موسوعة قانون المرافعات
دعوى الإستحقاق الفرعية
يجوز للغير طلب بطلان إجراءات التنفيذ مع طلب إستحقاق العقار المحجوز عليه أو بعضه ولو بعد إنتهاء الميعاد المقرر للإعتراض على قائمة شروط البيع وذلك بدعوى ترفع بالأوضاع المعتادة أمام قاضي التنفيذ ويختصم فيها من يباشر الإجراءات والمدين أو الحائز أو الكفيل العيني وأول الدائنين المقيدين.
عدل المشروع في المادة 455 منه من صياغة المادة 705 المقابلة لها في التشريع القائم بما يبرز أن دعوى الإستحقاق الفرعية المقصودة بها هي تلك التي يقيمها غير من أصبحوا طرفاً في الإجراءات عملاً بحكم المادة 417 منه وذلك حتى يقضى على الخلاف الفقهي الذي ثار في هذا الشأن وحتى يلزم أطراف خصومة التنفيذ الذين أبلغوا بإيداع قائمة شروط بتقديم أوجه البطلان ولو كان أساسها عيباً في الموضوع بطريق الاعتراض على القائمة عملاً بحكم المادة 422 منه.
1 ـ مؤدى نص المادة 454 من قانون المرافعات - وما ورد فى المذكرة الإيضاحية - أن دعوى الاستحقاق الفرعية لا ترفع إلا من الغير أما من يعتبر طرفا فى إجراءات التنفيذ فوسيلته للتمسك بحق له على العقار هى الإعتراض على قائمة شروط البيع ، على أن الشخص قد يعتبر طرفا فى التنفيذ بصفة وغيرا بصفة أخرى وعندئذ يكون له بصفته الثانية أن يرفع دعوى الاستحقاق الفرعية ولا يقال فى هذا المجال أنه يتعين عليه أن يبدى كل ما لديه بجميع صفاته مرة واحدة بطريق الاعتراض ما دام قد أخبر بإجراءات التنفيذ بإحدى هذه الصفات - إذ فى تلك مصادرة لحقه فى اتخاذ الوسيلة القانونية المناسبة فى الوقت المناسب وفقا لكل صفة من صفاته - لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم الصادر فى الاعتراض المقدم من الطاعنة على قائمة شروط البيع إنها أقامته بوصفها وارثة للمدين الجارى التنفيذ على تركته أما دعواها المماثلة فقد رفعتها بمقولة إنها مالكة للأطيان محل التنفيذ ملكية ذاتية لا تعتمد سندها من المدين ومن ثم فهى بهذه الصفة لا تعتبر طرفا فى إجراءات التنفيذ وإنما تعد من الغير يجوز لها بالتالى إقامة دعوى الاستحقاق الفرعية . إذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى خلاف ذلك يكون قد أخطأ فى القانون .
(الطعن رقم 473 لسنة 44 جلسة 1979/06/20 س 30 ع 2 ص 685 ق 314)
2 ـ متى كانت منازعة الطاعن مبناها فى الواقع تخلف شرط من الشروط الموضوعية لصحة التنفيذ وهو كون العقار المحجوز مملوكاً للمدين المحجوز عليه ، فإن هذه المنازعة تعتبر من أوجه البطلان التى تبدى بطريق الإعتراض على قائمة شروط البيع والتى تملك محكمة الإعتراضات الفصل فى موضوعها ، ولا يغير من ذلك كون المنازعة تنطوى على إدعاء بإستحقاق المعترض أو مدينه للعين المنفذ عليها وأن المشرع نظم فى المادة 705 من قانون المرافعات طريقاً آخر لعرض مثل هذه المنازعة على القضاء وهو دعوى الإستحقاق الفرعية ، ذلك أن نص هذه المادة يجرى بأنه " يجوز طلب بطلان إجراءات التنفيذ مع طلب إستحقاق العقار المحجوز كله أو بعضه - ولو بعد إنتهاء الميعاد المذكور فى المادة 646 "" وهو ميعاد الإعتراض على قائمه شروط البيع"- وذلك بدعوى ترفع بالأوضاع العاديه ... "ومفاد ذلك أن المشرع لم يمنع إبداء المنازعة المؤسسة على الإدعاء بإستحقاق العقار المحجوز بطريق الإعتراض على قائمة شروط البيع ، بل على النقيض فقد جاء نص هذه المادة قاطعاً فى جواز إبدائها بهذا الطريق وذلك على إعتبار إنها وجه من أوجه بطلان التنفيذ المنصوص عليها فى المادة 642 مرافعات ، وإنما نظم فى المادة 705 طريقاً آخر لرفع هذه المنازعة إلى القضاء الى جانب طريق الإعتراض .
(الطعن رقم 181 لسنة 30 جلسة 1965/01/28 س 16 ع 1 ص 128 ق 20)
دعوى الاستحقاق الفرعية:
دعوى الاستحقاق الفرعية، هي الدعوى التي يرفعها الغير الذي لا يعد طرفاً في إجراءات التنفيذ، ويطلب فيها رافعها بطلان تلك الإجراءات مع طلب استحقاقه للعقار المحجوز عليه أو بعضه، وترفع بالإجراءات المعتادة بإيداع صحيفتها قلم کتاب محكمة التنفيذ ويختص قاضي التنفيذ بنظرها نوعياً أياً كانت قيمتها، ويجب أن يختصم فيها الدائن مباشر اجراءات التنفيذ والمدين أو الحائز أو الكفيل العيني وأول الدائنين المقيدين.
ومناط دعوى الاستحقاق الفرعية أن ترفع أثناء مباشرة إجراءات التنفيذ وتتمثل في منازعة تنفيذ موضوعية بأن توجه إلي إجراءات التنفيذ بقصد إبطالها لتخلف أحد الشروط الموضوعية اللازمة لصحتها وهو ملكية المدين المنفذ ضده للعقار محل التنفيذ، ثم يقرن هذا الطلب بطلب إستحقاقه هو لهذا العقار إستناداً إلى سبب من أسباب كسب الملكية توافرت شروطه لديه قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية، سواء تمثل هذا السبب في تصرف قانوني أو واقعة مادية كالحيازة إذا كانت قد بدء فيها قبل هذا التسجيل وإستمرت حتى اكتمال المدة المكسبة للملكية دون أن تفقد أحد شروطها من هدوء وظهور واستمرار، ومتي اكتملت المدة، تلك الحائز العقار، ليس من وقت اكتمال المدة، وإنما من تاريخ بدء الحيازة وفقاً للأثر الرجعي للتقادم، فيعتبر الحائز مالكاً منذ هذا التاريخ والمدين قد زالت ملكيته من هذا الوقت، وبالتالي يكون الحجز قد توقع على عقار غير مملوك للمدين حتى لو كان قد توقع قبل اكتمال مدة التقادم طالما لم يتخذ إجراء في مواجهة الحائز من شأنه قطع تلك المدة فتزول عن الحيازة شروطها ولا تصلح بعد ذلك سبباً لكسب ملكية العقار، فيحاج الحائز حينئذ بإجراءات التنفيذ، ويراعي أن الحائز في التقادم يغاير الحائز في التنفيذ العقاري علي نحو ما تقدم، وإذا رفعت قبل البدء في التنفيذ أو بعد الحكم بإيقاع البيع، فإنها تكون دعوى إستحقاق أصلية لعدم مساسها بإجراءات التنفيذ.
وباعتبار المدعي في دعوى الاستحقاق الفرعية من الغير، فلا يلتزم عند رفع الدعوى بالميعاد المقرر للاعتراض على قائمة شروط البيع إذ يجوز له رفعها في أي وقت وإلي ما قبل الحكم بإيقاع البيع إذ تنتهي الإجراءات بصدوره مما يحول دون طلب القضاء ببطلانها، ومن ثم يجوز رفعها فور إعلان تنبيه نزع الملكية أو بعد تسجيله أو قبل إيداع قائمة شروط البيع أو بعد إيداعها أو قبل جلسة الاعتراضات أو بعدها أو في يوم جلسة البيع. ويجوز المدعي الاستحقاق أن يطرح منازعته علي قاضي التنفيذ بطريق التقرير في قلم الكتاب باعتراضه على إجراءات التنفيذ وطلب القضاء ببطلانها وباستحقاقه العقار كمنازعة موضوعية في التنفيذ يتعين على قاضي التنفيذ الفصل فيها مع ما يقدم من إعتراضات.
فإذا قرر مدعي الاستحقاق باعتراضه في قلم الكتاب قبل الجلسة المحددة لنظر الاعتراضات وانحصر إعتراضه في طلب استحقاقه العقار دون أن يطلب بطلان إجراءات التنفيذ، أو رفع الدعوى بالإجراءات المعتادة وطلب الحكم له باستحقاقه للعقار دون أن يطلب بطلان الإجراءات. انتفي عن الإعتراض وعن الدعوى مقومات منازعة التنفيذ وتوافر فيهما طلب ملكية العقار مما يخرج عن إختصاص قاضي التنفيذ النوعي ويدخل في إختصاص المحكمة الإبتدائية أو الجزئية بحسب قيمة العقار، ويجب تبعاً لذلك أن يحكم قاضي التنفيذ في الاعتراض أو الدعوى بعدم اختصاصه نوعياً وبالإحالة إلى المحكمة المختصة ، ذلك لأن مناط إختصاص قاضي التنفيذ بالمنازعة المتعلقة بملكية العقار أن تطرح بمناسبة اتخاذ إجراءات التنفيذ عليه وأن يطلب بطلان تلك الإجراءات واستحقاق العقار حتى تتوافر مقومات منازعة التنفيذ التي ينعقد الاختصاص بنظرها لقاضي التنفيذ أياً كانت قيمة العقار، وطلب البطلان والاستحقاق يمثل الشق الموضوعي في المنازعة، بينما ينصرف الشق الوقتي إلى طلب وقف اجراءات البيع ويجوز طرح المنازعة بطريق الاعتراض أو بطريق الاجراءات المعتادة (أنظر أبو الوفا بند 324 ، 325) .
الخصوم في دعوى الاستحقاق الفرعية:
ترفع دعوى الاستحقاق الفرعية من مدعي إستحقاق العقار ضد من يباشر إجراءات التنفيذ عليه والمدين إن كانت لم تزل الملكية له، فإن كانت لغيره كالكفيل العيني، أو حائز العقار، رفعت الدعوى ضد المالك له باعتباره هو خصم مدعي الاستحقاق والذي ينفذ عليه الحكم الصادر فيها، ولذلك ترفع الدعوى علي المالك، سواء كان هو المدين أو الحائز أو الكفيل العيني الذي رهن عقاره لضمان الدين الذي نشأ في ذمة المدين، وعلي أول الدائنين أصحاب القيود وقد لا يكون هو الدائن مباشر الإجراءات إذ يجوز للدائن العادي مباشرتها متى كان بيده سند تنفيذي فإن لم يكن مباشر الإجراءات هو أول الدائنين المقيدين، وجب أيضاً اختصام الدائن مباشر الإجراءات .
فإذا رفعت الدعوى على غير مالك كالمدين عندما يكون العقار مملوكاً للكفيل العيني، ودفع المدين بعدم قبولها لرفعها على غير ذي صفة. ورأي قاضي التنفيذ أن الدفع قائم على أساس ، فإنه يؤجل الدعوى الإعلان ذى الصفة، وذلك عملاً بالمادة (115) من قانون المرافعات، ولما كان هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام لعدم تعلقه بجواز نظر الدعوى خلافاً للدفع بانعدام صفة المدعي إذ يتعلق الدفع الأخير بالنظام العام عملاً بالمادة الثالثة من قانون المرافعات، فلا يتصدى له قاضي التنفيذ من تلقاء نفسه وبالتالي يتصدى للدعوى ولكن لا يحاج المالك بالحكم الذي يقضي بالاستحقاق إلا إذا تدخل في الدعوى أو أدخل فيها.
ويستأنف الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق وفقاً للقواعد العامة، ويرفع الإستئناف إلى المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز عشرة آلاف جنيه، وإلي محكمة الإستئناف إذا جاوزت ذلك.
ويجب على المستأنف اختصام كل من كان مختصاً أمام قاضي التنفيذ ولا يترتب على إغفال أحدهم بطلان الإستئناف وإنما يجب على المحكمة الإستئنافية أن تكلف المستأنف بإدخال باقي الخصوم وتحدد له ميعاداً لذلك، فإن لم ينفذ ما أمرته به المحكمة، قضت بعدم قبول الإستئناف ولو من تلقاء نفسها، وكانت أحكام النقض قد ذهبت إلى أن إغفال اختصام بعض من أوجب القانون إختصامه أمام محكمة الإستئناف يؤدي إلى بطلان الإستئناف، إلا أن الهيئة العامة لمحكمة النقض عدلت عن هذه الأحكام وقضت بالتزام محكمة الاستئناف بأن تأمر المستأنف باختصام جميع المحكوم لهم ولو بعد فوات الميعاد، فإن كان هذا الإغفال أمام محكمة النقض أدي إلي بطلان الطعن.
