موسوعة قانون المرافعات
إشكالات التنفيذ
إذا عرض عند التنفيذ إشكال وكان المطلوب فيه إجراء وقتياً فلمعاون التنفيذ أن يوقف التنفيذ أو أن يمضي فيه على سبيل الإحتياط مع تكليف الخصوم في الحالتين الحضورأمام قاضي التنفيذ ولو بميعاد ساعة وفي منزله عند الضرورة ويكفي إثبات حصول هذا التكليف في المحضر فيما يتعلق برافع الإشكال وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يتم التنفيذ قبل أن يصدر القاضي حكمه.
وعلى معاون التنفيذ أن يحرر صوراً من محضره بقدر عدد الخصوم وصورة لقلم الكتاب يرفق بها أوراق التنفيذ والمستندات التي يقدمها إليه المستشكل وعلى قلم الكتاب قيد الإشكال يوم تسليم الصورة إليه في السجل الخاص بذلك.
ويجب إختصام الطرف الملتزم في السند التنفيذي في الإشكال إذا كان مرفوعاً من غيره سواء بإبدائه أمام المحضر على النحو المبين في الفقرة الأولى بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى فإذا لم يختصم في الإشكال وجب على المحكمة أن تكلف المستشكل بإختصامه في ميعاد تحدده له، فإن لم ينفذ ما أمرت به المحكمة جاز الحكم بعدم قبول الإشكال.
ولا يترتب على تقديم أي إشكال آخر وقف التنفيذ ما لم يحكم قاضي التنفيذ بالوقف.
ولا يسري حكم الفقرة السابقة على أول إشكال يقيمه الطرف الملتزم في السند التنفيذي إذا لم يكن قد إختصم في الإشكال السابق.
كان الإشكال الثاني الذي لا يقف التنفيذ وفقاً للمادة 480 من التشريع القائم هو كل إشكال يرفع بعد الحكم في الإشكال الأول بالإستمرار في التنفيذ .
ولذلك كان النص سبباً في فتح باب التحايل بقصد عرقلة التنفيذ برفع عدة إشکالات قبل أن يفصل في الإشكال المرفوع أولاً بالاستمرار في التنفيذ وبذلك يكون من أثر هذه الإشكالات جميعاً أن يقف التنفيذ وقد عالج المشروع هذا الأمر بالنص على ألا يترتب على تقديم أي إشكال آخر وقف التنفيذ ما لم يحكم قاضى التنفيذ بوقفه (المادة 311 من المشروع) .
كما عدل المشروع من حكم المادة 480 مكرراً من القانون القائم التي توجب على المحكمة الفصل في إشكالات التنفيذ الوقتية حضر الخصوم أو لم يحضروا بأن أجاز للمحكمة الفصل في هذه الإشكالات أو الحكم بالشطب مع جعل هذا الحكم الأخير سبباً للاستمرار في التنفيذ حتى لا يظل التنفيذ موقوفاً بسبب إشكال لم يعلن الخصوم بالحضور فيه (المادة 313 من المشروع).
وسداً لباب الإشكالات الكيدية أوجب المشروع الحكم بغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تزيد على عشرين جنيهاً على المستشكل الذي يخسر أشكاله (المادة 314 من المشروع) .
عدل المشروع في المادة 311 منه نص المادة 480 من القانون القائم فحذف من النص ما يفيد رفع الإشكال إلى قاضي الأمور المستعجلة لأن المختص بإشكالات التنفيذ سواء كانت وقتية أم موضوعية هو قاضي التنفيذ وأضاف إلى النص القائم عبارة مفادها أن الإشكال المقصود في هذه المادة هو الإشكال الوقتي.
عدل المشروع من حكم الفقرة الأخيرة من المادة 480 من القانون القائم الذي يشترط لتخلف الأثر الواقف الإشكال أن يكون قد قضى بالاستمرار في التنفيذ في الإشكال الأول الأمر الذي كان يفتح باباً للتحايل فجرى نص المشروع على أنه لا يترتب على تقديم أي إشکال آخر وقف التنفيذ مما مفاده أن أي إشکال آخر يرفع بعد الإشكال الأول ولو قبل الفصل فيه لا يترتب عليه وقف التنفيذ ما لم يحكم قاضي التنفيذ بذلك.
وهذه المادة عدلت بالقانون 95 سنة 1976 ، ذلك بإضافة الفقرتين الثانية والثالثة وجاء بالمذكرة الإيضاحية لما كان الأصل في إشكالات التنفيذ الوقتية أن ترفع بالطريق العادي لرفع سائر المنازعات أي بصحيفة تودع قلم الكتاب، طبقاً للأوضاع المعتادة، إلا أن الفقرة الأولى من المادة 312 من قانون المرافعات نصت على جواز رفع هذه الإشكالات إلى قاضي التنفيذ بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة بطريق مخصوص وذلك بإبدائها أمام المحضر عند التنفيذ، وفي هذه الحالة يثبت المحضر موضوع الإشكال في محضر التنفيذ ويحدد جلسة لنظره وقد جرى العمل بالنسبة للإشكالات التي ترفع وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 312 (قبل تعديلها) على أنه عند إبداء الإشكال أمام المحضر عند التنفيذ يقوم المستشكل بسداد الرسم في نفس اليوم أو اليوم التالي على الأكثر، ثم ترسل جميع الأوراق شاملة أوراق التنفيذ إلى المحاكم المختصة لإعلان المستشكل ضدهم بصورة من محضر الإشكال للعلم بما فيها محضر الإشكال الذي يتضمن الجلسة المحددة لنظره مما يؤدي إلى سقوطها بل أن هذه الأوراق بما تحتويه من مستندات تكون عرضة للضياع أو العبث بها في حين أنه لا حاجة لإرسالها رفق محضر الإشكال لإعلان المستشكل ضدهم، وذلك لأن نص المادة 312 لم يتناول هذه الأمور بالتنظيم ، ورغبة في تدارك هذا الوضع رؤى إضافة فقرة جديدة إلى المادة 32 بعد فقرتها الأولى يوجب نصها علي المحضر أن يحرر صوراً من محضره بقدر عدد الخصوم وصورة لقلم الكتاب يرفق بها أوراق التنفيذ والمستندات التي يقدمها إليه المستشكل كما توجب تلك الفقرة علي قلم الكتاب قيد الإشكال يوم تسليم الصورة إليه في السجل الخاص بذلك.
