مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 401 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 61 من قانون الإثبات :
1- تناولت هذه المادة بيان أحوال عدم جواز الإثبات بالبينة. وليس الحظر في أولى هذه الأحوال إلا تطبيقاً للمأثور من صدارة الكتابة على البينة، ووسيلة الكفالة إحترام الدليل الكتابي .
ويراعى أن حكم هذا الحظر يسري، في هذه الحالة، ولو لم تزد قيمة الإلتزام على عشرة جنيهات. فإذا كان المتعاقدون قد لجأوا إلى الدليل الكتاب، امتنع قبول الإثبات بالبينة، ولو لم يكونوا ملزمين قانوناً بالالتجاء إلى هذا الدليل. ذلك أن القانون يعتبر أن الكتابة بمجردها هي الدليل الكامل .
ويقصد (بالدليل الكتابى) المحررات الرسمية والعرفية والرسائل. فهذه المحررات وحدها هي التي لا يقبل الإثبات بالبينة لنقض الثابت فيها أو الإضافة إليها. وقد يكون قوام الإضافة الادعاء بصدور تعديلات شفوية قبل انعقاد الالتزام، أو بعده، أو في وقت معاصر له. ومهما يكن من أمر هذه الإضافة، فلا يجوز إثباتها بالبينة أياً كانت صورتها، فمن ذلك الادعاء بإضافة وصف من الأوصاف المعدلة لحكم الالتزام، کشرط أو أجل، أو اشتراط خاص بأداء فوائد أو بالتجديد (بالاستبدال ) ولا يجوز كذلك نقض الثابت بالكتابة من طريق البينة، فلا يجوز الادعاء مثلاً بعدم مطابقة شرط من شروط المحرر للحقيقة وإقامة الدليل على ذلك بالبينة، كما لو أريد إثبات أن حقيقة المبلغ المقترض لیست مائة جنيه على ما هو ثابت بالكتابة بل أكثر .
2- أما الحالتان الأخريان اللتان تكفل النص ببيانهما فيقتضيان شيئاً من التفصيل : فالتقنين الفرنسي ( المواد 1342 - 1345) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( المواد 294-297 ) عينا طريقة تقدير الإلتزام، حتى يتيسر مراعاة النصاب الذي يجوز قبول الإثبات بالبينة في حدوده، ولم ينص التقنين المدني المصري على هذه الطريقة، ولكن تقنين المرافعات (المادة 30/28 ) عين طريقة تقدير الدعاوى بالنسبة للإختصاص، وليس يجوز الإعتماد على تلك الطريقة في هذا الصدد لأن الغاية من التقدير مختلفة، ولا أدل على ذلك من مقارنة أحكام التقدير الخاصة بالإثبات بنظيرها فيما يتعلق بالاختصاص :
(أ) فأحكام الإثبات تختلف عن أحكام الاختصاص فيما يتعلق بالاجتزاء. فإذا اجتزأ المدعي من دعواه بالمطالبة بعشرة جنيهات امتنع الإثبات بالبينة، وثبت الاختصاص للقاضي الجزئي. على أن هذا الإختصاص لايجعل الإثبات بالبينة جائزاً أمام القاضي الجزئي، لأن مناط التقدير في الإثبات هو قيمة الإلتزام بأكمله وقت نشوئه .
(ب) ثم إن أحكام الإثبات تختلف عن أحكام الاختصاص فيما يتعلق بالبقية الباقية. فالأصل، سواء فيما يتعلق بالإختصاص أم فيما يتعلق بالإثبات، أن تقدیر الطلب يناط بقيمة الإلتزام بأسره دون تجزئة أو تبعيض. ولكن الإختصاص يثبت للقاضي الجزئي إذا كان المطالب به هو البقية الباقي من دین، متى كانت هذه البقية داخلة في حدود اختصاصه، رغم أن الدين بتمامه يجاوز هذه الحدود .
أما الإثبات بالبينة فلا يجوز على نقيض ذلك، ولو كانت البقية الباقية من الدين أقل من عشرة جنيهات، متى كان أصل الدين بأسره يجاوز هذا القدر .
1- الأصل إعمالاً لنص المادة 61 / 1من قانون الإثبات أنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابى ، طالما أن الكتابة ليس القصد منها التحايل على أحكام القانون المتعلقة بالنظام العام . وينصرف إعمال هذه القاعدة على التصرفات القانونية المدنية دون الأعمال المادية .
(الطعن رقم 1725 لسنة 67 جلسة 2010/05/18 س 61 ص 707 ق 117)
2- إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه - سلباً أو إيجاباً - فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه ، للشواهد المحيطة بهذا المركز ، والتى من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بموافقة هذا المظهر للحقيقة ، فإن جزاء ذلك أن ينفذ التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية فى مواجهة صاحب الحق .
(الطعن رقم 6036 لسنة 66 جلسة 1997/12/08 س 48 ع 2 ص 1408 ق 262)
3- إذا كانت الصورية مبناها الإحتيال على القانون يجوز لمن كان الإحتيال موجها ضد مصلحته أن يثبت العقد المستتر أو ينفى الثابت بالعقد الظاهر بكافة طرق الإثبات .
(الطعن رقم 2479 لسنة 59 جلسة 1993/12/23 س 44 ع 3 ص 482 ق 373)
4- مفاد المواد 1/14 ، 18 ، 61 من قانون الإثبات أن إعتبار المحرر العرفى دليلاً كاملاً بما تضمنه من إقرارات هو أن يكون موقعاً عليه ممن أصدره ، وحينئذ يغنى من كانت الإقرارات لصالحه عن تقديم دليل أخر يؤيدها ، ويلقى عبء إثبات عكسها على من وقع المحرر .
(الطعن رقم 2138 لسنة 52 جلسة 1986/03/06 س 37 ع 1 ص 302 ق 66)
5- يجوز إثبات الغش - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطرق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة وإذ أسست الطاعنة دفاعها أمام محكمة الموضوع على ما هو ثابت بالأوراق أن المطعون ضده - بعد أن تسلم منها المبلغ الثابت بسند المديونية قام بتمزيق ورقة أوهمها أنها السند المذكور ، وكان هذا منه - فيما لو ثبت - يشكل إحتيالاً وغشاً يجوز إثباته بطريق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن ما تدعيه الطاعنة وفاء وهو بهذه المثابة تصرف قانونى لا يجوز إثباته إلا بالكتابة لا يواجه دفاع الطاعنة آنف الذكر ولا يصلح رداً عليه رغم أنه دفاع جوهرى من شأنه لو ثبت أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فيكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد شابه القصور فى التسبيب و الإخلال بحق الدفاع .
(الطعن رقم 648 لسنة 52 جلسة 1985/12/26 س 36 ع 2 ص 1209 ق 249)
6- طبقاً لنص المادة 245 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد ظاهر ، فالعقد النافذ بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقى والعبرة بينهما بهذا العقد وحده ، وإذا أراد أى من الطرفين أن يتمسك بالعقد المستتر فى مواجهة العقد الظاهر أو بنفى الثابت بهذا العقد ، يجب عليه أن يثبت وجود العقد المستتر أو ينفى الثابت بالعقد الظاهر وفقاً للقواعد العامة فى الإثبات فى المواد المدنية التى لا تجيز الإثبات بشهادة الشهود إذا تجاوزت قيمة التصرف عشرين جنيهاً وفيما يخالف أو يجاوز ما إشتمل عليه دليل كتابى ولو لم تزد القيمة على عشرين جنيهاً ما لم يكن هناك إحتيال على القانون فيجوز فى هذه الحالة ، لمن كان الإحتيال موجهاً ضد مصلحته ، أن يثبت العقد المستتر أو ينفى الثابت بالعقد الظاهر بكافة طرق الإثبات .
(الطعن رقم 1027 لسنة 50 جلسة 1984/05/16 س 35 ع 1 ص 1330 ق 255)
7- إنه وإن كان مفاد الفقرة ب من المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين - والمقابلة للفقرة ب من المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر المكان المؤجر من الباطن أو يتنازل عن عقد الإيجار بغير إذن كتابى صريح من المالك ، إلا أن قبض المالك أو وكيله الأجره من المستأجر من الباطن أو المتنازل له عن عقد الإيجار مباشرة ، ودون تحفظ يقوم مقام الإذن الكتابى الصريح الذى إشترطه القانون ، بإعتبار أن الكتابة هى وسيلة الإثبات وليست ركناً شكلياً فى الإذن ، ومن ثم فإنه يعد بمثابة إقرار من المالك للإيجار من الباطن أو التنازل عنه .
(الطعن رقم 1463 لسنة 50 جلسة 1981/05/30 س 32 ع 2 ص 1658 ق 299)
8- استبعد المشرع المواد التجارية من الأحكام التى وضعها للإثبات فى المواد من 60 - 63 من قانون الإثبات ، وجاءت تلك المواد لتنظيم قواعد الإثبات فى غير المواد التجارية وأباح القانون فى المواد التجارية الإثبات بالبينة كقاعدة عامة ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك فى قانون التجارة أو القانون البحرى ، ولما كان قانون التجارة لم يوجب الكتابة للإثبات إلا بالنسبة لعقود شركات التضامن والتوصية والمساهمة ، أما شركات الواقع فإنه يجوز إثبات وجودها بالبينة ، وتستقل محكمة الموضوع بإستخلاص قيام الشركة الواقع أو عدم قيامها من ظروف الدعوى و قرائن الحال فيها دون رقابة عليها فى ذلك من محكمة النقض طالما قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة .
(الطعن رقم 717 لسنة 47 جلسة 1980/05/12 س 31 ع 2 ص 1336 ق 254)
9- إذ كان الحكم المطعون فيه قد إستظهر من إقوال شهود المطعون عليه الأول وبما لا خروج فيه عن مدلولها أن الطاعن قد إستولى على عقود البيع من تحت يد والده المطعون عليه الأول دون علمه أو رضاه وكان لا يجوز لمن حصل على ورقة عرفية بطريق غير مشروع الإحتجاج بالدليل المستمد من هذه الورقة وبالتالى لا يقبل منه التمسك بعدم جواز إثبات عكس ما إشتملت عليه إلا بالكتابة إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ إستخلص أن الطاعن قد إستولى على عقود البيع دون علم المطعون عليه الأول أو رضاه ورتب على ذلك قضاءه بجواز إثبات ما يخالف ما إشتملت عليه العقود بالبينة لا يكون قد خالف قواعد الإثبات .
(الطعن رقم 990 لسنة 46 جلسة 1980/03/25 س 31 ع 1 ص 894 ق 176)
10- قواعد الإثبات ليست من النظام العام فيجوز الإتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنه ، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول قد إرتضى حكم الإحالة إلى التحقيق الصادر من المحكمة الإبتدائية ونفذه بإعلان شهوده وسماعهم وليس فى الأوراق ما يدل على إعتراضه عليه حتى صدور الحكم فى الموضوع ، فإن ذلك يعد نزولاً منه عن حقه فى التمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة ، فلا يجوز له إثارة هذا الدفع أمام محكمة الإستئناف .
(الطعن رقم 468 لسنة 49 جلسة 1979/12/19 س 30 ع 3 ص 324 ق 398)
11- الأصل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عدم خضوع أجرة الأماكن المؤجرة مفروشة بأثاث من عند مؤجرها للتحديد القانونى ، إلا أن شرط ذلك ألا يكون تأجيرها مفروشاً صورياً بقصد التحايل على القانون والتخلص من قيود الأجرة ، فيلزم لإعتبار المكان مؤجراً مفروشاً حقيقة أن يثبت أن الإجارة شملت بالإضافة إلى منفعة المكان فى ذاته مفروشات أو منقولات ذات قيمة تبرر تغليب منفعة تلك المفروشات أو المنقولات على منفعة العين وإلا إعتبرت العين مؤجرة خالية وتسرى عليها أحكام قانون إيجار الأماكن . ويسرى هذا المبدأ سواء كان المؤجر للمكان مفروشاً هو المالك أو المؤجر الأصلى أو كان هو المستأجر الأصلى وأجر من باطنه العين التى يستأجرها إلى الغير مفروشة .
(الطعن رقم 137 لسنة 47 جلسة 1979/03/28 س 30 ع 1 ص 953 ق 177)
12- إذ كان البين من الاطلاع على العقد موضوع الدعوى أن الطاعن باع القدر المبين فيه متعاقداً مع نفسه بصفته ولياً شرعياً إنذاك على أولاده المطعون عليهم ، وأن دور والدتهم إقتصر على مجرد الإشارة إلى دفعها الثمن تبرعاً منها للقصر المشترين وأنها تتعهد بعدم مطالبتهم أو الرجوع عليهم مستقبلاً وكانت الدعوى الماثلة قد أقيمت من الطاعن بطلب بطلان التصرف الحاصل منه إلى أولاده بصوريته المطلقة ، إستناداً إلى إقرار صادر من الوالدة بأن ثمناً لم يدفع منها فى واقع الأمر ، فإن ما خلص إليه الحكم من أن هذه الأخيرة ليست من بين أطراف العقد ، وأنه لا علاقة لها بإحداث الأثر القانونى المراد من التصرف ، وأن الإقرار لا يتضمن إلا نفياً لواقعة سداد الثمن منها دون أن يعرض للتصرف فى حد ذاته ، ورتب على ذلك إفتقاد إمكان إثبات صورية العقد صورية مطلقة بغير كتابة ، فإن هذا الذى خلص إليه الحكم تحصيل سائغ تحتمله مستندات الدعوى وله مأخذه .
(الطعن رقم 669 لسنة 42 جلسة 1979/03/14 س 30 ع 1 ص 786 ق 144)
13- منع المستأجر من تأجير المكان من باطنه أو التنازل عن الإجارة حق مقرر لمصلحة المؤجر ، فيجوز له التنازل عنه صراحة أو ضمناً ، وليس له من بعد حصوله طلب فسخ الإجارة بسببه ، ولئن كانت الكتابة كطريق لإثبات الإذن بالتنازل عن الشرط المانع ليست ركناً شكلياً ولا هى شرط لصحته ، فيجوز إثبات التنازل الضمنى بكافة طرق الإثبات إعتباراً بأن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية تثبت بجميع الوسائل .
