع أن يطالبه به لو اختار إبطال العقد.
المشروع في لجنة المراجعة :
تليت المادة 632 من المشروع .
واقترح معالي السنهوري باشا إبدال عبارة (ولم يسجل العقد)، الواردة في نهاية الفقرة الأولى بعبارة (سجل العقد أو لم يسجل) لأن أحكام الفقه اختلفت في حكم بيع ملك الغير فرئى الاحتياط بالنص عليه صراحة، فوافقت اللجنة وأصبح النص النهائي ما يأتي :
1 - إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع، ويكون الأمر كذلك ولو وقع البيع على عقار سجل العقد أو لم يسجل .
2 - وفي كل حال لايسرى هذا البيع في حق المالك للعين المبيعة حتى لو أجاز المشتري العقد .
وأصبح رقمها 493 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 493.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة مع تغيير كلمتي "حتى لو" إلى "ولو"، في الفقرة الثانية وأصبح رقها 466 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
1- مؤدى نص المادة 466 والفقرة الأولى من المادة 467 من القانون المدني أن بيع ملك الغير تصرف قابل للإبطال لمصلحة المشترى وحده ، وإذا لم يقره المالك الحقيقي يكون غير نافذ في حقه ولا تنتقل منه الملكية إلى المشترى ولو أجاز الأخير البيع فانقلب صحيحًا ، ويترتب على ذلك أنه إذا سلم البائع المبيع إلى المشترى فإن المالك يستطيع أن يرجع على المشترى بدعوى الاستحقاق ، وأن يرجع على البائع بدعوى التعويض .
( الطعن رقم 7220 لسنة 86 ق - جلسة 13 / 10 / 2019 )
2 ـ تنص المادة 466 من القانون المدنى فى فقرتها الأولى على أنه " إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات لا يملكه جاز للمشترى أن يطلب إبطال العقد " و بفقرتها الثانية على أنه " و فى كل حال لا يسرى هذا البيع فى حق المالك للعين المبيعة و لو أجاز المشترى العقد " و إذ كان بيع الوارث الظاهر هو بيع لملك الغير و كانت عبارة النص واضحة فى عدم سريان بيع ملك الغير فى حق المالك ، فإنه لا يجوز الخروج عن صريح النص بدعوى إستقرار المعاملات ، يؤكد هذا النظر أن القانون عندما أراد حماية الأوضاع الظاهرة وضع لها نصوصاً إستثنائية يقتصر تطبيقها على الحالات التى وردت فيها ، فقد نص القانون المدنى فى المادة 244 على أنه " إذا أبرم عقد صورى فلدائنى المتعاقدين و للخلف الخاص ، متى كانوا حسنى النية أن يتمسكوا بالعقد الصورى كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر و يثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذى أضر بهم ، و إذا تعارضت مصالح ذوى الشأن فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر و يمسك آخرون بالعقد المستتر ، و كانت الأفضلية للأولين " و بالمادة 333 على أنه " إذا كان الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبة ، فلا تبرأ ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن هذا الوفاء أوعدت عليه منفعة منه ، و بقدر هذه المنفعة ، أو تم الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين فى حيازته " و فى المادة 1034 على أنه " يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذى تقرر إبطال سند ملكيتة أو فسخة أو إلغائه أو زواله لأى سبب آخر ، إذا كان هذا الدائن حسن النية فى الوقت الذى أبرم فيه العقد " . إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن بيع الوارث الظاهر صحيح نافذ فى حق الوارث الحقيقى , فإنه يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 401 لسنة 43 جلسة 1979/03/29 س 30 ع 1 ص 980 ق 181)
3 ـ إذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص فى أسباب قضائه برفض طلب الطاعنين محو التسجيل موضوع العقد المشهر برقم 2758 لسنة 2003 شهر عقارى إمبابة إلى أن الشركة البائعة فى العقد المسجل " المطعون ضدها الرابعة " كان قد سبق لها ، وأن باعت الأرض للمدعين " الطاعنين " بعقود عرفية لم تسجل ثم باعتها للبنك المطعون ضده الأول بناء على العقد المسجل سالف الإشارة إليه الأمر الذى يستفاد منه أن العقود الابتدائية الصادرة لصالحهم من الشركة البائعة وهى مجرد عقود عرفية لا ترتب سوى التزامات شخصية معها وتكون الأفضلية عند التزاحم مع عقد شراء البنك المطعون ضده الأول والمشترى من ذات الشركة للعقد المسجل وحده وهو العقد الصادر لصالح الأخير ، كما خلص الحكم رداً على ما أثير من نعى ببطلان العقد سالف الإشارة إليه باعتباره بيعاً لملك الغير ، ذلك أن المشترى فى العقد المسجل هو بنك القاهرة وهو وحده صاحب الحق فى دعوى الإبطال الواردة فى المادة 466 من القانون المدنى ، وكانت الملكية ثابتة بالفعل للشركة البائعة له ، وإن كانت قد تصرفت سابقاً بالبيع للطاعنين الأول والثانى إلا أن عقودهما عرفية لا يعتد بها بما لا يجوز التمسك بهذا البطلان إلا للمالك الحقيقى وهو المشترى بموجب العقد المسجل سالف البيان .
(الطعن رقم 13544 لسنة 81 جلسة 2013/12/26)
4 ـ لئن كان من المقرر عملاً بالمادة 466 من القانون المدنى أنه إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه ، جاز للمشترى أن يطلب إبطال البيع ، ولا يسرى هذا البيع فى حق المالك للعين المبيعة ، إلا أنه إذا أقر المالك البيع سرى العقد فى حقه وانقلب صحيحاً فى حق المشترى على ما تقضى به الفقرة الأولى من المادة 467 من ذات القانون .
(الطعن رقم 725 لسنة 72 جلسة 2003/03/12 س 54 ع 1 ص 462 ق 81)
5 ـ الفقرة الأولى من المادة 466 من القانون المدنى تنص على أنه إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات لا يملكه جاز للمشترى أن يطلب إبطال البيع ، و أن المادة 485 من القانون المدنى تنص على أنه يسرى على المقايضة أحكام البيع بالقدر الذى تسمح به طبيعة المقايضة و يعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشىء الذى قايض به و مشترياً للشىء الذى قايض عليه ، كما حددت الفقرة الأولى من المادة 140 من القانون المدنى مدة سقوط الحق فى الإبطال فى حالات حددتها على سبيل الحصر و هى حالات نقص الأهلية و الغلط و التدليس و الإكراه بثلاث سنوات أما فى غير هذه الحالات فإن مدة تقادم الحق فى إبطال العقد وعلى ما إستقر عليه قضاء هذه المحكمة لا تتم إلا بمضى خمسة عشر سنة من تاريخ إبرام العقد.
(الطعن رقم 841 لسنة 51 جلسة 1985/06/30 س 36 ع 2 ص 922 ق 191)
6 ـ تنص المادة 466 من القانون المدنى فى فقرتها الأولى على أنه " إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات و هو لا يملكه جاز للمشترى أن يطلب إبطال العقد " ، كما تقضى الفقرة الثانية بعدم سريان هذا البيع فى حق المالك للعين المبيعة ، و إذ كان الطاعن قد أقام دعواه أمام محكمة أول درجة طالباً الحكم بإبطال عقد البيع الصادر من المطعون عليه الأول إلى المطعون عليهما الثانى و الثالث إستناداً إلى أن الأطيان المبيعة ملك الطاعن دون البائع و تمسك الطاعن فى صحيفة دعواه بنص المادة المذكورة بفقرتيها ، فإن التكييف القانونى السليم للدعوى هو أنها أقيمت بطلب الحكم بعدم سريان العقد محل النزاع فى حق الطاعن ، و إذ كيف الحكم المطعون فيه الدعوى بأنها دعوى إبطال عقد البيع و ذهب إلى أن طلب عدم سريان البيع بالنسبة للطاعن هو طلب جديد لا يقبل فى الإستئناف لعدم تقديمه إلى محكمة الدرجة الأولى فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 120 لسنة 39 جلسة 1977/11/10 س 28 ع 2 ص 1659 ق 285)
7 ـ الفقرة الأولى من المادة 466 من القانون المدني تنص على أن "إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع......." وتنص الفقرة الأولى من المادة 140 من القانون ذاته على أن "يسقط الحق فى إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات"، مما مؤداه أن للمشتري - وخلفه العام من بعده - طلب إبطال عقد البيع إذا تبين أن البائع له لا يملك المبيع وتسقط الدعوى بهذا الطلب بإنقضاء ثلاث سنوات من وقت علم المشتري أو خلفه بأن البائع لا يملك المبيع.
(الطعن رقم 2383 لسنة 67 جلسة 1999/06/08 س 50 ع 2 ص 803 ق 158)
8 ـ التملك بالتقادم الخمسى يستلزم أن يكون السبب الصحيح الذى يستند إليه الحائز سنداً صادراً من غير مالك فإذا كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى إلى أن المساحة الزائدة فى أرض الطاعنين لا يشملها عقد البيع الصادر إليهم من البائع لهم فلا يمكن إعتبار هذا العقد سبباً صحيحاً بالنسبة لهذه المساحة وإنما يعتبر الطاعنون غاصبين لها ولا يستفيدون من التقادم الخمسى .
(الطعن رقم 319 لسنة 33 جلسة 1967/05/18 س 18 ع 2 ص 1030 ق 154)
9 ـ بطلان بيع ملك الغير مقرر لصالح المشترى فيما لم بستعمله بالفعل بقى عقد البيع قائماً منتجاً لآثاره تثبت فيه الشفعة ثبوتاً فى كل بيع تم مستوفياً لأركانه و لو حمل سبباً لبطلانه و يحل فيه الشفيع محل المشفوع منه فى جميع حقوقه و إلتزاماته لا يملك تعديله أو تبعيض محله ، و لو تبين أن المبيع كله أو بعضه مملوك للغير مما محله الرجوع على البائع لا تفريق الصفقة . و لما كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد قضى بالأحقية فى الشفعة مقصورة على بعض المبيع و حمل قضاءه على ما أنبأ به من أن البائعة لا تملك مما بيع غير مساحة ..... و أن البيع فيما خلا ذلك قد وقع على ما يملكه الغير مما هو غير جائز إلا بأجازته ، و لم يجزه . فلا تجوز الشفعة فيه فإنه يكون قد خالف القانون و أخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 961 لسنة 47 جلسة 1979/01/10 س30 ع 1 ص 173 ق 43)
10 ـ لئن كان صحيحاً أن تسجيل عقد البيع لا ينقل الملكية إلى المشترى إلا إذا كان البائع مالكاً لما باعه إلا أن بيع ملك الغير قابل للإبطال لمصلحة المشترى وحده و لا يسرى فى حق المالك الحقيقى و لهذا المالك أن يقر البيع فى أى وقت فيسرى عندئذ فى حقه و ينقلب صحيحاً فى حق المشترى . كما ينقلب العقد صحيحاً فى حق المشترى إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد . فإذا كان الطاعنون - ورثة المشترى فى عقد بيع ملك الغير - قد طلبوا ثبوت ملكيتهم إستنادا إلى هذا العقد المسجل فإنهم يكونون بذلك قد أجازوا العقد و لا يكون بعد لغير المالك الحقيقى أن يعترض على هذا البيع و يطلب عدم سريانه فى حقه و من ثم فلا يكفى لعدم إجابة الطاعنين إلى طلبهم أن يثبت المدعى عليهم المنازعون لهم أن البائع لمورث الطاعنين غير مالك لما بأعه بل يجب أن يثبتوا أيضا أنهم هم أو البائع لهم الملاك لهذا البيع إذ لو كان المالك سواهم لما قبلت منهم هذه المنازعة .
(الطعن رقم 189 لسنة 33 جلسة1968/04/18 س 19 ع 2 ص 780 ق 113)
11 ـ لما كان عقد البيع يرتب فى ذمة البائع التزاما بنقل ملكية المبيع إلى المشترى وكان بيع ملك الغير لا يؤدى لذلك لأن فاقد الشئ لا يعطيه فقد أجاز المشرع فى المادة1/466من القانون المدنى للمشترى دون غيره طلب إبطال هذا البيع من غير أن ينتظر حتى يتعرض له المالك الحقيقى فعلا برفع دعوى الضمان على البائع إلا أن هذا الحق للمشترى لا ينهض له ما يبرره إذا ما أقر المالك الحقيقى البيع حيث يترتب عليه نقل الملكية منه إلى المشترى وكذلك فى حالة صيرورة البائع مالكا للمبيع بعد العقد وهو ما قننته المادة467من القانون المدنى بفقرتها إذ فى هاتين الحالتين زال العائق الذى كان يحول دون نقل الملكية إلى المشترى بهذا البيع، مما ينبنى عليه كذلك أنه إذا أصبح انتقال الملكية إلى البائع ممكنا فإن إبطال البيع فى هذه الحالة يتعارض مع المبدأ القاضى بتحريم التعسف فى استعمال حق الإبطال إذ لم يعد للمشترى مصلحة بعد ذلك فى التمسك بالإبطال.
(الطعن رقم 3552 لسنة 58 جلسة 1996/04/18 س 47 ع 1 ص 674 ق 126)
12 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه برد ما دفعه المطعون عليهما من ثمن الأطيان المبيعة لهما من الطاعن الذي آلت إليه بمقتضى عقد مقايضة بينه وبين المتصرف [الخاضع لأحكام قانون الإصلاح الزراعي] وببطلان عقد البيع بدعوى وقوعه على ملك الغير، تأسيساً على أنه لم يثبت أن المتصرف الصادر منه عقد البدل للبائع قد اختار هذه الأطيان ضمن ما اختاره من أملاكه دون أن يتثبت الحكم من أن هذه الأطيان قد استولى عليها من جهة الإصلاح الزراعي، وكان ما استند إليه الحكم لا يفيد بذاته أن القدر المتبادل عليه الذي بيع للمطعون عليهما يدخل فيما استولى عليه، فإن الحكم يكون قد خالف القانون وشابه قصور مما يستوجب نقضه.
(الطعن رقم 325 لسنة 26 جلسة 1962/05/03 س 13 ع 1 ص 565 ق 85)
13 ـ لئن كان بيع الشريك المشتاع لقدر مفرز من نصيبه لا ينفذ فى حق باقى الشركاء بل يظل معلقاً على نتيجة القسمة ، إلا أنه يعتبر صحيحاً و نافذاً فى حق الشريك البائع و منتجاً لآثاره القانونية على نفس المحل المفرز المتصرف فيه قبل القسمة أما بعد القسمة فإستقرار التصرف على ذات المحل رهين بوقوعه فى نصيب الشريك البائع فإن وقع فى غير نصيبه ورد التصرف على الجزء الذى يقع فى نصيبه نتيجة للقسمة . و ينبنى على ذلك أنه إذا سجل المشترى لقدر مفرز من الشريك المشتاع عقد شرائه ، إنتقلت إليه ملكية هذا القدر المفرز فى مواجهة البائع له فى فترة ما قبل القسمة بحيث يمتنع على البائع التصرف فى هذا القدر إلى الغير ، فإن تصرف فيه كان بائعاً لملك الغير فلا يسرى هذا البيع فى حق المالك الحقيقى و هو المشترى الأول الذى إنتقلت إليه ملكية هذا القدر من وقت تسجيل عقد شرائه .
(الطعن رقم 182 لسنة 40 جلسة 1975/02/17 س 26 ع 1 ص 402 ق 83)
14 ـ بطلان بيع ملك الغير - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقرر لمصلحة المشترى ، و له دون غيره أن يطلب إبطال العقد ، كما له أن يجيزه ، و إذا طالب البائع بتنفيذ إلتزاماته يعد هذا إجازة منه للعقد ، و لما كان الطاعن رغم علمه بعدم ملكية المطعون عليهم و مورثهم من قبلهم لقطعة الأرض الثانية طلب رفض دعوى فسخ العقد بالنسبة لهذه الأرض ، فيكون قد أجاز العقد و يحق مطالبته بتنفيذ إلتزاماته الناشئة عنه .
(الطعن رقم 1972 لسنة 49 جلسة 1983/04/20 س 34 ع 1 ص 1022 ق 204)
15 ـ لا يمثل البائع المشترى منه فيما يقوم على العقار المبيع من نزاع بعد تسجيل عقد البيع ومن ثم فالحكم الصادر ضد بالبائع بإعتباره غير مالك للعين المبيعة لا يعتبر حجة على المشترى الذى سجل عقد شرائه قبل صدور هذا الحكم ولم يختصم فى الدعوى .
(الطعن رقم 330 لسنة 30 جلسة 1965/10/28 س 16 ع 3 ص 929 ق 147)
16 ـ اذا كانت الواقعة التي لا نزاع فيها بين طرفي الخصوم هي أن المدعى عليه تبادل فى أطيان مع المدعية (مصلحة الأملاك) فأعطاها فيما أعطى أرضاً تبين لها وقت التسليم أنه كان قد تصرف فيها بالبيع منذ ثلاث سنوات سابقة على البدل، فهذه الواقعة هي بيع من غير مالك. وإذن فدعوى المطالبة بقيمة الأطيان الناقصة يجب أن يكون أساسها التضمين عن بيع ملك الغير. ولكن إذا كان المفهوم من الحكم أنه قد اعتبر الدعوى من أحوال الاستحقاق فطبق فيها المادة 312 مدني وقضى بإلزام المدعى عليه بقيمة ما نقص من مقابل البدل فإن هذا الحكم يكون خاطئاً فى السبب القانوني الذي بنى عليه. إلا أن هذا الخطأ لا يقبل الطعن به ما دامت النتيجة التي انتهى إليها الحكم صحيحة، إذ أن المادة الواجبة التطبيق (وهى المادة 265) تنص على إلزام البائع بالتضمينات، وهذه لا يمكن أن تكون أقل من الثمن المدفوع وقت التعاقد.
(الطعن رقم 45 لسنة 9 جلسة 1940/03/14 س ع ع 3 ص 133 ق 43)
17 ـ إنه و إن كان لا يجوز طلب إبطال بيع ملك الغير إلا للمشترى دون البائع له إلا أن المالك الحقيقى يكفيه أن يتمسك بعدم نفاذ هذا التصرف فى حقه أصلاً إذا كان العقد قد سجل أما إذا كانت الملكية مازالت باقية للمالك الحقيقى لعدم تسجيل عقد البيع فإنه يكفيه أن يطلب طرد المشترى من غيره لأن يده تكون غير مستندة إلى تصرف نافذ فى مواجهته و أن يطلب الريع عن المدة التى وضع المشترى فيها يده على ملك غير البائع له . إذ كان ذلك ، و كان هذا هو عين ما طلبه الطاعنون فى الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض طلباتهم على أساس أنه كان يتعين عليهم أن يطلبوا الحكم بإسترداد العقار أولاً دون أن يتصدى لبحث عناصر دعواهم و ما إذا كانت ملكيتهم للقدر المطالب بطرد المطعون ضده منه و بريعه ثابتة من عدمه فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون و شابه قصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 98 لسنة 46 جلسة 1979/01/24 س 30 ع 1 ص 363 ق 71)
18 ـ عقد بيع ملك الغير - إلى أن يتقرر بطلانه بناء على طلب المشترى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يبقى قائماً منتجاً لآثاره بحيث يكون للمشترى أن يطالب البائع بتنفيذ ما يترتب على العقد بمجرد إنعقاده و قبل تسجيله من حقوق و إلتزامات شخصية ، و تنتقل هذه الحقوق و تلك الإلتزامات من كل من الطرفين إلى وارثه ، فيلتزم وارث البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشترى أو إلى وارثه ، كما يلتزم بضمان عدم التعرض للمشترى فى الإنتفاع بالمبيع أو منازعته فيه .... و هذا البيع ينقلب صحيحاً فى حق - المشترى - بأيلولة ملكية المبيع إلى - البائع أو ورثته - بعد صدور العقد عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 467 من القانون المدنى.
(الطعن رقم 1618 لسنة 50 جلسة 1985/12/25 س 36 ع 2 ص 1192 ق 245)
19 ـ من المقرر تطبيقاً لنص المادتين 466، 467 من القانون المدني أن بيع ملك الغير غير نافذ فى حق المالك الحقيقي الذي لم يجزه وأن بطلانه مقرر لمصلحة المشترى وحده فلا يكون لغيره أن يطلب إبطاله وطالما لم يطلب البطلان صاحب الحق فيه فإن عقد البيع يبقى قائماً منتجاً لآثارة بين طرفيه بل ينقلب العقد صحيحاً فى حق المشترى إذا آلت ملكيه المبيع إلى البائع. بعد صدور العقد ومن ثم فإن من مقتضى تمسك المشترين بقيام العقد فى بيع ملك الغير يظل العقد صحيحاً منتجاً لآثارة القانونية بين المتعاقدين ومن بينها التزام البائع بضمان عدم التعرض وهو التزام أبدى لا يسقط عنه فلا يقبل من هذا البائع إذا ما تملك البيع بطريق الإرث بعد إبرام العقد أن يطلب فى مواجهة المشترى بثبوت هذه الملكية وتسليمه المبيع لما فى ذلك من مناقضة وإخلال بالتزامه بالضمان.
(الطعن رقم 1920 لسنة 55 جلسة 1988/06/16 س 39 ع 2 ص 1051 ق 174)
20 ـ إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى خطأ الطاعنين الأول والثانى بما أورده بمدوناته " فإذا كان ما تقدم وقام المستأنف عليه الأول – الطاعن الأول – بمخالفة شروط ترخيص بناء هذه الأرض حال كون المستأنفة – المطعون ضدها – آنذاك تعمل بالخارج بالمملكة السعودية مما دعا قلم التنظيم بحى أول طنطا إلى تحرير محضر بتلك المخالفة برقم ..... قضى فيها بحبس كل منهما ثلاثة أشهر مع الشغل ، وحين استأنفت هذا القضاء قضى ببراءتها مما أسند إليها ، ثم قام بعد ذلك باغتصاب كامل العقار وتصرف فيه بالبيع لشقيقه المستأنف عليه الثانى – الطاعن الثانى – فحرر له عقداً بذلك مؤرخاً 1/4/1995 فاستحصل الأخير بشأنه على حكم بصحة توقيع المستأنف عليه الأول – الطاعن الأول – كبائع بالدعوى رقم .... لسنة 1995 كلى مدنى طنطا حيث مثل بجلسة 30/4/1995 وأقر قضائياً بصحة توقيعه على عقد بيعه لكامل العقار لشقيقه المستأنف عليه الثانى – الطاعن الثانى - فباع بذلك ملك غيره على خلاف الواقع ، ثم تمادى فى مسلسل اغتصابه لحق المستأنفة – المطعون ضدها – ومنعها من الانتفاع بملكها مما دعاها إلى تحرير محضر بتلك الواقعة تحت رقم .... لسنة 1998 إدارى قسم أول طنطا وقد صدر قرار النيابة بتمكينها من الانتفاع وحيازة العقار فكان ذلك مجتمعاً من المستأنف عليه الأول والثانى – الطاعنين – خطأ يوجب مسئوليتهما عما ينشأ عنه من أضرار أصابت المستأنفة ." وإذ كانت هذه الأفعال التى ساقها الحكم المطعون فيه بمدوناته على النحو سالف البيان تمثل بحق خطأ فى جانب الطاعن الأول إلا أنها لا تعد كذلك بالنسبة للطاعن الثانى ، ولا ينال من ذلك قيام الأخير بشراء نصيب المطعون ضدها فى عقار النزاع من شقيقه الطاعن الأول ، ذلك أن شراء ملك الغير لا يعد بمجرده خطأ يستوجب التعويض عنه ، لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه قد نسب إلى الطاعن الثانى خطأ لم يستظهر مصدره فيكون مشوباً بالقصور .
(الطعن رقم 1529 لسنة 70 جلسة 2004/01/27 س 55 ع 1 ص 156 ق 30)
21 ـ إذا ضمن الكفيل للمشترى نقل ملكية العين التى اشتراها ثم تملك الضامن هذه العين بعقد صادراً له من بائعها فإنه يكون للمشترى بمقتضى هذا الضمان أن يطالب الضامن بهذه العين بعد أن آلت إليه ملكيتها لأته متى صحت الكفالة لا تبرا ذمة الكفيل المتضامن من التزامه نحو الدائن إلا بانقضاء هذا الالتزام بإحدى وسائل الانقضاء التى حددها القانون ومن ثم لا يقبل من الكفيل أن يواجه الدائن بما ينطوى على إنكار حقه فى اقتضاء الوفاء منه بحجة أنه أصبح شخصياً المالك للشيء محل الالتزام دون المدين الأصلى سواء كان هذا الإنكار صريحاً فى صورة دفع لدعوى الدائن التى يطالبه فيها بالوفاء أو ضمناً فى صورة دعوى يرفعها هذا الكفيل ضد الدائن بثبوت ملكيته لهذا الشيء بما يعنى معارضة حق الدائن، إذ أن من التزم بالضمان امتنع عليه التعرض ومن يضمن نقل الملكية لغيره لا يجوز له أن يدعيها لنفسه.
(الطعن رقم 5083 لسنة 63 جلسة 1995/01/29 س 46 ع 1 ص 270 ق 53)
ما يخرج من منطقة بيع ملك الغير : فبيع ملك للغير لا بد أن يكون بيعاً لعين معينة بالذات ليست مملوكة للبائع، فيخرج إذن من منطقة بيع الغير العقود الآتية :
أولاً - بيع الشيء غير المعين بالذات وبيع الشيء المستقبل : فإذا باع شخص مائة أردب من القمح، وكذلك إذا باع شخص شيئاً لم يوجد بعد ولكنه سيوجد في المستقبل، لم يكن هذا بيعاً لملك الغير، ولو أن البائع وقت أن باع لم يكن مالكاً للمبيع، ذلك أن المبيع لم يعين بذاته، فلا يمكن أن يقال إن البائع مالك له أو غير مالك، ولا يقال لك إلا عندما يتعين بالذات . أما في هذه المرحلة ، والمبيع لميتعين بالذات ، فإن البائع يقتصر على الالتزام بنقل ملكية المبيع وهو قابل للتعيين . وعلى البائع تعيينه إذا كان موجوداً ، أو إيجاده إذا كان لم يوجد ، ثم ينقل ملكيته للمشتري.