وقد نصت المادة 312 من قانون المرافعات في فقرتها الثانية على أنه (ولا يترتب علي تقديم أي إشكال آخر وقف التنفيذ ما لم يحكم قاضي التنفيذ بالوقف) ثم نصت في فقرتها الثالثة على أنه (ولا يسري حكم الفقرة السابقة علي أول إشكال يقيمه الطرف الملتزم في السند التنفيذي إذا لم يكن قد اختصم في الإشكال السابق) وهذه الفقرة استحدثتها اللجنة التشريعية بمجلس الشعب حتى لا يتحايل صاحب الحق الثابت في سند تنفيذي علي القانون ، فيوعز إلى شخص آخر برفع إشكال قبل أن يرفع الملتزم في السند التنفيذي إشكاله ويمنع بذلك وقف التنفيذ وقد كشف التطبيق العملي عن بعض صور التحايل من جانب الطرف" الملتزم في السند التنفيذي وذلك بأن يوعز إلى شخص غيره برفع إشكال في التنفيذ دون اختصامه فيه ليوقف التنفيذ، ثم يلجأ هو بعد ذلك عقب الحكم في الإشكال الأول المرفوع بإيعاز منه إلى رفع إشكال منه يترتب عليه وقف التنفيذ عملاً بحكم الفقرة الثالثة من المادة 312 وتلافياً لذلك رؤى إضافة فقرة جديدة إلى المادة 312 يوجب نصها اختصام الطرف الملتزم علي النحو المبين في الفقرة الأولى من المادة 312 أو بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، فإذا لم يختصم في الإشكال وجب علي المحكمة أن تكلف المستشكل باختصامه في میعاد تحدده له، فإن لم ينفذ ما أمرت به المحكمة جاز الحكم بعدم قبول الإشكال.
وغنى عن البيان أن النص علي جواز الحكم بعدم قبول الإشكال دون وجوبه في حالة عدم قيام المستشكل بتنفيذ ما أمرت به المحكمة من اختصام الطرف الملتزم في السند التنفيذي في الميعاد الذي حددته له قد قصد به مواجهة الإشكالات الكيدية المرفوعة من الغير والتي لا يقصد منها سوى مجرد عرقلة إجراءات التنفيذ لمصلحة الطرف الملتزم في السند التنفيذي دون الإشكالات الجدية التي قد يتعذر على المستشكل اختصام الطرف الملتزم في السند التنفيذي تنفيذاً لما أمرت به المحكمة لسبب خارج عن إرادته، وتحقيق ذلك أمر منوط بالمحكمة على ضوء ما تستظهره من الأوراق فيكون لها أن تحكم بعدم قبول الإشكال في الحالات التي وضع النص لمواجهتها بما يحقق الغرض منه أو لا تحكم بعدم قبول الإشكال فيما عدا ذلك".
وإعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة - والتي لم يتناولها التعديل – إذا كان التنفيذ يتم على مرحلة واحدة كتسليم عين أو إخلائها أو كان لم يبق منه عند رفع الإشكال إلا مرحلته الأخيرة كالبيع وجب علي المحضر أن يوقف التنفيذ المذكرة الإيضاحية للمادة قبل تعديلها).
1 ـ لما كانت الطلبات الختامية للطاعن أمام محكمة أول درجة هى عدم الاعتداد بمحضر التسليم المؤرخ 1985/4/6 الذى تم تنفيذاً للحكم الصادر لصالح المطعون ضدها وهى على ما جرى به قضاء هذه المحكمة منازعة موضوعية فى التنفيذ يقصد بها أن تفصل المحكمة بقضاء يحسم النزاع فى أصل الحق المتعلق بالتسليم، فإن رفع الدعوى بشأنها أمام قاضى التنفيذ يكون بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى وليس عن طريق إبداء إشكال أمام المحضر عند التنفيذ، إذ يقتصر ذلك على الإشكال فى التنفيذ المطلوب فيه اتخاذ إجراءات وقتى والذى استثناه المشرع من الأصل العام فى إجراءات رفع الدعوى طبقاً لنص المادة 312 من قانون المرافعات.
(الطعن رقم 3107 لسنة 60 جلسة 1995/05/23 س 46 ع 1 ص 806 ق 158)
2 ـ لما كان الحكم الذى يصدره قاضى التنفيذ فى الإشكال المطلوب فيه إتخاذ إجراء وقتى بوقف التنفيذ أو الإستمرار فيه لا يعد سنداً تنفيذياً على غرار الأحكام المعتبرة كذلك ، لأنه مرهون بالظروف التى صدر فيها و ما يتبينه القاضى من ظاهر الأوراق من مخاطر التنفيذ و إمكان تداركها دون مساس بأصل الحق المقضى به أو تأثير على المراكز القانونية الثابتة للخصوم بالسند التنفيذى . و من ثم فلا يترتب على الإشكال الوقتى فى الحكم الصادر فى إشكال سابق وجوب وقف التنفيذ طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 312 من قانون المرافعات إذ المقصود بحكمها الوجوبى هو الإشكال الوقتى الأول فى السند التنفيذى ، مما لا ينطبق على الحكم الصادر فى الإشكال بل يعتبر الإشكال الوقتى فيه عن ذات التنفيذ إشكالاً ثانياً لا يترتب عليه بحسب الأصل وقف التنفيذ طبقاً لنص الفقرة الثالثة من هذه المادة .
(الطعن رقم 2333 لسنة 51 جلسة 1990/01/18 س 41 ع 1 ص 204 ق 41)
3 ـ الإشكال فى التنفيذ الذى يرفع لقاضى التنفيذ من الملتزم بالدين لأول مرة قبل البدء فيه أو قبل تمامه طبقاً للمادة 312 من قانون المرافعات ذو أثر موقف للتنفيذ ، يستوى فى ذلك أن يكون قد رفع إلى محكمة مختصة بنظره أو إلى محكمة غير مختصة به .
(الطعن رقم 597 لسنة 44 جلسة 1980/01/08 س 31 ع 1 ص 98 ق 22)
التقدم للمزايدة
تبدأ إجراءات التنفيذ باتخاذ المقدمات اللازمة لذلك بإعلان السند التنفيذي وتكليف المدين بالوفاء، ثم البدء في التنفيذ بعد مضي يوم علي الأقل من هذا الإعلان، فإذا نازع الدين وترتب علي ذلك وقف التنفيذ، تعين تدارك السبب الذي أدى إلى وقف الإجراءات، ومتى حسمت المنازعات التي أثيرت من البدء في اتخاذ الإجراءات وحتي المزايدة ، فإنه يتعين علي المدين والقضاة الذين نظروا أي إجراء من تلك الإجراءات والمحامين الوكلاء عمن باشرها أو عن المدين، ألا يتقدموا للمزايدة، سواء بأنفسهم أو بتسخير الغير للتقدم للمزايدة.