(الطعن رقم 674 لسنة 46 جلسة 1979/02/28 س 30 ع 1 ص 647 ق 122)
14- إن إدعاء الطاعن بأن المطعون عليهم إتفقوا معه على تأجيل الوفاء بالدين - ليصل من ذلك إلى إنقطاع التقادم بإقرار المدينين - إنما هو إدعاء بوجود تصرف قانونى قام بينه وبين المطعون عليهم منطوياً على الإتفاق على تأجيل الوفاء بالدين ، وإذ كان الدين يبلغ 1749 جنيه ، 600 مليم ، وكان الثابت من محضر جلسة ... أن المطعون عليهم دفعوا بعدم جواز إثبات ما إدعاه الطاعن فى هذا المحضر بشهادة الشهود ، لأنه إدعاء بتصرف قانونى تجاوز قيمته نصاب الإثبات بالبينة ، فإنه لايقبل منه قانوناً إثبات هذا التصرف بشهادة الشهود .
(الطعن رقم 157 لسنة 43 جلسة 1978/12/14 س 29 ع 2 ص 1927 ق 373)
15- إذ كان الثابت أن محكمة أول درجة قد أخذت بالدفاع الذى ساقه الطاعن من اعتبار الواقعة خيانة أمانة ، وكان الحكم الإبتدائى قد إنتهى - إستناداً إلى هذا النظر - إلى عدم قبول الإدعاء بالتزوير وبصحة عقد الإيجار ، وكان على محكمة الإستئناف أن تفصل فى كافة الأوجه التى تمسك بها المستأنف عليه أمام محكمة الدرجة الأولى ما دام الحكم قد قضى لصالحه فى الدعوى و لم يثبت تنازله عن تلك الأوجه ، وكان الثابت من مدونات الحكم الإستئنافى أن الطاعن تقدم بمذكرة طلب فيها تأييد الحكم المستأنف ، وأن المطعون عليها عجزت عن النيل من عقد الإيجار وتحاول إخراج الدعوى عن نطاقها ، مما مفاده أن مشاركته فى تنفيذ حكم الإحالة إلى التحقيق لا ينم بذاته على التنازل عن عدم جواز الإثبات بالبينة ، ولا يقطع برضائه الإثبات بهذه الطريقة بل يشير إلى إستحضاره شهوده إذعاناً لحكم إجراءات الإثبات لازمة التحفظ وصاحبة التمسك بدفاع مناطه عدم جواز الإثبات بشهادة الأشهاد .
(الطعن رقم 117 لسنة 44 جلسة 1978/06/14 س 29 ع 1 ص 1467 ق 282)
16- قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فى الأحوال التى يجب فيها الإثبات بالكتابة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليست من النظام العام . فعلى ما يريد التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يتقدم بذلك لمحكمة الموضوع قبل البدء فى سماع شهادة الشهود ، فإذا سكت عن ذلك عد سكوته تنازلاً منه عن حقه فى الإثبات بالطريق الذى رسمه القانون . وإذ كان الواقع أن محكمة أول درجة حكمت قبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه أن الطاعن هدم المدرسة حتى سطح الأرض على ما كان فيها ومقدار ما لحقه من جراء ذلك من ضرر ، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يبد أى إعتراض على هذا الحكم لا قبل سماع أقوال الشهود و لا بعد سماع أقوالهم بل سكت عن ذلك إلى أن صدر الحكم فى الدعوى فإن ذلك يعتبر تنازلاً عن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة ولا يجوز له التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 197 لسنة 44 جلسة 1978/02/16 س 29 ع 1 ص 497 ق 97)
17- إنه و إن كان الأصل عدم خضوع أجرة الأماكن المؤجرة مفروشة بأثاث من عند مؤجرها للتحديد القانونى ، إلا أن شرط ذلك ألا يكون تأجيرها مفروشة صورياَ كما لو وضع فيها المؤجر أثاثاً تافهاً قديماً يقصد التحايل على القانون والتخلص من قيود الأجرة فيلزم لإعتبار المكان مؤجراً مفروشاً حقيقة أن تثبت أن الإجارة شملت فوق منفعة المكان فى ذاته مفروشات أو منقولات معينة ذات قيمة تبرر تغليب منفعة تلك المفروشات أو المنقولات على منفعة العين خالية وإلا إعتبرت العين مؤجرة خالية وتسرى عليها أحكام قانون إيجار الأماكن . لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع تقدير جدية الفرش أو صورية فى ضوء ظروف الدعوى وملابساتها وما تستنبطه منها من قرائن قضائية إذ العبرة بحقيقة الحال لا بمجرد وصف العين فى العقد بأنها مؤجرة مفروشة و كان يجوز إثبات التحايل على زيادة الأجرة بكافة طرق الإثبات ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بتحقيق الأجرة على سند مما أسبتته المعاينة من أن الأثاث الذى زودت به الشقتان لا يتناسب مع تأثيثهما كمصنع لحقائب السيدات حسب الغرض الذى أجرتا من أجله و إستخلص قيام التحايل على أحكام القانون ، فإن ما إنتهى إليه الحكم فى هذا الشأن إستخلاص سائغ من محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية فى فهم الواقع وتقدير الدليل ولا مخالفة فيه للقانون .
(الطعن رقم 286 لسنة 44 جلسة 1978/02/08 س 29 ع 1 ص 408 ق 81)
18- طلب الطاعنين إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما يخالف ما أشتمل عليه دليل كتابى يكون غير جائز لمخالفته لحكم المادة 61 من قانون الإثبات وإذ كان من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليهم الخمسة الأول تمسكوا بعدم جواز الإثبات بالبينة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض طلب الطاعنين إحالة الدعوى إلى التحقيق لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 687 لسنة 43 جلسة 1978/01/24 س 29 ع 1 ص 279 ق 57)
19- مفاد نص المادة 1/244 من القانون المدنى أن لدائنى المتعاقدين وللخلف الخاص أن يثبتوا بكافة الطرق صورية العقد الذى أضر بهم أما المتعاقدان فلا يجوز لهما إثبات ما يخالف ما إشتمل عليه العقد المكتوب إلا بالكتابة ، والطعن على عقد البيع بأنه يستر وصية ولن يدفع أى ثمن هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر ومتى كان العقد الظاهر المطعون عليه بهذه الصورية مكتوباً ، فإنه لا يجوز لأى من عاقديه أن يثبت هذه الصورية إلا بالكتابة وذلك عملاً بنص المادة 1/61 من قانون الإثبات . ولا يصح قياس هذه الحالة على حالة الوارث الذى له إثبات طعنه على العقد بأنه يخفى وصية بجميع الطرق لأن الوارث لا يستمد حقه فى الطعن فى هذه الحالة من المورث وإنما من القانون مباشرة على أساس أن التصرف قد صدر إضراراً بحقه فى الإرث فيكون تحايلاً على القانون .
(الطعن رقم 369 لسنة 43 جلسة 1976/12/21 س 27 ع 2 ص 1801 ق 331)
20- إن أجازة إثبات العقد المستتر فيما بين عاقديه بالبينة فى حالة الإحتيال على القانون مقصورة على من كان الإحتيال ضد مصلحته . وإذن فمتى كان عقد البيع الظاهر من المورث لأحد ورثته ثابتاً بالكتابة فلا يجوز لهذا المورث أن يثبت بغير الكتابة إن هذا العقد يخفى وصيه وأنه قصد به الاحتيال على قواعد الإرث وإنما يجوز ذلك للوارث الذى وقع الإحتيال إضرارا بحقه فى الميراث وهو فى ذلك لا يستمد حقه فى الطعن على العقد من مورثه وإنما يستمده من القانون مباشرة وإذ كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون ضدها الأولى أقامت دعواها بطلب إبطال عقد البيع الصادر منها لولديها الطاعن والمطعون ضده الثانى إستناداً إلى أنه يخفى وصية وأنه قصد به تمييز فى الميراث إحتيالاً على قواعد الإرث وكان الحكم المطعون فيه قد إستند فى إثبات الصورية به النسبية إلى أقوال شاهدى المطعون ضدها الأولى " البائعة " التى لم تقدم أى دليل كتابى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يستوجب نقضه .
(الطعن رقم 697 لسنة 42 جلسة 1976/12/13 س 27 ع 2 ص 1738 ق 319)
21- الأصل فى الأوراق الموقعة على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن إستؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة ، إلا أنه إذا كان من إستولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق إحتيالية ، أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الإختيارى فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يخرج عن هذا الأصل ، وبعد تغيير الحقيقة فيها تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق .
(الطعن رقم 66 لسنة 37 جلسة 1972/02/17 س 23 ع 1 ص 205 ق 32)
22- الصورية النسبية التدليسية التي تقوم على إخفاء رهن وراء البيع وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة تعد تحايلا على القانون ، بما يترتب عليه بطلان اليبع ، وللمتعاقد أن يثبت بكافة الطرق ومنها البينة والقرائن أن العقد لم يكن بيعا وإنما هو على خلاف نصوصه يخفى رهناً .
(الطعن رقم 397 لسنة 36 جلسة 1971/04/27 س 22 ع 2 ص 571 ق 90)
23- إثبات وجود الديون التجارية وإنقضائها فى علاقه المدين بالدائن الأصلى طليق من القيود التى وضعها الشارع لما عداها من الديون فى المواد 401 -403 من القانون المدنى فيجوز الإثبات فى المواد التجارية - إلا ما إستثنى بنص خاص - بكافة طرق الإثبات القانونية حتى لو إنصرف الإثبات إلى ما يخالف ما هو ثابت بالكتابة . وإذ كان الحكم المطعون قد أجاز للمطعون ضدهم ان يثبتوا بكافة الطرق القانونية أن السبب الحقيقى للسند الصادر منهم لدائنهم الطاعن ليس قرضا بل تبعا لقيام معاملة تجارية بينهم وبين دائنهم كتجار وأنهم أوفوا بقيمة المعاملة المذكورة ، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 70 لسنة 36 جلسة 1970/04/23 س 21 ع 2 ص 693 ق 112)
ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي :
( م 1/61 إثبات )
ومفاد هذا أنه إذا وجد دليل كتابى ولو كان يشتمل على تصرف قانونی قيمته لا تجاوز ألف جنيه، فإنه لا يجوز أن يثبت أحد الطرفين بشهادة الشهود ما يعتبر مخالفة أو تجاوزاً له. وعلة هذه القاعدة أن وجود دليل كتابی بشأن تصرف يعني إتجاه الأطراف إلى الاتفاق على وجوب الإثبات بالكتابة بالنسبة لما يتضمنه الدليل، وهو إتفاق جائز إذ هو لا يخالف النظام العام. ومن ناحية أخرى، فإن إجازة إثبات ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي بشهادة الشهود يعنى هدم دليل قوي هو الكتابة بدليل ضعيف هو الشهادة .
ويجب لإعمال هذه القاعدة توافر شرطين :
أ- أن يوجد دليل كتابي : ويستوي أن يتعلق الأمر بمحرر رسمي أو عرفي. ولا تهم قيمة التصرف الوارد فيه. على أنه يلاحظ أنه لا يجوز إثبات عكس ما يعتبر المحرر الرسمي حجة عليه إلا بالادعاء بتزويره، كما يلاحظ أنه يجب بالنسبة للمحرر العرفي أن يكون موقعاً، فإذا لم يكن كذلك - كما هو الحال بالنسبة للدفاتر المنزلية - فانه يمكن إثبات عكس ما جاء به بشهادة الشهود.
ب- أن يكون المطلوب هو إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي. وذلك سواء كانت الواقعة المراد إثباتها سابقة على إنشاء الدليل الكتابي أو معاصرة له أو لاحقة. وسواء كانت ترمي إلى تغيير ما اشتمل عليه الدليل (مثلاً إتفاق مخالف على مكان الوفاء أو شروطه الثابتة في العقد) أو الإضافة إليه (كالاتفاق على فوائد للدين لم يتضمنها العقد) أو الحذف منه (كالاتفاق على عدم استحقاق فوائد إذا كان العقد ينص عليها). فإذا لم تكن الواقعة المراد إثباتها تخالف أو تجاوز ما يشتمل عليه الدليل الكتابي، فإنه يمكن إثباتها بشهادة الشهود. ومثالها إثبات التقادم المسقط للإلتزام الثابت بالدليل الكتابي، أو إثبات الوفاء إذا كان الدين الثابت بالكتابة لا يزيد عن ألف جنيه، أو إثبات أن العقد قد كتب في تاريخ معين إذا كان لم يتضمن أي تاريخ، أو تقديم الدليل على تفسير معين للعقد .
استثناءات :
على أن القانون يضع بعض الإستثناءات على هذين القيدين الأخيرين. فقد أجاز في بعض الحالات الإثبات بشهادة الشهود ولو كان التصرف غير مقدر القيمة أو تزيد قيمته عن ألف جنيه، أو كان يراد إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي. وهذه الحالات هي :
1- في المواد التجارية : (مفهوم المخالفة للمادة 60 إثبات مصری). يجوز في المواد التجارية الإثبات بكافة الأدلة بما فيها شهادة الشهود مهما كانت قيمة التصرف القانوني أو كان يراد إثبات ما يجاوز أو ما يخالف دليلاً كتابياً. والعلة في هذه القاعدة هو ما تقوم عليه المعاملات التجارية من ثقة وما تقتضيه من سرعة لا تتفق مع تطلب الكتابة. فإذا كان أحد طرفي العقد تاجراً والأخر غير تاجر، جاز الإثبات ضد التاجر بكافة طرق الإثبات، أما ضد غير التاجر فان التصرف يعتبر مدنياً يخضع لقواعد إثبات التصرفات المدنية .
2- مبدأ الثبوت بالكتابة : إذا وجدت «كتابة من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى قریب الإحتمال» توافر ما يسمى بمبدأ ثبوت بالكتابة. (مادة 2/62 إثبات). ويلاحظ أن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يعتبر دليل إثبات كامل، وانما يعتبر وجوده سبباً لإمكان الإثبات بشهادة الشهود أو القرائن فيما كان يجب إثباته بالكتابة. فهو - إن صح التعبير - دليل ناقص تكملة الشهادة أو القرائن. ولأن هذه أو تلك تقوم بتكملته فإنها، من ناحية تفترض وجوده، فلا يجوز الاستناد إلى الشهادة للدلالة على وجوده. وهی من ناحية أخرى، تضاف إليه، فلا يجوز استخلاص القرائن من الكتابة التي تكون مبدأ ثبوت بالكتابة . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 188 )
يخلص من نصوص المواد 60 ، 61 من قانون الإثبات أن التصرف القانوني لا يجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن إلا إذا كانت قيمة الإلتزام الناشيء عن هذا التصرف لا يزيد على عشرة جنيهات مصرية (أصبحت ألف جنيه). فإن كانت القيمة تزيد على عشرة جنيهات، فلا يجوز الإثبات إلا بالكتابة، إلا إذا وجد اتفاق أو نص في القانون يجيز الإثبات بالبينة أو بالقرائن. أما الاتفاق، فقد قدمنا أن القاعدة ليست من النظام العام، فيجوز الاتفاق علي أن يكون الإثبات بالبينة أو بالقرائن فيما يزيد على عشرة جنيهات، كما يجوز الاتفاق على أن يكون الإثبات بالكتابة فيما لا يجاوز ذلك النصاب .