ثانياً – تعهد الشخص عن مالك الشيء بأن المالك يبيع الشيء لشخص آخر : فهذا ليس بيع ملك الغير لأن المتعاقد لا يبيع ملك غيره، وإنما هو تعهد عن المالك في أن يبيع، فيكون تعهداً عن الغير، وقد بسطنا أحكام هذا الضرب من التعاقد في الجزء الأول من الوسيط .
ثالثاً - بيع الشيء المعين بالذات غير المملوك للبائع إذا علق البائع البيع على شرط أن يملك المبيع : فالبائع هنا لم يلتزم بنقل ملكية المبيع التزاماً باتاً، بل علق التزامه على شرط واقف هو أن يملك المبيع، وليس هذا بيع ملك الغير، فالبائع والمشتري متفقان على أن البيع ليس ببات، بل هو معلق على شرط، فإذا تحقق هذا الشرط، وأصبح البائع مالكاً للمبيع، انتقلت الملكية إلى المشتري وإذا لم يتحقق الشرط سقط البيع. .
رابعاً - بيع الشيء المعين بالذات المملوك للبائع تحت شرط : فهنا البائع لم يبع ملك غيره ، بل باع ملك نفسه وإن كان هذا الملك غير بات، فهو إما ملك معلق على شرط واقف فيتوقف وجوده على تحقق الشرط، وإما ملك معلق على شرط فاسخ فيزول إذا تحقق الشرط، وفي كلتا الحالتين ينتقل الملك بوصفه إلى المشتري، فيكون هذا مالكاً للمبيع تحت شرط واقف أو تحت شرط فاسخ، فإذا تحقق الشرط الواقف أو لم يتحقق الشرط الفاسخ أصبحت ملكية المشتري باتة، وتختلف هذه الصورة عن الصورة السابقة في أن البيع هنا بات وملكية المبيع هي المعلقة على شرط ، أما في الصورة السابقة فالبيع هو المعلق على شرط وملكية المبيع باتة.
خامساً – بيع الشيء الشائع : فهنا يبيع الشخص شيئاً يملكه على الشيوع مع شركاء آخرين، فلا يظهر في البداية أنه يبيع ملك غيره، ولكن يتوقف الأمر على نتيجة القسمة ، فإن وقع هذا الشيء كله في حصة البائع اعتبر أنه قد باع ملكه ، وإن لم يقع في حصته اعتبر بائعاً لملك الغير.
سادساً - بيع الوارث الظاهر : وهذا إذا كان في حقيقته بيعاً لملك الغير لأن الوارث الظاهر لا يملك المبيع ، إلا أن هناك اعتبارات ترجع إلى الاستقرار الواجب للتعامل تجعل بيع الوارث الظاهر صحيحاً نافذاً في حق الوارث الحقيقي، ومن ثم يتملك المشتري المبيع ، فلا يعود في حاجة إلى الحماية التي أولاها القانون للمشتري في بيع ملك الغير.
فيبقى بعد كل ذلك، في منطقة بيع ملك الغير، بيع الشخص لعين معينة بالذات غير مملوكة له إذا قصد بالبيع نقل الملكية في الحال، ويستوي أن يكون البائع عالماً بأنه لا يملك المبيع أو يعتقد أنه يملكه، كما يستوي أن يكون البيع مساومة أو بيعاً قضائياً، ويستوي في البيع القضائي أن يكون بيعاً جبرياً أو بيعاً اختيارياً.
وبيع ملك الغير، على هذا التحديد، يقع كثيراً في العمل، فالأب قد يبيع ملك ولده، لا باعتباره نائباً عنه، بل باعتباره أصيلاً عن نفسه، والزوج قد يبيع ملك زوجته، والوارث قد يبيع عيناً ليست في التركة، أو في التركة ولكنها لم تقع في حصته، والشريك في الشيوع قد يبيع كل العين الشائعة وهو لا يملك إلا حصته فيها، وواضع اليد على ملك غيره قد يبيع هذا الملك، وكثيراً ما يبيع الناس أموال الغائبين أو أموال الدولة الخاصة، فهذه كلها تعتبر بيوعاً لملك الغير.
وبيع ملك الغير قابل للإبطال.
بيع عقار الغير قابل للإبطال بعد التسجيل وقبله : ويلاحظ أن بيع العقار لا يزال من طبيعته نقل الملكية، سواء سجل أو لم يسجل، فلم يغير قانون التسجيل، ولا قانون الشهر بعده، من طبيعة عقد البيع، ونصوص هذين القانونين صريحة في هذا المعنى، فتنص المادة الأولى من قانون التسجيل على أن " جميع العقود الصادرة بين الأحياء بعوض أو بغير عوض التي من شأنها إنشاء ملكية . . . يجب شهرها بواسطة تسجيلها "، وتنص المادة التاسعة من قانون الشهر على أن " جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية . . يجب شهرها بطريق التسجيل "، فبيع العقار قبل أن يسجل لا يزال من شأنه – أو من طبيعته – نقل الملكية، إذ ينشئ التزاماً بنقلها في جانب البائع، فبيع عقار الغير إذن لا يزال منافياً لطبيعة عقد البيع، ومن ثم فعلة البطلان في البيع غير المسجل موجودة، والنص على البطلان عام شامل لا يميز بين البيع المسجل والبيع غير المسجل، بل إن التقنين المدني الجديد جاء حاسماً في هذا الصدد، فنص صراحة على جواز أن يطلب المشتري إبطال بيع عقار الغير ولو لم يسجل البيع ، إذ يقول في نهاية الفقرة الأولى من المادة 466 : " ويكون الأمر كذلك (أي يجوز للمشتري طلب إبطال البيع) ولو وقع البيع على عقار، سجل العقد أو لم يسجل "، وما دامت علة البطلان موجدة، وما دام النص المنشئ للبطلان عاماً يشمل العقد المسجل والعقد غير المسجل، وجب القول إن بيع عقار الغير يكون قابلاً للإبطال قبل تسجيله ، ويبقى بطبيعة الحال قابلاً للإبطال بعد التسجيل.
ولا يمكن القول بأن بيع عقار الغير صحيح قبل التسجيل، قابل للإبطال بعده، فإن التسجيل لا يبطل عقداً صحيحاً ولا يصح عقداً صحيحاً ولا يصح عقداً باطلاً، فلو كان بيع عقار الغير صحيحاً قبل التسجيل فإنه ينبغي أن يستمر صحيحاً بعده، ولما كان بيع عقار الغير قابلاً للإبطال قبل التسجيل، فإنه يجب أن يستمر قابلاً للإبطال بعد التسجيل .
كذلك لا يمكن القول بأن بيع ملك الغير حتى يكون باطلاً يجب أن يكون المقصود بالبيع نقل الملكية في الحال ، والبيع غير المسجل لا ينقل الملكية في الحال، فبيع عقار الغير صحيح قبل التسجيل، ويبقى صحيحاً بعد التسجيل لأن التسجيل آل يبطل عقداً صحيحاً، ذلك أنه يجوز أن يقصد المتعاقدان نقل الملكية في الحال، ولكنها لا تنتقل فعلاً لسبب لا يرجع إلى إرادتهما، ففي حالة البيع غير المسجل لا يزال المتعاقدان يقصدان نقل الملكية في الحال، ولكن يحول دون ذلك ضرورة التسجيل وهو وضع اقتضاه القانون لا إرادة المتعاقدين، فتبقى علة البطلان - وهي قصد نقل الملكية في الحال - متوافرة في بيع عقار الغير قبل التسجيل، فيكون هذا البيع باطلاً للإبطال، وقد ورد نص التقنين المدني الجديد (م 1/466) صريحاً في هذا المعنى.
أحكام هذا البيع : (أولاً) فيما بين المتعاقدين (ثانياً) بالنسبة إلى المالك الحقيقي.
أولاً – فيما بين المتعاقدين :
المشتري وحده هو الذي يجوز له طلب إبطال البيع : لما كان بيع ملك الغير قابلاً للإبطال لمصلحة المشتري، فالمشتري وحده هو الذي يجوز له طلب إبطال البيع (م 466 / 1 مدني)، وله أن يتمسك بإبطال البيع، إما في صورة دعوى إبطال يرفعها على البائع ليسترد منه الثمن أو ليستبق ضمان الاستحقاق، وإما في صورة دفع يدفع به دعوى البائع إذا طالبه هذا بالثمن.
وفي الحالة الثانية، إذا كان المشتري يجهل أن البائع لا يملك في الشيوع، فقد وقع في غلط جوهري متعلق بالعين المبيعة، إذا كان يعتقد أنها مملوكة للبائع دون شريك، فيكون البيع في حصة الشريك البائع بيعاً مشوباً بغلط جوهري، وفي حصص سائر الشركاء بيع ملك الغير، ومن ثم يكون قابلاً للإبطال في كل المبيع، ويجوز إذن للمشتري، قبل القسمة، طلب إبطال البيع، لا في حصص الشركاء الآخرين فحسب، بل أيضاً في حصة الشريك البائع، وهذا ما تنص عليه صراحة العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 826 مدني ، إذ تقول : " وللمتصرف إليه، إذا كان يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها مفرزة، الحق في إبطال التصرف "، ولكن إذا حصلت القسمة قبل أن يطلب المشتري إبطال البيع ، فوقع الجزء المفرز المبيع في نصيب البائع، اعتبر أنه مالك له وقت البيع بفضل الأثر الكاشف للقسمة، فخلصت ملكيته للمشتري، وانقلب البيع صحيحاً، فلم يعد للمشتري الحق في طلب إبطال البيع، وإذا كان بيع ملك الغير ينقلب صحيحاً بصيرورة البائع مالكاً للمبيع بعد البيع، فأولى أن ينقلب البيع في الحالة التي نحن بصددها صحيحاً وقد اعتبر البائع مالكاً للمبيع وقت البيع، أما إذا لم يقع الجزء المفرز المبيع في نصيب البائع، فإن المشتري يستبقى حقه في طلب إبطال البيع، ولا يجبر على أخذ الجزء المفرز الذي وقع فعلاً في نصيب البائع، لأن الحلول العيني وفقاً للمادة 826 مدني لا يكون إلا حيث يعلم المشتري وقت البيع أن البائع لا يملك في الجزء المفرز إلا حصة في الشيوع.
بيع الشريك كل المال الشائع : وإذا باع الشريك كل المال الشائع ، وكان المشتري وقت البيع يعتقد أن المال مملوك للبائع وحده، فإن البيع يكون قابلاً للإبطال في حصة الشريك البائع للغلط الجوهري، وفي حصص سائر الشركاء لأن بيع الشريك لها هو بيع لملك الغير.
فإذا كان المشتري يعلم وقت البيع أن للبائع شركاء في المال المبيع، ولم يستطع البائع أن يستخلص ملكية كل هذا المال، كان للمشتري الحق في طلب فسخ البيع، فإن وقع جزء مفرز من المال المبيع في نصيب البائع عند القسمة، كان للمشتري الحق إما في أخذه مع دفع ما يناسبه من الثمن، وإما في فسخ البيع لتفرق الصفقة، وإذا استطاع البائع استخلاص ملكية المبيع، كأن حصل على إقرار الشركاء للبيع أو اشترى حصصهم أو انتقلت إليهم هذه الحصص بأي سبب آخر من أسباب انتقال الملكية، لم يعد للمشتري الحق في طلب فسخ البيع، إذ تنتقل إليه من البائع ملكية كل المال المبيع ولا تتفرق عليه الصفقة.
وللمشتري أن يجيز البيع – دعوى الفسخ وضمان الاستحقاق : على أن المشتري قد لا يطلب إبطال البيع، بل يجيزه صراحة أو ضمناً، فينقلب البيع صحيحاً، ويبقى منشئاً لالتزامات في جانب البائع والتزامات في جانب المشتري، ولكن البيع على هذا النحو لا ينقل ملكية المبيع إلى المشتري، لأن المالك الحقيقي وهو أجنبي عن العقد لا تنتقل منه الملكية إلا برضائه، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 466 مدني إذ تقول : " وفي كل حال لا يسرى هذا البيع في حق المالك للعين المبيعة ، ولو أجاز المشترى العقد ".
وإجازة المشتري للعقد تزيل قابليته للإبطال، وتقلبه صحيحاً فيما بين المتعاقدين كما قدمنا، فيكون البائع ملتزماً بنقل ملكية المبيع وبتسليمه وبضمان الاستحقاق والعيوب الخفية وبغير ذلك من التزامات البائع ويكون المشترى ملتزماً بدفع الثمن والمصروفات وبتسلم المبيع.
ولكن لما كان البائع لا يستطيع تنفيذ التزامه بنقل ملكية المبيع لأنه لا يملكه، فإن المشتري يجوز له في هذه الحالة المطالبة بفسخ البيع ويجوز له أيضاً اذا تعرض له المالك الحقيقي أن يرجع على البائع بضمان الاستحقاق.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الرابع، الصفحة :341)
نوعان من التسليم : نصت المادة 435 مدنيين في خصوص تسليم المبيع ، على ما يأتي : " 1- يكون التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق، ولو لم يستولي عليه استيلاء مادياً، ما دام البائع قد أعلمه بذلك، ويحصل هذا التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء المبيع . 2- ويجوز أن يتم التسليم بمجرد تراضي المتعاقدين إذا كان المبيع في حيازة المشتري قبل البيع، أو كان البائع قد استبقى المبيع في حيازته بعد البيع لسبب آخر غير الملكية "، ويتبين من هذا النص أن تسليم المبيع إما أن يكون تسليما فعلياً أو تسليماً حكيماً، وكذلك يكون تسليم العين المؤجرة.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السادس، الصفحة : 309)
يكون البيع قابلاً للإبطال إذا باع شخص عيناً معيناً بالذات غير مملوكة له إذا قصد بالبيع نقل الملكية في الحال، ويستوي أن يكون البائع عالماً بأنه لا يملك المبيع أو يعتقد أنه يملکه کما یستوي أن یکون البيع مساومة أو بيعاً قضائياً ويستوي في البيع القضائي أن يكون بيعاً جيرياً أو اختيارياً، ويراعى أن بيع العقار لا يزال من طبيعته نقل الملكية في الحال سواء سجل أو لم يسجل فيكون هذا البيع قابلاً للإبطال قبل التسجيل أو بعيده وسواء تم التسجيل بناء على العقد، أم بناء على حكم بصحة ونفاذ هذا العقد، والتمسك بالإبطال قاصر على المشتري دون البائع أو المالك فللأخير رفع دعوى استرداد الحيازة إذا كان المبيع تحت يد حائز اعتبار البيع غير نافذ في حقه - وبين رأي إلى جواز تمسك البائع بالإبطال إذا وقع في غلط بأن اعتقد ملكيته للمبيع - والتمسك بالأبطال يكون في صورة دعوى إبطال يرفعها على البائع ليسترد منه الثمن أو ليسبق ضمان الاستحقاق وإما في صورة دفع عند مطالبته بالثمن، ويجوز التمسك بالإبطال ولو لم يتعرض الملك للمشتري و كان الأخير يعلم بعدم ملكية البائع للمبيع، ويثبت الحق في الإبطال بمجرد رفع الدعوى ويتحتم على القاضي الحكم بالإبطال إلا إذا أقر المالك الحقيقي البيع أو أصبح البائع مالكاً قيل صدور الحكم، وذلك عملاً بالمادة 467.
وأيضاً، لا يجوز للمشتري طلب إبطال البيع إذا كان في الإمكان نقل ملكية المبيع فللبائع، كما لو كان مشترياً للعقار بموجب عقد عرفي، سواء رفعت دعوى بصحته ونفاذه، أم لم تكن قد رفعت، إذ يجوز للمشتري رفع دعوى بصحة ونفاذ عقده والعقد الصادر البائع له من المالك ويختصم فيها الأثنين معاً، إذ يترتب على التأشير بالحكم في هامش تسجيل الصحيفة انتقال الملكية إلى البائع ومنه إلى المشتري، ومفاد ذلك انتفاء مصلحة المشتري في طلب الإبطال، ويرى ذلك إذا أقر المالك البيع
كذلك، إذا كان البائع قد حصل على حكم بصحة ونفاذ عقده، إذ تنتقل إليه الملكية بالتأشير به في هامش تسجيل الصحيفة، أو تكون المحكمة قد صدقت في دعوى صحة التعاقد المرفوعة من البائع على الصلح المبرم بينه وبين المالك، أو يكون قد استصدر حكماً بصحة توقيع المالك على عقد البيع المبرم معه، إذ يكفي تلك التسجيل البيع ونقل الملكية للبائع.
ولما كان بيع ملك الغير قابلاً للإبطال، فإن الحق في إبطاله يسقط إذا لم يتمسك به المشتري خلال ثلاث سنوات من وقت علمه بعدم ملكية البائع للمبيع، عملاً بالمادة 140 من القانون المدني، باعتبار أن المشتري قد وقع في غلط في الواقع باعتقاده أن المبيع مملوك للبائع الذي كان يعلم بعدم ملكيته للمبيع، فإن كان المشتري يعلم بعدم ملكية البائع للمبيع، انتفی الخلط بالنسبة له، وحينئذٍ ينقضي الحق في الإبطال بانقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ العقد وفقاً للقواعد العامة
وإذا تمكن المشتري عن تسجيل عقده وتوافر لديه حسن النية انتقلت إليه الملكية بالتقادم القصير إذا استمرت حيازته لمدة خمس سنوات عملاً بالمادة 969 من القانون المدني.
وأذا أجاز المشتري البيع صراحةً أو ضمناً، يمتنع عليه طلب إبطاله.
رجوع المالك بالتعويض على البائع والمشتري :
من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن للمالك الحقيقي أن يطلب طرد المشتري من ملكه، لأن يده تكون غير مستندة إلى تصرف ناقد في مواجهته كما أن له أن يطلب ربع ملكه من هذا المشتري عن المدة التي وضع يده فيها عليه. نقض 31/5/1984 طعن 2031 س 50 ق
المقرر عملاً بالفقرة الثانية من المادة 466 من القانون المدني، أن بيع ملك الغير لا يسري في حق المالك للعين سواء سجل العقد أو لم يسجل، وإن الملكية تظل باقية للمالك فلا تنتقل إلى المشتري حتى لو تمكن الأخير من تسجيل عقده ما لم تكن الملكية قد انتقلت إليه بسبب آخر كالتقادم بنوعيه، فإن كانت الملكية مازالت باقية للمالك وكان سببها يرجع إلى العقد المسجل، وتمكن المشتري من وضع يده على العين بموجب عقد البيع الصادر له من غير المالك، فإنه يلتزم بالريع إذ يعتبر سيء النية، ذلك أن حسن النية لا يتحقق إلا عندما لا يتمكن المشتري من التحقق مما إذا كان المبيع مملوكاً للبائع له وهو ما ينتفي عندما يكون المبيع مسجلاً، إذ يتمكن المشتري حينئذٍ من معرفة ما إذا كان البائع له هو مالك العين أم كانت الملكية لغيره، فإن لم يسلك هذا السبيل توافر في حقه الخطأ الجسيم الذي يعادل سوء النية، وبالتالي يمتنع عليه أن يتمسك بحسن النية، ومن ثم يعتبر غاصباً وتتحقق مسئوليته التقصيرية بهذا الخطأ الذي أدى إلى الإضرار بالمالك لحرمانه من الانتفاع بملكه، مما يوجب الزامه بالريع كتعويض عن الغصب.
وإذ كان بيع الوارث الظاهر هو بيع تلك الغير وكانت عبارة النص واضحة في عدم سريان بيع ملك الغير في حق المالك، فإنه لا يجوز الخروج عن صريح النص بدعوى استقرار المعاملات يؤكد هذا النظر أن القانون، عندما أراد حماية الأوضاع الظاهرة وضع لها نصوصاً استثنائية يقتصر تطبيقها على الحالات التي وردت فيها.
أن مجرد التصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكاً للمتصرف ولا له حق التصرف فيه هو ضرب من ضروب الاحتيال التي تحقق بأي منها وحده جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 336 من قانون العقوبات. نقض جنائي 19/12/1942 ج 2 في 25 سنة ص 1070 . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السادس الصفحة/ 714)
يقصد ببيع ملك الغير البيع الذي يكون المبيع فيه معيناً بالذات لا يملكه البائع وبعبارة أدق لا يملكه البائع ولا المشتري ولم يمنحه القانون أو الاتفاق سلطة التصرف فيه نيابة عن مالكه إذا قصد بالبيع نقل ملكيته في الحال .
ومن ثم يشترط لتوافر بيع ملك الغير تحقق ثلاثة شروط هي :
1- أن يكون العقد مقصوداً به نقل الملكية إلى المشتري مقابل ثمن نقدي، وذلك سواء كان البيع اختيارياً أم جبرياً تم بطريق المزاد العلني ذلك أن البيع الجبري لا يمكن أن ينقل إلى الراسي عليه المزاد من الحقوق أكثر مما كان للمدين أن ينقله باختياره والمدين إذا لم يكن مالكاً للمبيع يقع بيعه الاختياري قابلاً للإبطال .
ولو أنه بالنسبة للبيع التجاري قلما تتحقق شروط دعوى البطلان لأن المبيع يكون عادة من الأشياء المعينة بالنوع على حين أنه يشترط لرفع هذه الدعوى أن يكون المبيع من الأشياء المعينة بالذات وحتى إذا تحقق هذا الشرط فقد لا يلجأ المشتري إلى طلب البطلان اعتماداً على ما في قاعدة الحيازة في المنقول بحسن نية سند الملكية حماية كافية أما إذا سقطت هذه الحماية كما لو كان المبيع شيئا مسروقاً أو ضائعاً تعين عليه طلب البطلان (م 977) .
ولكن تسري أحكام بيع ملك الغير إذا كان العقد مجرد وعد بالبيع أو مجرد تعهد من شخص بالحصول على موافقة المالك الحقيقي لشئ على بيعه للمتعاقد معه إذ أن محل التزام المتعهد ليس نقل الملكية بل القيام بعمل هو الحصول على رضاء المالك بأن يبيع الشيء.
2- أن يكون البيع غير مملوك للبائع ولا للمشتري :
يجب التحقق بيع ملك الغير أن يكون المبيع غير مملوك لا للبائع ولا للمشتري لأن المبيع إذا كان مملوكاً للبائع كان البيع صحيحاً وإذا كان مملوكاً للمشتري وأقدم على الشراء جاهلاً ملكيته له فإن البيع يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لاستحالة المحل استحالة مطلقة إذ يستحيل على الكافة نقل ملكية شئ إلى من هو مالك له فعلاً.
وبيع ملك الغير أمر نادر ومثال ذلك أن يبيع الزوج أحد أموال زوجته دون أن يكون موكلاً منها في ذلك أو أن يبيع الوصي مالاً مملوكاً للقاصر على أنه ملكه أو يبيع الغاصب ما اغتصب.
3- أن يكون المبيع قيمياً أي معيناً بذاته :
أما إذا كان البيع وارداً على مثليات فإن البيع لا يعتبر وراداً على ملك الغير.
وهذا الشرط متفرع عن الشرط السابق لأن المثليات وهي معينة بنوعها فقط لا يمكن وصفها بأنها مملوكة لغير البائع إذ لا يوجد مال معين يوصف بأنه مملوك أو غير مملوك فالمبيع منها لا يتعين بذاته إلا إذا أفرز أو سلم على حسب الأحوال.
وحتى لو كان البائع لا يملك أية كمية من المبيع المتعاقد عليه فإن هذا البيع لا يعتبر مملوكاً للغير.
كذلك لا يعتبر بيع الأشياء المستقبلة بيعا لملك الغير ذلك أن هذه الأشياء وإن لم تكن مملوكة للبائع وقت العقد بسبب أنها لم توجد بعد إلا أنها أيضاً لم تكن مملوكة لغير البائع فلا يعتبر بيعها بيعاً لملك الغير .
غير أنه يستوي أن يكون المبيع من المنقولات أم من العقارات.
وإذا كان المبيع من العقارات فيستوي أن يكون البيع سجل أم لم يسجل وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة صراحة.
-ما يخرج عن دائرة بيع ملك الغير
(أ) بيع الشئ المملوك للبائع تحت شرط:
إذا كانت ملكية البائع معلقة على شرط سواء كان الشرط واقفاً أم فاسخاً انتقلت الملكية إلى المشتري معلقة على نفس الشرط ولذا لا يعتبر البيع الصادر منه بيعاً لملك الغير ولكن إذا لم يتحقق الشرط الواقف أو تحقق الشرط الفاسخ.
وزالت الملكية عن البائع بأثر رجعي كان للمشتري أن يطلب إبطال البيع باعتبار أن البائع قد تصرف فيما لا يملك كل هذا ما لم يتضح من العقد أن المشتري قد اشترى مجرد الأمل في الملكية بأن يتحقق الشرط الواقف أو يتخلف الشرط الفاسخ .
(ب) بيع المال الشائع :
إذا باع شريك في المال الشائع جزءاً مفرزاً من المالك الشائع فهنا يبيع الشريك شيئاً يملكه على الشيوع مع شركاء آخرين فلا يظهر في البداية أنه يبيع ملك الغير ومن ثم يتوقف مصير هذا البيع على نتيجة القسمة فإذا لم يقع الجزء المبيع عند القسمة في نصيب المتصرف انتقل حق المتصرف إليه من وقت التصرف إلى الجزء الذي آل إلى المتصرف بطريق القسمة إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 826 مدني على أنه: وإذا كان التصرف منصباً على جزء مفرز من المال الشائع ولم يقع هذا الجزء عند القسمة في نصيب المتصرف انتقل حق المتصرف إليه من وقت التصرف إلى الجزء الذي آل إلى المتصرف بطريق القسمة وللمتصرف إليه إذا كان يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها مفرزة الحق في إبطال التصرف .