ويكفي أن يكون القاضي قد أصدر أمراً أو قراراً أو حكماً في أية مرحلة من المراحل التي مرت بها تلك الإجراءات ولو لم تكن هي المرحلة الأخيرة التي أدت إلى المزايدة، وكذلك الحال بالنسبة للمحامي الوكيل عمن باشر الإجراءات أو عن الدين، ولو لم يكن وكيلاً في المرحلة الأخيرة من تلك الإجراءات ، فيكفي أن يكون موكلاً في المنازعة الوقتية ليستمر الحظر حتى لو لم يكن موكلاً في المنازعة الموضوعية التي ترتب عليها الاستمرار في التنفيذ عندما يصدر الحكم فيها لمصلحة طالب التنفيذ.
فإذا اكتفى دور القاضي على تأجيل المنازعة فلا يتحقق بذلك الحظر الذي عنته المادة (311) من قانون المرافعات، وكذلك الحال بالنسبة للمحامي طالما لم يكن موكلاً وإنما أنابه زميله الموكل لطلب التأجيل.
ويترتب البطلان على مخالفة هذا الحظر، وهو بطلان نسبي مقرر لمصلحة من تكون له مصلحة فيه، فقد يكون هو الدين أو الدائن بحسب الأحوال، ويجب علي قاضي التنفيذ عند نظر الدعوى ببطلان المزايدة أن يتحقق من توافر مصلحة المدعي وإلا قضى بعدم قبول الدعوى.
وإذا تمسك طالب البطلان بأن المزايدة رست علي أحد المحظور عليهم التقدم فيها، بأن قام بتسخير غيره، كان ذلك دفعا بالصورية النسبية بطريق التسخير وجاز للدافع إثباته بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن. (المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء التاسع، الصفحة : 654)
لا يقع البطلان المنصوص عليه في هذه المادة إلا إذا رسى المزاد بالفعل علي أحد الممنوعين بنص المادة من التقدم للمزايدة بأنفسهم أو بطريق تسخير غيرهم وهو بطلان لصالح الدائنين فليس للممنوع من الشراء إذا رسى عليه المزاد أن يتمسك بهذا البطلان (أبو الوفا في التعليق ص ۱۱۸۹ من طبعته الخامسة).
والمنع الوارد في هذه المادة خاص بالمدين سواء كان مالكاً للمال المحجوز أو غير مالك له وكذلك باقي الأشخاص الذين أوردتهم المادة ولا يمتد المنع إلي أقاربه أو زوجته أو أولاده إذا تقدموا للمزايدة لحسابهم ما لم يثبت أنهم مسخرون من قبل المدين ولا يمتد المنع إلي مالك المال المحجوز ما دام غير مسئول عن الدين كحائز العقار والكفيل العيني ومشتري المنقول المقرر عليه حق امتياز من قبل، ويشترط لمنع القاضي من التقدم للمزايدة اشتراكه في إجراءات التنفيذ أو نظره أحد المنازعات الموضوعية أو الوقتية المتعلقة به سواء بصفة مستعجلة أو كقاضي موضوع أو قاضي أمور وقتية غير أن المنع لا يمتد إلي باقي العاملين في الحكومة على خلاف نص المادة 471 مدني الخاصة بشراء الحقوق المتنازع فيها ولا تعارض بين نص المادتين إذ لكل منهما مجاله، وإذا اتفق أحد الممنوعين مع غيره علي التقدم للمزايدة حتى إذا رسا عليه المزاد باعه له وهو يسمى بشرط إعادة البيع فإن المزايدة تكون صحيحة وكذلك الاتفاق وذلك كما ذهبت محكمة النقض غير أن هناك رأي يقول بصحة المزايدة وبطلان الاتفاق (فتحي والي بند 238).
(راجع فيما تقدم كمال عبد العزيز الطبعة الثانية ص 592). (التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء السابع ، الصفحة : 229)
أهلية الاشتراك في المزايدة والممنوعين من الشراء:
لكل شخص مكتمل الأهلية أن يشترك في المزايدة، إذ تنطبق هنا القواعد العامة بالنسبة الأهلية الشراء، فإذا كان الشخص ناقص الأهلية أو عديمها يجب أن يمثله نائبه القانوني، ولكن المادة 311 من قانون المرافعات تمنع بعض الأشخاص من أن يتقدموا للمزايدة بأنفسهم أو عن طريق تسخير غيرهم وإلا كان البيع باطلاً، وهؤلاء الأشخاص هم:
أولاً - المدين: فليس للمدين أن يشتري المال المحجوز بالمزاد، إذ لا مصلحة له في الشراء لأنه يستطيع أن يقوم بالوفاء أو بالإيداع والتخصيص وفقاً للمادتين 302 ، 303 مرافعات وذلك توقياً لبيع منقولاته المحجوز عليها، ولكن إذا كان يطمع في شراء المال المحجوز بثمن أقل من الديون فإنه سيظل مسئولاً عن الديون المتبقية ومن ثم يتعرض لإعادة التنفيذ عليه لاستيفائها، ولذلك يغلق القانون في وجهه هذا الطريق تشجيعاً له على الوفاء بديونه واختصاراً للإجراءات بيد أن المنع لا يمتد إلى زوج المدين أو أولاده أو أقاربه إلا إذا ثبت تسخيره لهم في الشراء.