وأما النص، فهناك نصوص قانونية تجيز الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما يزيد على عشرين جنيهات، كما إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة أو وجد مانع من الحصول علي الكتابة أو من تقديمها بعد الحصول عليها وسنرى تفصيل ذلك. كما توجد نصوص توجب الإثبات بالكتابة فيما لا يجاوز عشرة جنيهات، من ذلك عقد الصلح م 552 مدني وعقد الكفالة م 773 وعقد إنشاء ملكية الأسرة م 851 مدني واتفاق التحكيم م 501 / 1 مرافعات والشركات التجارية م 40 و 46 تجاري وشروط إستخدام قبطان السفينة وضباطها وملاحيها م 65 بحري وعقد إيجار السفينة م 90 بحري وعقد التأمين البحري م 174 بحري. فإذا لم يوجد إتفاق أو نص، فالقاعدة هي 374 ما قدمنا. ويقتضي الأمر إذن أن نبحث مسألتين : أ - كيف نحدد التصرفات القانونية المدنية التي تسري عليها هذه القاعدة. ب - كيف نحدد قيمة الالتزامات الناشئة عن هذه التصرفات لنري هل تزيد علي عشرة جنيهات أو لا تزيد عليه .
تحديد التصرف القانوني
الاتفاقات والعقود : تسري القاعدة المتقدم ذكرها على جميع التصرفات القانونية المدنية. فهي إذن لا تسري علي الوقائع المادية ولا علي التصرفات القانونية التجارية كما تقدم القول .
ويدخل في التصرفات القانونية المدنية جميع الاتفاقات والعقود، أياً كان الأثر الذي يترتب عليها .
فتدخل العقود والاتفاقات التي تنشيء الإلتزام أو تنقل الحق العيني، كالبيع والقرض والإيجار والمقاولة والوكالة والعارية والوديعة والوعد بالبيع أو بالشراء وغير ذلك من العقود والاتفاقات الملزمة للجانبين أو الملزمة لجانب واحد .
كما تدخل العقود والاتفاقات التي تقضي الالتزام أو تنقله، كالوفاء والتجديد وحوالة الحق وحوالة الدين .
كما تدخل العقود والاتفاقات التي تحدث أي أثر قانوني آخر، كالاتفاق على تأجيل الدين، أو إضافة شرط له، أو إلغاء شرط فيه، أو النزول عن جزء منه، أو الاتفاق على فوائد للدين أو إنقاصها أو زيادتها أو إلغائها، أو الاتفاق علي إعطاء تأمين بالدين كرهن أو كفالة، أو الحلول الاتفاقي .
وقد قدمنا أن القانون يتطلب، في بعض الأحوال، فوق الكتابة، شكلاً خاصاً كالرسمية، ويكون هذا الشكل ضرورياً، لا لإثبات العقد فحسب، بل أيضاً لإنعقاده، وذلك كالهبة والرهن الرسمي. وقد يكون مجرد الكتابة، ولو عرفية، ضرورية لانعقاد العقد لا لإثباته فحسب، وذلك كعقد الشركة م 507 وقد تكون الكتابة لازمة لإثبات العقد أياً كانت قيمته، وليست لازمة لانعقاده، وذلك كالصلح والتحكيم. ومن ذلك نرى أن العقد قد يشترط لانعقاده كتابة رسمية، أو كتابة عرفية، وقد تكون الكتابة لازمة لإثبات العقد لا لانعقاده، تارة في جميع الأحوال، وطوراً فيما يجاوز نصاب البينة .
التصرفات القانونية الصادرة عن إرادة منفردة :
ولا يقتصر سريان القاعدة على العقود والاتفاقات التي تتم بإرادتين متوافقتين. ملزمة للجانبين أو ملزمة لجانب واحد، بل تسري القاعدة أيضاً علي كل تصرف قانوني ولو كان صادراً عن إرادة منفردة. ويرجع ذلك إلي أن كل تصرف قانوني - إرادة كان أو أكثر - يمكن إعداد الدليل عليه مقدماً، فهو قابل للدليل المهيأ، ومن ثم اشترط القانون في إثباته بالكتابة إذا زادت قيمته على عشرين جنيهاً .
فتسري القاعدة إذن على الإيجاب الملزم، والقبول، والوعد بجائزة، والإجازة، والإقرار والاعتراف بدين طبيعي، والإقرار بالدين، والإبراء في التقنين المدني الجديد، وقبول المنتفع في الإشتراط لمصلحة الغير، وقبول الغير في التعهد عن الغير، وفسخ العقد، وإلغائه إذا كان غير محدد المدة كما في الإيجار والوكالة والعارية والوديعة، واستعمال حق الخيار في الالتزامات التخييرية، والرجوع في الهبة، والنزول عن حق عيني كحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق الرهن، والنزول عن الشفعة، واعتماد الحساب، والتنبيه بالإخلاء .
على أن هناك تصرفات قانونية بإرادة منفردة يتطلب القانون فيها شكلاً خاصاً لإنعقادها، لا لإثباتها فحسب، وذلك كالإعذار م 219 مدني، وعرض الدين علي الدائن م 334 – 340 مدني، وتطهير العقار م 1065 – 1066 مدني، والأخذ بالشفعة م 942 .
تحديد قيمة الالتزام
نصاب البينة : حتي يجوز إثبات التصرف القانونية بالبينة أو بالقرائن، يجب ألا تزيد قيمة الإلتزام على عشرة جنيهات مصرية. وهذه القيمة هي ذاتها التي كان التقنين المدني السابق قد حددها، لم يزدها التقنين الجديد بالرغم من أن قيمة العملة قد نقصت كثيراً عن ذي قبل .
وكان التفكير قد اتجه، في لجنه المراجعة، إلي رفع هذا النصاب إلى عشرين جنيهاً. ولكن عدل عن ذلك واستبقي النصاب كما هو، عشرة جنيهات. ومعنى ذلك أن النصاب قد نزل، في الحقيقة، بانخفاض قيمة العملة، إلى أقل من الربع، ويبر ذلك إنتشار التعليم في البلاد .
وقد رأينا أن استبقاء نصاب البينة في هذا المستوى المنخفض حمل المشرع على أن يبيح الاتفاق علي الإثبات بالبينة حيث تكون الكتابة لازمة، وسنرى كذلك، ولنفس السبب، أن تقدير قيمة الإلتزام في التقنين الجديد ينظر فيه إلى أصل الالتزام دون ضم الفوائد والملحقات، وأن الدعوى إذا اشتملت علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة فلا تضم هذه الطلبات بعضها إلي بعض بل تبقى البينة جائزة في كل طلب لا تزيد قيمته على عشرين جنيهات .
وقد التزمت التقنينات المدنية العربية الأخرى نصاباً مماثلاً. فالنصاب في التقنين المدني العراقي عشرة دنانير، وفي التقنين المدني للمملكة المتحدة الليبية عشرة جنيهات، وفي قانون البينات السورية مائة ليرة، وهذه قيم تتقارب كثيراً مع قيمة النصاب في التقنين المدني المصري. أما في تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني فالنصاب أقل كثيراً، إذ هو خمس وخمسون ليرة .
وكان النصاب في القانون الفرنسي القديم مائة جنيه. ثم نقص في تقنين نابليون إلي مائة وخمسين فرنكا بسبب انتشار الكتابة. ولما نزلت قيمة العملة، رفع النصاب إلي خمسمائة فرنك بقانون صدر في أول أبريل سنة 1928، ثم إلي خمسة آلاف من الفرنكات بقانون صدر في 21 من فبراير سنة 1948، وقد تقدم ذكر ذلك .
وقد يكون محل الإلتزام مبلغاً من النقود، فيسهل عندئذ تحديد قيمته وإذا كان النقد أجنبياً حول إلي نقد مصري بسعره وقت صدور التصرف القانوني لا وقت المطالبة .
وإذا كان محل الإلتزام شيئاً غير النقود، قدر القاضي قيمته وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة، دون أن يتقيد في ذلك بتقدير المدعي، وله عند الحاجة أن يستعين بخبير. فإذا طالب المدعي بأمتعة أو أثاث مثلاً أودعها عند المدعي عليه، وقدرها بعشرة جنيهات أو أقل، ومن ثم طلب إثبات الوديعة بالبينة، وعارض المدعي عليه متمسكاً بأن الأثاث المدعى به هو ملكه وأنه لو صحت فإن قيمة الأثاث تبلغ أكثر من عشرة جنيهات فلا يجوز إثبات الوديعة بالبينة، فللقاضي في هذه الحالة أن يعين خبيراً لتقدير قيمة الأثاث وقت إبرام عقد الوديعة لا وقت رفع الدعوي. ومتي عينت القيمة وقت إبرام العقد، فلا عبرة بما يطرأ عليها بعد ذلك من نقص أو زيادة .
أما إذا كان الالتزام غير محدد القيمة كدعوى تقديم حساب لا يعرف بعد رصيده، فإنه لا يجوز الإثبات هنا بالبينة أو بالقرائن، ويعتبر الالتزام غير محدد القيمة كالإلتزام الذي تزيد قيمته على عشرة جنيهات فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة .
العبرة بقيمة الإلتزام وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة : وقد رأينا فيما تقدم أن العبرة بقيمة الإلتزام وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة. وهذا هو الحكم الذي يتفق مع طبائع الأشياء. ذلك أن الدليل الكتابي المطلوب فيما تزيد قيمته على عشرة جنيهات هو دليل مهيأ يجب إعداده مقدماً عند صدور التصرف. فلا يستطيع الدائن إلا أن يقف عند هذا الوقت لمعرفة ما إذا كان واجباً عليه إعداد هذا الدليل .
وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 60 من قانون الإثبات، فقد رأينا أنها تقضي بأن " يقدر الإلتزام وقت صدور التصرف ". ومن ثم فالعبرة ليست بما يطلبه المدعي وقت رفع الدعوي أو بعد رفعها، بل بقيمة الإلتزام وقت صدور التصرف .
المطالبة بما لا يزيد علي عشرين جنيهاً على أساس تصرف يزيد على هذا المبلغ : العبرة هنا أيضاً، كما قدمنا، بقيمة التصرف القانوني لا بالمبلغ المطالب به، ومن ثم لا يجوز في هذه الحالة الإثبات بالبينة وبالقرائن، بل يجب تقديم دليل كتابي، لأن قيمة التصرف تزيد على عشرة جنيهات. ويتفرع على ذلك المسائل الآتية :
1- تقضي المادة 61 بند (ب) من التقنين المدني الجديد بأنه لا يجوز الإثبات بالبينة ولا بالقرائن، ولو لم تزد القيمة المطالب بها على عشرين جنيهاً ، " إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة ". فلو اقترض شخص أربعين جنيهاً ، وكان الوفاء بالقرض مقسطاً على أربعة أقساط متساوية مقدار كل قسط منها عشرة جنيهات، وطالب الدائن المدين بأحد هذه الأقساط وكان عليه أن يثبت عقد القرض، فلا يجوز أن يثبته بالبينة أو بالقرائن، ولو أنه لا يطالب إلا بعشرة جنيهات، لأنه يؤسس طلبه علي تصرف قانوني قيمته وقت صدوره تزيد علي عشرين جنيهاً ، فكان عليه أن يعد دليلاً كتابياً لإثباته. وهذا أيضاً صحيح ولو كان القسط المطالب به هو القسط الأخير، فالاعتبارات التي بني عليها الحكم في الحالة الأولي متحققة في هذه الحالة، فيكون الحكم واحداً في الحالتين .
2- تقضي المادة 61 بند (جـ) من التقنين المدني الجديد بأنه لا يجوز الإثبات بالبينة ولا بالقرائن " إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على عشرين جنيهاً ، ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة ". فهنا قد أسس المدعي دعواه على تصرف قانوني تزيد قيمته علي عشرين جنيهاً وطالب بهذه القيمة، فلا يجوز له الإثبات بالبينة أو بالقرائن حتي لو أنقص بعد ذلك ما يطالب به إلي ما لا يزيد على نصاب البينة. إذ العبرة ليست بما يطالب به، بل بقيمة التصرف القانوني الذي يؤسس عليه دعواه. وغني عن البيان أن المدعي إذا كان قد أخطأ عند رفع الدعوى في تقدير قيمة التصرف القانوني بأكثر من عشرين جنيهات، وأدرك خطأه بعد ذلك فصحح دعواه وجعل قيمة ما يطالب به لا يزيد علي عشرين جنيهاً وهو قيمة التصرف القانوني بعد التصحيح، فإن الإثبات بالبينة وبالقرائن جائز في هذه الحالة .
3- أو أن النزاع انحصر في مبلغ لا يزيد على عشرين جنيهاً، ولكنه يقوم على تصرف قانوني تزيد قيمته على هذا المبلغ، فالإثبات بالبينة أو بالقرائن غير جائز، إذ العبرة ليست بالمبلغ المتنازع عليه بل بقيمة التصرف القانوني المتخذ بتسليم حصان قال إن اشتراه منه بمبلغ ثلاثمائة فرنك لنقل ثلاثين جنيهاً وسلم البائع بصدور البيع منه، ولكنه قال إن الثمن الذي اتفق عليه كان أربعمائة فرنك لنقل أربعين جنيهاً فهنا لا يجوز للمشتري إثبات أن الثمن كان ثلاثين جنيهاً بالبينة أو بالقرائن، ولو أن النزاع بينه وبين المشتري قد انحصر في مبلغ عشرة جنيهات هو الفرق بين الثمن الذي يدعيه والثمن الذي يدعيه البائع .
الشرط الأول – وجود كتابة أعدت للإثبات : يجب أن تكون هناك كتابة قد أعدت للإثبات. والكتابة المعدة للإثبات هي الكتابة التي وقع عليها المدين، رسمية كانت أو عرفية .
أما الأوراق التي لم تعد للإثبات، كالدفاتر التجارية والأوراق المنزلية، فيجوز إثبات ما يخالفها أو ما يجاوزها بالبينة أو بالقرائن. ولكن إذا كانت هذه الأوراق موقعاً عليها وأريد بها الإثبات، كما هو الغالب في المراسلات، فإنها تعتبر في حكم الكتابة المعدة للإثبات، ولا يجوز إثبات ما يخالفها أو ما يجاوزها إلا بالكتابة .