(ج) بيع المالك الظاهر :
المالك الظاهر هو شخص لا يملك المبيع ولم يمنحه القانون أو الاتفاق سلطة التصرف فيه ولكنه يظهر عليه بمظهر المالك فهو إذن عندما يبيع هذا الملك فإنه يكون قد باع ملك الغير وكان الأصل أن يسري على هذا البيع أحكام بيع ملك الغير.
وتخلص هذه الشروط فيما يختص بالمسألة محل البحث فيما يأتي :
1- أن يظهر البائع على الشئ المبيع بمظهر صاحبه أي بمظهر المالك الحقيقي.
-2 أن يكون هذا المظهر من شأنه أن يولد الاعتقاد العام بأنه المالك الحقيقي.
-3 أن يكون المشتري حسن النية بمعنى أن يعتقد أن البائع هو مالك الشئ المبيع فإذا كان سئ النية بمعنى أنه كان يعلم بعدم ملكية البائع فإنه لا يكون جديراً بالحماية التي تكفلها له نظرية الوضع الظاهر وعليه تحمل تبعة التصرف الذي أبرمه التصرف .
4-أن يكون المالك الحقيقي قد أسهم بخطئه في ظهور البائع بمظهر المالك الحقيقي .
يشترط أن يكون المالك الحقيقي قد أسهم بخطئه-سلباً أو إيجاباً في ظهور البائع بمظهر المالك الحقيقي مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة (بيع ملك الغير قابل للإبطال لمصلحة المشتري) والبطلان هنا خاص أنشأه نص المادة(466) .
و بالبناء على ذلك فإن المبيع ينعقد وينتج جميع آثاره فيما عدا نقل الملكية ويظل هكذا إلى أن يقضي بإبطاله.
وعلى ذلك يلتزم البائع بمقتضى هذا العقد بتسليم المبيع إلى المشتري وبضمان الانتفاع به انتفاعاً هادئاً كاملاً ويلتزم المشتري بدفع الثمن ونفقات العقد وبتسلم المبيع وإذا طالب المشتري البائع بتسلم المبيع كان ذلك منه إجازة للعقد .
ويترتب على التزام بائع ملك الغير بالضمان أنه لا يجوز له أن يتعرض للمشتري في انتفاعه بالعين المبيعة ولا أن يستردها منه بحجة التزامه بردها إلى مالكها أو بحجة استحقاقه إياها بعد البيع من طريق الإرث أو الوصية أو غيرهما لأن من التزم بالضمان لا يجوز منه التعرض .
نظراً لأن بطلان بيع ملك الغير مقرر لصالح المشتري - فإذا لم يقض ببطلان هذا البيع فإنه يظل قائما وتثبت فيه الشفعة ثبوتها في كل بيع تم مستوفياً لأركانه ولو حمل سبباً لبطلانه.
يذهب جمهور الشراح إلى أنه يجوز للمشترى طلب إبطال عقد بيع ملك الغير سواء كان حسن النية يجهل أن المبيع مملوك للغير أم سئ النية يعلم أن البائع يتصرف فيما لا يملك وأن هذا الحكم مستفاد من المادة 468 مدني التي تحرم المشتري سئ النية الحق في طلب التعويض فقط وتفترض أن العقد قد أبطل رغم أن البائع حسن النية وتخول للمشتري الحق في التعويض حتى في هذه الحالة.
يذهب فريق من الشراح إلى أنه ليس للمشتري طلب إبطال البيع إذا تملك المبيع بوضع اليد سواء كان ذلك بمضي خمس عشرة سنة إذا كان سئ النية أو بمضي خمس سنين إذا كان حسن النية أو بمجرد الحيازة إذا كان المبيع من المنقولات لأنه تمتع بجميع مزايا الملكية من وقت الشراء فضلاً عن أنه في بعض الحالات استند على العقد في التملك بوضع اليد .
بينما يذهب الرأى الراجح إلى أن تملك المشتري المبيع بوضع اليد لا يحرمه من طلب إبطال البيع لأن التقادم لاينتج أثره إلا إذا تمسك المشتري به ولا شيء يجبره على ذلك ويعتبر طلب الإبطال تنازلاً ضمناً عن الحق المكتسب بالحيازة لأن الحكم بإبطال العقد يترتب عليه زوال السبب الصحيح وبالتالي تخلف شرط من شروط التملك بالحيازة فإقدام المشتري على طلب الإبطال يعني أنه يرغب في النزول عن حقه الذي کسبه بالحيازة .
ولم يعطي المشرع البائع حق طلب إبطال العقد.
ولما كانت المادة 138 مدني تنص على أنه: إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق ومن ثم لا يكون للبائع أن يطالب بالإبطال لمجرد أن المبيع غير مملوك له وعلى هذا إذا كان البائع يعلم وقت العقد أنه يبيع ملك غيره فلا شك أنه لا يستطيع أن يطلب الإبطال.
ولكن إذا كان البائع يعتقد أنه يبيع ملكه فيذهب البعض إلى أن البائع لا يجوز له في أية حالة أن يطلب الإبطال.
بينما يذهب البعض الآخر – بحق- إلى أن مقتضي القواعد العامة في الغلط أن يكون للبائع حق طلب الإبطال إذا كان حسن النية يعتقد أنه يبيع ما يملك وتوافرت شروط المادة 120 مدني بأن كان هذا الغلط جوهرياً أي كان هو الدافع إلى التعاقد بحيث لولاه لما أقدم البائع على إبرام العقد وكان المشتري واقعاً في نفس الغلط بأن كان يعتقد أن المبيع مملوك للبائع أو كان عالما بأن البائع قد وقع في الغلط أو كان في استطاعته أن يعلم بذلك .
- طلب الإبطال :
للمشتري التمسك بإبطال عقد البيع إما عن طريق الدعوى وإما عن طريق الدفع يدفع به دعوى البائع إذا طالبه بالثمن.
وللمشتري أن يتمسك بإبطال البيع حتى قبل أن يتعرض له المالك الحقيقي وإذا رفع المشتري دعوى الإبطال فقد ثبت حقه في إبطال البيع ويتحتم على القاضي أن يحكم له بذلك حتى لو أقر المالك الحقيقي البيع أو أصبح البائع مالكاً قبل صدور الحكم مادام المشتري قد رفع دعوى الإبطال قبل إقرار المالك الحقيقي أو قبل صيرورة البائع مالكاً ذلك أن القاضي إنما يرجع في حكمه إلى وقت رفع الدعوى وفي هذا الوقت كان البيع قابلاً للإبطال ولم يكن المالك الحقيقي قد أقره أو أصبح البائع مالكاً للمبيع .
لما كان حق الإبطال مقرر لمصلحة المشتري فإنه يكون له من ثم أن يتنازل عنه أي أن يجيز العقد.
وهذه الإجازة قد تكون صريحة وقد تكون ضمنية إلا أنه يشترط أن يكون المشتري عالماً وقت إجازته للعقد بما يشوبه من عيب أي أن يكون عالماً بأن المبيع مملوك للغير.
ومن ثم أمثلة الاجازة الضمنية قيام المشتري بتنفيذ العقد بمحض إرادته بعد علمه بسبب الابطال كان يقوم بدفع الثمن واستلام المبيع بعد تثبيته من أن المبيع مملوك للغير .
إجازة المشتري للعقد تزيل قابليته للإبطال وتقلبه صحيحاً فيما بين المتعاقدين فيكون البائع ملزماً بنقل ملكية المبيع وتسليمه وبضمان الاستحقاق والعيوب الخفية وبغير ذلك من التزامات البائع ويكون المشتري ملتزماً بدفع الثمن والمصروفات وبتسلم المبيع.
ولما كان البائع لا يستطيع تنفيذ التزامه بنقل ملكية المبيع لأنه لا يملكه فإنه المشتري يجوز له في هذه الحالة المطالبة بفسخ البيع ويجوز له أيضاً إذا تعرض له المالك الحقيقي أن يرجع على البائع بضمان الاستحقاق .
تسقط دعوى الإبطال بالتقادم تطبيقاً للقواعد العامة أما مدة التقادم فيمكن استخلاصها بطريق القياس على المادة 140 الخاصة بحالات البطلان النسبي بسبب نقص الأهلية أو عيب من عيوب الإرادة فيسقط حق المشتري في طلب الإبطال بإحدى مدتين أيهما أقصر إما بخمس عشرة سنة من وقت التعاقد وإما بثلاث سنوات من الوقت الذي يعلم فيه المشتري أن المبيع غير مملوك للبائع .
- حق المشتري في فسخ البيع :
إذا سقط حق المشتري في البطلان أمكنه مع ذلك طلب الفسخ وفقا للقواعد العامة وأساس الفسخ هنا هو عدم تنفيذ البائع التزامه وكان له أيضاً الرجوع بالضمان إذا تحقق سببه.
فالمالك الحقيقي يعتبر من الغير بالنسبة لبيع ملكه فهو أجنبي عن هذا العقد ومن ثم لا ينصرف إليه أثر ذلك العقد ولا يسري البيع في حقه سواء أجاز المشتري العقد فزال ما كان يتعرض له من البطلان أو حكم بإبطال هذا البيع أو لم يحكم به وسواء أكان حق المشتري في إبطال العقد قد سقط أو كان الحق لايزال قائماً فالبيع الصادر من غير مالك لا يكفي لنقل الملكية لأن فاقد الشئ لا يعطيه فيبقى حق المالك في المبيع قائماً.
ومن ثم يكون للمالك التصرف في الشيء المبيع بكل أنواع التصرفات القانونية والمادية التي يخولها له حق الملكية.
وإذا كان المشتري قد تسلم المبيع كان له أن يسترده بدعوى الاستحقاق وله أيضاً أن يطالبه بالتعويض إذا كان سئ النية أما إذا كان حسن النية فلا يرجع عليه بتعويض بل لايرجع عليه بالثمار لأن المشتري وهو حسن النية يملك الثمار بالحيازة ويرجع المشتري من جانبه على البائع بضمان الاستحقاق أو دعوى الفسخ أو بدعوى الإبطال .
يجوز للمالك الحقيقي أن يرفع دعوى بعدم نفاذ بيع ملكه من الغير في حقه إذا كان البيع قد سجل كما أنه يكفيه إذا كان البيع لم يسجل أن يطلب طرد المشتري من غيره لأن يده تكون غير مستندة إلى تصرف نافذ في مواجهته
وإذ أقام المالك الحقيقي دعواه بطلب بإبطال العقد فإنه يجب على المحكمة أن تسبغ عليها التكييف القانوني الصحيح فتكيفها على أنها دعوى عدم نفاذ البيع في حقه.
البائع لا يمثل المشتري منه فيما يقوم على العقار المبيع من نزاع بعد تسجيل عقد البيع وبالتالي فإن الحكم الصادر ضد البائع باعتباره غير مالك للعين المبيعة لا يعتبر حجة على المشتري الذي سجل عقد شرائه قبل صدور هذا الحكم طالما لم يكن خصماً في الدعوى.
إذا لم يقر المالك الحقيقي البيع الصادر من غيره فإن هذا البيع لا يسري في حقه وعدم النفاذ هذا مقرر لمصلحة المالك ولا يجوز لغيره التمسك به لأنه أمر غیر متعلق بالنظام العام.
رغم أن بيع ملك الغير - كما قدمنا لا يسري في حق المالك الحقيقي إلا أن هذا البيع يعتبر سبباً صحيحاً لكسب الملكية عن طريق الحيازة فإذا كان المبيع منقولاً وتسلمه المشتري بحسن نية بناء على العقد الصادر من غير المالك جاز للمشتري أن يكسب ملكيته من طريق الحيازة وفقاً لقاعدة الحيازة في المنقول سبب الملكية (م 976 مدني).
وإذا كان المبيع عقاراً وتسلمه المشتري بحسن نية جاز له أن يكسب ملكيته بمضي خمس سنوات أي من طريق التقادم قصير المدة (م 969 مدني) . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الخامس الصفحة/ 560)
نصت المادة 466 فقرة أولي على أنه «إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه، جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع ...» ويبين منها أنه لابد في بيع الشيء المعين بالذات أن يكون المبيع ملكاً للبائع وقت العقد، وظاهر أن هذا الشرط اقتضته طبيعة البيع من حيث أنه عقد ناقل للملك بذاته، فقد تقدم أن القانون المصري شأنه في ذلك شأن أغلب الشرائع الحديثة، قد جعل الالتزام بنقل حق عيني يتم تنفيذه بمجرد نشوئه أي أن العقد ينشئ التزاماً بنقل حق عيني يترتب عليه بمجرد انعقاده انتقال هذا الحق، ثم طبق ذلك على عقد البيع، فجعله ينقل ملكية المبيع من البائع إلى المشتري بمجرد انعقاده دون حاجة إلى أي إجراء آخر.
فإذا كان البائع غير مالك المبيع وقت عقد البيع، استحال انتقال الملكية منه إلى المشتري بمجرد العقد، ولم يتيسر للبيع أن ينتج أهم أثر من آثاره وهو نقل الملكية ولذلك قضى المشرع ببطلان البيع في هذه الحالة.
الأحوال التي تشترط فيها ملكية المبيع للبائع - اشتراط - النص ملكية المبيع للبائع في حالة بيع الشيء المعين بالذات، والمقصود بذلك - كما تقدم - حالة بيع حق الملكية المترتبة على شيء معين بالذات أو بيع أي حق عيني آخر وارد على شيء معين بالذات، وظاهر أنه في هذه الحالة الأخيرة ليس المقصود أن يكون الشيء مملوكاً للبائع بل يكفي أن يكون الحق العيني المرتب على الشيء ثابتاً للبائع على شيء مملوك لغيره.
ویستوى في ذلك أن يكون المبيع عقاراً أو منقولاً، لأنه إذا كانت الملكية في بيع العقار لا تنتقل إلا بالتسجيل، فإن تأخیر انتقالها فيه ليس راجعاً إلى طبيعة الأشياء كما في بيع المثليات، ولا إلى قصد العاقدين كما في حالة تعليق انتقال الملكية على شرط أو أجل، بل إلى نص القانون، ولا يمنع ذلك من اعتبار العقد بحسب قصد العاقدين منه ناقلاً للملك بذاته، وغاية الأمر أن انتقال الملكية بتراخي فيه إلى وقت التسجيل نزولاً على إرادة المشرع ومتی اعتبر العقد ناقلاً للملك بذاته، اشترط فيه أن يكون، البائع مالكاً المبيع وقت البيع وقد قررت المادة 466 ذاتها المساواة في حكمها بين بيع العقار وبيع المنقول، حيث نصت في نهاية الفقرة الأولى منها على أن يكون الأمر كذلك ولو وقع البيع على عقار «سجل العقد أو لم يسجل ".
ومع أن المقصود بالشيء المعين بالذات في هذا النص هو الحقوق العينية دون غيرها من الحقوق المالية لأنها هي وحدها الحقوق التي لا ترد إلا على أشياء مدينة بالذات ، فإنه من المسلم أن النص ينطبق أيضاً على بيع الحقوق الشخصية والحقوق الذهنية كالملكية الأدبية والفنية والصناعية وأنه يشترط في هذا البيع أيضاً أن يكون الحق المبيع داخلاً في ذمة البائع، وذلك لأن علة اشتراط هذا الشرط في بيع الحقوق العينية متوافرة أيضاً في بيع الحقوق المالية الأخرى، وهي أن البيع ناقل للملك أو للحق المبيع بمجرد توافق الارادتين، فيتعين أن يكون الحق المبيع ثابتاً للبائع حتى يمكن أن انتقاله منه إلى المشتري فور العقد .
الأحوال التي لا يشترط فيها أن يكون المبيع مملوكاً للبائع - لا يشترط أن يكون المبيع مملوكاً للبائع في الأحوال التي لا يشملها نص المادة 466 أو لا تتوافر فيها الحكمة التي من أجلها وضع هذا النص.
وقد تقدم أن النص اقتصر على ذكر بيع الأشياء المعينة بالذات وبذلك خرج منه بيع الأشياء المثلية، فلا يشترط أذن فيمن يبيع قمحاً أو قطناً أن يكون وقت البيع مالكا مقدار القمح أو القطن الذي يبيعه بل ينعقد العقد ويقع صحيحاً ولو لم يكن البائع يملك شيئاً من القمح أو القطن، وعلة ذلك واضحة فإن اشتراط ملكية البائع للمبيع في بيع الأشياء المعينة بالذات اقتضته طبيعة هذا النوع من البيع من حيث هو ناقل للملك بذاته أما بيع المثليات ،فلأنه ينشيء التزاماً بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه، لا ينتقل فيه هذا الحق ألا يفرز هذا الشيء طبقاً للمادة 205 فقرة أولى، وهو إذن ليس بيعاً للملك بذاته، فلا تتوافر فيه حكمة اشتراط ملكية البائع للمبيع وقت العقد، ولا يرد عليه حكم البطلان إذا كان البائع لا يملك وقت البيع شيئاً من المبيع، إذ أن تعهده بنقل حق عيني على مقدار معين من صنف المبيع يتضمن تعهده بالقيام بما يلزم لنقل ملكية هذا العقار، بفرزه من بقية الصنف إذا كان يملك شيئاً من هذا الصنف أو بشرائه ممن يملك مثله.
على أنه حتى إذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات، فأنه لا يشترط فيه أن يكون مملوكاً للبائع إذا قصد العاقدان ألا يترتب على البيع انتقال الملكية فور انعقاده بل مجرد نشوء التزام بنقل الملكية، إذ أن هذا الالتزام يوجب على البائع إذ لم يكن مالكاً للمبيع على ملكيته وأن ينقلها إلى المشتري، أي أن البيع في هذه الحالة - كما في الحالة المسابقة - لا يكون ناقلاً للملك بذاته، وإذن تنعدم فيه حكمة اشتراط ملكية البائع للمبيع وقت العقد ويقع البيع صحيحاً ولو لم يكن البائع مالكاً المبيع في ذلك الوقت، ومثل ذلك بيع الأموال المستقبلة سواء كانت مدينة بالذات أو مدينة بالنوع لأن هذا البيع ليس من شأنه نقل الملكية إلا عند تحقق وجود البيع وفرزه إن لم يكن معيناً بالذات وكذلك بيع الأموال الحاضرة التي يشترط فيها البائع تأجيل نقل الملكية إلى أجل معین أو تعليقه على تحقق شرط متفق علية ، ومن باب أولى لا يشترط في الوعد بالبيع أن يكون الواعد مالكاً المال الموعود ببيعه .
احکام بيع ملك الغير - تلخص أحكام بيع ملك الغير بحسب نصوص التقنين الحالي وأحكام المحاكم السابقة فيما يلى :
1- أن هذا البيع ينتج جميع آثار العقد الصحيح ما عدا انتقال الملكية بمجرد اتفاق العاقدین.
2- أنه يجوز للمشتري أن يطلب إبطال البيع ولو كان يعلم عدم ملكية البائع .
3-أنه لا يجوز للبائع ذلك ولو كان حسن النية .
4-أن هذا البيع لا ينفذ في حق المالك ولو أجازه المشتري .
5 - أن آثاره تتم ويمتنع طلب إبطاله متى اقره المالك أو صار البائع مالكاً أو کسب المشتري الملكية من طريق الحيازة.
6- أنه إذا لم تنتقل الملكية الى المشتري وحكم له ببطلان البيع وجب تعويضه متى كان حسن النية ولو كان البائع حسن النية ايضاً.
وسنعرض فيما يلي لكل من هذه الأحكام بالتفصيل .
- إنتاج بيع ملك الغير آثار العقد الصحيح - تنص المادة 466 مدنى على أنه يجوز للمشتري أن يطلب إبطال البيع. ويؤخذ من ذلك أن بيع ملك الغير لا يقع باطلاً بقوة القانون وأنه تترتب عليه آثار، وإلا ما كانت هناك حاجة بالمشتري إلى طلب إبطاله فالى أن يتقرر بطلانه ينتج بيع ملك الغير جميع آثار البيع بما فيها التزام البائع بنقل الملكية وبعدم التعرض، فيما عدا الآثار التي يحول دون قیامها عدم ملكية البائع للمبيع.
وبناء على ذلك يترتب على بيع ملك الغير التزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري والتزامه بتسليم المبيع وبضمان الانتفاع به انتفاعاً هادئاً كاملاً والتزام المشتري بدفع الثمن ونفقات العقد ويتسلم المبيع، فيجوز للمشتري مطالبة البائع بنقل الملكية إليه، كما يجوز له مطالبته بتسليمه البيع ، ويعتبر ذلك اجازة منه للبيع تمنعه من طلب إبطاله بعد ذلك وكذلك يجوز للبائع مطالبة المشتري بدفع الثمن وبتسلم المبيع ما دام لم يحكم ببطلان البيع.
ويترتب على التزام بائع ملك الغير بالضمان أنه لا يجوز له أن يتعرض للمشتري في انتفاعه بالعين المبيعة، ولا أن يستردها منه بحجة التزامه بردها إلى مالكها، أو بحجة استحقاته إياها بعد البيع من طريق الإرث أو الوصية أو غيرهما لان من التزم بالضمان لا يجوز منه التعرض.
وقد تقدم أن البيع في القانون الحديث، خلافاً للقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، لا يقتصر أثره على إنشاء الالتزامات في ذمة كل من الجانبين بل أنه فوق ذلك ينقل الملكية من البائع إلى المشتري فور إبرامه وبمجرد اتفاق العاقدين وظاهر أن انتقال الملكية بهذا الشكل من البائع إلى المشتري يقتضي أن يكون البائع مالكاً المبيع وقت التعاقد، فإذا كان غير مالك استحال انتقال الملكية منه إلى المشتري فور العقد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وكان من المحتم أن يتخلف انتقال الملكية إلى ما بعده العقد، فلا يصير المشترى بمجرد الاتفاق مالكاً البيع.
ويستوي في كل نك أن يكون المبيع منقولاً او عقاراً، وفي هذه الحالة الأخيرة أن يكون البيع قد سجل او لم يسجل.
- حق المشتري في طلب إبطال البيع - ولان الملكية لا تنتقل في هذه الحالة الى المشتري بمجرد العقد خلافاً لقصد العاقدين، ولأن في ذلك إضراراً بالمشتري، أجاز القانون لهذا الأخير أن يدفع عن نفسه الضرر بأن يطلب إبطال البيع، فيتخلص بذلك من التزاماته إزاء البائع ويستطيع - إذا شاء الحصول على البيع ذاته - أن يشتريه من مالكه ولا يجوز للبائع طلب إبطال البيع.
وقد نص المشرع صراحة على أن للمشتري حق الأبطال ولو وقع البيع على عقار، سجل العقد أو لم يسجل، ذلك حسما لخلاف ثار بعد صدور قانون التسجيل في سنة 1923 حول جواز المطالبة بابطال بيع عقار الغير قبل تسجيله أو عدمه . وسنعرض لهذا الخلاف فيما بعد (في نبذة 306 ).
ويثبت حق المشتري في إبطال بيع ملك الغير بمجرد ثبوت عدم ملكية البائع المبيع ولو كان المشتري قد علم ذلك وقت البيع. ويستفاد هذا الحكم من نص المادة 468 التي تقرر حق المشتري في التعويض إذا حكم له بإبطال البيع وكان يجهل أن المبيع غير مملوك للبائع، إذ يفيد تقييد حق المشتري في طلب تعويض عن بطلان البيع بأن يكون المشتري قد جهل وقت البيع عدم ملكية البائع، يفيد ذلك بطريق مفهوم المخالفة أنه يجوز الحكم ببطلان بيع ملك الغير حتى في غير هذه الحالة الأخيرة، أي ولو كان المشترى عالماً وقت البيع أن المبيع غير مملوك للبائع .
ويثبت هذا الحق للمشترى ولو كان البائع لم يعلم وقت العقد أنه غير مالك «يستفاد ذلك أيضاً من نص المادة 468 ذاتها حيث تقرر للمشتري الذي حكم له بإبطال البيع حقاً في التعويض ولو كان البائع حسن النية.
ويلاحظ أن حق المشتري في طلب إبطال البيع لا يخل بحقه في المطالبة بتنفيذ الالتزامات التي تقدم بيانها، ومنها الالتزام بنقل الملكية والالتزام بضمان التعرض، فمتى علم المشتري بعدم ملكية البائع إليه كان بالخيار بين التمسك بحقه في إبطال العقد وبين مطالبة البائع بتنفيذ التزاماته الناشئة منه، فإذا تمسك بالبطلان وحكم له به، لم يعد له الحق في المطالبة بتعويض عن بطلان العقد . اما اذا اختار المطالبة بتنفيذ العقد، عد ذلك منه اجازة للعقد مسقطة حقه في الأبطال ، فإذا طالب المشتري البائع بنقل الملكية وعجز هذا الأخير عن نقلها إليه ، كان للمشتري حق فسخ العقد طبقاً للقواعد العامة (17 مكرر) كما أن حق المشتري في طلب إبطال البيع لا يخل بحقه في طلب فسخ البيع مع التعويض.
وإذا حكم للمالك الحقيقي باستحقاق المبيع، كان للمشتري - فوق حقه في إبطال البيع كما تقدم، حق الرجوع بالضمان على البائع وفقاً للمادة 443 وحق الفسخ لإخلال البائع بالتزام الضمان وفقاً للقواعد العامة . وله الخيار في استعمال أي حق من هذه الحقوق الثلاثة كما تقدم في نبذة 210 ولكنه لا يجوز له أن يجمع بينها.
ويلاحظ أخيراً أن حق الأبطال تقرر للمشترى ليدفع به عن نفسه الضرر الذي يلحقه من عدم انتقال الملكية إليه، وأن الأمر مرجعه إليه في استعمال هذا الحق أو عدم استعماله، فيجوز له أن ينزل منه صراحة بأن يجيز العقد فيجعله غير قابل للابطال . ويجوز أن يكون نزوله عنه ضمنياً، ويجوز أن يترك استعماله حتى يسقط بالتقادم كما تسقط بذلك سائر الحقوق .