ثانياً - القضاة: الذين نظروا بأي وجه من الوجوه إجراءات التنفيذ على المال المبيع أو المسائل المتفرعة عنها، وحكمة هذا المنع حماية نزاهة القضاة وصون سمعتهم، ويشترط لمنع القاضي من التقدم في المزايدة أن يكون قد أشرف على إجراءات التنفيذ أو أشترك فيها أو أن يكون قد نظر منازعة متعلقة بالتنفيذ، فيشمل هذا المنع قاضي التنفيذ الذي أشرف على الإجراءات أو نظر المنازعات التي ثارت فيها، كما يشمل القضاة الذين نظروا التظلمات، والطعون المتعلقة بها، وأيضاً قضاة المحكمة الذين نظرى دعوى صحة الحجز، والمنع يقتصر على القضاة دون غيرهم من موظفي المحكمة، ولكن المادة 471 مدني تمنع موظفي المحكمة جميعاً من شراء الحقوق المتنازع عليها، وهذا النص عام يشمل جميع الحقوق المتنازع عليها سواء في مجال التنفيذ أو غيره، ولذلك فإنه من الأفضل تدخل المشرع ليمنع جميع موظفي الحكمة من التدخل للشراء بالمزايدة صوناً لكرامة المحكمة التي هي في الواقع كل لا يتجزأ وذلك بنص خاص، وذلك أسوة بالمشرع الفرنسي الذي نص في المادة 711 مرافعات فرنسي على منع جميع موظفي المحكمة التي يجري التنفيذ أمامها من التقدم في المزايدة .
ثالثاً - المحامون: الوكلاء عن الدائن الحاجز مباشر الإجراءات أو عن المدين، وحكمة ذلك تفادي تلاعب للحامي بمصلحة موكله للشراء بأقل ثمن، فقد يغلب المحامي مصلحته الشخصية في شراء الحجوزات بأقل ثمن ممكن على مصلحة موكله في بيعه بأكبر ثمن.
ويلاحظ أنه إذا كان النص قد تعرض إلى بطلان البيع الذي يتقدم للمزايدة فيه أحد الممنوعين من المزايدة بأنفسهم أو بطريق تسخير غيرهم، فإنه لم يتعرض لاتفاق أحد هؤلاء مع غيرهم على التقدم للمزايدة، حتی إذا رسا عليه المزاد باعه له، وهو ما يسمى بشرط إعادة البيع، وقد فيه البعض إلى صحة المزايدة والبيع مع بطلان الاتفاق (فتحي والي - بند 238)، في حين ذهبت محكمة النقض إلى صحة المزايدة وصحة الاتفاق (نقض 1948/4/29 - مجموعة القواعد القانونية 23 ص 477 ، نقض 1955/1/20 - لسنة 6 ص 507) .
كما أنه إذا كان النص قد عبر ببطلان البيع بما قد يشعر ببطلانه لمجرد تقدم أحد الممنوعين في المزايدة، ولو لم يرس المزاد عليه، إلا أن المقصود هو بطلان المزايدة أي بطلان العرض المقدم من الممنوع من المزايدة، ولذلك يشار فيها دون نظر لعرضه، أما إذا التفت إليه، ورسا المزاد عليه بطل ، البيع، وهو بطلان يتعلق بمصالح الدائنين فليس للممنوع من الشراء التمسك به (أحمد أبوالوفا - بند 355 ، محمد حامد فهمي - بند 412 رمزي سيف - بند 483 ، کمال عبدالعزيز ج 593).
فإذا تقدم للمزايدة أحد من الممنوعين المذكورين في المادة 311 - محل التعليق - كان عرضه باطلاً، ويستمر في المزايدة، أما إذا رسا المزاد عليه كان البيع باطلاً، وجاز لمباشر الإجراءات والدائنين المعتبرين طرفاً فيها والمدين التمسك بهذا البطلان النسبي، ولكن لا يجوز للمشتري الممنوع من الشراء أن يتخلص من الصفقة إذا وجدها خاسرة بالتمسك بهذا البطلان الذي لم يشرع لمصلحته هو (جلاسون - ج 4 بند 1309 ، سيزاربرو - بند 400، أحمد أبو الوفا - التعليق ص 1216 ، محمد حامد فهمی بند 412، رمزی سیف بند 492 ص 483 ).
وجدير بالذكر أن المنع الوارد في المادة 211 - محل التعليق - لا ينطبق على مالك العقار إذا لم يكن مسئولاً شخصياً عن الدين، كما هو الحال بالنسبة لحائز العقار والكفيل العيني، ذلك أنه لا يوجد أي احتمال لإعادة التنفيذ على العقار، فكل منهما ليس مسئولاً شخصياً عن الدين، وله مصلحة في شراء العقار إذ به يطهره من الحقوق المترتبة عليه (جلاسون - ج 4 بند 1308 ص 613 ، فتحی والی - بند 237 ص 465، رمزی سیف بند 481 ص 483 )، كما أن المنع لا ينطبق على ضامن المدين فيجوز له التقدم للشراء ( نقض 1957/10/21 - السنة 8 ص 763 فتحي والي - الإشارة السابقة).
أموال لا يجوز الحجز عليها و منصوص عليها في قوانين متفرقة:
أولاً: الأموال التي لا يجوز حجزها بسبب طبيعتها:
41- أن الهدف من الحجز على المال هو بيعه جبراً حتى يوفي الدائن حقه من ثمنه، ولذلك لا يجوز الحجز على الأموال التي تقتضي طبيعتها علم التصرف فيها إطلاقاً، كذلك لا يجوز الحجز على الأموال التابعة لمال آخر إلا تبعاً لهذا المال، ويتميز منع الحجز على هذه الأموال بأنه بطلق وکلي (وجدي راغب - ص 295 ) وأهم هذه الأموال مایلی .
الأموال العامة: فقد نص المشرع في المادة 2/87 من القانون المدني على أن الأموال العامة لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم، ووفقاً لهذا النص إذا كان المال عاماً فإنه يكون غير قابل للتصرف فيه وغير قابل للحجز عليه، ويعتبر مالاً عاماً العقارات والمنقولات المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم، فيشترط حتى يعتبر المال المملوك للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة مالاً عاماً أن يخصص للمنفعة العامة.
الأموال الموقوفة: فالوقف يجعل المال على حكم ملك الله تعالى، ولذلك لا يجوز التصرف فيه، فلا يجوز الحجز على الأموال الموقوفة لدين على الواقف أو لدين على جهة الوقف أو لدين على المستحق لريع الوقف، وتطبيقاً لذلك لا يجوز الحجز على المساجد ودور العبادة لأنها في حكم ملك الله تعالى.
العقارات بالتخصيص: وهي المنقولات التي يضعها صاحبها في عقار يملكه ويرصدها لخدمة هذا العقار واستغلاله (مادة 2/82 مدني)، وهذه المنقولات تعتبر تابعة للعقار وتكتسب الصفة العقارية من هذه التبعية، ولذلك لا يجوز حجزها كمنقولات مستقلة عن العقار، وذلك لاعتبارات الملاءمة، وحتى لا يؤدي الحجز إلى الإضرار بأموال المدين غير المحجوزة، وإنما هذه المنقولات يشملها الحجز على العقار الذي رصدت لاستغلاله وخدمته (وجدي راغب - ص 295).