كذلك يجوز إثبات ما يخالف مبدأ الثبوت بالكتابة أو ما يجاوزه بالبينة أو بالقرائن، لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يكون عادة موقعاً عليه وإلا كان دليلاً كتابياً كاملاً، والمطلوب في القاعدة التي نحن بصددها ألا يهدم الدليل الكتابي الكامل بالبينة أو بالقرائن .
ثم يجب أخيراً أن يكون الثابت بالكتابة التزاماً غير تجاري. ذلك أن الالتزامات التجارية يجوز إثباتها، كما رأينا، بالبينة وبالقرائن، أياً كانت قيمتها، ولو زادت على عشرين جنيهاً. فكذلك يجوز إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها في المسائل التجارية بالبينة وبالقرائن، أياً كانت قيمة الالتزام.وقد تقدم ذكر ذلك .
فمتى كانت هناك كتابة معدة للإثبات، وكانت دليلاً كتابياً كاملاً، في غير إلتزام تجاري، فقد توافر الشرط الأول، أياً كانت قيمة الالتزام الثابت بهذا الدليل الكتابي الكامل، ولو كانت هذه القيمة لا تزيد على عشرين جنيهاً. ومن ثم لا يجوز إثبات ما يخالف ورقة مكتوبة لا تزيد قيمتها على عشرين جنيهاً ، ولا إثبات ما يجاوزها، بالبينة أو بالقرائن، ولو أن هذا الدليل كان جائزاً إبتداء لإثبات وجود التصرف لو لم توجد ورقة مكتوبة. بل إن القاعدة التي نحن بصددها لا تظهر فائدتها إلا إذا كانت قيمة الإلتزام لا تزيد على عشرين جنيهاً ، فتمتنع البينة والقرائن حيث كانت تجوز لولا هذه القاعدة. أما إذا كانت قيمة الالتزام تزيد على عشرين جنيهاً فالقاعدة لا تقول جديداً، لأن الإثبات بالبينة أو بالقرائن في هذه الحالة ممنوع من الأصل، سواء في ذلك لا توجد كتابة أصلاً أو توجد ويراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها .
وإذا أريد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها، فلا بد من أن يكون الإثبات بالكتابة كما قررنا. ولكن يجوز أن يحل محل الكتابة مبدأ ثبوت بالكتابة معزز بالبينة أو بالقرائن، فإن هذا النوع من الإثبات يرد إستثناء من قاعدة الدليل الكتابي بشقيها كما سنرى .
الشرط الثاني : إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها : ونتكلم : أولاً فيما يخالف الكتابة ثانياً فيما يجاوز الكتابة ثالثاً فيما لا يعتبر مخالفاً للكتابة أو مجاوزاً لها .
أولاً - ما يخالف الكتابة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة : إذا أريد إثبات ما يخالف ورقة رسمية، فيما يقرر الموظف العام أنه وقع تحت بصره أو سمعه، فقد رأينا أنه لا بد في ذلك من الطعن بالتزوير. أما إذا أريد إثبات ما يخالف الورقة الرسمية في غير ذلك، أو إثبات ما يخالف مشتملات الورقة العرفية أيا كانت فهذا جائز، على أن يكون الدليل على ما يخالف الكتابة هو أيضاً دليل كتابي، ولو كان ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة معززاً بالبينة أو بالقرائن كما قدمنا. ومثل إثبات ما يخالف الكتابة أن يتقدم الخصم لإثبات أنا ما ورد في الورقة من أن الثمن المدفوع هو مبلغ كذا بيان غير صحيح، والصحيح أن المبلغ المذكور في الورقة هو مبلغ أكبر - لمنع الشفعة مثلاً - أو هو مبلغ أقل لتخفيض رسوم التسجيل مثلاً، فإذا كان الخصم هو أحد طرفي العقد لم يجز له إثبات ذلك إلا بالكتابة. ومثل ذلك أيضا أن يريد البائع إثبات أن البيع المكتوب بيع صوري، فلا يستطيع ذلك إلا بالكتابة، وهي هنا ورقة الضد – ومثل ذلك أخيراً أن يوجد سند مكتوب يثبت أن في ذمة المدين التزاماً قيمته مائة جنيه مثلاً، فلا يستطيع المدين أن يثبت بالبينة أو بالقرائن أن حقيقة الإلتزام خمسون جنيها لا مائة، وكذلك الأمر لو أن الثابت في السند التزام قيمته عشرون جنيهاً وأراد المدين أن يثبت بالبينة أو بالقرائن أن حقيقة الالتزام أقل من ذلك فلا يستطيع.
ثانياً – ما يجاوز الكتابة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة : ولا يجوز للخصم أن يثبت ما يجاوز الكتابة إلا بالكتابة. مثل ذلك أن يتقدم المدين لإثبات أن الالتزام المكتوب، وهو منجز، علق بعد ذلك على شرط أو اقترن بأجل. أما إذا كان الالتزام قد كتب معلقا علي شرط أو مقترناً بأجل وأراد الدائن أن يثبت أنه التزام منجز، فهذا يكون إثباتاً لما يخالف الكتابة، ولا يكون هو أيضاً إلا بالكتابة كما رأينا. ومثل ذلك أيضاً أن يكون القرض المكتوب لم يذكر فيه أنه قرض بالفائدة، وأراد الدائن أن يثبت أن هناك فائدة متفقاً عليها، فلا يجوز إثبات ذلك إلا بالكتابة، حتى لو كانت الفائدة وأصل الدين معها لا يزيد علي عشرين جنيهاً ، لأن هذا إثبات لما يجاوز الكتابة. أما إذا ذكر في القرض المكتوب سعر للفائدة، وأراد الدائن أن يثبت أن السعر المتفق عليه هو أكبر مما ذكر، أو أراد المدين أن يثبت أن هذا السعر أقل، فهذا إثبات لما يخالف الكتابة، ولا يكون هو أيضاً إلا بالكتابة كما قدمنا. كذلك لا يجوز إثبات تجديد التزام ثابت في ورقة مكتوبة إلا بالكتابة، ولو كانت قيمة الالتزام الجديد، أو كانت قيمة كل من الالتزامين الجديد والقديم، لا تزيد علي عشرين جنيهاً ، لأن هذا إثبات لما يجاوز الالتزام المكتوب. وبوجه عام لا يجوز إثبات اتفاق إضافي فوق ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة، سواء ادعى أن هذا الاتفاق الإضافي قد تم قبل الكتابة أو تم في أثنائها أو تم بعدها، على حد تعبير التقنين المدني الفرنسي (م 341.)
ثالثاً - ما لا يعتبر مخالفاً للكتابة أو مجاوزاً لها لا يتحتم إثباته بالكتابة : أما إذا أريد إثبات شيء متعلق بما هو ثابت بالكتابة، ولكنه لا يخالفها ولا يجاوزها، فإن إثبات ذلك يكون وفقاً للقواعد العامة، ولا تتحتم الكتابة. فيجوز إثبات الوقائع المادية، وكذلك إثبات التصرفات القانونية إذا لم تزد قيمتها على عشرين جنيهاً (أصبحت ألف جنيه) ، بالبينة وبالقرائن. مثل ذلك إثبات انقضاء الالتزام الثابت بالكتابة، فهذه واقعة لا تخالف الكتابة ولا تجاوزها، بل هي تؤكدها،إذ انقضاء الإلتزام ينطوي دلالة على وجوده. فإذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتنفيذ أعمال مادية، كبناء منزل أو نقل بضاعة أو القيام بخدمة معينة، فإن هذه الأعمال تثبت بالبينة وبالقرائن ولو كانت قيمة الالتزام تزيد على عشرين جنيهاً. أما إذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتصرف قانوني، كوفاء مبلغ من النقود، فإن هذا الوفاء يثبت بالبينة أو بالقرائن إذا لم يزد المبلغ الموفي به على عشرين جنيهاً حتي لو كان مجموع الدين أكثر من ذلك أو كان الدين ثابتاً بالكتابة .
وكالوفاء الإبراء، فهو تصرف قانوني يقضي الدين، ويثبت بالبينة وبالقرائن إذا لم تزد قيمته على عشرين جنيهاً . كذلك في المقاصة، يجوز للمدين إثبات الحق الذي له في ذمة دائنه، ليوقع المقاصة بمقداره، بالبينة وبالقرائن، إذا كانت قيمة هذا الحق لا تزيد على عشرين جنيهاً ، حتي لو كان الدين الذي تقع فيه المقاصة ثابتاً بسند مكتوب أما تجديد الدين المكتوب فقد رأينا أنه يعتبر مجاوزاً لما هو ثابت بالكتابة، فلا يجوز إثباته إلا الكتابة .
كذلك يجوز إثبات وقائع مادية يكون من شأنها تفسير العبارات الغامضة، أو التوفيق فيا بينها إذا كانت متعارضة، أو تحديد ما ورد مطلقاً في الورقة المكتوبة، وذلك بالبينة وبالقرائن، فليس في هذا إثبات لما يخالف الكتابة أو يجاوزها. وكذلك الأمر في إثبات الظروف والملابسات المادية التي أحاطت بكتابة العقد .
ويجوز أيضاً إثبات عيب من عيوب الإرادة كالغلط والتدليس والإكراه، في سند مكتوب، بالبينة وبالقرائن، فليس في ذلك إثبات ما يخالف الكتابة، لأن الكتابة ليست دليلاً على صحة التصرف حتى يعتبر الطعن في صحته مخالفا لها. وقد قدمنا أن عيوب الإرادة إنما هي وقائع مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق .
ويجوز أخيراً إثبات التاريخ الذي كتبت فيه الورقة، فيما بين الطرفين، بالبينة وبالقرائن، إذا لم يكن مكتوباً، حتى لو كانت قيمة الالتزام تزيد علي عشرين جنيهاً أو كان التزاماً مكتوباً، فليس في هذا إثبات لما يخالف الكتابة أو يجاوزها، بل هو إثبات لواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق. أما إذا كان تاريخ الورقة مكتوباً هو أيضاً ، فلا يجوز إثبات عدم صحته إلا بالكتابة. وأما بالنسبة إلى الغير فلابد من التاريخ الثابت على الوجه الذي تقدم ذكره .
الشرط الثالث - الإثبات مقصور على العلاقة فيما بين المتعاقدين : وكل ما قدمناه من وجوب الإثبات بالكتابة فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها إنما يكون في العلاقة ما بين المتعاقدين، إذ هما اللذان كانا يستطيعان الحصول على الكتابة منذ البداية. وكالمتعاقدين والخلف العام .
أما الغير فيجوز له الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها، كما أن له إثبات وجود التصرف نفسه بالبينة وبالقرائن ولو زادت قيمته على عشرين جنيهاً كما سبق القول، ففي الحالتين يعتبر التصرف بالنسبة إليه وهو من الغير واقعة مادية يجوز إثباتها أو إثبات ما يخالفها أو يجاوزها بجميع الطرق .
فإذا باع شخص عقاراً من آخر، وكتب في عقد البيع أن الثمن ألف جنيه مثلاً، وأراد الشفيع الأخذ بالشفعة، فإن له أن يثبت أن حقيقة الثمن ثمانمائة لا ألف - أي يثبت ما يخالف الكتابة - بالبينة وبالقرائن، لأن من الغير في عقد البيع الذي يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية .
وفي العقد الصوري الثابت بالكتابة، تثبت الصورية فيما بين المتعاقدين بالكتابة حتى لو كانت قيمة العقد لا تزيد على عشرين جنيهاً . أما الغير - وهو هنا الدائن والخلف الخاص - فله أن يثبت الصورية بالبينة وبالقرائن، حتى لو كان العقد الصوري مكتوباً وحتى لو كانت قيمته تزيد على عشرين جنيهاً .
الشرط الرابع - ألا يكون هناك احتيال على القانون : وحتى فيما بين المتعاقدين، يشترط في تطبيق القاعدة التي تقضي بوجوب الإثبات بالكتابة فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها ألا يكون هناك احتيال علي القانون والسبب في ذلك أنه متى وجد احتيال على القانون، فيجب تيسير كشفه وإباحة إثباته بجميع الطرق، حتى يلقى جزاءه الحق. ويستوي في هذا أن يكون من يريد إثبات الاحتيال من الغير أو يكون أحد المتعاقدين ممن اشترك في الإحتيال بنفسه ويريد الآن الكشف عنه. ففي الحالتين يقضي النظام العام بضرورة فضح هذا الاحتيال، ومن ثم أبيح، حتى للمتعاقد نفسه بعد أن اشترك فيه، أن يثبته بجميع الطرق ولو بالبينة أو بالقرائن .
ولما كان الاحتيال على القانون ليس إلا تواطؤاً ما بين المتعاقدين على مخالفة قاعدة قانونية تعتبر من النظام العام وإخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع، فقد وضح من ذلك أن من الطبيعي أن يتخذ هذا الإحتيال مظهر الصورية. فيكون هناك تصرف غير مشروع هو التصرف الحقيقي الذي وقع الإتفاق عليه، يستره تصرف مشروع هو التصرف الظاهر الذي يقع الطعن فيه. والجديد هنا أن الطاعن في التصرف الظاهر - أي التصرف الصوري - ليس هو الغير، وإلا كان من حقه أن يثبت الصورية بجميع الطرق دون حاجة إلي التذرع بالاحتيال على القانون. ولكن الطاعن هو المتعاقد نفسه، ويريد أن يثبت صورية العقد المكتوب بالبينة وبالقرائن، وكان الأصل ألا يستطيع إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة، لولا أنه يتذرع بأن هناك احتيالاً علي القانون .
ولم يرد في التقنين المدني نص على هذا الحكم. غير أن القضاء أجمع علي الأخذ به في اضطراد مستقر، وطبقه في حالات كثيرة .
من ذلك أن يكون سبب الدين قماراً، ويكتب المتعاقدات أنه قرض فيجوز للمدين في هذه الحالة أن يثبت ما يخالف المكتوب بالبينة وبالقرائن، ليدل على أن السبب الحقيقي للدين هو القمار لا القرض .
ومن ذلك أن يخفي العقد ربا فاحشاً، ويكتب المتعاقدان سبباً غير ذلك، فيجوز للمدين أن يثبت الربا الفاحش - وهو يخالف المكتوب - بالبينة وبالقرائن .