ذلك أن دعوى الاستحقاق الفرعية من الدعاوى التي أوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين هم من تضمنتهم المادة (454) من قانون المرافعات، إعمالاً لنص المادة (218) من ذات القانون.
مناط وقف البيع برفع دعوى الاستحقاق الفرعية :
إذا رفعت دعوى الاستحقاق الفرعية، فإن قاضي التنفيذ لا يحكم بوقف إجراءات البيع إلا إذا أودع المدعي خزانة المحكمة المبلغ الذي يقدره قلم الكتاب للوفاء بمقابل أتعاب المحاماة والمصاريف اللازمة لإعادة الإجراءات في حالة الحكم برفض الدعوى أو بطلان صحيفتها أو اعتبارها كأن لم تكن أو غير ذلك من الأحكام المنهية للخصومة فيها، كما يجب للحكم بالوقف أن تكون الصحيفة قد اشتملت على بيان المستندات المؤيدة لها أو علي بیان دقیق الأدلة الملكية، كالعقد المسجل أو إعلام الوراثة وأدلة ملكية المورث، أو الوصية التي إنتقلت الملكية بموجبها للمدعي الموصى له، ولما كانت دعوى الاستحقاق هي دعوى ملكية فلا تقبل إلا ممن انتقلت إليه الملكية بموجب سبب من أسباب كسب الملكية كالعقد المسجل الصادر من مالك وغيره من التصرفات الناقلة للملكية، فلا يكفي الاستناد إلي عقد عرفي لاستصدار حكم باستحقاق العقار، ومن أسباب كسب الملكية الحيازة على نحو ما تقدم على أن تتضمن الصحيفة وقائع الحيازة ببيان تاريخ وضع اليد ومظاهره واستمرارها وهدوئها وظهورها واكتمال المدة المكسبة للملكية، دون انتفاء تلك الوقائع، ومتى تحقق قاضي التنفيذ من توافر تلك الشروط، وجب عليه أن يقضي فيها في أول جلسة بوقف إجراءات البيع، وهو حكم وقتي لا يتقيد به عندما يفصل في الشق الموضوعي، فله بالرغم من القضاء بوقف التنفيذ بناء علي الطلب الوقتي المقدم من المدعي، أن يقضي برفض دعوى الاستحقاق الفرعية. ووفقاً للمادة (456) من قانون المرافعات لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في الطلب الوقتي سواء برفضه أو بوقف إجراءات البيع. وهو استثناء من القاعدة العامة التي تضمنتها المادة (212) منه.
وإذ حل اليوم المعين للبيع قبل أن يحكم قاضي التنفيذ بوقف إجراءات البيع، فلرافع الدعوى أن يطلب منه وقف البيع بموجب تقرير في قلم الكتاب قبل الجلسة المحددة للبيع بثلاثة أيام على الأقل، ويظل البيع موقوفاً حتى ( يقضي نهائياً في دعوى الاستحقاق الفرعية.
دعوى الاستحقاق الفرعية لجزء من العقار:
إذا لم تتناول دعوى الاستحقاق الفرعية إلا جزءا من العقارات المحجوزة، فإن الحكم الذي يصدر فيها يجب أن ينحصر في هذا الجزء وحده، لا سواء فيما يتعلق بالشق الموضوعي المتعلق بطلان الإجراءات واستحقاق هذا الجزء، أو فيما يتعلق بالشق الوقتي المتعلق بوقف إجراءات البيع، ومن ثم - تستمر الإجراءات بالنسبة للأجزاء الأخري إلا إذا طلب المدعي أو من له ات مصلحة في إتمام بيع الصفقة كاملة، إيقاف البيع بالنسبة إلي كل العقارات إذا ز كان في التجزئة ما يقلل من الثمن وكانت أسباب الاستحقاق لا يرجح معها القضاء لصالح المدعي.
فإذا لم يطلب أحد إيقاف البيع بالنسبة إلي كل العقارات مما يوجب الإستمرار في بيع العقارات الأخري، فإن قاضي التنفيذ يعدل الثمن الأساسي وفقاً للفقرة الأولي من المادة (37) من قانون المرافعات، وكذلك الحال عند استئناف إجراءات البيع بعد الفصل في دعوى الاستحقاق .
ودعوى الاستحقاق ، هي دعوى ملكية، ومن ثم فإنها ترد علي عناصر الملكية مجتمعة من استعمال واستغلال وتصرف، سواء وردت على حصة مفرزة أو شائعة، وبالتالي لا ترد على أحد عناصر الملكية، كعنصر الإنتفاع إلا إذا كان هذا العنصر هو محل التنفيذ العقاري.
دعوى الاستحقاق الفردية في التنفيذ الإداري :
إذا خلت نصوص قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 من تنظيم دعوى الاستحقاق الفرعية ومن ثم يتعين الرجوع في شأنها إلي قانون المرافعات عملاً بالمادة (75) من قانون الحجز الإداري، ولما كانت تلك الدعوى تعتبر منازعة تنفيذ، وكانت المادة (74 مكرر) من القانون الأخير توجب وقف إجراءات الحجز والبيع الإداريين الواردة على العقار برفع الدعوى بالمنازعة في أصل المبالغ المطلوبة أو في صحة إجراءات الحجز إلي أن يفصل نهائياً في النزاع، فإن وقف الاجراءات يتم بمجرد رفع دعوى الاستحقاق الفرعية بقوة القانون دون حاجة لصدور حکم بالوقف أو طلب ذلك بصحيفة الدعوى إلي أن يفصل نهائيا في الدعوى.
وقد وردت المادة (74 مكرر) سالفة البيان ضمن المواد المتعلقة بالتنفيذ على العقار، بينما وردت المادة (27) ضمن المواد المتعلقة بالتنفيذ على المنقول، وإذا تطابقت المادتان نصاً فيما عدا ما تضمنته المادة الأخيرة من إضافة المنازعة باسترداد الأشياء المحجوزة، وهي إضافة لا تمتد إلي دعوى الاستحقاق الفرعية، ومع ذلك أخضعت محكمة النقض الدعوى الأخيرة النص المادة (27) في حين أنها تخضع لقانون المرافعات فيما عدا وقف الإجراءات فإنها تخضع لقانون الحجز الإداري.
تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد قبل تسجيل التنبيه:
أوضحنا فيما تقدم، أن دعوى صحة ونفاذ عقد البيع لا تقبل إلا إذا كانت صحيفتها مشهرة، ويترتب على شهرها أن يحفظ المشتري حقه في التقدم والمفاضلة علي صاحب أي حق عيني يشهر حقه بعد تاریخ شهر صحيفة الدعوى، يستوي أن يكون الحق العيني اللاحق أصليا كحق ملكية أو تبعية کرهن أو اختصاص أو امتياز حتى لو تعلق الحق الأخير بامتياز البائع للبائع، ولا يكفي لتحقق هذه الأفضلية تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد، وإنما يجب أن يصدر حكم فيها بصحة ونفاذ عقد البيع ثم يقوم المشتري بالتأشير بمنطوق هذا الحكم في هامش تسجيل الصحيفة، وحينئذ ينتج تسجيل الصحيفة أثره في نقل ملكية المبيع إلي المشتري والتقدم على أصحاب الحقوق المشهرة التالية لتاريخ شهر الصحيفة، وبدون هذا التأشير لا ينتج تسجيل الصحيفة أي أثر حتى لو صدر الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع طالما لم يؤشر به علي نحو ما تقدم، وبهذا التأشير تعتبر الملكية قد انتقلت إلى المشتري من تاريخ التأشير وليس من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى. وبالتالي لا يحاج المشتري بالتصرفات التي أشهرت بعد تسجيل الصحيفة ولو كانت قد أشهرت قبل التأشير بالحكم.
فإذا زالت الدعوى لأي سبب، کصدور حكم فيها باعتبارها كأن لم تكن أو بانقضائها أو برفضها، زالت الآثار المترتبة عليها وانقضت كإجراء وتعين رفعها من جديد، وحينئذ يجب شهر صحيفة الدعوى الجديدة لزوال شهر الدعوى السابقة التي امتنع صدور حكم فيها إذ لا يجوز التأشير بالحكم إلا في صحيفة الدعوى التي صدر فيها وليس في صحيفة دعوى سابقة حتى لو تعلقت بذات الموضوع وكانت بين ذات الخصوم، وبالتالي فإن الأسبقية في الدعوى اللاحقة تكون من تاريخ تسجيل صحيفتها.
ومتى صدر الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع، فإن الملكية لا تنتقل والمفاضلة لا تتحقق لا بالتأشير بمنطوقه علي نحو ما تقدم أو بتسجيل الحكم ذاته تسجيلاً مستقلاً عن تسجيل صحيفة الدعوى، فإن تم تسجيل الحكم، فإن الملكية تنتقل إلى المشتري من تاريخ تسجيل الحكم وليس من تاريخ تسجيل الصحيفة.
وإذا رفعت دعوى بصحة ونفاذ عقد البيع وتم شهر صحيفتها، فإن الدعوى بصحة ونفاذ عقد بيع آخر صادر عن ذات العقار ومن نفس البائع تكون مقبولة حتى لو كان شهر صحيفتها لاحقا لشهر الصحيفة الأولي طالما لم يكن قد صدر حكم بصحة ونفاذ عقد البيع الأول وتأشر به على نحو ما تقدم، إذ طالما لم يتم هذا التأشير فإن الملكية تظل للبائع وبالتالي يكون التنفيذ العيني لالتزامه مازال ممكناً، أما إذا صدر الحكم للمشتري الأول وتأشر بمنطوقه في هامش تسجيل الصحيفة انتقلت الملكية إلى المشتري الأول وأصبح التنفيذ العيني لالتزام البائع غیرممکن ومن ثم تكون الدعوى الثانية غير مقبولة الانتفاء مصلحة المشتري الثاني من رفعها ما لم يتمسك في دعواه بالصورية المطلقة لعقد البيع الأول، فإن تمكن من إثبات تلك الصورية، وله إثباتها بكافة الطرق القانونية، كانت دعواه مقبولة، وحينئذ تقضى المحكمة أولاً بصورية العقد الأول المقضي بصحته ونفاذه وبصحة ونفاذ عقد البيع الثاني، ذلك لأن الحكم السابق لا حجية له تحول دون القضاء بصورية العقد الذي قضى هذا الحكم بصحته ونفاذه، إذ لم يكن المشتري الثاني طرفاً في الدعوى التي صدر فيها هذا الحكم والمقرر أن حجية الأحكام مقصورة على أطرافها إعمالاً لقاعدة نسبية أثر الحكم. ويترتب على ذلك أن مناط قبول دعوى المشتري الثاني في حالة التأشير بالحكم في هامش تسجيل صحيفة الدعوى الأولي أن يتمسك بصورية عقد المشترى الآخر صورية مطلقة، فلا يكفي تمسكه بالصورية النسبية إذ لا تحول هذه الصورية دون انتقال الملكية إلى المشتري الذي أشار بالحكم وبالتالي يكون تنفيذ البائع لالتزامه بنقل الملكية إلي مدعي الصورية النسبية غير ممكن مما يحول دون قبول دعواه.
فإن كان المشتري الأول قد سجل صحيفة دعواه، وقبل قيامه بالتأشير بالحكم الصادر لصالحه بصحة ونفاذ عقد البيع، تمكن المشتري الثاني من تسجيل عقد البيع الصادر له من نفس البائع متعلقة بذات العقار، وكان هذا التسجيل. لاحقاً لتسجيل صحيفة دعوى المشتري الأول، أو كان المشتري الثاني قد سجل صحيفة دعواه بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من نفس البائع متعلقة بذات العقار، وكان هذا التسجيل لاحقاً لتسجيل صحيفة دعوى المشتري الأول، ثم صدر الحكم للمشتري الثاني وقام بالتأشير به في هامش تسجيل صحيفة دعواه قبل صدور الحكم للمشتري الأول، فإن هذا التأشير لا تنتقل به الملكية إلى المشتري الثاني طالما وجد تسجيل سابق عليه، وبالتالي تظل الملكية باقية للبائع وتلتزم المحكمة بالتصدي لدعوى المشتري الأول، فإن قضت فيها بصحة ونفاذ عقده، ثم قام بالتأشير بهذا الحكم في هامش تسجيل صحيفة الدعوى، انتقلت إليه الملكية إذ يفضل المشتري الثاني بأسبقية التسجيل إذ يرتد أثر التأشير بالحكم إلي تاريخ تسجيل الصحيفة عملاً بالمادتين 3/15 ، 2/17 من قانون الشهر العقاري.