ولأن المادة 466 لم تتضمن حكماً للتقادم خاصاً بهذا الحق، فتسري عليه الأحكام العامة غير أن المادة 140 التي حددت مدة تقادم دعوى الإبطال بثلاث سنوات قد عينت في كل حالة من حالات الابطال مبدأ هذه المدة وهو تاریخ کشف الغلط او التدليس أو انقطاع الاكراه أو زوال نقص الأهلية، ولم تحدد مبدأ لمدة تقادم دعوى إبطال بيع ملك الغير فيتعين القول بأن هذه المدة تبدأ من وقت إبرام العقد، وبأن الحق في رفع هذه الدعوى لا يتقادم بمضي ثلاث سنوات لأن المشرع لم ياخذ بهذه المدة الأخيرة إلا في الحالات التي حدد فيها مبدأ لهذه المدة تالياً لوقت إبرام العقد. أما حيث تبدا المدة من وقت العقد، فإن التقادم لا يتم إلا بخمس عشرة سنة .
وسیأتی آن حق المشتري في إبطال العقد يسقط بغير الأجازة والتقادم، أي بإقرار المالك او يكسب البائع الملكية أو بأن تخلص الملكية للمشترى من طريق الحيازة .
- حرمان البائع من حق إبطال البيع - نصت المادة 466 فقرة أولى على أن للمشتري طلب إبطال البيع، ولم تنص على أن للبائع هذا الحق، فلا يجوز إذن للبائع طلب الأبطال فإذا طالب المشتري البائع بنقل الملكية إليه أو بالتسليم، لم يجز للبائع أن يدفع هذه المطالبة ببطلان البيع ويعلل ذلك عادة بأن البائع هو الذي يجب أن يعرف ما اذا كان يملك المبيع أو لا يملكه، فإذا كان عالماً بعدم ملكيته، فهو مخطيء في التزامه بيع ما لا يملك، وإذا كان لا يعلم بعدم ملكيته، فهو أيضاً مخطىء لأنه كان يجب أن يعلم، ولا يجوز له في كلتا الحالتين أن يتخلص من التزامه بالاستناد إلى خطئه، ونضيف إلى ذلك أن المشتري إنما خول الحق في طلب إبطال العقد لأن العقد في هذه الحالة عاجز عن أن ينقل إليه الملكية التي بذل من أجلها الثمن، أما البائع فإن العقد يخوله كافة الحقوق التي تنشأ من العقد الصحيح الصادر من مالك، ومنها حقه في اقتضاء الثمن، فهو لا يتضرر من شيء وبالتالي لا محل لحمايته من طريق منحه الحق في إبطال البيع.
ولا يترتب على حسن نية البائع إلا إعفاء الأخير من المسئولية عن الأضرار غير المتوقعة التي تصيب المشتري حسن النية بسبب بطلان البيع كما سيجيء فيما يلى في نبذة 299 .
عدم نفاذ بيع ملك الغير في حق المالك الحقيقي - تنص المادة 466 فقرة ثانية على أنه «في كل حال لا يسرى هذا البيع في حق المالك للعين المبيعة ولو أجاز المشترى العقد ». وتعليل ذلك أن المالك أجنبي عن العقد، فلا يضار به ، ولا تنتقل الملكية منه إلى المشتري بدون رضاه .
وقد تقدم أن المشتري يملك اجازة العقد والنزول من حقه في إبطاله . ولكن هذه الإجازة - ولو انها تجعل العقد غير قابل للإبطال بتاتاً - لا يمكن أن تؤثر في حق المالك ، ويبقى العقد مع إجازته عاجزاً عن أن ينقل الملكية إلى المشتري ، أي أنه يبقى غير نافذ في حق المالك .
غير أن ذلك ليس معناه أن العقد لا يمكن أن يضر المالك بأي حال، لأنه إذا كان غير نافذ في حق المالك وعاجزاً عن نقل الملكية منه إلى المشتري باعتباره عقداً صحيحاً منتجاً جمیع آثارها فإنه يعتبر مع ذلك سبباً صحيحاً» يفيد في الاستناد إليه لكسب الملكية من طريق الحيازة ، فإذا كان المبيع منقولاً وتسلمه المشترى بحسن نية بناء على هذا العقد الصادر من غير المالك ، جاز له أن يكسب ملكيته من طريق الحيازة وفقاً لقاعدة «الحيازة في المنقول سند الملكية» المادة 976. وإذا كان المبيع عقاراً وتسلمه المشترى بحسن نية، جاز له أن یكسب ملكيته بمضي خمس سنوات أي من طريق التقادم قصير المدة المادة 969. وفي كلتا الحالين يفقد المالك حقه ویكون العقد الذي صدر من غير المالك أحد العوامل الفعالة في ذلك، فيجدر بنا التحفظ والالتفات إلى هذا الضرر، عند القول بأن بيع ملك الغير لا يضر المالك . وإذا تحقق هذا الضرر ، كان للمالك حق مطالبة البائع بتعويضه ،وقبل أن يتحقق هذا الضرر يجوز للمالك إقامة دعوى بطلب عدم نفاذ البيع في حقه وتكيف دعواه كذلك ولو سماها هو في صحيفة دعواه بطلان أو ابطال ولو طلب إبطال البيع (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع الصفحة / 214 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 15
أن يكون مملوكا لمن يلي العقد:
30 - وذلك إذا كان يبيع بالأصالة. واعتبر الحنفية هذا الشرط من شروط الانعقاد، وقسموه إلى شقين:
الأول: أن يكون المبيع مملوكا في نفسه، فلا ينعقد بيع الكلأ مثلا، لأنه من المباحات غير المملوكة، ولو كانت الأرض مملوكة له.
والثاني: أن يكون المبيع ملك البائع فيما يبيعه لنفسه، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكا، وإن ملكه بعد، إلا السلم، والمغصوب بعد ضمانه، والمبيع بالوكالة، أو النيابة الشرعية، كالولي والوصي والقيم .
وقد استدل لعدم مشروعية بيع ما لا يملكه الإنسان بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه: «لا تبع ما ليس عندك» وفي بيع الفضولي خلاف ينظر في مصطلح: (بيع الفضولي).
البيع الباطل
التعريف:
1 - البيع لغة من الأضداد مثل الشراء، والأصل في البيع مبادلة مال بمال، وذلك حقيقة في وصف الأعيان، لكنه أطلق على العقد مجازا، لأنه سبب التمليك والتملك. والباطل من بطل الشيء: فسد أو سقط حكمه فهو باطل .
والبيع اصطلاحا: مبادلة مال بمال .
والبيع الباطل عند الحنفية هو: ما لم يشرع لا بأصله ولا بوصفه .
وعند الجمهور - وهم لا يفرقون بين الفاسد والباطل في الجملة - هو ما لم يترتب أثره عليه، فلم يثمر ولم تحصل به فائدته من حصول الملك وهو موافق لما عند الحنفية أيضا.
الألفاظ ذات الصلة:
أ - البيع الصحيح:
2 - هو: ما شرع بأصله ووصفه، ويفيد الحكم بنفسه إذا خلا من الموانع. أو هو: ما ترتب عليه أثره من حصول الملك والانتفاع بالمبيع . وعلى ذلك فهو مباين للبيع الباطل.
ب - البيع الفاسد:
3 - الجمهور على عدم التفرقة بين البيع الباطل والبيع الفاسد. أما الحنفية فيجعلون البيع الفاسد مرتبة بين البيع الصحيح والبيع الباطل.
ويعرفه الحنفية بأنه: ما شرع بأصله دون وصفه.
أو هو: ما ترتب عليه أثره، ولكنه مطلوب التفاسخ شرعا، وهو مباين للباطل كما يقول ابن عابدين؛ لأن ما كان مشروعا بأصله فقط يباين ما ليس بمشروع أصلا. وأيضا حكم الفاسد أنه يفيد الملك بالقبض، والباطل لا يفيده أصلا، وتباين الحكمين دليل تباينهما .
ج - البيع المكروه:
4 - هو ما كان مشروعا بأصله ووصفه، لكن نهي عنه لوصف مجاور غير لازم، كالبيع عقب النداء للجمعة، وهذا عند الحنفية والمالكية والشافعية. خلافا للحنابلة، إذ النهي عندهم يقتضي الفساد مطلقا، وهو يتفق مع البيع الصحيح في ترتب أثره عليه، ولكنه مباين له باعتباره منهيا عنه .
الحكم التكليفي:
5 - الإقدام على البيع الباطل مع العلم بالبطلان حرام، ويأثم فاعله، لارتكابه المعصية بمخالفته المشروع، وعدم امتثاله لما نهى الشارع عنه؛ لأن البيع الباطل لم يشرع لا بأصله ولا بوصفه .
هذا مع استثناء حالة الضرورة، كالمضطر يشتري الطعام بزيادة على ثمن المثل، وكالعقد الذي يختبر به رشد الصبي .
فقد قيل: يشتري الولي شيئا ثم يدفعه إلى آخر، ثم يأمر الطفل بشرائه منه، وهذا بالنسبة للبيع المتفق على بطلانه، كبيع المجنون والصبي الذي لا يميز، وكبيع الميتة والدم والملاقيح والمضامين.
أما البيع المختلف في بطلانه بين المذاهب بأن كان باطلا في مذهب وغير باطل في مذهب آخر، كبيع الفضولي، وبيع المعاطاة، وبيع الكلب المأذون في اتخاذه، فإن المقدم عليه إن كان مجتهدا قد بلغ رتبة الاجتهاد فلا يعتبر البيع باطلا في حقه، ولا إثم عليه، لأنه تحرى قصد الشارع ببذل الجهد، حتى وصل إلى دليل يرشده، بحيث لو ظهر له خلاف ما رآه بدليل أقوى لرجع إليه، والمخطئ في اجتهاده لا يعاقب، بل يكون معذورا ومأجورا .
إلا أنه يستحب الخروج من الخلاف، بمعنى أن من يعتقد جواز الشيء، فإنه يستحب له تركه إن كان غيره يعتقده حراما .
والمقلد كذلك يأخذ حكم المجتهد في سقوط الإثم عنه، ما دام مقلدا لإمامه تقليدا سائغا. والعامي ينبغي له أن يستفتي من غلب على ظنه أنه من أهل العلم والدين والورع، وإن اختلف عليه العلماء أخذ بقول أعلمهم وأورعهم وأغلبهم صوابا في قلبه، ولا يتخير ما يميل إليه هواه؛ لأن ذلك يؤدي إلى تتبع المذاهب من غير استناد إلى دليل، وقال قوم: لا يجب ذلك عليه؛ لأن الكل طرق إلى الله .
أسباب بطلان البيع:
6 - يرى جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) أنه لا فرق بين البيع الفاسد والبيع الباطل، فهما مترادفان؛ لأن كلا من البيع الفاسد والباطل وقع على خلاف ما طلبه الشارع، ولذلك لم يعتبره، ولم يرتب عليه الأثر الذي رتبه على البيع الصحيح من حصول الملك وحل الانتفاع.
وأسباب فساد البيع هي أسباب بطلانه، وهي ترجع إلى الخلل الواقع في ركن من أركان العقد، أو في شرط من شرائط الصحة، أو لورود النهي عن الوصف الملازم للفعل، أو عن الوصف المجاور عند الحنابلة .
واستدل الجمهور على ذلك بما يأتي:
أ - البيع الباطل أو الفاسد منهي عنه شرعا، والمنهي عنه يكون حراما، والحرام لا يصلح سببا لترتب الأثر عليه؛ لأن النهي عن التصرف إنما هو لبيان أن ذلك التصرف قد خرج عن اعتباره وشرعيته.
ب - قال النبي صلي الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» والبيع المنهي عنه وقع على غير ما أمر به الشارع، فيكون مردودا، فكأنه لم يوجد.
ج - أجمع سلف الأمة على الاستدلال بالنهي على الفساد ففهموا فساد الربا من قوله تعالي : (وذروا ما بقي من الربا) وقوله صلي الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل» و «نهى صلي الله عليه وسلم عن بيع وشرط» .
هذا عند الجمهور: أما الحنفية فإن سبب بطلان البيع عندهم يرجع إلى اختلال ركن البيع أو شرط من شرائط الانعقاد، فإذا تخلف الركن أو شرط من شرائط الانعقاد كان البيع باطلا ولا وجود له، لأنه لا وجود للتصرف إلا من الأهل في المحل حقيقة، ويكون العقد فائت المعنى من كل وجه، إما لانعدام معنى التصرف كبيع الميتة والدم، أو لانعدام أهلية التصرف كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل.
أما اختلال شرط من شرائط الصحة فلا يجعل البيع باطلا، كما هو عند الجمهور، بل يكون فاسدا.
واستدل الحنفية على ذلك بأن البيع الفاسد مشروع فيفيد الملك في الجملة، والدليل على أنه مشروع بأصله: النصوص العامة المطلقة في باب البيع من نحو قوله تعالي : (وأحل الله البيع) ونحو ذلك مما ورد من النصوص العامة في هذا الباب .
ويلحظ هنا أن بعض الشافعية يسايرون المذهب الحنفي في التفريق بين البيع الباطل والبيع الفاسد، رغم أن القواعد العامة عندهم تخالف ذلك.
جاء في أسنى المطالب: فرق الأصحاب بين الباطل والفاسد، فقالوا: إن رجع الخلل إلى ركن العقد كبيع الصبي فهو باطل، وإن رجع إلى شرطه أو صفته فهو فاسد .
7 - بعد هذا التفريق بين مذهب الحنفية والجمهور، هناك من البيوع الباطلة ما هو متفق على بطلانها بين المذاهب الأربعة، كالبيع الذي حدث خلل في ركنه، أو في شرط من شرائط انعقاده، كبيع الميتة والدم والملاقيح والمضامين فهذه متفق على بطلانها.
وهناك من البيوع ما هو مختلف في بطلانه بين المذاهب، وهو ما رجع الخلل فيها لغير ما سبق.
فبيع الفضولي مثلا صحيح، ولكنه موقوف على الإجازة عند الحنفية والمالكية، وهو باطل في الأصح عند الشافعية والحنابلة. والبيع عند النداء يوم الجمعة باطل عند الحنابلة. ومثل ذلك يقال في بيع المعاطاة، وبيع الكلب المأذون في اتخاذه، وبيع النجش، وهكذا.
ويرجع سبب الاختلاف في الحكم على مثل هذه البيوع بالبطلان أو عدمه إلى الاختلاف في الدليل .
ما يتعلق بالبيع الباطل من أحكام:
8 - البيع الباطل لا يترتب عليه أثر، لأنه لا وجود له إلا من حيث الصورة، وهو منقوض من أساسه، ولا يحتاج لحكم حاكم لنقضه .
ولا تلحقه الإجازة لأنه معدوم، والإجازة لا تلحق المعدوم.
وهذا باتفاق الفقهاء في البيع المجمع على بطلانه، وأما البيع المختلف فيه كبيع الفضولي، فإنه إذا حكم حاكم بصحته صح العقد قضاء، حتى عند من يقول ببطلانه وهم الشافعية، والحنابلة في الأصح عندهم؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف. ومقابل الأصح عندهم: أنه تلحقه الإجازة .
وإذا وقع البيع الباطل، فإن وجوده من حيث الصورة يتعلق به بعض الأحكام. وبيان ذلك فيما يلي:
أ - التراد:
9 - إذا وقع البيع الباطل وحدث فيه تسليم شيء من أحد الطرفين وجب رده؛ لأن البيع الباطل لا يفيد الملك بالقبض، ويجب على كل من الطرفين رد ما أخذه إن كان باقيا، وهذا باتفاق .
يقول ابن رشد: اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت، حكمها الرد، أي أن يرد البائع الثمن، ويرد المشتري المثمون
ورد المبيع يكون مع نمائه المتصل والمنفصل وأجرة مثله مدة بقائه في يده، وإن نقص ضمن نقصه، لأنه مضمون عليه، فأجزاؤها تكون مضمونة أيضا.
صرح بهذا الشافعية والحنابلة، وهو ما تفيده قواعد المذهب الحنفي.
أما عند المالكية فإن تغير الذات بزيادة أو نقص يعتبر فوتا ينتقل الحق فيه إلى الضمان
ب - التصرف في المبيع:
10 - إذا تصرف المشتري في المبيع بيعا باطلا ببيع أو هبة أو غير ذلك فلا ينفذ تصرفه، لأنه لم يملكه، فيكون قد تصرف في ملك غيره بدون إذنه، وتكون تصرفاته كتصرفات الغاصب، ولذلك فإن هذا التصرف لا يمنع الرد لعدم نفوذه، وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة.
أما عند المالكية فإن التصرف في المبيع يعتبر مفوتا، وينتقل الحق فيه إلى الضمان .
ج - الضمان:
11 - إذا تلف المبيع في يد المشتري، فالصحيح عند الحنفية، وهو مذهب الشافعية والحنابلة: أنه يلزمه ضمانه بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم.
والقيمة عند الشافعية تقدر بأقصى القيم في المتقوم من وقت القبض إلى وقت التلف، وفي وجه تعتبر قيمته يوم التلف، وفي وجه يوم القبض.
وعند الحنابلة تعتبر القيمة يوم تلف ببلد قبضه فيه، قاله القاضي، ونص أحمد عليه في الغصب، ولأنه قبضه بإذن مالكه فأشبه العارية، وذكر الخرقي في الغصب: أنه يلزمه قيمته أكثر ما كانت، فيخرج هاهنا كذلك، وهو أولى، لأن العين كانت على ملك صاحبها في حال زيادتها، وعليه ضمان نقصها مع زيادتها، فكذلك في حال تلفها.
وللمالكية تفصيل في ذلك، يقولون: إن فات المبيع بيد المشتري مضى المختلف فيه - ولو كان الخلاف خارج المذهب المالكي - بالثمن الذي وقع به البيع، وإن لم يكن مختلفا فيه - بل متفقا على فساده - ضمن المشتري قيمته إن كان مقوما حين القبض، وضمن مثل المثلي إذا بيع كيلا أو وزنا، وعلم كيله أو وزنه، ولم يتعذر وجوده، وإلا ضمن قيمته يوم القضاء عليه بالرد .
وللحنفية رأي آخر، وهو: أن المبيع يكون أمانة عند المشتري، لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط في الحفظ، لأنه مال قبضه بإذن صاحبه في عقد وجد صورة لا معنى، فالتحق بالعدم وبقي إذنه بالقبض .
د - تجزؤ البيع الباطل:
12 - المراد بتجزؤ البيع الباطل: أن يشتمل البيع على ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه صفقة واحدة، فيكون في شق منه صحيحا وفي الشق الآخر باطلا، ومن القواعد الفقهية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام. وأدخل الفقهاء تحت هذه القاعدة ما يسمى بتفريق الصفقة، وهو الجمع بين ما يجوز وما لا يجوز في عقد واحد.
وعقد البيع إذا كان في شق منه صحيحا، وفي الشق الآخر باطلا، كالجمع بين العصير والخمر، أو بين المذكاة والميتة، وبيع ذلك صفقة واحدة، فالصفقة كلها باطلة، وهذا عند الحنفية والمالكية - عدا ابن القصار منهم - وهو أحد قولي الشافعية (وادعى الإسنوي في كتاب المهمات أنه المذهب) وهو رواية عن الإمام أحمد، وذلك لأنه متى بطل العقد في البعض بطل في الكل؛ لأن الصفقة غير متجزئة، أو لتغليب الحرام على الحلال عند اجتماعها، أو لجهالة الثمن.
والقول الأظهر للشافعية، والرواية الثانية عن الإمام أحمد، وهو قول ابن القصار من المالكية: أنه يجوز تجزئة الصفقة، فيصح البيع فيما يجوز، ويبطل فيما لا يجوز؛ لأن الإبطال في الكل لبطلان أحدهما ليس بأولى من تصحيح الكل لصحة أحدهما، فيبقيان على حكمهما، ويصح فيما يجوز، ويبطل فيما لا يجوز.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: إن عين ابتداء لكل شق حصته من الثمن، فعند ذلك تعتبر الصفقة صفقتين مستقلتين تجوز فيهما التجزئة، فتصح واحدة وتبطل الأخرى.
وهذه إحدى صور تفريق الصفقة.
والصورة الثانية: أن يكون العقد في شق منه صحيحا، وفي الشق الآخر موقوفا، كالجمع بين داره ودار غيره، وبيعهما صفقة واحدة، فإن البيع يصح فيهما، ويلزم في ملكه، ويوقف اللزوم في ملك الغير على إجازته، وهذا عند المالكية والحنفية عدا زفر، وهو مبني عند الحنفية على قاعدة عدم جواز البيع بالحصة ابتداء، وجواز ذلك بقاء.
وعند زفر: يبطل الجميع؛ لأن العقد وقع على المجموع، والمجموع لا يتجزأ.
وعند الشافعية والحنابلة: يجري الخلاف السابق في الصورة الأولى؛ لأن العقد الموقوف عندهم باطل في الأصل.
والصورة الثالثة ذكرها ابن قدامة، وهي: أن يبيع معلوما ومجهولا، كقوله: بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف، فهذا البيع باطل بكل حال. قال ابن قدامة: ولا أعلم في بطلانه خلافا .
ه - تصحيح البيع الباطل:
13 - تصحيح البيع الباطل يمكن تصويره بصورتين.
الأولى: إذا ارتفع ما يبطل العقد، فهل ينقلب البيع صحيحا؟
الثانية: إذا كانت صيغة البيع الباطل تؤدي إلى معنى عقد آخر صحيح، فهل يتحول البيع الباطل إلى عقد آخر صحيح؟ وبيان ذلك فيما يلي: أما الصورة الأولى: فإن الحنفية يفرقون بين البيع الباطل والبيع الفاسد، فيصح عندهم في الجملة تصحيح البيع الفاسد بارتفاع المفسد دون الباطل، ويعللون ذلك بأن ارتفاع المفسد في الفاسد يرده صحيحا؛ لأن البيع قائم مع الفساد، ومع البطلان لم يكن قائما بصفة البطلان، بل معدوما.
وعلى ذلك لا يجوز بيع الدقيق في الحنطة، والزيت في الزيتون، واللبن في الضرع، والبزر في البطيخ، والنوى في التمر، لأنه معدوم حتى لو سلم البائع للمشتري اللبن، أو الدقيق، أو العصير، لا ينقلب صحيحا؛ لأن المعقود عليه معدوم حالة العقد، ولا يتصور انعقاد العقد بدونه، فلم ينعقد أصلا، فلا يحتمل النفاذ .
14 - أما الجمهور (وهم لا يفرقون بين البيع الفاسد والباطل) فالحكم عندهم أن البيع الباطل لا ينقلب صحيحا برفع المفسد.
ففي كتب الشافعية: لو حذف العاقدان المفسد للعقد، ولو في مجلس الخيار، لم ينقلب العقد صحيحا، إذ لا عبرة بالفاسد .
وفي المغني لابن قدامة: لو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه، فهو محرم، والبيع باطل، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» .
ولأنه اشترط عقدا في عقد ففسد، كبيعتين في بيعة، ولأنه إذا اشترط القرض زاد في الثمن لأجله، فتصير الزيادة في الثمن عوضا عن القرض وربحا له، وذلك ربا محرم، ففسد كما لو صرح به، ولأنه بيع فاسد فلا يعود صحيحا، كما لو باع درهما بدرهمين ثم ترك أحدهما .
وفي شرح منتهى الإرادات: من باع بشرط ضمان دركه إلا من زيد لم يصح بيعه له؛ لأن استثناء زيد من ضمان دركه يدل على حق له في المبيع، لأنه لم يأذن له في بيعه فيكون باطلا، ثم إن ضمن دركه منه أيضا لم يعد البيع صحيحا؛ لأن الفاسد لا ينقلب صحيحا .
والأصل عند المالكية أن كل شرط يناقض مقتضى العقد كبيع الثنيا (بيع الوفاء) - وهو أن يبتاع السلعة على أن البائع متى رد الثمن فالسلعة له - وكذا كل شرط يخل بقدر الثمن كبيع وشرط سلفا، فإن العقد يكون فاسدا.
لكن يصح البيع إن حذف شرط السلف، وكذا كل شرط يناقض المقصود، إلا بعض الشروط فلا يصح البيع معها، ولو حذف الشرط وهي:
(1) من ابتاع سلعة بثمن مؤجل على أنه إن مات فالثمن صدقة عليه، فإنه يفسخ البيع ولو أسقط هذا الشرط، لأنه غرر، وكذا لو شرط: إن مات فلا يطالب البائع ورثته بالثمن.
(2) شرط الثنيا يفسد البيع ولو أسقط الشرط، وهو المشهور .
(3) شرط النقد في بيع الخيار: قال ابن الحاجب: لو أسقط شرط النقد فلا يصح.
أما الشرط الذي يؤدي إلى الإخلال بشرط من شروط الصحة فهذا يوجب الفسخ، وليس للعاقدين إمضاؤه .
15 - ومناط المسألة عند الفقهاء فيما سبق كما قال ابن رشد هو: هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشرط أم لا يرتفع الفساد؟ كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرم العين به؟
كمن باع فرسا بمائة دينار وزق خمر، فلما عقد البيع قال: أدع الزق، وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع.
وهذا أيضا ينبني على أصل آخر. وهو: هل هذا الفساد حكمي (تعبدي) أو معقول؟ فإن قلنا: حكمي، لم يرتفع بارتفاع الشرط. وإن قلنا: معقول، ارتفع بارتفاع الشرط.
فمالك رآه معقولا، والجمهور رأوه غير معقول.
والفساد الذي يوجد في بيوع الربا والغرر أكثره حكمي، ولذلك لا ينعقد عندهم أصلا، وإن ترك الربا بعد البيع أو ارتفع الغرر .
16 - أما الصورة الثانية، وهي تحول البيع الباطل إلى عقد آخر صحيح، فهذا يرجع إلى اختلاف الفقهاء في قاعدة (العبرة بصيغ العقود أو معانيها).
يقول السيوطي: هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها؟ خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. ومن ذلك: لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثمن الأول ، فهو إقالة بلفظ البيع، وخرجه السبكي على القاعدة، والتخريج للقاضي حسين.