كذلك يجوز إثبات ما يخالف الكتابة بالبينة وبالقرائن إذا كان السبب الحقيقي الذي تخفيه الكتابة هو صدور العقد أثناء الحجر علي المدين، أو قيام علاقة غير شرعية بين المدين والدائن، أو تخفيض ثمن المبيع هرباً من بعض رسوم التسجيل أو التحايل على إخفاء الرهن في صورة البيع هرباً من قانون الخمسة الأفدنة، أو هرباً من ضرورة اتخاذ إجراءات التنفيذ، أو تمييز بعض الورثة علي بعض آخر، أو غير ذلك من الأسباب غير المشروعة المخالفة للنظام العام .
علي أنه يجب أن يعزز الإدعاء بوجود تحايل على القانون قيام قرائن قوية تجعل وقوعه محتملاً، حتى يمكن الترخيص بعد ذلك في إثبات هذا التحايل بالبينة وبالقرائن على وجه حاسم .
وننتهي من معالجة هذه المسألة بملاحظتين :
الملاحظة الأولي أنه لا يكفي للترخيص في إثبات ما يخالف الكتابة بالبينة وبالقرائن أن يدعي المتعاقد صورية العقد أياً كان سبب هذه الصورية، بل يجب أن يكون هذا السبب غير مشروع لمخالفته للنظام العام. أما إذا كان السبب مشروعاً فلا يجوز للمتعاقد أن يثبت صورية العقد المكتوب إلا بالكتابة، وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك .
والملاحظة الثانية أن الحكم الذي نحن بصدده - الإثبات بالبينة وبالقرائن لوجود تحايل على القانون – وإن كانت تطبيقاته في الكثرة الغالبة منها ترد كما رأينا في نطاق إثبات ما يخالف الكتابة، وقد عالجناه في هذا المكان لهذا السبب، إلا أن ذلك لا يمنع من ورود تطبيقات له في نطاق إثبات وجود التصرف القانوني نفسه، فيكون استثناءً وارداً علي الشق الأول من قاعدة وجوب الدليل الكتابي. ويقع ذلك عند إثبات الوفاء، فمن وفي بدين غير مشروع، وأراد استرداد ما وفى به، جاز له أن يثبت الوفاء - وهو تصرف قانوني - بالبينة وبالقرائن، ولو زادت قيمته على عشرين جنيهاً ، لوجود تحايل على القانون . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول، الصفحة : 493 )
عدلت المادة 61 بموجب القانون رقم 23 لسنة 1992 وذلك باستبدال عبارة عن «مائة جنيه» بعبارة «عشرين جنيه». ثم عدلت بالقانون رقم 18 لسنة 1999 بحيث أصبحت خمسمائة جنيه ثم ضوعفت بالقانون رقم 79 لسنة 2007 وأصبحت ألف جنيه .
أولاً: تناولت هذه المادة بيان أحوال عدم جواز الإثبات بالبينة وليس الحظر في أولى هذه الأحوال وكما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على نص المادة 401 مدني المقابلة لنص المادة 11 إثبات إلا تطبيق للمأثور من «صدارة الكتابة على البينة» ووسيلة لكفالة احترام الدليل الكتابي ويراعى أن حكم هذا الحظر يسري في هذه الحالة ولو لم تزد قيمة الالتزام على مائة جنيه «قبل التعديل» فإذا كان المتعاقدون قد لجأوا إلى الدليل الكتابي اقتنع بقبول الإثبات بالبينة ولو لم يكونوا ملزمين قانوناً بالالتجاء إلى هذا الدليل ذلك أن القانون يفيد أن الكتابة بمجردها هي الدليل الكامل .
ويقصد «بالدليل الكتابي» المحررات الرسمية والعرفية والرسائل فهذه المحررات وحدها هي التي لا تقبل الإثبات بالبينة لنقض الثابت فيها أو الإضافة إليها وقد يكون قوام الإضافة الادعاء بصدور تعديلات شفوية قبل انعقاد الإلتزام أو بعده أو في وقت معاصر له ومهما يكن من أمر هذه الإضافة فلا يجوز إثباتها بالبينة أياً كانت صورتها فمن ذلك الإدعاء بإضافة وصف من الأوصاف المعدل الحكم الإلتزام كشرط أو أجل أو اشتراط خاص بأداء فوائد أو بالتجديد «بالاستبدال» ولا يجوز كذلك نقض الثابت بالكتابة عن طريق البينة. فلا يجوز الإدعاء مثلاً بعدم مطابقة شرط من شروط المحرر للحقيقة وإقامة الدليل على ذلك بالبينة. كما لو أريد إثبات أن حقيقة المبلغ المقترض ليس مائة جنيه (قبل التعديل على ما هو ثابت بالكتابة بل أكثر من مذكرة المشروع التمهيدي سالفة الذكر).
ويشترط لإعمال الفقرة الأولى من المادة 61 من قانون الإثبات أن توجد كتابة تعديلاً كاملاً في الإثبات ويستوي أنه يتضمنها محرر رسمي أو محرر عرفي أو أن تكون عقداً أو تصرفاً قانونياً من جانب واحد ويستبعد من نطاق هذا النص مبدأ الثبوت بالكتابة وآية كتابة صادرة عن الخصم ولو كانت بخطه متى كان لم يوقع عليها، ولا يعمل بالنص أيضاً في المواد التجارية ويشترط ثانياً أن يكون المقصود إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها وثالثاً أن يكون الادعاء بما يخالف الدليل الكتابي أو يجاوزه صادرة من أحد المتعاقدين ويلاحظ أن حكم هذا النص يعطل في حالة اتفاق الخصوم صراحة أو ضمناً على جواز الإثبات بشهادة الشهود في جميع الأحوال وأياً كانت قيمة النزاع. ( الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات» طبعة 1981 م ص 2000 وما بعدها ).
ثانياً : عملاً بنص المادة 61 (أ - ب) من قانون الإثبات فإنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة ذلك أن أحكام الإثبات تختلف عن أحكام الاختصاص فيما يتعلق بالاجتزاء فإذا اجتزأ المدعي من دعواه بالمطالبة بعشرين جنيه امتنع الإثبات بالبينة وثبت الإختصاص للقاضي الجزئي على أن هذا الاختصاص لا يجعل الإثبات بالبينة جائزاً أمام القاضي الجزئي لأن مناط التقدير في الإثبات هو قيمة الإلتزام بأكمله وقت نشوئه وخلاصة ذلك أنه إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزء من حق لا يجوز إثباته بالكتابة فلا يجوز إثبات هذا الجزء بشهادة الشهود وذلك حتى لا يباح للخصوم تجزئة مطالبتهم القضائية، فلو اقترض شخص أربعين جنيه وكان الوفاء بالقرض مقسطة على أربعة أقساط متساوية مقدار كل قسط منها عشرة جنيهات، وطالب الدائن المدين بأحد هذه الأقساط وكان عليه أن يثبت عقد القرض فلا يجوز أن يثبته بالبينة والقرائن ولو أنه لا يطالب إلا بعشرة جنيهات لأنه يؤسس طلبه على تصرف قانوني قيمته وقت صدوره يزيد على عشرين جنيه (قبل التعديل) فكان عليه أن يعد دليلاً كتابياً لإثباته وهذا أيضاً صحيح ولو كان القسط المطالب به هو القسط الأخير فالاعتبارات التي بني عليها الحكم في الحالة الأولى وتحققه في هذه الحالة فيكون الحكم واحداً في الحالتين .
(مذكرة المشروع التمهيدي - والدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات، الطبعة الثانية ص 192، والدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 509 ).
ثالثاً : تنص المادة 61 (أ - ج) من قانون الإثبات على أنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على عشرين جنيه ثم عدل من طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة فهنا قد أسس المدعي دعواه على تصرف قانوني تزيد قيمته على عشرين جنيه وطالب بهذه القيمة فلا يجوز له الإثبات بالبينة أو بالقرائن حتى لو أنقص بعد ذلك ما يطالب به إلى ما لا يزيد عن نصاب البينة إذ العبرة ليست بما يطالب به بل بقيمة التصرف القانوني الذي يؤسس به دعواه وغني عن البيان أن المدعي إذا كان قد أخطأ عند رفع الدعوى في تقدير قيمة التصرف القانوني بأكثر من عشرين جنيه (قبل التعديل) وأدرك خطأه بعد ذلك فصحح دعواه وجعل قيمة ما يطالب به لا يزيد على عشرين جنيه وهو قيمة التصرف القانوني بعد التصحيح فإن الإثبات بالبينة والقرائن جائز في هذه الحالة «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول (ص 511 )». ويتفقد الدكتور أحمد أبو الوفا في مؤلفه التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية (ص 193) صياغة هذه الفقرة ويرى أنها لا تتماشى مع المنطق بل ولا تتماشى مع صدر المادة 2/60 فلو أن عقداً لا يتجاوز قيمته عشرين جنيه (قبل التعديل) أخل به المدين فأقام دائنه عليه دعوی لمطالبته بخمسين جنيه بسبب هذا الإخلال جاز له أن يثبت وجود هذا العقد بالبينة والقرائن. وذلك عملاً بالأصل العام المقرر في صدر المادة 2/60 فإذا عدل الدائن طلبه أثناء نظر الدعوى مكتفياً بطلب عشرين جنيه فهل يكون عليه عندئذ أن يثبت حقه بالكتابة في حين أنه كان يجوز له إثبات مطلوبة الأول وقدره خمسون جنيها بالبينة والقرائن. وأنتهى إلى رأيه بوجوب إلغاء هذا النص. والرأي أنه في هذه الحالة طالما أن قيمة العقد عشرين جنيه (أصبحت خمسمائة جنيه ثم ضوعفت حتى وصلت إلى ألف جنيه) واكتفى الدائن بالمطالبة بها بعد أن كان يطالب بمبلغ خمسين جنيه فإن بينهما بالبداهة هو جزاء الإخلال فإذا عاد الدائن وطالب بالعشرين جنيه فقط فإن هذا لا يكون تعديلاً للطلبات وإنما قصرها على المبلغ الأصلي بما يفيد التنازل عن المطالبة بالتعويض عن الإخلال ومن ثم فإنه يجوز للدائن إثبات العقد بالبينة والقرائن . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015، دار محمود، المجلد : الثاني، الصفحة : 50 )
سلك المشرع في تعبيره عن القاعدة المنصوص عليها في هذه المادة نفس الطريقة التي سلكها بالنسبة للقاعدة المنصوص عليها في المادة السابقة من حيث القول بعدم جواز الإثبات بالبينة إظهاراً لما للكتابة من صدارة على البينة على أن هذا لا يحول دون إعتبار هذه القاعدة قيداً وارداً على القاعدة السالفة بالنسبة إلى ما هو في حدود نصاب البينة .
ويشترط لتطبيق هذه القاعدة أربعة شروط :
أولها : أن تكون هناك كتابة قد أعدت للإثبات وهي التي وقع عليها المدين رسمية كانت أو عرفية فالأوراق التي تعد للإثبات كالدفاتر والأوراق المنزلية يجوز إثبات ما يخالفها أو يجاوزها بالبينة والقرائن ومبدأ الثبوت بالكتابة يجوز إثبات ما يخالفه أو يجاوزه بالبينة والقرائن لأنه لا يعد دليلاً كتابياً كاملاً والتصرف يجوز إثباته أصلاً بجميع الطرق .
ومتى وجدت الكتابة أياً كانت قيمة الإلتزام الثابت بها - حتى ولو قلت عن النصاب - يمتنع الإثبات بالبينة والقرائن .
والشرط الثاني : هو أن يكون ما يراد إثباته يخالف الكتابة أو يجاوزها، وكقاعدة عامة، يقصد بما يخالف الدليل الكتابي أو يجاوزه أي ادعاء يتعارض مع ما جاء بالدليل الكتابي، أي يخالف ظاهرة حقيقة أو حكماً سواء أكان الادعاء بأن هذه التعديلات سابقة على الدليل الكتابي، أو معاصرة له، أو لاحقة عليه وسواء أكان الادعاء يخالف ما هو مكتوب في الدليل الكتابي صراحة أو ضمناً أو يخالف ما ليس مكتوباً فيه إنما يقتضيه القانون حكماً أو فرضاً مثال ذلك أنه إذا لم يكتب في عقد القرض أنه بفائدة فمؤدي ذلك أنه بدون فائدة وإذا لم يذكر في العقد أي شرط أو أجل فمؤدي ذلك أنه منجز. ومثال ما يخالف الكتابة هو إثبات الصورية بين المتعاقدين أو إثبات أن قيمة الإلتزام 1020 جنيهاً وليست ألف كما هو ثابت بالورقة ومثال ما يجاوز الكتابة هو شيء لا يخالف ما هو مكتوب ولكن يضيف إليه جدیداً، فإذا كان عقد القرض لم يذكر فيه أنه قرض بالفائدة وأراد الدائن أن يثبت أن هناك إتفاقاً إضافياً على الفائدة فلا يجوز إثبات ذلك إلا بالكتابة حتى لو كانت الفائدة وأصل الدين معها لا يزيد على النصاب لأن هذا إثبات لما يجاوز الكتابة، كذلك لا يجوز إثبات تجديد التزام ثابت في ورقة مكتوبة إلا بالكتابة ولو كانت قيمة كل من الإلتزامين الجديد والقديم لا تزيد على النصاب لأن هذا إثبات لما يجاوز الالتزام المكتوب، كذلك لا يجوز إثبات تعهد استبدل به تعهد جديد مكتوب إلا بالكتابة مهما كانت قيمته لأنه إثبات لما يخالف العقد ولكن هناك مالاً يعتبر مخالفة للكتابة ومجاوزاً لها لا يتحتم إثباته بالكتابة مثل ذلك إثبات انقضاء الالتزام الثابت بالكتابة فهذه واقعة لا تخالف الكتابة ولا تجاوزها بل هي تؤكدها إذا انقضاء الالتزام ينطوي دلالة على وجوده، فإذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتنفيذ أعمال مادية كبناء منزل أو نقل بضاعة أو القيام بخدمة معينة فإن هذه الأعمال تثبت بالبينة او بالقرائن ولو كانت قيمة الالتزام تزيد على النصاب، أما إذا كان إنقضاء الإلتزام قد تم بتصرف قانوني كوفاء مبلغ من النقود فإن هذا الوفاء يثبت بالبينة أو بالقرائن إذا لم يزد المبلغ الموفي به على النصاب مادام أن أصل الدين لم يزد على النصاب وكالوفاء الإبراء كذلك في المقاصة يجوز للمدين إثبات الحق الذي له في ذمة دائنه، ليوقع المقاصة بمقداره، بالبينة وبالقرائن إذا كانت قيمة هذا الحق لا تزيد على النصاب حتى لو كان الدين الذي تقع المقاصة ثابتاً بسند مكتوب، وكان يزيد على النصاب ويجوز أيضاً إثبات عيب من عيوب الإرادة كالغلط والتدليس والإكراه في سند مكتوب بالبينة والقرائن فليس في ذلك إثبات لما يخالف الكتابة لأن الكتابة ليست دليلاً على صحة التصرف حتى يعتبر الطعن في صحته مخالفاً لها، كذلك يجوز إثبات وقائع مادية يكون من شأنها تفسير اللبس أو العبارات الغامضة في العقد بالبينة والقرائن. ذلك أن المادتين 150، 151 من القانون المدني الخاصتين بتفسير العقد لا يحرمان من الاستعانة بالشهود في استجلاء غوامض العقد وكذلك الأمر في إثبات الظروف والملابسات المادية التي أحاطت بكتابة العقد على النحو الذي سنوضحه بتفصيل في نهاية الشرح .
