موسوعة قانون المرافعات
اقتران الهبة أو الوصية بشرط عدم جواز الحجز عليها:
أوضحنا فيما تقدم أنه لا يجوز الحجز على الأموال الموهوبة أو الموصي بها لتكون نفقة، فإن لم تكن كذلك، جاز الحجز عليها إن كانت ملكيتها قد انتقلت إلى الموهوب له أو الموصي له، وذلك عندما لا يتضمن السند المنشيء لأي منهما شرطاً بعدم جواز الحجز، أما إذا توافر هذا الشرط، فلا يجوز الحجز علي تلك الأموال أو على الإيرادات الناتجة منها إلا بقدر الربع وفاء لدين نفقة مقررة للزوج أو الأقارب.
وينحصر نطاق الشرط علي دائني الموهوب له أو الموصى له الذين نشأ دينهم قبل الهبة أو الوصية لعدم تعويلهم علي أموالها عند نشأة الدين إذ لم تكن قد شملها الضمان العام المقرر لهم في ذلك الوقت، أما إن كانت ديونهم قد نشأت بعد الهبة أو الوصية، جاز لهم الحجز عليها ولو تحقق علمهم بالشرط.
والعبرة في وقت نشوء الدين، بوقت تحقق سببه، وإذا ثار نزاع حول هذا الدين، فإن الحكم الذي يصدر بإلزام الدين به، يكون مقرراً، فلا يعتد بوقت صدوره، وإنما بوقت نشأة الدين، فإن كانت تلك النشأة سابقة علي الهبة أو الوصية، فلا يجوز الحجز علي أي منهما لاقتضاء هذا الدين حتى لو كان الحكم الصادر به لاحقاً علي الهبة أو الوصية. ويعتد في هذا الصدد بوقت إبرام الهبة أو الوصية وليس بوقت تسلم أعيانها، وإذا رجع الواهب عن هبته و الموصي عن وصيته بعد نشأة الدين، فلا ضمان على المدين. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء التاسع، الصفحة : 646)
هذا النص يسري على المنقول والعقار وإذا نشأ دين الدائن بعد الهبة أو الوصية فإن النص لا يسري لأن شرطه أن يكون الدين قد نشأ قبل الهبة أو الوصية . (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء السابع ، الصفحة : 214)
لا يجوز الحجز على الأموال الموهوبة أو الموصى بها مع اشتراط عدم الحجز: والهدف من منع الحجز هنا هو رعاية الموهوب له والموصى له وأساس هذا المنع هو إرادة الأشخاص التي يقرها المشرع احتراماً لمبدأ سلطان الإرادة ما دامت مشروعة. كما أن الأموال محل الهبة أن الوصية تدخل في ذمة المدين دون غرض ولذلك لا ضرر يصيب الدائنين من عدم جواز الحجز عليها.
ولكن يلاحظ أن المنع هنا ليس منعاً مطلقاً بل هو منع نسبي (فتحی والی - بند 103 ص 188، و جدی راغب ص 299) فهو يقتصر على دائني الموهوب له أو الموصى له الذين نشأت حقوقهم قبل الهبة أو الوصية لأن هذه الأموال لم تكن موجودة لحظة نشوء حق هؤلاء الدائنين، ولذلك لم يعولوا عليها في وفاء ديونهم، أما الدائنون الذين تنشأ حقوقهم في ذمة المدين في تاريخ لاحق الهبة أو الوصية فلا يحتج في مواجهتهم بشرط المنع من الحجز فيجوز لهم توقيع الحجز على هذه الأموال سواء لدين النفقة المقررة أو لغيره من الديون ودون التقيد بنسبة معينة لأنهم قد ركنوا إلى هذه الأموال واعتمدوا عليه في الوفاء بحقوقهم .
كذلك يجوز الحجز على هذه الأموال على الرغم من وجود شرط المنع من الحجز لاستيفاء دين النفقة المقررة، ولو كانت قد نشأت قبل الهبة أو الوصية، وفي حدود ربع المبالغ الموهوبة أو الموصى بها، وذلك مراعاة للاعتبارات الإنسانية المتعلقة بدين النفقة.
ويلاحظ أن منع الحجز على مثل هذه الأموال الموهوبة أو الموصي بها يسرى سواء كان محل هذا المال عقاراً أو منقولاً، كذلك فإن شرط عدم جواز الحجز يستفيد منه الموهوب أو الموصى له طوال حياته فإذا تصرف في الشيء أو توفي لم يستفد الخلف من هذا الشرط سواء كان خلفاً خاصاً أو خلفاً عاماً. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / السادس ، الصفحة : 34)