بعض الحقوق العينية: تعتبر الحقوق العينية للمدين من أهم الأموال التي يجري التنفيذ عليها سواء وردت على منقولات أو عقارات ولكن بعض هذه الحقوق لا يجوز التنفيذ عليها بسبب طبيعتها، ومثال ذلك حق الارتفاق والحقوق العينية التبعية. فحق الارتفاق لا يتصور بيعه على استقلال أي مستقلاً عن العقار المرتفق أي العين المقرر الارتفاق لفائدتها كما أن حق الرهن لا يتصور بيعه مستقلاً عن الدين المؤمن به والمقصود بحق الرهن أو الارتفاق هنا المقرر على ملك الغير لفائدة عقار للمدين أو تأميناً لحق من حقوقه، ومثال ذلك أيضاً حق الاستعمال والسكنى (فنسان - بند 30 ص 49، فتحي والي - بند 99 ص 175 ، وجدي راغب - ص 266) فهو حق قاصر على صاحبه يستخدمه لحاجته وحاجة أسرته وقد نصت المادة 997 من القانون المدني على عدم جواز النزول للغير عن حق الاستعمال أو حق السكنى إلا بناء على شرط صریح أو مبرر قوي، ولذلك لا يجوز الحجز عليه إلا إذا وجد شرط صريح يجيز النزول عنه.
بعض الحقوق الشخصية: هناك حقوق شخصية يكون محلها مبلغاً من النقود، وهذه الحقوق يجوز الحجز عليها، بينما هناك طائفة أخرى من الحقوق الشخصية لا ترد مباشرة على مبلغ نقدي، ولذلك لا يجوز الحجز عليها سواء تحت يد المدين نفسه أو تحت يد الغير، ومثال ذلك الحقوق التي يكون محلها القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، والحق في الأمم، فهذه الحقوق تعتبر متصلة بشخص المدين ولذلك لايجوز حجزها لأنها لا تدخل في الضمان العام للدائنين.
ثانياً : الأموال التي لا يجوز حجزها إعمالاً لإرادة الأطراف:
يمنع المشرع الحجز على بعض الأموال احتراماً لمبدأ سلطان الإرادة، ومن هذه الأموال الموهوبة أو الموصى بها مع اشتراط عدم الحجز والتي نصت عليها المادة 308 مرافعات التي سبق لنا التعليق عليها، ومن هذه الأموال أيضا:
الأموال المملوكة مع شرط المنع من التصرف: تجيز المادة 822 من القانون المدني أن يتضمن التصرف الناقل للملكية شرطاً يمنع المتصرف إليه من التصرف في المال متى كان مبنياً على باعث مشروع ومنصوصاً عليه لمدة معقولة، وهذا الشرط يشمل ضمناً منع حجز المال و بيعه بيعاً قضائياً.
واحتراماً لإرادة المشترط لعدم التصرف، فإن كل تصرف يخالف هذا الشرط يكون باطلاً وذلك متى كان هذا الشرط صحيحاً من حيث الباعث والمدة المعقولة، وهذا يؤدي حتماً إلى عدم جواز الحجز على المال مادام المنع من التصرف قائماً، ولا يجوز الحجز على هذا المال سواء بالنسبة للديون التي نشأت قبل المنع أو أثناء قيامه (جلاسون وتيسيه وموریل - ج 4 بند 1058 ص 133 رمزي سيف - بند 136 ص 138 ، وجدي راغب ص 200) وذلك احتراماً لإرادة المشترط لأنه لو سمح بالتنفيذ للدائنين الذين نشأت ديونهم بعد الشرط فإنه يمكن للمتصرف إليه التحايل على الشرط بالاستدانة والسماح للدائنين بالتنفيذ على المال.
كذلك فإن المنع من الحجز هنا يشمل كافة الديون أياً كانت طبيعتها حتى ولو كان الدين المراد الحجز من أجله دین نفقة مقررة، وذلك تحقيقاً لإرادة المشترط، ورغم ذلك يرى البعض ( جلاسون وتيسيه وموريل - بند 1058 ص 133 ، 134 رمزي سيف - بند 136 ص 138 ، وجدي راغب ص 301،300) جواز الحجز على هذه الأموال إذا كان الحجز لا يتعارض مع حكمة الشرط المانع من التصرف، ومثال ذلك أن يشترط البائع الذي لم يقبض الثمن على المشتري عدم التصرف في العقار المبيع وذلك حتى يضمن التنفيذ على العقار تحت يد المشتري إذا لم يدفع الثمن فهذا الشرط لا يمنع دائناً آخر للمشتري من الحجز على العقار، وذلك لأن البائع يستطيع في هذه الحالة بما له من حق امتياز أن يستوفي حقه من حصيلة التنفيذ الذي يجري تحت يد المشتري إذا ما بيع العقار .
ثالثاً: الأموال التي منع المشرع حجزها تحقيقاً لمصلحة عامة:
نص المشرع في قوانين متعددة على عدم جواز التنفيذ على بعض الأموال تحقيقاً للمصلحة العامة وأهم هذه الأموال مایلی:
الأموال اللازمة لسير المرافق العامة: تحقيقاً للصالح العام فإنه يجب استمرار واطراد مسير المرافق العامة، ولذلك لا يجوز الحجز على الأموال اللازمة لسير واستمرار هذه المرافق وقد نصت المادة 8 مكرر من القانون رقم 129 لسنة 1947 (المضافة بموجب القانون رقم 538 لسنة 1955 ) على أنه لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذ أخرى على المنشآت والأدوات والآلات والمهمات الخاصة لإدارة المرافق العامة ويرى الفقه أنه لا يجوز الحجز على أي أموال تلزم لسير المرفق العام، ولو لم تكن مما ذكرتها هذه المادة كالنقود اللازمة لسير المرافق (وجدي راغب - ص 301 ) وذلك لأن هذا النص تطبيق لمبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد، فهذا النص ليس سوى أخذ بقاعدة يمكن تقريرها دون حاجة إليه.