كما يجوز إثبات التاريخ الذي كتبت فيه الورقة فيما بين الطرفين بالبينة والقرائن إذا لم يكن التاريخ مكتوباً حتى ولو كانت قيمة الإلتزام تزيد على النصاب، أو كان إلتزاماً مكتوباً، فليس في هذا إثبات لما يخالف الكتابة أو يجاوزها بل هو إثبات لواقعة مادية لا شك في قيامها ويجوز إثباتها بجميع الطرق. أما إذا كان التاريخ مكتوباً فلا يجوز إثبات عدم صحته إلا بالكتابة ما لم يكن هناك غش وبالنسبة إلى الغير لابد من التاريخ الثابت على النحو المقرر قانوناً، أما الصلح فإنه يجب في جميع الأحوال طبقاً للمادة 552 مدني إثباته بالكتابة .
ومما هو جدير بالذكر أن الخطأ المادي أو الحسابي إما أن يستفاد من نفس العقد ومحتوياته وظروف الأحوال أي بدون التجاء إلى الشهود أم لا، ففي الحالة الأولى يملك القاضي إصلاح الخطأ كما إذا ذكر في عقد بيع قطعة أرض مساحتها ألف متر أن سعر المتر 400 جنيه وعند ذكر جملة الثمن قيل ألف جنيه، أما إذا لم تدل عبارة العقد ولا ظروف الأحوال على حصول الخطأ المادي به فإنه يكون من الخطر الجسيم الإذن بإثباته بشهادة الشهود لأن ذلك تكون نتيجته قبول شهادة الشهود الإثبات ما يخالف العقد .
ونرى أنه إذا كانت ظروف الأحوال تقطع أن هناك خطأ مادياً أو حسابياً في العقد ولم يستطع القاضي من نفس العقد ومحتوياته وظروفه أن يستبين ما أراده المتعاقدان فإنه يجوز له في هذه الحالة أن يستعين بشهادة الشهود لاستجلاء قصدهما حتى يستطيع بذلك تفسير العقد .
وإذا لم يذكر سبب العقد في المحرر فإن المادة 137 مدني وضعت قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن له سبباً مشروعاً وهي قرينة قابلة لإثبات العكس، فإذا ادعى المدين عدم وجود سبب للعقد، أو أن له سبباً غير مشروع فيجوز له إثبات ذلك بكافة الطرق بما فيها البينة والقرائن ولا يعتبر ذلك مخالفة بالكتابة أو مجاوزاً لها وإنما هو دحض للقرينة القانونية التي تفترض أن للعقد سبباً مشروعاً .
والشرط الثالث : هو أن وجوب الإثبات بالكتابة فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها يكون في العلاقة ما بين المتعاقدين، إذ هما اللذان كانا يستطيعان الحصول على الكتابة منذ البداية، كالمتعاقدين والخلف العام أما الغير فيجوز له الإثبات بالبينة والقرائن لأن العقد يعتبر واقعة مادية بالنسبة له فإذا باع شخص عقاراً لأخر وكتب في ورقة البيع أن الثمن مائة ألف جنيه فإن للشفيع أن يثبت أن حقيقة الثمن ثمانون ألفا فقط أي يثبت ما يخالف الكتابة البينة والقرائن لأن عقد البيع بالنسبة إليه يعتبر واقعة مادية، وفي العقد الصوري الثابت بالكتابة تثبت الصورية فيما بين المتعاقدين بالكتابة حتى لو كانت قيمة العقد لا تزيد على النصاب أما الغير - وهو هناك الدائن والخلف الخاص - فله أن يثبت الصورية بالبينة والقرائن حتى لو كان العقد الصوري مكتوباً وحتى ولو كانت قيمته تزيد على النصاب .
ويجب مراعاة أن ما يجب إثباته بالكتابة يجوز إثباته بمبدأ ثبوته بالكتابة عملاً بالمادة 62 .
والشرط الرابع : هو ألا يكون هناك احتيال على القانون فإذا تواطأ المتعاقدان على مخالفة قاعدة قانونية تعتبر من النظام العام وإخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع كما لو كان سبب الدين قمار، ويكتب أنه قرض فيجوز للمدين في هذه الحالة وهو أحد المتعاقدين أن يثبت ما يخالف المكتوب بالبينة والقرائن ليدل أن السبب الحقيقي هو القمار لا القرض وكما إذا كان سبب الدين هو فرق أجرة تزيد على الأجرة المحددة قانوناً لمسكن أو محل وذكر في المحرر أنه سببه القرض، ففي هذه الحالة يجوز للمستأجر أن يثبت عكس السبب الثابت بالمحرر وذلك بالبينة والقرائن غير أنه يجب أن يعزز الإدعاء بوجود تحايل على القانون قيام قرائن قوية تجعل وقوعه محتملاً حتى يمكن الترخيص بعد ذلك في إثبات هذا التحايل بالبينة والقرائن فبمجرد الادعاء بوجود ربا فاحش لا يكفي لقبول الإثبات بالبينة، بل لابد أن تكون ثمة قرائن قوية على وجوده .
وبالنسبة للفقرة (ب) من المادة فإنه إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة فإنه لا يجوز إثباته بالبينة فلو اقترض شخص 1200 جنيه، وكان الوفاء بالقرض مقسطاً على عشرة أقساط متساوية مقدار كل قسط منها 120 جنيها وطالب الدائن المدين بأحد هذه الأقساط كان عليه أن يثبت عقد القرض فلا يجوز أن يثبته بالبينة أو بالقرائن ولو أنه لا يطالب إلا مائة وعشرين جنيهاً مقدار القسط المستحق، لأنه يؤسس طلبه على عقد قرض قيمته وقت صدوره تزيد على النصاب فكان عليه أن يعد دليلاً كتابياً لإثباته وهذا أيضاً صحيح ولو كان القسط المطالب به هو القسط الأخير .
وإذا كانت قيمة الدين خمسة آلاف جنيه ومات الدائن عن خمسة ورثة انقسم بينهم الدين بالتساوي بإعتبار نصيب كل وارث ألف جنيه فلا يجوز لأي منهم إثبات النصيب المورث بالبينة. لأن العبرة فيما يتعلق بالإثبات - كما تقدم - بقيمة الدين وقت نشوئه فلا يستطيع الوارث المطالبة بنصيبه في الدين إلا إذا أثبت أن مورثه كان يداين المدين في المبلغ بتمامه وهو ما لا يجاوز إثباته بشهادة الشهود .
وبالنسبة للفقرة (ج) من المادة فلا يجوز للمدعي إذا أسس دعواه على تصرف قانوني تزيد قيمته على النصاب وطلب بهذه القيمة فلا يجوز له الإثبات بالبينة أو بالقرائن حتى لو أنقص بعد ذلك ما يطالب به إلى ما لا يزيد على النصاب إذ العبرة ليست بما يطلب به بل بقيمة التصرف القانوني الذي يؤسس عليه دعواه، وإذا كان المدعي بدلاً من إنقاص المبلغ الذي يطالب به نزل عن دعواه أصلاً ورفع دعوى جديدة على أساس نفس التصرف وقدره بمبلغ لا يزيد على النصاب جاز له الإثبات بالبينة والقرائن .
وإذا انحصر النزاع بين الطرفين في مبلغ لا يزيد على النصاب ولكنه يقوم على تصرف قانوني تزيد قيمته على هذا المبلغ فلا يجوز الإثبات إلا بالكتابة لأن العبرة ليست بقيمة المبلغ المتنازع عليه بل بقيمة التصرف الذي بني عليه النزاع، فإذا أقام المشتري دعوى على البائع مطالباً إياه بتسليم منقولات قال عنها أنه اشتراها منه بمبلغ يتجاوز النصاب وسلم البائع بواقعة البيع ولكنه ادعى أن الثمن أكثر من هذا فلا يجوز للمشتري أن يثبت بشهادة الشهود أن الثمن هو فقط مقدار الزيادة والاختلاف على إعتبار أن النزاع بينه وبين البائع قد انحصر في هذا المبلغ إذ العبرة في الإثبات في هذه الحالة بقيمة التصرف بتمامه.
مراجع البحث : ( الوسيط للسنهوري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية ص 509 وما بعدها، والوجيز للسنهوري ص 655 وما بعدها، ورسالة الإثبات لنشأت، الطبعة الخامسة ص 79 وما بعدها، والإثبات في المواد المدنية لعبد المنعم الصدة ص 104، وما بعدها، وقانون الإثبات لمحمد عبد اللطيف، الجزء الأول ص 264 وما بعدها، والتعليق على الإثبات لأبو الوفا ص 186 ).
ملاحظات هامة :
1- الوفاء يعتبر تصرفاً قانونياً لا عملاً مادياً، وعلى ذلك لا يجوز إثباته إلا بالكتابة في حالة وجود سند كتابي مثبت للدين .
2- يتعين ملاحظة أن الإثبات بالبينة في حالة الاحتيال على القانون مقصور على من كان الإحتيال موجهاً ضد مصلحته، أما المتعاقد الآخر فلا يجوز له إثبات التحايل بشهادة الشهود وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن طلب المورث إبطال عقد البيع الصادر منه إلى ولديه استناداً إلى أنه في حقيقته وصية يتعين عليه إثباته بالكتابة لأن الإحتيال لم يكن موجهاً ضد مصلحة المورث، وإنما يجوز ذلك الوارث الذي وقع الإحتيال إضراراً به وهو في ذلك لا يستخدم حقه من مورثه وإنما من القانون مباشرة. كما نلفت النظر إلى أن حق الوارث في طلب اعتبار التصرف وصية وإثباته بالبينة لا يقوم إلا بعد أن يصبح وارثاً بوفاة المورث . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الدناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 638 )
حالات لا يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على ألف جنيه :
لئن كان الأصل أنه يجوز إثبات التصرف القانوني - في المواد المدنية - بشهادة الشهود طالما كانت قيمته لا تجاوز ألف جنيه، إلا أن هناك ثلاث حالات لا يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود ولو كانت قيمة التصرف لا تجاوز ألف جنيه .
ونعرض لهذه الحالات فيما يلي :
الحالة الأولى
ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي :
حكمة القاعدة :
حظرت الفقرة (أ) من المادة (61) الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على ألف جنيه فيما يخالف أو ما يجاوز ما اشتمل عليه دليل کتابی .
وهذا الحظر يقوم على عدة أسس :
فمن ناحية يقوم الحظر على أساس وجوب المساواة بين الخصوم في الإثبات، فيما يثبته خصم بالكتابة لا يجوز للآخر أن ينقضه بشهادة الشهود والقرائن القضائية .
ومن ناحية ثانية، يقوم الحظر على أساس أن إثبات التصرف بالكتابة رغم أن قيمته لا تزيد على ألف جنيه يدل على اتجاه إرادة الطرفين إلى استبعاد الإثبات بالشهادة والقرائن القضائية .
ومن ناحية ثالثة، يقوم الحظر على أساس أن الكتابة أقوى دلالة من شهادة الشهود التي يحوم الشك حول صدقها كما أنها أقوى دلالة من القرائن القضائية التي تقوم على مجرد استنباط ما قد يجانبه التوفيق، ولا يجوز نقض شليل بدليل أضعف منه دلالة .
نطاق القاعدة :
يخلص نطاق تطبيق هذه القاعدة فيما يأتي:
(أ) انطباق القاعدة بين المتعاقدين :
القاعدة السابقة لا تنطبق إلا فيما بين المتعاقدين وخلفهما العام .
أما الغير فلا يتقيد بهذه القاعدة، فلتغير إثبات ما يخالف أو يجاوز الثابت كتابة بشهادة الشهود والقرائن، بل ذلك أيضاً بالنسبة لوجود التصرف نفسه. إذ يعتبر التصرف في الحالتين بالنسبة للغير واقعة مادية يجوز فيها الإثبات بكافة الطرق .
(ب) القاعدة قاصرة على المواد المدنية :
القاعدة سالفة الذكر مقصورة على الإثبات في المواد المدنية .
فلا يعمل بهذه القاعدة بالنسبة للمواد التجارية، ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك. لأن تطبيق هذه القاعدة على المواد التجارية يخالف مبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية التي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (60) من قانون الإثبات .
شروط تطبيق القاعدة :
يشترط لتطبيق هذه القاعدة توافر شرطين هما :
الشرط الأول :
أن يوجد دليل كتابي :
والمقصود بذلك الأوراق التي تعتبر دليلاً كاملاً، وهي الأوراق الرسمية والأوراق العرفية المعدة للإثبات. وكذلك الرسائل إذا كان موقعاً عليها. وقد ذكرنا الرسائل من بين الدليل الكتابي رغم أنها ليست أوراقاً معدة للإثبات، لأن القانون أعطاها قيمة الورقة العرفية .
أما بالنسبة للأوراق العرفية الأخرى والتي تعد مقدماً للإثبات كالدفاتر التجارية والأوراق المنزلية، فلا تعتبر أدلة كاملة، ولا تسري بشأنها القاعدة التي نحن بصددها ، ولذلك يجوز نقض ما هو مدون بها بكافة طرق الإثبات .
كذلك يجوز إثبات ما يخالف مبدأ الثبوت بالكتابة أو ما يجاوزه بشهادة الشهود أو بالقرائن لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يكون عادة موقعاً عليه وإلا كان دليلاً كتابياً ، والمطلوب ألا يهدم الدليل الكتابي الكامل بشهادة الشهود والقرائن .