قال: إن اعتبرنا اللفظ لم يصح، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة وهو بيع فاسد لأنه وقع على المبيع قبل أن يقبض، ولكنه مع ذلك يتحول إلى إقالة صحيحة، إذ يشتمل العقد على جميع عناصر الإقالة.
وفي الأشباه لابن نجيم: الاعتبار للمعنى لا للألفاظ، صرحوا به في مواضع .
وفي درر الحكام: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، ولذا يجري حكم الرهن في بيع الوفاء .
وفي مذهب مالك: أن من باع عقارا أو غيره وشرط على المبتاع أن لا يبيعه ولا يهبه حتى يعطيه الثمن فلا بأس بهذا، لأنه بمنزلة الرهن إذا كان إعطاء الثمن لأجل مسمى .
وهكذا يجري حكم تحول البيع الباطل إلى عقد آخر صحيح ضمن القاعدة التي سبق ذكرها.
البيع الفاسد
التعريف:
1 - البيع: مبادلة المال بالمال، والفساد: ضد الصلاح.
والبيع الفاسد في الاصطلاح: ما يكون مشروعا أصلا لا وصفا. والمراد بالأصل: الصيغة، والعاقدان، والمعقود عليه. وبالوصف: ما عدا ذلك .
وهذا اصطلاح الحنفية الذين يفرقون بين الفاسد والباطل. فالبيع الفاسد عندهم مرتبة بين البيع الصحيح والبيع الباطل. ولهذا يفيد الحكم، إذا اتصل به القبض، لكنه مطلوب التفاسخ شرعا .
أما جمهور الفقهاء فالفاسد والباطل عندهم سيان، فكما أن البيع الباطل لا يفيد الحكم فكذلك الفاسد لا أثر له عندهم . وهذا في الجملة. إلا أن بعض الشافعية وافقوا الحنفية في الفرق بين الفاسد والباطل حيث قالوا: إن رجع الخلل إلى ركن العقد فالبيع باطل، وإن رجع إلى شرطه ففاسد .
الألفاظ ذات الصلة:
أ - البيع الصحيح:
2 - البيع الصحيح هو: البيع المشروع بأصله ووصفه، ويفيد الحكم بنفسه إذا خلا عن الموانع. فالبيع الصحيح يترتب عليه أثره، من حصول الملك والانتفاع بالمبيع وغير ذلك، ولا يحتاج إلى القبض. وهذا متفق عليه بين المذاهب .
ب - (البيع الباطل:
3 - البيع الباطل: ما لا يكون مشروعا بأصله ولا بوصفه، فلا يترتب عليه أثر، ولا تحصل به فائدة، ولا يعتبر منعقدا، فلا حكم له أصلا؛ لأن الحكم للموجود، ولا وجود لهذا البيع شرعا، وإن وجد من حيث الصورة، كالبيع الواقع من الطفل والمجنون، وكبيع الميتة والحر، وكل ما لا يعتبر مالا .
(ر: بطلان، البيع الباطل).
ج - البيع المكروه:
4 - المكروه لغة: خلاف المحبوب. والبيع المكروه عند جمهور الفقهاء: ما كان مشروعا بأصله ووصفه، لكن نهي عنه لوصف مجاور غير لازم . كالبيع عند أذان الجمعة، وبيع المسلم على بيع أخيه ونحوهما.
والبيع المكروه بيع منعقد صحيح عند الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية) فيترتب عليه أثره، كثبوت الملكية في البدلين، لكن فيه إثم إن كان مكروها تحريما على اصطلاح الحنفية، لورود النهي فيه لوصف عارض، وهو اقترانه بوقت النداء لصلاة الجمعة مثلا . أما المكروه تنزيها فلا إثم فيه كبيع الحاضر للبادي على إحدى الروايات عن أحمد.
وقال الحنابلة: لا يصح بيع بعد أذان الجمعة عقب جلوس الإمام على المنبر، لقوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) والنهي يقتضي الفساد .
(ر: بيع منهي عنه).
د - البيع الموقوف:
5 - البيع الموقوف هو: ما يكون مشروعا بأصله ووصفه، ويفيد الحكم على سبيل التوقف وامتنع تمامه لأجل غيره، كبيع مال الغير. ويسمى البائع حينئذ فضوليا، لتصرفه في حق غيره بغير إذن شرعي. فمن باع ملك غيره يكون البيع موقوفا على إجازة المالك، إن شاء رده، وإن شاء أجاز، إذا كان المبيع والمتبايعان بحالهم .
والبيع الموقوف بيع صحيح عند الحنفية والمالكية، وهو قول عند الشافعية والحنابلة لصدوره من أهله في محله. وباطل عند الشافعية في الصحيح، وهو رواية أخرى عند الحنابلة لعدم الملك والولاية.
(ر: البيع الموقوف).
الحكم التكليفي:
6 - يحرم الإقدام على البيع الفاسد إذا كان المتصرف عالما بفساده؛ لأن فيه مخالفة شرعية ولو في وصف العقد، والفاسد منهي عنه، والنهي يدل على كونه غير مباح .
أسباب الفساد:
7 - ما يلي من الأسباب تفسد العقد عند الحنفية ولا تبطله، والبيع في هذه الأحوال يفيد الحكم بشرط القبض، ويطبق عليه أحكام الفاسد الآتي ذكرها، وهذه الأسباب تعتبر من أسباب بطلان العقد وعدم اعتباره أصلا عند جمهور الفقهاء، وحيث إن البيع الفاسد هو مصطلح الحنفية فقط فيقتصر على ذكر أسباب الفساد عندهم:
أ - عدم القدرة على التسليم إلا بتحمل الضرر:
8 - من شروط البيع الصحيح: أن يكون المبيع مقدور التسليم من غير ضرر يلحق البائع، فإن لم يمكن تسليمه إلا بضرر يلزمه فالبيع فاسد؛ لأن الضرر لا يستحق بالعقد، ولا يلزم بالتزام العاقد إلا تسليم المعقود عليه، فأما ما وراءه فلا.
وعلى ذلك إذا باع جذعا في سقف، أو آجرا في حائط، أو ذراعا في ديباج فإنه لا يجوز، لأنه لا يمكنه تسليمه إلا بالنزع والقطع، وفيه ضرر بالبائع، والضرر غير مستحق بالعقد. فكان بيع ما لا يجب تسليمه شرعا، فيكون فاسدا .
فإن نزعه البائع وسلمه إلى المشتري قبل أن يفسخ العقد جاز البيع، حتى يجبر المشتري على الأخذ ؛ لأن المانع من الجواز ضرر البائع بالتسليم، فإذا سلم باختياره ورضاه فقد زال المانع .
ولو باع حلية سيفه، فإن كان يتخلص منه من غير ضرر يجوز، وإن كان لا يتخلص إلا بضرر فالبيع فاسد، إلا إذا فصل وسلم .
وكذلك الحكم في بيع ذراع من ثوب يضره التبعيض، وبيع فص خاتم مركب فيه، وكذا بيع نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه، للضرر في تسليم ذلك كله .
ب - جهالة المبيع أو الثمن أو الأجل:
9 - من شروط صحة البيع أن يكون المبيع والثمن معلومين علما يمنع من المنازعة، فإن كان أحدهما مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فسد البيع. فإذا قال: بعتك شاة من هذا القطيع، أو ثوبا من هذا العدل فسد البيع؛ لأن الشاة من القطيع أو الثوب من العدل مجهول جهالة مفضية إلى المنازعة، لفحش التفاوت بين شاة وشاة، وثوب وثوب فيوجب الفساد. لكن إذا عين البائع شاة أو ثوبا وسلمه إليه، ورضي به جاز، ويكون ذلك ابتداء بيعا بالمراضاة .
ولو باع شيئا بعشرة دراهم، وفي البلد نقود مختلفة، انصرف إلى النقد الغالب، فيصح العقد، لكنه إذا كان في البلد عدة نقود غالبة فالبيع فاسد؛ لأن الثمن مجهول إذ البعض ليس بأولى من البعض .
10 - وإذا كان البيع فيه أجل، يشترط لصحته أن يكون الأجل معلوما، فإن كان مجهولا يفسد البيع، سواء أكانت جهالة الأجل فاحشة، كهبوب الريح ونزول المطر وقدوم فلان وموته ونحو ذلك، أم متقاربة كالحصاد والدياس والنيروز والمهرجان وقدوم الحاج ونحو ذلك؛ لأن الأول فيه غرر الوجود والعدم، والنوع الثاني مما يتقدم ويتأخر فيؤدي إلى المنازعة، فيوجب فساد البيع .
ج - البيع بالإكراه:
11 - الإكراه إذا كان ملجئا، أي بالتهديد بإتلاف النفس أو العضو مثلا، يعدم الرضا ويفسد الاختيار، فيبطل عقد البيع وسائر العقود بغير خلاف.
أما الإكراه غير الملجئ، كالتهديد بالحبس والضرر اليسير، فيفسد البيع عند الحنفية ولا يبطله، فيثبت به الملك عند القبض، وينقلب صحيحا لازما بإجازة المكره؛ لأن الإكراه غير الملجئ لا يعدم الاختيار (الذي هو: ترجيح فعل الشيء على تركه)، وإنما يعدم الرضا (الارتياح إلى الشيء) والرضا ليس ركنا من أركان البيع، بل هو شرط من شروط صحته . كما هو مفصل في بحث (إكراه).
وكذلك بيع المضطر فاسد، كما إذا اضطر شخص إلى بيع شيء من ماله ولم يرض المشتري إلا بشرائه بأقل من ثمن المثل بغبن فاحش .
د - الشرط المفسد:
12 - من شروط صحة البيع أن يكون خاليا عن الشروط المفسدة، وهي أنواع.
منها ما في وجوده غرر، نحو ما إذا اشترى ناقة على أنها حامل؛ لأن الشرط يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال؛ لأن عظم البطن والتحرك يحتمل أن يكون لعارض، فكان في البيع بهذا الشرط غرر يوجب فساده، لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم: أنه «نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر» .
ويروي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: أن البيع بهذا الشرط جائز، لأن كونها حاملا بمنزلة شرط كون العبد كاتبا أو خياطا ونحو ذلك، وذا جائز، فكذا هذا.
وقد ألحق بعض الفقهاء بهذا المثال شراء بقرة على أنها حلوب، أو قمرية على أنها تصوت، أو كبشا على أنه نطاح، أو ديكا على أنه مقاتل، فالبيع فاسد عند أبي حنيفة، وهو إحدى الروايتين عن محمد، لأنه شرط فيه غرر .
وفي الموضوع أمثلة خلافية يرجع إليها في مظانها.
ومن الشروط الفاسدة التي تفسد العقد: كل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري، وليس بملائم ولا مما جرى به التعامل بين الناس. نحو: إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثم يسلمها إليه، أو أرضا على أن يزرعها سنة، أو دابة على أن يركبها شهرا، أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا، فالبيع في كل هذه الصور فاسد؛ لأن زيادة المنفعة المشروطة في البيع تكون ربا، لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع، والبيع الذي فيه ربا فاسد. وكذا ما فيه شبهة الربا، فإنها مفسدة للبيع. (ر: ربا).
ومن الشروط المفسدة: شرط خيار مؤبد في البيع، وكذلك شرط خيار مؤقت بأجل مجهول جهالة فاحشة، كهبوب الريح ومجيء المطر مثلا، وتفصيله في مصطلح: (شرط) .
ه - اشتمال العقد على التوقيت:
13 - من شروط صحة البيع: ألا يكون العقد مؤقتا، فإن أقته فالبيع فاسد؛ لأن عقد البيع عقد تمليك العين، وعقود تمليك الأعيان لا تصح مؤقتة، ولهذا عرف بعض الفقهاء البيع بأنه: عقد معاوضة مالية يفيد ملك عين على التأبيد .
وللتفصيل ينظر مصطلح: (أجل، تأقيت).
و - اشتمال العقد على الربا:
14 - من شروط صحة البيع: الخلو عن الربا؛ لأن البيع الذي فيه ربا فاسد عند الحنفية؛ لأن الربا حرام بنص الكتاب الكريم. قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) .
وكذلك يشترط أن يكون البيع خاليا عن شبهة الربا، واحتمال الربا. قال الكاساني: حقيقة الربا كما هي مفسدة للبيع، فاحتمال الربا مفسد له أيضا، ولأن الشبهة ملحقة بالحقيقة في باب الحرمات احتياطا، وأصله ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرام بين، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك» .
ز - البيع بغرر:
15 - الغرر هو خطر حصول الشيء أو عدم حصوله، فإذا كان الغرر في أصل المبيع، بأن يكون محتملا للوجود والعدم، كبيع الثمار قبل أن تخلق، وبيع الطير في الهواء قبل أن يصطاد، فالعقد باطل، وإن كان في أوصافه كبيع الرطب على النخل بتمر مقطوع فالعقد فاسد عند الحنفية لجهالة قدر المبيع .
وتفصيله في مصطلح: (غرر)
ح - بيع المنقول قبل قبضه:
16 - من اشترى عينا منقولة لا يصح بيعه لها قبل قبضها من البائع الأول ، لما روي «أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبض» .
ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه، لأنه إذا هلك قبل القبض يبطل البيع الأول، فينفسخ الثاني، لأنه بناء على الأول ، وسواء أباعه من بائعه الأول أو من غيره.
وكذلك لو قبض نصف المبيع المنقول الذي اشتراه، فأشرك رجلا فيما اشتراه جاز فيما قبض، ولم يجز فيما لم يقبض؛ لأن الإشراك نوع بيع والمبيع منقول، فلم يكن غير المقبوض محلا له شرعا، فلم يصح في غير المقبوض، وصح في قدر المقبوض . (ر: قبض).
تجزؤ الفساد:
17 - الأصل اقتصار الفساد على قدر المفسد، فالصفقة إذا اشتملت على الصحيح والفاسد يقتصر الفساد فيه على قدر المفسد، ويصح في الباقي، وهذا متفق عليه بين فقهاء الحنفية إذا كان الفساد طارئا.
وقد ورد في صور بيع العينة: ما لو باع شيئا بعشرة ولم يقبض الثمن، ثم اشتراه بخمسة لم يجز، أما إذا اشترى ذلك الشيء مضموما إليه غيره فيصح.
جاء في الهداية: أن من اشترى سلعة بخمسمائة، ثم باعها وأخرى معها بخمسمائة من البائع قبل نقد الثمن، فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع، ولا يجوز في الأخرى لأنه لا بد أن يجعل الثمن بمقابلة التي لم يشترها، فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع قبل نقد الثمن، وهو فاسد بشبهة الربا .
أما إذا كان الفساد مقارنا للعقد فكذلك الحكم عند أبي يوسف ومحمد، لأنهما لا يفرقان بين الفساد الطارئ والفساد المقارن.
وقال أبو حنيفة: متى فسد العقد في البعض بمفسد مقارن يفسد في الكل لأنه إذا كان الفساد مقارنا يصير قبول العقد في الفاسد شرط قبول العقد في الآخر، وهذا شرط فاسد، فيؤثر في الكل، ولم يوجد هذا المعنى في الفساد الطارئ، فاقتصر الفساد فيه على قدر المفسد.
وعلى ذلك إذا اشترى دينارا بعشرة دراهم نسيئة، ثم نقد بعض العشرة دون البعض في المجلس فسد الكل عند أبي حنيفة؛ لأن الفساد مقارن للعقد، فيؤثر في فساد الكل. وعندهما يصح بقدر ما قبض ويفسد في الباقي، بناء على اقتصار الفساد على قدر المفسد .
أمثلة للبيع الفاسد:
18 - ذكر الحنفية في كتبهم - بعد بيان البيع الباطل - أمثلة عن البيع الفاسد، وذلك بناء على أصلهم من التفرقة بينهما، ومن أمثلة البيع الفاسد: بيع ما سكت فيه عن الثمن، كبيعه بقيمته، وذراع من ثوب يضره التبعيض، وبيع الملامسة والمنابذة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة» وبيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللحم في الشاة، وجذع في سقف، وثوب من ثوبين إذا لم يشترط فيه خيار التعيين.
أما اللبن في الضرع فللجهالة واختلاط المبيع بغيره، وكذا الصوف على الظهر، ولاحتمال وقوع التنازع، وقد «نهى النبي صلي الله عليه وسلم عن بيع لبن في ضرع، وسمن في لبن» .
وأما اللحم في الشاة والجذع في السقف فلا يمكن تسليمه إلا بضرر لا يستحق عليه. وكذلك ذراع من ثوب وحلية في سيف، وإن قلعه وسلمه قبل نقض البيع جاز .
ولو باع عينا على أن يسلمها إلى رأس الشهر فهو فاسد؛ لأن تأجيل الأعيان باطل، إذ لا فائدة فيه؛ لأن التأجيل شرع في الأثمان تيسيرا على المشتري، ليتمكن من تحصيل الثمن، وأنه معدوم في الأعيان فكان شرطا فاسدا.
ومن البيع الفاسد: بيع المزابنة والمحاقلة لنهي النبي صلي الله عليه وسلم عنهما ولشبهة الربا فيهما. ولو باع على أن يقرض المشتري دراهم أو ثوبا على أن يخيطه البائع فالبيع فاسد، «لأنه صلي الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط»، وهذا شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، وفيه منفعة لأحد العاقدين فيفسد العقد.
والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا جهل المتبايعان ذلك فاسد، وكذلك البيع إلى الحصاد والقطاف والدياس وقدوم الحاج لجهالة الأجل، وهي تقضي إلى المنازعة، وإن أسقط الأجل قبل حلوله جاز البيع عند فقهاء الحنفية، خلافا لزفر حيث قال: الفاسد لا ينقلب صحيحا .
19 - هذا، ومن أمثلة البيع الفاسد التي ذكرها الحنفية: البيع بالخمر والخنزير، أو بيعهما مقايضة بالعين، فإذا قوبلا بالعين كما إذا اشترى الثوب بالخمر، أو باع الخمر بالثوب فالبيع فاسد، أما إن قوبلا بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل.
ووجه الفرق كما ذكره المرغيناني: أن الخمر والخنزير مال عند أهل الذمة، إلا أنه غير متقوم؛ لأن الشرع أمر بإهانته وترك إعزازه، وفي تملكه بالعقد إعزاز له، وهذا لأنه متى اشتراها بالدراهم فالدراهم غير مقصودة، لكونها وسيلة لما أنها تجب في الذمة، وإنما المقصود الخمر، فسقط التقوم أصلا فبطل العقد، بخلاف مشتري الثوب بالخمر لأن فيه إعزازا للثوب دون الخمر. وكذا إذا باع الخمر بالثوب فيكون العقد
فاسدا، لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر، لكونه مقايضة .
20 - وهناك صور أخرى اختلف فقهاء الحنفية في اعتبارها بيعا فاسدا أو بيعها باطلا، كبيع الحمل، وبيع الطير في الهواء، والسمك في البحر قبل اصطيادهما لو قوبلا بالعرض، وبيع ضربة القانص والغائص . وبيع لؤلؤ في صدف، وكذلك بيع الآبق، واللبن في الضرع .
آثار البيع الفاسد:
21 - تقدم أنه لا فرق بين بيع البيع الفاسد والبيع الباطل عند جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) في الجملة، فكلاهما غير منعقد، فلا اعتبار بالبيع الفاسد شرعا، كما أنه لا اعتبار بالبيع الباطل عندهم .
ولما قال خليل في مختصره: وفسد منهي عنه، فسره الدردير بقوله: أي بطل، أي لم ينعقد، سواء أكان عبادة، كصوم يوم العيد، أم عقدا، كنكاح المريض والمحرم، وكبيع ما لا يقدر على تسليمه، أو مجهول؛ لأن النهي يقتضي الفساد .
وكتب على نص خليل الدسوقي قوله: أي منهي عن تعاطيه. وهذه قضية كلية شاملة للعبادات والمعاملات، وهي العقود .
وصرح الشافعية بأنه لو حذف المتعاقدان المفسد للعقد، ولو في مجلس الخيار، لم ينقلب صحيحا، إذ لا عبرة بالفاسد . وهذا يعني أن الفاسد عندهم لا تلحقه الإجازة، كالباطل عند الحنفية . وقد أخذ القليوبي والجمل وغيرهما على الإمام النووي - رحمه الله تعالي - أنه أهمل هنا فصلا في حكم البيع الفاسد والمقبوض بالشراء الفاسد، وذكروا أحكامه مختصرة .
أما الحنفية فيفرقون بين البيع الفاسد والبيع الباطل، ويعتبرون الفاسد منعقدا خلافا للباطل فإنه غير منعقد، وله أحكام سبقت في مصطلحه.
أما البيع الفاسد فله أحكام نجملها فيما يلي:
أولا - انتقال الملك بالقبض:
22 - البيع الفاسد يفيد الملك بقبض المشتري المبيع بإذن البائع صريحا أو دلالة عند الحنفية، كما إذا قبضه في المجلس وسكت البائع، فيجوز للمشتري التصرف في المبيع، ببيع أو هبة أو صدقة أو إجارة ونحو ذلك، إلا الانتفاع .
قال ابن عابدين: إذا ملكه تثبت له كل أحكام الملك إلا خمسة: لا يحل له أكله، ولا لبسه، ولا وطؤها - إن كان المبيع أمة - ولا أن يتزوجها منه البائع، ولا شفعة لجاره لو عقارا .
ودليل جواز التصرف في المبيع فاسدا حديث «عائشة رضي الله عنها، حيث ذكرت لرسول الله صلي الله عليه وسلم أنها أرادت أن تشتري بريرة، فأبى مواليها أن يبيعوها إلا بشرط: أن يكون الولاء لهم، فقال لها: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإن - الولاء لمن أعتق، فاشترتها مع شرط الولاء لهم» . فأجاز العتق مع فساد البيع بالشرط.
ولأن ركن التمليك، وهو قوله: بعت واشتريت، صدر من أهله، وهو المكلف المخاطب مضافا إلى محله وهو المال عن ولاية، إذ الكلام فيهما، فينعقد لكونه وسيلة إلى المصالح، والفساد لمعنى يجاوره، كالبيع وقت النداء، والنهي لا ينفي الانعقاد بل يقرره، لأنه يقتضي تصور المنهي عنه والقدرة عليه؛ لأن النهي عما لا يتصور، وعن غير المقدور قبيح، إلا أنه يفيد ملكا خبيثا لمكان النهي .
واشترطوا لإفادة البيع الفاسد الملك شرطين:
أحدهما: القبض، فلا يثبت الملك قبل القبض، لأنه واجب الفسخ رفعا للفساد، وفي وجوب الملك قبل القبض تقرر الفساد.
والثاني: أن يكون القبض بإذن البائع، فإن قبض بغير إذن لا يثبت الملك .
23 - هذا، واختلف علماء الحنفية في كيفية حصول الملك والتصرف في المبيع بيعا فاسدا. قال بعضهم: إن المشتري يملك التصرف فيه باعتبار تسليط البائع له، لا باعتبار تملك العين، ولهذا لا يجوز أكل طعام اشتراه شراء فاسدا. وذهب بعضهم إلى أن جواز التصرف بناء على ملك العين، واستدلوا بما إذا اشترى دارا بشراء فاسد وقبضها، فبيعت بجنبها دار، له أن يأخذها بالشفعة لنفسه، ولم يملكها لما استحق الشفعة. لكن لا تجب فيه شفعة للشفيع وإن كان يفيد الملك؛ لأن حق البائع لم ينقطع .
أي لأن لكل من البائع والمشتري الفسخ.
انتقال الملك بالقيمة لا بالمسمى:
24 - اتفق الحنفية على أن حصول الملك بالقبض في البيع الفاسد في مقابل قيمة المبيع، لا الثمن المسمى الذي اتفق عليه الطرفان. وذلك لأن العقد منهي عنه، والتسمية فاسدة فلا يجب المسمى، والمعتبر في القيمة يوم القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ويوم الإتلاف عند محمد .
ثانيا: استحقاق الفسخ:
25 - البيع الفاسد، مع كونه غير مشروع بوصفه، فالفساد مقترن به، ودفع الفساد
واجب فيستحق فسخه، ولأن الفاسد يفيد ملكا خبيثا لمكان النهي، فكان لكل واحد منهما حق الفسخ، إزالة للخبث ودفعا للفساد. ولأن من أسباب البيع الفاسد اشتراط الربا وإدخال الآجال المجهولة ونحو ذلك، وهذه معصية والزجر عن المعصية واجب، واستحقاق الفسخ يصلح زاجرا عن المعصية، لأنه إذا علم أنه يفسخ، فالظاهر أنه يمتنع عن المباشرة كما علله الفقهاء .
ولا يشترط في فسخه قضاء قاض؛ لأن الواجب شرعا لا يحتاج إلى القضاء . ولكن لو أصرا على إمساك المبيع بيعا فاسدا وعلم بذلك القاضي فله فسخه جبرا عليهما، حقا للشرع .
شروط الفسخ:
26 - الفسخ مشروط بما يلي:
أ - أن يكون بعلم المتعاقد الآخر، ولا يشترط رضاه، ونقل الكاساني عن الكرخي أن هذا الشرط من غير خلاف: ثم نقل عن الأسبيجابي أنه شرط عندهما خلافا لأبي يوسف، وأن الخلاف فيه كالخلاف في خيار الشرط والرؤية.
ب - أن يكون المبيع قائما في يد أحدهما.
ج - أن لا يعرض له ما يتعذر به الرد .
من يملك الفسخ:
27 - الفسخ إما أن يكون قبل القبض أو بعده:
أ - فإن كان الفسخ قبل القبض، فلكل من المتعاقدين الفسخ بعلم صاحبه من غير رضاه؛ لأن البيع الفاسد قبل القبض لا يفيد الملك، فكان الفسخ قبل القبض بمنزلة الامتناع من القبول والإيجاب ، فيملكه كل واحد منهما، لكنه - كما يقول الزيلعي - يتوقف على علمه؛ لأن فيه إلزام الفسخ له، فلا يلزمه بدون علمه .