ولما كانت المفاضلة في التصرفات العقارية تتم وفقاً للأسبقية في التسجيل، وكانت الأفضلية في دعوى صحة التعاقد تتم وفقاً لهذه القاعدة علي التفصيل المتقدم، إلا أن مناط ذلك وحدة المبيع في الدعوىين وقضت محكمة النقض بأن مناط ثبوت الأفضلية في دعوى صحة التعاقد عملاً بالمادة 17 من القانون رقم 114 لسنة 1946 بشأن الشهر العقاري، أن يكون المبيع المحدد في صحيفتها هو ذاته المبيع محل البيع. (نقض 2000/11/18 طعن 2200 س 62 ق ).
ويقضي القانون بأنه في حالة تزاحم مشترين لعقار واحد من مالك واحد فإن الأفضلية بينهما تكون لصاحب العقد الأسبق في التسجيل، فمتى تبين أن أحد المشترين المتزاحمين قد رفع دعوى بصحة تعاقده وسجل عريضتها قبل تسجيل عقد المشتري الآخر ثم سجل الحكم الصادر له بصحة التعاقد، فإن هذا الحكم يعتبر أسبق تسجيلاً ويفضل عقد المشتري الآخر. ولا محل بعد ذلك لإقحام المادة 146 من القانون المدني لإجراء حكمها على المشتري بهذا العقد المسجل بإعتبار أنه خلف خاص كان يعلم بحكم صحة التعاقد فيسري عليه ذلك الحكم أو للبحث في أن علمه هذا كان مقترناً بعلمه بحصول تنازل عن الحكم المذكور مما يحد من أثره لأن تسجيل حكم صحة التعاقد يغني في تحقق أثره على الخلف الخاص عن العلم المشترط في المادة 146 المشار إليها. نقض 1958/3/27 س 9 ص 243 والثابت من مدونات هذا الحكم أن صحيفة الدعوى سجلت في 1944/3/4 وسجل الحكم الصادر فيها وعقد المشتري الآخر في 1944/4/22 وقالت المحكمة في هذه المدونات أن تسجیل حکم صحة التعاقد ينسحب أثره قانونا إلى تاريخ تسجيل عريضة دعوى ذلك الحكم.
عدم انتقال الملكية لمدعي الاستحقاق :
تستند دعوى الاستحقاق الفرعية، إلى الملكية، إذ يدعى المدعي أنه المالك للعقار محل التنفيذ، وبالتالي يجب عليه إثبات ملكيته لهذا العقار بأي سبب من أسباب اكتسابها، وأن يكون هذا السبب قد توافر له قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية أو قبل القيد الذي تقرر على العقار بموجب أحد الحقوق العينية التبعية كرهن أو إختصاص أو إمتیاز، إذ يعتبر التسجيل أو القيد في هذه الحالة قد ورد على عقار غير مملوك للمدين المنفذ ضده ، فيتخلف بذلك أحد الشروط الموضوعية التي يتطلبها القانون لصحة التنفيذ، وتكون دعوى الاستحقاق الفرعية جديرة بالقبول.
أما إن لم تثبت الملكية للمدعي، تعين رفضها، كما لو كان عقده لم يسجل بعد أو سجل بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية أو بعد قيد الحق العيني التبعي، أو كان تسجيل صحيفة صحة التعاقد قد تم بعد تسجيل التنبيه أو بعد القيد، أو كان قد تمكن من تسجيل عقده قبل تسجيل التنبيه أو قبل قيد الحق العيني التبعي بينما كان عقد البائع له غير مسجل إذ لا تنتقل الملكية إلى المشتري في هذه الحالة، إذ يجب أن يكون قد تلقى الملكية من مالك. أو يكون قد وضع يده على العقار بعد قيد الحق العيني التبعي، وإن هذا القيد ظل يجدد في الميعاد، وحينئذ يتملك الحائز للعقار بالتقادم مثقلاً بالقيد، وحينئذ يعتبر حائزاً في التنفيذ العقاري يلتزم بالدفع أو التخلية ولا يجوز له رفع دعوى الاستحقاق الفرعية التي ينحصر نطاقها على حالة قيد الحق العيني التبعي بعد بدء وضع اليد وفقاً للأثر الرجعي للتقادم المكسب .
دعوى الاستحقاق ودعوى براءة الذمة:
ليس ثمة تلازم بين دعوى الاستحقاق وبراءة الذمة، ولا تعارض بين أن يقدر قاضي البيوع - وهو بسبيل النظر في طلب وقف البيع أو المحكمة المطروح عليها استئناف حكمه، جدية إحدى الدعويين وعدم جدية الأخرى، لاختلاف الأساس في كل منهما. نقض 1949/3/24 طعن 173 س 17 ق .(المطول في شرح قانون المرافعات، المستشار/ أنور طلبة، الناشر/ المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 496)
تتميز دعوى الاستحقاق بأنها دعوى يرفعها الغير الذي لم يصبح طرفاً فيها والإجراءات، وأنها بطلب ملكية العقار المحجوز كله أو بعضه وببطلان إجراءات
التنفيذ تبعاً لذلك لأنها ترفع بقصد تخليص العقار من الحجز الموقع عليه أي ترفع بعد توقيع الحجز وقبل البيع وهي تعد لهذا إشكالاً موضوعياً لأن المدعي يتمسك بتخلف شرط من شروط التنفيذ كما أنها توقف البيع حتى يتحقق الغرض المقصود منها وذلك إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة.
ولا تعتبر دعوى استحقاق فرعية تلك التي ترفع من أحد أطراف التنفيذ إذا العبرة في ذلك بالصفة التي اختصم بها فإذا اختصم الخصم في إجراءات التنفيذ بصفته وصياً على قاصر كان من الغير بصفته الشخصية وجاز به بهذه الصفة رفع دعوى الاستحقاق الفرعية.
كذلك لا تعتبر دعوى إستحقاق فرعية تلك التي ترفع بعد إيقاع البيع أو التي ترفع قبل تنبيه نزع الملكية.
وإذا اقتصر رافع الدعوى على طلب استحقاق العقار أي تثبيت ملكيته كله أو بعضه دون طلب بطلان الإجراءات فلا تعتبر دعوى استحقاق فرعية.
ولما كانت دعوى الاستحقاق الفرعية هي دعوى أساسها ملكية العقار المحجوز عليه فإنه يتعين أن تكون الملكية ثابتة لصالحها قبل رفعها فلا يجوز رفعها ممن يستند إلى عقد عرفي لم يسجل صادر له من المدين بزعم أنه حجة على دائنه. كما يتعين أن تكون هذه الملكية منجزة فإذا كانت معلقة على شرط واقف فلا يجوز رفع الدعوى قبل تحققه كما يتعين أن ترفع بطلب ثبوت حق الملكية أو غيره من الحقوق العينية الأصلية كحق الإنتفاع - إلا إذا كان هو بذاته محل التنفيذ - أو حق الإرتفاق إذ أن حكم إيقاع البيع لا يطهر العقار من هذه الحقوق وإذا صدر فيها الحكم برفض طلب تثبيت الملكية فإنه لا يكون بحاجة إلي التعرض لطلب بطلان الإجراءات ومحو التسجيلات لأن ذلك لا يقوم إلا على ثبوت الملكية.
وإذا زالت إجراءات التنفيذ أثناء نظر دعوى الاستحقاق لأي سبب كالتنازل عنها لم يعد هناك محل لطلب بطلانها وتفقد صغتها كدعوى استحقاق فرعية وتصبح دعوى استحقاق أصلية أي دعوى ملكية عادية ومن ثم تخرج عن إختصاص قاضي التنفيذ فيتعين عليه إحالتها إلى المحكمة المختصة بها نوعياً وقيمياً ومحلياً طبقاً للقواعد العامة في الاختصاص.
ويجب أن يختصم في دعوى الاستحقاق الفرعية المدين أو الحائز أو الكفيل العيني - المطلوب نزع ملكيته - لأنه الخصم الأساسي في طلب ثبوت الملكية ويعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه كما يجب أن يختصم فيها كذلك الدائن مباشر الإجراءات وأول الدائنين المقيدين إلا إذا كان الدائن مباشر الإجراءات هو نفسه أول الدائنين المقيدين فلا يلزم في هذه الحالة اختصام دائن آخر مقید تال في المديونية ولا يترتب على إغفال اختصام بعض من أوجب القانون إختصامهم بطلان الصحيفة أو عدم قبول الدعوى، وإنما ينحصر الجزاء في تخلف أحد شروط الدعوى التي توجب على القاضي عند توافرها الإستجابة الطلب وقف إجراءات البيع لحين الفصل فيها كما لا يعتبر الحكم الصادر فيها حجة على من لم يختصم فيها وإذا استؤنف الحكم الصادر في الدعوى فإنه يتعين إختصام جميع الخصوم أمام محكمة أول درجة ممن أوجب القانون اختصامهم في الدعوى وإلا كان الاستئناف غير مقبول.
وتخضع الدعوى في إجراءاتها وطرق الإثبات فيها للقواعد العامة ومنها أنه يقع على عاتق المدعي عبء إثبات ملكيته إلا أن يكون حائزاً للعقار فيكون الظاهر شاهدا له فيقع على عاتق الدائن المباشر للإجراءات إثبات ملكية مدينه للعقار المحجوز عليه باعتباره يدعي خلاف الظاهر.
وتختلف دعوى الاستحقاق الفرعية عن دعوى الاستحقاق الأصلية في أنها تؤدي إلي وقف الدعوى وفقاً للمادة 455 وفي أن الإختصاص بنظرها ينعقد القاضي التنفيذ مهما كانت قيمتها وفي أنه يجب فيها إختصام أشخاص معينين (التنفيذ للدكتور أبو الوفا بند 393 وما بعدها والمرافعات للأستاذ كمال عبد العزيز الجزء الثاني ص 717 وما بعدها وقانون القضاء المدني للدكتور فتحي والي بند 375).(التعليق على قانون المرافعات، المستشار/ عز الدين الديناصوري والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات وتحديث أحكام النقض للأستاذ/ خيرت راضي المحامي بالنقض، الطبعة 2017 دار المطبوعات الجامعية، الجزء : الثامن ، الصفحة : 664)
دعوى الاستحقاق الفرعية :
نظراً لإختصاص قاضي التنفيذ بنظر المنازعات المتعلقة بالتنفيذ، فإنه يندرج في اختصاصه كافة المنازعات المتعلقة بالتنفيذ على العقار. فهو يختص بالمنازعات التي تبدي بطريق الاعتراض على قائمة شروط البيع. وهو يختص أيضاً بالمنازعات التي تبدي بغير طريق الإعتراف بالنسبة الغير من وجب القانون أخبارهم بإيداع القائمة و بالنسبة لمن لم يتم إخباره بالإبداع، كما يختم أيضاً بطلب وقفي البيع وطلب تاجيله وتخضع كافة هذه المنازعات القواعد العامة المقررة في القانون للقواعد الخاصة المقررة بنصوص خاصة في هذا الشأن، بيد أن هناك من المنازعات ما نص عليه القانون صراحة بنصوص خاصة وقرر له قواعد وأحكام خاصة وهذه هي دعوى الاستحقاق الفرعية وسوف نتعرض لدراسة القواعد الخاصة بهذه الدعوى فيما يلي :
تعريف دعوى الاستحقاق الفرعية وشروطها:
دعوى الاستحقاق الفرعية في المنازعة الموضوعية التي يرفعها شخص عن الغير مدعياً ملكية العقار الذي بديء في التنفيذ عليه. وذلك بعد بدء التنفيذ عليه وقبل تمامه، ويطلب فيها تقرير حقه في العقار وبطلان إجراءات التنفيذ.
ويتضح من هذا التعريف أنه لكي تعتبر الدعوى دعوى استحقاق فرعية يجب أن تتوافر فيها الشروط الآتية :
أولاً : أن ترفع الدعوى بعد البدء في التنفيذ على العقار و قبل تمامه ويبدأ التنفيذ على العقار بالتنبيه بنزع الملكية ويتم بصدور حكم إيقاع البيع، ولذلك فإن الدعوى تعتبر دعوى إستحقاق فرعية إذا رفعت بعد تنبيه نزع الملكية ولو قبل تسجيله، وهي تعتبر دعوى فرعية أياً كانت المرحلة التي وصلتها إجراءات التنفيذ العقاري، ولكن إذا رفعت الدعوى قبل التنبيه بنزع الملكية أو بعد حكم إيقاع البيع فإنها تعتبر دعوى ملكية عادية وتسمى دعوى الاستحقاق الأصلية، فالدعوى لانعتبر فرعية إلا لأنها ترفع أثناء إجراءات التنفيذ فهي تتفرع منه، ودعوى الاستحقاق الأصلية بقبل ولو بعد حكم إيقاع البيع وذلك لأن هذا الحكم لا ينقل . للمشتري أكثر مما للمحجوز عليه، وإنما لا تخضع هذه الدعوى للأحكام الخاصة بدعوى الاستحقاق الفرعية، وإذا رفعت دعوى إستحقاق عن عقارات بدیء في التنفيذ عليها وحكم إيقاع بيع بعضها دون البعض الآخر فإنها تعتبر دعوی استحقاق أصلية بالنسبة للعقارات التي بيعت وفرعية بالنسبة للعقارات التي لم تبع بعد.