كذلك يجب أن يكون الحصول على الدليل الكتابي بطريق مشروع فمن يستولي على الدليل الكتابي دون علم الطرف الآخر ورضاه لا يجوز له أن يتمسك بعدم جواز إثبات عكس ما اشتملت و عليه الكتابة إلا بالكتابة .
الشرط الثاني :
أن يكون المراد إثباته يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي :
لا يمتنع الإثبات بشهادة الشهود طبقاً للقاعدة التي نحن بصددها، إلا إذا كان موضوع هذا الإثبات أمراً يخالف أو يجاوز ما هو ثابت بالكتابة. أي إذا كان أمراً يعتبر تكذيباً أو تعديلاً للمكتوب أو إضافة إليه .
فإذا ذكر في عقد البيع أن الثمن تسعمائة جنيه ولم يذكر شيء عن ميعاد استحقاقه ولا عن سريان فوائد عليه، لا يجوز للمشتري أن يثبت بشهادة الشهود أن حقيقة الثمن سبعمائة جنيه، أو أنه اتفق مع البائع شفوياً على سريان فوائد .
وكذا إذا عين في العقد مكان الوفاء أو إذا لم يعين اكتفاء بما تعينه القواعد العامة، فلا تقبل شهادة الشهود في إثبات الاتفاق على أن يكون الوفاء في مكان غير المذكور في العقد أو غير المكان الذي تعينه القواعد العامة .
أما إذا كان المراد إثباته واقعة قانونية مستقلة عن الواقعة الثابتة بالكتابة ولاحقة لها، ولو كانت الأولى تنتج عكس الأثر المترتب له على الثانية، فلا تسري عليها القاعدة، ويجوز إثباتها بشهادة الشهود إذا لم تجاوز ألف جنيه .
ومثل ذلك إثبات إنقضاء الإلتزام الثابت بالكتابة، فهذه واقعة لا تخالف الكتابة ولا تجاوزها، بل هي تؤكدها، إذ انقضاء الالتزام ينطوي دلالة على وجوده .
فإذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتنفيذ أعمال مادية كبناء منزل أو نقل بضاعة أو القيام بخدمة معينة ، فإن هذه الأعمال تثبت بشهادة الشهود والقرائن ولو كانت قيمة الالتزام تزيد على ألف جنيه .
أما إذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتصرف قانوني کوفاء مبلغ من النقود، فكان يجوز إثباته - في ظل المادة (400) من التقنين المدني (الملغاة) بشهادة الشهود إذا لم يزد المبلغ الموفي به عن نصاب الإثبات بشهادة الشهود، حتى لو كان مجموع الدين لا يجوز إثباته بشهادة الشهود، أو كان الدين ثابتاً بالكتابة .
إلا أن الوضع قد تغير في قانون الإثبات الجديد بعد أن نصت الفقرة الرابعة من المادة (60) من القانون على أن: «وتكون العبرة في الوفاء إذا كان جزئياً بقيمة الالتزام الأصلي».
الوضع بالنسبة لبعض المسائل :
1- تجديد الدين :
يعتبر تجديد الدين تعديلاً للمكتوب، فلا يجوز إثباته بشهادة الشهود ولو كانت قيمته لا تجاوز ألف جنيه .
2- الخطأ المادي أو الحسابي في كشف حساب :
إذا كان الخطأ المادي أو الحسابي في كشف حساب يستفاد من نفس العقد ومحتوياته وظروف الأحوال، فإن القاضي يملك إصلاح الخطأ، كما إذا ذكر في عقد بيع قطعة أرض مساحتها ألف متر أن سعر المتر جنيهان ونصف، وعند ذكر جملة الثمن قبل خمسة آلاف جنيه .
أما إذا لم تدل عبارات العقد ولا ظروف الأحوال على حصول الخطأ المدعى به فإنه لا يجوز الإذن بإثباته بشهادة الشهود لأن ذلك تكون نتيجته قبول شهادة الشهود لإثبات ما يخالف العقد.
هذا ولا يصح التمسك بوجود خطأ مادي في حساب أمام محكمة النقض فإن مثل هذا الخطأ تصححه محكمة الموضوع إذا ما رفع أمره إليها .
إثبات صدور إذن شفهي خلافاً للشرط المكتوب :
لا يجوز لمدير الشركة إثبات صدور إذن شفهي بانفراده بالعمل خلافاً للشرط المكتوب بعدم إنفراده بالعمل .
عدم ذكر سبب للالتزام :
إذا لم يذكر في العقد سبب للالتزام، يفترض القانون أن له سبباً مشروعاً طبقاً للفقرة الأولى من المادة (137) مدني، إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك .
فهنا جعل القانون تعهد المدين أو مجرد التزامه قرينة قانونية على أن للعقد سبباً مشروعاً وهذه القرينة غير قاطعة بدليل أن الشارع أباح إثبات ما يخالفها .
إثبات عيوب الرضا :
إذا كان المراد إثباته عيباً من عيوب الرضا، فإن ذلك لا ينطوي على إثبات لما يخالف التصرف الثابت بالكتابة، بل تسليم بحصول التصرف مصحوب بالطعن في صحته، وليست الكتابة دليلاً على صحة التصرف حتى يعتبر الطعن في هذه الصحة مخالفاً للكتابة .
إثبات التاريخ الذي حررت فيه الورقة :
يجوز إثبات التاريخ الذي كتبت فيه الورقة، فيما بين الطرفين، بشهادة الشهود والقرائن، إذا لم يكن مكتوباً حتى لو كانت قيمة الالتزام تزيد على ألف جنيه فليس في هذا إثبات لما يخالف الكتابة أو يجاوزها، بل هو إثبات لواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق. أما إذا كان تاريخ الورقة مكتوباً، فإنه لا يجوز إثبات عدم صحته إلا بالكتابة .
وقد يعترض على ذلك بأن إثبات التاريخ غير المذكور في المحرر إثبات لما يجاوز مضمون المحرر. ولكن يرد على هذا الاعتراض بأن إغفال المتعاقدين ذكر تاريخ العقد يرجع في الغالب إما إلى عدم أهميته في نظرهما وإما إلى سهو منهما وإما إلى قصد الغش .
ففي الحالة الأولى لا محل لاشتراط إثبات التاريخ بالكتابة ما دام المتعاقدان لم يريا أنه يستحق منهما هذه العناية .
وفي الثانية لا محل له أيضاً لأن السهو يتنافى مع الاحتياط بالكتابة .
وفي الثالثة لا محل له كذلك لأن الغش يجيز الإثبات بشهادة الشهود .
الغش والاحتيال على القانون :
الأصل أنه لا يجوز إثبات الصورية بين المتعاقدين إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها من إقرار ويمين، غير أنه يستثنى من ذلك أن تكون الحقيقة المراد إثباتها أمراً غير مشروع يعتبر إخفاؤه غشاً أو احتيالاً على القانون فيجوز إثباته بشهادة الشهود .
ويجري قضاء محكمة النقض على أن الاحتيال على القانون والغش لا يعدو أن يكون واقعة مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود والقرائن .
تفسير العقود :
اختلف فيما يتعلق بقبول شهادة الشهود في تفسير العقود أي في إيضاح الغامض منها وإزالة ما بها من لبس. فذهب رأى إلى تحريم ذلك خشية أن يتخذ التفسير من طريق شهادة الشهود ذريعة لخرق القاعدة والإثبات ما يخالف الكتابة بشهادة الشهود .
وذهب رأي آخر إلى قبول شهادة الشهود في إثبات الوقائع التي يستدل منها على ما يجلو غموض العقد أو يرفع اللبس منه لأن هذه الوقائع ليست مقصودة لذاتها بل ليستدل منها القاضي على حقيقة قصد المتعاقدين. وهذا الرأي هو الراجح .
(الحالة الثانية)
إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة
القاعدة :
تقضى المادة (61) من قانون الإثبات بأنه: «لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على ألف جنيه.
أ)...................
ب) إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة... الخ».
والحكمة من هذه القاعدة، الحفاظ على قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة إذا جاوزت قيمة الدين ألف جنيه، لأنه لو أبيح للدائن إثبات أجزاء الدين أو الباقي منه إذا كان كل من الأجزاء أو الباقي - دون نصاب الإثبات بالكتابة – أن يثبت دينه كله بشهادة الشهود، ويكون بذلك قد تحايل على قواعد الإثبات .
وعلى ذلك إذا كانت قيمة الدين تجاوز ألف جنيه، وكان مقسطاً، بحيث تقل قيمة كل قسط عن ألف جنيه، أو كان قد استوفى دينه عدا جزءً يقل عن ألف جنيه، وأراد الدائن المطالبة بأحد الأقساط أو بالباقي من الدين، وجب عليه إثبات دعواه بالكتابة، رغم أن المطالب به - بحسب الأصل - يجوز إثباته بشهادة الشهود .
وكذلك إذا توفي الدائن وانقسم حقه على ورثته، وجب على كل منهم عند المطالبة بنصيبه أن يثبت دعواه بالكتابة مادام كل الدين يجاوز نصاب الإثبات بشهادة الشهود ولو كان نصيبه أقل من هذا النصاب .
(الحالة الثالثة)
إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على ألف جنيه ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة القاعدة :
تنص المادة (61) من قانون الإثبات على أنه: «لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على ألف جنيه».
(أ)....................
(ب)..................
(ج) إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على ألف جنيه ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة».
ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا أسس المدعي دعواه على تصرف قانوني تزيد قيمته على ألف جنيه وطالب بهذه القيمة. ثم عدل دعواه بالمطالبة بأقل من هذه القيمة، فلا يجوز له إثبات دعواه بشهادة الشهود رغم أن القيمة المعدلة يجوز بحسب الأصل إثباتها بشهادة الشهود. ويفسر هذه القاعدة أن العبرة في الإثبات بقيمة التصرف القانوني الذي يؤسس عليه المدعي دعواه، وأن تعديل المدعي لدعواه بتخفيض طلباته، هو تحايل على حكم القانون فيما يتعلق بقواعد الإثبات، إنما إذا كان تقدير قيمة الدعوى عند رفعها قد بني على خطأ، فليس هناك ما يمنع من التعديل لأنه لا يمكن اعتبار ذلك أكثر من إقرار، والإقرار يمكن العدول عنه إذا بني على خطأ. كما إذا رفع شخص دعوى بثلاثة أرادب من القمح كانت قيمتها الحقيقية وقت التعاقد أقل من ألف جنيه وقدرها خطأ بأكثر من ألف جنيه .
ويجب أن يلاحظ أن عبء الإثبات هنا يقع على عاتق المدعى لأن الفقرة (ج) من المادة (61) المذكورة جعلت من ذلك قرينة قانونية غير قاطعة على أن قيمة التصرف أكثر من ألف جنيه ثم أراد تعديل طلبه إلى ألف جنيه أو أقل هرباً من وجوب الإثبات بالكتابة . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الثاني، الصفحة : 1009 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 85 ، 86 ، 39 ، 40
(مادة 42) :
لا تسمع الشهادة ولو لم تزد القيمة على عشرين جنيهاً :
(أ) فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دلیل کتابي .
(ب) إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزءاً من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة .
(ج) إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بها تزيد قيمته على عشرين جنيهاً ، ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة .
( م (61) إثبات مصري ، و(401) مدني مصري ، و(13) - (1) إثبات سوداني - تقابل البند (أ) من هذه المادة ، و(489) مدني عراقي ، و(55) بینات سوري ).
المذكرة الإيضاحية :
تناولت هذه المادة بيان أحوال عدم سماع الشهادة وليس الحظر في أولى هذه الأحوال إلا تطبيقاً للمأثور من صدارة الكتابة على الشهادة»، ووسيلة لكفالة إحترام الدليل الكتابي .
ويراعى أن حكم هذا الحظر يسري ، في هذه الحالة ، ولو لم تزد قيمة الإلتزام على عشرين جنيهاً ، فإذا كان المتعاقدون قد لجئوا إلى الدليل الكتابي ، إمتنع قبول الإثبات بالشهادة ، ولو لم يكونوا ملزمين قانوناً بالإلتجاء إلى هذا الدليل ، ذلك أن القانون يعتبر أن الكتابة بمجردها هي الدليل الكامل .
ويقصد بالدليل الكتابي المحررات الرسمية والعرفية والرسائل . فهذه المحررات وحدها هي التي لا يقبل الإثبات بالشهادة لنقض الثابت فيها أو بالإضافة إليها . وقد يكون قوام الإضافة الإدعاء بصدور تعديلات شفوية قبل إنعقاد الإلتزام أو بعده أو في وقت معاصر له ومهما يكن من أمر هذه الإضافة ، فلا تسمع فيها الشهادة ، أياً كانت صورتها، فمن ذلك الإدعاء بإضافة وصف من الأوصاف المعدلة لحكم الإلتزام ، کشرط أو أجل ، أو بالتجديد (بالإستبدال) ، ولا يجوز كذلك نقض الثابت بالكتابة من طريق الشهادة ، فلا يجوز الإدعاء مثلاً بعدم مطابقة شرط من شروط المحرر للحقيقة وإقامة الدليل على ذلك بالشهادة ، كما لو أريد إثبات أن حقيقة المبلغ المقترض ليست مائة جنيه على ما هو ثابت بالكتابة بل أكثر .
أما الحالتان الأخريان اللتان تكفل النص ببيانها ، فأولاهما حالة ما إذا اجتزأ المدعي من دعواه بالمطالبة بعشرين جنيها ، فإنه لا يجوز الإثبات بالبينة ؛ لأن مناط التقدير في الإثبات هو قيمة الإلتزام بأكمله وقت نشوئه ، والثانية حالة ما إذا طلب أحد الخصوم في الدعوى بها تزيد قيمته على عشرين جنيهاً ، ثم عدل طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة، فلا تسمع الشهادة ؛ لأن تقدير الطلب يناط بقيمة الإلتزام بأسره دون تجزئة أو تبعیض ، أي ولو كانت البقية من الدين أقل من عشرين جنيهاً متى كان أصل الدين بأسره يجاوز هذا القدر .
(مادة 5) :
للقاضي في حدود ما نص عليه في هذا القانون تقدير البينات ، والأخذ منها بما يراه محققاً للعدل .
المذكرة الإيضاحية :
1- وظيفة القاضي هي إحقاق الحق ، ومن ثم وجب إتاحة الفرصة له كي ينظر فيها يقدم إليه من الأدلة ، وأن يتحقق من صدقها ، وأن يأخذ منها ما يراه محققاً للعدل ، ولكن في حدود ما نص عليه في هذا القانون .