كذلك فإن المنع من الحجز پسرى على كل مرفق تثبت بالنسبة له صفة المرفق العام سواء كانت الدولة هي التي تديره أو كان يدار بواسطة أشخاص عاديين ملتزمين بإدارة مرفق عام، كما أن عدم جواز الحجز قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام، فإذا كانت الأموال غير مخصصة لإدارة المرفق العام ولا يتعارض الحجز عليها مع سير المرفق فإنه يجوز التنفيذ عليها.
ودائع صندوق توفير البريد: وفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 86 لسنة 1945 لا يجوز الحجز تحت يد مصلحة البريد على المبالغ المودعة في صندوق التوفير، وذلك تشجيعاً على الإدخار وإدخال الاطمئنان إلى نفوس أصحاب المدخرات البسيطة بالنسبة لأموالهم وحماية لمصلحة البريد من الحجوز الكثيرة التي قد توقع تحت يدها إذا أبيح الحجز، ويلاحظ أن المنع هنا مطلق فلايجوز الحجز وفاء لأي دين ولكن إذا توفى المودع فإن عملية الإدخار تنقضي وتزول عن الأموال المودعة حصانتها وبالتالي يجوز الحجز عليها.
شهادات الاستثمار: تشجيعاً للأفراد على الإدخار أيضاً فقد نصت المادة الثالثة من القانون رقم 8 لسنة 1965 على عدم جواز الحجز على قيمة شهادات الاستثمار التي أصدرها البنك الأهلى أياً كان نوعها أو على ما تغله من فائدة أو جائزة أو على قيمة استردادها أو استحقاقها في حدود خمسة آلاف جنيه، ومع ذلك فإنه بعد وفاة صاحب هذه الشهادات يجوز الحجز عليها لاستيفاء ضريبة التركات ورسم الأيلولة المقررة عليها، وكذلك الأمر بالنسبة لسندات الجهاد التي نصت المادة التاسعة من القانون رقم 14 لسنة 1971 على منع الحجز عليها تشجيعاً على شرائها.
الملكية الموزعة بناء على قانون الإصلاح الزراعي:
وفقاً للمادة 16 من قانون الإصلاح الزراعي لا يجوز التنفيذ على مايوزع على الفلاحين من الأرض المستولى عليها وذلك قبل الوفاء بثمنها كاملاً على أن المنع من التنفيذ لايسري على ديون الحكومة أو بنك التسليف الزراعي التعاوني أو الجمعية التعاونية التي ينتمي إليها مالك الأرض ويلاحظ الفقه أن علة عدم جواز الحجز هنا ليست هي حماية الفلاح وإنما التيسير على الدولة لاستيفاء أقساط الأرض التي وزعتها (فتحي والي - بند 111- ص 210 هامش رقم 1 بذات الصحيفة ) حتى تستطيع القيام بعبء تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي على الوجه الذي رسمه المشرع لأنه لو كان القصد هو حماية الفلاح لمنع التنفيذ حتى بعد الوفاء بثمن الأرض كما أن قانون (الخمسة أفدنة) يوفر الحماية الكافية للفلاح .
ويلاحظ أن هذا النص يغنى عنه في الغالب قانون الخمسة أفدنة، الذي سوف نوضحه بعد قليل، ولكنه يتميز عنه (فتحي والي - الإشارة السابقة) في أن عدم جواز الحجز مقرر للمصلحة العامة فيمكن للمحكمة ولكل ذي مصلحة ومنهم الحكومة التمسك بتطبيقه لمنع التنفيذ على هذه الأرض.
رابعاً: الأموال التي لا يجوز حجزها رعاية المصلحة خاصة:
مضت الإشارة إلى أن القانون يمنع التنفيذ على بعض الأموال رعاية المصلحة المدين وأسرته وللمحافظة على حياتهم وعدم تعريضهم للفاقة، لأن التنفيذ لا ينبغي أن يجرد الدين من وسائل استمرار حياته وكرامته الإنسانية، وفي ذلك تطبيق للاتجاهات الحديثة التي تمنع التنفيذ على شخص المدين، وأهم هذه الأموال ما يلزم المدين وأسرته من فراش وثياب وغذاء، وهو ما نصت عليه المادة 305 مرافعات، وأدوات المهنة وما في حكمها المنصوص عليها في المادة 306 مرافعات، والنفقات وما في حكمها المنصوص عليها في المادة 307 مرافعات، والأجور والمرتبات والمعاشات المنصوص عليها في المادة 309 مرافعات، وقد سبق لنا التعليق على هذه المواد فيما مضى، ومن هذه الأموال أيضاً:
الخمسة أفدنة الأخيرة من ملكية المزارع. وملحقاتها «قانون الخمسة أفدنة»: رغبة من المشرع في حماية صغار الزراع فقد أصدر القانون رقم 4 لسنة 1913 وهو القانون المعروف بقانون الخمسة افدنة لمنع الحجز على الملكية الزراعية الصغيرة، ووفقاً لهذا القانون يعتبر من صغار الزراع من يمتلك خمسة أفدنة، فإذا كان المزارع يمتلك أكثر من خمسة أفدنة فلم يكن يعتبر في نظر القانون مزارعاً صغيراً ولم يكن القانون يشمله بالحماية، ولقد استفاد الدائنون من هذه الثغرة في القانون إن كانوا يغرون المزارعين على زيادة ملكيتهم على خمسة أفدنة ولو عن طريق منحهم قروضها، وذلك حتى تتجاوز الملكية حد المنع من الحجز فإذا امتنع المدين عن الوفاء بديونه استطاع الدائن أن يوقع الحجز على كل ما يمتلكه ويجرده منه (أمينة النمر - بند 192 - ص 251 ، المذكرة التفسيرية للقانون رقم 12 لسنة 1953) ومن ناحية أخرى، أدى ذلك القانون إلى الإضرار بكثير من الزراع الذين كانت ملكيتهم تتجاوز الخمسة أفدنة لأن الحجز كان جائزاً على أموالهم (أمينة النمر - الإشارة السابقة)، ولذلك رأى المشرع وجوب تلافي هذه العيوب في القانون فأدخلت عدة تعديلات انتهت بصدور القانون رقم 513 لسنة 1953 الذي حرص المشرع فيه على تحديد قدر معين من الملكية الزراعية يحتفظ به المزارع لايجوز الحجز عليه، أما ما يزيد عليه فيكون قابلاً للحجز وهذا القدر هو خمسة أفدنة من الأراضي الزراعية .