ثانياً : أن يطلب المدعى ملكية العقار محل التنفيذ، ولكن لا يشترط أن بطلب المدعي ملكية العقار كله، بل يستوي أن يطلب المدعى ملكية كل العقار المحجوز أو ملكية جزء منه مفرزاً أو شائعاً فيه، ولكن يجب أن تكون الملكية منجزة ولذلك فمن يدعى ملكية معلقة على شرط واقف ليس له أن يرفع دعوى إستحقاق حتى يتحقق هذا الشرط وتطبيقاً لهذا حكم بأنه ليس للمشترى بموجب عقد بيع غير مسجل أن يرفع دعوى إستحقاق إذا شرع دائن البائع في التنفيذ على العقار المباع باعتباره مملوكاً للبائع.
ونتيجة لذلك فإنه إذا لم يكن المدعی مستنداً إلى ملكيته للعقار فليس له أن يرفع دعوى إستحقاق فرعية، ولهذا ليس لمن يدعي حقاً على العقار غير حق الملكية كحق الارتفاق أو حق الإنتفاع أن يرفع هذه الدعوى، إذ طريق التمسك بحق الإنتفاع أو الإرتفاق هو إبداء ملاحظة على قائمة شروط البيع في الميعاد المحدد لإبداء الملاحظات، فإذا انقضى هذا الميعاد فليس لصاحب هذا الحق أن يرفع دعوى استحقاق فرعية، وذلك لأن البيع الجبرى لا يطهر العقار منه، ومن ثم لا مصلحة له في الإعتراض عليه بدعوى استحقاق وإنما يكون له إذا نازعه المشتري في حقه أن يرفع دعوی تقرير عادية في مواجهته، ولكن يلاحظ أنه يجوز لصاحب حق الإنتفاع أن يرفع دعوى استحقاق إذا كان التنفيذ لا يرد على الملكية وإنما ينصب فقط على حق الإنتفاع، فله في هذه الحالة رفع دعوى استحقاق فرعية للمطالبة بالحق المنفذ عليه.
ثالثاً : أن يطالب المدعي بطلان إجراءات التنفيذ إذ ينبغي حتى تعتبر دعوى الاستحقاق من الدعاوى الفرعية، أي المتفرعة عن التنفيذ - أن ترفع.
بطلب بطلان التنفيذ فضلاً عن طلب الملكية، أحمد أبو الوفا - إجراءات التنفيذ - بند 393 ص 819 ) فإذا طلب المدعي الحكم بالملكية فحسب، دون بطلان الإجراءات فلا تكون الدعوى دعوى استحقاق فرعية ولا يترتب عليها الأثار التي قررها القانون لهذه الدعوى، ونتيجة لذلك فإنه إذا رفعت الدعوى أثناء إجراءات التنفيذ ثم زالت هذه الإجراءات سواء بزوال الحاجز عنها أو بأي سبب آخر فإنه لا يصبح هناك محل لبطلانها وتتحول الدعوى في هذه الحالة إلى دعوى استحقاق أصلية.
وإذا ما توافرت الشروط الثلاثة السابقة فإن الدعوى تعتبر دعوى استحقاق فرعية، وذلك بصرف النظر عن الاسم الذي أطلقه عليها المدعى أو العبارات التي إستعملها في صحيفة دعواه، وإذا ما تخلف أي شرط منها فلا تعتبر الدعوى دعوى استحقاق فرعية كما أوضحنا آنفا .
الخصوم في دعوى الاستحقاق الفرعية:
أ - المدعى في هذه الدعوى : لا ترفع دعوى الاستحقاق الفرعية إلا من الغير، ويقصد بالغير هنا من ليس طرفاً في إجراءات التنفيذ، ونتيجة لذلك لايجوز لمن كان تطرقا في إجراءات التنفيذ أن يرفع دعوى إستحقاق فرعية للمطالبة بملكية العقار، وإنما وسيلة أطراف التنفيذ للتمسك بحق لهم على العقار هو إبداء ذلك بطريقة الاعتراض على قائمة شروط البيع.
ولكن قد يجمع الشخص بين ضفتين بحيث يكون طرفاً في التنفيذ بصفة وغير بصفة ثانية، كما لو حجز على شخص بصفته ولياً على ابنه وهو ينفي ملكية العقار بصفته الشخصية، أو حجز عليه بصفته وارثاً وهو يلعى ملكية العقار له بصفته الشخصية، ففي مثل هذه الحالة يجوز للشخص بناء على بصفته الثانية أي بصفته غير أن يرفع دعوى الاستحقاق الفرعية.
(ب) المدعى عليهم في هذه الحالة : وفقاً لنص المادة 454 مرافعات فإنه يجب أن يختصم في هذه الدعوى كل من الدائن مباشر الإجراءات والدين أو الحاجز أو الكفيل العيني واول الدائنين المقيدين، والسبب في ضرورة أختصام هؤلاء جميعاً هي أن المدعي يطالب بالملكية مما يقتضي توجيه هذا الطلب إلى المدين أو الحائز أو الكفيل العيني حتى يحكم بها في مواجهتهم، ويطالب المدعي فضلاً من هذا ببطلان إجراءات التنفيذ مما يقتضي توجيه الطلب إلى الدائن مباشر الإجراءات والدائنين المقيدين، غير أن المشرع اكتفى باختصام أول الدائنين المقيدين أي أصحاب الحقوق المقيدة على العقار، باعتباره صاحب المصلحة الأولى والأهم بين هؤلاء الدائنين ولذلك فهو خير من يمثلهم في هذه الدعوى .
وإذا لم يتم اختصام أحد ممن أوجب القانون اختصامهم، فإن دعوى الاستحقاق الفرعية تكون مقبولة وصحيحة ولكن لا يكون الحكم الصادر فيها حجة في مواجهة من لم يختصم، كما أنه وفقاً للإتجاه الراجح في الفقه لا يترتب على الدعوى في هذه الحالة وقف التنفيذ، لأن هذا الأثر لا يترتب إلا إذا استوفت الإجراءات المطلوبة قانوناً.
المحكمة المختصة بهذه الدعوى وميعادها وإجراءاتها :
تعتبر بعد الاستحقاق الفرعية منازعة موضوعية في التنفيذ ولذلك يختص بها قاضي التنفيذ عملاً بالنص العام الوارد في المادة 275 وتطبيقاً لهذا النص العام فقد تم المشرع صراحة في المادة 454 مرافعات على أن الإختصاص بهذه الدعوى يثبت لقاضي التنفيذ، ومحكمة التنفيذ المختصة في المحكمة التي يقع بدائرتها العقار المحجوز أو أحد العقارات المحجوزة في حالة تعددها.
ولا تتقيد هذه الدعوى بميعاد الاعتراض على قائمة شروط البيع بل يجوز رفعها في أية حالة تكون عليها الإجراءات حتى إيقاع البيع، ولكن كما ذكرنا يشترط لاعتبار الدعوى المرفوعة بطلب الملكية وبطلان التنفيذ دعوى استحقاق فرعية أن تكون مرفوعة أثناء إجراءات التنفيذ، أي أن ترفع بعد البدء في التنفيذ وهو يبدأ بإعلان تنبيه نزع الملكية وقبل أن ينتهي التنفيذ وهو ينتهي بصدور حكم إيقاع البيع .
ولذلك إذا وقعت الدعوى بطلب الملكية أمام المحكمة المختصة قبل أن تبدأ إجراءات التنفيذ، ثم طلب أثناء رفعها بطلان إجراءات التنفيذ التي بدأت، فإنه في هذه الحالة تصبح الدعوى دعوى استحقاق فرعية وتصبح من اختصام قاضي التنفيذ. ويتعين على المحكمة التي رفعت أمامها أن تحكم بعدم الإختصاص والإحالة إلى قاضي التنفيذ، غير أن هذه الدعوى لا يترتب عليها وقف البيع إلا إذا كانت قد استوفيت الإجراءات والأوضاع المطلوبة في القانون.
كما أنه إذا رفعت الدعوى بعد إنتهاء إجراءات التنفيذ فإنها لا تعتبر دعوى إستحقاق فرعية، كذلك فإنه إذا رفعت الدعوى أثناء إجراءات التنفيذ ثم زالت هذه الإجراءات بالتنازل عنها أو بالحكم ببطلانها، فإنها تصبح دعوى عادية للمطالبة بالملكية .
أما بالنسبة لإجراءات دعوى الاستحقاق الفرعية فأنها ترفع بالإجراءات المعتادة ترفع الدعاوی بصحيفة تودع قلم كتاب محكمة التنفيذ المختصة وإذا تعدله المدعون فإن لهم فيم طلباتهم في صحيفة واحدة مادامت إجراءات التنفيذ المتخذة على هذه العقارات واحدة، وتعلن صحيفة الدعوى وفقاً للقواعد العامة، فتعلن إلى الدين في موطنه الأصلي، ويعلن الدائن مباشر الإجراءات في موطنه الأصلي أو في موطنه الذي اختاره في تنبيه نزع الملكية .
ولكن ضماناً لجدية هذه الدعوى ولخطورة الآثار التي تترتب عليها فإن المشرع استلزم إجراءات معينة يجب على المدعى اتخاذها عند رفع هذه الدعوى، فضلاً عن البيانات العامة التي يتطلبها القانون في صحف الدعاوى وفقاً للمادة 63 مرافعات، يجب أن تشتمل صحيفة الدعوى على بيان المستندات المؤيدة لها أو على بيان دقيق لأدلة الملكية أو وقائع الحيازة التي تستند إليها الدعوى، كما أنه يجب علي الطالب أن يودع خزانة المحكمة بالإضافة الى مصاريف الدعوى المبلغ الذي يقدره قلم الكتاب للوفاء بمقابل أتعاب المحاماة والمصاريف اللازمة لإعادة الإجراءات عند الاقتضاء مادة 455 ويقصد بهذه المصاريف ما يلزم لإعادة الإعلان عن البيع بن يحكم بوقفه ثم ترفض دعوى الاستحقاق. والغرض من الإبداع هو ضمان الوفاء بهذه المبالغ، كما أن إلزام المدعى بنفعها مقدماً يضمن جدية هذه الدعوى ويؤدي عدم إتباع البيانات العامة في صحيفة هذه الدعوى إلى البطلان وفقاً للقواعد العامة، ما عدم بيان الأدلة أو المستندات أو عدم الإيداع على نحو ماذكرنا فإنه لا يؤدي إلى البطلان وإنما إلى عدم ترتيب الدعوى أثرها في وقف البيع .
أثر رفع دعوى الاستحقاق الفرعية :
إذا توافرت الشروط السالفة الذكر واستوفيت الإجراءات المطلوبة فإنه يترتب على رفع هذه الدعوى وقت إجراءات البيع، غير أن هذا الوقف لا يحدث بقوة القانون كما هو الشأن في دعوى استرداد المنقولات المحجوزة، وإنما لابد من صدور حكم به من قاضي التنفيذ، فوقف البيع هنا ليس أثراً يترتب بقوة القانون على مجرد رفع هذه الدعوى، وإنما هو لا يتم إلا بصدور حكم به.
ويشترط لكي تقضي محكمة التنفيذ بالوقف نتيجة لرفع هذه الدعوى ما یلی :
(أ) أن تكون الدعوى قد رفعت بالطريق الصحيح.
(ب) أن يكون المدعي قد أودع المبلغ الذي يجب عليه إيداعه خزانة الحكمة .
(ج) أن يكون المدعي قد اختصم الأشخاص الذين يجب اختصامهم في الدعوى.
(د) أن تشتمل صحيفة الدعوى على بيان المستندات أو على بيان دقيق لأدلة الملكية أو وقائع الحيازة التي تستند إليها الدعوى.
(م) أن يطلب المدعي ونف إجراءات البيع، وهذا شرط بدیهی لان القاضي لا يحكم بشيء لم يطلبه الخصوم مادام لا يتعلق بالنظام العام.
ويجب على القاضي أن يحكم بالوقف في أول جلسة لهذه الدعوى، فإذا حلت جلسة البيع قبل أن يحكم القاضي بالوقف، فعلى القاضي أن يأمر بالوقف إذا كان المدعي قد طلب الأمر بالوقف قبل الجلسة المحددة للبيع بثلاثة أيام على الأقل.