2- وقد بين ذلك ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية ، ومما قاله في هذا الصدد:
«وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود ، فرقهم وسألهم : كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ، وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر في الحال ، هل يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه ، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال» . (ص (24) وما بعدها ) .
« والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم : الفهم في الواقع والإستدلال بالأمارات وشواهد الحال ، وهذا الذي فات كثيراً من الحكام فأضاعوا كثيراً من الحقوق» (ص (34) ).
والمقصود أن الشريعة لا ترد حقاً ، ولا تكذب دليلاً ، ولا تبطل أمارة صحيحة ، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين في خبر الفاسق ، ولم يأمر برده جملة». (ص (24)).
( وانظر أيضاً من نفس الكتاب ص (61). والسنهوري ، الوسيط، ج (2) ص (35) ).
3- والمقصود بالبينات هنا طرق الإثبات ، سواء كانت الشهادة أو غيرها ، كما ورد في المذكرة الإيضاحية الخاصة بالمادة (3) من هذا القانون ، وانظر ابن القيم ، الطرق الحكمية ص (12) و(24) ) .
4- وقد روعي أيضاً مع إطلاق حرية القاضي في تقدير الأدلة - تحديد هذه الحرية ، وذلك بالقيود التي نص عليها في هذا القانون ، فمثال ذلك أنه لا يجوز إثبات عكس الثابت بالكتابة إلا بالكتابة ؛ وذلك تطبيقاً للمذهب المختلط الذي أخذ به القانون في الإثبات جمعاً بين الإطلاق والتقييد ، کما سلف البيان في المذكرة الإيضاحية العامة للقانون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 22
دَلِيلٌ
التَّعْرِيفُ:
الدَّلِيلُ لُغَةً: هُوَ الْمُرْشِدُ وَالْكَاشِفُ، مِنْ دَلَلْتُ عَلَى الشَّيْءِ وَدَلَلْتُ إِلَيْهِ.
وَالْمَصْدَرُ دُلُولَةٌ وَدَلاَلَةٌ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا. وَالدَّالُّ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ.
وَالدَّلِيلُ مَا يُتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَلَوْ ظَنًّا، وَقَدْ يَخُصُّهُ بَعْضُهُمْ بِالْقَطْعِيِّ.
وَلِذَلِكَ كَانَ تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ» جَارِيًا عَلَى الرَّأْيِ الأَْوَّلِ الْقَائِلِ بِالتَّعْمِيمِ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ بِمَا يَشْمَلُ الظَّنِّيَّ؛ لأَِنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةِ تَشْمَلُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ، كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَمَا هُوَ ظَنِّيٌّ كَالْعُمُومَاتِ وَأَخْبَارِ الآْحَادِ وَالْقِيَاسِ وَالاِسْتِصْحَابِ. وَمِنْ هُنَا عَرَّفَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ: «طُرُقُ الْفِقْهِ»؛ لِيَشْمَلَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الأَْمَارَةُ:
الأَْمَارَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلاَمَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى - كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ - وَهِيَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: مَا أَوْصَلَ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ظَنِّيٍّ.
وَلَمْ يُفَرِّقِ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الأَْمَارَةِ وَالدَّلِيلِ. وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ: الأَْمَارَةُ مَا يُؤَدِّي النَّظَرُ الصَّحِيحُ فِيهِ إِلَى الظَّنِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْلِيًّا أَمْ شَرْعِيًّا. أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَالأَْمَارَاتُ الْعَقْلِيَّةُ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ كَذَلِكَ.
ب - الْبُرْهَانُ:
الْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ وَالدَّلاَلَةُ، وَيُطْلَقُ خَاصَّةً عَلَى مَا يَقْتَضِي الصِّدْقَ لاَ مَحَالَةَ. وَهُوَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ مَا فَصَلَ الْحَقَّ عَنِ الْبَاطِلِ، وَمَيَّزَ الصَّحِيحَ مِنَ الْفَاسِدِ بِالْبَيَانِ الَّذِي فِيهِ.
ج - الْحُجَّةُ:
الْحُجَّةُ: الْبُرْهَانُ الْيَقِينِيُّ، وَهُوَ مَا تَثْبُتُ بِهِ الدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ الْغَلَبَةُ عَلَى الْخَصْمِ.
وَالْحُجَّةُ الإِْقْنَاعِيَّةُ، هِيَ الَّتِي تُفِيدُ الْقَانِعِينَ الْقَاصِرِينَ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَرُبَّمَا تُفْضِي إِلَى الْيَقِينِ بِالاِسْتِكْثَارِ
الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ:
الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ نَوْعَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَثِيرٌ جَمَعَهَا الْقَرَافِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الذَّخِيرَةِ، مِنْهَا: الاِسْتِحْسَانُ، وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ، وَالْعُرْفُ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَغَيْرِهَا وَيُقْصَدُ بِالأَْحْكَامِ: الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالإِْبَاحَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْحُرْمَةُ. وَالأَْحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ: كَالشَّرْطِ، وَالْمَانِعِ، وَالسَّبَبِ وَنَحْوِهَا.
الدَّلِيلُ الإِْجْمَالِيُّ وَالدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ:
عَرَّفَ الأُْصُولِيُّونَ أُصُولَ الْفِقْهِ لَقَبًا بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ» مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَوْضُوعَهُ الأَْدِلَّةُ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، وَهِيَ الأَْدِلَّةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَدِلَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا إِلاَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الأَْرْبَعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الاِسْتِحْسَانُ، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالاِسْتِصْلاَحُ. وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ يَبْحَثُ فِي إِثْبَاتِ حُجِّيَّةِ الأَْدِلَّةِ وَطُرُقِ دَلاَلَتِهَا عَلَى الأَْحْكَامِ.
وَالدَّلِيلُ إِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا، وَإِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا. وَمِثَالُ ذَلِكَ قوله تعالي وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ، وَأَنَّ الأَْمْرَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ، كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا.
وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا.
الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ وَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ:
تَنْقَسِمُ الأَْدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالدَّلاَلَةُ:
قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ).
وَقَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي يُخْتَلَفُ فِي تَأْوِيلِهَا.
وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ قَطْعِيُّ الدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ ذَاتِ الْمَفْهُومِ الْقَطْعِيِّ.
وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ.
وَرَتَّبَ أُصُولِيُّو الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ:
فَبِالْقِسْمِ الأَْوَّلِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ، وَبِالْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ، وَبِالْقِسْمِ الرَّابِعِ يَثْبُتُ الاِسْتِحْبَابُ وَالسُّنِّيَّةُ.
وَهَذَا التَّقْسِيمُ جَارٍ عَلَى اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ. وَيُنْظَرُ فِي تَفْصِيلِ مَا تَقَدَّمَ: الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ فِي مَوَاضِعِهِ. وَكَذَلِكَ مُصْطَلَحُ: «اسْتِدْلاَل» «وَتَرْجِيح».
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 214
شَهَادَةٌ
التَّعْرِيفُ:
- مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخَبَرُ الْقَاطِعُ، وَالْحُضُورُ وَالْمُعَايَنَةُ وَالْعَلاَنِيَةُ، وَالْقَسَمُ، وَالإِْقْرَارُ، وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ: شَهِدَ بِكَذَا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ وَشَهِدَ كَذَا إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ عَايَنَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يُعَدَّى الْفِعْلُ (شَهِدَ) بِالْهَمْزَةِ، فَيُقَالُ: أَشْهَدْتُهُ الشَّيْءَ إِشْهَادًا، أَوْ بِالأَْلِفِ، فَقَالَ: شَاهَدْتُهُ مُشَاهَدَةً، مِثْلُ عَايَنْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ: قوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: «وَشَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ: قوله تعالي وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)
قَالَ الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ مَعْنَاهَا: «وَقَوْلُهُ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، يَعْنِي مُشَاهَدَةَ الْبَصَرِ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوِ الْيَمِينِ: قوله تعالي فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْيَمِينُ هَاهُنَا.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْقَاطِعِ: قوله تعالي وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.
وَاسْتِعْمَالُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الإِْقْرَارِ: قوله تعالي شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ).
أَيْ مُقِرِّينَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْسِ هِيَ الإِْقْرَارُ.
وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (وَهِيَ قَوْلُنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَتُسَمَّى الْعِبَارَةُ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَمَعْنَاهُمَا هُنَا مُتَفَرِّعٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ (الإِْخْبَارُ وَالإِْقْرَارُ)، فَإِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا هُوَ الإِْعْلاَمُ وَالْبَيَانُ لأَِمْرٍ قَدْ عُلِمَ وَالإِْقْرَارُ الاِعْتِرَافُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ: «أَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَأُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُبَلِّغٌ لِلأَْخْبَارِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُمِّيَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ، وَهُوَ صِيغَةُ (تَفَعَّلَ) مِنَ الشَّهَادَةِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ (التَّشَهُّدُ) عَلَى (التَّحِيَّاتِ) الَّتِي تُقْرَأُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ.
جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ. صلي الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْعَلاَنِيَةِقوله تعالي عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: «السِّرُّ وَالْعَلاَنِيَةُ.
وَمِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قوله تعالي فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ).
فَهُوَ شَهِيدٌ قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ، جَمْعُهُ شُهَدَاءُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ).
وَاسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).
وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي الْقَسَمِ كَمَا فِي اللِّعَانِ، (وَبَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ).
كَمَا اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي الإِْخْبَارِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
فَعَرَّفَهَا الْكَمَالُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارُ صِدْقٍ لإِِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.
وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: بِأَنَّهَا إِخْبَارُ حَاكِمٍ مِنْ عِلْمٍ لِيَقْضِيَ بِمُقْتَضَاهُ.
وَعَرَّفَهَا الْجَمَلُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ.
وَعَرَّفَهَا الشَّيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا: الإِْخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ.
وَتَسْمِيَتُهَا بِالشَّهَادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ، لأَِنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَنْ مَا شَاهَدَهُ وَالإِْشَارَةُ إِلَيْهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.
وَتُسَمَّى «بَيِّنَةً» أَيْضًا؛ لأَِنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتَبَسَ وَتَكْشِفُ الْحَقَّ فِي مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.
وَهِيَ إِحْدَى الْحُجَجِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الدَّعْوَى.
أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ:
الإِْقْرَارُ:
الإِْقْرَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الإِْخْبَارُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْمُخْبِرِ.
الدَّعْوَى:
الدَّعْوَى: قَوْلٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلِ الْغَيْرِ أَوْ دُفْعُ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ.
فَيَجْمَعُ كُلًّا مِنَ الإِْقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، أَنَّهَا إِخْبَارَاتٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا: أَنَّ الإِْخْبَارَ إِنْ كَانَ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ فَإِقْرَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ نَفْعٌ فِيهِ لأَِنَّهُ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ فَهُوَ الدَّعْوَى، انْظُرْ: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ) (6 67.
الْبَيِّنَةُ:
الْبَيِّنَةُ: عَرَّفَهَا الرَّاغِبُ بِأَنَّهَا: الدَّلاَلَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً أَوْ مَحْسُوسَةً. وَعَرَّفَهَا الْمَجْدَوِيُّ الْبَرَكَتِيُّ بِأَنَّهَا: الْحُجَّةُ الْقَوِيَّةُ وَالدَّلِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْبَيِّنَةُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلاَثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفَلِّسِ، وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً وَاحِدَةً وَنُكُولاً وَيَمِينًا أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ (أَيِ الْقَرَائِنَ) فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ.
وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا أَعَمَّ مِنَ الشَّهَادَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ.
تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لقوله تعالي وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا). ). وقوله تعالي ).وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ). وَقَوْلُهُ (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الأَْمَانَاتِ. فَإِذَا قَامَ بِهَا الْعَدَدُ الْكَافِي (كَمَا سَيَأْتِي) سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ.
وَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُمْتَنِعُ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ تَنْفَعُ.
فَإِذَا تَضَرَّرَ فِي التَّحَمُّلِ أَوِ الأَْدَاءِ، أَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لاَ تَنْفَعُ، بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لقوله تعالي وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ.. وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَرْضًا عَيْنِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَخِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ.
وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ أَدَاءٌ ف 26 ح 2 ص 340 لِبَيَانِ الْخِلاَفِ فِي أَفْضَلِيَّةِ الشَّهَادَةِ أَوِ السَّتْرِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ:
ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْكِتَابُ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ).
وَقَوْلُهُ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وَقَوْلُهُ(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ).
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الشَّهَادَةُ.
«قَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لإِِثْبَاتِ الدَّعَاوَى».
أَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأَِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.
أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ:
أَرْكَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ، وَالصِّيغَةُ.
وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَهُوَ لَفْظُ (أَشْهَدُ) عِنْدَهُمْ.
سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:
سَبَبُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ طَلَبُ الْمُدَّعِي الشَّهَادَةَ مِنَ الشَّاهِدِ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا.
حُجِّيَّةُ الشَّهَادَةِ:
الشَّهَادَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلاَ تُوجِبُهُ وَلَكِنْ تُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهَا لأَِنَّهَا إِذَا اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا مُظْهِرَةٌ لِلْحَقِّ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ.
شُرُوطُ الشَّهَادَةِ:
لِلشَّهَادَةِ نَوْعَانِ مِنَ الشُّرُوطِ:
شُرُوطُ تَحَمُّلٍ.
وَشُرُوطُ أَدَاءً.
فَأَمَّا شُرُوطُ التَّحَمُّلِ: فَمِنْهَا:
أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلاً وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَلاَ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ؛ لأَِنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ الْحَادِثَةِ وَضَبْطِهَا، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِآلَةِ الْفَهْمِ وَالضَّبْطِ، وَهِيَ الْعَقْلُ.
أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنَ الأَْعْمَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ تَحَمُّلِهِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ صَوْتُ فُلاَنٍ.
أَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِلشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «الرَّجُلُ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى مَا يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذِهِ الشَّمْسِ وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْسِ.
وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعِلْمِ، أَوِ الْمُعَايَنَةِ، إِلاَّ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، كَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ.
وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا رَآهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَتْمَ، كَثِيرًا مَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ، فَلاَ مُعَوَّلَ إِلاَّ عَلَى التَّذَكُّرِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ مِنْ خَطِّ نَفْسِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لاَ يَحْفَظُهُ، كَإِقْرَارِ رَجُلٍ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ، أَوْ صُدُورِ حُكْمٍ مِنْهُ وَقَدْ خُتِمَ بِخَتْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِهِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ: الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِْسْلاَمُ، وَالْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