ب - وإن كان الفسخ بعد القبض: فإما أن يكون الفساد راجعا إلى البدلين أو إلى غيرهما:
(1) فإن كان الفساد في صلب العقد، بأن كان راجعا إلى البدلين: المبيع والثمن، كبيع درهم بدرهمين، وكالبيع بالخمر والخنزير، فكذلك الحكم، ينفرد أحدهما بالفسخ؛ لأن الفساد الراجع إلى البدل راجع إلى صلب العقد، فلا يمكن تصحيحه، لأنه لا قوام للعقد إلا بالبدلين، فكان الفساد قويا، فيؤثر في صلب العقد، بعدم لزومه في حق المتعاقدين جميعا.
(2) وإن كان الفساد غير راجع إلى البدلين، كالبيع بشرط زائد، كالبيع إلى أجل مجهول، أو بشرط فيه نفع لأحدهما:
- فالأسبيجابي قرر أن ولاية الفسخ لصاحب الشرط، بلا خلاف؛ لأن الفساد الذي لا يرجع إلى البدل، لا يكون قويا فيحتمل السقوط، فيظهر في حق صاحب الشرط، فلا يلزمه - وذكر الكرخي خلافا في المسألة:
ففي قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لكل منهما الفسخ، لعدم اللزوم، بسبب الفساد.
وفي قول محمد: الفسخ لمن له منفعة الشرط، لأنه القادر على تصحيح العقد بإسقاط المفسد، فلو فسخه الآخر، لأبطل حقه عليه، هذا لا يجوز .
طريق فسخ البيع الفاسد:
28 - يفسخ العقد الفاسد بطريقين:
الأول: بالقول، وذلك بأن يقول من يملك الفسخ: فسخت العقد، أو رددته، أو نقضته، فينفسخ بذلك، ولا يحتاج إلى قضاء ولا رضا البائع، سواء أكان قبل القبض أم بعده؛ لأن استحقاق الفسخ ثبت رفعا للفساد، ورفع الفساد حق لله تعالى، فيظهر في حق الكافة، ولا يتوقف على قضاء ولا رضاء .
الثاني: بالفعل، وذلك بأن يرد المبيع على بائعه بأي وجه، بهبة أو صدقة، أو إعارة، أو بيع أو إجارة، فإذا فعل ذلك، ووقع المبيع في يد بائعه - حقيقة، أو حكما كالتخلية - فهو متاركة للبيع، وبرئ المشتري من ضمانه .
ما يبطل به حق الفسخ:
29 - لا يسقط حق الفسخ بصريح الإبطال والإسقاط، بأن يقول: أسقطت، أو: أبطلت، أو: أوجبت البيع، أو ألزمته؛ لأن وجوب الفسخ ثبت حقا لله تعالى، دفعا للفساد، وما ثبت حقا لله تعالى خالصا، لا يقدر العبد على إسقاطه مقصودا، كخيار الرؤية.
لكن قد يسقط بطريق الضرورة، بأن يتصرف العبد في حق نفسه مقصودا، فيتضمن ذلك سقوط حق الله عز وجل، بطريق الضرورة.
وإذا بطل حق الفسخ لزم البيع، وتقرر الضمان، وإذا لم يبطل لا يلزم البيع، ولا يتقرر الضمان.
وفيما يلي أهم صور ذلك.
الصورة الأولى: التصرف القولي في المبيع بيعا فاسدا.
30 - أطلق الحنفية القول بأنه يبطل حق الفسخ بكل تصرف يخرج المبيع عن ملك المشتري لتعلق حق العبد به . وهذا التعليل هو الذي أصله المالكية، وذلك كما لو جعل المبيع مهرا، أو بدل صلح، أو بدل إجارة، وعللوه قائلين: لخروجه عن ملكه بذلك .
أو وهبه وسلمه؛ لأن الهبة لا تفيد الملك إلا بالتسليم بخلاف البيع.
أو رهنه وسلمه؛ لأن الرهن لا يلزم بدون التسليم.
أو وقفه وقفا صحيحا، لأنه استهلكه حين وقفه وأخرجه عن ملكه .
أو أوصى به ثم مات، لأنه ينتقل من ملكه إلى ملك الموصى له، وهو ملك مبتدأ، فصار كما لو باعه.
أو تصدق به وسلمه أيضا، لأنه لا يخرج عن ملك المتصدق بدون تسليم .
وكذا العتق، فقد استثنوه لقوته وسرايته وتشوف الشارع إليه .
31 - ففي هذه الصور كلها، ينفذ البيع الفاسد، ويمتنع فسخه وذلك:
أ - لأن المشتري ملكه، فملك التصرف فيه.
ب - ولأنه تعلق حق العبد بالعقد الثاني، ونقض العقد الأول ما كان إلا لحق الشرع، وحق العبد عند معارضة حق الله تعالى يقدم بإذنه تعالى، لغناه سبحانه وتعالى وسعة عفوه، وفقر العبد دائما إلى ربه.
ج - ولأن العقد الأول مشروع بأصله لا بوصفه، والثاني مشروع بأصله ووصفه، فلا يعارضه مجرد الوصف.
د - ولأن البيع الثاني حصل بتسليط من جهة البائع الأول ؛ لأن التمليك منه - مع الإذن في القبض - تسليط على التصرف، فلا يتمكن من الاسترداد من المشتري الثاني، وإلا كان ساعيا في نقض ما تم من جهته، ويؤدي إلى المناقضة .
32 - استثنى الحنفية من ذلك: الإجارة. فقرروا أنها لا تمنع من فسخ البيع الفاسد؛ لأن الإجارة تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد من الأعذار، بل لا عذر أقوى من الفساد، كما يقول الكاساني .
ولأنها - كما يقول المرغيناني - تنعقد شيئا فشيئا، فيكون الرد امتناعا .
ونص الحنفية على أنه إذا زال المانع من ممارسة حق الفسخ - كما لو رجع الواهب بهبته، أو أفتك الراهن رهنه - عاد الحق في الفسخ؛ لأن هذه العقود لم توجب الفسخ من كل وجه في حق الكل.
لكن يشترط أن يكون ذلك قبل القضاء بالقيمة أو المثل، لا بعده؛ لأن قضاء القاضي بذلك يبطل حق البائع في العين، وينقله إلى القيمة أو المثل بإذن الشرع، فلا يعود حقه إلى العين وإن ارتفع السبب، كما لو قضى على الغائب بقيمة المغصوب بسبب فقده مثلا، ثم وجد المغصوب .
الصورة الثانية: الأفعال التي ترد على المبيع بيعا فاسدا:
33 - ومنها البناء والغرس، فلو بنى المشتري في الأرض التي اشتراها شراء فاسدا بناء أو غرس شجرا:
فذهب أبو حنيفة إلى أنه يمتنع الفسخ بالبناء والغرس، وذلك لأنهما استهلاك عنده، لأنه يقصد بهما الدوام، وقد حصلا بتسليط من البائع، فينقطع بهما حق الاسترداد، كالبيع.
وذهب الصاحبان إلى أن البناء والغرس لا يمنعان من الفسخ، وللبائع أن ينقضهما ويسترد المبيع، وذلك لأن حق الشفعة - مع ضعفه - لا يبطل بالبناء والغرس، فهذا أولى .
34 - ومما يمنع الفسخ الزيادة في المبيع أو النقص منه.
أ - أما الزيادة: فقد قرر الحنفية أن كل زيادة متصلة بالمبيع، غير متولدة منه، كما لو كان المبيع قماشا فخاطه، أو ثوبا فصبغه، أو قمحا فطحنه، أو قطنا فغزله، ففي هذه الصور كلها وأمثالها يمتنع الفسخ، وتلزم المشتري قيمة المبيع.
وأما الزيادة المتصلة المتولدة كسمن المبيع، والزيادة المنفصلة المتولدة كالولد، والزيادة المنفصلة غير المتولدة كالكسب والهبة، فإنها لا تمنع الفسخ .
ب - وأما نقص المبيع، فقد قرروا أنه إذا نقص في يد المشتري، لا يبطل حقه في الرد، ولا يمتنع الفسخ. لكن إن نقص وهو في يده بفعله، أو بفعل المبيع نفسه، أو بآفة سماوية يأخذه البائع منه، ويضمنه أرش النقصان. ولو نقص وهو في يد المشتري بفعل البائع، اعتبر البائع بذلك مستردا له. ولو نقص بفعل أجنبي، خير البائع بأخذه من المشتري أو من الجاني .
35 - وقد وضع الزيلعي من الحنفية ضابطا لما يمتنع به من الأفعال حق الاسترداد والفسخ، فقال: إن المشتري متى فعل بالمبيع فعلا، ينقطع به حق المالك في الغصب، ينقطع به حق المالك في الاسترداد، كما إذا كان حنطة فطحنها .
ثالثا (من أحكام البيع الفاسد): حكم الربح في البدلين بالبيع الفاسد:
36 - صرح فقهاء الحنفية بأنه يطيب للبائع ما ربح في الثمن، ولا يطيب للمشتري ما ربح في المبيع، فلو اشترى من رجل عينا بالبيع الفاسد بألف درهم مثلا وتقابضا، وربح كل واحد منهما فيما قبض، يتصدق الذي قبض العين بالربح، لأنها تتعين بالتعيين، فتمكن الخبث فيها، ويطيب الربح للذي قبض الدراهم؛ لأن النقد لا يتعين بالتعيين .
ومفاد هذا الفرق: أنه لو كان بيع مقايضة (أي بيع عين بعين) لا يطيب الربح لهما؛ لأن كلا من البدلين مبيع من وجه، فتمكن الخبث فيهما معا .
رابعا: قبول البيع الفاسد للتصحيح:
37 - البيع الفاسد إما أن يكون الفساد فيه ضعيفا أو قويا:
أ - فإذا كان الفساد ضعيفا، وهو ما لم يدخل في صلب العقد، فإنه يمكن تصحيحه كما في البيع بشرط خيار لم يوقت، أو وقت إلى وقت مجهول كالحصاد والدياس، وكما في البيع بثمن مؤجل إلى أجل مجهول مثلا، فإذا أسقط الأجل من له الحق فيه قبل حلوله، وقبل فسخه، جاز البيع لزوال المفسد، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرره ابن عابدين كذلك سائر البياعات الفاسدة تنقلب جائزة بحذف المفسد، فبيع جذع في سقف فاسد، وكذلك بيع ذراع من ثوب وحلية في سيف، لأنه لا يمكن تسليم المبيع إلا بضرر لا يستحق عليه، لكنه إن قلعه وسلمه قبل نقض البيع جاز، وليس للمشتري الامتناع. وبيع ثوب من ثوبين فاسد لجهالة المبيع، لكنه لو قال: على أن يأخذ أيهما شاء جاز لعدم المنازعة . وإن باع بشرط أن يعطيه المشتري رهنا، ولم يكن الرهن معينا ولا مسمى، فالبيع فاسد، لكن إذا تراضيا على تعيين الرهن في المجلس، ورفعه المشتري إليه قبل أن يتفرقا، أو عجل المشتري الثمن يبطل الأجل، فيجوز البيع استحسانا لزوال الفساد .
هذا كله عند أكثر فقهاء الحنفية، خلافا لزفر حيث قال: البيع إذا انعقد على الفساد لا يحتمل الجواز بعد ذلك برفع المفسد، لما فيه من الاستحالة.
ب - أما إذا كان الفساد قويا، بأن يكون في صلب العقد، وهو البدل أو المبدل، فلا يحتمل الجواز برفع المفسد اتفاقا، كما إذا باع عينا بألف درهم ورطل من خمر، فحط الخمر عن المشتري، فهذا البيع فاسد ولا ينقلب صحيحا .
خامسا: الضمان إذا هلك المبيع:
38 - لا يختلف الفقهاء في أن المبيع بيعا فاسدا، إذا هلك وهو في يد المشتري، ثبت ضمانه عليه، وذلك برد مثله إن كان مثليا - مكيلا أو موزونا أو معدودا - ورد قيمته إن كان قيميا، بالغة ما بلغت، سواء أكانت أكثر من الثمن أم أقل منه أم مثله.
وتجب القيمة في القيمي، عند جمهور الحنفية يوم القبض، لأنه به يدخل في ضمانه، فهو اليوم الذي انعقد به سبب الضمان .
وعند محمد تعتبر قيمته يوم الإتلاف (الهلاك)، لأنه بالإتلاف يتقرر المثل أو القيمة
39 - أما لو نقص المبيع بيعا فاسدا في يد المشتري، فالنقص مضمون عليه على النحو التالي:
أ - لو نقص في يد المشتري بفعل المشتري، أو المبيع نفسه، أو بآفة سماوية، أخذه البائع مع تضمين المشتري أرش النقصان.
ب - ولو نقص بفعل البائع، صار بذلك مستردا للمبيع، حتى لو هلك عند المشتري ولم يوجد منه حبس عن البائع، هلك على البائع.
ج - ولو نقص بفعل أجنبي، خير البائع:
- فإن شاء أخذه من المشتري، ثم يرجع المشتري على الجاني.
- وإن شاء اتبع الجاني، وهو لا يرجع على المشتري .
سادسا: ثبوت الخيار فيه:
40 - نص الحنفية على أن خيار الشرط يثبت في البيع الفاسد، كما يثبت في البيع الجائز حتى لو باع عبدا بألف درهم ورطل من خمر، على أنه بالخيار، فقبضه المشتري بإذن البائع، وأعتقه في الأيام الثلاثة لا ينفذ إعتاقه، ولولا خيار الشرط للبائع لنفذ إعتاق المشتري بعد القبض. قال ابن عابدين: ومفاده صحة إعتاقه بعد مضي المدة، لزوال الخيار، وهو ظاهر.
وكما يثبت خيار الشرط في المبيع بيعا فاسدا، يثبت فيه خيار العيب، وللمشتري بعد قبضه أن يرده بالعيب بقضاء وبغير قضاء .
بيع الفضولي
التعريف:
1 - البيع في اللغة: مبادلة شيء بشيء. وفي الشرع هو: مبادلة المال المتقوم بالمال المتقوم تمليكا وتملكا .
والفضولي لغة: من يشتغل بما لا يعنيه.
وأما في الاصطلاح فهو: من لم يكن وليا ولا أصيلا ولا وكيلا في العقد .
وجاء في العناية: أن الفضولي بضم الفاء لا غير، والفضل: الزيادة، وغلب استعمال الجمع (فضول) بدلا من المفرد (فضل) فيما لا خير فيه. وقيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي، وهو في اصطلاح الفقهاء: من ليس بوكيل .
وجاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: وفي حاشية ابن عابدين أن الفضولي: هو من يتصرف في حق الغير بغير إذن شرعي، كالأجنبي يزوج أو يبيع. ولم ترد النسبة إلى الواحد وهو الفضل، وإن كان هو القياس، لأنه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى، فصار كالأنصاري والأعرابي .
هذا، ولفظ الفضولي عند الفقهاء يتناول كل من يتصرف بلا ملك ولا ولاية ولا وكالة، كالغاصب إذا تصرف في المغصوب بالبيع أو غيره، والوكيل إذا باع أو اشترى أو تصرف مخالفا لما أمره به موكله، فهو أيضا يعتبر بهذه المخالفة فضوليا، لأنه تجاوز الحدود التي قيده بها موكله.
الحكم التكليفي:
2 - الفقهاء الذين يرون أن بيع الفضولي باطل مقتضى مذهبهم حرمة الإقدام على بيع الفضولي لأنه تسبب للمعاملات الباطلة. أما من رأى صحته - وهم الحنفية والمالكية - فقد صرح المالكية بأن بيع الفضولي بلا مصلحة للمالك حرام، أما إن باع للمصلحة كخوف تلف أو ضياع فغير حرام، بل ربما كان مندوبا.
ولم نجد للحنفية تصريحا بالحكم التكليفي.
الحكم الإجمالي:
3 - للفقهاء في بيع الفضولي اتجاهان من حيث الجملة.
أحدهما: يجيز البيع ويوقف نفاذه على إجازة المالك.
والثاني: يمنع البيع ويبطله.
وأما الشراء، فإن منهم من يجيزه ويجعله موقوفا على الإجازة كالبيع، ومنهم من لا يجعله كذلك، ومنهم من يذكر فيه تفصيلا.
الأدلة:
4 - استدل القائلون بجواز بيع الفضولي بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وفي هذا إعانة لأخيه المسلم .
واستدلوا أيضا بحديث «عروة بن أبي الجعد البارقي، وهو أن النبي صلي الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه» .
وبحديث حكيم بن حزام وهو «أن النبي صلي الله عليه وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار، فاشترى أضحية، فأربح فيها دينارا، فاشترى أخرى مكانها، فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ضح بالشاة وتصدق بالدينار» .
فهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم أجاز هذا البيع، ولو كان باطلا لرده، وأنكر على من صدر منه، وأيضا فإن هذا تصرف تمليك، وقد صدر من أهله فوجب القول بانعقاده، إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخييره، بل فيه نفعه، حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن (أي المطالبة) وغيره، وفيه نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء، وفيه نفع المشتري لأنه أقدم عليه طائعا، فثبتت القدرة الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه .
5 - واستدل القائلون بعدم الجواز بما روي عن «حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم: فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك» .
واستدلوا أيضا بحديث عمرو بن شعيب قال: حدثني أبي عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» .
وبما روي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك» .
فهذه الأحاديث تدل على أن بيع الفضولي باطل، لأنه تصرف بلا ملك ولا إذن ولا ولاية ولا وكالة.
وأيضا فإنه باع ما لا يقدر على تسليمه فلم يصح، كبيع الآبق والسمك في الماء والطير في الهواء .
وفيما يلي تفصيل المذاهب في تصرف الفضولي:
(أ) تصرف الفضولي في البيع:
6 - اتفق الفقهاء على أن من شروط البيع: أن يكون المبيع مملوكا للبائع، أو له عليه ولاية أو وكالة تجيز تصرفه فيه، واتفقوا أيضا على صحة بيع الفضولي، إذا كان المالك حاضرا وأجاز البيع، لأن الفضولي حينئذ يكون كالوكيل.
واتفقوا أيضا على عدم صحة بيع الفضولي إذا كان المالك غير أهل للإجازة، كما إذا كان صبيا وقت البيع.
7 - ومحل الخلاف في بيع الفضولي إذا كان المالك أهلا للتصرف وبيع ماله وهو غائب، أو كان حاضرا وبيع ماله وهو ساكت، فهل يصح بيع الفضولي أو لا يصح؟
ذهب الحنفية والمالكية، والشافعي في القديم، وهو أحد قوليه في الجديد، وأحمد في إحدى الروايتين عنه: إلى أن البيع صحيح، إلا أنه موقوف على إجازة المالك.
وذهب الشافعي في القول الثاني من الجديد، وأحمد في الرواية الأخرى عنه: إلى أن البيع باطل .
8 - وهذا كله من حيث الإجمال فقط، وذلك لأن الحنفية يذكرون شروطا لنفاذ بيع الفضولي، وهي عبارة عن بقاء الملك، ويتحقق ببقاء العاقدين: البائع والمشتري، وبقاء المعقود عليه بلا تغيير؛ لأن الإجازة تصرف في العقد، فلا بد من قيامه، وذلك بقيام العاقدين ومحل العقد، كما هو الحال في إنشاء العقد. واشترطوا أيضا أن لا يبيع الفضولي الشيء على أنه لنفسه. وأما الثمن فإنهم اشترطوا قيامه إن كان عرضا، لأن العرض يتعين بالتعيين فصار كالمبيع، ولم يشترطوا قيام الثمن إن كان دينا.
واشترطوا أيضا: بقاء المالك الأول ، وهو المعقود له مع علمه بحال المبيع وقت الإجازة من وجوده أو عدمه؛ لأن العقد موقوف على إجازته، فلا ينفذ بإجازة غيره، فلو مات المالك لم ينفذ بإجازة الوارث، سواء أكان الثمن دينا أم عرضا .
ولو لم يعلم المالك حال المبيع وقت الإجازة من بقائه أو عدمه جاز البيع في قول أبي يوسف أولا، وهو قول محمد، لأن الأصل بقاؤه. ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصح ما لم يعلم المالك قيام المبيع عند الإجازة؛ لأن الشك وقع في شرط الإجازة، فلا يثبت مع الشك .
9 - وإذا أجاز المالك صار المبيع ملكا للمشتري والثمن مملوكا له أمانة في يد الفضولي، فلو هلك لا يضمنه كالوكيل، فإن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة، من حيث إنه بها صار تصرفه نافذا، ولذا يسمى هذا النوع من الإجازة (إجازة عقد)
هذا إذا كان الثمن دينا، فإن كان عينا بأن باع الفضولي ملك غيره بعرض معين بيع مقايضة، اشترط قيام الأربعة المذكورة، وهي: العاقدان والمبيع ومالكه الأول، وخامس وهو ذلك الثمن العرض، وإذا أجاز مالك المبيع والثمن عرض - فالفضولي يكون ببيع مال الغير مشتريا للعرض من وجه، والشراء لا يتوقف إذا وجد نفاذا، فينفذ على الفضولي، فيصير مالكا للعرض، والذي تفيده الإجازة أنه أجاز للفضولي أن ينقد ثمن ما اشتراه من ذلك العرض من ماله، ولذا تسمى إجازة العقد، كأنه قال: اشتر هذا العرض لنفسك، وانقده ثمنه من مالي هذا قرضا عليك، فإن كان مثليا فعليه مثله، وإن كان قيميا كثوب فقيمته. فيصير مستقرضا للثوب. والقرض وإن لم يجز في القيميات لكن ذلك إذا كان قصدا. وهنا إنما يثبت ضمنا مقتضى لصحة الشراء، فيراعى فيه شرائط صحة المقتضي، وهو الشراء لا غير .
10 - وصرح الحنفية بأن للفضولي أن يفسخ قبل إجازة المالك، دفعا للحوق الضرر عن نفسه؛ لأن حقوق البيع ترجع إليه، بخلاف الفضولي في النكاح، لأنه معبر محض .
11 - وذكر الحنفية أيضا أن الفضولي بعد الإجازة يصير حكمه حكم الوكيل، حتى لو حط من الثمن ثم أجاز المالك البيع يثبت البيع والحط، سواء علم المالك الحط أو لم يعلم، إلا أنه إذا علم بالحط بعد الإجازة يثبت له الخيار.
ووجهه كما في جامع الفصولين أنه يصير بالإجازة كوكيل، ولو حطه الوكيل لا يتمكن الموكل من مطالبة المشتري به، كذا هذا .
12 - واشترط المالكية لصحة بيع الفضولي ثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يكون المالك حاضرا مجلس البيع، ولكنه حاضر في البلد، أو غائب عنه غيبة قريبة، لا بعيدة بحيث يضر الصبر إلى قدومه أو مشورته. فإن كان حاضرا مجلس العقد وسكت لزمه البيع، وللبائع الثمن، فإن مضى نحو عام ولم يطالب بالثمن فلا شيء له على البائع ولا يعذر بجهل في سكوته إذا ادعاه. ومحل مطالبة المالك للفضولي بالثمن ما لم يمض عام، فإن مضى العام وهو ساكت سقط حقه في الثمن. هذا إن بيع بحضرته، أما إن بيع في غيبته فله نقض البيع إلى سنة، فإن مضت سقط حقه في النقض.
ولا يسقط حقه في الثمن ما لم تمض مدة الحيازة، وهي عشرة أعوام .
ثانيها: أن يكون في غير الصرف، وأما فيه فإنه يفسخ.
ثالثها: أن يكون في غير الوقف، وأما فيه فباطل لا يتوقف على رضا واقفه، وإن كان الملك له .
13 - وذكر المالكية أيضا أن للمالك نقض بيع الفضولي، غاصبا أو غيره إن لم يفت، فإن فات بذهاب عينه فقط، فعليه الأكثر من ثمنه وقيمته .
وقالوا: إن للمشتري من الفضولي الغلة قبل علم المالك، إذا كان المشتري غير عالم بالتعدي، أو كانت هناك شبهة تنفي عن البائع التعدي، لكونه حاضنا للأطفال مثلا كالأم تقوم بهم وتحفظهم، أو لكونه من سبب المالك أي من ناحيته ممن يتعاطى أموره، ويزعم أنه وكيل، ثم يقدم المالك وينكر ونحو ذلك. ويدل له مسألة اليمين: أن لا يبيع لفلان، فباع لمن هو من سببه .
وتذكر كتب المالكية أيضا حكما آخر فرعوه على الجواز لم يصرح به غيرهم، وهو حكم قدوم الفضولي على البيع، فقد ذكر الدسوقي في حاشيته: أنه قد قيل بمنعه، وقيل: بجوازه، وقيل بمنعه في العقار والجواز في العروض .
14 - هذا والقول ببطلان بيع الفضولي عند الشافعية هو الصحيح المنصوص عليه في الجديد، وبه قطع صاحب المهذب وجماهير العراقيين، وكثيرون، أو الأكثرون من الخراسانيين كما جاء في المجموع.
وأما القول بانعقاده موقوفا على إجازة المالك فهو القول القديم الذي حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقيين، منهم المحاملي في اللباب والشاشي وصاحب البيان.
وأما قول إمام الحرمين: إن العراقيين لم يعرفوا هذا القول، وقطعوا بالبطلان، فمراده متقدموهم كما جاء في المجموع. ثم إن كل من حكاه إنما حكاه عن القديم خاصة، وهو نص للشافعي في البويطي، وهو من الجديد، قال الشافعي في آخر باب الغصب من البويطي: إن صح حديث عروة البارقي، فكل من باع أو أعتق ملك غيره بغير إذنه ثم رضي، فالبيع والعتق جائزان. هذا نصه، وقد صح حديث عروة البارقي السابق نصه، فصار للشافعي قولان في الجديد أحدهما موافق للقديم .
وظاهر كلام الشيخين (أي الرافعي والنووي) على قول الوقف أن الموقوف الصحة، وقال إمام الحرمين: الصحة ناجزة، وإنما الموقوف الملك، وجرى عليه في الأم .
والمعتبر عندهم في الإجازة إجازة من يملك التصرف عند العقد، فلو باع الفضولي مال الطفل، فبلغ وأجاز لم ينفذ.