ويكون الحكم بالوقف وجوبياً سواء في أول جلسة لنظر دعوى الاستحقاق الفرعية أو في جلسة البيع، فإذا توافرت شروط الوقف يجب على القاضي أن يحكم به، إذ ليس إزاء طلب الوقف أية سلطة تقديرية، بل هو يحدث فقط في توافر شروط الوقف أو عدم توافرها، فإذا ثبت لديه وجود هذه الشروط نفسي به وإذا ثبت لديه عدم توافر هذه الشروط فإنه يرفض إجابة طلب الوقف .
ويبقى وقف الإجراءات إلى حين الفصل في دعوى الاستحقاق الفرعية ولكن ليس معنى الوقف زوال الحجز، بل على العكس من هذا فإن العجز يظل قائماً.
ولا يجوز الطعن في الحكم الصادر بوقف البيع نتيجة لرفع دعوى الاستحقاق أو برفض طلب الوقف أی بالمضي في البيع، بأي طريق من طرق الطعن مادة 456 مرافعات، ولكن يلاحظ أنه في حالة صدور الحكم برفض طلب الوقف، فإن هذا الحكم وإن كان لا يجوز الطعن فيه على إستقلال، فإنه يمكن إلغاؤه بالطعن في حكم إيقاع البيع الصادر بناء عليه ويكون الطعن بالاستئناف في ميعاد خمسة أيام من صدور حکم إيقاع البيع مادة 451 مرافعات .
وجدير بالذكر أنه متى وقفت إجراءات البيع بحكم من الواجب للسير فيها من جديد صدور حکم بذلك، ومن ثم إذا حكم بعدم قبول دعوى الاستحقاق الفرعية، أو ببطلان صحيفتها، أو باعتبارها كأن لم تكن أو بسقوط الخصومة فيها، أو بقبول ترکھا، او برفضها، أو إذ اعتبرت الخصومة فيها كان لم تكن بقوة القانون عملاً بالمادة 82 . فلا يزول حكم الوقت بالتبعية، (أحمد أبو الوفا - إجراءات التنفيذ - بند 297 - م 827 و 828 . والتعليق - ص 1510 وقارن فتحی والی – التنفيذ - هامش بند 278)
ولا يكفي مجرد الالتجاء إلى قاضي التنفيذ عملاً بالمادة 426 لتحديد جلسة للبيع، وإنما يجب استصدار حكم باستمرار إجراءات البيع في مواجهة أصحاب الشأن الذين قد يكون لديهم من النوع او أوجه الدفاع ما يمنع من استمرار التنفيذ، كما إذا كانت الأحكام المتقدمة مثلاً مازالت غير نافذة.. إلخ. وبعبارة أخرى، حجية الحكم الوقتي بوقف السير في إجراءات البيع، لا تنقضي إلا بحكم وقتی يقضي بالاستمرار في إجراءات البيع، فليس من معاني الحجية الوقنية للحكم الوقتي أن تنقضي عنه بدون صدور حكم يقرر ذلك، ولهذا يحسن عملاً عند التمسك بانقضاء الخصومة دون حكم في موضوعها في صدد دعوى الاستحقاق الفرعية أن يحصل التمسك أيضاً بإستئناف إجراءات البيع تبعاً لذلك. اللهم إلا إذا كان طلب الوقف متفرعاً عن دعوى الاستحقاق الفرعية ولم يتقدم بالصورة المقررة في المادة 455 وعندئذ فقط يزيل الوقت بالتبعية لانقضاء الخصومة المتقدمة دون حكم في موضوعها. (أحمد أبو الوفا - الإشارة السابقة) .
ويلاحظ أنه إذا كانت دعوى الاستحقاق مرفوعة عن جزء من العقار فحسب، فإن صدور الحكم من قاضي التنفيذ بوقف إجراءات البيع لا يكون له أثر إلا بالنسبة للجزء المرفوع عنة الدعوى دون باقي الأجزاء ومع ذلك يجوز للقاضي أن يأمر بناء على طلب ذى الشأن بإيقاف البيع بالنسبة إلى كل الأعيان إذا دعت إلي ذلك أسباب قوية (مادة 457) كما إذا كان في بيع العقارات على صفقات ضرر بذوي الشأن لما يترتب عليه من خفض قيمتها، وكان من المحتمل رفض دعوى الاستحقاق، وإذا حكم قاض بوقف البيع بالنسبة لجزء من العقار دون باقي الأجزاء فإنه يقوم بتعديل الثمن الأساسي إذا كان تقدير الثمن تم بإعتبار أن البيع سيكون صفقة واحدة، وكذلك يقوم القاضي بتقدير الثمن الأساسي للأجزاء التي وقفت إجراءات البيع بالنسبة إليها، وذلك بعد استئناف إجراءات البيع بعد رفض دعوى الاستحقاق .
الإثبات والحكم في دعوى الاستحقاق الفرعية .
يقع عبء الإثبات في دعوى الاستحقاق الفرعية على عاتق المدعي وتطبيقاً لذلك تنص المادة 455 على وجوب أن تشتمل صحيفة الدعوى على بيان المستندات المؤيدة لها أو على بيان دقيق لادلة الملكية أو وقائع الحيازة التي تستند إليها الدعوى، وتطبق قاعدة الأوضاع الظاهرة في هذا المجال بمعنى أنه إذا كان العقار في حيازة المدين فعلى المدعي يقع عبء الإثبات لأنه يدعى خلال الظاهر، أما إذا كان المدعي هو نفسه الحائر فإن الظاهر يكون في جانبه وعلى المدين أو غيره من المدعى عليهم نفي هذا الظاهر بإثبات ملكية المدين للعقار ويجب علي من يقع عليه عبء الإثبات أن يتبع القواعد العامة في الإثبات.
ويفصل قاضي التنفيذ في دعوى الاستحقاق الفرعية باعتبارها منازعة موضوعية فيكون الحكم الصادر فيها حكماً موضوعياً يحسم النزاع على أصل الحق.
وإذا حكم قاضي التنفيذ بقبول الدعوى فإنه يقضي باستحقاق العقار المدعي وبطلان إجراءات التنفيذ تبعاً لذلك ويترتب علي هذا الحكم إلغاء ما تم من إجراءات التنفيذ وعدم إمكان البدء فيها من جديد على نفس العقار من الدائنين المختصمين في الدعوى .
وإذا قبلت الدعوى بالنسبة لجزء من العقار فقط، فإن الإجراءات تلغى بالنسبة لهذا الجزء وتستمر بالنسبة للجزء الباقي، ويحدد القاضي الثمن الأساسي بالنسبة لهذا الجزء الباقي بنفس المعيار الذي يحل به الثمن العقاب أي بمراعاة المادة 37 الخاصة بتقدير قيمة العقار في خصوص تحديد المحكمة المختصة ويعدل قائمة شروط البيع إن لزم الأمر، ويعلن عن البيع من جديد.
ويكون الحكم في هذه الدعوى قابلاً للتنفيذ إذا كان نهائياً أو كان مشمولاً بالنفاذ المعجل طبقاً لنص المادة 290 ، ومثال ذلك أن يصدر الحكم برفض دعوى الاستحقاق فيجوز أن يكون هذا الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل لأنه يعدہ حكماً صابراً لصالح التنفيذ، ويجوز أن يكون النفاذ المعجل بكفالة أو بدونها.
ويعتبر الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق الفرعية حجة على أطرافها، ومن ثم لا يجوز لهم تجديد النزاع حول الملكية مرة أخرى.
ويلاحظ أن الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق الفرعية يكون قابلاً للطعن فيه بالإستئناف وفقاً للقواعد العامة، بعكس الحال بالنسبة للأحكام الصادرة بوقف البيع أو بالمضي فيه قبل الفصل في موضوع دعوى الاستحقاق فقد نص المشرع على أنها لا تكون قابلة للطعن فيها باي طريق كما ذكرنا أنفاً.
مقارنة بين دعوى الاسترداد ودعوى الاستحقاق :
ثمة أوجه التفرقة بين دعوى الاسترداد ودعوى الاستحقاق تتمثل فيما يلي :
أولاً : توقف دعوى الاسترداد الأولى إجراءات البيع بقوة القانون، بينما لا تقف هذه الإجراءات فى التنفيذ علي العقار إلا بحكم وقتي عملاً بالمادة 454 ومايليها.
ثانياً : أن المشرع فرق بين دعوى الاسترداد الأولى وبين أية دعوى ترفع بعدها، وقرر أن الأولى هي وحدها التي توتل البيع بقوة القانون مادة 392 بينما لم يضم المشرع هذه التفرقة بصدد دعوى الاستحقاق الفرعية .
ثالثاً : مادامت دعوى الإسترداد الأولى البيع بقوة القانون، لقد نص المشرع صراحة على جواز السير في التنفيذ بغير حكم إذا انقضت الخصومة في هذه الدعوى بغير حكم في موضوعها عملاً بالمادة 395 بينما لا ينص المشرع على جواز استكمال إجراءات بيع العقار بغير حكم إذا انقضت الخصومة في دعوى الاستحقاق الفرعية بغير حكم في موضوعها.
رابعاً : يجيز المشرع صراحة الحكم بالاستمرار في التنفيذ على الرغم من إقامة دعوى الاسترداد الأولى (م 393) وعلى الرغم من إحترام الشروط المقررة في المادة 393 كما يجيز صرامة الحكم بوقف البيع ولو في صدد دعوى استرداد ثانية (مادة 396 ) بينما لا ينص المشرع صراحة على منح قاضي التنفيذ هذه السلطة التقديرية في ممدد دعوى الاستحقاق الفرعية، وإن كان الرأي الصحيح في تقديرنا يمنحه هذه السلطة.
خامساً: يوجب المشرع في دعوى الاسترداد اختصام جميع الحاجزين والمتدخلين في الحجز( م 394 ) بينما لا يوجب في دعوى الاستحقاق الفرعية إلا اختصام الدائن الحاجز المباشر للإجراءات وأول الدائنين المقيدين (م 454).
سادساً : يوجب المشرع في دعوى الاسترداد (م 394 ) ان تشتمل صحيفتها على بيان واف لأدلة الملكية وأن يودع رافعها عند تقديمها لقلم الكتاب ما لديه من المستندات، بينما توجيه المادة 455 في دعوى الاستحقاق البرعمية أن تشتمل مسحيقتها على بيان المستندات المؤيدة لها أو على بيان دقيق لادلة الملكية.. إلخ.
سابعاً : تجيز المادة 455 الحكم على المسترد بغرامة إذا رفضت دعواه ، بينما لاينص المشرع على نص مشابه بصدد دعوى الاستحقاق الفرعية.
ويلاحظ البعض (أحمد أبو الوفا - إجراءات التنفيذ - 398 ص 828 وص 829 ). أن من هذه المقارنة يتضح أن نصوص دعوى الاستحقاق الفرعية يعوزها تعديل تشریعی وعناية من جانب المشرع حتى تأخذ في الأذهان صورة واضحة .(الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الدكتور/ أحمد مليجي، الطبعة الثالثة عشر 2016 طبعة نادي القضاة، الجزء : السادس، الصفحة : 589)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث ، الصفحة / 219
اسْتِحْقَاقٌ
الاِسْتِحْقَاقُ لُغَةً: إِمَّا ثُبُوتُ الْحَقِّ وَوُجُوبُهُ، وَمِنْهُ قوله تعالي فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا أَيْ: وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا عُقُوبَةٌ، وَإِمَّا بِمَعْنَى طَلَبِ الْحَقِّ.
وَاصْطِلاَحًا عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: ظُهُورُ كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ: رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَلَمْ نَقِفْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى تَعْرِيفٍ لِلاِسْتِحْقَاقِ، وَلَكِنْ بِاسْتِقْرَاءِ كَلاَمِهِمْ وُجِدَ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ، وَلاَ يَخْرُجُونَ فِيهِ عَنِ الاِسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّمَلُّكُ:
التَّمَلُّكُ ثُبُوتُ مِلْكِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، إِمَّا بِانْتِقَالِهَا مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ جَدِيدٍ، أَوْ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَى مُبَاحٍ، وَالاِسْتِحْقَاقُ إِخْرَاجُ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ إِلَى الْمَالِكِ، فَالاِسْتِحْقَاقُ يَخْتَلِفُ عَنِ التَّمَلُّكِ؛ لأِنَّ التَّمَلُّكَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الْمَالِكِ وَرِضَاهُ، أَوْ حُكْمِ حَاكِمٍ فِي خُرُوجِ الْمِلْكِيَّةِ، بِخِلاَفِ الاِسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَعُودُ لِمَالِكِهِ وَلَوْ دُونَ رِضَا الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ.
حُكْمُ الاِسْتِحْقَاقِ:
الأْصْلُ فِي الاِسْتِحْقَاقِ (بِمَعْنَى الطَّلَبِ) الْجَوَازُ، وَقَدْ يَصِيرُ وَاجِبًا إِذَا تَيَسَّرَتْ أَسْبَابُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ بِهِ الْوُقُوعُ فِي الْحَرَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى لاَ تَأْبَى ذَلِكَ.