وقد نصت المادة الأولى من هذا القانون على أنه لا يجوز التنفيذ على الأراضي الزراعية التي يملكها الزارع إنه لم يجاوز ما يملكه منها خمسة أفدنة فإذا زادت ملكيته على هذه المساحة وقت التنفيذ جاز اتخاذ الإجراءات على الزيادة وحدها، ولكن لم يقتصر المشرع على منع الحجز على الخمسة أفدنة التي يمتلكها المدين بل أضاف إليها بعض الملحقات يستطيع المدين أن يتمسك بإعمال القانون بالنسبة لها، ويمكن حصر الشروط اللازم توافرها لمنع التنفيذ على الملكية الزراعية الصغيرة فيما يلي :
1- أن يكون المدين المنفذ ضده مزارعاً: ويعتبر مزارعاً من كانت حرفته الأصلية الزراعة أي المصدر الأساسي لرزقه، ولا يشترط أن تكون الزراعة هي الحرفة الوحيدة فإذا تعددت حرف المدين يجب أن تكون الحرفة الأساسية هي الزراعة، ولا يلزم أن يزرع الأرض بنفسه بل يكفي أن تكون الزراعة هي مورد رزقه الأساسي ولايباشر الزراعة بنفسه بل بواسطة غيره، ولذلك يعتبر مزارعاً القاصر الذي لا يستطيع أن يباشر الزراعة بنفسه وكذلك الزوجة ولو كانت تحصل على نفقة من زوجها مادامت الزراعة هي مصدر الرزق الأساسي، وهذه المسألة تعتبر مسألة وقائع تدخل في السلطة التقديرية المطلقة للقاضي .
والعبرة في ثبوت صفة المزارع هي بوقت التنفيذ، فيجب أن تثبت للمدين صفة المزارع وقت التنفيذ، وأن تستمر إلى وقت التمسك بالدفع فإذا لم يكن الدين مزارعاً عند التنفيذ عليه فإنه لا يستطيع التمسك بأحكام القانون ويجوز توقيع الحجز على أمواله طبقاً للقواعد العامة ولا يحول دون ذلك أن تكون صفة المزارع قسد توافرت له عند نشأة الدين مادامت هذه الصفة قد زالت عنه بعد ذلك، إذ يرى الفقيه أنه يكفي أن توافر للمدين صفة المزارع عند التنفيذ لكي يستطيع الاستفادة من أحكام القانون ويمتنع أن يحجز عليه في حدود خمسة أفدنة حتى ولو لم يكن مزارعاً وقت نشأة الدين لأن القانون لم يتطلب صراحة توافر هذه الصفة عند الاستدانة، ولذلك لا يجوز تطلب شروط لم يرد بشأنها نص قانوني حتى ولو كانت العدالة تقتضيها وتتطلبها .
2- يجب ألا يكون المزارع مالكاً لأكثر من خمسة أفدنة وقت التنفيذ عليه: فلا يجوز التنفيذ على المدين المزارع إذا كان وقت التنفيذ عليه لا يملك أكثر من خمسة أفدنة، أما إذا زادت ملكيته عن هذا القدر فإنه يجوز التنفيذ عليه في حدود هذه الزيادة، والأراضي الزراعية فقط هي التي تتمتع بهذه الحماية في الأراضي التي تقل فعلاً ناتجاً زراعياً وقت التنفيذ بحيث يستمد منها أن دخله الرئيسي، أما الأراضي المعدة للبناء فيجوز التنفيذ عليها وفقاً للقواعد العامة .
ويرى البعض أن العبرة بالمساحة الفعلية التي يملكها الدين ولو كانت ملكيته ثابتة بعقود غير مسجلة (أحمد أبو الوفا - ص 212 هامش رقم 2 وجدي راغب - ص 314 وهامش رقم 2 بذات الصحيفة، أمينة النمر - بند 196 ص 286 ) وذلك حتى لا يتلاعب المدينون فلا يقومون بتسجيل عقود تمليكهم للإفادة من القانون بغير وجه حق لتبدو ملكيتهم دائماً عند الحد المعفي من الحجز عليه، كذلك فإن العبرة بالمساحة لا بقيمة الأرض إذ يجب حتى يستفيد المدين من القانون أن يمتلك خمسة أفدنة فقط بصرف النظر عن قيمة هذه الأرض، ولذلك لا يستطيع المدين التمسك بعدم جواز الحجز على الأراضي التي يمتلكها إذا كانت تزيد على خمسة أفدنة بحجة إن قيمتها قليلة ولا تساوي في الحقيقة إلا ما يعادل خمسة أفدنة فقط لأنه لايعتد بالقيمة في هذا الصدد، كما أن الوقت الذي يعتد به في تحديد ملكية المدين هو وقت التنفيذ ولا عبرة بما يملكه وقت نشأة الدين فإذا كان المدين مالكاً لأكثر من خمسة أفدنة وقت نشأة الدين ثم نقمت هذه الملكية وأصبحت خمسة أفدنة فقط وقت التنفيذ أمكن للمدين الاستفادة من القانون بعدم التنفيذ على ما يملكه.
وإذا زادت ملكية المدين على خمسة أفدنة وقت التنفيذ فإن القانون يجيز اتخاذ إجراءات التنفيذ على الزيادة وحدها كما ذكرنا، ولكن كيف يمكن في هذه الحالة تحديد مقدار الخمسة أفدنة التي لا يوقع الحجز عليها .
ذهب رأی (فتحي وإلى - بند 110 ص 189 ، وجدي راغب - ص 314 و 315) في الفقه إلى أن البيان في هذه الحالة يكون للدائن لأن القاعدة هي أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه وأنه حر في اختيار ما يشاء من أموال المدين لكي يوقع عليها الحجز، ولذلك يكون للدائن أن يختار الزيادة التي يوقع الحجز عليها بشرط ألا يتعسف في استعمال حقه كأن يختار قطعاً متفرقة ويوقع الحجز عليها مما يضر بالمدين : ولكن هناك رأياً آخر (أحمد أبو الوفا - بند 138 ص 281 عبد الباسط جمیعی - بند 126- 129 ص 118۔ ص 119) في الفقه نؤيده ذهب إلى أن ترك الأمر للدائن ليختار الأرض التي وتوقيع الحجز عليها فيما يزيد على خمسة أفدنة من شأنه الإضرار بالمدين لأن الدائن سيختار حتماً أجود الأرض، ولذلك يجب أن يترك الأمر للمدين ليختار مقدار الخمسة أفدنة التي يحتفظ بها، وأساس ذلك أن المشرع لم يتعرضون لتنظيم هذه المسألة ولذلك يجب مراعاة مصلحة المدين وترك الأمر له، كما أنه من الناحية الواقعية باستطاعة المدين تحديد الخمسة أفدنة التي لا يحجز عليها عن طريق التصرف فيما يزيد عليها بحيث لا يبقى للدائن زيادة ينفذ عليها.