ومحل الخلاف في بيع الفضولي عندهم كما جاء في نهاية المحتاج ما لم يحضر المالك، فلو باع مال غيره بحضرته وهو ساكت لم يصح قطعا.
والخلاف المذكور عندهم في بيع الفضولي من حيث البطلان أو الانعقاد يجري في كل من زوج ابنة غيره، أو طلق منكوحته، أو أجر داره، أو وهبها بغير إذنه .
15 - والمذهب عند الحنابلة، وعليه أكثر الأصحاب: عدم صحة بيع الفضولي كما جاء في الإنصاف. وجاء فيه أيضا: أن هذا هو الذي جزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في الفروع، والمحرر، والرعايتين، والحاويين، والنظم وغيرها.
وذكر صاحب كشاف القناع أن البيع لا يصح، حتى لو كان المالك حاضرا وسكت، ثم أجازه بعد ذلك لفوات شرطه، أي لفوات الملك والإذن وقت البيع .
وأما الرواية التي تصحح بيع الفضولي وتجعله موقوفا على الإجازة، فقد اختارها صاحب الفائق كما جاء في الإنصاف، وقال: قبض ولا إقباض قبل الإجازة .
ب - تصرف الفضولي في الشراء:
16 - ذهب الحنفية إلى أن شراء الفضولي لا يتوقف على الإجازة، إذا وجد نفاذا على العاقد، فإن لم يجد نفاذا يتوقف، كشراء الصغير المحجور عليه. وإنما ينفذ الشراء على المشتري إذا لم يضفه إلى آخر ووجد الشراء النفاذ عليه، ولم يسبق بتوكيل للمشتري من آخر. فأما إن كان كذلك فالشراء يتوقف. وفي الوكالة ينفذ على الموكل، فإنه ذكر في شرح الطحاوي: ولو اشترى رجل لرجل شيئا بغير أمره كان ما اشتراه
لنفسه، أجاز الذي اشتراه له أو لم يجز. أما إذ أضافه إلى آخر، بأن قال للبائع: بع عبدك من فلان، فقال: بعت، وقبل المشتري هذا البيع لفلان فإنه يتوقف .
17 - أما شراء الفضولي عند المالكية فهو كبيعه، أي يتوقف على إجازة المشترى له، فإن لم يجز الشراء لزمت السلعة المشتري الفضولي، فإن كان الثمن مدفوعا من مال المشتري له فلا رجوع له على البائع في حال عدم الإجازة، إلا أن يكون الفضولي (المشتري) أشهد عند الشراء: أنه إنما اشترى لفلان بماله، وأن البائع يعلم ذلك، أو صدق المشتري في قوله، أو تقوم بينة على أن الشيء الذي اشترى به هو ملك المشتري له. فإن أخذ المشتري له ماله، ولم يجز الشراء انتقض البيع فيما إذا صدق البائع، ولم ينتقض في قيام البينة أن المال له، بل يرجع على المشتري بمثل الثمن، ويلزمه البيع على قول ابن القاسم وأصبغ.
وقال ابن الماجشون: القول قول المشتري له، فيحلف أنه ما أمر المشتري، ويأخذ ماله إن شاء من المشتري، وإن شاء من البائع. فإن أخذه من البائع كان له أن يرجع على المشتري ويلزمه الشراء، وإن أخذه من المشتري لم يكن له رجوع على البائع .
18 - وأما الشافعية: فذكروا في شراء الفضولي تفصيلا؛ لأن الفضولي إما أن يشتري لغيره بعين مال الغير، وإما أن يشتري لغيره في الذمة، وإما أن يشتري لغيره بمال نفسه. فإن اشترى لغيره بعين مال الغير ففيه قولان: الجديد بطلانه، والقديم وقفه على الإجازة. وإن اشترى في الذمة نظر إن أطلق أو نوى كونه للغير، فعلى الجديد يقع للمباشر، وعلى القديم يقف على الإجازة، فإن رد نفذ في حق الفضولي. ولو قال: اشتريت لفلان بألف في ذمته، فهو كاشترائه بعين مال الغير. ولو اقتصر على قوله: اشتريت لفلان بألف، ولم يضف الثمن إلى ذمته فعلى الجديد وجهان، أحدهما: يلغو العقد، والثاني: يقع عن المباشر. وعلى القديم يقف على إجازة فلان، فإن رد ففيه الوجهان.
ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه نظر: إن لم يسمه وقع العقد عن المباشر، سواء أذن ذلك الغير أم لا، وإن سماه نظر: إن لم يأذن له لغت التسمية، وهل يقع عنه أم يبطل؟ وجهان. وإن أذن له، فهل تلغو التسمية، وجهان. فإن قلنا:
نعم، فهل يبطل من أصله، أم يقع عن المباشر؟ فيه الوجهان، وإن قلنا: لا، وقع عن الآذن. وهل يكون الثمن المدفوع قرضا أم هبة؟ وجهان .
19 - وأما شراء الفضولي عند الحنابلة فإنه لا يصح، إلا إن اشترى في ذمته ونوى الشراء لشخص لم يسمه فيصح، سواء نقد الثمن من مال الغير أم لا؛ لأن ذمته قابلة للتصرف، فإن سماه أو اشترى للغير بعين ماله لم يصح الشراء، ثم إن أجازه (أي الشراء) من اشتري له ملكه من حين اشتري له، لأنه اشتري لأجله، فأشبه ما لو كان بإذنه، فتكون منافعه ونماؤه له. فإن لم يجزه وقع الشراء للعاقد ولزمه حكمه، كما لو لم ينو غيره، وليس له التصرف فيه قبل عرضه على من نواه له .
بيع ما لم يقبض
1 - ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه». وفي لفظ «حتى يكتاله» وفي لفظ آخر: «حتى يستوفيه» قال ابن عباس (راوي الحديث): ولا أحسب كل شيء إلا مثله. وفي رواية: «إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه» .
وقد ذهب الفقهاء مذاهب في بيع المبيع قبل قبضه.
2 - فمذهب الشافعية، وهو قول أبي يوسف الأول، وقول محمد، وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه، سواء أكان منقولا أم عقارا، وإن أذن البائع، وقبض الثمن. وذلك لحديث «حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله: إني أشتري بيوعا، فما يحل لي منها، وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه» وحديث ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» .
ومعنى «ربح ما لم يضمن» ربح ما بيع قبل القبض . مثل: أن يشتري متاعا، ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع، فهذا البيع باطل، وربحه لا يجوز؛ لأن المبيع في ضمان البائع الأول ، وليس في ضمان المشتري منه، لعدم القبض .
ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، «أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» . والمراد بحوز التجار: وجود القبض، كما في الحديث قبله .
ولضعف الملك قبل القبض، لانفساخ العقد بتلفه . وهذا هو المعنى الذي علل به الشافعية النهي عن البيع قبل القبض .
وعلل الحنابلة، عدم الجواز على هذه الرواية التي اختارها ابن عقيل من أئمتهم، بأنه لم يتم الملك عليه، فلم يجز بيعه، كما لو كان غير متعين، وكما لو كان مكيلا أو موزونا .
3 - ومذهب الحنفية أنه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه، ولو كان من بائعه وذلك للحديث المذكور برواياته، فإنه منهي عن بيع المبيع قبل قبضه.
ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ العقد الأول ، على تقدير هلاك المبيع في يد البائع، وإذا هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد، فيتبين أنه باع ما لا يملك، والغرر حرام غير جائز، لأن النبي صلي الله عليه وسلم «نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر» .
ولا يفرق الحنفية في ذلك بين الطعام وبين غيره من المنقولات، وذلك: لقول ابن عباس كما تقدم آنفا: ولا أحسب كل شيء إلا مثله، أي مثل الطعام.
وعضد قول ابن عباس ما روي عن ابن عمر، قال: ابتعت زيتا في السوق، فلما استوجبته، لقيني رجل، فأعطاني فيه ربحا حسنا، فأردت أن أضرب على يده (أي أن أقبل إيجابه، وأتفق على العقد) فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت، فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: لا تبعه حيث ابتعته، حتى تحوزه إلى رحلك، «فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» .
وعدم الصحة هنا، يعني: الفساد لا البطلان، وإن كان نفي الصحة يحتملهما، لكن الظاهر عند الحنفية هو الفساد؛ لأن علة الفساد هي الغرر، مع وجود ركني البيع، وكثيرا ما يطلق الباطل على الفاسد .
وأجاز الشيخان من الحنفية - أبو حنيفة وأبو يوسف - بيع العقار قبل قبضه استحسانا، وذلك استدلالا بعمومات حل البيع من غير تخصيص، ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد. ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في العقار بالهلاك، بخلاف المنقول. ولأن العقار مقدور التسليم، ولا يرد عليه الهلاك إلا نادرا بغلبة الماء والرمل، والنادر لا يعتد به.
وقياسا على التصرف في الثمن قبل قبضه، فإنه جائز، لأنه لا غرر فيه، كالتصرف في المهر وبدل الخلع والعتق وبدل الصلح عن دم العمد، لأن المطلق للتصرف، وهو الملك، قد وجد، لكن الاحتراز عن الغرر واجب ما أمكن، وذلك فيما يتصور فيه الغرر، وهو المبيع المنقول، لا العقار .
وخالف الإمام محمد، فلم يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه، وهو قول أبي يوسف الأول، وقول الشافعي كما قدمنا وذلك لإطلاق الحديث، وقياسا على المنقول.
وقياسا أيضا على الإجارة ، فإنها في العقار لا تجوز قبل القبض، والجامع اشتمالهما على ربح ما لم يضمن، فإن المقصود في البيع الربح، وربح ما لم يضمن منهي عنه شرعا. والنهي يقتضي الفساد، فيكون البيع فاسدا قبل القبض، لأنه لم يدخل في ضمانه، كما في الإجارة .
4 - ومذهب المالكية أن المحرم المفسد للبيع، هو بيع الطعام دون غيره من جميع الأشياء قبل قبضه، سواء أكان الطعام ربويا كالقمح، أم غير ربوي كالتفاح عندهم.
أما غير الطعام فيجوز بيعه قبل قبضه، وذلك لحديث ابن عباس المتقدم من «ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه». ولغلبة تغير الطعام دونما سواه . لكنهم شرطوا لفساد هذا النوع من البيع، شرطين:
أ - أن يكون الطعام مأخوذا بطريق المعاوضة، أي في مقابلة شيء، بإجارة أو شراء أو صلح أو أرش جناية، أو آل لامرأة في صداقها، أو غير ذلك من المعاوضات، فهذا الذي لا يجوز بيعه قبل قبضه .
أما لو صار إليه الطعام بهبة أو ميراث، مما ليس أخذه بعوض، فيجوز بيعه قبل قبضه.
ب - وأن تكون المعاوضة بالكيل أو الوزن أو العدد، فيشتريه بكيل، ويبيعه قبل قبضه، سواء أباعه جزافا أم على الكيل. أما لو اشتراه جزافا، ثم باعه قبل قبضه، فيكون بيعه جائزا، سواء أباعه جزافا أم على الكيل . وعلى هذا:
فلو اشترى طعاما كيلا، لم يجز له بيعه قبل قبضه، لا جزافا ولا كيلا.
ولو اشتراه جزافا، جاز له بيعه قبل قبضه، مطلقا، جزافا أو كيلا .
5 - وفي مذهب الحنابلة روايات متعددة في الممنوع بيعه قبل قبضه من الأموال، سبق بعضها
فروي أنه لا يجوز بيع الطعام وما أشبهه قبل قبضه مطلقا، سواء أكان مكيلا أم موزونا، أم لم يكن كذلك، خلافا لمالك الذي اشترط فيه الكيل أو الوزن كما قدمنا وذلك لحديث ابن عباس المتقدم «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه» .
ولقول الأثرم: سألت أبا عبد الله، عن قوله: «نهى عن ربح ما لم يضمن» قال: هذا في الطعام وما أشبهه، من مأكول أو مشروب، فلا يبعه حتى يقبضه .
ولقول ابن عبد البر: الأصح أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه: هو الطعام، وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم «نهى عن بيع الطعام قبل قبضه» فمفهومه إباحة ما سواه قبل قبضه .
ولقول «ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة، يضربون على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم ».
وللحديث المتقدم: «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه» .
ولقول ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه» .
ولقول ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما، فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه .
قالوا: ولو دخل في ضمان المشتري جاز بيعه، والتصرف فيه، كما جاز ذلك بعد قبضه.
وعلق الشرح الكبير على ذلك بقوله: وهذا أي حديث «من ابتاع طعاما» يدل على تعميم المنع في كل طعام، مع تنصيصه على البيع مجازفة بالمنع. ويدل بمفهومه على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك .
وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد: أن ما كان متعينا، كالصبرة تباع من غير كيل، يجوز بيعها قبل قبضها، وما ليس بمتعين، كقفيز من صبرة، ورطل من زبرة حديد فإنه لا يجوز بيعها قبل قبضها، بل حتى تكال أو توزن.
وهذا قريب من قول مالك المتقدم، في جواز بيع ما شري جزافا، لولا تخصيص مالك المبيع بالطعام. ووجه هذه الرواية ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا، فهو من مال المبتاع فلما جعله من ضمان المشتري مع أنه لم يقبضه دل على البيع قبل القبض في المتعين .
ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفية، فكان من مال المشتري، كغير المكيل والموزون.
وفي رواية ثالثة عن الإمام أحمد: أنه لا يجوز بيع شيء قبل قبضه. وهي التي وافق فيها الإمام الشافعي وغيره، كما تقدم.
ورواية المذهب أن المكيل والموزون والمعدود والمذروع، لا يصح تصرف المشتري فيه قبل قبضه من بائعه . وهذا مروي أيضا: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، وحماد ابن أبي سليمان، والأوزاعي ، وإسحاق .
ومستند هذه الرواية في التفرقة بين المكيل والموزون ونحوهما وبين غيرهما:
أن الحديث المذكور نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وكان الطعام يومئذ مستعملا غالبا فيما يكال ويوزن، وقيس عليهما المعدود والمذروع، لاحتياجهما إلى حق التوفية . وسواء أكان المعدود متعينا كالصبرة، أم غير متعين كقفيز منها.
أما ما عدا المكيل والموزون ونحوهما، فيجوز التصرف فيه قبل قبضه، وذلك: لما روي «عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير. فقال: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء» .
قالوا: فهذا تصرف في الثمن قبل قبضه، وهو أحد العوضين .
ضابط ما يمنع من التصرف فيه قبل قبضه:
6 - اختلفت ضوابط الفقهاء، في التصرفات الممنوعة شرعا قبل قبض المبيع:
أ - فاتفق الحنفية والحنابلة، على هذا الضابط وهو:
أن كل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض، لم يجز التصرف فيه قبل قبضه، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه، جاز التصرف فيه قبل قبضه .
فمثال الأول : المبيع والأجرة وبدل الصلح عن الدين، إذا كان الثمن والأجر والبدل عينا - عند الحنفية - أو كان من المكيل أو الموزون أو المعدود عند الحنبلية.
ومثال الآخر: المهر إذا كان عينا - عند الحنفية - وكذا بدل الخلع، والعتق على مال، وبدل الصلح عن دم العمد - وكذا أرش الجناية، وقيمة المتلف، عند الحنبلية في هذين - كل ذلك إذا كان عينا، يجوز بيعه وإجارته قبل قبضه، وسائر التصرفات .
وعلل الحنابلة هذا الضابط بقولهم: إن المقتضي للتصرف هو الملك، وقد وجد. لكن ما يتوهم فيه غرر الانفساخ، باحتمال هلاك المعقود عليه لا يجوز بناء عقد آخر عليه تحرزا من الغرر، وما لا يتوهم فيه ذلك الغرر، انتفى عنه المانع، فجاز بناء العقد الآخر عليه .
ب - ووضع محمد بن الحسن من الحنفية هذا الضابط، وهو:
(1) أن كل تصرف لا يتم إلا بالقبض، كالهبة والصدقة والرهن والقرض والإعارة ونحوها، يجوز قبل قبض المبيع.
(2) وكل تصرف يتم قبل القبض، كالمبيع والإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينا، ونحوها لا يجوز قبل قبض المبيع.
وتعليله عنده: أن الهبة - مثلا - لما كانت لا تتم إلا بالقبض، صار الموهوب له نائبا عن الواهب، وهو المشتري الذي وهبه المبيع قبل قبضه، ثم يصير قابضا لنفسه، فتتم الهبة بعد القبض.
بخلاف البيع - مثلا - ونحوه مما يتم قبل القبض، فإنه لا يجوز، لأنه إذا قبضه المشتري الثاني لا يكون قابضا عن الأول ، لعدم توقف البيع على القبض، فيلزم منه تمليك المبيع قبل قبضه، وهو لا يصح .
وأشار التمرتاشي إلى أن الأصح ما ذهب إليه الإمام محمد .
ج - وضبط الدردير من المالكية ما يمنع بيع الطعام قبل قبضه، بأن تتوالى عقدتا بيع لم يتخللهما قبض . وهذا مختص بالطعام على رأيهم المتقدم في حصر المنهي عن بيعه قبل قبضه في مطلق الأطعمة الربوية.
ويؤخذ من كلام ابن جزي هذا الضابط، وهو:
أن كل طعام أخذ معاوضة - بغير جزاف - فليس له أن يبيعه حتى يقبضه. وتشمل المعاوضة: الشراء، والإجارة ، والصلح، وأرش الجناية، والمهر، وغيرها - على ما ذكر - فليس له بيعه حتى يقبضه، لكن يجوز له أن يهبه أو يسلفه قبل قبضه .
والتقييد عند المالكية بغير الجزاف، لإخراج ما بيع جزافا بغير كيل ولا عد ولا وزن من الطعام، فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، لدخوله في ضمان المشتري بمجرد العقد، فهو مقبوض حكما، فليس فيه توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض .
كما شرط المالكية في جواز بيع مطلق طعام المعاوضة - بالإضافة إلى شرط قبضه - أن لا يكون القبض من نفسه لنفسه، فإن قبض من نفسه لنفسه، منع بيعه؛ لأن هذا القبض الواقع بين العقدين كلا قبض .
ومعنى هذا أن القبض المعتد به في الجواز، هو القبض القوي، فيجوز بيع الطعام عقبه. أما القبض الضعيف، فهو كلا قبض، فلا يعقب الجواز. مثال ذلك:
- إذا وكله ببيع طعام، فباعه من أجنبي، وقبل قبض الأجنبي الطعام، اشتراه الوكيل منه لنفسه، فإنه يمتنع بيعه من نفسه، لأنه يقبض هذه الحال من نفسه لنفسه.
- وكذلك لو وكله بشراء طعام، فاشتراه وقبضه ثم باعه لأجنبي، واشتراه منه قبل أن يقبضه الأجنبي منه، فإنه يمتنع شراؤه من نفسه، لأنه في هذه الحال يقبض من نفسه لنفسه .
ويستثنى من عدم جواز بيع الطعام إذا قبض من نفسه لنفسه، ما إذا كان القابض من نفسه ممن يتولى طرفي العقد، كوصي ليتيميه، ووالد لولديه الصغيرين، فإنه يجوز بيع طعام أحدهما للآخر، ثم بيعه لأجنبي، قبل قبضه لمن اشتراه له .
د - لم يضع الشافعية ضابطا في هذا الصدد، لكنهم ألحقوا - في الأصح من مذهبهم - بالبيع عقودا أخرى، من حيث البطلان قبل القبض.
فنصوا على أن الإجارة والرهن والهبة - ولو من البائع - باطلة، فلا تصح لوجود المعنى المعلل به النهي فيها، وهو ضعف الملك، وكذلك الصدقة والهدية وعوض الخلع والصلح عن نحو دم، والقرض والقراض والشركة وغيرها .
وجاءت عبارة المنهج عامة، فنصت على أنه: لا يصح تصرف، ولو مع بائع، بنحو بيع ورهن فيما لم يقبض، وضمن بعقد .
لكنهم صححوا تصرف المشتري بالمبيع قبل قبضه بالإعتاق والوصية والتدبير والتزويج والوقف وقسمة الإفراز والتعديل لا الرد، وكذا إباحة طعام اشتراه جزافا، بخلاف ما لو اشتراه مكيلا، فلا بد لصحة إباحته من كيله وقبضه.
وعللوا ذلك بتشوف الشارع إلى العتق - على حد تعبيرهم - وفي معناه بقية التصرفات.
7 - وألحقوا أيضا الثمن المعين، سواء أكان دراهم أم دنانير أم غيرهما بالمبيع في فساد التصرف قبل القبض، فلا يبيعه البائع، ولا يتصرف فيه قبل قبضه، وذلك لعموم النهي، وللتعليل المتقدم .
بل قال ابن حجر: وكل عين مضمونة في عقد معاوضة. كذلك أي لا يتصرف فيها قبل قبضها.
فأما الأموال التي تكون للشخص في يد غيره أمانة كالوديعة، والمال المشترك في الشركة والقراض، والمرهون بعد انفكاكه، والموروث، وما يملكه الغانم من الغنيمة، والمال الباقي في يد الولي بعد بلوغ المولى عليه رشده ونحوها، فيملك بيعها، لتمام الملك في المذكورات .
8 - ولعله لا بأس من الإشارة هاهنا إلى أن الإمام الشوكاني - رحمه الله - طرح ضابطا آخر، شطره مما قرره الشافعية، وقال ما نظيره:
إن التصرفات التي تكون بعوض، تلتحق بالبيع، فيكون فعلها قبل القبض غير جائز. والتصرفات التي لا عوض فيها، تلتحق بالهبة، فيكون فعلها قبل القبض جائزا. ورجح هذا الرأي، واستشهد له بإجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض. وبما علل به النهي عن بيع ما لم يقبض، وهو شبهة الربا: فقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن طاوسا سأله عن سبب النهي، فأجابه: بأنه إذا باع المشتري المبيع قبل قبضه، وتأخر المبيع في يد البائع، صار كأنه باعه دراهم بدراهم، فإذا اشترى طعاما بمائة دينار مثلا، ودفعها إلى البائع، ولم يقبض منه الطعام، ثم باع الطعام من شخص آخر بمائة وعشرين - مثلا - صار كأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه أي اشترى بمائة مائة وعشرين.
قال الشوكاني: ولا يخفى أن مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرف بغير عوض.
وهذا التعليل أجود ما علل به النهي؛ لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلي الله عليه وسلم .
9 - وقال بعض المالكية: إن هذا النهي تعبد. وأشار الدسوقي منهم إلى أن هذا هو الصحيح عند أهل المذهب، ونقله عن التوضيح .
وقيل: بل هو معقول المعنى، ومعلل بأن الشارع له غرض في ظهوره، وهو سهولة الوصول إلى الطعام، ليتوصل إليه القوي والضعيف.
ولو جاز بيعه قبل قبضه، لباع أهل الأموال بعضهم من بعض، من غير ظهور، ولخفي بإمكان شرائه من مالكه وبيعه خفية، فلم يتوصل إليه الفقير، بخلاف ما إذا منع من ذلك، فإنه ينتفع به الكيال، والحمال، ويظهر للفقراء، فتقوى به قلوب الناس، لا سيما في زمن المسغبة والشدة .
تحديد القبض وتحققه:
10 - مذهب المالكية والشافعية والحنابلة أن قبض كل شيء بحسبه
(أ) فإن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا، فقبضه بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع.
وذلك: لحديث «عثمان رضي الله عنه، قال: كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود، يقال لهم: بنو قينقاع، وأبيعه بربح، فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا عثمان: إذا ابتعت فاكتل، وإذا بعت فكل» .
وحديث جابر رضي الله عنه، قال: «نهى النبي صلي الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري» .
والمالكية شرطوا في قبض المثلي تسليمه للمشتري، وتفريغه في أوعيته .
(ب) وإن كان جزافا فقبضه نقله، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق، فنهاهم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه» وفي رواية: «حتى يحولوه» .
(ج) وإن كان منقولا من عروض وأنعام، فقبضه بالعرف الجاري بين الناس كما يقول المالكية: كاحتياز الثوب، وتسليم مقود الدابة .
أو ينقله إلى حيز لا يختص به البائع، عند الشافعية. ويروى هذا عن أبي يوسف، كالشارع ودار المشتري .
وفصل الحنابلة في المنقول من العروض والأنعام فقالوا: إن كان المبيع دراهم أو دنانير، فقبضها باليد. وإن كان ثيابا فقبضها نقلها.
وإن كان حيوانا، فقبضه تمشيته من مكانه .
(د) وإن كان عقارا فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري، بلا حائل دونه وتمكينه من التصرف فيه، بتسليمه المفتاح إن وجد، بشرط أن يفرغه من متاع غير المشتري عند الشافعية .
ولم يشترط ذلك المالكية إلا في دار السكنى، فإن قبضها بالإخلاء عندهم، ولا يكتفى بالتخلية. أما غيرها من العقارات، فيتحقق القبض بالتخلية، وإن لم يخل البائع متاعه منها .
ويشير الشافعية إلى أن هذا التفصيل إنما هو في القبض المصحح للتصرف، أما القبض الناقل للضمان من البائع، فمداره على استيلاء المشتري على المبيع، سواء أنقله أم لا، وسواء أخلى البائع بينه وبينه أم لا، وسواء أأذن له في القبض أم لا، وسواء أكان له الحق في الحبس أم لا، فمتى استولى المشتري على المبيع انتفى الضمان عن البائع، بمعنى أنه لو تلف حينئذ لا ينفسخ العقد، أو تعيب لا يثبت الخيار للمشتري، ولو رجع إلى البائع لا يرجع الضمان إليه .
11 - ولم يفصل الحنفية - وهي رواية ابن الخطاب عن أحمد - هذا التفصيل في القبض، بل اعتبروا التخلية - وهي: رفع الموانع والتمكين من القبض - قبضا حكما على ظاهر الرواية، وروى أبو الخطاب مثل ذلك عن أحمد وشرط مع التخلية التمييز .