إِثْبَاتُ الاِسْتِحْقَاقِ:
يَثْبُتُ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَالْبَيِّنَةُ تَخْتَلِفُ مِنْ حَقٍّ لآِخَرَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي الْحَقِّ الْوَاحِدِ. كَذَلِكَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي لِلْمُسْتَحِقِّ، أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ نَفْيِ الْعِلْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ.
هَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَيِّنَاتِ.
مَا يَظْهَرُ بِهِ الاِسْتِحْقَاقُ:
ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ سَبَبَ الاِسْتِحْقَاقِ (بِمَعْنَى ثُبُوتِ الْحَقِّ) قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي، لاَ يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ، وَلاَ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الآْنِ، وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ لاَ يُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَالْبَيِّنَةُ سَبَبُ إِظْهَارِ الْوَاجِبِ لِغَيْرِ حَائِزِهِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إِقَامَتِهَا حَتَّى يَظْهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ؛ لأِنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا سَبَبُ ادِّعَاءِ الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ فَهُوَ سَبَبُ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مِنْ إِرْثٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ وَقْفٍ، أَوْ هِبَةٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى الاِسْتِحْقَاقِ بَيَانُ سَبَبِهِ وَشُرُوطِهِ فِي كُلِّ الدَّعَاوَى؟ أَمْ فِي بَعْضِهَا كَالْمَالِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ لِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ. مَوْضِعُ اسْتِيفَائِهِ مُصْطَلَحُ (دَعْوى) .
مَوَانِعُ الاِسْتِحْقَاقِ:
مَوَانِعُ الاِسْتِحْقَاقِ، كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ نَوْعَانِ: فِعْلٌ، وَسُكُوتٌ.
فَالْفِعْلُ: مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ عِنْدِ حَائِزِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ - يَشْهَدُهَا سِرًّا - قَبْلَ الشِّرَاءِ بِأَنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ خَوْفَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيَّ، فَإِذَا أَثْبَتَهُ رَجَعْتُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. وَلَوِ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ.
وَأَمَّا السُّكُوتُ: فَمِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُطَالَبَةَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ أَمَدِ الْحِيَازَةِ.
وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذِكْرِ مَوَانِعِ الاِسْتِحْقَاقِ إِلاَّ أَنَّ قَوَاعِدَهُمْ لاَ تَأْبَى الْمَانِعَ الأْوَّلَ. وَهُوَ الْفِعْلُ، أَمَّا السُّكُوتُ مُدَّةَ أَمَدِ الْحِيَازَةِ وَكَوْنُهُ يُبْطِلُ الاِسْتِحْقَاقَ، فَلَمْ نَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمْ سِوَى الْحَنَفِيَّةِ، عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَهُمْ فِي مُدَّتِهِ، وَفِي الْحُقُوقِ الَّتِي تَسْقُطُ بِهِ وَاَلَّتِي لاَ تَسْقُطُ، وَيَتَعَرَّضُونَ لِذَلِكَ فِي بَابِ الدَّعْوَى.
شُرُوطُ الْحُكْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ:
عَدَّدَ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحُكْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ ثَلاَثَةَ شُرُوطٍ، شَارَكَهُمْ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا:
الشَّرْطُ الأْوَّلُ: الإْعْذَارُ إِلَى الْحَائِزِ لِقَطْعِ حُجَّتِهِ، فَإِنِ ادَّعَى الْحَائِزُ مَا يَدْفَعُ بِهِ الدَّعْوَى أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ لِلإْثْبَاتِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ فِي الْبَيِّنَاتِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَمِينُ الاِسْتِبْرَاءِ (وَتُسَمَّى أَيْضًا يَمِينَ الاِسْتِظْهَارِ)، وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي لُزُومِهَا ثَلاَثَةُ آرَاءٍ أَشْهَرُهَا: أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الأْشْيَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَكَيْفِيَّةُ الْحَلِفِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنْ يَحْلِفَ الْمُسْتَحِقُّ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ، وَلاَ وَهَبَهُ، وَلاَ فَوَّتَهُ، وَلاَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَتَّى الآْنِ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ الَّذِي تَفَرَّدَ الْمَالِكِيَّةُ بِالْقَوْلِ بِهِ هُوَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ إِنْ أَمْكَنَ، وَهُوَ فِي الْمَنْقُولِ، وَإِلاَّ فَعَلَى الْحِيَازَةِ، وَهُوَ فِي الْعَقَارِ، وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ، وَقِيلَ: أَوْ عَدْلاً مَعَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ دَارًا قَالُوا لَهُمَا مَثَلاً: هَذِهِ الدَّارُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا فِيهَا عِنْدَ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ الْمُقَيَّدَةَ أَعْلاَهُ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْبَيْعِ
عِلْمُ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ:
يَحْرُمُ شِرَاءُ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ حَصَلَ الْبَيْعُ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِالاِسْتِحْقَاقِ، فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ نُكُولِهِ عَنِ الْيَمِينِ بِالاِسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يَرِدُ فِيمَا يَأْتِي.
اسْتِحْقَاقُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ.
إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ مُبْطِلاً لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الاِسْتِحْقَاقُ الَّذِي يَرِدُ عَلَى مَحَلٍّ لاَ يَقْبَلُ التَّمَلُّكَ. وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ فُرُوعِ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ - وَهُوَ الَّذِي يَرِدُ عَلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّمَلُّكِ - كَانَ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ انْفَسَخَ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَهُمْ فِي وَقْتِ الاِنْفِسَاخِ بِالاِسْتِحْقَاقِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ، الصَّحِيحُ مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَرْجِعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ: إِذَا قَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ.
الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ:
عِنْدَ الْفَسْخِ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَعَدَمِهِ إِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ
بِالاِسْتِحْقَاقِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:
الأْوَّلُ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَثَبَتَ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالإْقْرَارِ أَمْ بِالنُّكُولِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ إِنْ ثَبَتَ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي بِصِحَّةِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلاَ عَدَمِهِ يَرْجِعُ. وَكَذَلِكَ إِنْ عَلِمَ عَدَمَ مِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ نَظَرًا لِسَبْقِ ظُلْمِ الْبَائِعِ، لِبَيْعِهِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ إِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، أَوْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ عَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي بِاعْتِرَافِهِ بِالاِسْتِحْقَاقِ مَعَ الشِّرَاءِ، أَوْ بِنُكُولِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، إِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ جَمِيعَ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ: لاَ يَمْنَعُ إِقْرَارُهُ مِنَ الرُّجُوعِ.
اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَبِيعِ:
يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ إِنْ حَصَلَ الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ حَسَبَ الأْقْوَالِ التَّالِيَةِ:
أ - بُطْلاَنُ الْبَيْعِ فِي الْجَمِيعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا أَمْ مِثْلِيًّا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأْمِّ؛ لأِنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ: حَرَامًا وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَحَلاَلاً وَهُوَ الْبَاقِي، فَبَطَلَ بَيْعُ الْجَمِيعِ
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنِ اسْتَحَقَّ الأْكْثَرَ.
ب - تَخْيِيرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ، وَبَيْنَ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَالثَّمَنِ. وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْحَنَابِلَةِ.
وَالتَّخْيِيرُ أَيْضًا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ لَوِ اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ أَوْرَثَ الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْبَاقِي عَيْبًا أَمْ لاَ؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَكَذَا لَوِ اسْتُحِقَّ الْبَعْضُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَوْرَثَ فِي الْبَاقِي عَيْبًا.
ج - بُطْلاَنُ الْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ الْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنِ اسْتُحِقَّ الْبَعْضُ بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ، وَلَمْ يُحْدِثِ الاِسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، كَثَوْبَيْنِ اسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا، أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ اسْتُحِقَّ بَعْضُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَا لاَ يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الشَّائِعِ وَغَيْرِهِ، وَكَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ.
قَالَ الْبُنَانِيُّ: حَاصِلُ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَنْ تَقُولَ: لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا
فَإِنْ كَانَ شَائِعًا مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رُبَاعِ الْغَلَّةِ - أَيِ الْعَقَارَاتِ الْمُسْتَغَلَّةِ - خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ الأْقَلَّ أَوِ الأْكْثَرَ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ، أَوْ كَانَ مُتَّخِذًا لِغَلَّةٍ خُيِّرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ.
وَإِنِ اسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِيمَةِ لاَ بِالتَّسْمِيَةِ. وَإِنِ اسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبَاقِي، وَلاَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالأْقَلِّ.
وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ مِثْلِيًّا، فَإِنِ اسْتَحَقَّ الأْقَلَّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ الأْكْثَرَ خُيِّرَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِي الرَّدِّ.
وَكَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ هِيَ: أَنْ يَنْظُرَ لِقِيمَةِ الْمَبِيعِ كُلِّهِ يَوْمَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنَ الثَّمَنِ بِمِيزَانِ الْقِيمَةِ. مَثَلاً إِذَا قِيلَ: قِيمَةُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ (1000) وَقِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ (200) وَقِيمَةُ الْبَاقِي (800) فَيَكُونُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ.
اسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ:
أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ - خِلاَفًا لِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - عَلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ إِنِ اسْتُحِقَّ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَبِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ تَالِفًا، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ. غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ قَيَّدَ التَّعْيِينَ بِكَوْنِهِ فِي الْعَقْدِ لاَ بَعْدَهُ.
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلاَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَبِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، مَعَ مُلاَحَظَةِ خِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَمَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِهِ.
زِيَادَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ:
زِيَادَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ مَحَلُّ خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً - كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ - وَثَبَتَ الاِسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالزِّيَادَةِ مَقْصُودًا أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَضَاءِ بِالأْصْلِ؟ عَلَى رَأْيَيْنِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ - كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ - وَاسْتُحِقَّ الأْصْلُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ أَخْذِ الزِّيَادَةِ بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً، وَبَيْنَ أَمْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِقَلْعِهَا مَعَ تَضْمِينِهِ نُقْصَانَ الأْرْضِ. وَلِهَذَا الأْخِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ.
وَإِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً كَالسِّمَنِ فَاسْتُحِقَّ الأْصْلُ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَجَاءَ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا زَادَ، بِأَنْ تُقَوَّمَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَبَعْدَهَا وَيَرْجِعُ بِالْفَرْقِ (وَلاَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَ).
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ غَلَّةَ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ أُجْرَةٍ أَوِ اسْتِعْمَالٍ، أَوْ لَبَنٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ ثَمَرَةٍ هِيَ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مِنْ يَوْمِ وَضَعَ يَدَهُ إِلَى يَوْمِ الْحُكْمِ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغَصْبِ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَغْصُوبًا وَالْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَالزِّيَادَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ.
وَالْحَنَابِلَةُ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً، فَإِنْ أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا كَأَنْ أَتْلَفَهَا أَوْ أَكَلَ الثَّمَرَةَ أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ يَغْرَمُ شَيْئًا، فَإِنْ رُدَّتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ يَرُدُّ لَهُ النَّفَقَةَ أَوْ قِيمَةَ الْغِرَاسِ، إِنْ كَانَ قَدْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْقِيمَةِ بِيَوْمِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُ النَّفَقَةَ هُوَ الْمَالِكُ (الْمُسْتَحِقُّ)، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَنْ غَرَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَقَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا أُخِذَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِبَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ لَمْ تُصَرِّحْ بِتَارِيخِ الْمِلْكِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمْ، لأِنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ.
وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطْلَقًا إِلاَّ كَانَتْ غَيْرَ ثَمَرَةٍ، أَوْ ثَمَرَةً غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إِنْ يَبِسَتْ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنْ جُذَّتْ).
وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوعِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بِمَا سَقَى وَعَالَجَ إِنْ كَانَ فِيهِ سَقْيٌ وَعِلاَجٌ، وَكَانَتِ الثَّمَرَةُ لَمْ تُؤَبَّرْ - كَاخْتِلاَفِهِمْ فِي الرُّجُوعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى رَأْيَيْنِ.