ويلاحظ أن عبء الإثبات يقع على المدين، إذ يجب على المدين أن يثبت أنه لايمتلك أكثر من خمسة أفدنة، حتى يستطيع الاستفادة من الحماية التي قررها له الشارع.
3- يجب أن يتمسك المدين المزارع بعدم جواز التنفيذ عليه في الوقت المناسب: إن تنص المادة الثالثة من القانون رقم 513 لسنة 1953 يسقط بفوات ميعاد على أن حق المدين في التمسك بعدم التنفيذ على قائمة شروط البيع، فيجب عليه أن يتمسك بعدم جواز الاعتراض الحجز على هذه الأموال قبل الجلسة المحددة لنظر الاعتراضات على قائمة شروط البيع بثلاثة أيام على الأقل، وفي هذه الحالة يقف البيع بقوة القانون لحين الحكم ببطلان الحجز، أما إذا لم يعترض للدين فإن حقه يسقط ومن الممكن التنفيذ عليه، ومن واجب الدين أن يثبت توافر كافة الشروط المسابقة اللازمة لإعمال قانون الخمسة أفدنة.
ويلاحظ أن قانون الخمسة أفدنة ليس من النظام العام لأنه يشترط التطبيق هذا القانون أن يتمسك به المدين المنفذ ضده قبل فوات ميعاد الاعتراض وإلا سقط حق التمسك به كما ذكرنا، وهذا يتعارض مع أحكام النظام العام التي تقتضي أن تحكم المحكمة ببطلان التنفيذ من تلقاء نفسها وفي أية حالة كانت عليها الإجراءات، فهذا القانون يستهدف رعاية المصلحة الخاصة للمدين، ومع ذلك فقد خشي المشرع أن يستغل المرابون حاجة المزارع إلى الاستدانة ليفرضوا عليه مقدماً التنازل عن التمسك بهذا القانون، ولذلك نصت المادة الثالثة منه على أنه يقع باطلاً كل تنازل عن التمسك بالحظر المنصوص عليه، ويعني ذلك أن تنازل المدين عن التمسك بعدم جواز التنفيذ يكون باطلاً، ورغم ذلك يجوز للمدين أن يتنازل عن التمسك بالحظر بعد اتخاذ إجراءات التنفيذ وذلك بأن يفوت ميعاد الاعتراض على قائمة شروط البيع دون التمسك بالحظر لأنه في هذه الحالة تنتفي شبهة الاستغلال.
وحتى تتحقق الحماية التي ابتغاها المشرع فإن هناك أموالاً تعتبر لازمة للاستغلال الزراعي الخاص بهذه الأفدنة الخمسة ولذلك منع المشرع الحجز عليها باعتبارها من ملحقات الأفدنة الخمسة، وهذه الملحقات هي الآلات الزراعية سواء كانت مثبتة بالأرض أو غير ثابتة بها مادامت لازمة لزراعة هذه الأرض فلا يجوز التنفيذ على هذه الآلات ولو لم تكن عقارات بالتخصيص كما لو كان المالك لم يرصدها بعد لخدمة الأرض، أما إذا كانت عقارات بالتخصيص فإن الحجز عليها يمتنع أيضاً دون الاستناد إلى نص خاص بها بسبب تخصيصها للعقار فتخضع لما يسري عليه من قواعد، والمنع من الحجز على هذه الآلات مقصور على الآلات اللازمة لزراعة الخمسة أفدنة فقط، ومن هذه الملحقات أيضاً المواشي اللازمة لاستثمار الأرض غير الجائز التنفيذ عليها، ومسكن المزارع وملحقاته والمقصود به المكان الذي يقيم فيه المزارع وعائلته ولو تعدده كما لو تعددت مساكن المزارع بتعدد زوجاته، والمقصود بملحقات المسكن حظائر الماشية ومخازن المحاصيل وغيرها، ولا عبرة بقيمة المسكن أو مكان وجوده فلا يشترط وجوده في نفس الأرض الممنوع الحجز عليها، ويلاحظ أن منع التنفيذ على المسكن وملحقاته تابع لمنع التنفيذ علي الأرض فإذا لم يملك المنفذ ضده أرضاً زراعية يمنع القانون التنفيذ عليها فإنه يجوز التنفيذ على مسكنه.
كذلك فإن المنع من الحجز على الخمسة أفدنة وملحقاتها ليس منعاً مطلقاً بل هو منع نسبي، فقد استثنى المشرع بعض الديون يجوز الحجز من أجلها ولو كانت ملكية المدين لا تزيد على خمسة أفدنة من الأراضي الزراعية، وطبقاً للمادة الثانية من هذا القانون هذه الديون هي : الديون الممتازة أي الديون التي يكون لأصحابها حق امتياز على الأرض الزراعية كامتياز بائع العقار لضمان ثمنه ولكن يخضع الدائن المرتهن أو صاحب حق الاختصاص للحظر الوارد في هذا القانون، ورغم أن رهن الخمسة أفدنة الأخيرة للمزارع يكون صحيحاً إلا أنه لا يجوز للدائن المرتهن التنفيذ عليها إلا إذا زالت الجباية عن المدين المنفذ ضده بتملكه أراضي أخرى أو احترافه حرفة أخرى غير الزراعة (وجدي راغب - ص 315)، وكذلك الديون القديمة الثابتة التاريخ قبل العمل بقانون الخمسة أفدنة وكذلك ديون النفقة والمهر أي الديون المترتبة على الزوجية وأجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن وما يستحق من المهر، وأيضاً الديون التي تنص القوانين الخاصة الأخرى على عدم سريان المنع من التنفيذ عليها، ومثال ذلك الديون المستحقة للحكومة وبنك التسليف الزراعي والجمعيات التعاونية، وأخيراً يجوز التنفيذ على الخمسة أفدنة الأخيرة للمزارع لاستيفاء الديون الناشئة عن جناية أو جنحة ارتكبها المدين المزارع بنفسه كالغرامات والتعويضات المدنية. (الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة ، الجزء / السادس ، الصفحة : 52)