نص الحنفية على مذهبهم هذا في الرهن، في التخلية بينه وبين المرتهن، وقالوا: إن التخلية فيه قبض، كما هي في البيع، فإنها فيه أيضا قبض . قالوا: لأنها تسليم، فمن ضرورته الحكم بالقبض، فيترتب عليه ما يترتب على القبض الحقيقي، وهذا هو الأصح .
ومقابل الأصح : المروي عن أبي يوسف، وهو: أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل .
12 - وعلى هذا لو باع ما اشتراه قبل أن يقبضه فربح، فهذا هو ربح ما لم يضمن، الذي ورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» .
وفسره محمد بن الحسن في كتاب الآثار لما روى هذا الحديث من طريق آخر برواية أخرى، فقال: وأما ربح ما لم يضمن: فالرجل يشتري الشيء، فيبيعه قبل أن يقبضه .
وكذلك فسره الشوكاني، حيث قال: يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها، مثل: أن يشتري متاعا، ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع، فهذا البيع باطل، وربحه لا يجوز؛ لأن المبيع في ضمان البائع الأول ، وليس في ضمان المشتري منه، لعدم القبض .
وكذلك فعل البهوتي، حيث قال: والمراد به ربح ما بيع قبل القبض .
وهذا الحديث وإن كان عاما، غير أن الإمام أحمد - رحمه الله - خصه بالطعام، في رواية الأثرم عنه، قال: سألت أبا عبد الله، عن قوله: «نهى عن ربح ما لم يضمن»، قال: هذا في الطعام، وما أشبهه من مأكول أو مشروب، فلا يبيعه حتى يقبضه.
وقال ابن عبد البر: الأصح عن أحمد بن حنبل، أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه: هو الطعام .
بيع الصدقة والهبة قبل القبض:
13 - الصدقة هي: تمليك المال في الحياة من يحتاجه بغير عوض، تقربا إلى الله تعالى، وجوبا أو ندبا .
وهذا التعريف - كما يرى - يشمل الصدقة المفروضة، التي تؤخذ من مال الغني في آخر الحول وهي زكاة المال، أو في آخر شهر الصوم وهي زكاة الفطر تطهيرا للغني والصائم، ويشمل الصدقة المتطوع بها، وهي المستحبة في جميع الأوقات.
وقد جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتقدم آنفا، «نهى النبي صلي الله عليه وسلم عن شراء الصدقات حتى تقبض» .
وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قوله صلي الله عليه وسلم له: «لا تبع ما ليس عندك» .
14 - ويعتبر جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنبلية وبعض المالكية الصدقة ونحوها، كالهبة والرهن والقرض والإعارة والإيداع، من عقود التبرعات، التي لا تتم ولا تملك إلا بالقبض، والعقد فيها قبل القبض يعتبر عديم الأثر .
وعبارة المرغيناني في فصل الصدقة: والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض، لأنه (أي التصدق) تبرع كالهبة .
بل قال الكاساني: القبض شرط جواز الصدقة، لا تملك قبل القبض، عند عامة العلماء .
واستدل لذلك: بما روي «عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال خبرا عن الله سبحانه وتعالى: يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» اعتبر الله سبحانه وتعالى الإمضاء في الصدقة، والإمضاء هو التسليم. فدل على أنه شرط.
وبما روي عن أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا تتم الصدقة إلا بالقبض.
وبأن الصدقة عقد تبرئة، فلا يفيد الحكم بنفسه كالهبة.
وفي الهبة يقول: لو صحت بدون القبض لثبت للموهوب له ولاية مطالبة الواهب بالتسليم، فتصير عقد ضمان، وهذا تغيير المشروع .
وهذا الذي قاله الحنفية، هو الذي يقابل المشهور من مذهب المالكية، وهو ضعيف، عبروا عنه بقولهم: وقيل: إنما تملك بالقبض وهذا النص وإن ورد في الهبة، لكن تعريفهم الصدقة، كما أشرنا إليه قبلا وما يأتي من الأحكام، يفيد التعميم في الهبة والصدقة.
وهو أيضا مذهب الشافعية، إذ قالوا: لا يملك موهوب (بالمعنى الأعم الشامل للصدقة والهدية) إلا بقبض بإذن الواهب .
وجاء في نصوص الشافعية: إذا حلف لا يهب له، فوهب له ولم يقبل، أو قبل ولم يقبض لا يحنث في الأصح .
وذلك لأنه لا بد من القبول والقبض حتى تصح الهبة وتتم.
وكذلك المذهب عند الحنابلة مطلقا كما يقول المرداوي. فقد صرحوا بأن أنواع الهبة: صدقة وهدية ونحلة، ومعانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بلا عوض، تجري فيها أحكامها أي تجري أحكام كل واحدة من المذكورات في البقية .
وقالوا: وتلزم الهبة بقبضها بإذن واهب، ولا تلزم قبله، أي قبل القبض بإذن الواهب، ولو كانت الهبة في غير مكيل ونحوه، ففي جميعها لا تلزم إلا بالقبض .
وقد استدل الحنابلة لما ذهبوا إليه - من إطلاق شرط القبض في الهبة ونحوها، كالصدقة التي نواجهها - بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية، فلما مرض قال: يا بنية: كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا، ولو كنت جذذته أو قبضته كان ذلك، فإنما هو اليوم مال وارث، فاقتسموه على كتاب الله تعالى .
وذكر البهوتي أنه روي عن عمر وعثمان، وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، نحو هذا، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة.
ورتبوا على اشتراط القبض، جواز رجوع الواهب في هبته (وكذا الصدقة) قبل القبض، لعدم تمام العقد .
وخالف في اشتراط القبض المالكية في مشهور مذهبهم. فقرروا أن الهبة (وكذلك الصدقة كما يؤخذ من تفريعاتهم) تملك بالقول على المشهور، وللموهوب له طلبها من الواهب، إذا امتنع من تسليمها، ليجبره على تمكين الموهوب له منها .
وأشار الحنابلة في كتبهم إلى دليل المالكية وهو حديث ابن عباس - رضي الله عنه - «أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: العائد في هبته كالعائد في قيئه» ويروى «في صدقته». ويروى «كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه» .
وجاء في نصوص المالكية:
أ - لو قال: داري صدقة أو هبة أو حبس على الفقراء، لا يقضى عليه (لعدم التعيين).
ب - ولو قال: داري صدقة أو هبة أو حبس على زيد، فإنه يقضى عليه بذلك، لأنه قصد البر والقربة حينئذ.
ج - ولو قال: لله علي دفع درهم لزيد أو للفقراء، لا يقضى به مطلقا، وقيل يقضى.
وعللوا هذا بأن القضاء لا بد فيه من تعيين المتصدق عليه أو الموهوب له، ولا بد فيه من قصد القربة .
وفي رواية عن الإمام أحمد أنه في المكيل والموزون لا تصح الهبة والصدقة، ولا تلزم فيه الصدقة والهبة إلا بالقبض.
وفي غيرهما يصح بغير قبض، ويلزم بمجرد العقد. ويثبت فيه الملك بغير قبض.
وحاصل الدليل في هذه التفرقة القياس على البيع، من حيث إنها تمليك، ففي البيع ما لا يلزم قبل القبض، كالصرف والربويات، وفيه ما يلزم قبل القبض، وهو ما عدا ذلك .
والخلاصة أن جمهور الفقهاء يشترطون القبض في التبرعات.
البيع الموقوف
التعريف:
1 - البيع: مبادلة المال بالمال.
وأما الموقوف فهو مشتق من «وقف» يقال: وقفت الدابة وقوفا سكنت، ووقفتها أنا وقفا: جعلتها تقف. ووقفت الدار وقفا حبستها في سبيل الله، ووقفت الأمر على حضور زيد: علقت الحكم على حضوره، ووقفت قسمة الميراث إلى الوضع: أخرتها حتى تضع الحبلى .
ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن معانيه اللغوية.
وأما البيع الموقوف، فقد عرفه الفقهاء الذين أجازوه بأنه: البيع المشروع بأصله ووصفه، ويفيد الملك على وجه التوقف، ولا يفيد تمامه لتعلق حق الغير به، وهو من البيع الصحيح .
ويقابله البيع النافذ، وهو: البيع الصحيح الذي لا يتعلق به حق الغير. ويفيد الحكم في الحال. فالنافذ هو ضد الموقوف، فمتى قيل: بيع نافذ أريد به أنه بيع غير موقوف . مشروعية البيع الموقوف:
2 - يرى الحنفية والمالكية، والحنابلة في إحدى الروايتين، وهو قول الشافعية في المذهب القديم - كما حكي عن الجديد أيضا - مشروعية البيع الموقوف واعتباره قسما من أقسام البيع الصحيح، لعمومات البيع نحو قوله تعالي (وأحل الله البيع) وقوله عز شأنه (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)
وجه الدلالة من هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى شرع البيع والشراء والتجارة من غير فصل، بين ما إذا وجد من المالك بطريق الأصالة، وبين ما إذا وجد من الوكيل في الابتداء، أو بين ما إذا وجدت الإجازة من المالك في الانتهاء وبين وجود الرضا في التجارة عند العقد أو بعده، فيجب العمل بعمومها إلا ما خص بدليل.
ولما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم «أنه دفع دينارا إلى عروة البارقي رضي الله عنه، وأمره أن يشتري له أضحية، فاشترى شاتين، ثم باع إحداهما بدينار، وجاء بدينار وشاة إلى النبي صلي الله عليه وسلم فدعا له بالبركة، وقال عليه الصلاة والسلام: بارك الله في صفقة يمينك» ومعلوم أنه لم يكن مأمورا ببيع الشاة، فلو لم ينعقد البيع الموقوف، لما باع ولما دعا له بالخير والبركة على ما فعل، ولأنكر عليه، لأن الباطل ينكر.
كما أن البيع الموقوف تصرف صدر من أهله في محله فلا يلغو، كما لو حصل من المالك، وكالوصية بالمال ممن عليه الدين، والوصية بأكثر من الثلث ممن لا دين عليه.
والتصرف إذا صدر من أهله في محله تحقق به وجوده، ثم قد يمتنع نفاذه شرعا لمانع، فيتوقف على زوال ذلك المانع، وبالإجازة يزول المانع، وهو عدم رضا المالك به.
ولأن البيع الموقوف يفيد الملكية بدون قبض تماما، كما هو الحكم في البيع الصحيح، فالبيع الموقوف هو بيع صحيح لصدق تعريفه وحكمه عليه. وانعقاد هذا البيع موقوفا على الإجازة لا ينافي كونه صحيحا .
3 - وذهب الشافعية على المشهور من المذهب، والحنابلة في إحدى الروايتين، وهو قول أبي ثور وابن المنذر إلى بطلان العقد الموقوف. واستدلوا بحديث «حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أأبتاع له من السوق ثم أبيعه منه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك».
كما احتجوا بقول النبي صلي الله عليه وسلم: «لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم» ولأن وجود السبب بكماله بدون آثاره يدل على فساده.
ويقيسون البيع الموقوف على الطلاق والعتاق
أنواع البيع الموقوف:
4 - عقد البيع يكون موقوفا إذا تعلق به حق الغير، وهو أن يكون ملك الغير أو يكون لغير المالك حق في المبيع .
وقد حصر صاحب «الخلاصة» أنواع البيع الموقوف في خمسة عشر نوعا، وأوصلها صاحب «النهر» إلى ثمانية وثلاثين نوعا، وذكر ابن نجيم في «البحر الرائق» تسعا وعشرين صورة للبيع الموقوف أهمها:
- بيع الصبي المحجور موقوف على إجازة الأب أو الوصي.
- بيع غير الرشيد موقوف على إجازة القاضي.
- بيع المرهون موقوف على إجازة المرتهن.
- بيع العين المستأجرة موقوف على إجازة المستأجر.
- بيع ما في مزارعة الغير موقوف على إجازة المزارع.
- بيع البائع للشيء المبيع بعد القبض من غير المشتري موقوف على إجازة المشتري الأول .
- بيع المرتد عند الإمام أبي حنيفة موقوف على توبته من الردة.
- بيع الشيء برقمه موقوف على تبين الثمن.
- البيع بما باع به فلان والمشتري لا يعلم، فهو موقوف على العلم في المجلس.
- البيع بمثل ما يبيع الناس موقوف على تبين الثمن.
- البيع بمثل ما أخذ به فلان موقوف على تبين الثمن.
- بيع المالك العين المغصوبة موقوف على إقرار الغاصب، أو البرهان بعد إنكاره.
- بيع مال الغير موقوف على إجازته (وهو بيع الفضولي).
- بيع الشريك نصيبه من مشترك بالخلط الاختياري، أو الاختلاط بغير فعل المالكين موقوف على إجازة شريكه.
- بيع المريض مرض الموت عينا من أعيان ماله لبعض ورثته، موقوف على إجازة باقي الورثة ولو كان بمثل القيمة عند أبي حنيفة.
- بيع الوارث التركة المستغرقة بالدين موقوف على إجازة الغرماء.
- أحد الوكيلين أو الوصيين أو الناظرين إذا باع بحضرة صاحبه يتوقف على إجازته (إذا كان مشروطا اجتماعهما على التصرف).
- بيع المعتوه موقوف .
حكم البيع الموقوف:
5 - حكم البيع الموقوف هو أنه يقبل الإجازة عند توافر الشروط الآتية:
أ - وجود البائع حيا، لأنه يلزمه حقوق العقد بالإجازة، ولا تلزم إلا حيا.
ب - وجود المشتري حيا ليلزمه الثمن، وبعد الموت لا يلزمه، ما لم يكن لزمه حال أهليته.
ج - وجود المبيع؛ لأن الملك لم ينتقل فيه، وإنما ينتقل بعد الإجازة، ولا يمكن أن ينتقل بعد الهلاك.
والمراد بكون المبيع قائما، أن لا يكون متغيرا بحيث يعد شيئا آخر، فإنه لو باع ثوب غيره بغير أمره، فصبغه المشتري، فأجاز المالك البيع جاز، ولو قطعه وخاطه ثم أجاز البيع لا يجوز، لأنه صار شيئا آخر.
د - وجود الثمن في يد البائع إذا كان عينا كالعروض، أما إذا كان الثمن دينا كالدراهم والدنانير والفلوس فوجود الثمن في يد البائع ليس بشرط.
ه - وجود المالك؛ لأن الإجازة تكون منه، حتى لو مات المالك قبل إجازته البيع لا يجوز بإجازة ورثته كما يقول الحنفية.
ويرى المالكية انتقال حق إجازة البيع الموقوف إلى الوارث .
هذا، وللتوسع فيما تثبت به الإجازة وسائر المسائل المتعلقة بها (ر: إجازة)
وإذا أجيز البيع الموقوف يستند أثره (أي يسري منذ العقد) على ما سيأتي.
أثر البيع الموقوف:
6 - البيع النافذ يفيد الحكم في الحال، وهو ملكية البائع للثمن والمشتري للمبيع، وتصرف كل منهما فيما في يده من غير حاجة في ذلك إلى شيء آخر، سواء أذكر في العقد تملك البائع للثمن والمشتري للمبيع أم لم يذكر؛ لأن النص على المقتضى بعد حصول الموجب ليس بشرط .
ويشترط لنفاذ البيع أن يكون البائع مالكا للمبيع، أو وكيلا لمالكه أو وصيه، وأن لا يكون في المبيع حق آخر.
وإذا تخلف شرط منها فإن العقد يكون موقوفا فلا يفيد الحكم إلا عند إجازة صاحب الشأن، فإن أجاز نفذ وإلا بطل .
فقبل أن تصدر الإجازة ممن يملكها لا يظهر أثر البيع الموقوف، ويكون ظهور أثره موقوفا على الإجازة، فبيع الفضولي مثلا لا ينفذ ابتداء لانعدام الملك والولاية، لكنه ينعقد موقوفا على إجازة المالك، فإن أجاز ينفذ وإلا يبطل . (ر: بيع الفضولي)
وكذلك إذا باع الراهن الرهن بلا إذن المرتهن، فالبيع موقوف - في أصح الروايات عند الحنفية - لتعلق حق المرتهن به فيتوقف على إجازته، إن أجاز المرتهن أو قضى الراهن دينه نفذ، وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن انتقل حقه إلى بدله .
وللتفصيل (ر: رهن).
هذا، وينبغي التنويه إلى أن البيع الموقوف لا يتوقف دائما نفاذه، وظهور أثره على إجازة شخص غير العاقد، بل هذا هو الأغلب، فقد يكون متوقف النفاذ لا على إجازة أحد، بل على زوال حالة أوجبت عدم النفاذ، كما في بيع المرتد عن الإسلام، فإن نفاذ بيعه يتوقف على عودته إلى الإسلام عند أبي حنيفة .
التصرفات الواقعة على المعقود عليه أثناء التوقف:
7 - التصرفات الواقعة على المعقود عليه في البيع الموقوف أثناء التوقف منها ما يستند أثره إلى وقت إنشاء العقد، ومنها ما يبدأ أثره من حين الإجازة. فالإجازة تارة تكون إنشاء، وتارة تكون إظهارا.
وفيما يلي أمثلة لهذين النوعين من التصرفات.
أولا: التصرفات التي تستند إلى وقت إنشاء العقد:
أ - إذا أجيز بيع الفضولي لمال الغير فإنه يعتبر نافذا مستندا حكمه إلى وقت إنشاء العقد، فيصير المبيع ملكا للمشتري، والثمن ملكا للمالك أمانة في يد الفضولي، لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة. فإذا هلك الثمن في يد الفضولي قبل الإجازة، ثم أجيز العقد لم يضمنه كالوكيل، وكذلك إذا حط البائع الفضولي من الثمن ثم أجاز المالك البيع يثبت البيع والحط، سواء أعلم البائع بالحط أم لم يعلم، إلا أنه إذا علم بالحط بعد الإجازة يثبت له الخيار. ووجه ذلك أن الفضولي يصير بالإجازة كوكيل، ولو حطه الوكيل لا يتمكن الموكل من مطالبة المشتري به، كذا هذا .
ب - إذا أجاز المالك البيع الموقوف، فإن ملك المبيع يثبت للمشتري من وقت الشراء، ويثبت له بالتالي الحق في كل ما يحدث بالمبيع قبل الإجازة من نماء أو زيادة، كالكسب والولد والأرش وما إلى ذلك .
ثانيا: التصرفات التي يقتصر حكمها على وقت صدور الإجازة:
أ - لا يجوز للمشتري من الفضولي التصرف في المبيع قبل صدور الإجازة، سواء أقبضه أم لم يقبضه . فإذا باع المشتري من الفضولي المبيع من غيره، ثم أجاز المالك بيع الفضولي لا ينفذ بيع المشتري من الفضولي، كما يقول الحنفية، لأن المشتري من الفضولي لم يملك ما اشتراه إلا بعد الإجازة، فبيعه وقع على ما لم يملك.
ب - إذا باع الفضولي شيئا مملوكا لغيره، فإن طلب الشفعة في الشيء الذي باعه يكون وقت الإجازة .
مجلة الأحكام العدلية
مادة (111) البيع الموقوف
البيع الموقوف: بيع يتعلق به حق الغير كبيع الفضولي.
مادة (112) الفضولي
الفضولي: هو من يتصرف بحق الغير بدون إذن شرعي.
مادة (368) البيع الموقوف على الإجازة
البيع الذي يتعلق به حق الغير كبيع الفضولي وبيع المرهون ينعقد موقوفا على إجازة ذلك الغير.
مادة (377) البيع الموقوف
البيع الموقوف يفيد الحكم عند الإجازة.
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 216)
إذا انعقد العقد موقوفا غير نافذ بأن كان العاقد فضوليا تصرف في ملك غيره بلا إذنه أو كان العاقد صبيا مميزا فلا يظهر أثره ولا يفيد ثبوت الملك إلا إذا أجازه المالك في الصورة الأولى والولي أو الوصي في الصورة الثانية ووقعت الإجازة مستوفية شرائط الصحة.
(مادة 76)
إذا استلم المشتري العين المبيعة عقارا كانت أو منقولا على أنها مملوكة للبائع فله أن يتصرف فيها بجميع التصرفات ولا يمنع تصرفه من استرداد العين لمستحقها إذا ظهر أنها مستحقة للغير وثبت حقه فيها.
(مادة 300)
من باع ملك غيره لآخر بغير إذنه انعقد بيعه موقوفا على إجازة المالك فإن أجازه نفذ وإلا بطل.
(مادة 301)
يشترط لصحة الإجازة من المالك الذي بيع ملكه بغير إذنه أن يكون كل من البائع والمشتري وصاحب المتاع المبيع حيا وأن يكون المبيع قائما على حاله لم يتغير تغيرا به يعد شيئا آخر وأن يكون الثمن باقيا إن كان عرضا معينا.
(مادة 302)
إذا أجاز المالك بيع الفضولي الذي تصرف في ماله بغير إذنه إجازة معتبرة بالقول أو بالفعل تعتبر إجازته توكيلا له عنه في البيع ويطالب الفضولي بالثمن إن كان قبضه من المشتي وإن لم يكن قبضه منه فلا يجبر المشتري على أدائه للمالك لكن إن دفعه إليه صح الدفع وبرئ. وسكوت المالك عند بيع الفضولي ماله بلا إذنه لا يكون رضا منه بالبيع.
(مادة 303)
إذا لم يجز المالك بيع الفضولي وكان المشتري قد أدى للفضولي الثمن غير عالم وقت الأداء أنه فضولي باع ملك غيره بغير إذنه فله الرجوع عليه بالثمن إذن كان قائما وبمثله إن كان هالكا وإن كان قد أداه إليه عالما أنه فضولي وهلك الثمن في يده فلا رجوع له عليه بشيء منه.
(مادة 304)
إذا سلم الفضولي للمشتري العين التي باعها له بدون إذن مالكها فهلكت في يد المشتري فللمالك أن يضمن قيمتها أيهما شاء من الفضولي أو المشتري وأيهما اختار ضمانه برئ الآخر.
(مادة 334)
إذا انعقد البيع موقوفا غير نافذ بأن كان العاقد فضوليا باع ملك غيره بلا إذنه أو كان العاقد صبيا مميزا أو صبية كذلك فلا يفيد ملك المبيع للمشتري ولا ملك الثمن لصاحب المبيع إلا إذا أجازه المالك في الصورة الأولى والولي أو الوصي في الصورة الثانية ووقعت الإجازة مستوفية شرائط الصحة.
(مادة 349)
تأجير المشتري المبيع قبل قبضه ولو من بائعه أو بيعه قبل قبضه ولو منه وهو منقول غير جائز فلا يصير به قابضا للمبيع.
وإن وهب المشتري العين المبيعة قبل قبضها أو رهنها قبله وقبضها الموهوب له أو المرتهن جاز وقام قبضه مقام قبض المشتري.
(مادة 400)
علم المشتري بكون المبيع ليس ملكا للبائع لا يمنع من رجوعه بالثمن على البائع عند استحقاق المبيع.
(مادة 410)
إذا بنى المشتري أو غرس في المبيع الذي اشتراه حال كونه عالما بأن البائع لم يكن مالكا له وأنه باعه إليه بلا أمر مالكه فلا حق له في الرجوع بقيمة البناء والغراس وإنما يملكون له حق في الرجوع بالثمن فقط.
فإن كان المشتري جاهلا وقت الشراء أن البائع باعه بأمر المالك أو بغير أمره وغره البائع بقوله أمرني المالك بالبيع فاشترى وغرس أو بنى في المبيع ثم استحقه مالكه وأنكر الأمر بالبيع يكون الحق للمشتري في الرجوع بالثمن وبقيمة البناء والغراس.
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392ه 1972م )
من باب البيع
مادة (8):
يشترط لنفاذ البيع أن يكون العاقد ذا ولاية على إنشاء العقد ، وألا يكون في المبيع حق لغير البائع .
المذكرة الإيضاحية
شرط النفاذ : هو مالا يثبت الحكم بدونه ، وإن كان ينعقد التصرف بدونه .
ولنفاذ البيع شروط تضمنها نص المادة وهي : الملك أو الولاية وألا يكون في المبيع حق لغير البائع .
۱- فاشتراط الملك أو الولاية يترتب عليه عدم نفاذ بيع الفضولي ، لانعدام الملك و الولاية ، وإن كان ينعقد موقوفا على إجازة المالك ، فإن أجاز نفذ ، وإلا بطل ولبيع الفضولي وشرائه شروط تذكر عند الكلام عليه .
والولاية : إما ذاتية - وهي ولاية الشخص البالغ العاقل على ماله .
أو متعدية - وهي ولايته على غيره . وهذه الولاية قد يكون مصدرها المالك نفسه ، کولاية الوكيل والوصي المختار . وقد يكون مصدرها الشرع ، كولاية الأب والجد والوصي ، أو من له الولاية العامة كتولية القاضي ...
وتفصيل الكلام عن الولاية يأتي في باب الولاية ...
۲ - واشتراط ألا يكون في المبيع حق لغير البائع ، لأنه لو تعلق به حق الغير لا ينعقد كالمرهون والمستأجر ، وإن وقع البيع هل يكون فاسدا ، أم مريحا موقوفا ؟ الصحيح أنه موقوف ، لأن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى مال متقوم ملوك له مقدور التسليم من غير ضرر يلزمه .
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 ه - 1972 م
مادة (26) :
( يصح بيع الفضولي ويتوقف لزومه على إجازة مالك المبيع ، فإذا أجازه رجع بالثمن على الفضولي لا على المشتري، وإن رده وكان المشتري قد استغل المبيع قبل الرد فالغلة له إلا أن يعلم أن البائع فضولي ، فتكون الغلة للمالك .
وشراء الفضولي كبيعه في الأحكام السابقة ).
إيضاح
الفضولي هو الذي يبيع ملك غيره بدون إذنه ، وإنما طولب الفضولي دون المشتري بالثمن في حالة إجازة البيع ، لأن المالك لما أجاز بيعه ، صار وكيلا عنه ، والموكل إنما يطلب الثمن من وكيله ، لا ممن اشترى منه ، وكانت الغلة للمشتري في حالة عدم علمه بأن البائع فضولي ، لأنه ذو شبهة ملك ، والغلة لذى الشبهة كما سيأتي في باب الاستحقاق .