اسْتِحْقَاقُ الأْرْضِ الْمُشْتَرَاةِ:
إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ غَرْسًا أَوْ بِنَاءً، كَمَا لَوِ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَظَاهِرِ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعَ الزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَ مِنْ ثَمَنٍ أَقْبَضَهُ، وَأُجْرَةِ الْبَانِي، وَثَمَنِ مُؤَنٍ مُسْتَهْلَكَةٍ، وَأَرْشِ نَقْصٍ بِقَلْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لأِنَّ الْبَائِعَ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ بِبَيْعِهِ إِيَّاهَا، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَكَانَ سَبَبًا فِي غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ وَانْتِفَاعِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ بِيَوْمِ الاِسْتِحْقَاقِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشَّجَرَةِ، وَلاَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ نُقْصَانِ الأْرْضِ، هَذَا إِنِ اسْتُحِقَّتْ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ، فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ - بَلَغَ الْجُذَاذَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ - كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ الشَّجَرِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ بَائِعُ الأْرْضِ حَاضِرًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الشَّجَرِ نَابِتًا فِي الأْرْضِ، وَيُسَلِّمُ الشَّجَرَ قَائِمًا إِلَى الْبَائِعِ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الثَّمَرِ بَلَغَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ. وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَلْعِ الشَّجَرِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشَّجَرِ مَقْلُوعًا وَيَمْسِكَ الشَّجَرَ، وَأَعْطَاهُ الْقِيمَةَ ثُمَّ ظَفِرَ الْمُشْتَرِي بِالْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشَّجَرِ، وَلاَ يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ وَلاَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانٍ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَهُمْ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالزَّرْعِ، وَقَالَ الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ غَرَسَ ذُو الشُّبْهَةِ أَوْ بَنَى، وَطَالَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ، قِيلَ لِلْمَالِكِ: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا مُنْفَرِدًا عَنِ الأَْرْضِ، فَإِنْ أَبَى الْمَالِكُ فَلِلْغَارِسِ أَوِ الْبَانِي دَفْعُ قِيمَةِ الأْرْضِ بِغَيْرِ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ، فَإِنْ أَبَى فَهُمَا شَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ، هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ، وَيُعْتَبَرُ التَّقْوِيمُ يَوْمَ الْحُكْمِ لاَ يَوْمَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الأْرْضُ الْمَوْقُوفَةُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْطِنِهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ كِرَاءَ تِلْكَ السَّنَةِ، إِنْ كَانَتْ تُزْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ، وَكَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ مَا تُرَادُ تِلْكَ الأْرْضُ لِزِرَاعَتِهِ، فَلَوِ اسْتُحِقَّتْ بَعْدَ فَوَاتِ إِبَّانِ الزَّرْعِ فَلاَ شَيْءَ لِمُسْتَحِقِّهَا؛ لأِنَّ الزَّارِعَ قَدِ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، وَالْغَلَّةُ لَهُ.
وَغَرْسُ الْمُكْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمُسْتَعِيرِ، كَغَرْسِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي امْتِنَاعِ الْقَلْعِ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ شُبْهَةٌ، كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْبَائِعِ، أَوِ الْمُؤَجِّرِ وَنَحْوِهِمَا. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ رَجَبٍ مِثْلَ هَذَا فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرُهُ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الصَّرْفِ:
إِذَا اسْتُحِقَّ الْعِوَضَانِ فِي الصَّرْفِ (بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ) أَوْ أَحَدُهُمَا، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي بُطْلاَنِهِ وَعَدَمِهِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ: أ - بُطْلاَنُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي الْمَصُوغِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَطُولِ الْمَجْلِسِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ الْمَصُوغَ يُرَادُ لِعَيْنِهِ فَغَيْرُهُ لاَ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَفِي الْمَسْكُوكَيْنِ، أَوِ الْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ إِنْ اسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْمُتَصَارِفَيْنِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَلَكِنْ بَعْدَ طُولِ الْمَجْلِسِ طُولاً لاَ يَصِحُّ مَعَهُ الصَّرْفُ وَمَعَ الْبُطْلاَنِ لاَ يَجُوزُ الْبَدَلُ، وَيَعْنِي بِالْمَسْكُوكِ مَا قَابَلَ الْمَصُوغَ، فَيَشْمَلُ التِّبْرَ وَالْمَصُوغَ الْمَكْسُورَ.
ب - صِحَّةُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي الْمَسْكُوكِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَطُولِ الْمَجْلِسِ. وَلِلْعَاقِدِ إِعْطَاءُ بَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ، وَهَلِ الإْبْدَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّرَاضِي أَوِ الإْجْبَارِ؟ لَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِالإْجْبَارِ إِلاَّ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ فِي طَرِيقَةٍ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ لَهُمْ، وَالأْخْرَى بِالتَّرَاضِي.
ج - الْبُطْلاَنُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ، وَعَدَمِهِ فِي غَيْرِهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَطُولِ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
اسْتِحْقَاقُ الْمَرْهُونِ:
إِنِ اسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ الْمُعَيَّنُ كُلُّهُ بَطَلَ الرَّهْنُ اتِّفَاقًا، وَإِنِ اسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ فَسْخِ عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَبَيْنَ إِمْضَائِهِ مَعَ إِبْقَاءِ الدَّيْنِ بِلاَ رَهْنٍ وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَغَرَّهُ. الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يَغُرَّهُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِلاَ رَهْنٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَاسْتُحِقَّ بَعْدَ قَبْضِهِ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الإْتْيَانِ بِرَهْنٍ بَدَلَهُ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
لَوِ اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَرْهُونِ فَفِي بُطْلاَنِ الرَّهْنِ وَبَقَائِهِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - صِحَّةُ الرَّهْنِ، وَالْبَاقِي مِنَ الْمَرْهُونِ رَهْنُ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.
ب - بُطْلاَنُ الرَّهْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِمَّا لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً عِنْدَهُمْ، كَأَنْ كَانَ مُشَاعًا.
ج - بُطْلاَنُ الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ، وَالْبَاقِي مِنَ الْمَرْهُونِ رَهْنٌ بِحِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِمَّا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً.
تَلَفُ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَحَقِّ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ:
لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ اسْتُحِقَّتْ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِيمَنْ يَضْمَنُ الْعَيْنَ التَّالِفَةَ الْمَرْهُونَةَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الرَّاهِنِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْقَبْضِ، وَاسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ ضَمِنَ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ وَبِدَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ جَاهِلاً، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَالْقَرَارُ عَلَيْهِمَا.
ب - لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الرَّاهِنِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ وَاسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِنْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْغَصْبِ، وَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ حَتَّى تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ الضَّمَانَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ مَالَ غَيْرِهِ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ.
وَالثَّانِي: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لأِنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَالْوَدِيعَةِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ لاَ غَيْرُهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ لأِنَّهُ غَرَّهُ فَرَجَعَ عَلَيْهِ.
ج - لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الْمُرْتَهِنِ إِنْ حَدَثَ التَّلَفُ قَبْلَ ظُهُورِ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ حَصَلَ الاِسْتِحْقَاقُ وَتَرَكَهَا الْمُسْتَحِقُّ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلاَ عُذْرٍ فَلاَ يَضْمَنُ، لأَِنَّ الْمَرْهُونَ خَرَجَ عَنِ الرَّهْنِيَّةِ بِالاِسْتِحْقَاقِ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينًا فَلاَ يَضْمَنُ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.
اسْتِحْقَاقُ الْمَرْهُونِ بَعْدَ بَيْعِ الْعَدْلِ لَهُ:
إِذَا وُضِعَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ عَدْلٍ، وَبَاعَهُ الْعَدْلُ بِرِضَا الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَأَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ الْمَبِيعَ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِيمَنْ يَرْجِعُ وَعَلَى مَنْ يَرْجِعُ آرَاءٌ:
أ - رُجُوعُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْعَدْلِ أَوِ الرَّاهِنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا، فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ؛ لأِنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْعَدْلُ كَانَ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لأِنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْعُهْدَةِ، وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ لِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لأِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ مِنْهُ، فَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنَ الْمُشْتَرِي؛ لأِنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ، لأَِنَّهُ الْعَاقِدُ، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ لِصَيْرُورَتِهِ وَكِيلاً بَعْدَ الإْذْنِ بِالْبَيْعِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ لَهُ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ لِيَسْلَمَ لَهُ الْمَبِيعُ وَلَمْ يَسْلَمْ. ثُمَّ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ؛ لأِنَّ الْمَقْبُوضَ سَلِمَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لأِنَّهُ إِذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ، وَقَدْ قَبَضَ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ عَادَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ.
ب - رُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ؛ لأَِنَّ الْمَبِيعَ لَهُ، فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْلِ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَالِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.
ج - رُجُوعُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ وَإِجَازَةِ الْبَيْعِ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُفْلِسًا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَرَأَى الْمَالِكِيَّةُ هَذَا عِنْدَ تَسْلِيمِ السُّلْطَانِ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ نَصٌّ صَرِيحٌ لَهُمْ فِي ضَمَانِ الْعَدْلِ غَيْرِ السُّلْطَانِ.
د - تَخْيِيرُ الْمُشْتَرِي فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْعَدْلِ، (مَا لَمْ يَكُنِ الْعَدْلُ حَاكِمًا أَوْ مَأْذُونًا مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ) أَوِ الرَّاهِنِ، أَوِ الْمُرْتَهِنِ إِذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ تَسَلَّمَ الثَّمَنَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ.
اسْتِحْقَاقُ مَا بَاعَهُ الْمُفْلِسُ:
الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ مَا بَاعَهُ الْمُفْلِسُ قَبْلَ الْحَجْرِ فَالْمُشْتَرِي يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِ نَقْصِ الْقِسْمَةِ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ تَالِفًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَالِفٍ فَالْمُشْتَرِي أَوْلَى بِهِ.
وَإِنِ اسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى بَاقِي الْغُرَمَاءِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لاَ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إِذْ لاَ يَرَى جَوَازَ الْحَجْرِ بِالإْفْلاَسِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهَا عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ، إِذْ أَنَّهُمَا قَالاَ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ بِشُرُوطِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالذَّاتِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الصُّلْحِ:
يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصُّلْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إِقْرَارٍ، أَوْ عَنْ إِنْكَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ. فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ، بِالنِّسْبَةِ لِطَرَفَيِ الصُّلْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الْمَبِيعِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ، فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي مُعَاوَضَةٌ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتِدَاءٌ لِلْيَمِينِ وَقَطْعٌ لِلْخُصُومَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ كُلَّهُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَيَعُودُ الْمُدَّعِي إِلَى الْخُصُومَةِ، وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ عَادَ الْمُدَّعِي لِلْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.
أَمَّا إِذَا اسْتَحَقَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ (الْمُصَالَحَ عِنْدَهُ) فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِكُلِّ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لأِنَّ الْمُدَّعِيَ إِنَّمَا أَخَذَ الْبَدَلَ بِدُونِ وَجْهِ حَقٍّ فَلِصَاحِبِهِ اسْتِرْدَادُهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ فَاسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ رَجَعَ بِعِوَضِهَا - وَهُوَ الْقِيمَةُ - إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً، وَالْمِثْلِ إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً.. فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ رَجَعَ بِالْعِوَضِ مُطْلَقًا، وَلاَ يَرْجِعُ بِالْعَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً.
أَمَّا إِنِ اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي بِمَا دَفَعَ لَهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَبِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا. وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ لاَ يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ لاِعْتِرَافِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَهُ مِنْهُ ظُلْمًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ صُلْحَ إِلاَّ مَعَ الإْقْرَارِ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ وَكَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الصُّلْحُ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَيْ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ أَخَذَ الْمُدَّعِي بَدَلَهُ، وَلاَ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ.
اسْتِحْقَاقُ عِوَضِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ:
يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فَلاَ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَيَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ عِوَضَ الْمُسْتَحَقِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ.
ضَمَانُ الدَّرْكِ:
مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ اسْتُعْمِلَ فِي ضَمَانِ الاِسْتِحْقَاقِ عُرْفًا، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ.
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، فِي نَحْوِ غَرِيبٍ لَوْ خَرَجَ مَبِيعُهُ أَوْ ثَمَنُهُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ.
وَلِتَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ (ر: ضَمَانُ الدَّرْكِ).
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الشُّفْعَةِ:
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعَ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ، وَرَجَعَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ (أَيْ نِهَايَتُهُ) عَلَى الْبَائِعِ.
وَيَخْتَلِفُونَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ الأْوَّلُ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:
أ - الأْوَّلُ: بُطْلاَنُ الْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ غَيْرِ الْمُقَدَّمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا؛ لأِنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ مَا دَفَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الأْخْذِ بِالشُّفْعَةِ حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ نَقْدٍ.
ب - وَالثَّانِي: صِحَّةُ الشُّفْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ إِنْ حَصَلَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الأْخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ الشُّفْعَةِ لاَ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ نَقْدًا مَسْكُوكًا فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ اتِّفَاقًا - كَأَنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَحَقًّا - وَأَبْدَلَ الثَّمَنَ بِمَا يَحِلُّ مَحَلَّهُ فِي الأْخْذِ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ.
فَإِنِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِيهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَتَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ بَدَلاً مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، زَادَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ، لأِنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الطَّلَبِ وَالأْخْذِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِمُعَيَّنٍ أَمْ لاَ، فَإِنْ كَانَ بِمُعَيَّنٍ احْتَاجَ إِلَى تَمَلُّكٍ جَدِيدٍ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْمُسَاقَاةِ:
الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ بِاسْتِحْقَاقِ الأْشْجَارِ، وَلاَ حَقَّ لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّهُ عَمِلَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ.
وَلِلْعَامِلِ عَلَى مَنْ تَعَاقَدَ مَعَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِوُجُوبِ الأْجْرَةِ ظُهُورَ الثَّمَرِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرِ الثِّمَارُ حَتَّى اسْتُحِقَّتِ الأْشْجَارُ فَلاَ أُجْرَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الأْجْرَةَ تُسْتَحَقُّ فِي حَالَةِ جَهْلِهِ بِالاِسْتِحْقَاقِ؛ لأِنَّ الَّذِي تَعَاقَدَ مَعَهُ غَرَّهُ، فَإِنْ عَلِمَ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ.
وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ فِي الشَّجَرِ ثُمَّ اسْتُحِقَّتِ الأَْرْضُ، فَالْكُلُّ لِلْمُسْتَحِقِّ (الأْرْضُ وَالشَّجَرُ وَالثَّمَرُ) وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى مَنْ تَعَاقَدَ مَعَهُ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِبْقَاءِ الْعَامِلِ وَبَيْنَ فَسْخِ عَقْدِهِ، فَإِنْ فَسَخَ دَفَعَ لَهُ أَجْرَ عَمَلِهِ.
وَالْحُكْمُ فِي ضَمَانِ تَلَفِ الأْشْجَارِ وَالثِّمَارِ - بَعْدَ الاِسْتِحْقَاقِ - يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى بَابِ الضَّمَانِ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الإْجَارَةِ
اسْتِحْقَاقُ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ:
يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِبُطْلاَنِ الإْجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَوَقُّفِهَا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، بِالأْوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ.
كَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الأْجْرَةَ، وَلَهُمْ فِي هَذَا ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أ - الأْجْرَةُ لِلْعَاقِدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الإْجَازَةُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِلإْجَازَةِ حِينَئِذٍ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الأْمَدِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُكْتَرَاةُ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ؛ لأِنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا.
ب - إِنَّ الأْجْرَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الإْجَازَةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ مَغْصُوبَةً وَيَجْهَلُ الْمُسْتَأْجِرُ الْغَصْبَ.
وَيَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا، وَالْقَرَارُ (أَيْ نِهَايَةُ الضَّمَانِ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إِنْ كَانَ قَدِ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْغَارِّ.
وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمَا أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِي الْمَوَاهِبِ السَّنِيَّةِ أَنَّ الأْرْضَ الْمَوْقُوفَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ إِنْ آجَرَهَا النَّاظِرُ وَأَخَذَ الأْجْرَةَ وَسَلَّمَهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنَّ الْمَالِكَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لاَ عَلَى النَّاظِرِ، وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَنْ أَخَذَ دَرَاهِمَهُ.
ج - أَجْرُ مَا مَضَى لِلْعَاقِدِ، وَمَا بَعْدَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَتَصَدَّقُ الْعَاقِدُ عِنْدَهُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ ضَمَانِ النَّقْصِ. وَالْمُرَادُ بِمَا مَضَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالاِسْتِحْقَاقِ.
تَلَفُ الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ الْمُكْتَرَاةِ:
لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ فَلِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُؤَجِّرِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالرُّجُوعُ يَكُونُ بِأَعْلَى قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فِي الْحَالِ الَّتِي زَادَتْ فِيهَا قِيمَتُهَا، فَالزِّيَادَةُ لِمَالِكِهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُكْتَرِي إِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ وَفَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ، فَلَوِ اكْتَرَى دَارًا فَهَدَمَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ، فَلَهُ أَخْذُ النَّقْصِ إِنْ وَجَدَهُ وَقِيمَةُ الْهَدْمِ مِنَ الْهَادِمِ، أَيْ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ الْهَدْمُ مِنَ الْبِنَاءِ.
اسْتِحْقَاقُ الأْجْرَةِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْجْرَةَ لَوِ اسْتُحِقَّتْ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلِيَّةً أَوْ عَيْنًا قِيَمِيَّةً، فَإِنْ كَانَتِ الأْجْرَةُ عَيْنًا قِيَمِيَّةً وَاسْتُحِقَّتْ بَطَلَتِ الإِْجَارَةُ، وَتَجِبُ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ (أَجْرُ الْمِثْلِ) لاَ قِيمَةُ الْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَتِ الأْجْرَةُ مِثْلِيَّةً لَمْ تَبْطُلِ الإْجَارَةُ وَيَجِبُ الْمِثْلُ. فَلَوْ دَفَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أُجْرَةً فَاسْتُحِقَّتْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَشَرَةٌ مِثْلُهَا لاَ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اسْتُحِقَّتِ الأْجْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْ يَدِ الْمُؤَجِّرِ، كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ حَرْثِ الأْرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ أَوْ قَبْلَ زَرْعِهَا، فَإِنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهَا، وَيَأْخُذُ الأْرْضَ صَاحِبُهَا، وَإِنِ اسْتُحِقَّتْ بَعْدَ حَرْثِ الأْرْضِ أَوْ زَرْعِهَا فَإِنَّ الإْجَارَةَ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لاَ تَنْفَسِخُ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِنْ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ مَالَهُ مِنَ الْمُؤَجِّرِ، وَلَمْ يُجِزِ الإْجَارَةَ، كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَتَبْقَى الأْرْضُ لَهُ، كَمَا كَانَتْ أَوَّلاً.
وَإِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْمُسْتَحِقُّ مَالَهُ مِنَ الْمُؤَجِّرِ وَأَبْقَاهُ لَهُ وَأَجَازَ الإْجَارَةَ، فَإِنْ دَفَعَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةَ حَرْثِهِ كَانَ الْحَقُّ لَهُ فِي مَنْفَعَةِ الأْرْضِ مُدَّةَ الإْجَارَةِ، وَإِنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ دَفْعَ أُجْرَةِ الْحَرْثِ قِيلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: ادْفَعْ لِلْمُسْتَحِقِّ أُجْرَةَ الأْرْضِ، وَيَكُونُ لَكَ مَنْفَعَتُهَا، فَإِنْ دَفَعَ انْتَهَى الأْمْرُ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ قِيلَ لَهُ: سَلِّمْ الأْرْضَ لَهُ مَجَّانًا مُدَّةَ الإْجَارَةِ بِلاَ مُقَابِلٍ عَنِ الْحَرْثِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأْجْرَةُ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالنُّقُودِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَاسْتُحِقَّ، فَإِنَّ الإْجَارَةَ لاَ تَنْفَسِخُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الْحَرْثِ أَمْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ لِقِيَامِ عِوَضِهِ مَقَامَهُ.
اسْتِحْقَاقُ الأْرْضِ الَّتِي بِهَا
غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ:
لَوِ اسْتُحِقَّتِ الأْرْضُ الْمُؤَجَّرَةُ وَقَدْ غَرَسَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي قَلْعِ الْغِرَاسِ، وَفِي إِبْقَائِهِ وَتَمَلُّكِهِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
أَحَدُهَا: لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعُ الْغِرَاسِ دُونَ مُقَابِلٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَمَلُّكُ الْغِرَاسِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الإِْبْقَاءُ لَهُ بِالأُْجْرَةِ؛ لِتَمَكُّنِ الْغَاصِبِ مِنَ الْقَلْعِ.
وَيُغَرِّمُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُؤَجِّرَ قِيمَةَ الشَّجَرِ مَقْلُوعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالأْرْشِ عَلَى الْغَاصِبِ لِشُرُوعِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى ظَنِّ السَّلاَمَةِ.
وَالثَّانِي: لِلْمُسْتَحِقِّ تَمَلُّكُ الْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ فَسَخَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَلاَ دَفْعُ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، لأِنَّ الْمُكْتَرِيَ غَرَسَ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ، فَإِنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ دَفْعَ قِيمَةِ الْغِرَاسِ قَائِمًا قِيلَ لِلْمُكْتَرِي: ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ الأْرْضِ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ الْمُكْتَرِي بِقِيمَةِ غَرْسِهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ أَرْضِهِ، فَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا بَعْدَ طَرْحِ أَجْرِ الْقَلْعِ.
الثَّالِثُ: تَمَلُّكُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْغِرَاسِ بِمَا أَنْفَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْغِرَاسِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمُتَوَجِّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ غَرْسَهُ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ، وَلَهُمْ قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْغِرَاسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِ الأْجْرَةُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ، وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ آجَرَهُ وَالْبِنَاءُ كَالْغِرَاسِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ.
اسْتِحْقَاقُ الْهِبَةِ بَعْدَ التَّلَفِ:
لِلْعُلَمَاءِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْهِبَةِ التَّالِفَةِ اتِّجَاهَانِ:
أ - تَخْيِيرُ الْمُسْتَحِقِّ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَاهِبِ أَوْ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَمَّا عَلَى الْوَاهِبِ فَلأِنَّهُ سَبَبُ إِتْلاَفِ مَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلأِنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَاهِبِ، وَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قِيمَةُ عَمَلِهِ وَعِلاَجِهِ.
فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ رَجَعَ هَذَا عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ قَوْلاً وَاحِدًا، وَشَهَّرَهُ ابْنُ رَجَبٍ لأِنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِشَيْءٍ فَهُوَ مَغْرُورٌ. وَالْخِلاَفُ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لأِنَّ الْوَاهِبَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ غَرَّهُ مِنْ أَمْرٍ قَدْ كَانَ لَهُ أَلاَّ يَقْبَلَهُ.
ب - الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَ الْوَاهِبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالْوَاهِبُ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْهُوبُ لَهُ السَّلاَمَةَ، وَلاَ يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ؛ وَلأِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 336
- قَضَاءُ الاِسْتِحْقَاقِ وَالتَّرْكِ:
- الْمُدَّعِي إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ أَوْ مُبْطِلاً، فَإِذَا ظَهَرَ مُحِقًّا يُقْضَى لَهُ بِقَضَاءِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَإِذَا ظَهَرَ مُبْطِلاً يُقْضَى بِقَضَاءِ التَّرْكِ.
فَالأْوَّلُ: هُوَ إِلْزَامُ الْقَاضِي الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِكَلاَمٍ، كَقَوْلِهِ: حَكَمْتُ أَوْ أَلْزَمْتُ فَأَعْطِ الَّذِي ادَّعَى بِهِ عَلَيْكَ لِهَذَا الْمُدَّعِي أَوْ سَلِّمْهُ أَوِ ادْفَعِ الدَّيْنَ الَّذِي ادَّعَى بِهِ عَلَيْكَ.
وَيُقَالُ لِهَذَا الْقَضَاءِ: قَضَاءَ إِلْزَامٍ وَقَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ وَقَضَاءَ مِلْكٍ، وَهُوَ يَكُونُ فِي حَالَةِ ظُهُورِ حَقِّ الْمُدَّعَى عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
الثَّانِي: هُوَ مَنْعُ الْقَاضِي الْمُدَّعِي عَنِ الْمُنَازَعَةِ بِكَلاَمٍ، كَقَوْلِهِ: لَيْسَ لَكَ حَقٌّ، وَأَنْتَ مَمْنُوعٌ عَنِ الْمُنَازَعَةِ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيُقَالُ لِهَذَا الْقَضَاءِ: قَضَاءَ التَّرْكِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ الاِسْتِحْقَاقِ وَقَضَاءِ التَّرْكِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الأْوَّلُ: أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الاِسْتِحْقَاقِ فِي حَادِثَةٍ لاَ يَكُونُ مَقْضِيًّا لَهُ أَبَدًا فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ.
أَمَّا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ التَّرْكِ فِي حَادِثَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُقْضَى لَهُ إِذَا أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ، مِثَالُهُ: إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ آخَرَ قَائِلاً: إِنَّهُ مَالِي، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلَفَ الْيَمِينَ بِالطَّلَبِ، حُكِمَ عَلَى الْمُدَّعِي بِقَضَاءِ التَّرْكِ، فَإِذَا أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ يُحْكَمُ لَهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إِذَا ادَّعَى شَخْصٌ ثَالِثٌ بِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ هُوَ مَالُهُ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي قَضَاءِ التَّرْكِ، وَلاَ تُسْمَعُ فِي قَضَاءِ الاِسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَدَّعِ تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ.

